تلخيص رواية
أرض زيكولا 2 ( أماريتا ) : عمرو عبد الحميد
إ عداد وإشراف - رجاء حمدان
: أغلق باب زيكولا و سكنت كل الحركات تماما إلا من حصان أسود كان ينطلق كالسهم بعيداً نحو الشرق تعتليه أسيل بفستان حريري أبيض دون أن توجهه فهو يعرف وجهته نحو بلدها بيجانا , ولم يكن يشغل تفكيرها سوى ما حدث خلال الساعات الأخيرة التي مضت , وتمتمت بكلمات تتمنى نجاة خالد فيها .
وصلت أسيل إلى المدينة وسط اندهاش حراسها الذين اعتادوا عليها ان تاتي و تخرج من المنطقة قبل إغلاق باب زيكولا ، وصلت إلى البيت وكان صَفِي في استقبالها , بادرته قائلة : أريدك أن تستفسر بين أهالي بيجانا لعل أحدهم قد علم بما دار في أرض زيكولا هناك ثم تاتني بأخبارما علمته , بعد عدة ساعات قدم صفي بالانباء وقال: لقد نجا ذبيح زيكولا اليوم بإعجوبة قبل أن يطيح السياف برأسه ولكن هناك خبر غير جيد على الاطلاق يا سيدتي , فلقد أعلن حاكم زيكولا خيانتك ونصحها أن تهرب من البلاد .. وأكمل أن حاكم بيجانا أكثر الحكام موالاة لزيكولا وبدأ خبر الإعلان أنك خائنة في الذياع شيئا فشيئا , وإنْ خيِّر حاكمنا بين كسبٍ القليل من زيكولا وبينك , سيكون من الصعب أن تكوني انتي في الكفة الرابحة !!, فقالت أسيل : ليفعل القدر ما يشاء بي , لقد اخترت وجهتي وعليَّ أن أتحمل عواقب ما إخترت ، بقيتْ وحيدة تفكر فيما قد يجري عليها وماذا سيكون قرار ملك بيجانا بشأنها ! .
مرَّ إسبوع على يوم أحداث زيكولا حين وقف يامن أمام مجموعة من العمال الذين يشتغلون في المنطقة الشرقية و قال لهم أن الطبيبة أسيل ابتاعت أغلى قُبلة في تاريخ زيكولا ، فإنها ليست خائنة كما تعتقدون فالطبيبة قد تركت مجدها من أجل حبها ، إلا أن العمال كان لهم رأي ثاني فقد اقتنعوا انها خائنة وأنها ارتكبت مخالفة كبيرة وواضحة لقوانين الزيكولا .
إلتفت يامن عندما سمع صوتاً من خلفه فراى إمرأة غطت رأسها بوشاح قماشي أسود , وقالت له إنني من سكان المنطقة الشمالية وأنا من أخبرت خالد عن هلال الذي ذبح والده , وقد باعه هلال كتاباً كان قد ورثه عن والده ، وأن الطبيبة ليست هي وحدها الخائنة ، فقد أبلغ أحد التجار المحققون عن النفق الذي في بيته ووإنطلق محققو زيكولا الآن منتشرين في كافة مناطقها يُعِدّون قائمة بأشكال وأوصاف المتهمين, وشملت قائمة البحث الطبيبة أسيل وشاباً يدعى إياد وأخر إسمه يامن, وفتاة أيضاً تدعى نادين من المنطقة الشمالية وهى أنا . شكر يامن نادين على تلك المعلومات والتحذيرات التى قدمت بها اليه و انطلق فارا من المكان ولكنها أوقفته وقالت : إنتظر ، لم يعد أمامي أحد أثق به , فمنذ هذه الدقيقة هذه لن تخطو قدمك خطوة واحدة إلا وقدمي بجوارها .
قصد رجلاً بيت أسيل متوسلاً إليها كي تساعد زوجته على الوضع لان ولادتها متعسرة. ذهبت أسيل لنجدتها ومّا أن انتهت من مهمتها حتى ظهر أمامها قائد عسكري مع جنوده و قال لها انت رهن الإعتقال ! .
تم اعتقال أسيل في السجن الغربي , واحد من اكبر زنزانات بيجانا ، وبعد فترة من مكوثها بالسجن ،ويوماً بعد يوم أضحت أيامها متشابهة وأصبحت لا تترك زنزانتها إلا لوقت قليل , إلى أن جاء ذلك اليوم حين إستيقظت من نومها على صوت ازعاج كبير لم تعتاده منذ وجودها , خرجت لترى ما الأمر فلاحظت أن ساحة السجن الكبرى قد امتلأت بالكثيرين من البشر نساءاً و رجالاً وشيوخاً وشباباً , وكانت ملابسهم بالكامل وشعورهم مبتلة بالزيت ، تجمعوا كلهم داخل دائرة جيرية رسمت ملامحها وسط الساحة الفسيحة , ثم سمعتْ رجلاً أربعينياً أشيب الشعر يبتسم لها و يقول لها بأنه جارها بالزنزانة , سألته أسيل عما يجري في المكان فقال لها إن العهد الآن لمينجا , فبيجانا قد أنهِكت بالحروب التي خاضتها فرحل اذكياء بيجانا و حرفيوها إلى بلاد أخرى ، والطريقة المثلى في رأي حكامنا تتمثل في الطاعة و السمع لغيرها من الأقوياء, وعلى بيجانا أن تردَّ دَيْنها للبلاد الثانية بالبشر!! , فقررالحاكم أن يُضحي بفقراء بيجانا حتى يحيا بقية سكانها , فاتفاقية عهد مينجا هي إتفاقية البشر مقابل الديون , حينها شاهدت أسيل سجيناً يحاول الفرار من الدائرة الجيرية فأطلق الجنود على الفور سهم مشتعل عليه , فعلمت حينها لماذا بُللوا هؤلاء بالزيت .
