القائمة الرئيسية

الصفحات



عشيق الليدي تشاترلي:  - الجزء الأول 


تزوجت كونستنس ضابطا قويا يتمتع بطلا في الميدان وأمضيا شهراً من العسل  في الراحة والاستجمام،. ثم عاد الزوج أدراجه إلى ساح القتال ليصاب بعد ستة أشهر وينقل إلى منزله مكسر الجسد! وكانت كونستنس في ذلك الحين امرأة يافعة لا تتعدى الثالثة والعشرين.
تمسك الزوج المحطم بالحياة.. لم يمت.. وتراءى أن الأشلاء الممزقة قد تجمعت  مرة ثانية في روح متماسكه . ولبث الطبيب يعالجه ويشرف عليه، وعندما إ مرعامان على علاجه  جهر برأيه وقراره وأعلن للجميع أن الخطر زال قد زال ولكن الجسد شل قسمه الأسفل.
وهكذاهدمت  الحرب دعائم بيت كونستنس ، وأيقنت بعد أن جرفها تيار المصائب أن على المرء أن يحيا وأن يتعلم..
كيف عاشت.. وماذا تعلمت هذه الزوجة الشابة!؟
..

ما عليك سوى الانتساب إلى هذه القناة للاستفادة من المزايا: https://www.youtube.com/channel/UChQ8cuMtdK57I-YRZ_qtHPg/join


عشيق الليدي تشاترلي:.
إعداد وإشراف -رجاء حمدان 


 


عصرنا هو عصر الحزن والأسى، وقد ننظر إلى الدنيا نظرة تلوُّع، فليس أمامنا طريق سهل للمستقبل، لأننا نتعثرُ بالعراقيل، وعلينا الحياة مهما كلف الأمر، دون أن نلتفتَ إلى مقدارِ النكباتِ التي لا تزالُ تنزل بنا.

هذا هو موقفُ كونستنس تشاترلي من الحياة، فقد دمرت الحرب بيتها فسقط على رأسها، وأيقنت بعد أن جرفها تيار المصائب، أن عليها الحياة والتعلم.

تزوجت من كلفورد تشاترلي عام 1917 ، عندما رجع من القتال ليقضي شهراً في راحة واستجمام، فأمضيا شهر العسل، ثم عاد من جديد إلى ساحة القتال، لتلحقه إصابة بعد ستة أشهر، ثم ينقل إلى إنكلترا وقد أصبح مشلولاً، وكونستنس في ذلك الحين، كانت امرأة يافعة لا تتعدى الثالثة والعشرين، وهو يكبرها في العمر بست سنين. 

هذا كان سنة 1920، وعاد الزوجان إلى بيتهما في (رغبي) وهو مقر الأسرة لتشاترلي، وكان والده قد قضى نحبه قبل ذلك، وآل إلى الكسيح لقب البارونية، وورث أملاك والده لأنه قد لقي حتفه سابقا، وأصبحت كونستنس بذلك تكنى بالليدي تشاترلي.

وله شقيقةٌ هي آخرُ ذرية العائلة تعيش في مكان بعيد، كان كلفورد في كرسيه المتحرك يقضي وقتاً طويلاً في الحديقة، وهو يتأمل الأزهار والطيور، بهندامه الأنيق وجمال صورته ومنكبيه العريضين ويديه القويتين.






وأما زوجته كونستنس فهي الأخرى متحدرة من دوحة عالية باسقة الفروع، فأبوها صاحب لقبٍ، وأمها عريقة الحسب، وتعلمتْ هي وأختها تعليما جامعيا راقيا ولائقا.

وعندما قامت الحرب اشتركا فيها، وتقابلت كوني أو (كونستنس) مراراً مع كلفورد تشاترلي الذي كان خريج كامبردج، وقد افتتن الشاب بكوني وأحبها وتزوجها.

كانت منطقة رغبي مستطيلةً منخفضةً وحجارتها بنية قديمة، في وسطها حديقة مليئة بشجر البلوط، ويمر من خلالها خطوط من الزهر والورود، أفزع المكان كوني في البداية، ولكن ما لبثت أن رضيت بالحياة كما خُطّ لها، وبهذا المنزل والحياة فيه كذلك.

لم يكن هناك أي تواصلٍ بين البيت وبين القرية التي تجاوره (تفرشل)، وعاشت العائلة وخدمها في البيتِ منفصلين عن القرية، وبقي أهل القرية ينظرون إلى كوني كأنها تمثال لا حياة فيه، كلما استدعت الحاجة إلى اجتماع من أجل مصلحة أو عمل، أما كلفورد فكان يعاملهم بفظاظة ويسمعهم أشكالا من الألفاظ النابية.

