القائمة الرئيسية

الصفحات

تلخيص رواية ترنيمة سلام - أحمد عبدالمجيد اعداد واشراف -رجاء حمدان


تلخيص رواية 
ترنيمة سلام - أحمد عبدالمجيد
اعداد واشراف -رجاء حمدان








كنت أقف بجوار أبي ننتظر أن يلحق بنا بقية رفاقنا بعد أن أنهينا صلاة التراويح في مسجد الشيخ مروان , كنت أشعر بروحي وكأنها  قد بدأت تشفّ  وامتلأت بشعور الطمأنينة . جاء العم عوض الله سريعاً , حضنته إلى صدري وكنت سعيداً جداً , وبعدها جاء العم خليل وابنه سمير الذي طالما نافسني في كل شيء إبتداءاً من المدرسة وانتهاءاً بالفتيات  ، حينها اقتربت من سمير واحتضنته فهمس لي بتودد : سامحني إن كانت أفعالي تضايقك ! .

مضت نصف ساعة منذ جلوسه بجواري رغماً عني ,كنت عائداً بعد إجازة قصيرة وكان القطار شبه خالٍ ,ظل هذا الرجل يحدثني عن حياته ومشاكله ولكني لم أملك وقتها الجرأة الكافية لأكون وقحاً وأطلب منه تركي في حالي . شعرت بالإحباط وأنا أضع قدمي على رصيف محطة الإسكندرية فكنت أستغل وقت سفري في القطار لكتابة روايتي الجديدة بدافع الملل الذي ينتابني حينها . ركبتُ الميكروباص واشتريت تذكرتين لمقعدين حتى يتسنى لي الكتابة براحة إلى أن  جاء رجل عجوز في الستين أو السبعين من عمره , شعرت أن هناك ما أسرني لذلك الرجل , ملامحه كانت مألوفة لي وشعرت أني أعرفه أو ربما التقيته صدفة في مكان ما , ثم طلب مني أن يجلس إلى جانبي فوافقت ثم نظرت إليه فوجدته يختلس النظر إليَّ , وكان يرمق المنظر خارج القطار , بعدها أخذ يتحدث لي ولكني أوضحت له بإيجازٍ فكرتي الخاصة حول كتابة رواية عظيمة من خلال سجن نفسي لعدة ساعات في مكان ما لا أستطيع أن أفعل فيه شيئاً سوى الكتابة فقال لي : إن الأمر لا يدور حول السفر بل في الظروف التي أحاطت بك خلاله , فلو استطعت إعادة تلك الظروف وأنت في بيتك دون الحاجة لركوب القطارات فستكتب ما تريد ثم أكمل : أنت في هذه الرحلة خرجت من حيز الزمن ولم تعد تفكر في الماضي ولا المستقبل ,عشتَ لحظتك وغصتَ بها ... شعرتُ أن هذا الرجل يغوص في أعماق قلبي وشعرت أني سأستفيد من كلامه أكثر من صمته فواصلت الحديث  معه . تعرفت عليه  أكثر ، كان اسمه خالد  وكذلك عرّفته على إسمي وهو أيضاً  خالد عبد الدايم مهندس كمبيوتر ، ثم عدت  للكتابة فبدا عليه التردد ثم قال لي إن إسمه هو خالد محمد ويعمل مهندساً معمارياً . كنت مبهوراً بكلامه ففي لحظاتٍ قليلة كشف لي سراً من أسرار الحياة وتحدث إليَّ في مواضيع كثيرة جداً ,       وأخيراً  حدثني عن السلام النفسي فقال لي : عندما كنت في الخامسة عشر من عمري وكنا في رمضان ذهبت مع أبي إلى مسجد الشيخ مروان ,      وحينما خرجنا من المسجد  كان معنا ثلاثة أشخاص العم عوض الله      والعم خليل وابنه سمير الذي كان يحب المديح , وكنا نختلف ونتنافس ومع ذلك نظل أصدقاء , حينها ضممت العم عوض الله وضممت بعدها سمير الذي همس لي : سامحني إن كانت بعض تصرفاتي تضايقك ! حينها قلت له : بل سامحني أنت !! . وفوجئت بدمعتين تسيلان على خده ثم أخبرني عن صديق له اسمه خالد محفوظ قد وصل إلى أعلى درجات السلام النفسي فقال : خالد محفوظ كان مثلك كاتباً ولكنه كان يختلف في بعض الأشياء عنك , لم يتوفى والده كما حدث معك .. من الغريب أن إسم خالد قد تكرر ثلاث مرات حتى الآن , هل الأمر مجرد مصادفة أم أنه اختلق الأسم , ثم تنبهت فجأة إلى ما قاله فقاطعته بدهشة : كيف عرفت أن والدي متوفي ؟؟؟؟ ظهر الإرتباك عليه وأسرع يبرر لنفسه ولكني رمقته بشك , إعتقدت أنه من المباحث ولكنه قال لي إني لا أحمل أي انتماءاتٍ سياسية ! كيف عرف ذلك أيضاً !ِِ ثم قال لي : بالفعل لقد انزرع الشك بيننا سأكون صريحاً معك .. نعم أنا أعرفك جيداً لكن لا يمكنني أن أفسر لك السبب ,   ولكن حينما أقص عليك قصة خالد محفوظ ستفهم كل شيء ! انتبهت فجأة إلى أن ملامح وجهه كانت مألوفة لي ، إنه يشبه أبي كثيراً فغمغمت  بصوت رغماً عني : أبي !! فانفجر ضاحكاً : أعلم أني أشبه والدك ولكني         لست هو , يمكنني قراءة أفكارك , لا تنس أن والدك لقي حتفه في حادث سيارة منذ إحدى عشرة سنة وكان في الخمسين من عمره , ولو افترضنا أنه سافر عبر آلة الزمن فلن يكون في الستين من عمره مثلي !.. زاد ذلك من خوفي وغضبي وذهولي كيف عرف كل ذلك عني ثم تابع قائلاً : أعتقد أن الأمور واضحة لك الآن , فأنا لم آت إلى هنا مصادفة , أتيت خصيصاً لأقابلك وأقص عليك قصة خالد محفوظ وأطلب منك أن تكتبها ! ثم رمقني منتظراً إجابتي  لكني اكتفيت بالصمت فبدأ يحكي : خالد محفوظ كان كاتباً شاباً مثلك , كان يحلم أن ينشر روايته الأولى ويحصل على جائزة نوبل , قابلته في ظروف خاصة وقص عليَّ قصته , فوالداه قد توفيا في حادث سيارة ، كان حينها على وشك الدخول للجامعة , وانتقل بعد حادثة والديه للعيش عند خالته . في الكلية لفت انتباه زميلته ليلى التي تحب الرسم , كانت هذه ليلى التي ستصبح زوجته بعد فتره . ثم بدأ خالد محفوظ يحكي لي قصته فقد كان قد أكمل الثلاثين من عمره وكانت تلك الليلة ليلة نشر أول كتاب له ,ثم قال لي واصفاً ما حدث : في تلك الليلة كنت قد تأنقت في ملبسي فالليلة سينضم إسمي إلى أسماءِ أكبر الكتاب في العالم , امتلأتْ نفسي بالزهو ونظرت إلى شهادة التخرج ( خالد محفوظ - بكالوريوس حاسبات و معلومات ) لا يهم , اليوم سأجني ثمرة رهاني . نظرتُ إلى المرآة , تأملت الصلع والوزن الذي أحمله ,آه لو كنت وسيماً كصديقي سمير خليل لمَا تعبت في الحصول على الشهرة . إنتهت زوجتي ليلى من ارتداء ملابسها وانطلقنا إلى حفل التوقيع , دائماً ما تشعرني ليلى بأنها لا تقدِّرني ولا تقيم وزناً لرجولتي . المهم وصلنا إلى المكتبة , كانت المقاعد الشاغرة متراصة فخالتي وابنها عماد يجلسون في الصف الأول بينما يجلس سمير في الصف الثاني  .



