لسماع الرواية والاشتراك بالقناة ...قناة راجو شو الاربط التالي :
https://www.youtube.com/channel/UChQ8cuMtdK57I-YRZ_qtHPg?view_as=subscriber
"راجو شو يقوم بتلخيص الروايات بإسلوبه المستقل عن الرواية الاصلية بما يتناسب مع حقوق النشر وحقوق الملكية الذي ينص عليها قانون حقوق النشر واليوتيوب """"
"راجو شو يقوم بتلخيص الروايات بإسلوبه المستقل عن الرواية الاصلية بما يتناسب مع حقوق النشر وحقوق الملكية الذي ينص عليها قانون حقوق النشر واليوتيوب """"
في نهايتي تكون بدايتي... ذلك استشهادٌ لطالما سمعت الناس يرددونه. ولا يبدو فيه أي بأس، ولكن ما الذي يعنيه حقاً؟ هل توجد أي نقطة يمكن للمرء أن يضع أصبعه عليها ويقول: "لقد بدأ الأمر كله في ذلك اليوم، في الزمان الفلاني، والمكان الفلاني، وبالحادث الفلاني"؟
أترى قصتي بدأت عندما لاحظتُ ذلك الإعلان معلقاً على جدار محل جورج دراغن للعقارات، معلناً عن وجود مزاد لبيع تلك العزبة القيمة المسماة بالتاورز (أي الأبراج). أو ربما أمكنك القول إن بدايات الأمر كله كانت عندما قابلت سانتونيكس، خلال مناقشاتي معه. يمكنني أن أغمض عينيَّ وأرى حركة يده القوية وهي ترسم المخططات والتصاميم للبيوت. بيت واحد على وجه الخصوص كان من الرائع أن يمتلكه المرء. كان سانتونيكس سيبني لي بيتي لو أنه عاش ما يكفي لذلك. البيت الذي سأعيش فيه مع الفتاة التي أحبها.
وإذا كانت هذه قصة حب فلماذا لا أبداً حيث وقعت عيني لأول مرة على "إيلي" وهي تقف تحت شجرة التنّوب ذي اللون الغامق في التاورز أو ما يسمى ب (فدان الغجري)؟ نعم أظن أن تلك كانت البداية.
فكرت وقتها: "عجباً! كيف سيكون الأمر لو كان فدان الغجري فداني أنا"؟ لذا عندما مررت بشخصٍ من أهالي القرية كان يشذب سياجاً قال لي: لقد سُمّي المكان بفدان الغجري لأنها كانت أراضي غجرٍ ذات يوم، وقد طُردوا منها، فوضعوا عليها لعنة. وقال أيضاً: إن كنت تريد أن تلتقي بالغجر فعلاً فعندنا السيدة "لي" العجوز بالطبع. لقد أعطاها الميجر فيلبوت بيتاً صغيراً لتعيش فيه.
قابلت السيدة الغجرية العجوز فقالت لي، بعد أن طالعت كفي: استمع لي، وانس أمر فدان الغجري، لن يأتي منه خير أبداً! فيه لعنة. لا حظ لأولئك الذين يعبثون بفدان الغجري، ولم يكن لهم حظ أبداً من قبل. فآخر عائلة سكنت فيه ماتت، كلها!!
تركتُ الغجرية وسرت في الشارع عبر القرية. نظرت ثانية إلى الإعلان الملصق لبيع منزل تاورز. سآتي وأحضر هذا المزاد. سيكون من المثير أن أرى من الذي سيشتري البيت. سيكون من المثير رؤية من سيصبح مالك فدان الغجري. نعم، أظن أن هذه النقطة التي بدأ عندها الأمر كله.
كانت الصدفة المحضة هي التي أتت بي إلى منطقة فدان الغجري في ذلك اليوم. كنت آخذ معي من لندن عائلة لهناك لحضور مزاد بيع، ولكنه لم يكن لبيع بيتٍ بل لبيع محتوياته. كنت وقتها في الثانية والعشرين من عمري حيث كنت أعمل سائقاً أقود الأغنياء إلى أماكن متفرقة.
على أية حال فقد كنت معتاداً على أخذ رجل بالسيارة إلى الريفيرا. كان له بيتٌ يُبنى هناك، وكان يذهب ليرى كيف يمضي العمل به، وكان سانتونيكس هو المهندس المعماري الذي يتولى أمر البيت. كان سانتونيكس شاباً أبيض البشرة ونحيلاً ذا وجه غريب. وبعدما سافرنا مرة ثانية للريفيرا، كان البيت قد أوشك على الإكتمال. كان شيئاً خاصاً وجميلاً. وبعدها قال لي سانتونيكس: بوسعي أن أبني لك أنت بيتاً. من شأني أن أعرف طراز البيت الذي تتمناه. فقلت له: عندما يستيقظ طموحي وأكسب المال سآتي إليك وأقول لك: إبنِ لي بيتاً. فقال سانتونيكس: لا يمكنني الإنتظار، فليس لديّ إلا وقت قصير لأعيشه الآن.
لم أنسَ خطتي في الذهاب إلى المزاد. كانت تفصلني عن وقت المزاد ثلاثة أسابيع. وكما قلت من قبل، فإنني لم أحضر مزاداً عاماً لبيع عقارات من قبل، وقد كنت مشحوناً بفكرةٍ مفادها أن ذلك سيكون مثيراً، ولكنه لم يكن كذلك على الإطلاق. كان بارداً ومثيراً للضجر. لم يحضر سوى ستة أشخاصٍ أو سبعة. وأعلن المنادي بأن العروض لم تصل إلى الحد الأدنى المطلوب، وانفضّ الجميع.
خرجت من المزاد وأنا مقطب الجبين أفكر مع نفسي. وقد قادتني قدماي إلى تلك النقطة في الطريق التي رأيت فيها إيلي لأول مرة. وكما قلت، فقد كانت تقف بالقرب من شجرة تنّوبٍ عالية. كانت ترتدي ثوباً صوفياً أخضر غامقاً، وكان شعرها ذا لونٍ بنيّ ناعم. رأيتها فتوقفتُ، وكانت تنظر إليّ، وبدت وكأنها جفلت بعض الشيء. قلت لها: آسف. لم أقصد أن أفاجئك. إنه مكان مخيف بعض الشيء. أعني بسبب طريقة تهدم البيت على هذا النحو. فقالت: الأبراج، هذا كان اسمه فيما مضى... غير أنه لا تبدو أية أبراج هنا. أهذا هو العقار الذي كانوا يعرضونه للبيع في المزاد اليوم؟ فقلت: نعم، لقد جئت من المزاد الآن. ولكني لا أستطيع شراء البيت لأني لا أملك المال، ولكنني مهتم به. بودي لو أشتريه. جلسنا قرب بعضنا البعض على جذع شجرة ساقطة وتحدثنا. قالت لي: ما هو اسمك؟ فقلت: مايكل روجرز وأنت؟ فقالت: فينيلا غودمان.
هكذا بدأ الأمر بيني وبين إيلي. وفيما كنا نمشي عائدين إلى القرية، رأيت المرأة التي رأيتها قبل أيام في حديقة بيتها، السيدة لي. قالت لنا: ما الذي جاء بكما إلى فدان الغجري؟ لقد كانت هذه أرض الغجر، وقد أخرجونا منها. ولن يكون من الخير لكما أن تكونا هنا. فقالت إيلي: أنا آسفة جداً. لقد ظننت أن هذا المكان قد بيع اليوم. فقالت العجوز: سيكون حظاً سيئاً لأي شخص يشتريه! إسمعي أيتها الفتاة الجميلة، إني أقرأ الطالع هيا نقّطي يدي بالفضة وسوف أخبرك بطالعك.
أظن أن التوق لمعرفة الطالع هو أمر تتساوى فيه النساء جميعاً. فتحتْ إيلي حقيبتها ووضعت النقود في يد العجوز. أخذت العجوز تنظر في يد إيلي ثم فجأة ألقتها وقالت: إذهبي من هنا ولا تعودي. لقد رأيت ذلك الشيء في راحة يدَكَ. إنسي فدان الغجري، إنني أحذرك أيتها الجميلة. أعادت العجوز النقود إلى إيلي ومضت بعيداً. حينها قالت لي إيلي: يا لها من امرأةٍ مخيفة.
في اليوم التالي التقيتُ بإيلي في مقهى بلو دوغ. شربنا الشاي وتحدثنا. واتفقنا أن نلتقي بعد ثلاثة أيام في لندن في ريجنت بارك. وعندما تقابلنا قالت إيلي: أنا فتاة مسكينة غنية. ثم تكلمتْ بإيجازٍ عن حياتها مع الثروة، والضجر، والراحة الخانقة. وعن صديقتها الألمانية غريتا. قلت لها: لماذا أردتِ الذهاب إلى فدان الغجري؟ فقالت: لقد رتبنا الأمر أنا وغريتا. إنها هي من تقترح الأفكار وترتب الأمور.
سافرتْ إيلي مع عائلتها إلى فرنسا فانقطعت لقاءاتنا. فقررتُ الذهاب لزيارة أمي. كانت أمي تعيش في نفس الشارع الذي عاشت به منذ عشرين عاماً، شارعٌ من البيوت المتماثلة المملة، وهي بيوت محترمة ولكنها تفتقر إلى أي جمال أو تميز. كانت بيننا حالة جمود دائمة. قالت لي أمي لما رأتني: لقد مضى وقت طويل لم تأتِ فيه. لماذا أتيت؟ فقلت: أينبغي أن يكون لمجيئي سبب محدد؟ فقالت: على أي حال ماذا تفضل القهوة أم الشاي؟ فاخترت القهوة لأني كبرت على عادة شرب الشاي. ثم نظرتْ أمي إليّ مُطولاً وقالت: أنت مختلف. أهناك فتاة ؟ فقلت لها: نوعاً ما. فقالت: ماذا تريد مني الآن؟ فقلت: أريد بعض المال. قالت: لماذا تريده؟ فقلت: أريد أن أشتري بدلة من أفضل نوعٍ لأتزوج من تلك الفتاة إن رضيتْ بي. فقالت لي: لقد أثّر الحب عليك كثيراً، وهو الشيء الذي كنت أخشاه دوماً، أن تختار الفتاة الخطأ. فصحت بها وقلت: الفتاة الخطأ؟ تباً! ثم خرجتُ من البيت وصفقتُ الباب خلفي.
