القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية هيبنوسيس - مهند رحمه - الجزء الثالث إعداد وإشراف - رجاء حمدان





 رواية هيبنوسيس - مهند رحمه - الجزء الثالث    

إعداد وإشراف - رجاء حمدان 




 

هيبنوسيس - مهند رحمه - الجزء الاول إعداد وإشراف - رجاء حمدان يعيش في سكنٍ الجامعة مع صديقه المُقرَّب، كان بطبعه هادئًا، بسيطا بمعيشته، ، الا انه في كل ليله كان يُراوِده حُلم سيئ، يجعله يدخل في نوباتُ ذعرٍ ، فيُقرِّر زيارةَ الطبيب النفسي «جمال عبد الرحمن»، فيُخضِعه لجلسةِ تنويمٍ مغناطيسي، وهنا تبدأ الحكاية ، يتذكَّر كلَّ شيء، فيتذكَّر ماضيَه القاسي ، وعندها تبدأ أحواله بالتغير ليصبح شخصًا ثائرًا متمردًا حانقًا، على بلاده التي كانت تغرق في بحر من الظلم والقهر. فيرفع شعار الثورة والنضال وضل يناضل إلى أن وصل إلى الرمق الاخير من نفسه ، ، وغادر آمالَه وفَتاتَه التي أحبها بجنونٍ . ولكن،ما هو الماضي الذي تذكَّرَه وبدَّلَ أحواله هكذا؟






 بعد فترة من زيارته لي ،  اندلعت الانتفاضة الشعبية في قلب خرطوم، لقد توقع الجميع ذلك، لكن ما لم يتوقعوه حقا هذا الحشد الهائل من الناس، طلاب جامعات و طالبات مراحل ثانوية، عمال، موظفين، جميع الطبقات والمستويات المادية والثقافية و السياسية ايضا. لكن ما ميزهم انهم كانوا جميعا رجالا و نساء شبابا وكان خطابهم هو: «حرية سلام وعدالة، الثورة خيار الشعب.»

كانت الشوارع تغلي حرفيا، اطارات و اوراق و لافتات و هتافات ..

ويبدو ان الحكومة ذعرت فعلا لان ردها كان مخيفا جدا.

وفي ذات يوم يا سيدتي و بعدما تأكدت ان زوجتي كانت قد نامت، جلست في غرفتي التي كنت قد جعلت منها مكتبا بسيطا و متواضعا، اضع عليه مراجعي و اوراقي التي اجلبها من المكتب احيانا. ادرت في ذلك اليوم بعض الموسيقى الخفيفة لاستمع اليها اثناء ممارستي لعملي وتدويني لملاحظات عن المرضى، وكان ذلك في ساعات متأخرة من الليل الحالك، فلطالما جعلني الليل اكثر تركيزا

كنت احاول ان اراجع حالة احدى المرضى، حينما رن جرس الهاتف المحمول، فجأة و دون سابق انذار! انتفضت برعب.. وتساءلت حينها من ذا الذي يرن الان! الساعة الرابعة صباحا؟

الرقم الذي رن علي كان رقما غريبا جدا وغير مألوف البتة! تجاهلته بترقب لكنه عاد يرن مرة تلو مرة، رفعت السماعة بحذر و فضول و رددت على المكالمة فسمعت صوت تنفس ثقيل جدا ولم اسمع اي صوت اخر، قلت الو الو، لكن عبثا.

تعجبت جدا! وقلت لنفسي  ربما مجرد مزحة غبية ليس الا، وقبل أن أغلق الهاتف سمعت صوتا خشنا متعبا يقول" ايه الدكتور.. كانوا انبل ما فينا الذين ماتوا لأجل الوطن"





 

كان الصوت كأنما خرج من حنجرة شخص يبكي!

صرخت بعدما أدركت من صاحب الصوت:

-       عماااار!

ثم سمعت بعدها في الخلفية وأنا ما زلت على الهاتف، صوت باب يفتح وكأنه باب قديم جدا، ثم أصوات أخرى لم أفهمها ولم أتبينها ثم عاد صوت عمار يقول لي وهو يبكي "قل لها إني قد أحببتها" قالها بسرعة و انهاك و ارهاق..

صوت الضوضاء في الخلفية يتعالى؛ ثم انقطع الإتصال.