أخذت تفكر أسيل بما جرى لها في الأشهر القليلة الماضية وكيف تغير بها الحال !. ذهبت للجار الذي يجلس في الزنزانة المجاورة وقالت له : لقد سألت نفسي يوم البارحة لماذا تستسلم فتاة في الخامسة والعشرين من عمرها رغم أنها أحبت شاباً لم يعرف يوماً طريقاً للإستسلام قط حتى وصل إلى مراده ومبتغاه ! ,لقد تعلمت منه درساً مسبقاً عما أنا فيه الآن ، ثم أخبرته أنها تريد أن تنتقل إلى أماريتا مع فقراء بيجانا , ثم اكملت و قالت ان لا يوجد اي انسان يعرف ما هو مستقبل هؤلاء الفقراء في أماريتا قد يكون مصيراً أفضل من الذبح أمام أهل زيكولا , ولأن الرجل الأربعيني كان قد قال لها في وقت سابق بأنه يعرف الكثير من الحراس ,لذلك أعطته سوارها الذهبي ليحقق لها مبتغاها . =تجولت أسيل بين الزنزانات وبدلت ملابسها الجميلة الحريرية مع ثياب فتاة كانت في أحد الزنازين تلبس ملابسا قديمة رثة . أغلقت أبواب الزنازين مع غروب الشمس وأسندت أسيل رأسها على الحائط في انتظار ان يرد عليها الجار الذي يقبع في الزنزانة المجاورة . مضى وقت قليل وهي على حالها ،نظرت عبر نافذتها الضيقة إلى السماء لترى النجم أسيل , ولم تكمل تأملها فقد جاء ها فجأة أحد الجنود كي يصطحبها مع الفقراء الى اماريتا ! .
التقطت أسيل معطفها وغطت رأسها بقلنسوة كبيرة حتى لا تظهر ملامح وجهها واضحة, وفوجئت حين أحست بكمبة من الزيت تنسكب من فوق راسها , توجهت مع الجنود نحو بابٍ بالسور الحديدي الفاصل , وما أن اجتازت هذا الباب حتى كُبلت يدها بيد بنت ثانية , ولاحظت أسيل الخوف على ملامح وجه الفتاة فحاولت ان تهدا من روعها , وعرفت الفتاة الطبيبة أسيل على الفور وسألتها عن سبب مجيئها إلى أماريتا مع أنها ليست من فقراء المنطقة فقالت لها : هل لكِ أن تكتمي سراً ؟ إن أماريتا سبيلي الوحيد إلى سرداب فوريك !. تعارفوا على بعض و كان اسم هذه الفتاة قمر , وتعرفوا إلى بعضهم البعض أكثر وأكثر حيث كانت الطريق طويلاً وما لهما سوى الحديث سوياً . =أشرقت شمس اليوم الخامس و السفينة التي تحمل السجناء الفقراء لا تزال تشق بحر مينجا ، وازداد تعب أسيل أكثر على وجه الخصوص بعد أن أصابها دوار لم تحس مثله من قبل ولكنها كانت تسمع عنه أنه دوار البحر, وبكت امتعاضاً وتقززاً بعدما تقيأ عليها أكثر من سجين و جعل شعرها و معطفها ووجهها يمتلئ بالرائحة العفنة . واصلت السفينة إبحارها لأربعة أيام أخرى حتى ظهر أمام أعين السجناء أخيراً شاطيء أماريتا , أمر القائد الأماريتي بتحرير أغلال السجناء , ثم تجمع كل السجناء على شاطيء البحر محاطين بفرسان أماريتا , وبينما أسيل كانت تطيل النظر الى باب المدينة المغلق أمامهم وسورها الضخم أخذت تحدث نفسها و تسالها إن كان قرارها صائباً بمجيئها إلى هنا ؟ ! وهل سجنها مدى الحياة خلف هذا الباب حقا افضل من ذبحها على منصة زيكولا . =مشي كل حشود السجناء الفقراء الى المدينة وأهل أماريتا خرجوا إلى جانبي الطريق يرحبون بهم ترحاباً كان كبيرا و مدهشا , فكان الجميع يلوحون بأيديهم , ثم بدأت الموسيقى تعلو بصوتها في ارجاء المكان بعدما انضم عازفون أخرون إلى مسيرتهم , وتراقصت شابات أماريتا مرحبين بالسجناء . وصلت المسيرة إلى باب ساحة القصر حيث توقفت الموسيقى عن الدوران , وظهر بالشرفة شاب طويل القامة وقال : أرحب بكم كملك لهذا البلد , فمنذ ان عبرتم هضاب ريكاتا وأصبحت أماريتا بلدكم تخضعون لقوانينها , لستم عبيداً هنا ولكنكم أهلنا الجدد , و بعد هذا الكلام سيحل كل واحد منكم ضيفاً على أماريتي لمدة نصف سنة اي ما يقارب الست اشهر , وبعد ستة أشهر تنتهي الضيافة وسينال كل واحد منكم رقماً سيتم وشمه على كتفه وطبقا لهذا الرقم سيتحدد كل منكم عمله و مضيفه , وبعد عام ستدفعون الضريبة مائة قطعة نحاسية , ومن لا يقدر أن يدفع يصير عبداً يباع في سوق العبيد ... فليَسْعَ جيداً كل واحد منكم إلى ان يمتلك حريته , ستُرحّلون عن أماريتا بعد عشرة سنين دون مال , ولن يُرحّل أحد قبل ذلك ولا رحيل للعبيد ولا حقوق لهم .
فرح أهل بيجانا بما سمعوه فرحا كبيرا , وبدأ أهل أماريتا يقسمون البيجانيين على أنفسهم بينما اختار القائد عدداً من الأقوياء حتى يكونوا جنودا للبلدة , وجاء رجال الملك ليأخذوا عدداً من الفتيات حتى يعيشوا بكل رفاهية و رغد في قصر الملك , وتم اختيار قمر من ضمنهن بينما انتقلت أسيل مع مجموعة من البيجانبين إلى منطقة تسمى إلشميل حيث تم طبع وشم لأسيل على كتفها برقم 414 كان مهماً للدولة من ناحية احصائية . إنطلقت الحافلة التي تقود أهل بيجانا إلى إلشميل و غطت اسيل حينها في نوم عميق , وحين وصلوا أشار عليهم القائد الأماريتي أن يبحث كل واحد منهم على رقم البيت الذي يطابق الرقم الذي تم وشمه على كتفه ثم يذهب ليعيش فيه , وأول يومين ستكون استراحة ومِنحة من الملك حتى يرتاحوا بعض الشيئ من عناء ما رأوه , ثم ينطلقوا في اليوم الذي يليه ليروا اهم تفاصيل العمل الذي ينتظرهم . بحثت أسيل عن البيت الذي يحمل الرقم 414 , وحين وجدته دقت الباب فظهر لها رجل كبير طاعن في السن متجهم الوجه , دق قلبها وانقبض حين رأته لاول مرة وخافت أكثر عندما رأت زجاجات الخمر منتشرة في كل انحاء المنزل هنا وهناك ، رحب بها العجوز وعرّفها على حجرتها ثم دخل إلى حجرته ولم يخرج منها . في الصباح أخبرها العجوز سيمور : بأنها يجب أن تبقى في حجرتها ولا تغادرها لأنه يشرب الخمر كثيراً ولا يدري عن تصرفاته .
