القائمة الرئيسية

الصفحات

تلخيص رواية الجزار -المؤلف : حسن الجندي - اعداد واشراف –رجاء حمدان





تلخيص رواية 
 الجزار -المؤلف : حسن الجندي 
إعداد واشراف –رجاء حمدان 




 في إحدى الشركات الكبرى ، أنهى آدم عمله متاخرأ هذه المرة ،طرق باب مكتبه عدة طرقات متتالية ثم دخل منه رجلٌ ضخم الجسم أشيب الشعر يضع على عينيه نظارة طبية أنيقة ، أدخله آدم ورحّب بمديره بشدة، قال المدير : اليك الخبر السعيد لقد تقرر زيادة راتبك الشهرى بصفة دائمة من الشهر القادم مع منحك نسبة من أرباح الشركة . إزدادت اتساعا ابتسامة آدم وشكر المدير بإمتنان ووسرح بفكره وهو يتخيل كيف سيسعد هذا الخبر زوجته. 

فى إحدى مكاتب مباحث أمن الدولة ,كان الملازم أول محمود وزملائه يتحدثون ويتناقشون ، دخل عليهم الرائد حسن مقاطعا حديثهم وقال : إن اللواء بشخصه يتابع ملفات قضية التفجير التى حصلت مؤخرا ، وقد تمكنا من القبض على أحد المنفذين للعملية وقد إعترف ببعض الأسرار, وبعد استمرار التحريات إستطعنا الوصول إلى إسم ثلاثي وراء أغلب الأحداث , إلا أن هذا الأسم ينطبق على ثمانية أشخاص في مصر وهو ( آدم محمد عبد الرحمن) .

 قام الرائد صبري بالبحث والتقصي عن المشتبهين وقال : بعد أن انتهينا من تشابه الأسماء بقي لدينا اسمان يحملان إسم آدم محمد عبدالرحمن , الأول لشخص يعمل في شركة حاسب آلي وقد تزوج منذ عامين ونصف ولديه إبنة , يسكن في منطقة معزولة , ويبلغ من العمر خمس وعشرون عاما ، وقد تطور في عمله بشكلٍ ملحوظ , بعد تخرجه مباشرة تزوج من إبنة عمه بعد أن عاشا معا قصة حب منذ الصغر ولايوجد له أي سجلات في قسم الشرطة , أما الشخص الثاني لا نعلم عنه شيئاً سوى أنه بعد وفاة والده سافر إلى الإمارات, وكذلك لا نعلم مكان إقامته الحالي . طرق الباب مرة أخرى وإذ به شاب يقول بانفعال وتوتر : يجب أن يكون آدم هنا الليلة , أطرق رأسه حسن ووافق على ذلك ! . الضابط حسن .. هو ضابط متيسر الحال ، يعمل بإدارة مباحث أمن الدولة , , يمتلك شقة ويعيش وحيدا فيها , فى سن الثلاثين ، وسيم ومع ذلك فهو بدون زواج ,فهو رجل شكاك ، يشك في أخلاق أي فتاه يقابلها . 

غادر حسن الشقة وهو متأهب واتصل بزميله ليتأكد من التحرك الليلة في الوقت المحدد للقبض على الشخص المطلوب داخل شقته ! . اشترى آدم الخاتم الذي رغبتْ فيه زوجته طويلاً ,وذهب مسرعا بهديته اليها حيث كان يسكن في مجمع سكني لم يجهز منه سوى شقته فقط , وزف اليها خبر ترفيعه فى الشركة الذي طار قلبها من شدة الفرح به , وأخذوا يتحدثون عن احلامهم ومستقبلهم طوال الليل ونور الصغيرة تارة تلعب وتارة تجلس إلى جانبهم , ثم ذهبوا إلى النوم .

 طرقات قوية متتالية على باب منزل آدم حتي بدأخشب الباب يتحطم , ثم كانت ضربة قدم قوية إنكسر الباب جرّائها . دخل الضابط حسن يتبعه ضابطان وعدة رجالٍ ضخام إلى الشقة , دخل حسن بخطوات بطيئة إلى غرفة النوم لتقع عيناه على فتاه شابة جميلة ترتدي قميصَ نومٍ شفاف وتغطي جسدها بشرف النوم , وبجانبها شاب يرتدي سروالَ نومٍ وصدره مكشوف . كانت صيحات بتول قد اختلطت بصرخات الطفلة نور المرعوبه ,وكان آدم يحاول أن يستوعب ويفهم ما يحدث . 

قبض الضباط على آدم بشكل عنيف وكبلوا يديه بينما كان الضابط حسن يحدق إلى بتول بشعرها الأصفر ويتفحص جسدها المنمق وعينيها الخضراوان وملامح وجهها الذي حمل جمالاً لم يراه من قبل , ثم اعطى حسن أوامره للرجال بالقبض عليها هي الأخرى, ولم يعد يسمع في الشقة سوى صراخ وأنين الطفلة نور . فى الغرفة الصغيرة كان يجلس فيها الضابطان حسن والرائد علي في انتظار أن يستفيق آدم من آثار الضرب المبرح , وعندما استفاق آدم قال له حسن : كل ما مر عليك عنا الى الان لا يساوى 1% مما يمكن فعله بك يا صديق , فبإستطاعتى وفي خلال ساعة واحدة أن أرغمك على أن تكفر بوجود الله أو أن تلعق قدمي للإعتراف بجريمة لم تفعلها , إسمع أيها الحقير القذر سوف يتم تسجيل أقوالك في محضرٍ رسمي وستعترف بكامل إرادتك بأنك أدرت شبكة إرهابية لوضع قنبلة في أحد الملاهي الليلية , وأنك فعلت ذلك من وازع ديني . 

رفض آدم ما قاله حسن من بهتان وكذب عليه رفضاً تاماً فلكمه على وجهه بقوة وتركه مع ثلاث رجال وحوش , واحد أمسك بآدم وثبته والآخرأخرج سكينا وبدأ يجرح جسم آدم بجروح لا تزيد عن 2 سم في كل سنتمر من جسمه والثالث تقدم وسكب الكولونيا على جسد آدم ليشعر بلهيب الإحتراق في جسمه كاملاً ! .
 في الغرفة المجاورة كان الضابطان حسن وعلي يتراهنان على المدة التي ينهار بها آدم ويعترف بما يمليان عليه ، تقدم الضابط جلال يسألهما : ما الفائدة من اعتراف هذا الشخص الآن بينما بعد بضعة أيام يمكننا أن نصل للشخص الحقيقي ؟. أشعل حسن سيجارة ونفث منها الدخان ثم قال : في بعض القضايا ذات الاهمية الكبرى وعندما يأتي أمر صارم من الجهات العليا بأن المتهم يجب أن يكون متواجدا هنا الليلة وبأي طريقة , فهذا الامر يعني أن خبر الجريمة قد ذاع ووصل للإعلام وبالتالي وبناء على ذلك ستكون الداخلية في موقف محرج جداً , لذا فإنه يتوجب علينا إظهار أحد الأشخاص تكون ظروفه تتناسب مع مرتكب الجريمة , ويتم الصاق التهمة به لحين البحث عن الفاعل الحقيقي , ويظل في نظر الناس هو الفاعل . وبالتالي تم اختيارن لآدم لتشابه اسمه مع الفاعل , وسوف نعمل على رسمُ سيناريو لنجعله هو الفاعل , ومن ناحية أخرى سوف نبدأ بالبحث عن الرجل الآخر لتغلق القضية بطريقة سرية ! .