أما العلاقة ما بين الزوجين فكانت قوية مؤسسة على التفاهم وعلى الثقة المتبادلة، ودائما تأخذ عليه شدته وصرامته في معاملته مع أهل القرية، الذين يعملون في مَنْجَمه.

كان كلفورد يعتمد في انتقاله من مكان إلى آخر على كوني، فهي بمثابة الدم الذي يجري في نصف جسده الذي بقيت فيه الحياة، ولم يخمد طموحه بل أخذ بكتابة القصص؛ وكانت هذه القصص في غاية الإثارة وتحوي الأعاجيب، ومتغلغلة في أعماق الحياة، ثم نشرها جميعًا.

مضت سنتان وهما منشغلان في التأليف: كلفورد يكتب وكوني تتابع ما يكتب، وكانا يتعمقان في بحر من الجدل، فيتباحثان في كل شيء في اللغة والسياق والأسلوب، وهكذا ابتعدا عن الحياة وما فيها من مشاكل ومشاغل، وغديا كأنهما في مكان آخر منعزلٍ عن العالم.

كان من عادة كوني أن تخرج إلى الغابة وتتنعم بالوحدة والفكر فيما حولها، وهي كشبحٍ في مرآة! لقد تلاشت تماما كما تلاشت حياتها، ولم يعد هناك شيء عندها من الحقيقة.. إلا حياتها مع كلفورد، هذيان الضمير، وقصص زوجها ـ فراغ.. فراغ!

وتعاقب الزمان، ودارت الأيام، وبدأت ترى للمرة الألف أن الأيام والوقت والساعة نفسها، كلها غدت كشبحٍ مجسم في مرآة!

وبدأت كوني تقلق، وشعرت بأن شيئاً صعبا يُولدُ في داخلها؛ شعور جعل قلبها يخفق بكل قوة وعنف، وبدأت صحتها تتأخر بسبب ذلك.






كانت كلما ضاق بها الأمر تفر من كلفورد، ثم تنهار على الأعشاب في الحديقة، مع شعورها بضرورة مغادرة البيت، إن كانت ترغب بالإبقاء على عقلها سليماً، وأيقنت بأنها باتت تتمزق، كما أيقنت أن كلفورد وكل ما يخصه من كتب وأوراق هم في الحقيقة هباء!

وعندما حلَّ الشتاء، دعا كلفورد شاباً إيرلندياً متخصصًا بكتابة التمثيليات كي يزور (رغبي)، فأخذ هذا الشاب يتردد كثيراً إلى رغبي، وكان من عمله أن يقوم بالدعاية لكتب كلفورد في الصحف والمجلات، وتوطدت العلاقة التي بين كوني وهذا الشاب، وأحبت تواضعه وانجذبت إليه مع الأيام، وأعطته أكثر من ذلك فلم تجد مفرًا من الاستسلام له، وأخذا يجتمعان خلسة عن كلفورد والخدم.

لقد فارقها السأم والملل، وعادت إليها الابتسامة، وبدأ الدم يتدفق في وجنتيها من جديد، واستفاقت فيها الغريزة، وتنبهت العاطفة.

وفي صباح أحد الجُمع، خرج كلفورد وزوجته من أجل أن يتنزها في الغابة، وعندما وصلا إلى رأس المرتفع أوقف كلفورد عجلته، ثم جلست كوني بجانبه على صخرة، قالت كوني: أوّاه! لو كان لدينا ابن نرعاه ويرعى هذه الغابة، قال كلفورد: ولم لا يكون؟ ألا يجدر بنا أن نظفر بالابن من رجل آخر؟ ومتى كان لدينا هذا الطفل شعرنا بأنه لنا، قالت: ومن هو الرجل الآخر؟ قال: وما هي أهمية الرجل الآخر ما دمنا موافقين على الفكرة؟ قالت: وهل أنت مكترث بشخصية الأب؟ قال: إنني أفوض الأمر إلى اتزانك وعقليتك، وليس من الخير أن أعرف والد ابني.

وفي هذه الأثناء من الحديث، خرج من وراء الأدغال رجل يحمل في يده بندقيةً مع كلب صيد، اتجه إليهما وقام بتحيتهما، كان هذا هو حارس الصيد الجديد، ذو وجههٍ أحمر وشارباه كذلك، معتدلَ الطول والبنية.

قال كلفورد لكوني: هذا هو حارس الصيد الجديد ملورد، وطلب منه كلفورد أن يدفع عجلته ويعيده نحو البيت، قام ملورد بدفع العجلة حتى وصلوا إلى سياج البيت، وهناك أخذ الحارس ينظر إلى كوني بعينين ظهر فيهما فضول كبير، وتشوق إلى معرفتها، واستكشاف أعماقها وما جبلت عليه، فقد استحوذت على تفكيره، وانتبهت كوني لذلك، بل استطاعت أن ترى في عينيه ألماً دفيناً وهماً مكبوتاً، وأحست بأن فيهما من الدفء والحرارة ما يكفي.