كانت نادين تحلم أحلاماً مزعجة وكوابيس مرعبة وكان يامن بجوارها يهدأها، قدم إياد وهو يخفي وحهه ورأسه بقطعة قماش و قال لهم أن المجلس الزيكولي الأعلى سيجتمع كي يضع قانوناً جديداً فيما يخص موضوع خيانة زيكولا وسيكون بالتالي أشد قسوة....
خرجت أسيل من منزل الرجل العجوز إلى شوارع إلشميل ومشت تستكشف تلك المدينة وأهلها الذين تنوعت ملامح وجوههم وكأنهم جُمعوا من بلاد كثيرة بهذا العالم .
بدت أماريتا بلد تجاري و صناعي فالعربات تجول البلاد محملة بالسيوف و الدروع و الرماح بالإضافة إلى الخضراوات والفاكهة والمحاصيل الزراعية المتنوعة ,ويتبقى فائض كبير تحمله سفن مينجا إلى بلدان ثانية , فملك البلاد لا يترك اي شبر في هذا البلد لا يستغله بما تجود به أرضه .
في صباح اليوم الذي يليه كانت عربة الشاب الأماريتي قد تمركزت وسط حشود من ضيوف بيجانا, ووقف الشاب أعلاها يحمل أوراقاً وبدأ ينادي أرقاماً متتابعة يتبع كل رقم أحد أماكن إلشميل , وحين جاء رقم أسيل قال الشاب الأماريتي ( جبال الريميوز ) . انتقلت أسيل إلى عربةٍ سلكت طريق جبال الريميوز , وحين وصلوا نظرت أسيل لتشاهد مجموعة كبيرة من العاملين ينتشرون بأعلى الجبال نساء و رجالا , ألوف من البشر تجمعت لتعمل هنا , نزلوا من العربة فاقترب منهم رجل سمين قصير وأخبرهم بأنه من اللازم عليهم ان ينهوا العمل قبل العام الجديد حسب تعليمات الملك ثم قال لهم عن المخصصات المالية لهذا العمل .
بدأت أسيل أو كما ينادوها في إلشميل ب 414 بالعمل من بزوغ الفجر وحتى غروب الشمس , وكانت لا تقوى في كثير من الاحيان على حمل الصناديق وفقدت الكثير من وزنها ، ومديرها القصير لا يكف عن الإستهزا ء بها على الدوام وتهديدها بأنه لن يعطيها أجرتها إنْ لم تقم بعملها على وجه التمام . وهكذا توالت أيامها بين الشغل ثم العودة الى المنزل لترى العجوز بين زجاجات الخمر, لا تحادثه وتنام وتستيقظ من الفجر لتذهب الى شغلها إلى أن جاء يوم لم تقوَ فيه أسيل على ان تقوم بالعمل على الاطلاق ووشعرت بأن الأرض وكأنها تهتز من تحتها وبدأ رأسها يلف من حولها إلى أن سقطت بين الاحجار وبدأت بالهذيان والهلوسة !! ورأت وكأن خالد يمسح العرق عن وجهها ويحثها على العودة للعمل , سكبوا على وجهها الماء فرجع اليها وعيها ووبخها القصير فعادت مرة أخرى إلى عملها المعتاد , وهكذا كل يوم . إنتهت يوماً من عملها و رجعت الى منزل الرجل الكبير في السن فلم تجده بردهته كعادته , إتجهت إلى حجرته فانقبض صدرها حين وجدت دماءاً غانقة مختلطة ببقايا طعام تناثرت على أرضية الردهة ووجدته ملقى على الأرض , كان يهذي بكلمات متقطعة و غير مفهومة كان أكثرها وضوحاً : كان يجب ألا أبحر تلك الليلة !. ذهبت أسيل تبحث عن طبيب حتى يعالجه وبالفعل حضر الطبيب وأخذ يفحص العجوز ، فقالت له أسيل انه من المحتمل أن يكون الخمر قد دمر كبده وأن هذه الإغماءة ما هي إلا لفشل في الكبد , تم علاجه وبقيت أسيل في حجرته , كان تلك هي اول مرة تمكث فيها أسيل بغرفة المسن ولم تكن اخر مرة ! .
حين استيقظت أسيل كان سيمور بحال افضل من الليلة السابقة , وحين رآها لم تذهب إلى شغلها كالمعتاد وبخها على ذلك وقال لها : إنك بذلك ستخسرين خمس قطع نحاسية وليست واحدة فقط !! فقالت له بأنه لا خمر بعد اليوم ، فهي كانت طبيبة زيكولا و ليس في استطاعتها أن تترك أحداً في مقدورها ان تعاونه , سألها عن سبب مجيئها لأماريتا فقد عرف من اول لحظة راها فيها بأنها ليست فقيرة فقالت : إنه القدر يا سيدي يضع أمامنا طرقاً كثيرة ويوحي لنا بأننا نملك اختيار طريقنا ثم نستنتج في نهاية المطاف أنه اختار لنا طريقاً آخر و اخذنا اليه بأقدامنا , وباختياراتنا نحن ! لقد كنت طبيبة زيكولا الأولى , إنتقلت إليها بين العبيد واشتراني رجل علمني الطب , ثم أحببت شاباً غريبا عن المنطقة و عاونته ليرجع الى بلاده كما جاء ، أعلن بعدها أنني خائنة للبلاد فهجرت زيكولا لأعود لبلدي ليضع لي القدر إتفاقية البشر مقابل الديون و ساقت بي الاقدار الى هنا وأوشم برقم يضعني بهذا المنزل ! ! ,هي حلقة تُسلم للأخرى لو فُقدت حلقة واحدة لما كنت بجوارك الآن في هذه الحجرة , والآن ما سبب ندمك على الإبحار في تلك الليلة ؟ فقال سيمور : عشرون عاماً امضيتهم و انا افكر لماذا أبحرت في تلك الليلة , ولم أجد إلا الخمر كي أتناسى ذلك اليوم ، ثم أكمل : كانت جميلة جداً , لم تكن زوجة فقط كانت رياحي التي تحرك شراعي , ثم كبر بطنها و عرفنا حينها أن مولوداً في طريقه إلينا فزادت معه أحلامنا سعادة , كل شيء مر كلمح البصر , وشعرتُ بمدى تعبها فأخبرتني أنها بخير وطلبت مني ان اواصل عملي و الا اتكاسل . أبحرت تلك الليلة و رجعت الى البيت و لم الاقيها , لقد تألمتْ كثيراً وماتت ومات إبني معها ..حاولت أن تخفف عنه أسيل ذلك وقالت : أنا لا أؤمن بالحظ يا سيدي بل أؤمن بالقدر , لقد كان قدرها أن تتوفى في تلك الليلة , فالحياة حلقات جميعها متصلة بعضها ببعض إن فقدت حلقة واحدة لم تكن لتصير في اي وقت من الاوقات أنت صاحب الحلقة الجديدة من حلقات قدري ,وأن تعبر بي إلى هضاب ريكاتا لانتقل في سرداب فوريك وأصل لخالد وأرضه ! .