رجعت إلى البيت ووجدت برقية بانتظاري... وكانت من إيلي تقول فيها: قابلني غداً في الرابعة والنصف في المكان المعتاد. قابلتها. كانت إيلي مختلفة. وبعد أن أخبَرَتْنِي عن رحلتها إلى فرنسا، قالت لي: لقد رأيت البيت الذي أخبرتَني عنه، البيت الذي بناه صديقك المعماري سانتونيكس. لقد ذهبتُ إلى هناك مع زوجة أبي وصديقتي غريتا وعمي فرانك. إن البيت رائع... إنه مختلف تماماً. يمكنني أن أرى أنه، إن بنى لنا بيتاً، فسيكون بيتاً رائعاً. =كانت قد استعملت الكلمة بشكل غير واعٍ أبداً. قالت: "لنا"!!! فقلت لها: يبدو من السخف بعض الشيء أن أقول لك إنني أحبك؛ إذ يبدو أن ذلك قد تأخر كثيراً، أعني أنك قد عرفت ذلك منذ أمدٍ بعيد، بل منذ البداية عملياً. فقالت:نعم، وأنت تعرف مشاعري تجاهك. وما سنفعله هو أننا سنعيش في فدان الغجري فقد اشتريته وسنعيش في بيت الأحلام الذي سيبنيه لنا صديقك المعماري. ولكننا سنتزوج أولاً. لقد بلغت سن الرشد، وأستطيع فعل ما أريد الآن.
ثم أخذتْ إيلي تقول بترددٍ: إنني غنية يا مايك؛ لقد كان جدي واسع الثراء، من النفط غالباً. وقد توفيت الزوجات اللاتي كان يدفع لهن النفقة، ولم يتبق سوى أبي وأنا، لأن ابنيه الآخرين قتلا. قُتل أحدهما في كوريا والثاني في حادث سيارة. وهكذا عندما توفي أبي آلت كل الأموال لي. وقد كان أبي قد وضع مخصصات محددة لزوجته من قبل، ولذلك فإنها لا تحصل على أيّ شيء آخر. لقد أصبحت الأموال كلها لي. والآن إنني، عملياً، واحدة من أغنى النساء في أمريكا يا مايك. فقال مايك: يا إلهي! لم أعرف ذلك. فقالت إيلي: لم أرد لك أن تعرف ذلك، لذا قلت لك إن اسمي فينيلا غودمان ولكنه في الحقيقة فينيلا غوتمان بالتاء وليس بالدال.
وهكذا جرت الأمور. وتزوجنا أنا وإيلي، ويبدو في التعبير عن ذلك بهذا الشكل الكثير من الإقتضاب والإيجاز، ولكن الأمور جرت حقاً على هذا النحو. قررنا الزواج وتزوجنا. وعشنا سعيدين نحن الإثنين، وقد مر وقت سعيد لا بأس به قبل أن يتمكن أحد من الإنتباه إلينا ويبدأ بإثارة المتاعب والمشكلات المعتادة، وكنا قد أعددنا العدة لتلك المتاعب.
كانت حياتنا سعيدة في تلك الأيام الأولى. تزوجنا في مكتب زيجات في بلايموث، واتخذنا موظفة وعاملة الطباعة لديه كشاهدين. ذهبنا إلى اليونان، وإلى فلورنسا، وإلى البندقية، وإلى الريفيرا الفرنسية، ثم إلى منتجعات المياه المعدنية. وفي معرض أسفارنا كنا قد التقينا بسانتونيكس. كان يسكن في بيت صغير في اليونان، ولقد كان بأسوء حال صحية. قالت إيلي له: نحن الآن بصدد بناء بيتنا. فقال لنا: لقد هيأتُ الرسومات والخرائط وأرانا إياها، ولقد كان البيت هو بالضبط ما أريده. كتبت بعد ذلك رسالة لأمي أخبرها بأمر زواجي. فكتبتُ: أمي العزيزة، كان يجب أن أخبركِ من قبل، ولكنني شعرت ببعض الحرج. لقد تزوجتُ منذ ثلاثة أسابيع. وهي فتاة جميلة جداً، ولديها الكثير من المال. سوف نبني بيتاً في مكان ما في الريف. أما في الوقت الحاضر فنحن نسافر إلى أوروبا. مع خالص أمنياتي . مايك .
وبعد مرور أسبوع بعثتْ أمي برسالة تقول: عزيزي مايك، لقد سعدت بتلقي رسالتك. آمل أن تكون سعيداً جداً .. أمك المحبة .
أما إيلي فقد بعثت رسالة إلى العم فرانك وزوجة أبيها، وللعم آندرو. وكما تنبأتْ فقد ثارت ضجة كبيرة، ولاحقنا الصحفيون يريدون أخباراً عن زواجنا الرومانسي. وظهرت مقالات في الصحف تتحدث عن وريثة غوتمان وهروبها، ووصلت رسائل من المحامين والمصرفيين.
جاء المحامي العم آندرو ليبنكوت لمقابلتنا. كان رجلاً كهلاً. وبعد أن تحدث مع إيلي في بعض شؤونها، طلب مقابلتي على انفراد. فخرجتْ إيلي من غرفة الجلوس، وجلسنا لوحدنا. قال لي بصيغةٍ لطيفة: يا مايكل أنا لست بقريبٍ لإيلي، ولكني عملت مشرفاً ووصياً على شؤونها، وقد كلفني بذلك جدها. إنني أدير ثروتها واستثماراتها، ولذلك فإنني أشعر بالمسؤولية الكبيرة تجاه إيلي. ولذلك فإني أريد معرفة كل ما يمكنني معرفته عن الزوج الذي اختارته. فقلت: بوسعك أن تتحرى عني وتجد كل ما تريده بسهولة. فقال: هذا صحيح، ولكنني أحب معرفة كل ما يمكنني عنك من فمك أنت. فأعطيته الحقيقة دون رتوش. أعطيته حقيقة أن والدي كان سكيراً، ولكن كان لي أم جيدة. ولم أخفِ حقيقة أنني انتقلت من مهنة لأخرى. بعدها قال لي: علمت أنكم اشتريتم أرضاً وبسعر زهيد، وقد شعرت بحيرةٍ في تفسير رخص سعرها. فهل تعرف لماذا بيعت هذه الأرض بهذا السعر الزهيد؟ فقلت له: لأن الأرض مصابة بلعنة. إن لها قصة، وهي تبدو قصة مرتبكة بعض الشيء، ولا أدري كم منها صحيح وكم منها من تأليف البشر. لقد وقعت جريمة قتل منذ أمدٍ بعيد، وهي تتعلق برجل وزوجته ورجل آخر. وتقول القصة إن الزوج أطلق النار على الإثنين الآخرين ثم على نفسه. وقد تغير مالكو البيت أربع أو خمس مرات منذ ذلك الحين، ولم يبق أحد لفترة طويلة هناك. ولكننا، أنا وإيلي، لا نؤمن بمثل هذا الهراء.
خرجتُ في صباح اليوم التالي أتسوق خارج الفندق، وعدت إليه متأخراً قليلاً عما كنت أتوقعه لأجد إيلي جالسة في البهو المركزي للفندق وقد جلستْ مقابلها شابة طويلة شقراء الشعر... إنها غريتا. وكانتا منخرطتين في حديث لا يتوقف. كانت غريتا جميلة جداً، وكانت عيناها بلونٍ أزرق صافٍ ذي بريق. انضممت إلى الفتاتين. قالت إيلي على الفور: وأخيراً يا مايك، هذه غريتا. فقالت غريتا: تبدوان سعيدين تماماً كلاكما. فقالت إيلي: أنت لم تري بيتنا بعد. سيكون رائعاً. إنه كما حلمنا به.
في وقت لاحق من ذلك اليوم... خرجنا للعشاء. جلسنا أنا وإيلي وغريتا، وأخذت إيلي وغريتا تتحدثان عن فرانك، عم غريتا. فسألتُ إيلي: أهو عمٍ حقيقي لك؟ فقالت إيلي: إنه زوج عمتي. وقد ترَكَتْه وتزوجت رجلاً آخر، ثم توفيت قبل نحو ست أو سبع سنوات. وقد بقي العم فرانك متعلقاً بالعائلة بطريقة أو بأخرى. ثم قالت غريتا بلطف: يوجد ثلاثة متطفلين متعلقين بالعائلة إن صح التعبير. لقد قتل العمّان الحقيقيان لإيلي، ولذلك فإن كل ما لدى إيلي هو زوجة أب سيئة، والعم فرانك، المتطفل الودود، وابن خالها روبن الذي تسميه خالها، وآندرو ليبنكوت، وستانفورد لويد. فقلت: ومن هو ستانفورد لويد؟ فقالت غريتا: إنه أشبه بوصيّ آخر. هذه هي المجموعة الأساسية المحيطة. وما من شكٍ عندي أنك سوف تقابلهم قريباً جداً. سيأتون إلى هنا لإلقاء نظرة عليك.