 في غرفةٍ شبه مظلمة كانت بتول تصرخ وتحاول أن تغطي جسدها المعرى بيديها إلى أن جاء الضباط وأخذوها إلى حيث يجلس آدم . لم يلحظ أحد أن حسن كان يقف في أحد أركان الغرفة يتأمل بتول ويتأمل تفاصيل وجهها وخصلات شعرها الذهبي وعينيها وشفاها ,بينما كان الضباط الآخرين يقومون بتعذيب وإذلال آدم أمام أنظار بتول ,ولكنه لم يستجيب لهم . حينها بدأ حسن بالإقتراب شيئا فشيئا من بتول التي أرعبها ما رأت في عينيه من خبث فحاولت الرجوع للخلف , واصطدم جسدها المرتجف بالحائط , ففهم آدم ما قد يحدث ,وقام حسن بنزع ملابسه بينما كان آدم يصرخ بملئ صوته ويتوسل اليهم ويقول بأنه سيعترف بالجريمة, ولكن حسن لم يعد يشعر بما يفعله , واعتدى ببشاعة على بتول وبعنف . 

كانت بتول تحاول أن تدافع عن نفسها بكل قواها المنهارة وإستطاعت أن تخدش وجه حسن بيديها ,و فجاء وضع علي قدمه على يديها. وفجأة جحظت عيناها وزادت سرعة أنفاسها ودقات قلبها وسط صياح آدم وتوسلاته وهو يقول : أزمة قلبية إنها مصابة بالقلب ! ! ارجوكم !! وفجأة ارتعش جسدها عدة رعشات متتالية ثم توقفت حركتها تماماً وإنقطع نفسها ، ويبدو أنها ماتت . 
حينها جاء العميد عمر أصدر أوامره لصابر ولطفي : ألقوا بتلك الجثة حالا في أحد حاويات القمامة . جلس آدم يبكى وويئن وهو يحتضن بتول وحينما أتى الرجلان ليأخذاها تركها وعيناه معلقتان بها . ألقوا بآدم في إحدى الزنزانات ، وبعد مدة أجبر العميد عمر أحد المسجلين إرهاب أن يعترف بأنه هومن قام بتنفيذ العملية , وأنه إنتحل إسم آدم وهو إسم مزيف زوره وإتخذه لنفسه , وبالفعل ذاع الخبر وعرضت وسائل الإعلام التحقيقيات المزعومة وتم إغلاق القضية .
 قام صابر ,الذي لم يستطع ان يذق طعم النوم منذ أن رأى ما حدث لآدم , بتنفيذ أوامر العميد عمر وقال : الليلة تأخذون آدم إلى أقرب نقطة لمكان منزله وتلقوا به هناك!! . وبالفعل تم تنفيذ الامر وقاموا برميه بالقرب من منزله . لاحظ رجل عجوز كان يمشى بالقرب من المكان آدم فاقترب منه , ولاحظ أن جسد آدم عارى سوى من قطعة سفلية من الملابس كما ان جسده كان مليء بالجروح والتقرحات ، فأعطاه جلباباً قديماً من عنده كي يلبسه . دخل آدم بيته ليجد نور ترقد بركن الغرفة وعلى وجهها نظرة فزع وألم وقد اكتسى وجهها بزرقة مخيفة , حدّثها آدم كمجنون ذهب منه عقله وقال : (صغيرتي سوف أجعلك تضحكين وتمرحين مرة أخرى , ماذا تريدين يا حبيبتي , أن آكلهم , كما تشائين يا صغيرتي سأفعل كما تشائين) ثم خرج من البيت.

 تم تشريح جثة بتول على أنها جثة مجهولة الهوية وُجدت في إحدى سلات القمامة , وتم كتابة تقرير عن حالتها بأنها قد توفيت بسبب توقفٍ في عضلة القلب بعد الإعتداء عليها بصورة عنيفة ! . بقيَ آدم مشرداً يجلس بين مكبات القمامة غير مدرك او مستوعبٍ للذي حدث له فى حياته في يومين فقط !! , فقبل هذين اليومين كانت حياته هنية ومن أفضل ما يكون , وفي يومين فقط تحولت حياته إلى ألم وعذاب مر. لم يخطر ببال أحد ينظر لآدم أن عقله يعمل كـألة حسابية سريعة يرتب فيها أولوياته لمواجهة حياته القادمة من الآن فصاعداً ، أولاً يترتب عليه إيجاد زوجته ودفنها ليكرمها بعد موتها بعد أن دنّسها الغير. أخذ يجوب الاماكن ويتجول في الشوارع , وقعت عينيه على صورة زوجته على إحدى الصحف وفي نهاية الخبر كان الكلام بأن الشرطة تنفي تورط الزوج في مقتل الطفلة والزوجة , ولقد تم تسليم الجثتين لذويهما في بيتهما ! ! ! ! ! ! . هذا هو المكان والشارع الذي يقطن فيه آدم , هناك صوان ومقاعد متراصة , صوت قرآن ,اذن هذا هو عزاء زوجته . بالتأكيد دفنوها قال لنفسه , مي آدم مترنحاً في الطرقات الجانبية كي يصل إلى المقابر وبدأ يتحدث إلى زوجته : لم أكن أملك شيئاً لأدافع به عنك وعن طفلتنا, أنا الآن وحيدا بدونكما , لا أعرف .. لكني الآن أشعر بجوع شديد لامثيل له يا بتول , لا أعرف ياحبيبتي لماذا أشتاق أن آكل لحماً ،ثم إرتمى وفقد وعيه . بينما توجه الأب الحزين المكلوم والخال وبعض الرجال إلى المقبرة كى يقرأوا الفاتحة على روح بتول ونور، وعند وصولهم إلى الباب الخشبي للمقبرة , دُهشوا عندما رأوا قفل الباب مخلوعاً ووجدوا شاباً مرميا يرقد فوق قبر بتول يرتدي جلباباً ووجهه منفوخٌ, صرخ الرجال إنه آدم !!!! , وحاولوا إنعاشه وإيقاظه ولكنه لم يكن يشعر بشيء . نقلوه إلى المستشفى , فتح آدم عينيه فوجد نفسه في غرفة بيضاء مليئة بالأجهزة ، سأله الطبيب وهو يفحصه هل تتذكر شيئا يا آدم ؟ فرد عليه : لا أتذكر أي شيء ,هل يمكنني رؤية أبي وعمي ؟. حضر الاثنان عمه وأبوه إلى الغرفة وقالوا له كل ما جرى وحدث في اليومين الماضيين , وكيف أن أصابع الإتهام ابتعدت عنه عندما علمت النيابة بعد التحقيقات بوجود آثار اغتصاب ,فلا يمكن للزوج أن يغتصب زوجته , والتحقيقات ما زالت مستمرة إلى ألان ! ثم سأله أبوه ورجال الشرطة هل تتذكر أي شئ ، فرد ببرودٍ أيضاً : إننى لا أتذكر أي شيء! .