أما قمر التي كانت رفيقة أسيل فى الطريق و وقع الاختيار عليها حتى تعمل بالقصر الملكي فقد اندهشت و صدمت عندما رأت قصر الملك العظيم الممتليء بالزخارف وبكل ما هونفيس و غالي ! إلى أن جاءت قائدة وصيفات الملك لتصفي عدد البنات اللاتي اختارهن رجال الملك إلى ثلث العدد . أصرت قمر على ان تشتغل في الليل و في النهار حتى تفوز بحب القائدة ولكي تبقى في النعيم الذي رأته في القصر , وبالفعل صارت قمر من أقرب الوصيفات إلى قلب القائدة لذا جعلتها تبقى الى جانبها دائما .
كان الملك تميم شاباً في أول الثلاثينيات من عمره , كانت تذهب معه قمر على الدوام بما أنها وصيفته الأولى كي تخدمه وتقدم له ما يحتاج . كان الملك قوياً ومثقفاً جداً يقرأ طيلة نهاره في كتب التاريخ و الادب عن مدن أماريتا كي يزداد معرفة بها أكثر وأكثر , كان لا ينام كثيراً من أجل مصلحة اهله و بلده , وهكذا كانت تنقضي فيها الايام إلى أن جاء اليوم الذي انقلبت فيه الأمور راساً على عقب , اليوم الذي دخلت فيه سيدة أماريتا الأولى إلى القصر , الطبيبة أسيل ! ! .
بقيت أسيل تتابع شغلها كل يوم دون انقطاع ولاحظ سيمور كم أنه تغير إلى الأحسن بوجود أسيل بالقرب منه في هذه الاوقات , حيث أنه تغير من مدمنٍ للخمر إلى إنسان عادي ، جاءت أسيل يوماً حزينة من العمل ومحبطة , أخذها السيد سيمور إلى إحدى الحانات كي تروح عن نفسها و تهدا قليلا وأخذوا بالحديث عن أنفسهما ، سيمور لا ينفك يتكلم عن زوجته وأسيل تتحدث عن خالد ولا سيرة لها إلا خالد و العودة اليه في أقرب وقت . مضت أيام أخرى أصبحت معها صحة الرجل الكبير على احسن ما يرام وخف اصفرار عينيه ، ثم جاء ذلك الفجر وكان قد انقضى على وجود أسيل أربعة شهور قال لها سيمور : إنها لن تذهب اليوم الى العمل فقد آن الأوان لان تبحر إلى بحر مينجا ، فقالت له أسيل أنه لايزال باقي شهر على يوم زيكولا ، فطمئنها بأنه قد قام بتحضير كل شيء وسيعبر بها إلى زيكولا ويترك لها حصاناً إلى أن تصل إلى مبتغاها , مرت ساعات خلد فيها المسن إلى نومه بينما ذهبت أسيل إلى حجرتها و ازالت ثوبها عن جسدها و تحممت ثم شرعت تلبس ثيابها التي أخرجها من ملابس زوجته السيد سيمور وأوصاها بارتدائها , وحاولت أن تخبيء شعرها الحريري الذي ينساب من تحت القلنسوة فلم تتمكن فكلما خبأته , إنسدل مرة أخرى ونزل على أكتافها ، فأمسكت بالمقص وقصت شعرها إلى أن صار يغطي أذنيها و اخر جزء من عنقها , ثم ارتدت القلنسوة وأصبحت كالبحارين الفتيان ! .
لم يكن في نية خالد إطلاقاً ان يعود الى ارض زيكولا مجدداً مع أنه اشتاق كثيراً إلى اصحابه هناك وإلى أسيل أيضاً , مع أنه قال لزوجته بأنه سيأخذها في شهر العسل إلى أرض لا يتعاملون بها بالنقود . كانت أيامه تنقضي بكل رتابة حيث يمضي يومه في شغله في واحدة من اكبر الشركات التجارية , وحين يأتي الليل يجلس مع جده ومع منى ثم ياخذ يتامل في السماء مطولا ينتظر ذلك النجم اللامع أسيل , وهكذا إلى أن جاء اليوم الذي جاء جده يطرق باب منزله بكل عنف ليقول له بأن ضيفاً عزيزاً عليه ينتظره في الأسفل , فركض خالد إلى الأسفل ليراها وهي تجلس على الأريكة بزيها الرث و تتحدث معه بلهجتها الزيكولية : لقد افتقدتك كثيراً ! ! ! ! ! ! ! ! .
أخذ سيمور أسيل بالعربة مع أحد اصحابه حتى يبلغوا إلى البحر , وجلست أسيل في صومعة العربة الخشبية حيث ارتدت ثوبا رجاليا حتى لا يلاحظها أحد ويشك بها . ودّع سيمور صاحبه وانطلق هو وأسيل التي اعتقد كل من على السفينة انها فتى يبحر إلى بحر مينجا ، رافقهما في السفينه شاب اسمه مضحك ، كان يعرف هذا الفتى المرافق لسيمور أنها الطبيبة أسيل وأنها فتاة تفر من البلاد , وكان كثيراً ما ينظر إليها وهي شاردة تنظر إلى السماء في حيرة من أمرها . لاحظت أسيل أن سيمور لا يتكلم معها كما اعتادت عليه دائما بل إنه يتحاشاها تماماً , إلى أن جاء الوقت الذي بدأ فيه السيد سيمور يتقيء دماً بكميات كبيرة جداً وأسيل تنظر إليه عاجزة عن فعل أي شيء حيال ذلك , فقال لها سيمور لقد تمنيت أن أحقق مرادك , كان حدسي صحيحاً بان اجلي و نهايتي قد اقتربت , كنت على حق حين بادرت بالإبحار قبل يوم زيكولا لكنه لم يكن كافياً , أخذت أسيل تهدأ سيمور إلى أن وجدته ينظر الى مكان بعيد في السماء ويبتسم وثبّت عينيه كأنه ينظر إلى شخص هناك ، لقد فارق سيمور لحظتها الحياة .