وقد أتوا بالفعل. جاؤوا لإلقاء نظرة عليّ، وقد وجدت من الصعب فهمهم لأنهم كانوا كلهم أمريكيين بالطبع. وقد كان بعضهم لطيفاً، كالعم فرانك. أما كورا، زوجة والد إيلي، فكانت في حوالي الأربعين من عمرها، أنيقة الثياب، وقد أثارت اهتمامي أكثر من غيرها. أما ابن الخال روبن فإنه لم يأتِ أبداً. ولكنه كتب رسالة لطيفة لإيلي آملاً لها أن تكون سعيدة جداً.
أما ستانفورد لويد فقد أتى لاحقاً بمفرده. أحضر معه الكثير من الوثائق والأوراق لكي توقعها إيلي، وأراد موافقتها على الإستثمارات. لقد كان ستانفورد مصرفياً، ويبدو على شكل المصرفيين، رجلاً وسيماً بعض الشيء رغم أنه ليس شاباً صغيراً. وكان شديد الأدب معي.
لقد اكتمل بيتنا أخيراً، وتلقينا برقية من سانتونيكس طلب منا أن نأتي في اليوم التالي. وعندما رأيت بيتاً مكتملاً قفز شيئاً ما في داخلي! كان هذا بيتي أنا... وقد حصلت عليه أخيراً! أمسكت بذراع إيلي بقوة. حملتُ إيلي وعبرت بها عتبة البيت. ثم درنا في البيت. كانت بعض الغرف ما زالت فارغة، ولكن أغلب الأشياء التي اشتريناها، من لوحات وأثاث وستائر، كانت موجودة هناك. ثم جلسنا مع سانتونيكس نتناول بعض فطائر اللحم والخبز الفرنسي.
وعندها حدث ذلك فجأة. فقد اندفع حجر فكسر زجاج الباب الزجاجي، ووقع على الطاولة فكسر كاساً، فانطلقت منه شظية جرحت وجنة إيلي. انطلقت إلى الباب الزجاجي ففتحته وخرجت إلى المصطبة. لم يكن هناك أحد، فرجعت إلى إيلي، وبدأت بتضميد الجرح البسيط الذي أصابها. قلت: إنهم صِبيان، من الشبان الأشقياء. حينها قالت إيلي لي: أنت تذكر المرأة الغجرية تلك، وكيف حذرتني من القدوم إلى هنا! فقلت لها: إنها لا تعدو أن تكون مخبولة. فقالت إيلي: لن يخرجوني من هنا... لن أدع أحداً يخرجني!
وهكذا بدأت حياتنا في فدان الغجري. لم نجد إسماً آخر للبيت. وفي اليوم التالي مشينا، أنا وإيلي، إلى بيت الغجرية العجوز، ولكننا لم نجدها في بيتها. ومضينا نضع الخطط. وجاءت غريتا وأمضت معنا عطلة نهاية الأسبوع، وكانت متحمسة للبيت، وهنأتنا، وكانت لبقة جداً.
زارنا الميجر فيلبوت، السيد المطاع في المنطقة. كان رجلاً في الستين من عمره، وكان لطيفاً. أخبرناه بالحجر الذي قُذف عبر النافذة، فقال: أخشى أن يكون في المنطقة الكثير من الأشقياء الصغار في هذه الأيام. وأخبرناه بأننا في صباح أحد الأيام وجدنا طيراً ميتاً في الطابق الأرضي، وقد شُق طولياً بسكين، ومعه ورقة صغيرة كتب عليها بخربشة أميّة: أخرجا من هنا إن كنتما تعرفان مصلحتكما. بدا الميجر غاضباً وقال: كان يجب أن تبلغا الشرطة بالأمر. ثم قال: سأبحث في هذا الأمر. ثم دعانا للغداء في بيته في اليوم التالي.
في اليوم الذي يليه، ذهبنا للغداء في بيت الميجر فيلبوت القريب من بيتنا. كان بيتاً أبيض من الطراز الجورجي، وكان هناك بعض الجيران الذين قد دُعوا للقائنا. ومنهم الدكتور شو، وهو رجل كهل. وكان هناك القس الذي كان شاباً. وفتاة سمراء طويلة جميلة تُدعى كلوديا هاردكاسل وبدا أنها كرست حياتها للخيول. وقد انسجمت هي وإيلي بشكل جيد، فقد كانت إيلي تعشق ركوب الخيل، وأصبحتا صديقتان. ثم التفتت كلوديا إليّ وقالت: لقد سمعت عنك من أخي سانتونيكس. فقلت مدهوشاً: أتعنين أن سانتونيكس أخوك؟ فقالت: نصف أخ. ولكنني لا ألتقي به كثيراً.
إنه لمن المدهش في هذه الدنيا كيف أن الأمور لا تنتهي أبداً كما يتوقع المرء لها! أصبحنا نعيش في بيتنا، وابتعدنا عن الجميع. ولكن جاءت زوجة والد إيلي وسكنت في بيتٍ يبعد نحو خمسة عشر ميلاً عن بيتنا، ولم نكن نريدها هناك ولكننا لم نستطع قول ذلك. وبعدها بأيامٍ تعثرتْ إيلي ولوت كاحلها. فحصها الدكتور شو وقال إنها ستصبح على ما يرام في غضون أسبوع. وعندها أرسلت إيلي في طلب غريتا. وهكذا جاءت غريتا. وسرعان ما نشأ بيني وبين غريتا العديد من الشجارات لأني لم أكن أطيق وجودها في البيت.
وفي أحد الأيام عادت غريتا إلى البيت وقالت: لقد كانت هناك امرأة فظيعة الشكل صباح اليوم. وقفت في وسط الطريق بحيث كان يمكن أن أدعسها. اكتفت بالوقوف ساكنة أمام السيارة، فتوقفت. فهددتني العجوز قائلة: هذه أرض الغجر. إرجعوا من هنا إن كنتم ترغبون في البقاء سالمين. لقد اشتريتم أرضنا وتبنون عليها بيوتاً. نحن لا نريد بيوتاً! وفي اليوم الذي يليه رجعت إيلي من جولتها المعتادة لركوب الخيل وهي شاحبة ترتعد. قالت إن العجوز الغجرية أوقفتها وقالت لها: هذه الأرض لن تكون أرضكم أبداً، إني أحذركِ، ولن أحذركِ مرة أخرى. لن يطول الأمر. إن الموت هو ما أراه، وسوف يتهاوى البيت الضخم الذي بنيتموه ليصبح خراباً!!
حينها لم أحتمل الأمر وذهبت إلى الشرطة، وأخبرتهم بما يجري. فقال الشرطي: إنها امرأة عجوز خرفة، سأتكلم معها وأطلب منها أن تكف عن إزعاجاتها. ثم سأل الشرطي: هل يوجد أحد هنا يكن لك أو لزوجتك أي ضغينة؟ فقلت: لا. ولكن لماذا؟ فقال الشرطي: يبدو أن العجوز لي تمتلك المال الكثير في هذه الآونة، وربما يدفع لها أحدهم... أحد يريد خروجكم من هنا. لقد حدث شيء مشابه منذ سنوات طويلة؛ فقد أخذت مالاً من أحد الناس في القرية لكي تخيف أحد الجيران وتبعده، فكانت تقوم بالتهديدات والتحذيرات.
ولما رجعتُ إلى البيت رأيت سانتونيكس أمامي. حينها أمسكني من ذراعي وسحبني بعيداً عن البيت وقال لي: لقد عرفت أنها ستأتي عاجلاً أم آجلاً. لماذا سمحتَ لها أن تأتي؟ إنها خطيرة. فقلت: أتعني إيلي؟ فقال: كلا، بل الأخرى، غريتا!! لقد كانت تنوي المجيء دوماً وكنت أعرف ذلك. لقد فرضت سيطرتها! لن تستطيع التخلص منها أبداً. فقلت له: ولكني لا أستطيع رميها خارج المنزل. إنها أقرب صديقة لإيلي. فقال سانتونيكس: أنا خائف عليك من غريتا؛ إنها أقوى منك. لقد وضعتكما غريتا حيث تريد وضعكما. فقلت: إنني لا أحب غريتا؛ فهي تثير أعصابي. ولكني لا أستطيع طردها. حينها قال: هيا ندخل لنرى إيلي.
وهكذا دخلنا البيت، وحيّت إيلي سانتونيكس بفرحٍ غامر. وكان سانتونيكس في أغلب وقته يتحدث مع غريتا، وخصها بسحره وفتنته إذا صح التعبير. وكان من شأن أي امريء أن يقسم أن سانتونيكس معجب بها وأنه متلهف على إسعادها. وهذا ما جعلني أشعر أن سانتونيكس رجل خطير حقاً، وأنّ فيه أشياء أكثر بكثير مما استطعت فهمه حتى الآن. وكانت غريتا تستجيب للإعجاب وقد بدت الليلة في أجمل صورة رأيتها بها.
في عصر اليوم التالي كنت أمشي في عتمة الغابة فرأيت جسداً طويلاً لامرأة تقف في الممشى المؤدي إلى البيت. كانت أمي. فقلت: لقد أفزعتني يا أمي. ماذا تفعلين هنا؟ أجئت لرؤيتنا؟ لقد دعوناك مراراً، أليس كذلك؟ فقالت: نعم، لقد جئت لأراكما. فقلت لها: هيا تعالي لتري بيتنا الفخم ولتري زوجتي الفخمة أيضاً. فقالت: لقد سبق ورأيت زوجتك. لقد أتت لزيارتي. ومن الواضح أنها لم تخبرك. إنها فتاة جميلة وعذبة.