 تم وضع آدم وإلحاقه بمصحةٍ للعلاج النفسي بعد أن دخل في حالة اكتئاب عنيفة . جلست الممرضتان في المصحة تتحدثان ، قالت عفاف والذى بدا عليها أنها معجبة بآدم : لا أعلم ربما نظرة عيناه البنيتان ربما جسمه وطوله الفارع ربما تلك النظرة الخجله ربما الغموض العجيب الذي يلف حالته كل هذه الاشياء تجعلني أشعر بالشفقة عليه أوالإعجاب , . لقد دخل في حالة اكتئاب دمرته ذهنيا وجسديا فجعلته يفقد الرؤية في عينه اليسرى وأصبح لا يشعر بقدمه اليسرى فحالته قد تدهورت كلياً , والغريب في الامر أيضاً أنه ومنذ دخوله إلى المصحة يرفض اي زيارات سواء كانوا أهله أوأصدقائه إلا شخص واحد ، فالصديق الغريب والوحيد الذي يزوره بصورة منتظمة كل ثلاثاء أو أربعاء , وتستمر الزيارة لمدة ربع ساعة يظل فيها الإثنان ينظران لبعضهما كل منهما للآخر ثم يخرج الرجل الغريب ! . الساعة الخامسة الآن وهذا هو موعد تناول الغذاء، كانت عربة الطعام الضخمة تسير لتدخل الممرضة حاملة الصينية كالعاده , إلا ان هذه المرة سمع الجميع صوت الممرضة تصرخ وسقوط صينية الطعام صداه يدب بارجاء الممر, لقد رأت الممرضة آدم ممدا علي الارض ساقط على وجهه وعيناه شاخصتان للأعلى . ركض كل من كان في الغرفة لمناداة الطبيب , وحين جاء الطبيب وجد الغرفة فارغة , لقد اختفى آدم ! ! ! ! . 

 أمام كشك لبيع الكتب , تقدم شاب ليشتري منه جميع الكتب الموجوده عنده والمختصة بعلم التشريح, وبعد أن اشتراها ذهب إلى الصيدلية واشترى بعض الأدوية , وطلب من الصيدلي محمود الشامي أن يشرح له ويفهمه كيفية استخدامها , ووضع أمامه رزمة نقدية . إسمي لطفي عبدالبر محمد, أبلغ من العمر 55 عاماً ,أحب تربية شاربي ,عندما كنت في كلية الشرطه تعلمت قانون ( الناس نوعان : ظالم أو مظلوم ,وعليك أن تختار اي نوع انت ، كن ظالماً كي لا تكون مظلوماً ) وهكذا كنت في شبابي كالعفريت ,أرتكبت اخطاءا كثيره في شبابي ولكن من منا لا يخطيء. ما المشكلة أو الخطأ في أن نقبض على المئات في سبيل الملايين ، المشكلة هي أن الناس ترى ما نفعله ونقوم به بمنظور آخر , فهم لا يغطون كل المناظير , أتحداك أن تفعل عكس ما أفعل إذا تسلمت أمن دولة بأكملها يوم كامل . تُظهرنا الكتب والأفلام بأننا جماعة جبابرة نشرب دماء العامة , ولا يعرفون أن الكثير الكثير منا قد مات دفاعاً عن ترابِ هذا الوطن ، ربما أكون ارتكبت العديد من الأخطاء والامور ولكني الآن رجل لديه أطفال يخاف عليهم ,ولديه زوجة يحبها زوجته ويرعاها ،وأؤدي صلواتي الخمس داخل المسجد, وأحمل كفني على يدي فداءَ تراب الوطن ! . 

أعلم العميد عمر الضابط لطفي بأن اليوم هو إجازة له ,وأنه يستطيع ان يذهب الآن ويرجع غداً مبكراً . لم يعد لطفي إلى بيت عائلته لبعد مسافته ,فقرر أن يبقى بنفس المدينة وينام فيها حتى لا يتأخر عن موعده في صباح اليوم التالى . وصل لطفي إلىمنزله المؤقت بالمدينة ، ضغط على زر الإضاءة وهو ينظر إلى المرآة مندهشا !!!.. المرآة مهشمة ! ولم يطل الحال على ذلك ،إذ فجأة خرج شخص من الدولاب ولكمه لكمة قوية وبعنف فسقط لطفي مرميا على الارض .

 حاول لطفي أن يفتح عينيه ولكنه شعر بخدر في كامل جسمه ,كان يشعر بالنعاس الشديد وجسده بالكامل كان مقيد بإحكام عجيب .وفجأة جاء على سمعه صوت ثقيل رخيم وهاديء يشبه الفحيح يقول : أهلاً بالصديق القديم ,إنك تشعر بالنعاس ، إنه بالتأكيد بسبب جرعة المورفين , سأله لطفي بهلع ودون أن يستطيع رؤيته ، من أنت ؟ سمع صوت وقع مشيته على الارض ولكن كأنه كان يمشي بقدم واحدة لأنه هناك صوتُ دقٍّ لقدم واحدة والاخرى كانت كأنها تزحف ويجرها بثقل فقال : آدم محمد عبد الرحمن هل يذكرك هذا الإسم بأحد ما , تفاجأة وصعق لطفي غير مصدق ثم أكمل الشخص أنا آدم ! ! ! قال لطفي مستحيل !!!!! . 

العساكر والناس تحيط بالمنزل وتتجمع حوله ,والجميع علم أن القتيل هو لطفي الذي يعمل مخبراً بمباحث أمن الدولة , إنصدم الجميع من هول المنظر عندما دخلوا الشقة , كان يجلس القتيل وفمه مفتوحا على آخره وعيناه غير موجودتين مكانهما ودماء كثيفة كانت تخرج من أذنيه .وعندما بدأت المعاينة الدقيقة والبحث وُجدت آثار طبخ في مطبخ القتيل وبقايا صحون وبهارات ,وبعد فحص ومعاينة طبيب الجنائية المبدئية للجثة ,تبين أن لسان القتيل قد قطع وكذلك العينين قد أخرجتا من محجريهما وأدخلت أداة حادة في الأذن, ثم دخل القاتل الى المطبخ وقام بطهوهم وجلس ليأكلهم بكل هدوء أمام القتيل !!! .وفي التقرير الجنائي النهائي جاء : أن السبابه لأصبع القتيل ملطخ بالدماء وكتبت أمامه على المنضدة ثلاث كلمات بدمائه ( لا أرى ,لا أسمع ,لا أتكلم ) ... أما الشيء الغريب الذي تكرر في كل مكان فهو تكسير المرايا بدون سبب , فهو لم يستعمل الزجاج المهشم في شيء ! . 