كان السيد سيمور قبل ذلك بعدة ايام قد قال لمضحك : إنْ فارقتُ الحياة وأنا على ظهر السفينة وكانت الطبيبة لا تزال معنا , فانتظر حتى يحل الظلام على المدينة وقم بإشعال شراع السفينة دون أن تاخذ راي الطبيبة في ذلك ثم أخبِرْها أن تنزع قميصها ! , وبالفعل قام مضحك بإشعال شراع السفينة وسط ذهول واندهاش أسيل التي وبخته على ذلك , ثم في ذات الوقت شاهد سهاماً في السماء فعلم أن سفن النجدة الملكية اتت حتى تنتشلهم من وسط الحريق . لاحظ القائد أن الذي يجلس بالقرب من الشخص الميت هي بنت وانتبه إلى رقمها الذي على كتفها , فعلم أن السيد سيمور خائن ف رموا بجثته الباردة في البحر و رجعوا كلهم إلى أماريتا . تم صرفوا مضحك إلى أهله لأنه لا يتجاوز الخامسة عشر سنة وبعدما قالت لهم أسيل أنه لا يعرف بوجهة السفينة , وبقيت أسيل التي قالت لهم بانها رغبت في أن تغادر المدينة فحسب ليعرض أمرها على الملك , فهذه اول مرة تحدث فيها خيانة في أماريتا وسببها إمرأة !.
وقفت الطبيبة أمام الملك وسألها عن موضوع خيانتها وعزمها على الفرار من اماريتا , فهُم في هذه البلاد ليسوا عبيداً بل كأبناء البلد . رفعت أسيل عينها في عين الملك وقالت : عشر اعوام لا نقدر فيها ان نترك هذه البلاد، ونصير خلال هذه الأعوام أرقاماً لا أسماء لنعود بعدها كما جئنا بلا أي شيء , فقال الملك : ومن يردّ ديون البلاد غيركم فلا يوجد اي مكان للكسالى بهذا العالم , ردت أسيل وقالت : لم يكونوا كسالى بل فقراء نهب سادتهم خير البلاد ودفعوا ثمن فساد حكوماتهم , أهذا هو العدل ؟ ولطالما رضي الفقير بالسيء حتى يتجنب ما هو اسوا من ذلك . لاحظ الملك أنها تتكلم عن الفقراء وهي ليست منهم فأمرها أن تروي حكايتها فقالت دون تفاصيل : كنت طبيبة زيكولا , كنت أنا من يختار افقر الناس في الشعب حتى يخوضوا لعبة الزيكولا , فلفحني قدري وجاء الوقت حتى يموت من أحب , لم يكن يستحق الموت , أعطيته من ثروتي ونجا و هربت من الزيكولا وأعلنوا أني خائنة وساقني القدر إلى هنا , إندهش الملك مما سمع وأشار لأحد الجنود بأن يجهز لها الحجرة الشرقية في القصر فهي من الآن ضيفة الحاكم . وقتها علم كل من في القصر أن الطبيبة على حافة شيء عظيم .
تكررت اللقاءات بين أسيل والملك ، وتم فيما بعد الإعلان بأنها طبيبة أماريتا الجديدة, كانا في لقاءاتهما يتحاوران في مواضيع عديدة و يتجادلان , فتنتصر عليه تارة وينتصر عليها تارة أخرى , وبات معروفاً إلى كل من في القصر أن قلب الملك قد أضحى معلقاً في تلك الطبيبة التي اتت من بيجانا ، إلى أن جاءت ليلة كانت تصرخ فيها أسيل بكل قوة , فقدم كل من في القصر إلى حجرتها يتقدمهم الملك , وكانت أسيل تتألم وتتحرك بغرابة وتتوسل من الملك أن ينقذها ثم غابت عن الوعي !! . جاء الكثير من الأطباء لمعاينتها وفحصها ولم يفهموا حالتها التي لم يكن فيها أي مرض إلى أن اتى طبيب و عرف انها من اهالي زيكولا , وقد علم أنه من فترة قصيرة أن زيكولا بدأت بتطبيق قانون جديد يقتص من خائنيها ! ! ! . فقد أعلن كبير القضاة في زيكولا قبل أيام عن قانون البلاد الجديد الذي يحاسب خائني الزيكولا , ونص القانون على أمرين : الأول : أنه لا يستطيع الخائن ان يتعامل بوحدات ذكائه داخل زيكولا ويحظر على أهل زيكولا التعامل معه . الثاني : يحق لأهل زيكولا ان يستردوا جميع وحدات ذكائهم التي دفعوها للخائن من قبل خلال يوم واحد بعد إعلان خيانته. و اكثر ما يثير الدهشة في الامر في هذا القانون أنه وضع ليسري على جميع الخائنين وإنْ تركوا زيكولا . لم تشمل قائمة الخونة إسم نادين وأياد ويامن بل كانت تحمل إسم الطبيبة أسيل ، فقد تحملت أسيل ثمن رجوع خالد إلى بلاده لوحدها .
بعث الملك تميم رسولاً إلى زيكولا يحمل خطاباً يطلب فيه من الملك الزيكولي إسقاط خيانة أسيل حتى تسترجع جزء من عافيها و صحتها مقابل أي شيء تطلبه زيكولا , وبقي الملك ينتظر رد الرسالة بفارغ الصبر . لاحظ العديد من اصحاب الملك إهتمامه الشديد بأسيل , فعلم الملك أن تعلقه الشديد لا علاقة له بجمالها , بل كلامها و اسلوبها جعل قلبه يتعلق بها فأحب قلبه حديثها وحكمتها . أخيراً وصل الرد على الرسالة فكانت مختصرة وبلهجة شديدة حيث تنص على : حين يتعلق الأمر بأمن بلادنا لن يكفينا مقابلاً , نرفض طلبكم ! ! ! ! .