دخلنا إلى البيت وكنت غاضباً، بل غاضباً جداً لأن إيلي أخفت عني أمر زيارتها لأمي. كانت إيلي تجلس مع غريتا في المصطبة الخارجية. ولما انتبهتْ إيلي لوجودنا تقدمت إلينا وقالت: آه، السيدة روجرز. أين متاعك؟ ألم تأتي للبقاء؟ هذا ما أرجوه. فقالت أمي: لا يا فتاتي، لن أبقى. إنني عائدة بالقطار في غضون نصف ساعة. لقد أردت أن أتفقدكما فحسب. وبعد تناول الشاي، مشينا مع أمي وأوصلناها إلى البوابة وودعناها.
وفي يوم السابع عشر من أيلول، كنت قد رتبت لقاء الميجر فيلبوت في أحد المزادات العلنية. امتطتْ إيلي الحصان وذهبتْ في جولتها الصباحية. واتفقنا أن نلتقي في المطعم. وذهبت غريتا إلى لندن. وبعد المزاد ذهبتُ والميجر فيلبوت إلى المطعم. لم تكن إيلي هناك. فاتصلتُ بالبيت، وأجابتني الطباخة التي قالت: السيدة روجرز لم تعد إلى البيت بعد. فقلت: لم تعد من أين؟ فقالت: لم تعد من جولة ركوب الخيل. فقلت: ولكن كان هذا في الصباح. لا يمكن أن تكون مستمرة في ركوب الخيل طوال الصباح. فقالت: لم تقل لي إيلي إنها ستذهب إلى أي مكان. قلت لها بأن تتصل بي في مطعم جورج بمجرد عودة إيلي، وأعطيتها رقم الهاتف.
أخبرتُ الميجر فيلبوت بعدم رجوع إيلي إلى البيت، فطلب مني ألا أقلق، واقترح أن نذهب ونرى ما يمكننا عمله. قدت السيارة سريعاً مع الميجر فيلبوت، ووصلنا إلى الطريق الذي يطل على السهول فوق بيتنا، وأخذنا ننظر حولنا ونحن سائرون. وتوقفنا بين الحين والآخر لنسأل الناس عن إيلي. لم نجد إيلي فعدنا إلى البيت. ولم تكن هناك أية أخبار. ثم مشينا في الغابة حيث الطرق الترابية وهناك وجدناها. رأينا ما بدا وكأنه كومة متهدلة من الملابس. وكان وجهها الأبيض ملتفت نحو السماء.
جاء الدكتور شو في سيارته. انحنى فوق إيلي، ثم جاء إلينا وقال: لقد مضت ثلاث ساعات أو أربع على وفاتها على الأقل! كيف حدث ذلك؟ أخبرته كيف خرجتْ لركوب الخيل كعادتها في الصباح. قال الدكتور: لا يوجد عليها أي جرح ظاهري. قد يوجد جرح داخلي ما، وربما كانت الصدمة هي سبب الوفاة. ثم نظر إليّ بتعاطف وقال: إذهب إلى البيت ونم؛ فأنت من يعاني من الصدمة!
غريبٌ كم هو صعب بالنسبة لي تذكُّرْ ما حدث بعد ذلك، وأعني تسلسل الوقائع كلها. بعد وفاة إيلي، كان الجميع في غاية اللطف معي، ويبدو أن غريتا أبرزت معدنها الحقيقي. كانت لديها تلك القدرة المدهشة التي تمتلكها النساء على تولي المسؤولية والتعامل مع المواقف.
حضرت جلسة التحقيق، وكان قاضي التحقيق رجلاً ضئيل الجسم يضع نظارة على أنفه. وبعدما انتهيتُ من شهادتي دخلتْ غريتا وقالت إن إيلي كانت تعاني من مرض القلب، ولكنها لم تكن تلقِ بالاً لتحذيرات الأطباء.
وبعد انتهاء وقائع جلسة المحكمة أعلن القاضي رفع الجلسة إلى ما بعد أسبوعين. ولقد أشارت جميع الدلائل إلى أن الوفاة كانت بسبب حادث، ولكن لم تتوفر دلائل كافية تبين ما الذي أدى لوقوع الحادث. وقال القاضي إنه سيؤجل الجلسة إلى أن يسمع شهادة العجوز الغجرية لي.
التقيت مع الميجر فيلبوت بعد ذلك وأخذنا نتحدث عن إيلي، ثم بعدها وضعت يدي في جيبي وأخرجت حجراً دائراً مسطحاً ملفوفاً بقطعةٍ من الورق المجعد وقلت للميجر: لقد ألقِي هذا الحجر من نافذة غرفة إفطارنا صباح اليوم. لقد سمعت صوت انكسار الزجاج وأنا نازل على الدرج. وقد سبق أن رُمي حجر من النافذة مرة من قبل عند أول مجيئنا، ولا أدري إن كان من فعل هذا نفس الشخص أم غيره. ثم نزعت الورقة الملفوفة حول الحجرة ومددت يدي بها إليه.كان هناك رسالةٌ مكتوبة على الورقة مفادها: "لقد كانت امرأة من قتلت زوجتك"!!!
ذهبت إلى مركز الشرطة لأريهم الرسالة. فقال الرقيب كين: أمور غريبة تحدث هنا. ولكن يبدو أن الرسالة تشير إلى امرأة غير الغجرية. سألت الرقيب: هل وجدتم الغجرية؟ فقال: لا، إنها مختفية. وهناك احتمال أن أحداً دفع للعجوز مالاً لتقول ما قالته. أتعرف يا سيد روجرز ذلك البيت القريب من بيتكم والتابع لأرضكم، لقد بحثنا فيه أثناء تحرياتنا ووجدنا فيه قداحة نسائية، وقد كُتب عليها بالألماس حرف "ك" حينها قلت: لا يمكنني التفكير بأحدٍ كان معنا ويبدأ اسمه بحرف "ك" سوى كورا، وهي زوجة والد إيلي. ولكنها لم تأتِ للإقامة معنا منذ زمن طويل. وأيضاً هناك كلوديا هاردكاسل يبدأ اسمها بهذا الحرف، ولقد كانت أقرب صديقات زوجتي في المنطقة. ثم قلت: أحسب أن كلوديا كانت متزوجة من رجل أمريكي اسمه لويد. والواقع أن الوصي الرئيس على أموال زوجتي في أمريكا إسمه ستانفورد لويد. ولكن لا بد أن المئات يحملون إسم لويد، وعلى أية حال من الممكن أن الأمر صدفة إذا كان هو نفس الشخص. فما علاقة ذلك كله بقضيتنا؟ ولكن الغريب أنني ظننت أنني رأيت ستانفورد لويد هنا يوم الحادث. ورأيته يتناول الغداء مع امرأة بدت شبيهة بكلوديا.
رجعت إلى البيت والتقيت بكلوديا في الطريق، فقالت لي: إنني حقاً في غاية الأسف بخصوص إيلي يا مايك. أعرف أنه من المؤلم أن يُعزّيك الناس بها، ولكني مضطرة لقول ذلك. ولكني أريد أن أقول إن كنت تنوي طرح بيتك للبيع فإنني أرغب في أن تكون لي الأولوية في شرائه. حدقتُ بها؛ إذ أدهشني ذلك حقاً. فأكملت: لقد قال لي أخي سانتونيكس إن هذا البيت هو أفضل بناء قام ببنائه، لذا بودي أن أشتريه.
هززت رأسي وقلت: لقد عشت وإيلي هنا وكنا سعيدين، وهذا هو المكان الذي سأتذكرها فيه. لن أبيع فدان الغجري ولا تحت أي اعتبار. حينها التقت عينيّ بعينا كلوديا وكأن الأمر أشبه بصراع بيننا. قلت لها: ليس الأمر من شأني، ولكنك كنت متزوجة ذات يوم، أكان اسم زوجك ستانفورد لويد؟ فقالت: نعم. ومضت بسرعة .
أقيمت شعائر جنازة بسيطة في الكنيسة الصغيرة. ولو كان بوسعي أن أبقى بعيداً عن تلك الجنازة لفعلت. فقد كرهت كل هؤلاء الناس الذين يحدقون بي بعيونهم الفضولية. وقد ساعدتني غريتا في تجاوز المصاعب. ثم انتقلتُ بعدها إلى نيويورك لحضور جنازة إيلي، ولأنهي بعض الأمور المالية. وتركت غريتا تتولى أمور البيت. وقد طلبتْ مني أن آخذ الحذر لنفسي. وبعد أربعة أيام من وصولي إلى نيويورك تلقيت أنباء من إنكلترا: لقد تم العثور على جثة السيدة لي في مقلع الحجارة المهجور، وقد مضت على وفاتها بضعة أيام. وقد صدر حكم يقضي باعتبار الوفاة ناتجة عن حادث، لأن تلك المنطقة خطرة. ولقد تم العثور في منزل العجوز لي على مبلغ ثلاثمئة جنيه مخبأة تحت الأرضية الخشبية للمنزل. وفي ملاحظة تحت الرسالة التي أتتني من الميجر فيلبوت يقول فيها: أنا واثق أنك ستأسف لسماعك بأن كلوديا هاردكاسل قد وقعت عن حصانها وماتت بالأمس وهي خارجة للصيد!!!
وقبل عودتي إلى إنكلترا قمت بسحب تكليف ستانفورد لويد بإدارة استثمارات إيلي، التي آلت إليَّ، وأعطيتها إلى آندرو ليبنكوت. حيث شعرت بأن ستانفورد لويد محتال ويعبث باستثمارات إيلي وأسهمها. عندما عدت إلى الفندق تلقيت برقية من مستشفى كاليفورنيا، وقالت البرقية إن صديقاً لي هو سانتونيكس قد طلبني، وإن حياته أصبحت قصيرة ويريد رؤيتي قبل موته. وعندما رأيت سانتونيكس قال لي بصوت ضعيف: أيها المغفل الأحمق... لماذا لم تتبع الطريقة الأخرى؟ ثم بعد هذه الجملة انهار ومات.