 إنتظرنا الكثير من الوقت علَّ أحدٌ يأتي ولكن لم يحضر أحد , فقرأت على مسامع الأربع أشخاص بعضاً من كتاباتي , وأخذ سمير ينتقد كتاباتي فانفجرت به وتجادلنا ثم هممت بالخروج , أردت الإبتعاد قدر الإمكان عن المكان الذي شهد فشلي ، أخذت أول ميكروباص , سألت الشخص الذي يجلس بجواري : ماذا كان العالم سيخسر لو أن الأمور سارت معي كما يجب ؟! .
وصلت إلى البيت  وبقيت جالساً  في الصالة مرتدياً البذلة , فُتح الباب     ودخلت ليلى في  وقت متأخر , فانفجرت غضباً عندما علمت أن سمير هو من أوصلها إلى البيت , وبعد عراكٍ طويل ذهبتْ إلى غرفتها وخرجت  منها وقالت : أنا أريد الطلاق !! , لكننا لم نتطلق لأن الحادث وقع بعد أيام قليلة . كنت ناقماً على ما يحدث لي فلماذا يحصل سمير خليل على كل شيء بينما خالد محفوظ لا يحصل على شيء ؟ لماذا تهل القسوة في  حياة خالد محفوظ وتَرْبت بحنو على حياة سمير خليل ؟ لماذا يتعرض خالد لكل تلك الإهانات في منزل أهل ليلى رغم أنه لم يفعل شيئاً يستحق ذلك؟ .
كانت ليلى قد ذهبت لتقيم في بيت أهلها طالبة الطلاق , وكنت قد ذهبت في ليلة الحادث لأسترضيها وأحاول التفاهم مع أهلها فقال لي عمها : حفل توقيعك لم يحضره أحد ما عدا خالتك وليلى ؟ هل تجد هذا مؤشراً على أن الطبعة الأولى ستنجح ؟ الكتابة وحدها لن تفتح بيتاً وتنفق على ابنة أخي يا خالد , أنت شخص كسول لا يُعتمد عليه ينتظر أن يأتيه الحظ والنصيب , يجب عليك أن تسعى وتحاول وتفشل وتنجح حتى تصل إلى وجهتك ! ,    وبصراحة شديدة أنت خدعتنا ! كنا نظنك قادراً على رعاية ليلى ولكنك للأسف لا تصلح لذلك .. حينها شعرت بالدنيا تدور بي , شعرت برغبة قوية في الهرب ومغادرة هذا المشهد أو أن أمتلك الشجاعة لأرفع أصبعي إلى عيني فأقتلعهما ولا أضطر لرؤية وجه عم ليلى وهو يوجه لي الإهانات , فقلت له حينها : لا داعٍ  لهذا الكلام , أنا تحت أمركم  في أي شيء , إن كانت ليلى ترغب في الطلاق فأنا تحت أمركم ! .وبعدها تركت المكان واستقليتُ أول ميكروباص صادفني ,لم يكن هناك أي راكب سواي  وكان السائق يضع أغنية لمطرب شعبي لا أعرف اسمه , شعرت أن طبلتيْ أذنيْ تتمزقان فأمرته أن يخفض الصوت ثم أعطيته الأجرة , فرمق الجنيه الذي بين يديه وقال : هذا الجنيه لا يصلح .. قديم جداً ! حينها صرخت في وجهه : ستأخذ الجنيه وتخفض صوت الأغنية وإلا ... جاء رد فعله مبالغاً فيه وغير متوقع , انتبهت حينها أن حركاته وطريقة كلامه غير طبيعية , وفي الغالب هو تحت تأثير مخدر ما , وتحرك بعنف وطوَّح الماسورة فجأة تجاه وجهي  , شعرت بألم شديد ثم استمر يضرب رأسي عدة مرات ومع الضربة الثالثة غابت الدنيا  من أمام عيني وغمرني السواد . لم أكن أعرف في تلك اللحظة أن السواد سيغمرني طويلاً بعدها ! فتحت عيني فوجدت ظلاماً ,وكان الألم حارقاً في وجهي ومؤخرة رأسي , سمعت عماد ابن خالتي يهتف بانفعال لإمه . حضر الدكتور وبعدها أخبرتني خالتي أن بعض أولاد الحلال رأوني ملقى على الطريق فاتصلوا على آخر رقم على هاتفي وكان رقم عماد وأحضروني إلى المستشفى , حينها سألت الطبيب عن الظلام  الذي يلف حولي فاستغرب لأن مراكز الإبصار سليمة ولم تتأذ ,واعتقد الطبيب أن الأمر في الغالب يرجع لعوامل نفسية لا عضوية وسيزول ربما بعد يومٍ أو يومين , ونصحني بمراجعة العيادة النفسية ! بقيت عدة أيام أستيقظ وأفاجَأ حينما أفتح عيني فلا أجد حولي سوى الظلام , ثم أتذكر أني صرت لا أرى . كان الظلام يفزعني وكانت تفزعني أكثر فكرة أنني سأضطر للإعتماد على غيري طوال حياتي .. بعد أيام خرجت من المستشفى إلى منزل خالتي الذي لم يكن غريباً علي , فقد قضيت فيه جزءاً من حياتي بعد وفاة والدي في حادثة السيارة , كانت خالتي تساعدني بكل صغيرة وكبيرة , تمسك بمعصمي وتقودني باتجاه الحمام ثم ترجعني إلى الصالة أمام التلفاز , كانت خالتي وعماد يتعاملان معي بعطف وحنان مبالغ فيهما ولكن أسوأ أوقات يومي كانت أوقات الطعام , كنت أرفض الجلوس معهما على نفس الطاولة حيث أني بعد تجربة أو اثنتين اكتشفت من خلالهما أني سأسقط الكثير من الطعام على نفسي رغم حرصي .. بعد عودتي بإسبوعين من المستشفى عرضتْ عليَّ خالتي للخروج سوية برفقة ابنة الجيران كي تشتري بعض الستائر, كانت  الفتاه غاية في اللطف إسمها أمل وهي طالبة في كلية الآداب ، وافقت وخرجت معهما .. 