أعلن الملك أن هنالك خطاباً ينوي ان يلقيه بشكل طارئ على اهل اماريتا , فاجتمع المستشارون أمام طاولة الملك ، واجتمع الأماريتيون أمام قصر الملك بعدما أطلِقت الأبواق في كافة مدن أماريتا , أخبر الملك شعبه انه وعد الطبيبة أسيل بأنها لن تموت , لذلك فقد قرر أنه سيحتل زيكولا من أجل أسيل ! ! ! ! . إندهش المستشارون وذهلوا من هذا القرار المفاجيء للملك ورفضوا القرار , فلماذا عليهم أن يضحوا بدماء الأماريتيين من أجل امرأة غريبة , وكيف لهم أن يضربوا بكل مجد صنعوه من أجل إمرأة !. وقف الملك أمام الأماريتيين حيث هم مجتمعين خارج القصر ثم قال لهم : أعلم أنكم تنتظرون اليوم الذي تحتفلون به بزواجي , و اقول لكم هذا اليوم دون خجل أني قد وجدت خير نساء هذا الزمان , فتاة نقية القلب من زيكولا ساعدت احد الاشخاص فعاقبوها بقوانينهم الظالمة ولم يعد في مقدورها ان تنجو من هذا العقاب الا عن طريق إخضاع قوانينهم لبلادنا , واليوم أترك لكم خياركم لعبور الهضاب واحتلال زيكولا , لن تنجو ملكتكم إلا بأياديكم !, فصاحوا جميعاً وهتفوا بإسمه وأنهم موالون له على الدوام ولن يتركوه على الاطلاق ! ! ! ! .
قرر الملك تميم الذهاب إلى زيكولا كتاجر كي يكسب بعض وحدات الذكاء حتى يعطيها فيما بعد إلى أسيل , وأعلم قائد الأسطول البحري بذلك الذي أبدي اندهاشه للأمر وقال له : لن ينسى التاريخ ذلك الملك الذي عرّض حياة شعبه ونفسه للخطر من أجل إمرأة أحبها ... فقال الملك : على قدر الحلم تكون التضحية يا عزيزى ! .
أخذ الملك أسيل الغائبة عن الوعي الراقدة في سلام وقمر وحارسين كي يذهبوا إلى زيكولا , ووصاهم بأنه في زيكولا ليس إلا تاجرٌ للذهب قادم من بلاده والحارسين هم معاونيه فقط لا غير . وصلوا بعد عدة أيام إلى أرض زيكولا ومكثوا أياماً أخرى في الصحراء في انتظار يوم زيكولا ليُفتح الباب , وفي أيام انتظارهم تلك شاهد الملك من الهضبة التي يجلس فوقها إستعدادات جيوش زيكولا , فكان عددهم ضخما و كبير جدا وكانوا على أتم استعداداتهم لخوض الحرب مع أماريتا بعد أن وصلهم النبا بأن الأماريتون يجهزون عدتهم للقائهم . أخيراً فُتح باب زيكولا ودخلوا إلى الأرض , وهناك قام الملك بإستئجار منزلا , وذهب إلى تاجرٍ للذهب وتحاوروتناقش معه قليلاً ثم باعه الذهب ب 5000 وحدة ذكاء , ثم رجع إلى المنزل بشكل سريع لينقذ أسيل فوجد قمر قرب أسيل حزينة تفكر فيما قد يجري لهم في هذا البلد , إقترب الملك من أسيل وتمتم بعدة كلمات , وقبّل يدها وبعدما نفذ وحدات الذهب لم يتقبل جسد أسيل الوحدات من جسد الملك , فغضب الملك تميم غضباً شديداً .
أحست قمر بالخوف الكبير و شعرت ان مصير سئ ينتظرها هو الموت , أما مصيرها فهو الذبح في يوم زيكولا , فأخذت ما تبقى من الذهب من بيت الملك وهربت به إلى إحدى الحانات و بقيت في حجرة الحانة مختبئة لمدة ليلتين , ثم سألت صاحب الحجرة عن تاجرٍ للذهب لتبيعه الذهب , وجاء تاجر الذهب وضربوا قمر وأخذوا الذهب , جاء رجل حتى عاون قمر ومسح وجهها وقال لها بأنه غريب مثلها في هذه المنطقة ثم عرفها عن نفسه و قال بأنه إياد ويعمل في تكسير الصخور !!. تبادل إياد الحديث مع الغريبة قمر التي قالت له فيما بعد أنها من بيجانا , وبعد حديث طويل قالت له عن مكان الطبيبة والملك وأنها ندمت على فعلتها كثيراً , فذهب إياد إلى أسيل و قابل الملك , وعندما أخبره إياد من هو وأنه يُعتبر من الخونة الذين تعاونوا مع أسيل أدخله الملك , وأخذوا يفكرون في حلٍّ لمشكلة أسيل وإيجاد طريقة للخروج مما هي فيه . فكر الملك جيداً وقال : إن لصديقكم الغريب دين كبير لأسيل وهي في أشد الحاجة إليه في هذا الوقت , فعرض إياد على الملك أن يذهبوا ليامن ليخبرهم عن السرداب لأنه قرأ الكتاب مرات عديدة وعن كيفية الوصول إلى خالد , وأن النفق إلى السرداب لم يهدم بعد ولكن عليه حراس تم وضعهم من قبل حكومة زيكولا لا يقبلوا الرشاوى . إنطلق إياد والملك إلى يامن بينما ظلت أسيل وإلى جانبها قمر التي وضَّحت للملك انها نادمة بشكل كبير على ما اقترفته في حق الملك و اسيل , وبقيت للإهتمام بأسيل أكثر من ذي قبل ! ! ! ! .
ذهب إياد والملك إلى يامن الذيكان قد بدأ حديثاً عمله كمزارع في الارض , إلا أنه سئم بسرعة من هذا العمل وذهب حتى يشتغل في الجيش بعدما نجح في اجتياز إختبار القدرات , وما هي إلا أيام قليلة حتى ينتقل من زيكولا بعد ان يودعها ويتجه إلى أماريتا ليقاتل فيها . وصل الملك وإياد إلى يامن و قالوا له عما جرى فقال لهما عما وجد في الكتاب وعما قاله خالد له خلال أيام تواجده في زيكولا , وأصر الملك على عبور النفق بنفسه وان يذهب إلى خالد رغم تحذير يامن وإياد , وأخبرهم أنه الملك تميم ملك أماريتا ولن يوضع إسمهم ضمن قائمة الخونة لأنه وخلال الأيام القادمة زيكولا ستصير في طي النسيان و كانها رماد !!. إندهش إياد ويامن مما سمعاه .