بدأتِ الأقاويل تنتشر بأن بيت آدم بدأت تظهر فيه حركات وأمور غريبة بعد أن توفيت الزوجة ولحقتها الطفلة , ومن بعد دخول آدم إلى المصحة العقلية وموته فيها , فسمع الناس في إحدى الليالي لأن في الشقة صوت بكاء عالٍ بالإضافة إلى ضوء أحمر يتحرك داخلها ويخرج منها ,ولكن في الصباح عندما كشف صاحب العمارة عن الشقة لم يَرَ شيئاً , ومن تلك اللحظة لم يسكن أحد المجمع السكني ولم يقترب منه أحد . 

جاء القاتل إلى بيت الضابط علي . في غرفة النوم وعلى الفراشكان هناك رجل وزوجته يغطون في النوم ,لا يشعران بالشاب الذي دخل غرفتهما وهو يعرج . إقترب من جانب الزوجة وحقنها بالمخدر في ذراعها , بدأ يستفيق الزوج ولكن الشاب سارعه بلكمه قوية على وجهه ثم حقنه هو الآخر بالمخدر . توقف الشاب قليلاً ثم نظر إلى المرآة وغطى وجهه بيده ثم أمسك زجاجة العطر وهشم بها زجاج المرآة . بدأ علي يستيقظ ,إ خترقت أنفه رائحة طعام شهي يبدو أنه أضيفت اليه الكثيرمن التوابل الفواحه ,سمع صوت مضغٍ ,التفت إلى ناحية الصوت فوجد رجلاً يأكل بشهية وينظر له بإبتسامة وقال له : إنها قطعة لحم شهية وددت أن تشاركني بها ولكنك ستمانع لأسباب شخصية !. نظر علي إلى أسفل جسمه فوجد أن قدماه مقطوعتان وأجزاء من اللحم غير موجود ,وعظام الفخذ تظهر بشكل واضح . سمع علي الرجل يخاطبه بصوت بدا مبحوحاً على الأغلب أنه يعاني ثقلاً باللسان : ألا تتذكرني يا سيادة الرائد علي ؟ هل تتذكر آدم محمد عبدالرحمن الذي قتلتموه في تلك الليلة أبشع قتلة وصنعتم منه مسخاً بشريا بشعاً ,صنعتم غولاً يشتهي أكل اللحم لقد صنعتموني !! أريد أن أبارك لك على زواجك , ولا أخفي عليك كم هي حاجتي ووشوقي إلى جسد زوجتك !! سأفعل ما أريده بها على فراشك ! مرت نصف ساعة وعلي يصرخ ويتوسل بكل ما تبقى له من صوت , و ظل على تلك الحالة إلى أن انتهى صوته وخبتت حركته وظلت عينيه شاخصة والدموع تغلفها ! . كان صابر يمتلك بقالة , قام بافتتاحها منذ سنة بعد تقاعده من العمل . 

كانت الأقوال تتضارب عنه فالبعض يقول إنه كان يعمل مخبراً للشرطة ,لا يهم ولكنهم جميعاً يشهدون بطيبته ونزاهته وحبه للأطفال لأنه لم يرزق بأبناء . في تلك الليلة أغلق صابر البقالة وصعد إلى منزله وأمسك بالمصحف وبدأ يقرأه بينما كانت زوجته تجلس تنظر إلى التلفاز . بعد عدة ساعات شعر صابر بيد تهزه من خلفه وسمع صوتاً مبحوحاً يقول : إبق في مكانك و لا تحاول التحرك ثم جاءته لكمة عنيفة على رأسه ,وبعد دقائق كان قد غاب بها عن الوعى ،بدأ يستفيق صابر وبشعر بنشاط في جسده ولكنه تفاجأه بأنه مكبل بالحبال ,ووجد التلفاز محطم وزوجته غير موجودة ،سمع صوت شخص من خلفه : لم تُحقن كبقية زملائك بمادتي , سأراهن على أنك سوف تتذكر كل شيء فور أن أذكر لك الإسم .... بتول !! . قال صابر : لقد ندمت أشد الندم على تلك الليلة , لن أدافع عن نفسي ولكن يعلم الله كم هى كمية الندم التي بداخلي, هل أنت آدم ؟؟؟ قال الرجل من خلفه : لقد فقدتُ شهيتي لتناول الطعام , أنا الشخص الذي أتيتُ من أعماق عقلي ,أنا الرغبة المجسدة ,أنا من أردت أن أكونه وأخاف أن أكونه ,أنا ذلك المسخ الذي عاد لكم ,أنا آدم !!!!! ثم حقنه بالمخدر ليشعر بارتخاء في عضلاته . 

حاول صابر تحريك رأسه ،كانت قواه خائرة ومتعب وقد فك الرجل عنه الحبال ,ولكن هو لايرى لا يسمع ولا ينطق إنه بدون لسان ويده اليمنى مقطوعة من الرسغ . تحسس بيده اليسرى السليمة رسغه الأيمن المقطوع المليء بالدماء .غاب عن الوعي لدقيقة ثم أفاق وبلل أصبعه بدماء يده وكتب بخط مرتعش ( آدم عاد ) ! ! ! . سامحْ ,أحد رجال المخابرات , يتميز مظهره بالبساطة والوسامة والحزم والكاريزما المرعبة , لديه قدرة غريبه على الإستنتاج والحدس معاً ,ولقد تم اختياره كرجل مخابراتٍ بسبب قدراته على دمج الخيال بالتفكير وإخراج الإستنتاج بسهولة , والتى كان لها الاثر الكبير في الجهاز المخابراتي وقامت على أساسها الكثير من العمليات الإستخباراتية.

 وصل إلى مكتب سامح ملفٌ بقضية قتلٍ لا علاقة لها بعمله الذى يقوم به ,وكان موضوع الملف ،عبارةعن تعاون ودي بين جهاز المخابرات والأجهزة الأمنية للقبض على قاتلٍ محترف تخصص في قتل أفرادٍ يعملون بجهة أمنية واحدة . ومع أن ضباط المخابرات لاتوجد لهم صلة بقضايا القتل ,ولكن هذه القضية تحتوى على الكثير من الغموض والألغاز , وتخرج عن كونها جريمة عادية . تسرب أخبار الجرائم التي ترتكب بحق رجال الأمن إلى وسائل الإعلام وبدأ الصحفي سالم بالوصول إلى معلوماتٍ وصور لينشرها في إحدى الصحف لتكون سبقاً صحفياً يصل لكل الناس . وتم وضع المقال المنشور تحت عنوان ( الجزار يثير الهلع بين رجال الأمن ) , وتم الحاق المقال بإسمٍ مستعارٍ لتجنب المسائلة القانونية له ! .
 بدأ سامح بعمله وأخذ يحاول ربط الاحداث بعضها ببعض ويربط جميع الصور التي وصلت له بالتقارير النهائية . كتب سامح ملاحظات ببضع كلمات كي يربط بين أفكاره فكتب (مرايا ) ( مورفين ) ( نافذة ) وكلمات أخرى كي يربط بها بين ما توصل إليه في القراءة . أخذ يدرس ملفات الجرائم الثلاث وكان يسجل كلمات وعبارات مفتاحية لكل جريمة ,ولكنه لاحظ في الجريمة الأخيرة ,جريمة صابر ,بأنه لا يوجد أية آثار لطعام أو طبخ ,ولكنه وجد علبة زجاجية صغيرة تحتوي على مسحوق بودرة أصفر فدقق فوجد أنها أميتال الصوديوم ! ! ! ! . أخذ العميد عمر عائلته في نزهة , وإصطحب معه صديقه حسن كي ينسوا أمر العمل ويتحدثوا قليلاً . 