أعدت الاتصال بنفس الرقم مجدداً، صوت رنين طويل ثم انفتح الخط، وصمت مطبق!

كانت الضوضاء بالخلفية قد اختفت تماما، عندها لم اقل شيئا، و اغلقت الهاتف، فقد  كان لدي شعور انه ليس عمار.

في صباح اليوم التالي.. اتصل بي احد الاطباء وأخبرني أن عمار كان قد مات، اجل هذا ما حدث، اتصلوا بي وأخبروني أن مريض عندي كان يتردد على عيادتي اسمه عمار، كان قد وجدوه في النهر و قد انتحر!

 

شعرت بحزن  و غرابة وعدة مشاعر لم افهمها، تذكرت مكالمته، تذكرت كلماته! تذكرت كل شيء قاله  وصوت انفاسه الاخيرة ، وشعرت أن ثمة شيء ما أو لغز ما مفقود. لم يكن يشبه رجلا سوف ينتحر!

كان قويا متينا متماسكا مؤمنا و ذكيا! لم افهم.. لم أفهم أي شيء.. ولم أعرف مع من اتحدث او كيف استفسر او الى من الجأ!






و فجأة و فورا خطر لي صديقه ابراهيم و هبة..

 بحثت عن هبة و اخبروني زملائهم في الجامعة أن هبة كانت قد تزوجت و سافرت!

لكني التقيت ب ابراهيم ..

 زرته في سكنه الجامعي بعد أن دلني عليه أحد زملائه بالجامعة.. وبعدما عرفته بنفسي، سألته برعب و حيرة  عن الذي حدث لعمار! وانني لا أصدق أنه انتحر! وانني اعرفه جيدا ومن المستحيل أن يقدم على هكذا خطوة..

لكن إبراهيم لزم الصمت..

تابعت قولي انني اريد ان اعرف الحقيقة فقط..

فقال إبراهيم بعد صمت طويل وتردد

 

 

 

تابعت قولي أنني أريد أن أعرف الحقيقة فقط..

فقال إبراهيم بعد صمت طويل وتردد وقد بانت عليه  ملامح بائسة  : سوف اخبرك بكل شيء ولكن لا تقاطعني.

بدأ الأمر يا دكتور حين بدأنا نسمع في الجامعة خلسة عن انتفاضة شعبية سوف تحدث قريبا، وكان ذلك في النصف الثاني من سبتمبر، كانوا يقولون أن هناك شباب تقوم باجتماعات ليلية و تقوم بحرق إطارات في الليل، في بعض الأحياء والشوارع الرئيسية، قالوا إن الأمر بدأ يصير مؤثرا و بدأت الشرطة تحاول أن تصد هذه الشعلات البسيطة.

كانت الخرطوم تترقب في حذر.

وكان عمار قد بدأ يحشد مجموعة من الشباب من خلال  اجتماعات  سرية ليلية من جامعتنا و جامعات اخرى قريبة وذلك لتشكيل لجان في الأحياء السكنية، وذلك لأنه كان يشعر أن الشرارة ستنتقل من الجزيرة للخرطوم  وفعلا هذا ما حدث.

الخطة كانت بسيطة، كل مجموعة من الشباب تستقطب شباب اخرين، وذلك لتكوين لجان في الأحياء التي يعيشون فيها و الأحياء القريبة منهم، كان يشعر عمار بحماس و تأهب للمشاركة في الانتفاضة، كان يريد أن يرى انطلاق الشعلة الأولى من أجل أن تنطلق باقي الشعل الانتفاضية أخيرا. 





قام عمار بتولي مهمة التنسيق والربط بين هذه المجموعات، كي لا يحدث أي مشاكل في اللقاءات، و تحديد المنازل و الأماكن من أجل التقاط الأنفاس في حال حدث أي مظاهرات. وفي تلك الفترة لم أعد أرى عمار و لم يعد يحضر للجامعة او للسكن.

 لمحته مرة في الجامعة واقفا مع "محمود"، لمحته فقط لثواني، كان محمود طالب علوم سياسية بجامعة نيلين، سمعته يقول لعمار أنه معجب بحماسه و طريقته المميزة جدا بالخطابة، كانت علاقتهما بالبداية لا تتعدى السلام، ثم أصبح محمود يرافق عمار كظله.