من الغريب أن المرة الأولى التي التقيتُ فيها أمل لم أستطع رؤيتها ! مررنا على كافتيريا في طريقنا وعندما جاء الجرسون بالطلب مسكت العصير واندلق على صدري ,إعتذرت بارتباك ورجعنا إلى البيت , حينها رن جرس الباب فسمعت صوت خطوات ملهوفة وفوجئت بجسد ضئيل يهجم علي وسمعت صوت ليلى الباكي تعتذر لي وتبكي ! أدهشني أني شعرت بمزيج من الفرحة والغضب ، أدركتْ أنها أخطأتْ بحقي وأصرتْ على أن نرجع إلى بيتنا فهي الأولى بالوقوف إلى جانبي في هذه المحنة .. أوصلنا عماد إلى البيت , وبعد أيام شعرت بالإمتنان لها ووجدت نفسي قد نسيت كل ما وقع بيننا , كنت أعرف أنها تشعر بالذنب تجاهي وتتصرف  كأنها ممثلة تؤدي دوراً درامياً ! .. كنت بحاجة للحديث مع أشخاص لا أعرفهم لأكون أكثر حرية معهم بعيداً عن القيود الإجتماعية  ، بحثتْ لي ليلى على الإنترنت حتى وجدت غرفة دردشة تتيح الدردشة الصوتية ثم تركتني أتعامل مع الموجودين . أسعدني هذا الجو وأخذت أنسحب من الحياة الحقيقية إلى الحياة الإفتراضية .. جاء سمير أيضاً لزيارتي وقال إن ليلى أخبرته بالأمر ! ليلى أخبرته ؟! أين ومتى ؟! شعرت بنارٍ تتلظى في صدري وتجادلنا بصورة أكبر حينما غادر سمير البيت , وأخيراً انفجرتْ ليلى في وجهي قائلة :أنا لا أريد أن أجرح شعورك ولكن يجب أن يخبرك أحدهم بهذا , منذ أن عدنا إلى البيت وأنت تلقي باللائمة على كل شيء إلا نفسك ! هل ستظل بقية عمرك جالساً على الأريكة تتحدث مع أصدقائك على الإنترنت ؟ أنت حتى لم تفكر في الإستفادة من وضعك , كنت أظنك ستكتب رواية عظيمة عن شخص أصبح كفيفاً وتنقل مشاعرك إلى الورق ؟ هل فكرتَ في الإعتماد على نفسك ؟ هل فكرت في عد خطواتك من المجلس إلى الحمام ؟ يخيل لي أحياناً أنك مستمتع بوضعك , أنا تعبت تعبت جداً ! ثم سقطت على الأرض تبكي , حينها قررت أن أفتح صفحة جديدة مع  ليلى , سأثبت لها أني تغيرت .. فكرت في قصة ترجعني إلى عالم الكتابة وبدأت خيوطها تتشكل في ذهني , كان اسمها (الأميرة والضفدع) , وخلال الكتابة تشاجرنا مرة أخرى وخرجتْ ليلى من البيت ثم عادت فاشتممت رائحة عطر سمير, فقلت: هل جاءت بك يا سمير لتصلح بيننا ؟ قالت ليلى بصوت يرتعش : سمير ! سمير لم يأتِ معي ! فجأة شعرت بالأعمدة التي تحمل السماء من حولي تنهار دفعة واحدة على رأسي بالغضب , وتمنيتُ  الموت على الفور ووقفت أصرخ : لقد خنتيني معه أيتها السافلة ! كنت أشعر بها تقف أمامي صامتة لا تقول شيئاً .. شعرت بتوترها وقلقها ولكنها ظلت صامتة .. تمنيت لو تتكلم فتقول أي شيء ! انفجرتُ بالبكاء رغماً عني , لا أصدق كيف تحولت حياتي إلى مسلسلٍ درامي سخيف تنهال فيه المصائب تلو المصائب على رأسي , حينها حاولت الإنتحار ولكن لم ينفع الأمر معي , شعرت بالعجز ....إلى متى سأظل هكذا يا الله !! ظللت أبتهل إلى الله بصمت ولم أدرِ كم من الوقت مر عليَّ إلى أن جاء عماد إليّ ووضعني فوق الأريكة , وكان جسدي متورماً من شدة الألم ,عرفت منه بعد ذلك أن ليلى اتصلت بخالتي وطلبت من عماد أن يأتي ليأخذني إليه , فأخذني إلى المستشفى وضمدوا جروحي وأخرجوني ..أنتابتني حالة غير مفهومة من الإستسلام واللامبالاة , كنت أرقد في سريري في بيت خالتي أرمق الظلام حولي في جميع الإتجاهات شاعراً أن العالم لم يعد مشكلتي بعد الآن , استسلمت لفكرة أني المسؤول عما أصابني , بدأت أفكر في العودة للكتابة من جديد , وطلبت من عماد المساعدة فرحب كثيراً بمساعدتي في كتابة رواية بعنوان ( عدم ) , شعرت برنة سعادة في صوت عماد بعدما أخبرني أنها قصة رائعة , وبمساعدة عماد أيضاً بدأت أحفظ أماكن الحروف دون أن أراها , وبعدها أخذت أكتب  بنفسي حتى في الأوقات التي لا يكون فيها عماد في البيت , وبدأت بالإعتماد على نفسي في كل شيء تقريباً , واستغللت قدرتي في التعامل مع الإنترنت بمساعدة البرنامج الصوتي ورحت  أبحث عن مواقع للتوظيف , عن وظائف للكتابة على الكمبيوتر من البيت , وبالفعل توظفت وبدأت أجني المال من البيت ,    وطلقت ليلى بعد إصرارها على الطلاق , وبذلت  قصارى جهدي في السيطرة على نفسي حينما جاء عم ليلى والمأذون , وساعدني على ذلك أني لست مضطراً للنظر في عين أحد أو لأتصنع أي مجاملة . لم تفلح الأيام في نزع المرارة من حلقي , وسارت الحياة بشكل روتيني سلس وسط دهشة خالتي وعماد من أخذي للأمور ببساطة وفرحتي بإنجازاتي الصغيرة , ثم  تدريجياً بدءا يتركاني وحدي دون قلق .. فوجيء عماد ذات يوم أقول له : بأنني على استعداد للذهاب إلى الطبيب النفسي . 