تبادلوا الحديث إلى أن جاء ذكر آدم على لسان حسن فقال: إن آدم لايزال حيا وانه قد عاد وإن الماضي يعود إليهم من جديد !! فهم العميد عمر الموضوع من حسن ثم سأله عن أخبار خطوبته , وحثه وطلب منه أن ينسى الماضي ويعيش حياته الجديدة باستقرارٍ وسعادة,فآدم كان جزءاً من عملهم , وعملُ رجال الشرطة والأمن قد يلزمهم أحياناً بالتضحية بعددٍ من المواطنين من أجل حياة الملايين وهذا جزء لابد منه في عملهم , وآدم كان من ضمن هؤلاء المواطنين التي تم التضحية بهم . أكمل عمر كلامه وقال : إني أتخيل نفسي أني قد أقتل في نهاية حياتي ؟, ولكني لن أتخيل نفسي أموت على يد قاتل غبي يَدّعي أنه قد عاد من الموت كي ينتقم لعائلته ,سأقتل على يد أحد أعداء الوطن , وحينها سأكون شهيداً , أما أن أموت ميتة مهينة كريهه كتلك فهذا لن يحدث ! . أميتال الصوديوم ! ! ! تلك المادة التي يطلق عليها العامة مصل الحقيقة , تعمل في القشرة المخية وتقوم بفصل جزء من منطقة الوعي عن الشخص بحيث يمكن للشخص المحقون بمادة أمتال الصودييوم أن يتقبل أي أوامر تأتي له من الخارج ,وبالتالي تتوقف قدرة المخ عن التخيل والإبداع مما يجعل تأثيرها يُفقدِ القدرة على اختلاق الأكاذيب وبالتالي عندما يتم سؤاله عن شيء ما ,وقديما تم استخدامها لبث أفكارٍ معينة أولقعل أوامر معينة أو ذكريات غير حقيقية , حيث يصحو الرجل المحقون بالمادة وهو مقتنع بتلك الأوامر والذكريات لأن عقله الباطن قد صنّفها على أنها موجودة بالفعل . فتح سامح تقاريرالوارده من المعمل الجنائي مرة أخرى وأخذ يقرأ : زوجة صابر تم تخديرها ..كتب القاتل على الحائط لا أرى لا أسمع لا أتكلم .وبعد التحقيقات أفادت امرأة تسكن في نفس الشارع بأنها قد شاهدت رجلاً يخرج من بيت صابر يحمل كيساً بلاستيكياً , لم تستطع رؤية وجهه لبعد المسافة , كان يسير بعرج بسيط ! . 

توصل سامح إلى التحليلات التالية: إن القاتل يقوم يجرائمه يوم الثلاثاء والأربعاء من كل اسبوع وليس هذ بالصدفة ، لكن من أين عرف القاتل عناوين رجال الشرطة التي تكون غالبا الأمر سرية ؟؟؟. اتصل سامح بالدكتور ميلاد ميخائيل وهو طبيب نفسي مشهور وناجح يستعين به جهاز الأمن في عمليات معينة لكشف الألغاز في بعض القضايا . أخذ الدكتور ميلاد وقتاً طويلاً في قراءة التقارير التي أحضرها سامح عند لقائهما وبدأ يتحدث في حين أصغى اليه سامح بكل إنتباه فقال : يبدو أن هذا القاتل التسلسلي مريض نفسي بحق , كما أن عقليته ليست بالهينة , لأن القاتل التسلسلي رجلا لاتظهر على وجهه علامات الانفال والغضب وهو شخص يمتلك ذكاءاً وإدراكاً واسعاً يُمّكنه من إخفاء آثار جريمته بعد ارتكابها ,ودائماً ما يسبقك بخطوة في التفكير . فهذا القاتل, ولنطلق عليه إسم آدم كما كَتب في تقارير إحدى الجرائم ,إنه يقوم بالجريمة في وقتٍ محدد في كل مرة مما يعني أن التوقيت له معنى ويحمل له قُدسية خاصة ,أما بخصوص المرايا التي يقوم بتكسيرها وتهشيمها ا قبل ارتكاب الجريمة فهناك احتمال أنه لايطيق النظر الى صورته أو أن في وجهه تشوه ,قد يكون التشوه هذا نفسي أو جسدي ,أو من المحتمل أن آدم يرى شخصاً ما في المرايا ويخشاه , أما بشأن الضحايا فان آدم لا يقتل من أجل التلذذ بل بهدف الإنتقام ، فهو لا يشعر بالذنب لفعلته تلك لأن في الجريمة الأولى لم يقتل لطفي بل مات متاثراً بل أن الرجل مات بالصدمة ,وكذلك فعل في الجريمتين الأخريتين لذا فلا يمكنك أن تعامله على أساس أنه قاتل .. إن كنت تبحث عن جرم وقاتل فلن تجده أما إن كنت تبحث عن شخص طبيعي فسوف تعثر عليه ! .
كما ان هؤلاء الرجال الثلاثة يشتركون في تكوين ذكرى لآدم ، لطفي وصابر يشتركان في نوعية الإنتقام, فقطع لسانيهما وأخرج عيونهما ودمر آذانهما ,فذلك يعني أنهما كانا شاهدان على أمرٍ ما ولم يقوما بمنع ذلك الفعل , وبالتالي حرمهما من تلك الأجهزة , أما بالنسبة لعلي فقد فعل شيئاً مختلفاً معه ويتعلق الأمر بقدمه , ربما سارعلى في طريق ما أو حَرَم شخصاً من السير فحَرمه آدم من تلك القدم ,أماممارسة أكلُ اللحم أمام القتيل فهذا ليس اعتباطاً , بل يدل على أنه كان في يوم ما في مكبلاً لايقوى على عمل شئ ويشاهد شيئاً ما يحدث أمامه ،أما بالنسبه لصابر ,وهو الوحيد الذي لم تؤكل أجزاء من جسمه ، فآدم هنا لم يُرد أن يحقق انتقاماً كاملاً بل يبدو انه قد كافأه على شيء ما , وبالنسبة لعبارة آدم عاد فهذا تحذير موجه لأشخاص معينيين ومعروفين وليس تحذيراً للعامة , بل أن هناك من فهموا الرسالة وأنهم بالتأكيد على القائمة القادمة !!! .