لا أدري ما الذي عناه بقوله، أو حتى ما إذا كان يعلم شخصياً ما الذي يقوله. وهكذا كان ذلك آخر ما رأيته من سانتونيكس. وقبل أن أغادر نيويورك كنت قد كتبت رسالة إلى الميجر فيلبوت. كان لا بد أن يعلم، وكان لا بد للجميع أن يعرفوا. كتبت له: أحب أن تكون أنت أول من يعرف. فقد كنت شديد اللطف معنا. إنني لا أستطيع مواجهة العيش وحيداً في فدان الغجري، وقد كنت أفكر لفترة طويلة في الأمر، وقد قررت، فور عودتي إلى الوطن، أن أطلب يد غريتا للزواج؛ فهي الشخص الوحيد الذي أستطيع حقاً التكلم معه عن إيلي. وهي ستفهم. وأحسب أنها ستوافق؛ فمن شأن هذا الزواج أن يجعل كل شيء يبدو وكأننا ما نزال معاً نحن الثلاثة.
كانت الشمس قد غربت عندما وصلت إلى الطريق المفْضي إلى فدان الغجري، وكنت قد أخبرت غريتا بوقت وصولي. وكانت هناك في البيت، تنتظرني. أخيراً! لقد انتهينا الآن من التعلل ومن كل الإدعاءات... ادعاء كرهي لها. فكرت الآن، وأنا أضحك مع نفسي، بالدور الذي مثّلتُه: كراهية غريتا وعدم رغبتي بمجيئها إلينا. ولا بد أن الجميع قد خُدعوا بهذا الإدعاء. وتذكرت المشاجرة التي لفّقناها بحيث تسمعها إيلي.
لقد عرَفَتْني غريتا على حقيقتي منذ أن التقينا. كان لديها عقل مثل عقلي، ورغبات كرغباتي. لقد أردنا الدنيا، ولا شيء أقل من الدنيا! تذكرتُ كيف أفضيتُ لها بكل ما في قلبي عندما التقيتها لأول مرة في هامبورغ وأنا أخبرها برغبتي المحمومة بالأشياء. لم أضطر لإخفاء جشعي الجامح للحياة عن غريتا، فقد كان لها هي أيضاً الجشع نفسه. واقترحتْ عليّ غريتا يومها أن أتزوج إحدى أغنى الفتيات في العالم. قلت لها: لا أريد أن أكون زوج امرأة غنية؛ فستبقيني في قفص ذهبي، وهذا ليس ما أريده. قالت: لا حاجة لأن تكون كذلك، فهذا من الأمور التي لا حاجة لأن تستمر طويلاً. فالزوجات يمُتْن عادة! ووضعتني غريتا على هذا الطريق. قالت لي: أنا أستطيع مساعدتك. يمكنني أن أصلك بواحدة من أغنى الفتيات في أمريكا. إنني صديقتها وأعيش معها، ولدي الكثير من التأثير عليها. إن لديك الكثير من الجاذبية، وستهتم بك، وستتزوجا سراً، ثم سنعلن الأمر لعائلتها. لذا وضعنا خططنا للقائي بإيلي. وتعهدت غريتا بأن تقنع إيلي بامتلاك بيتٍ في إنكلترا والتخلص من العائلة حالما تصبح في سن الرشد. لقد رتبنا الأمر، وكانت غريتا مخططة عظيمة. وهكذا قابلت إيلي. وكان الأمر ممتعاً كله، وكان جنوناً. والأمر الذي كان يربكني فعلاً هو الأوقات التي كنت مضطراً فيها للقاء غريتا، فقد كنت أحاول ألا أنظر إليها، وقد اتفقنا على أن أظهِر الكراهية لها ومثّلتُ ذلك بشكلٍ جيد.
كان من السهل جداً تمثيل الحب على إيلي؛ فقد كانت عذبة جداً. لقد أحبتني إيلي جداً. وأحياناً أظنني أحببتها أيضاً، ولكن ليس كما أحببت غريتا. كانت غريتا المرأة التي خُلقت لها، أمّا إيلي فكانت شيئاً مختلفاً، ولقد استمتعتُ بالعيش معها.
إنني أسجل ذلك الآن لأن هذا هو ما أفكر فيه وأنا عائد من أمريكا. لقد وصلت إلى قمة نشوتي، بالرغم من المجازفات ورغم المخاطر ورغم قيامي بجريمة قتل رائعة جداً. والآن انتهت المجازفات، وانتهت المخاطر، وها انا قادم إلى فدان الغجري.
عندما وصلتُ إلى البيت... وعندها رأيتها. رأيت إيلي!! كانت هناك، في نفس المكان تماماً، واقفة عند شجرة التنوب. جفلتُ لرؤيتها كما أول مرة رأيتها فيها. ولكن لا يمكن ان تكون هناك حقاً. كنت أعرف أنها ميتة... ولكنني رأيتها. كانت ميتة، وجثتها دُفنت في المقبرة في أمريكا، ولكني كنت أراها، وكانت تنظر إليّ مباشرة. قلت بصوتٍ عالٍ: إيلي. لم تتحرك، بل اكتفت بالبقاء هناك، تنظر إليّ مباشرة. حينها ركضت إلى بيتي، عائداً إلى الأشياء التي أردتها أكثر من أي شيء في الدنيا، وإلى المرأة الرائعة التي خُلِقتُ لها وخُلقتْ لي.
وهناك كانت غريتا في البيت تنتظرني. قالت: لقد نجحنا. فقلت لها: نعم وسنعيش لآخر حياتنا هنا. فقالت غريتا: لا يمكننا أن نعيش هنا طول الوقت. هل سنظل مدفونين في حفرة كهذه القرية؟ فقلت لها: ولكنه المكان الذي أريد العيش فيه... إنه المكان الذي أردت دوماً العيش فيه. فقالت: ولكننا نملك أموال العالم كلها الآن يا مايك. يمكننا الذهاب إلى أي مكان! سوف تكون لنا مغامرات في كل بلدان العالم.
حينها انتابني شعور غريب، شعور غريب بأن شيئاً ما قد انحرف في مكان ما. حينها قلت لغريتا: لقد رأيت إيلي قبل قليل تحت شجرة التنوب. فقالت: لا تكن ساذجاً. إنك تتخيل. فقلت لها: ولكنها كانت هناك. كانت تنظر... تبحث عني. ولكنها لم تستطع رؤيتي. ثم صِحتُ بصوتٍ تملكه الذعر: يولد بعض الناس للأفراح، ويولد البعض لليلٍ لا ينتهي. وهذا أنا يا غريتا، لقد ولدت أنا لليلٍ لا ينتهي.
كانت هناك رسالة من السيد ليبنكوت، فأخذتها غريتا من يدي وقالت: هذه الرسالة التي بعثها السيد ليبنكوت، أليس كذلك. أهي التي أصابتك بالإكتئاب. أخذَتها وفتحَتها. لم يكن فيها شيء سوى صورة. صورة لشخصين يمشيان وقد شبّكا أيديهما. وكان الشخصان أنا وغريتا. إذن فقد كان آندرو يعرف منذ البداية أنني أعرف غريتا. أنا خائف الآن من أن يشك السيد أندرو بأنني أنا من قتل إيلي. فقلت: إنني الآن ليلٌ لا ينتهي. حينها صاحت غريتا: كن رجلاً يا مايك. لا تستسلم لهذا الخيال الخرافي السخيف. كنت أحب إيلي. نعم، وما زلت أحبها. لا أستطيع أن أكرهها، ولكني كرهت غريتا، وقد استمتعت بكراهيتها. كرهتها من قلبي. اقتربت منها وقلت: أيتها الساقطة القذرة! إنكِ لستِ آمنة مني يا غريتا. لقد كنتُ منفعلاً ذلك اليوم لما قتلتُ إيلي بواسط الكبسولة التي شربتها على الإفطار. أريد أكثر من دفع العجوز لي فوق مقلع الحجارة. أريد أن أقتل بيدي.
كانت غريتا خائفة، وقد أحببتُ رؤيتها خائفة، وأحكمت يدي حول عنقها. نعم، حتى الآن، حيث أجلس لأدون كل شيء عن نفسي، ما زلت أشعر أنه كان عملاً رائعاً. نعم، كنت سعيداً جداً عندما قتلت غريتا!
لا يوجد حقاً الكثير مما يقال بعد ذلك. اكتفيتُ بالجلوس في البيت لوقت طويل. لا أدري متى أتوا، ولا أدري ما إذا كانوا جاؤوا على الفور. كان أول الواصلين الميجر فيلبوت. قلت له: غريتا ميتة، لقد قتلتها. ولقد قتلت إيلي أيضاً؛ وضعتُ لها سماً في الكبسولات التي تشربها ضد الحساسية قبل خروجها لركوب الخيل. وقتلت كلوديا أيضاً بنفس الطريقة وذلك قبل أن أسافر. سألت الدكتور شو: كيف عرفتْ؟ قال: لقد عرفنا عندما ماتت كلوديا. لم يكن الوقت قد مرّ طويلاً عندما عثرنا على الجثة. كانت رائحة السيانيد ما تزال هناك للإستدلال عليها. ولو أنها بقيت مرميّة في الهواء لأكثر من ساعتين، كما حصل لإيلي، لما شممنا الرائحة ولما عرفنا بأنها ماتت نتيجة القتل. قلت: لقد قتلتها لأنني شعرتُ بأنها تشك بأن لي علاقة مع غريتا.