 تناولت فطوري وذهبت إلى الحمام لأغسل يداي , وعندما سقطتِ الصابونة من بين يدي وانحنيت على الأرض أبحث عنها , سمعت صوت خطوات تسير أمام باب الحمام , فزعت وانتصبت واقفاً , فتفجر الألم في رأسي ثم لم أشعر بشيء ! فيما بعد عرفت أن عماد عاد لأنه نسي بعض الأوراق ووجدني أنزف من مؤخرة رأسي فأخذني للطبيب وأخاط الجرح . كان الطبيب يضع الغرزة الأخيرة في فروة رأسي قبل أن يزول أثر المخدر, فتحت عيني فوجدت خالتي وعماد والطبيب يرمقونني بقلق !!!!! كانت الرؤية أمامي مهتزة وغير واضحة ولكني أرى ! قال الدكتور وهو يفرد أوراق الأشعة أمامه  كما قلت لك : إصابتك لم تكن عضوية ومركز الإبصار سليم , لا الضربة الأولى ولا الثانية سببت لك أي ضرر ! أما الطبيب النفسي فقال : كان لديك استعداد نفسي لعودة الرؤية فقام عقلك بأخذ الضربة الثانية كمبرر لعودتها . كنت لغاية هذه اللحظة مذهول هل كان عَمَاي حلماً أم أن إبصاري هو الحلم , أين الحقيقة من كل هذا ؟ ما أروع العالم , ما أروع الحياة , ما أروع المرئيات , ما أروع الألوان !! وصرت عادة ما أنسى نفسي وأنا واقف أرمق ولادة الشمس وتغيُّرْ لون السماء , ولا أنتبه إلا حينما يصعد عماد ليذكرني بموعد الإفطار ! يوماً ما شعرت بحركة خلفي فالتفت متوقعاً عماد لكني فوجئت بفتاة رقيقة الملامح ترمقني بدهشة وقد فُوجئتْ بوجودي , تذكرت صوتها إنها أمل ,تحادثنا طويلاً , توقعت أن أراها مرة أخرى في الأيام التالية لكنها لم تظهر ... إنهمكت في عدة كتب مع كل حكمة أقرأها , كنت أشعر بروحي تصعد درجة , أصبح الكتاب لا يفارقني ليلاً ولا نهاراً وهكذا مضت الأيام ! .
يوسف كان صديقنا الثالث أنا وسمير , إستطاع الحصول على الجنسية الأمريكية وسافر ولم يعد إلى مصر , فوجئت باتصال منه يعرض عليَّ المجيء إلى الولايات المتحدة  فقال : لدي صديق هنا يهمه لقاؤك إسمه مايكل كايسي ,مدرب التنمية البشرية , والذي اهتمَّ كثيراً بعدما سمع قصة استردادك لبصرك ... كان أغلب معارفي قد أصبحتْ لديهم  فكرة  عني بعد أن كتبتُ عن استعادتي لبصري على حسابي على الفيسبوك , فلم تبدُ لي فكرة السفر إلى الولايات المتحدة سيئة خصوصاً وأني لست مرتبطاً بأي ارتباطات في مصر , و بالفعل سافرت ولكن مايكل كان قد اضطر للسفر, وغالباً لن يعود قبل أسابيع , فاستغليت فترة  وجودي وذهبت لمحاضرةٍ للدكتور واين داير , صاحب كتاب (قوة النية) . كانت المحاضرة تدور حول الإلهام , بعد المحاضرة أردت أن أكون شخصاً جديداً , كان هناك تغير غير مفهوم داخلي وجدت نفسي أشعر بصفاءٍ غريب , أشعر أن بإمكاني أن أسامح الناس كلهم ,  أسامح نفسي والحياة , أسامح ليلى وسمير , فتشت في داخلي فلم أجد ذرةً من غضب , فبإمكان أي إنسان أن يتخلص من أثقال  الماضي  لترفرف روحه هناك  في السماوات ,قلت لنفسي : ليت سمير وليلى يسامحاني ,  لقد أخرجت عُقَدِي عليهما ولم أكن زوجاً ولا صديقاً فاضلاً ! .



عدت إلى القاهرة , وفى تلك الليلة وجدت عماد واجماً يقود سيارته فسألته عما به فقال : ليلى طليقتك .. وجدتُ خبراً في الأهرام يقول إن حفل زفافها على سمير خليل الليلة ! , شعرت بقبضة باردة  تعتصر قلبي , ظللت صامتاً ثم وددت وبشدة أن أبارك لهما وبالفعل ذهبت . كانت قدماي ترتعشان , هل كنت أود أن أثبت لنفسي أنني سَمَوتُ فوق الماضي         وسامحتهما , إنني ذلك الإنسان الجديد ! ولكن لماذا أشعر بالمرارة في حلقي ؟ لماذا لا أشعر في داخلي بالسعادة لأجلهما ؟ تسمرتْ قدماي عاجزتين عن اتخاذ القرار بالتقدم , ولكني لست سعيداً , تراجعتُ وأغلقت باب القاعة وعدت إلى عماد وأنا أغمغم بحرارة : أعِنّي يا رب على تجاوز ما بداخلي من غضب ! .
ترجلتُ من سيارة الأجرة أمام ساحة الحرم لأجد الكعبة أمامي , شعرت بدوار خفيف , كانت كبيرة ومهيبة وأنيقة بردائها الأسود , إنني الآن خارج نطاق المكان والزمان , شعرت بقلبي يرق ويخشع وبنفسي تبكي أمام هذه العظمة ، دعوت الله كثيراً فلم أشعر في حياتي بمدى قربي من الله كما شعرت في تلك اللحظات يا الله !!! ما أجمل السلام الذي يملأ نفسي  ليته يدوم ! . حلمت وأنا جالس في الحرم برؤيا فيها أبي وأمي وكل من أعرفهم ورجل عجوز يقول لي : إن الحقيقة لا يعيشها سوى قلة قليلة لا يهتمون أصلاً بإظهار أنفسهم للناس ! عندما استيقظت رأيت العجوز الذي ظهر في حلمي جالساً إلى جواري !!! حينما سألته وحدثته عن حُلمي قال : صدقني لست أنا من سيعلمك أي شيء .. أنا مجرد واسطة مهمتها أخذك إلى المعلم , وبالفعل أخذني إليه . كان وجهه ممتلئاً بالسكينة شعرت براحة شديدة نحوه , أطربني استقباله الحفي لنا  , لم تكن ملامحه تحمل شيئاً من المجاملة , في حضرته شعرت بالبهجة تغمرني , قال لي : هل تسمع ؟؟ , رمقت ما حولي وأصغيت لم يكن هناك سوى صوت مكتوم من بعيد للجموع التي تطوف حول الكعبة ثم قال : هناك ترنيمة تعزف , كل شيء في الكون يغني ويعزف لحنه الخاص , كل شيء يؤدي دوره في اوركسترا كونية لا تتوقف أبداً عن العزف , قلت له بعدها : أريدك أن تدلني على طريق السلام , كيف لي أن أعيش بشكل دائم في سلام وطمأنينة مهما كانت الخطوب ؟ فقهقه ضاحكاً وقال : إذا أردت أن تعيش طوال الوقت بمحبة وامتنان وتسليم , جد نفسك يا عزيزي كن أنت ! أنت كما كنت في الأصل , حينها فقط ستجد ما تريده , أزِل عن قلبك كل الأحمال الثقيلة التي حمَّلته إياها طوال السنين الماضية , حينما تنظفه بكل ما فيه من غضب وحقد وخوف ويأس وألم وأنانية , حينها فقط ستجد بداخله ما تبحث عنه ! ثم نهض من مكانه وأشار إليَّ أن أتبعه  وأشار بعدها إلى سربِ حمام وقال : أترى تلك الحمامة البيضاء ؟ تلك البعيدة عن كل الحمامات , أريد منك أن تراقبها , ستجلس هنا ولا تفعل شيئاً سوى التركيز عليها , لن تفكر في شيء سواها وفائدة ذلك ستعرفها وحدك فيما بعد ! . وبالفعل ظللت جالساً في مكاني يمر بي الناس فلا أنظر إليهم , عيناي مركزتان على الحمامة إياها .. سبعة شهور مرت عليَّ وأنا لا أفعل شيئاً سوى أداء الصلاة وقراءة القرآن ومراقبة الحمامة ..  سبعة شهور قضيت الشطر الأكبر منها شاعراً بالملل ولكني كنت مصراً على الإكمال إلى النهاية , بينما كان الشيخ العجوز يأتي من آن لآخر ليأخذ ملابسي ثم يعيدها إليَّ بعد أيام مغسولة ومكوية , وفي بعض الأيام يحضر لي من بيته فاكهة وطعام مطبوخ . كان المعلم بسيطاً إلى حدّ مدهش تشعر أنك تعرفه منذ الأزل , انتبهت ذات مرة أنه لا المعلم ولا الشيخ العجوز سئلا عن إسمي , فالأسماء ليست حقيقتنا , الأسماء ليست مهمة , البشر يتخذون الأسماء ليميزوا بعضهم البعض أما هنا فلا حاجة للأسماء . 