 حضر سامح إلى المكان حيث يوجد عمر وحسن وطلب منهما إحضار ملف علي في العمل كي يرى القضايا التي كُلف بها ,إستغربوا الأمر . وأحس عمر بأن سامح بدأ يمسك بطرف الخيط في وقت وجيز , ولكنه بالطبع لن يسمح بهذا الأمر , وسيوف يعمل على وقف كمِّ المعلومات الهائلة التي تتدفق إليه !!! انصرف سامح وبقي عمر وحسن قال عمر :لقد وصلتنى التقارير بالحالة النفسية لآدم قبل موته , كان قد فقد القدرة على المشي بقدمه اليسرى وكذلك فقد الرؤية بإحدى عينيه ,لايوجد هناك إثبات أنه ميت ولكن أيضاً لايوجد هناك إثبات أنه حي ، حتى لو كان حياً ففي حالته تلك لايمكنه قتل دجاجة ,لذلك أرجح بان القاتل يكون شخصاً آخر يريد إيهامنا بأنه آدم الحقيقي. وأيضا جاء في التقرير أنه كان هناك شخص يأتي لزيارة آدم في المستشفى اسبوعياً . اتسعت عينا حسن من الدهشة بعد ما سمع عن الزائر الغريب !! . 

 إرتفعت الأرباح بشكل ملحوظ في جريدة التحرير ، بعد أن نشر الصحفي سالم مقال الجزار ورجال الأمن تحت إسم مستعار(أبو وافي). كان سالم في أتم وأعلى استعداداته للجريمة القادمة يوم الثلاثاء إلى أن جاءه خطابٌ إلى مكتبه فقرأه وفجأة إتسعت عينيه وبدأ جسمه يتحفز وتزداد انفعالاته ثم ركض مسرعاً من مكتبه الى مكتب مدير التحرير ! . دخل سالم إلى مدير التحرير وتبين أن الخطاب كان من الجزار ! ! يقول فيه : أنت أول من تحدث عن القضية بحياد ,أنا لست قاتلاً يا سيدي بل أنا رجلٌ مقتول ، قتلني هؤلاء الفجرة منذ فترة طويلة ... إن كنت لا تصدقني بأنني أنا من تطلق عليه لقب الجزار فسوف أعطيك دليلاً يوم الثلاثاء ليلاً ,سآكل قطعة جميلة من رأس أحدهم ,سوف أشبع جوعي وشهيتي مرة أخرى وبرأس هذا الرجل الذي حلمت كثيراً أن آكل رأسه ,وأتذوق وأتلذذ بذلك الطعم الخلاب الذي يدغدغ معدتي مع كل قضمة . ....أرجو أن تصدقني وتوقف بحثك عني كي تمر الأيام القادمة بسلام وأعود للموت مرة أخرى . أعتذر لك الآن لأن عندي صديق على العشاء !!! 

 قال مدير التحرير لسالم : يجب عليك أن تنشر الرسالة حتى لا نكون قد أخفينا دليلاً هاماً يختص بالقضية ,كما أن هذه الرسالة تعد وثيقة هامة تحل بها أجزاءاً من اللغز الذي نثيره لقراء الجريدة . جلس عمر في منزله وعلى سريره وحيداً بعدما ودع زوجته وأولاده وقال لهم إنه سيلاقيهم في الغد ,ثم قام عمر وفتح باب المنزل وباب الغرفة واستلقى على السرير ,فجأة تكلم عمر بصوت مسموع : أنت موجودٌ هنا أليس كذلك ؟ ولكن العجيب أن الرد أتى له : نعم !!!! كان الصوت رخيماً مبحوحاً وخافتاً , قال عمر : سمِعتُ أمي ذات مرة تقول : إن الإنسان عندما يدنو أجله يحس أنه سيموت , وأنا منذ اللحظة التي قتلت فيها لطفي كنت أنتظر الموت , والليلة شعرتُ أنك ستأتي الى هنا وها أنا أنتظرك . قال الجزار : إنني لا أشعر بشعورك هذا للأسف لأنه بتلك الليلة التي قتلتموني فيها لم أشعر قبلها أنها آخر ليلة ... حان موعد تناول العشاء , قال عمر : كنت أقول لحسن إني لن أقتل على يد الجزار مهما حصل , ولكن من داخلي كنت أعلم أنني ساقابلك , ثم شعر بوخزة في ذراعة اليمنى. وصل ملف علي إلى سامح ، ولكن بعد أن تفحصه وجد به أوراقاً مفقودة عن عملياتٍ قام بها منذ عامين . لم يستطع أن يفهم سامح لماذا يريد عمر تعطيله عن الوصول إلى الحقيقة ! . 

 إستمريعمل إلى أن عاد إلى بيته في وقت متأخر ، وبقي جالساً يفكر أمام النافذة , فهذه هي عادة سامح حين يشعر بخطرٍ في إحدى العمليات التي يتولاها ، فهو لا يستطيع النوم بل يبقى يجلس منتظراً النتيجة كى يقوم بعدها بما يجب عليه فعله . كان يعلم أنه مقصرٌ في حق أولاده وبيته ولكن زوجته كانت قوية وعلى دراية تامة لتتحمل مسؤولية المنزل كاملاً وعلى رأسها . عندما قرأ الصحيفة التي وصلته صباحاً والتي نُشرت فيها رسالة الجزار ,ذهب مسرعاً إلى الصحفي سالم لإستشارته في بعض الأمور . كان يظهرُ على سالم الإرتباك . وتبادلوا الحديث عن موضوع الجزار ثم عقد سامح صفقة مع سالم بأن يخبره فيها بكل ما يعرفه عن الجزار مقابل حمايته له ! .

 إتصل الضابط حسن بسامح يخبره فيه عن مقتل عمر !!! . انطلق سامح إلى منزل عمر ودخل الى غرفة واسعة ذات شرفة كبيرة مغلقة ،كان عمر ملقى على ظهره مغمض العينين ورأسه بها انبعاجٌ غريب ,وعلى طرف الفراش كان يوجد شيء ما غريب مليء بالدماء ,إنها جمجمة عمر والمخ مأخوذ منها ، لكن!!! كان هناك أمر ملاحظ وهو أن الغرفة كانت منظمة ومرتبه لا تدل على وجود أية مقاومة من عمر. توقف سامح أمام الفراش ونظر للحائط وقرأ عبارة كتبت عليه بالدماء وهى : ( إذا انتصر عقلي على ضميري فأنا لا أستحقه ), إنه نفس الخط في جميع الجرائم السابقة .سأل سامح أحد رجال الشرطة : ماذا حدث ؟ فرد عليه : لقد أعطاه القاتل أ جرعة مخدرة في ذراعه اليمنى ,ثم إستخدم منشاراً دقيقاً في نشر جمجمته بطريقة دائرية ,ثم أخرج المخ ونقله إلى المطبخ في الدور الأرضي وطبخه هناك ببعض التوابل والبهارت ثم عاد لأكله أمام القتيل , وترك ورقة في يد الجثة كتب عليها بضع عبارات بخط صغير . أخذ سامح الورقة وكان مكتوب فيها كالتالي: (لن يوقفني أحد يا رجل الدائرة , قاربت على الإنتهاء , أما أنت فخارجها .حاول الإبتعاد عني لأنك تبحث عن رجل ميت ,فلو وصلتَ لي ستجدني شبحاً .أنا أحترمك فلا تضيع هذا الإحترام ). 