وفي داخل المنزل، سألت كوني كلفورد عن حارس الصيد، فقال: كلفورد :  إنه مواطن هربت زوجته مع رجل آخر، وهو يعيش وحيدا الآن.

وأمطرت السماء، فلم يعد كلفورد يخرج إلى الغابة، وأخذت كوني تهرب إليها بمفردها، وقد سرها أن تخلو مع نفسها.

وفي يوم من الأيام، طلب منها زوجها الذهاب إلى حارس الصيد لقضاء أمر ما، حيث إن الخادم مرض فجأة، ولم يكن عند كلفورد مانعاً من تفويض زوجته بالمهمة.

ذهبت كوني إلى منزل الحارس خارج الغابة شمالا، المنزل صغيرٌ بني اللون وكأنه كوخ مهجور، وأعجبتها حديقته الصغيرة.

قرعت الباب دون أي جواب، ثم نظرت من النافذة فلم تجد أحداً، فدارت حول الكوخ، ثم انحدرت قليلاً إلى الغابة من الناحية الأخرى، وهناك شاهدته يغتسل وهو بدون ملابسه، وكان يدير ظهره للبيت، لهذا لم يرها أو يشعر بوجودها، بدا نحيفاً ولكنه قوياً، بشرته بيضاء.

نكصت على عقبيها، ثم هرولت إلى الغابةِ راجعةً من حيث جاءت، أحست بالقشعريرة تسري في جسدها، رجل يعيش لوحده، هذا أمر جميل، ويغتسل عارياً دون أن يخشى الأعين التي تراقبه، هذا رائع.

جلست على حجر وأخذت تفكر، بأن هذا الجسم دافئٌ لذيذ، فقررت أن تكمل ما جاءت من أجله، فانتظرت قليلا، ثم عادت أدراجها نحو الكوخ ثانية وطرقت بابه.

فتح الرجل الباب، وحملق فيها مصدومًا، قال: الليدي تشاترلي! تفضلي، ادخلي، قالت: لقد جئت إليك برسالة من السير كلفورد، وتلت عليه الرسالة.

وبعد أن استمع إلى رسالة زوجها، بدأ يتفرس في وجهها وجسدها، وبدا الإعجاب جلياً في نظرته، نظرت هي إلى عينيه، فلمحت فيهما ابتسامة مختلفة عن تلك التي رسمت على شفتيه، وأحست بدفء عينيه.





وبعد انصراف كوني بقي هو يتبعها بنظره، يتبع هذا الجسد الطري الذي يبتعد مسرعا، وأخذت الأفكار تطوف برأسه.

وفي تلك الليلة، أرخت كوني العنان لأحزانها، وفي وسط هذا المرار، بدأت تنقم على زوجها وكتاباته وحديثه، نقمت عليه وعلى كل من يماثله ممن يستهين بالمرأة وبحق جسدها عليها! بل شعرت بالمقت الشديد له، أليست هي إنسانة؟ أليس لجسدها عليها من الحقوق والواجبات التي يجب أن تؤديها؟

واندلعت نيران الظلم تحيط بجسدها، وتجعلها تتعذب وتتألم، وليس معنى موت إحساس زوجها، أن تميت إحساسها هي الأخرى.

أرسلت كوني تطلب أختها هيلدا، وعندما جاءت هيلدا ورأت القلق الذي حلَّ بأختها، قررت بأن تأخذها إلى الطبيب في لندن، وطلبت من كلفورد أن يجد له ممرضة تعتني به حتى تعود كوني.

ذهبتا إلى لندن، وحضرت الممرضة بولتون للاعتناء بكلفورد، وكانت بارعة ماهرة، فأعجبت كلفورد ووكَّل أموره إليها.

وهنا تفرغت كوني لنفسها بعد أن جاءت هذه الممرضة المحنكة، وفرحت لأنها ظفرت بحريتها، فهي لم تعد مجبرة على أن تلازم زوجها طيلة الوقت، فبدأت تخرج إلى الغابة، وتتمشى تحت أشعة الشمس.

وفي يوم من الأيام، وبينما كانت تمشي في الغابة، سمعت صوت طرق مطرقة، وعندما تتبعت الصوت، وجدت الحارس ينجز عمله في الكوخ الجديد، فطلبت منه مفتاحاً إضافياً لهذا الكوخ، حيث إنها ترغب بين الحين والآخر بزيارة هذا الكوخ، فوافق وأعطاها المفتاح.

وأصبحت تزور الكوخ بكثرة، تارةً في الصباح، وتارةً في المساء، وكانت تلتقي الحارس أحياناً، فتتبادل معه الأحاديث المتفرقة العابرة، وتطرح عليه قليلاً من الأسئلة ثم تعود إلى منزلها، ورأت في الحارس رجلاً مؤدباً صحيح الجسم إذا ما قيس بزوجها!