كان المعلم يتحدث معي باللغة العربية الفصحى ومن لكنةِ  كلامه استطعت تخمين أنه ليس عربياً ربما هندياً أو باكستانياً . وبعد نهاية السبع شهور بدأتْ علاقة خاصة تنشأ بيني وبين الحمام ,ومع الوقت لاحظت زيادة تركيزي فأصبح بإمكاني الإحساس بكل ما يمر بي , ولم أعد أشعر بالملل والضيق ولم تعد تمر الدقائق عليَّ ثقيلة ورتيبة لأنني ببساطة لم أعد أفكر في الثواني القادمة . ومع الوقت أيضاً إنساب شعورُ البهجة اليَّ وبدأت أشعر بأمان وسعادة بلا سبب , فأخبرت المعلم بذلك فسُرَّ وهنأني ثم أعطاني مرآة , وكانت مهمتي التالية هي أن أجلس في زاوية  وأنظر إلى وجهي في المرآة طوال الوقت , وأن أتعامل مع الخواطر التي تنتابني وأخبرُ المعلم في نهاية كل يوم بما شعرت به تجاه نفسي ! وبالفعل قمت بما أمرني به وبدأت أنتبه إلى حِوَاري الداخلي مع نفسي . جاءني المعلم في نهاية اليوم الأول فوجدني متكوِّماً على نفسي وأبكي بحرقة ، نصحني وقال : لا عليك  لقد  فتحت الصندوق الأسود الذي خشي الكثيرون أن يفتحوه , ثم هدَّأني  بكلامه الطيب . وبعد مرور شهر جاءني المعلم فوجدتني أقول له بحماس : اليوم ضبطت نفسي أفكر في تقبيل وجهي في المرآة فقال لي : إني قد بدأت في التصالح مع نفسي ثم أخذني إلى حِجْر إسماعيل . وكانت مهمتي التالية هي تأمل مخلوق الله الأعظم , سأراقب الناس ! سأراقبهم على حقيقتهم ,سأرى نفسي في كل من حولي . وفي اليوم الأول فشلت في ذلك وبمرور الأسابيع وجدت نفسي أذوب حباً في الجميع وأشعر بصلة كبرى بيننا , لم يعودوا أغراباً لا أعرفهم بل أصبحوا قريبين مني , كنت أبتهل إلى الله في سري أن يوفّقهم جميعاً ويعيدهم إلى بلادهم سعداء غانمين . أصبحتْ حياتي عبارة عن متعة متصلة ,وبعدها قال لي المعلم إنني بحاجة إلى فترة راحة وفي الفترة القادمة لن أفعل شيئاً سوى الترديد ب ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) ,وبالفعل ظللت شهراً كاملاً لا أفعل شيئاً سوى الإختلاء بنفسي والشعور بالتسليم الكامل لله تعالي , ثم أتت المهمة التي تليها ألا وهي فكرة الموت , ومنذ تلك اللحظة ولمدة شهر كامل لم افعل شيئاً سوى البقاء تحت ملاءةٍ متظاهراً بالموت .




 كنت في باديء الأمر أشعر بالإختناق ثم بدأتْ رهبتي من الموت تخف شيئا فشيء,  وهكذا نجحتُ في التمارين واحداً تلو الآخر. أخذني المعلم إلى مطعم لبيع المأكولات المصرية ولكننا انعطفنا جانباً من المطعم وتوقفنا عند بيت محاط بسور عالٍ  , وعندما  دخلنا  كانت فيلا كبيرة جداً , كانت مهمتي النظر إلى الأشجار واستسقاء الفكرة من ذلك , وبالفعل نجحت في تلك المهمة أيضاً ! وفي حديثٍ مرة مع المعلم وجدته يقول لي عن قصة استعادتي لبصري فسألته بدهشة كيف عرفت ذلك ؟ فقال لي : عليك أن تعتاد لفتح قلبك للأنوار , ستصبح لديك القدرة على رؤية ما خلف الشكل .. رؤية الروح مباشرة , سيصبح الإلهام صديقك بذلك .. سترى شخصاً فينتابك شعور لا تدري من أين يجيئك بأن هذا الشخص مصاب بالقلب والهمُّ يعصره , وبمبدأ ( كلنا أنا ) ستجد نفسك متعاطفاً معه , سيفزع الرجل ويظنك ساحراً أو أنك تتعامل مع الجن لذلك عليك أن تكتم خواطرك أمام الناس ولا تظهر كل ما يأتيك من خلال الأنوار ... مر أسبوعان لم التق بهما المعلم ولا الشيخ العجوز , حينها خالط القلق نهر السلام المنساب بي  وقررت الذهاب الى بيت الشيخ العجوز , ولكني لم أتذكر عنوانه , سرت في الطرقات ولمحت مطعم بيع المأكولات المصرية , إنعطفت جانباً فلم أر إلا البنايات المصطفة على الجوانب فلم تكن هناك أي فيلا !!! ذهبت بسرعة إلى المكان الذي كنت أجلس فيه مع المعلم في الحرم فسألت الخدم هناك عن الرجل الذي كان يجلس معي هنا منذ فترة طويلة فأسرع أحدهم وقال : أنا أذكر أنني كنت أراك هنا وحيداً ولم أر أحداً معك من قبل !!! ظللت ثلاث شهور أبحث عنهما ولكنهما لم يظهرا .