بعد أن أنهى سامح قراءة الورقة ، عرف هوية الشخص الموجهة له تلك العبارات في الورقة ,إنها له ,موجهة لسامح شخصياً !!! . كان الصمت .. هو الضيف الثقيل الثالث الذي يجلس بين سامح وحسن , نظر سامح إلى حسن الذي بدا جلياً على وجهه التوتر والهم ، فقد كان عُمَرْ الأب الروحي والمرشد لحسن .
كسر سامح الصمت وقال : أنت المرشح التالي اليس كذلك ؟! لقد عاد لكم بقوة جبارة . كان سامح قد توصل إلى أن هؤلاء الرجال يجمعهم إثم ارتكبوه قديماً بحق آدم , واستنتج أيضا أن حسن قد اشترك مع من قتلوا في الجرائم التى حدثت بإعتبارهم قريبين جداً وتربطهم علاقة قوية !! . 

ذهب حسن الى موعده للقاء خطيبته مريم ، وعندما ألحَّت مريم على سؤال حسن لماذا هو حزين وكئيب هكذا إنفجر فيها غاضباً : لن أتكلم يا بتول ! ! . سألتْ مريم باندهاش ومن تكون بتول تلك فقال لها حسن : إنها فتاة كان يعرفها من سنين , وأراد ان يصرف نظرها عن أمرِ بتول فأخذ يروي لها ما يحدث مع أصدقائه الذين جميعهم قتلوا ببشاعة , ثم تلقى إتصال من صديقه يخبره : أن صديقنا جلال وَجَدته أمه في غرفته منتحراً وقد شنق نفسه !! إنفتح فم حسن مذهولاً ثم نهض واقفاً يصرخ : لاااااااا !!!! . وصل بصورة سرية ملف حسن إلى سامح وبدأ يقلب في صفحاته , ووصل إلى صفحة آدم محمد عبدالرحمن , ومن هنا بدأ سامح بربط الأحداث والوقائع بعضها ببعض بصورة أوضح , وأحضر كل الجرائد التي تحدثت عن خبر آدم وموت زوجته وطفلته ,وتوصل بشكل يقيني إلى نصف الحقيقة ,وبدأ بنفسه بالبحث عن الجزء الآخر, فهناك لايزال يوجد الكثير الذي لم يعرفه بعد،ولكن ما كان يحيره أنه كيف توصل آدم إلى عناوين منازل رجال الشرطة التي في العادة تكون سرية ؟. بالإضافة إلى كل ذلك كيف عرف آدم سامح ووجه له رسالة ؟ , وكيف عرف آدم أيضاً كيفية عمل واستخدام المواد المخدرة واستخداماتها؟ .

وإنطلق سامح من هنا في بحثه , ذهب إلى القهوة التى تجاور بيت آدم وبدأ بالبحث بأساليبه الخاصة حتى لا يشك فيه أحد ,وسمع قصة آدم بالكامل من شخص كان يجلس في القهوة , وحينها كوَّن فكرة عامة عن الموضوع . في بيت مريم كان حسن يبدو عليه التعب والحزن والكدر , وسرعان ما صارت دموعه تنهال على خديه وبدأت مريم بتهدئته إلى أن قال لها : سأموت بعد أيام قليلة وبالتحديد سأقتل يوم الثلاثاء ... هل تعرفين سبب قتلي , لأنني قتلت منذ ما يقارب على السنة عائلة ,ورب العائلة عاد مرة أخرى من الموت لينتقم مني , ثم أخبرها بالقصة كاملة بكل تفاصيلها . تمكن سامح من الدخول إلى المصحة النفسية والوصول إلى التقارير الطبية لحالة آدم , وشاهد له صورة قديمة له , وأخبرته إحدى الممرضات عن ذلك الضيف المجهول الذي كان يزوره بانتظام ووصفت له شكله وقالت إنه غالباً ما كان متخفي ! . 

في بيت والد آدم قدم سامح نفسه على أنه رجل المخابرات وتبادل الحديث مع أبو آدم ، ثم قام أبو آدم في نهاية الجلسة كي يوصيل سامح إلى الباب و قال له بإختصار : منذ ما يقارب العام ، كنت نائماً بفراشي أنا وزوجتي , ووجدت باب الغرفة يفتح بهدوء , ورأيت خياله في الظلام يقترب من الدولاب ويفتح أحد الادراج التي أحتفظ فيها بنقودي ,وأخذ مبلغاً وترك الباقي ونظر لي ولزوجتي قليلاً ثم خرج , لم اتكلم لحظتها , ومنذ سته أشهر تكرر الأمروحصل نفس الشيء , وكان هذا الرجل يعرج وهو يمشي, لا أعلم لماذا قلت لك هذا ولكن أحلفك بالله أن لا تؤذي آدم لو شاهدته !! . ذهب سامح عند حسن الذي كان ينتظر يوم الثلاثاء ليرى ما سيحدث له ، قال سامح : عندما اتصلت بي يوم مقتل عمر شعرت أنك تلجأ لي لأنك تعرف أني سوف أصل للجاني . لقد علمت بقصة آدم وبتول وابنتهم نور كاملة , آدم يعتبركم أنكم أكلتم لحم أسرته وهو بالتالي يأتي ليأكل لحمكم , لقد حوّلتم آدم إلى جزار ... إسمع يا حسن , بالرغم مما فعلته لآدم فمهمتي هي الحفاظ على حياتك غداً من الجزار ،ثم بعدها سوف تبدأ محاكمتك على الجريمة التي اقترفتها !!.غداً سنقوم بعمل كمين للجزار وستكون أنت الطعم ,وبعدها سيتم محاكمتك ويعاقب كل من أخطأ على فعلته !. على فكرة ..أنا أعرف أنك أنت من كنت تزور آدم في المستشفى بانتظام !!!, كنتما تنظران لبعضكما البعض بدون أن ينطق أحدكما بكلمة , كان الجلاد ينظر في عين الضحية ولكن الضحية كان يقول لك بنظراته إن موعدك قادم !! كنت تزوره حتى تستفزه و يثور عليك فيتهمك ويقتلك ,لقد راقبتَه وهو يتحول إلى جزار وها هو قادم غداً ليزورك مثلما كنت تفعل معه في المستشفى ! .

 وصلت رسالة من الجزار إلى الصحفي سالم وكان محتواها : ( لقد وصلتني رسالتك التي بين السطور وفهمتها ، عندما نشرت عن الضابط الذي شنق نفسه فجأة ,مما يعني أن هناك من هو ورائك ويقودك ويريد أن يقول لي أن أحد أهدافي قد مات منتحراً. والآن هذه رسالتي للشخص الذي يقودك : الدائرة قد قاربت على الإنتهاء , فالنهاية سوف تراها في يوم الثلاثاء , نهاية القصة الطويلة التي بدأت منذ نحو عامين ..النهاية هي أمتع جزء في القصة ونهايتي أنا هي اللون الرمادي , ألا تراه معي ؟! ) أخبر الصحفي سالم السيد سامح بالخطاب على الفور . 