وبعد أن أخذوني إلى السجن، كان طلبي الوحيد هو قلم والكثير من الأوراق. أردت أن أكتب كل شيء عن هذه القصة وكيف جرى الأمر كله. أردت أن أخبرهم بماذا شعرت، وبماذا فكرت. أحضروا لي أمي لرؤيتي. قالت لي: لقد حاولت يا مايك... حاولت بكل جهدي أن أبقيك آمناً، وقد فشلت. ولقد كنت أخاف دوماً من أنني سأفشل. فقلت لها: لم تكن غلطتك يا أماه. أنا الذي اخترت اتباع الطريق الذي أردته.
أظن أنني أحببت إيلي، فقد كانت شديدة العذوبة. لقد كنت أنا وإيلي سعيدين جداً معاً. أتمنى لو أنني عرفت وقتها أننا كنا سعيدين. لقد سنحت لي فرصتي، وربما تسنح لكل امريء فرصة. أما أنا... فقد أدرت لها ظهري.
النهاية.
أترى قصتي بدأت عندما لاحظتُ ذلك الإعلان معلقاً على جدار محل جورج دراغن للعقارات، معلناً عن وجود مزاد لبيع تلك العزبة القيمة المسماة بالتاورز (أي الأبراج). أو ربما أمكنك القول إن بدايات الأمر كله كانت عندما قابلت سانتونيكس، خلال مناقشاتي معه. يمكنني أن أغمض عينيَّ وأرى حركة يده القوية وهي ترسم المخططات والتصاميم للبيوت. بيت واحد على وجه الخصوص كان من الرائع أن يمتلكه المرء. كان سانتونيكس سيبني لي بيتي لو أنه عاش ما يكفي لذلك. البيت الذي سأعيش فيه مع الفتاة التي أحبها.
وإذا كانت هذه قصة حب فلماذا لا أبداً حيث وقعت عيني لأول مرة على "إيلي" وهي تقف تحت شجرة التنّوب ذي اللون الغامق في التاورز أو ما يسمى ب (فدان الغجري)؟ نعم أظن أن تلك كانت البداية.
فكرت وقتها: "عجباً! كيف سيكون الأمر لو كان فدان الغجري فداني أنا"؟ لذا عندما مررت بشخصٍ من أهالي القرية كان يشذب سياجاً قال لي: لقد سُمّي المكان بفدان الغجري لأنها كانت أراضي غجرٍ ذات يوم، وقد طُردوا منها، فوضعوا عليها لعنة. وقال أيضاً: إن كنت تريد أن تلتقي بالغجر فعلاً فعندنا السيدة "لي" العجوز بالطبع. لقد أعطاها الميجر فيلبوت بيتاً صغيراً لتعيش فيه.
قابلت السيدة الغجرية العجوز فقالت لي، بعد أن طالعت كفي: استمع لي، وانس أمر فدان الغجري، لن يأتي منه خير أبداً! فيه لعنة. لا حظ لأولئك الذين يعبثون بفدان الغجري، ولم يكن لهم حظ أبداً من قبل. فآخر عائلة سكنت فيه ماتت، كلها!!
تركتُ الغجرية وسرت في الشارع عبر القرية. نظرت ثانية إلى الإعلان الملصق لبيع منزل تاورز. سآتي وأحضر هذا المزاد. سيكون من المثير أن أرى من الذي سيشتري البيت. سيكون من المثير رؤية من سيصبح مالك فدان الغجري. نعم، أظن أن هذه النقطة التي بدأ عندها الأمر كله.
كانت الصدفة المحضة هي التي أتت بي إلى منطقة فدان الغجري في ذلك اليوم. كنت آخذ معي من لندن عائلة لهناك لحضور مزاد بيع، ولكنه لم يكن لبيع بيتٍ بل لبيع محتوياته. كنت وقتها في الثانية والعشرين من عمري حيث كنت أعمل سائقاً أقود الأغنياء إلى أماكن متفرقة.
على أية حال فقد كنت معتاداً على أخذ رجل بالسيارة إلى الريفيرا. كان له بيتٌ يُبنى هناك، وكان يذهب ليرى كيف يمضي العمل به، وكان سانتونيكس هو المهندس المعماري الذي يتولى أمر البيت. كان سانتونيكس شاباً أبيض البشرة ونحيلاً ذا وجه غريب. وبعدما سافرنا مرة ثانية للريفيرا، كان البيت قد أوشك على الإكتمال. كان شيئاً خاصاً وجميلاً. وبعدها قال لي سانتونيكس: بوسعي أن أبني لك أنت بيتاً. من شأني أن أعرف طراز البيت الذي تتمناه. فقلت له: عندما يستيقظ طموحي وأكسب المال سآتي إليك وأقول لك: إبنِ لي بيتاً. فقال سانتونيكس: لا يمكنني الإنتظار، فليس لديّ إلا وقت قصير لأعيشه الآن.
لم أنسَ خطتي في الذهاب إلى المزاد. كانت تفصلني عن وقت المزاد ثلاثة أسابيع. وكما قلت من قبل، فإنني لم أحضر مزاداً عاماً لبيع عقارات من قبل، وقد كنت مشحوناً بفكرةٍ مفادها أن ذلك سيكون مثيراً، ولكنه لم يكن كذلك على الإطلاق. كان بارداً ومثيراً للضجر. لم يحضر سوى ستة أشخاصٍ أو سبعة. وأعلن المنادي بأن العروض لم تصل إلى الحد الأدنى المطلوب، وانفضّ الجميع.
خرجت من المزاد وأنا مقطب الجبين أفكر مع نفسي. وقد قادتني قدماي إلى تلك النقطة في الطريق التي رأيت فيها إيلي لأول مرة. وكما قلت، فقد كانت تقف بالقرب من شجرة تنّوبٍ عالية. كانت ترتدي ثوباً صوفياً أخضر غامقاً، وكان شعرها ذا لونٍ بنيّ ناعم. رأيتها فتوقفتُ، وكانت تنظر إليّ، وبدت وكأنها جفلت بعض الشيء. قلت لها: آسف. لم أقصد أن أفاجئك. إنه مكان مخيف بعض الشيء. أعني بسبب طريقة تهدم البيت على هذا النحو. فقالت: الأبراج، هذا كان اسمه فيما مضى... غير أنه لا تبدو أية أبراج هنا. أهذا هو العقار الذي كانوا يعرضونه للبيع في المزاد اليوم؟ فقلت: نعم، لقد جئت من المزاد الآن. ولكني لا أستطيع شراء البيت لأني لا أملك المال، ولكنني مهتم به. بودي لو أشتريه. جلسنا قرب بعضنا البعض على جذع شجرة ساقطة وتحدثنا. قالت لي: ما هو اسمك؟ فقلت: مايكل روجرز وأنت؟ فقالت: فينيلا غودمان.
هكذا بدأ الأمر بيني وبين إيلي. وفيما كنا نمشي عائدين إلى القرية، رأيت المرأة التي رأيتها قبل أيام في حديقة بيتها، السيدة لي. قالت لنا: ما الذي جاء بكما إلى فدان الغجري؟ لقد كانت هذه أرض الغجر، وقد أخرجونا منها. ولن يكون من الخير لكما أن تكونا هنا. فقالت إيلي: أنا آسفة جداً. لقد ظننت أن هذا المكان قد بيع اليوم. فقالت العجوز: سيكون حظاً سيئاً لأي شخص يشتريه! إسمعي أيتها الفتاة الجميلة، إني أقرأ الطالع هيا نقّطي يدي بالفضة وسوف أخبرك بطالعك.
أظن أن التوق لمعرفة الطالع هو أمر تتساوى فيه النساء جميعاً. فتحتْ إيلي حقيبتها ووضعت النقود في يد العجوز. أخذت العجوز تنظر في يد إيلي ثم فجأة ألقتها وقالت: إذهبي من هنا ولا تعودي. لقد رأيت ذلك الشيء في راحة يدَكَ. إنسي فدان الغجري، إنني أحذرك أيتها الجميلة. أعادت العجوز النقود إلى إيلي ومضت بعيداً. حينها قالت لي إيلي: يا لها من امرأةٍ مخيفة.
في اليوم التالي التقيتُ بإيلي في مقهى بلو دوغ. شربنا الشاي وتحدثنا. واتفقنا أن نلتقي بعد ثلاثة أيام في لندن في ريجنت بارك. وعندما تقابلنا قالت إيلي: أنا فتاة مسكينة غنية. ثم تكلمتْ بإيجازٍ عن حياتها مع الثروة، والضجر، والراحة الخانقة. وعن صديقتها الألمانية غريتا. قلت لها: لماذا أردتِ الذهاب إلى فدان الغجري؟ فقالت: لقد رتبنا الأمر أنا وغريتا. إنها هي من تقترح الأفكار وترتب الأمور.
سافرتْ إيلي مع عائلتها إلى فرنسا فانقطعت لقاءاتنا. فقررتُ الذهاب لزيارة أمي. كانت أمي تعيش في نفس الشارع الذي عاشت به منذ عشرين عاماً، شارعٌ من البيوت المتماثلة المملة، وهي بيوت محترمة ولكنها تفتقر إلى أي جمال أو تميز. كانت بيننا حالة جمود دائمة. قالت لي أمي لما رأتني: لقد مضى وقت طويل لم تأتِ فيه. لماذا أتيت؟ فقلت: أينبغي أن يكون لمجيئي سبب محدد؟ فقالت: على أي حال ماذا تفضل القهوة أم الشاي؟ فاخترت القهوة لأني كبرت على عادة شرب الشاي. ثم نظرتْ أمي إليّ مُطولاً وقالت: أنت مختلف. أهناك فتاة ؟ فقلت لها: نوعاً ما. فقالت: ماذا تريد مني الآن؟ فقلت: أريد بعض المال. قالت: لماذا تريده؟ فقلت: أريد أن أشتري بدلة من أفضل نوعٍ لأتزوج من تلك الفتاة إن رضيتْ بي. فقالت لي: لقد أثّر الحب عليك كثيراً، وهو الشيء الذي كنت أخشاه دوماً، أن تختار الفتاة الخطأ. فصحت بها وقلت: الفتاة الخطأ؟ تباً! ثم خرجتُ من البيت وصفقتُ الباب خلفي.