أشار يامن على الملك بأن لديه من يذهب إلى سرداب فوريك , وذهب حتى يحضر نادين والتي كانت قد بدأت تعمل كوصيفة لزوجة الملك في المنطقة الوسطى . قدمت نادين لمقابلة يامن في إحدى الحانات و قال لها بما أشار به على الملك , فاندهشت ووافقت على الأمر بشرط أن لا تقوم الحرب بين زيكولا و اماريتا !! . وافق الملك على ذلك الشرط وبصفته رسول الملك أمام نادين فهو لم يعلن عن شخصيته أمامها , وصف إياد لنادين مكان المنزل الذي يوجد فيه النفق ، ذهبت نادين في تلك الليلة التي اكتمل فيها القمر بدراً إلى المنزل في المنطقة الغربية وأغوت الجندي الذي كان يقف لحراسة الباب , وجاء يامن و عاونها حتى تصل إلى النفق ثم ودعته وانطلقت مسرعة إلى السرداب بينما انطلق يامن حتى يلحق بالجنود المتوجهين إلى أرض أماريتا ! ! ! ! .
وصلت نادين إلى خارج أرض زيكولا بعد أن اجتازت كل المشاكل و المصاعب و العقبات التي كان قد إجتازها من قبلها اجتازها خالد , ووصلت إلى سرداب فوريك ثم خرجت إلى بلاد خالد , فسألت كل من حولها من الناس عن خالد حسني وأنها من أرض زيكولا فقَدِم إليها رجل كان مصدوما بحق ,كان مجنون السرداب مصطفى أصلان , عندما علم بأنها من أرض زيكولا وأخذها بزيها الرث الى منزل خالد . إندهش خالد من المنظر الذي رآه فسألها من هي ,لأنه لم يكن يصدق أن أحداً من أرض زيكولا يمكنه ان يجتاز النفق و من ثم يعبر سرداب فوريك ويأتي إلى بلاده , فأخذت نادين تقول له كل ما حدث في الفترة التي خرج منها خالد خارج أرض زيكولا, وأن أسيل على وشك الموت بعدما قبّلته و منحته كل ثروتها من الذكاء , فاندهشت منى زوجة خالد التي لم تكن تعلم عن أمر أسيل شيئاً وعادت لتجلس في غرفتها , بينما استمرت نادين في الحديث عما استجد في أرض زيكولا , وأنهت حديثها بأن كل اصحابك يا خالد بحاجتك , فرجع خالد إلى حجرته , فقالت منى لخالد إنها ستأتي معه إلى أرض زيكولا وإنها مُصرة على ذلك ! ! ! ! ! .
إنتقل الثلاثة وعبروا سرداب فوريك , وكان الملك عند النفق في انتظار القادمين , أخذ الملك خالد ونادين ومنى في عربة ودخلوا إلى زيكولا , وصلوا إلى المنزل الذي تتواجد فيه أسيل , دخل خالد في حزن ولوعه شديدة على أسيل ثم أراد أن يُرجِّع لأسيل وحداتها فقبلها قبلة طويلة وأرجع لها وحداتها ، فبدأت شفتاها بالتورد ولاحظ خالد حب الملك ( الذي علم فيما بعد أنه ملك أماريتا وليس رسول الملك ) الشديد إلى أسيل ! ! .
خرج الملك تميم كي ينهي الحرب بينما ظل الاخرون عند أسيل , وأخذ إياد وخالد يتبادلون اطراف الحديث إلى أن رأى خالد إمرأة عجوز تنظر إليه بنظرات شديدة من خارج الشرفة , ثم دخلت العجوز إلى حجرة أسيل وهي تنظر إلى خالد , وبدأت تتمتم بكلمات لا يفهمها أحد , فلربما هي غريبة عن زيكولا و تتكلم بلهجة غريبة , ثم نزلت إلى تحت سرير أسيل إلى أن جاء الملك تميم , وكان قد اتخذ قراراً بأنه لن يوقف الحرب بعد أن رأى الجنود الزيكوليين يقتلون أحدهم بعيداً و الضحية كان يامن ! ! ! .
يامن لم يخن الجنود على الاطلاق و لكنهم في غالب الامر عرفوا بأمره القديم لذلك قتلوه , ولأجل ذلك قرر الملك تميم أن لا يوقف الحرب وسيشعلها حتى ينتقم لروح يامن البريئة !. نهضت السيدة العجوز من تحت السرير وبدأت تتكلم بلغتها غير المفهومة مرة ثانية ولكن الملك تميم حادثها وفهم منها ما تقول , فقالت له حكايتها وأنها دخلت إلى الزيكولا في يوم زيكولا بينما أولادها قد دخلوا في أشهر سابقة لدخولها الى الارض , فاندهش كل من في الحجرة لانهم يعرفون أنه لا يوجد مكان يُدخل منه إلى زيكولا غير ذلك الباب , فعلم خالد أن هناك مكاناً آخر للخروج و الدخول الى أرض زيكولا وهم لا يعرفونه ! ! ! ! ! ! .
أخيراً أفاقت أسيل من رقدتها والتى فرحت فرحاً عارما عندما التقت بخالد ولكنها حزنت وإنقبضت عندما رأت زوجته , بينما كان الملك تميم يلحق بنادين التي انفجرت بالبكاء حين عرفت عن مقتل يامن فقالت نادين : كنت قبل سبعة أشهر مجرد جسد يشتهيه الرجال ليس أكثرمن ذلك إلى أن اتهِمنا بالخيانة واختبأت أنا ويامن فاختلف كل شيء , كان خجولاً بشكل كبير كلما حاولت غوايته إحمر وجهه , ويوماً بعد يوم وجدت جسمي لا يشتهي الرذيلة على الاطلاق , وحدثني عقلي بأن أعمل مثل باقي نساء زيكولا الشريفات , واحتضنني حينها وكنت أسعد فتاة بهذا العالم, كان يعلم أني ذهبت إلى سرداب فوريك من أجله هو فقط !!! , لم أكن اعرف قبل ان التقيه أن شعور المرأه بقيمتها يغنيها عن ثروات العالم كلها . بقيت نادين تبكي طيلة الطريق والملك يطيب خاطرها ويصبرها وظل معها مخافة أن يكشفوهم إلى أن بدأ الطبل والزمر في كل أنحاء المدينة منذراً بأن هناك خطاباً مهماً للملك , فذهب الملك ونادين والسيدة الغريبة الكبيرة في السن للإستماع لخطاب ملك زيكولا , تحدث الملك طوال خطابه عن الحرب ثم عادوا الى البيت حيث كانت اسيل هناك تحكي لخالد كل ما جرى معها , وأخبرها خالد أيضاً بما حصل معه وقال لها بأن الملك الأماريتي يحبها جداً . وصل الملك ونادين إلى المنزل ونصحهم الملك بأن يرحلوا إلى أماريتا لأنهم إن بقوا هنا سيقضى عليهم جميعا ، رفض خالد ومنى ونادين وإياد وأسيل أن يرحلوا فلم يعد في مقدور الملك إلا أن يغادر لوحده وقال لقمر إنك حرة ، وقال أيضاً : لقد تركت مرسوماً قبل رحيلنا بإلغاء كافة قوانين إتفاقية البشر مقابل الديون , وترك الحرية لكل البشر أن يتركوا الزيكولا ان رغبوا في ذلك ...