أخذ سامح صلاحيات واسعة وكبيره من اللواء في عمل الكمين لآدم . وكانت الخطة هي إلقاء القبض على آدم حين دخوله غرفة حسن فقط وليس من أي مكان آخر . جاء اليوم الموعد يوم الثلاثاء واندس ضباط الشرطة بين الناس بطريقة أكثر من طبيعية على طول الشارع الذي يوجد فيه بيت حسن , تم إعطاء الأوامر إلى حسن بأن يدخل وينام في غرفته بطريقة عادية وطبيعية , وحين يدخل الجزار إلى الغرفة يشعل أفراد الشرطة الأضواء وينهالوا عليه بطلقات المخدر. توزع أفراد الشرطة الباقين كل حسب موقعه , رجلان في كل غرفة ,وهم على أشد أهبة الإستعداد لمقابلة الجزار . انطفأت الأضواء في بيت حسن ودخل لينام في غرفته كالمعتاد , وحينها سمع سامح صوتاً .
حاول الضباط إضاءة الغرفة ولكن أحد ما قطع التيار ,وفجأة سمعوا صوت زجاج ينكسر ويتهشم , لقد وصل الجزار !!! . أضاء أفراد الشرطة بهواتفهم النقالة المكان إضاءة خافتة ليروا الجزار يتكلم إلى المرآة : ياه نعود لنلتقي من جديد يا حسن! . توقف سامح عن المشي وهو ينظر إلى ظهر الجزار الذي التفت ببطء ليواجه سامح الذي سلط الضوء على وجهه .... إنه !!!!!!!!!! حسن ؟!؟!؟!؟! قال حسن : سيد سامح طوال الوقت وأنا أنتظر مقابلتك ,أنا آدم محمد عبدالرحمن والجزار حالياً !! ثم أخذ ينظر إلى المرآة ويحادثها كأنها حسن وكأنه هو آدم !!! قال سامح : حسن هو الجزار ! وحسن ما زال ينظر إلى المرآة ويحادثها , ثم رجع خطوتين إلى الخلف ويعرج بقدمه اليسرى ويقهقه بشكل جنوني , بينما لم ينبس الضباط بحرف , ظلوا يراقبون ما يحدث من تحولٍ لشخصية حسن وتغيره إلى شخصية آدم ثم العودة لشخصيته . 
اقترب حسن أكثر من المرآة وهو يعرج وينظر بقرف إلى المرآة وقال بصوت مبحوح بطيء الكلمات : هل تعرف يا حسن ,الآن أخط نهاية قصتي , النهاية هي أمتع جزء في القصة ,ونهايتي هي اللون الرمادي , ألا تراه معي ؟ قال حسن جملته وهو يضحك ثم رفع السكين ووضعها على رقبته وجزها وأخذت الدماء تسيل منها ثم وقع على ركبتيه ثم خبتت حركته تماما !!!!!. قال سامح وهو ينظر إلى الجثة : كنت أنت آدم وحسن , أنت القاتل والمقتول , كل ليلة ثلاثاء يخرج آدم من داخلك ليبدأ القتل , تخاف أن تنظر إلى المرايا كي لا ترى حسن ,آدم داخلك يصحو كل ليلة ثلاثاء ليبحث عن قاتله وأنت يا حسن لا تعلم أنك كنت تبحث عن نفسك, قاتلك في داخلك يا صديقي .

 كان يفكر سامح أن آدم وبتول ونور ظلوا في طي الكتمان والنسيان , لقد مات الجميع وماتت الأدلة معهم . أحس سامح بأن عليه واجب يجب أن يقضيه , يحتاج لمقابلة من بدأت عنده القضية,شعر أن عليه زيارة قبر بتول !!. سأل سامح عن مقابر عائلة آدم ووصل إلى الحارة التي توجد المقابر فيها , حينها شاهد رجلاً يخرج وهو يعطي ظهره لسامح ويعرج قليلاً . 
نظر سامح إلى الرجل الذي أمامه ليراه ينظر إليه ويبتسم ! . رن هاتف سامح فأخبره أحد الضباط بنتائج التقارير النهائية لحسن فقال : بعد تشريح الجثة تبين أن هناك نسبة من عقار أميتال الصوديوم في جسم حسن , وهناك شيء غريب , فالعضو الذكري لحسن قد قطع بنفس السكين التي كان يحملها , وتم إيجاد عبارة على الجدار بالدم تقول ( نهايتي رمادية ) !!. أغلق سامح الخط وهوما زال ينظر إلى الرجل المبتسم أمامه الذي أخرج بدوره هاتفاً من جيبه ,وفي الوقت ذاته رن هاتف سامح ليسمع صوتاً كالفحيح : سيد سامح إنه لمن دواعي سروري مقابلتك !! أنا هو آدم أو كما ييلقبونني بالجزار !! أنا آدم الحقيقي وقد انتهت مهمتي وعادت العدالة مرة أخرى , كنت أدين لك بتفسير بسيط عما حدث , فبالأمس كنت أنا في شقة حسن وبالتحديد في غرفة نومه وتحديداً أكثر تحت فراشه ,كنتم تعدون لي الكمين ولكن من كان يتوقع أن أعد لكم أنتم الكمين !!! , حقنته بالمخدر وبأميتال الصوديوم ثم ضربته على رأسه فبقي في حالة بين النوم والوعي , حينها اقتربت لإذنه وقلت هامساً : أنت آدم محمد عبدالرحمن , وهناك من يُدعى حسن المهدي اغتصب زوجتك وقتل طفلتك منذ عامين . زرعت جميع ذكرياتي في عقل حسن.. طريقتي في الكلام ..في السير ..أنفاسي ..مشاعري ..وكيف أكلت الجميع ..وكيف استمتعت بقضم لحمهم , لم أترك شيئاً إلا وزرعته حتى كرهي لحسن . جعلته آدم تماماً وزرعت أوامري في عقله لينفذها . كان يجب عليه أن يقتل نفسه بنفسه , ولذا استخدمت مادة ( إل سي دي ) لتلغي إرادته ووعيه وتبقي عليه تنفيذ ما بقي في عقله الباطن من أوامر أمليتها عليه . وبمجرد أن بدأ التنفيذ , فصلتُ الإضاءة وخرجت أنا من باب الشقة في هدوء وصعدت إلى السطح !!!!! .أما بالنسبة للأساطير التي خرجت عن شقتي فكنت أنا أسكن فيها ,والأصوات كنت أنا من أقوم بها . كنت أشعل الشموع لأقرأ كتب التشريح التي كنت أضعها في صناديق وأهيل عليها الغبار . والآن يا سيد سامح سيختفي الجزار , ستغلق ملفات القضية ويصبح حسن هو الجزار وينتهي الأمر كما خططتُ له تماماً. 
لا وجود للخير ..لا وجود للشر ..لم ينتصر أحد ..لم ينهزم أحد ..هذه النهاية التي أحبها , نهايتي الرمادية , ألا تراها معي !!! . كانت هذه هي آخر الكلمات التي نطق بها آدم . نظر كل منهما إلى الآخر ما يقرب من دقيقة وبعدها رجع آدم إلى الوراء وهو يخطو خطواته بعرج وسار بعيداً . أما سامح فقد نظر إلى يساره ,إلى المقابر ,ثم نظر مرة أخرى أمامه لآدم , وعاد هو الآخر بظهره إلى الوراء ,وسار هو الآخر بعيداً وفي عقله عادت نفس العبارة التي شعر بها .... النهاية الرمادية .


                                                        النهاية
تفاعل :

تعليقات