رجعت إلى البيت ووجدت برقية بانتظاري... وكانت من إيلي تقول فيها: قابلني غداً في الرابعة والنصف في المكان المعتاد. قابلتها. كانت إيلي مختلفة. وبعد أن أخبَرَتْنِي عن رحلتها إلى فرنسا، قالت لي: لقد رأيت البيت الذي أخبرتَني عنه، البيت الذي بناه صديقك المعماري سانتونيكس. لقد ذهبتُ إلى هناك مع زوجة أبي وصديقتي غريتا وعمي فرانك. إن البيت رائع... إنه مختلف تماماً. يمكنني أن أرى أنه، إن بنى لنا بيتاً، فسيكون بيتاً رائعاً. =كانت قد استعملت الكلمة بشكل غير واعٍ أبداً. قالت: "لنا"!!! فقلت لها: يبدو من السخف بعض الشيء أن أقول لك إنني أحبك؛ إذ يبدو أن ذلك قد تأخر كثيراً، أعني أنك قد عرفت ذلك منذ أمدٍ بعيد، بل منذ البداية عملياً. فقالت:نعم، وأنت تعرف مشاعري تجاهك. وما سنفعله هو أننا سنعيش في فدان الغجري فقد اشتريته وسنعيش في بيت الأحلام الذي سيبنيه لنا صديقك المعماري. ولكننا سنتزوج أولاً. لقد بلغت سن الرشد، وأستطيع فعل ما أريد الآن.
ثم أخذتْ إيلي تقول بترددٍ: إنني غنية يا مايك؛ لقد كان جدي واسع الثراء، من النفط غالباً. وقد توفيت الزوجات اللاتي كان يدفع لهن النفقة، ولم يتبق سوى أبي وأنا، لأن ابنيه الآخرين قتلا. قُتل أحدهما في كوريا والثاني في حادث سيارة. وهكذا عندما توفي أبي آلت كل الأموال لي. وقد كان أبي قد وضع مخصصات محددة لزوجته من قبل، ولذلك فإنها لا تحصل على أيّ شيء آخر. لقد أصبحت الأموال كلها لي. والآن إنني، عملياً، واحدة من أغنى النساء في أمريكا يا مايك. فقال مايك: يا إلهي! لم أعرف ذلك. فقالت إيلي: لم أرد لك أن تعرف ذلك، لذا قلت لك إن اسمي فينيلا غودمان ولكنه في الحقيقة فينيلا غوتمان بالتاء وليس بالدال.
وهكذا جرت الأمور. وتزوجنا أنا وإيلي، ويبدو في التعبير عن ذلك بهذا الشكل الكثير من الإقتضاب والإيجاز، ولكن الأمور جرت حقاً على هذا النحو. قررنا الزواج وتزوجنا. وعشنا سعيدين نحن الإثنين، وقد مر وقت سعيد لا بأس به قبل أن يتمكن أحد من الإنتباه إلينا ويبدأ بإثارة المتاعب والمشكلات المعتادة، وكنا قد أعددنا العدة لتلك المتاعب.
كانت حياتنا سعيدة في تلك الأيام الأولى. تزوجنا في مكتب زيجات في بلايموث، واتخذنا موظفة وعاملة الطباعة لديه كشاهدين. ذهبنا إلى اليونان، وإلى فلورنسا، وإلى البندقية، وإلى الريفيرا الفرنسية، ثم إلى منتجعات المياه المعدنية. وفي معرض أسفارنا كنا قد التقينا بسانتونيكس. كان يسكن في بيت صغير في اليونان، ولقد كان بأسوء حال صحية. قالت إيلي له: نحن الآن بصدد بناء بيتنا. فقال لنا: لقد هيأتُ الرسومات والخرائط وأرانا إياها، ولقد كان البيت هو بالضبط ما أريده. كتبت بعد ذلك رسالة لأمي أخبرها بأمر زواجي. فكتبتُ: أمي العزيزة، كان يجب أن أخبركِ من قبل، ولكنني شعرت ببعض الحرج. لقد تزوجتُ منذ ثلاثة أسابيع. وهي فتاة جميلة جداً، ولديها الكثير من المال. سوف نبني بيتاً في مكان ما في الريف. أما في الوقت الحاضر فنحن نسافر إلى أوروبا. مع خالص أمنياتي . مايك .
وبعد مرور أسبوع بعثتْ أمي برسالة تقول: عزيزي مايك، لقد سعدت بتلقي رسالتك. آمل أن تكون سعيداً جداً .. أمك المحبة .
أما إيلي فقد بعثت رسالة إلى العم فرانك وزوجة أبيها، وللعم آندرو. وكما تنبأتْ فقد ثارت ضجة كبيرة، ولاحقنا الصحفيون يريدون أخباراً عن زواجنا الرومانسي. وظهرت مقالات في الصحف تتحدث عن وريثة غوتمان وهروبها، ووصلت رسائل من المحامين والمصرفيين.
جاء المحامي العم آندرو ليبنكوت لمقابلتنا. كان رجلاً كهلاً. وبعد أن تحدث مع إيلي في بعض شؤونها، طلب مقابلتي على انفراد. فخرجتْ إيلي من غرفة الجلوس، وجلسنا لوحدنا. قال لي بصيغةٍ لطيفة: يا مايكل أنا لست بقريبٍ لإيلي، ولكني عملت مشرفاً ووصياً على شؤونها، وقد كلفني بذلك جدها. إنني أدير ثروتها واستثماراتها، ولذلك فإنني أشعر بالمسؤولية الكبيرة تجاه إيلي. ولذلك فإني أريد معرفة كل ما يمكنني معرفته عن الزوج الذي اختارته. فقلت: بوسعك أن تتحرى عني وتجد كل ما تريده بسهولة. فقال: هذا صحيح، ولكنني أحب معرفة كل ما يمكنني عنك من فمك أنت. فأعطيته الحقيقة دون رتوش. أعطيته حقيقة أن والدي كان سكيراً، ولكن كان لي أم جيدة. ولم أخفِ حقيقة أنني انتقلت من مهنة لأخرى. بعدها قال لي: علمت أنكم اشتريتم أرضاً وبسعر زهيد، وقد شعرت بحيرةٍ في تفسير رخص سعرها. فهل تعرف لماذا بيعت هذه الأرض بهذا السعر الزهيد؟ فقلت له: لأن الأرض مصابة بلعنة. إن لها قصة، وهي تبدو قصة مرتبكة بعض الشيء، ولا أدري كم منها صحيح وكم منها من تأليف البشر. لقد وقعت جريمة قتل منذ أمدٍ بعيد، وهي تتعلق برجل وزوجته ورجل آخر. وتقول القصة إن الزوج أطلق النار على الإثنين الآخرين ثم على نفسه. وقد تغير مالكو البيت أربع أو خمس مرات منذ ذلك الحين، ولم يبق أحد لفترة طويلة هناك. ولكننا، أنا وإيلي، لا نؤمن بمثل هذا الهراء.
خرجتُ في صباح اليوم التالي أتسوق خارج الفندق، وعدت إليه متأخراً قليلاً عما كنت أتوقعه لأجد إيلي جالسة في البهو المركزي للفندق وقد جلستْ مقابلها شابة طويلة شقراء الشعر... إنها غريتا. وكانتا منخرطتين في حديث لا يتوقف. كانت غريتا جميلة جداً، وكانت عيناها بلونٍ أزرق صافٍ ذي بريق. انضممت إلى الفتاتين. قالت إيلي على الفور: وأخيراً يا مايك، هذه غريتا. فقالت غريتا: تبدوان سعيدين تماماً كلاكما. فقالت إيلي: أنت لم تري بيتنا بعد. سيكون رائعاً. إنه كما حلمنا به.
في وقت لاحق من ذلك اليوم... خرجنا للعشاء. جلسنا أنا وإيلي وغريتا، وأخذت إيلي وغريتا تتحدثان عن فرانك، عم غريتا. فسألتُ إيلي: أهو عمٍ حقيقي لك؟ فقالت إيلي: إنه زوج عمتي. وقد ترَكَتْه وتزوجت رجلاً آخر، ثم توفيت قبل نحو ست أو سبع سنوات. وقد بقي العم فرانك متعلقاً بالعائلة بطريقة أو بأخرى. ثم قالت غريتا بلطف: يوجد ثلاثة متطفلين متعلقين بالعائلة إن صح التعبير. لقد قتل العمّان الحقيقيان لإيلي، ولذلك فإن كل ما لدى إيلي هو زوجة أب سيئة، والعم فرانك، المتطفل الودود، وابن خالها روبن الذي تسميه خالها، وآندرو ليبنكوت، وستانفورد لويد. فقلت: ومن هو ستانفورد لويد؟ فقالت غريتا: إنه أشبه بوصيّ آخر. هذه هي المجموعة الأساسية المحيطة. وما من شكٍ عندي أنك سوف تقابلهم قريباً جداً. سيأتون إلى هنا لإلقاء نظرة عليك.