مكث الملك في إحدى صحاري زيكولا عدة أيام ثم انطلق عائدا الى اماريتا , وفي الطريق وجد حذاءاً يشبه الحذاء الذي كانت تلبسه السيدة العجوز وبعده يوجد نفق , دخل الملك إليه حتى يستطلع ما فيه فلاحظ بأنه لا نهاية فيه إلى أنه استعاد عزيمته وأكمل سيره في ذلك النفق إلى أن لاحظ من بعيد سور زيكولا وأن هذا النفق هو باب ثاني للخروج من زيكولا ! ! ! ! ! .
إنطلق الملك على وجه السرعة خارجا من النفق الذي قدم منه مرة أخرى لكي يخبر أسيل وخالد بالباب الذي شاهده , وفي الوقت ذاته إمتلأ الشاطيء بالأساطيل الأماريتية معلنة الحرب الكبرى على زيكولا , فخاف الزيكوليين من كبر حجم المنجنيق و الاساطيل المعدة للحرب و ما يحمله كل أسطول ! !. وصل الملك إلى المنزل و قال لهم عن الباب الذي يدخل منه الفقراء إلى زيكولا , وبدأ الملك بوصف ما شاهده هناك لإياد بالتفصيل , ثم سمعوا صوتاً في أنحاء المدينة ودخلت إليهم نادين لتقول لهم أنه ومع شروق الشمس باب زيكولا سيغلق لأن الحرب قد بدات ! ! ! . قرروا جميعاً أنهم يجب أن يخرجوا من المنزل ويذهبوا إلى المنطقة الشمالية بينما ستذهب نادين إلى المنطقة الجنوبية ويختبئوا هناك , وانطلق كلٌ إلى منطقته وسط خوف اهالي زيكولا الذي يظهر عليهم للمرة الاولى في حياتهم .
إندفع خالد والملك الأماريتي وسط الزحام حتى يلقوا القبض على كبير القضاة وحارسه , وبدأوا بمهاجمته ثم لاحظ كبير القضاة الوشم خماسي النجوم الذي على ظهر الملك تميم فصاح بأنه ملك المدن الأماريتية الخمسة . إستطاع الجنود أن يمسكوا بالملك و اعتقلوه , بينما انطلق خالد جواد كبير القضاة إلى المكان الذي رسمه الملك تميم ، فوجد النفق وأسرع و انطلق خارجا من زيكولا وكان يهمس لنفسه : كله لأجل يامن وأسيل ومنى والملك وإياد ونادين وقمر ! ! .
إلتقى حاكم زيكولا بالملك الأماريتي الذي سخر منه لقلة عقله بسبب مجيئه كجاسوس بنفسه الى الاراضي التي سوف يحتلها , وأعلن له أنه سوف يكون هناك مجلس سيُتخذ فيه القرار و سيتم فيه ذبح الملك الأماريتي إذا ثبتت خيانته , ووصل هذا الخبر لإياد ومن ثم منى وأسيل .
إنطلق خالد من خلال النفق ووصل بعد مسافة كبيرة إلى الجيش الأماريتي و قال لهم عن الممرات السرية وكيفية عبورها لإنقاذ الملك واحتلال زيكولا . أخذ خالد ثلثي الجيش و انطلقوا عبر الأنفاق إلى أن وصلوا إلى حجرات كبيرة يُسجن فيها الأغنياء القادمين من البلاد الفقيرة وتؤخذ وحدات ذكائهم ثم يقتلوا .
إنتقل الجيش بعد ذلك إلى المنطقة الوسطى حيث كان الناس يقفون هناك في انتطار محاكمة الملك الأماريتي والذي أخرج إلى المنصة مكبل اليدين عاري الصدر حليق الرأس , وأعلن الملك الزيكولي ما يلي : إنني أحكم بخيانته وبتوزيع وحدات ذكائه على كل الجرحى من الجنود مقابل ما عانوا من الخسائر و الاوجاع , ليس هذا فحسب فقد أقر المجلس الزيكولي بجواز ذبحه اليوم وإرسال رأسه على سهم إلى جيشه . بدأ الملك الأماريتي بالشحوب شيئا فشيئا وبدأ جسمه بالهزل وبالإرتعاش لفقدانه وحداته مرة واحدة وبشكل مفاجئ , في نفس الوقت كانت الجيوش الأماريتية قادمة من خلف تجمهر الناس , فاكتسحت المكان وأنقذت الملك و أعادت له وحدات ذكاءه من جرحى الجيش الزيكولي .
طُبق عهد الرسل القديم وأسقطت خيانة الطبيبة أسيل وخالد ونادين وإياد وبالطبع خيانة الملك تميم . بالنسبة لخالد ومنى فقد اخذا قرارهما بالخروج من زيكولا مع اليوم الرابع بعد انتهاء الحرب , وبعدها أمر الملك تميم بهدم النفق الموجود في المنطقة الغربية و كل الممرات السرية الخارجية والأنفاق بعد مشورة من كبار رجال زيكولا .
بعد أيام من رحيل الملك و اقفال باب زيكولا الى الابد انتقلت قمر إلى المنطقة الغربية وأقنعها إياد بان يعيشا في زيكولا وتزوجا ... لم تعد الطبيبة أسيل إلى أماريتا و رجعت الى عملها مرة ثانية كطبيبة زيكولا الأولى , ورحب الملك تميم برغبتها تلك غير أن الأسطول الأماريتي ترك سفينة مَلكية واحدة هناك .
انتشرت الأقاويل أن تلك السفينة ستبقى في مكانها إلى أبد الدهر حتى تقرر الطبيبة في يوم من الايام أن تعبر هضاب الريكاتا مرة ثانية . بعد عام ونصف كان شراع السفينة قد نفخ وأسقطت مجاذيفها الطويلة إلى الماء حتى تبدا عملية الابحار في اتجاه الجنوب
..... النهاية
تعليقات
إرسال تعليق