تابع إبراهيم قائلا:

ولا اخفى عليك يا دكتور لقد شعرت بالغيرة لأنه بدأ يتجاهلني، بالرغم من أني صديقه المقرب،فهو أصبح  الأن  لا يقف بجواري، أو يتحدث معي . حتى هبة حبيبة القلب، بدأت تأتي و تبكي و تسألني عنه، وتسأل لماذا يتجاهلها ولا يجيب على مكالماتها ، إنها تعاني من ضغط أسري شديد، لم افهم ما نوع الضغوط ولم تخبرني، لكني علمت فيما بعد أنها تزوجت.

ثم  صار الأمن  يشن حملات اعتقالات مسبقا ؛ وذلك تحسبًا ورعبا من تفشي العدوى للخرطوم،و قاموا باستهداف قيادات كبيرة للأحزاب والنشطاء الميدانيين، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي كذلك، كانوا يُقتحمون المنازل ليلًا ونهارًا و يداهمونها.






و في أحد الأيام كنت عائدًا من الجامعة، وجدت سيارة البوكس الحكومية الزرقاء واقفة بهدوء و ريبة أمام السكن الداخلي الذي أقطن فيه انا و بضع طلاب آخرين، وسريعا قاموا بأخذي من المكان  واعتقلوني  بأحد المراكز الطرفية بالعاصمة. وهناك رأيت قائدهم الضَّخم الجثة وجها لوجه، كان مرعبا ومخيفا، ثم علمت إنهم يعرفون أن «عمار» وهو يعتبر من حجارة الاساس في تكوين جماعات سرية و غير معروفة؛ هو السبب  بتحريض المتظاهرين  وبعض ذيول التمرُّد والخلايا النائمة للخروج للشوارع، وتخريب ممتلكات الدولة وإشاعة الفوضى هذا ما قاله لي حرفيا ولا زلت اذكره! وتابع هذا الرجل الضخم الجثة كلامه ، ان عمار يعتبر شخصا خطرا جدا و متطرف بالنسبة للدولة وقال إنهم يريدون مني مساعدتهم في الوصول إليه.

 

 

اخبرتهم انني لا أملك ادنى فكرة عن مكانه، ولا أجيد معرفة الوصول اليه، لكنهم لم يصدقوني و هددوني فوراً  باخي و أمي، لقد عرضوا علي صورهم .. كانوا يعرفون أسمائهم و وكل شيء عنهم،  و يعرفون كل شيء عن القرية، صاحب البقالة، و راعي الماشية، و مدرسين المدرسة، والكثير الكثير..

أخبروني أنني سوف أكون المسؤول الوحيد عن ما سيحصل لهم ان لم أتعاون معهم في إيجاد و معرفة مكان عمار. خرجت من هناك ايها الدكتور وأنا أعلم في قرارتي انني سوف اساعدهم للعثور على عمار.

واندلعت الإنتفاضة كما تعلم يا دكتور..






وفي يوم الخميس الذي يسبق الانتفاضة وردتني مكالمة من عمار،

أخبرني فيها إنهم يجتمعون ليوم الجمعة، وإنهم سيصلون إلى ميدان الرابطة في شمبات، كان ظاهرا عليه القلق و التوتر من رجفة صوته، وطلب مني أن أخبر هبة برسالة خاصة كون هاتفَها لا يعمل منذ أيام، وأنه  يشعر انها تتجنبه!

كان منزعجًا للغاية، شعرت أن هنالك شيئًا ما يدور ولا أفهمه.

كما طلب مني ايضا أن أوصي الطلاب المشتركين في السَّكن الداخلي أن يقفوا بجوار إخوانهم يوم غد، وأن يلتحقوا بهم في الميدان.

أغلقت الهاتف خائفا مرتعبا، كنت أتمنى و اود حقا ان تنقطع علاقتنا و ألا يتصل بي أو يظهر مجددًا ابدا، لا أريد أن أشعر بالتأنيب و الصراع مع ذاتي .

اتصلت بالضابط فورا وأخبرته إنني أعرف مكان عمار، وإنني أريد ضمانات أنهم سوف  يتركوني وشأني بعد هذا، ولن يمسوا أحدًا من أسرتي بسوء. وان عمار سيكون في الميدان يوم الجمعة.



نهاية الجزء الثالث ...والى اللقاء في الجزء الرابع والاخير 

تفاعل :

تعليقات