وفي أمسية ما ذهبت إلى الكوخ، وأخذت تراقب الفراخ الصغيرة تلاحق أمها، وعاد إليها الحنين إلى الحب، والشوق إلى الحياة الطبيعية، وأذاب عطف الأم على أطفالها حشاشتها، فبدأت بالبكاء، وفي تلك اللحظة، دنا منها الحارس وربت على كتفها، وقال: لا تبكي... تجلدي.




دعاها أن تدخل إلى الكوخ فانصاعت له، ثم أجلسها على المقعد، وجاء بغطاء فبسطه على الأرض، وطلب منها أن ترقد عليه، فاستلقت مستسلمة راضخة.

وأحست بيد راغبة تهدهد جسدها، وفم يلمس فمها، وقبلة حارة تنطبع على شفتيها، فأغمضت عينيها!

شعرت بالسلام، يا ترى هل هذه هي الحقيقة التي كنت أبحث عنها؟ وهل الحقيقة تكمن في هذا اللقاء العجيب؟! فأدركتْ الفرق بين الحقيقة واللاشيئية، وشعرت بأنها أصبحت حقيقة تمامًا!

وبعد فترة نهضا، وقال الرجل: سأصحبك إلى مدخل الحديقة، ثم سألها وهما يمشيان: هل أنت حزينة؟ هل أنت نادمة؟ فأجابت: كلا، وأنت هل تشعر بالندم؟ قال: نوعاً ما! ولكن كان الأمر لي سعادة، كان كل الهناء والنعيم.

وعندما وصلا، قالت: هل آتي إليك مرة أخرى؟ قال: أجل! أجل! تعالي دائماً، ووقف يتأملها وهي تبتعد شاعرًا بالامتعاض.

وفي اليوم التالي، وبعد أن خلدَ الجميع إلى غرفهم، خرجت من الخلف خلسة، وهرولت في اتجاه الكوخ، ولكنه لم يكن موجودا، فدخلت وجلست على الأريكة تنتظره.






جاء الرجل بعد فترة، قائلا: لقد جئتِ إذاً؟ قالت: نعم، قال: ألا تخافين من أعين الرقباء؟ ماذا لو عرف السير كلفورد بقصتنا؟ قالت: لا أبالي، فأنا غنية، وأستطيع أن أذهب متى شئت إلى حيث شئت، قال: لن أتخلى عنك، لن أتركك، وسأبقى معك.

وتوالت اللقاءات، وأصبحت تغيب كثيراً عن المنزل، وبدأ كلفورد يشك بما طرأ عليها، وأدركت الممرضة بفراستها أن الليدي تشاترلي عاشقة، وأنَّ لها عشيقا تذهب إليه، وقد شكّت بحارس الصيد، حيث رأته في أحد الأيام يحوم في الصباح الباكر على مقربة من المنزل.

وفي أحد الأيام، أخبرت كوني زوجها كلفورد بأن أبيها أرسل لها برسالة، يخبرها فيها أنه لبى دعوة السير الكسندركوبر، نيابة عنها من أجل الذهاب إلى البندقية في الصيف، سألها كلفورد: وكم ستغيبين؟ قالت: لن أتغيب أكثر من شهر واحد، قال كلفورد: لا بأس في ذلك، أوافق عن طيب نفس.

كانت كوني لا تحب الذهاب إلى البندقية ومفارقة رجلها، والابتعاد عن حبيبها ولكنها قد اضطرت إلى ذلك، حتى إذا ما حملت وأنجبت، ظن زوجها أن ابنها ثمرة علاقةٍ برجلٍ من البندقية!

وفي اليوم التالي أخبرت كوني الحارس عن ذهابها إلى البندقية، وأنها أخبرت كلفورد بأنها قد تحمل قريباً! فذهل الرجل وقال: وكيف كان رد فعله؟ كيف تلقى الصدمة؟ قالت: لم يعتبرها كذلك، بل أعرب عن رضاه، طالما كان في باطن الجميع أن الطفل طفله الشرعي! قال: فمن أين ستأتين بالطفل؟ قالت: من البندقية، فهو يعتقد أنني أنوي الحمل هناك، من رجل بيني وبينه مغامرة وغرام! قال: إذاً فلقد تحرشت بي من أجل نيل مرادك؟ لقد شئتِ أن تنجبي الوارث بأسرع ما يمكن؟! قالت: كلا، لا تقل هذا، لقد أحببتك، بودي أن أحيا معك حياة بدون فراق، أريد أن أكون معك في الحياة وبعد الحياة!


نهاية الجزء الاول ..الى اللقاء في الجزء الثاني 

تفاعل :

تعليقات