سألت العجوزالذي يجلس بجانبي في الميكروباص بدهشة : هكذا ببساطة اختفى المعلم ؟ هناك حالة تواطؤ غير مفهومة ؟ هل هو ملاك ؟ أجابني ببساطة : هناك في عالمنا مخلوقات مكلفة للقيام بوظائف معينة .لم يخبرني خالد بأي شيء يشير إلى أنه ليس بشراً .. أنا فقط أحاول تحليل الأمر يا صديقي , هذا الرجل ظهر واختفى فجأة وكأنه كائن نوراني مهمته وضع أقدام من يرغب على بداية الطريق ! حينها رمقته بشك : أأنت ذلك المعلم ؟؟؟ أجابني على الفور : بالطبع لا , أنا لم يكن لي دور في حياة صديقنا خالد سوى إني  لقيته  في فترة متأخرة من حياته ,عرفت شيئاً واحداً مما حصل معه بعد عودته من مكة ولكني عرفت الباقي من طليقته ليلى ومن  جارته أمل بعد أن طلبتُ من خالد أن يسمحا لي بالجلوس معهما ! .


قالت أمل : كان هناك رجلان يتشاجران على موقع رَكن السيارة ووقفتُ مع أمي لنشاهد ما يحدث , وفجأة ظهر خالد واقترب من الرجلين مبتسماً فالتفتا إليه الأثنين بتوجس دوناً عن الجميع , ثم مد ذراعيه نحوهما بكل هدوء واحتضنهما معاً , والغريب أن العراك انتهى بعد ذلك ,, فيما بعد حكى كل واحد منهما على حدة أنه شعر بشعور غريب من السكينة        والنعاس لدرجة أنهما  لم يرغبا  حتى في نطق  كلمة  واحدة  تفسد هذا الصفاء ! وانتشرت الأقاويل بعدها على أن خالداً رجل مبروك من أولياء الله الصالحين . وبعد أيام التقيته فوق السطح , كنت قد وجدت نفسي أستيقظ في وقت شروق الشمس , شعرت برغبة مفاجئة  لذلك وحين صعدت كان  يقف في نفس المكان يتأمل شروق الشمس , لا أدري كيف شعر بوجودي قبل أن أخطو خطوة واحدة داخل السطح , التفتْ إليَّ وقال : كنت أنتظرك !! كان هناك شيء ينمو بيننا , أخبرني أنه يعمل على كتابة رواية جديدة  وسألني إنْ كان بإمكاني قراءة ما أنجزه منها .. فنظرت في  السطور الأولى وبعد قراءتي لجزء من الرواية أحسست  أنها مستوحاة من حياته فخفت أن أعطيه رأيي وأتورط في إصدار حكم على حياته  , إبتسم لي حينها وقال : لا تخشي شيئاً لن أتضايق حتى لو انتقدت حياتي !! .
قالت  أمل :  بدأت تحدث معه أشياء غريبة فأدركنا حينها أنه ليس شخصاً عادياً , وما هي إلا أيام حتى تقدم لخطبتي من أبي . قال لي خالد ذات مرة : كنت أخشى أن أركب الميكروباص حتى لا التقي بذلك الرجل الذي تسبب بعماي ,ولكني في مرة من المرات وجدت نفسي أمامه وجهاً لوجه ,  تذكرته على الفور رغم أني لم أراه في تلك الليلة إلا لبضعة دقائق , كان هناك تغير كبير في وجهه , بدا أكثر هدوءاً وجدية . كان التباع الذي عمل معه هو ابنه الذي لا يزيد عن العاشرة من عمره , سمعت سيدة تتحدث وتقول : إن التباع هذا اسمه حسين وابنه الوحيد , فأمه ماتت بعد ولادته بعدة أشهر ... كنت أعرفها جيداً فقد كنت جارتهم , الصبي نفسه كان سيموت منذ أربع سنوات لولا لطف الله , فقد جاءه المرض الخبيث ووالده لم يدر ماذا يفعل له , كانت أياماً صعبة ازدادت طباع أبوه حدة وعصبية , وكان يتعارك مع الزبائن باستمرار بسبب ما كان يتعاطيه لينسى ما هو فيه , لكن الله هداه بعد أن شفي حسين وخرج من المستشفى ! .



قالت ليلى : كنت أجلس مع سمير في مطعم أثناء فترة خطبتنا حين قال لي إن خالد استعاد بصره , كنت أخشى أن يثير انفعالي ضيق سمير وغِيرته لكن الأمر كان أكبر من تلك المشاعر , ولكني لم أصدق , إنه يحاول أن يجعلنا نظن أنه مر بمعجزة ويريدنا أن نعتقد أنه أفضل منا وأن المعجزات تقع له والله يرعاه ! ولكن سمير رد علي بهدوء : إنه رجل مسكين وأفكر جدياً بزيارته والإطمئنان عليه , ولكن لا أعرف كيف ستكون ردة فعله .. ظللت أغلي غيظاً طوال تلك الليلة كلما تذكرت خالد , ولكني نسيته تماماً ولم أذكره سوى في حفل زفافي حينما اقتربتْ مني ابنة خالتي هدى بينما كنا نرقص أنا وسمير والمدعوين وهتفت بجوار إذني : طليقك يقف أمام الباب !! التفت حينها بذعر إلى الباب فوجدته فعلاً وفي عينيه نظرة لم أفهمها , لكنه لم يلبث أن تراجع بسرعة وأغلق الباب وراءه , وقد أخبرت سمير ما حدث . وفي شهر العسل قال لي سمير : إن خالد يعمل في السعودية , حتى خالته لا تعرف متى سيعود , لكنني بقيت قلقة ,ولكن بعد مرور عدة شهور نسيت أمر خالد تماماً حتى جاء يوم ذهبت فيه مع سمير لإحدى المطاعم في وسط البلد . كان البرود قد حط برحاله على حياتنا الزوجية وأصبح كل شيء مكرر معتاد لا جديد فيه , وفجأه هتف سمير : أليس هذا خالد محفوظ ؟؟!! حينها التفتُ إلى حيث ينظر فإذا خالد يسير في الشارع وكان يرمق الناس الذين يمرون حوله باهتمام وعلى وجهه ابتسامة ,  ووقف أمام  صبية يتعاركون  وأخذ يتحدث إليهم  مبتسماً حتى توقف الصبية عن العراك , وأخذا يرمقانه بتردد وشك في البداية ثم لم تلبث أن ارتفعت ضحكاتهما ثم فوجئنا بخالد يمسك بيدي الصبية ويدخلهم باتجاهنا إلى المطعم واشترى لهما شطائر ولم يشتر لنفسه . كان هناك شيء متغير فيه , لم أنتبه إليه في البداية , هنالك إشراقة عجيبة في وجهه كأن في وجهه قبس من نور !!. كان المطعم هادئاً ولم يكن هناك الكثير من الزبائن فانصبتْ أنظارهم نحو خالد والصبية , توقعت أن يعتري خالد الحرج أو الإرتباك , توقعت كل شيء إلا أن يمتليء وجهه بالفرحة ويلوح لنا بكفه بسعادة ثم يقترب منا ويتبعه الصبية ويقول: ليلى وسمير يا لها من مصادفة مرتبة بدقة , كيف حالكما يا أعز الناس !!! نهض سمير ليصافحه بتردد فإذا بخالد يجذبه إليه ويأخذه في حضنه ثم التفت إلي وصافحني بيديه الإثنتين وقال : ليلى العزيزة الطاهرة كيف حالك ؟ أراك تزدادين جمالاً يوماً بعد يوم ! ثم سحب كرسيه وجلس بجانبنا هو والصبيين . لم تكن جرأته ما أثارت استغرابي بل إنه كان يفعل كل هذا ويضحك ويتكلم معنا ولم أشعر بأي قدر من الإفتعال , بعدها شعرت بالتقزز من جلوس الصبيين معنا بسبب رائحتهم السيئة ففوجئت بخالد يقول لي : الروائح السيئة تنبعث فقط ممن ملئوا قلوبهم بالكراهية , رمقته بذهول .... كيف عرف ؟؟!.  أدهشني أني وجدت نفسي أرتاح إلى وجوده , هنالك شيء محبب فيه , لم يكن هذا خالد الذي أعرفه , هذا شخص آخر يحمل نفس الملامح .. انتبهت فجأة إلى أن الصلع الذي كان في مقدمة رأسه قد بدأ بالإنحسار ,هل قام بعملية زرع شعر ؟؟! فيما بعد عرفت أنه هو نفسه لا يدري ماذا حدث , بدأ شعره ينمو من جديد بلا سبب , سأله حينها سمير عما يفعله في حياته  فقال : أزور بانتظام  مراكز مساعدة المكفوفين وأساعد ابن خالتي في إدارة شركة السياحة التي ورثها عن والده , ولكن لديَّ خطط أخرى , سأقوم بإنشاء جمعية أدبية للإهتمام بصغار الكتّاب أسميناها (الكاتب الشاب) ,أنت بالطبع ستكون معنا يا سمير وسأكلم بقية الرفاق لتكون رئيس الجمعية .. ما رأيك ؟؟ إسمع هناك شيء آخر , كنت قد كتبت رواية من البداية إسمها (عدم) ولكني بعد عودتي من السعودية أسميتها (بصيرة) وأود منك أن تساعدني في نشرها وتسويقها , أنت صديقي وأنا بحاجة إليك !! وبعدها قال : أنا أحبكما !! فقلت له سامحني فقال لي : سامحيني أنت ! شعرت بنفسي تتخلص من كل أحمالها , رمقت خالد بامتنان فإذا به غاب عنا وأخذ يتأمل حمامة كانت قد حطت بجوارنا , فأخذ يرمقها باهتمام وتركيز !! .


قال خالد محفوظ :
كنت مصراً على حضور عملية ولادة أمل وصارحت الدكتور بذلك  فقال لي إن لا مشكلة لديه في ذلك ما دامت أعصابي قوية ويمكنني التحمل .. تجاوزت مع الممرضة غرفة العمليات , رأيت بطنها المشقوق ولكني لم أهتز , كل ما كنت أفكر به هو قدسية هذه اللحظة والنهاية الرائعة التي ستنتهي بها , وبحركة سريعة سحب الدكتور الصغيرة وجذبها بالكامل مرة واحدة من داخل رحم أمل , ثم خرجتُ وطمأنتُ والديْ أمل أن الأمور سارت على ما يرام , ثم أخذت ابنتي بين ذراعي وشعرت بدوار خفيف ولم أستطع السيطرة على دموع عيني فقد أسميتها حياة ! .
أنهى العجوز حكايته قائلاً : وكانت هذه هي قصة صديقنا خالد محفوظ .. حكاية خالد تقول ببساطة أن المرء مهما بلغ من الحضيض بإمكانه أن يصل للقمة إن أراد ذلك , بإمكانه أن يخرج من طين الأرض ويرتفع لأعلى إلى أن يتعدى حدود السماء .أما عن التجربة الروحية ؟ فحياتنا كلها ليست سوى تجربة روحية طويلة نحن فقط من لا ينتبه لذلك ! حينها تذكرت شيئاً : المفروض أن خالد انتهى من نشر روايته أليس كذلك ؟ فقال لي : بالفعل نشرها ونجحت نجاحاً كبيراً وصار من مشاهير الكتاب ! ثم أكمل : أنا شخص غايته أن يلهم أشخاصاً بعينهم , حينها نفضت رأسي ونهضت إلى دورة المياه . كانت دورة المياه قذرة ,غسلت وجهي ونظرت إلى وجهي في المرآة , بدا وكأنني كبرت في السن وصرت عجوزاً , فزعت وكدت أسقط .. عدت مسرعاً إلى مقعدي , لا أدري كيف فاتني هذا الأمر فصحت : في البداية بدت ملامحك مألوفة لي وظننتك تشبه أبي .. لكن في الحقيقة أنت تشبهني أنا اذا بلغت الستين !!! لم تبد عليه المفاجأة وضحك  وقال : لا يا عزيزي أنا لست قادماً من مستقبلك ثم اختفت ابتسامته وغمغم : أنا أنت .. ولكن بتاريخ مختلف ! ثم انطلق إلى دورة المياه . مضت بضع دقائق ولم يعد خالد , ويبدو أن القطار على وشك دخول وجهتي , أسرعت أركض إلى دورة المياه فلم أجده رجعت إلى المقعد فلقيت مقعدينا خاليين , أسرعت إلى الفتية الواقفين بين الممرات وسألتهم عن الرجل العجوز الذي كان يجلس بجواري فقال لي أحدهم : أي رجل يا أستاذ ؟ لقد كنت نائماً طوال الرحلة ولم يجلس أحد إلى جوارك !!!! هل الفتى صادق ؟ هل كل ما مر بي كان مجرد حلم طويل ؟؟!! كان الجميع قد غادروا القطار وأصبحَتِ العربات خاوية . وقفت على باب القطار أتأمل المحطة وسط ظلام الليل ....
قرأت آية الكرسي في سِري وأخذت نفساً عميقاً ثم انطلقتُ في طريقي .

                                     النهاية






تفاعل :

تعليقات

5 تعليقات
إرسال تعليق
  1. نحن نقدم قرض عاجل هنا جميع المشاكل المتعلقة القرض هو حل بين فترة قصيرة من الزمن مع انخفاض معدل الفائدة من 3٪ والمدة أكثر من 20 عاما ما تنتظرون تطبيق الآن وحل مشكلتك أو بدء الأعمال التجارية مع دفع القرض من مختلف الفواتير فقط مراسلتنا الآن في
    jameshenryloancompany40@gmail.com
    واتساب نومبر: 2348110133466+

    ردحذف

  2. نحن مقرض شرعي وذو سمعة طيبة. إقراض الأفراد الذين يحتاجون إلى مساعدة مالية ، ونحن نقدم قروضا للأشخاص الذين لديهم سوء الائتمان أو بحاجة إلى المال لدفع الفواتير ، للاستثمار في الأعمال التجارية. هل تبحث عن قرض؟ لا تقلق ، لأنك في المكان المناسب ، أقدم قروض بسعر فائدة منخفض قدره 2٪ ، لذلك إذا كنت بحاجة إلى قرض ، أريدك أن تتصل بنا من خلال عنوان البريد الإلكتروني للشركة: Bishopdavidafuma@hotmail.com أو اتصل خط خدمة العملاء من خلال whatsapp +فق2348118924542

    مطلوب معلومات طلب القرض منك ..

    1) الاسم الكامل: ............
    2) الجنس: .................
    3) العمر: ........................
    4) الموقع: .................
    5) رقم الهاتف: ........
    6) العمل: ..............
    7) الدخل الشهري: ......
    8) مبلغ القرض المطلوب: .....
    9) مدة القرض:
    10) قروض فائدة: ...........

    BISHOP DAVID

    ردحذف

  3. نحن مقرض شرعي وذو سمعة طيبة. إقراض الأفراد الذين يحتاجون إلى مساعدة مالية ، ونحن نقدم قروضا للأشخاص الذين لديهم سوء الائتمان أو بحاجة إلى المال لدفع الفواتير ، للاستثمار في الأعمال التجارية. هل تبحث عن قرض؟ لا تقلق ، لأنك في المكان المناسب ، أقدم قروض بسعر فائدة منخفض قدره 2٪ ، لذلك إذا كنت بحاجة إلى قرض ، أريدك أن تتصل بنا من خلال عنوان البريد الإلكتروني للشركة: Bishopdavidafuma@hotmail.com أو اتصل خط خدمة العملاء من خلال whatsapp +فق2348118924542

    مطلوب معلومات طلب القرض منك ..

    1) الاسم الكامل: ............
    2) الجنس: .................
    3) العمر: ........................
    4) الموقع: .................
    5) رقم الهاتف: ........
    6) العمل: ..............
    7) الدخل الشهري: ......
    8) مبلغ القرض المطلوب: .....
    9) مدة القرض:
    10) قروض فائدة: ...........

    BISHOP DAVID

    ردحذف

  4. نحن مقرض شرعي وذو سمعة طيبة. إقراض الأفراد الذين يحتاجون إلى مساعدة مالية ، ونحن نقدم قروضا للأشخاص الذين لديهم سوء الائتمان أو بحاجة إلى المال لدفع الفواتير ، للاستثمار في الأعمال التجارية. هل تبحث عن قرض؟ لا تقلق ، لأنك في المكان المناسب ، أقدم قروض بسعر فائدة منخفض قدره 2٪ ، لذلك إذا كنت بحاجة إلى قرض ، أريدك أن تتصل بنا من خلال عنوان البريد الإلكتروني للشركة: Bishopdavidafuma@hotmail.com أو اتصل خط خدمة العملاء من خلال whatsapp +فق2348118924542

    مطلوب معلومات طلب القرض منك ..

    1) الاسم الكامل: ............
    2) الجنس: .................
    3) العمر: ........................
    4) الموقع: .................
    5) رقم الهاتف: ........
    6) العمل: ..............
    7) الدخل الشهري: ......
    8) مبلغ القرض المطلوب: .....
    9) مدة القرض:
    10) قروض فائدة: ...........

    BISHOP DAVID

    ردحذف
  5. شهادة بشأن كيف استلمت قرضاتي من قرض حقيقي للمقرض 2018

    تحية للجميع
     هذه هي الطريقة التي حصلت بها على قرض من بنك قروض عبقرية
    تجربة ممتازة مع هذا القرض وكالة على الانترنت ولكن لا أشعر أن به
    جيد أن نعلمك أين وكيف حصلت على طفلي المالي
      
    أنا السيدة كارولينا راسل ، في وقت سابق من هذا العام ، كنت أواجه
    الأزمة المالية كانت أعمالي منخفضة لدرجة أنني اضطررت لبيع سيارتي حتى أتمكن من ذلك
    دفع عمالي وإيقاف فواتري حتى يوم واحد ، كنت مشغول التحقق
    الاعلان على الانترنت وجدت شركة وقررت أن محاولة ، قررت أن تأخذ
    خطوة جريئة وأخبرتني الشركة بأنني سأحصل على قرضي في 24
    ساعات مع انخفاض سعر الفائدة 3 ٪ ، كان مثل حلم بالنسبة لي كما في الساعات 12-24 القادمة ، تلقيت
    قراري من السيد باتريك اليوم أنا امرأة سعيدة لأن حلمي جاء أخيراً ، لقد دفعت لي
    فواتير ، زاد عملي وأبقي رأسي فوق الماء أنا سعيدة و
    أنصح الجميع منكم الذين يغرقون مالياً بالاتصال بالسيد باتريك مايكل على هذا البريد الإلكتروني
    (Patrickloans15@gmail.com)
    يقدمون القروض التجارية وجميع أنواع القروض ،

     السيد باتريك رجل جيد وموثوق به
     الجميع هناك تبحث عن قرض هناك الآن فرصة جيدة بالنسبة لك لتطبيق وتكون ناجحة.
    تطبق بسرعة معهم اليوم والحصول على قرضك دون أي خسارة
    Patrick Loans Ltd هي شركة معتمدة وموثوقة للقروض وسوف تدلي بشهادته
     كل ذلك بفضل السيد باتريك ، مقرض قرض حقيقي
     مرة أخرى ، التقديم معهم عبر هذا البريد الإلكتروني PATRICKLOANS15@GMAIL.COM أو WHATSAPP +2348154644557

    ردحذف

إرسال تعليق