وقد أتوا بالفعل. جاؤوا لإلقاء نظرة عليّ، وقد وجدت من الصعب فهمهم لأنهم كانوا كلهم أمريكيين بالطبع. وقد كان بعضهم لطيفاً، كالعم فرانك. أما كورا، زوجة والد إيلي، فكانت في حوالي الأربعين من عمرها، أنيقة الثياب، وقد أثارت اهتمامي أكثر من غيرها. أما ابن الخال روبن فإنه لم يأتِ أبداً. ولكنه كتب رسالة لطيفة لإيلي آملاً لها أن تكون سعيدة جداً.
أما ستانفورد لويد فقد أتى لاحقاً بمفرده. أحضر معه الكثير من الوثائق والأوراق لكي توقعها إيلي، وأراد موافقتها على الإستثمارات. لقد كان ستانفورد مصرفياً، ويبدو على شكل المصرفيين، رجلاً وسيماً بعض الشيء رغم أنه ليس شاباً صغيراً. وكان شديد الأدب معي.
لقد اكتمل بيتنا أخيراً، وتلقينا برقية من سانتونيكس طلب منا أن نأتي في اليوم التالي. وعندما رأيت بيتاً مكتملاً قفز شيئاً ما في داخلي! كان هذا بيتي أنا... وقد حصلت عليه أخيراً! أمسكت بذراع إيلي بقوة. حملتُ إيلي وعبرت بها عتبة البيت. ثم درنا في البيت. كانت بعض الغرف ما زالت فارغة، ولكن أغلب الأشياء التي اشتريناها، من لوحات وأثاث وستائر، كانت موجودة هناك. ثم جلسنا مع سانتونيكس نتناول بعض فطائر اللحم والخبز الفرنسي.
وعندها حدث ذلك فجأة. فقد اندفع حجر فكسر زجاج الباب الزجاجي، ووقع على الطاولة فكسر كاساً، فانطلقت منه شظية جرحت وجنة إيلي. انطلقت إلى الباب الزجاجي ففتحته وخرجت إلى المصطبة. لم يكن هناك أحد، فرجعت إلى إيلي، وبدأت بتضميد الجرح البسيط الذي أصابها. قلت: إنهم صِبيان، من الشبان الأشقياء. حينها قالت إيلي لي: أنت تذكر المرأة الغجرية تلك، وكيف حذرتني من القدوم إلى هنا! فقلت لها: إنها لا تعدو أن تكون مخبولة. فقالت إيلي: لن يخرجوني من هنا... لن أدع أحداً يخرجني!
وهكذا بدأت حياتنا في فدان الغجري. لم نجد إسماً آخر للبيت. وفي اليوم التالي مشينا، أنا وإيلي، إلى بيت الغجرية العجوز، ولكننا لم نجدها في بيتها. ومضينا نضع الخطط. وجاءت غريتا وأمضت معنا عطلة نهاية الأسبوع، وكانت متحمسة للبيت، وهنأتنا، وكانت لبقة جداً.
زارنا الميجر فيلبوت، السيد المطاع في المنطقة. كان رجلاً في الستين من عمره، وكان لطيفاً. أخبرناه بالحجر الذي قُذف عبر النافذة، فقال: أخشى أن يكون في المنطقة الكثير من الأشقياء الصغار في هذه الأيام. وأخبرناه بأننا في صباح أحد الأيام وجدنا طيراً ميتاً في الطابق الأرضي، وقد شُق طولياً بسكين، ومعه ورقة صغيرة كتب عليها بخربشة أميّة: أخرجا من هنا إن كنتما تعرفان مصلحتكما. بدا الميجر غاضباً وقال: كان يجب أن تبلغا الشرطة بالأمر. ثم قال: سأبحث في هذا الأمر. ثم دعانا للغداء في بيته في اليوم التالي.
في اليوم الذي يليه، ذهبنا للغداء في بيت الميجر فيلبوت القريب من بيتنا. كان بيتاً أبيض من الطراز الجورجي، وكان هناك بعض الجيران الذين قد دُعوا للقائنا. ومنهم الدكتور شو، وهو رجل كهل. وكان هناك القس الذي كان شاباً. وفتاة سمراء طويلة جميلة تُدعى كلوديا هاردكاسل وبدا أنها كرست حياتها للخيول. وقد انسجمت هي وإيلي بشكل جيد، فقد كانت إيلي تعشق ركوب الخيل، وأصبحتا صديقتان. ثم التفتت كلوديا إليّ وقالت: لقد سمعت عنك من أخي سانتونيكس. فقلت مدهوشاً: أتعنين أن سانتونيكس أخوك؟ فقالت: نصف أخ. ولكنني لا ألتقي به كثيراً.
إنه لمن المدهش في هذه الدنيا كيف أن الأمور لا تنتهي أبداً كما يتوقع المرء لها! أصبحنا نعيش في بيتنا، وابتعدنا عن الجميع. ولكن جاءت زوجة والد إيلي وسكنت في بيتٍ يبعد نحو خمسة عشر ميلاً عن بيتنا، ولم نكن نريدها هناك ولكننا لم نستطع قول ذلك. وبعدها بأيامٍ تعثرتْ إيلي ولوت كاحلها. فحصها الدكتور شو وقال إنها ستصبح على ما يرام في غضون أسبوع. وعندها أرسلت إيلي في طلب غريتا. وهكذا جاءت غريتا. وسرعان ما نشأ بيني وبين غريتا العديد من الشجارات لأني لم أكن أطيق وجودها في البيت.
وفي أحد الأيام عادت غريتا إلى البيت وقالت: لقد كانت هناك امرأة فظيعة الشكل صباح اليوم. وقفت في وسط الطريق بحيث كان يمكن أن أدعسها. اكتفت بالوقوف ساكنة أمام السيارة، فتوقفت. فهددتني العجوز قائلة: هذه أرض الغجر. إرجعوا من هنا إن كنتم ترغبون في البقاء سالمين. لقد اشتريتم أرضنا وتبنون عليها بيوتاً. نحن لا نريد بيوتاً! وفي اليوم الذي يليه رجعت إيلي من جولتها المعتادة لركوب الخيل وهي شاحبة ترتعد. قالت إن العجوز الغجرية أوقفتها وقالت لها: هذه الأرض لن تكون أرضكم أبداً، إني أحذركِ، ولن أحذركِ مرة أخرى. لن يطول الأمر. إن الموت هو ما أراه، وسوف يتهاوى البيت الضخم الذي بنيتموه ليصبح خراباً!!
حينها لم أحتمل الأمر وذهبت إلى الشرطة، وأخبرتهم بما يجري. فقال الشرطي: إنها امرأة عجوز خرفة، سأتكلم معها وأطلب منها أن تكف عن إزعاجاتها. ثم سأل الشرطي: هل يوجد أحد هنا يكن لك أو لزوجتك أي ضغينة؟ فقلت: لا. ولكن لماذا؟ فقال الشرطي: يبدو أن العجوز لي تمتلك المال الكثير في هذه الآونة، وربما يدفع لها أحدهم... أحد يريد خروجكم من هنا. لقد حدث شيء مشابه منذ سنوات طويلة؛ فقد أخذت مالاً من أحد الناس في القرية لكي تخيف أحد الجيران وتبعده، فكانت تقوم بالتهديدات والتحذيرات.
ولما رجعتُ إلى البيت رأيت سانتونيكس أمامي. حينها أمسكني من ذراعي وسحبني بعيداً عن البيت وقال لي: لقد عرفت أنها ستأتي عاجلاً أم آجلاً. لماذا سمحتَ لها أن تأتي؟ إنها خطيرة. فقلت: أتعني إيلي؟ فقال: كلا، بل الأخرى، غريتا!! لقد كانت تنوي المجيء دوماً وكنت أعرف ذلك. لقد فرضت سيطرتها! لن تستطيع التخلص منها أبداً. فقلت له: ولكني لا أستطيع رميها خارج المنزل. إنها أقرب صديقة لإيلي. فقال سانتونيكس: أنا خائف عليك من غريتا؛ إنها أقوى منك. لقد وضعتكما غريتا حيث تريد وضعكما. فقلت: إنني لا أحب غريتا؛ فهي تثير أعصابي. ولكني لا أستطيع طردها. حينها قال: هيا ندخل لنرى إيلي.
وهكذا دخلنا البيت، وحيّت إيلي سانتونيكس بفرحٍ غامر. وكان سانتونيكس في أغلب وقته يتحدث مع غريتا، وخصها بسحره وفتنته إذا صح التعبير. وكان من شأن أي امريء أن يقسم أن سانتونيكس معجب بها وأنه متلهف على إسعادها. وهذا ما جعلني أشعر أن سانتونيكس رجل خطير حقاً، وأنّ فيه أشياء أكثر بكثير مما استطعت فهمه حتى الآن. وكانت غريتا تستجيب للإعجاب وقد بدت الليلة في أجمل صورة رأيتها بها.
في عصر اليوم التالي كنت أمشي في عتمة الغابة فرأيت جسداً طويلاً لامرأة تقف في الممشى المؤدي إلى البيت. كانت أمي. فقلت: لقد أفزعتني يا أمي. ماذا تفعلين هنا؟ أجئت لرؤيتنا؟ لقد دعوناك مراراً، أليس كذلك؟ فقالت: نعم، لقد جئت لأراكما. فقلت لها: هيا تعالي لتري بيتنا الفخم ولتري زوجتي الفخمة أيضاً. فقالت: لقد سبق ورأيت زوجتك. لقد أتت لزيارتي. ومن الواضح أنها لم تخبرك. إنها فتاة جميلة وعذبة.
دخلنا إلى البيت وكنت غاضباً، بل غاضباً جداً لأن إيلي أخفت عني أمر زيارتها لأمي. كانت إيلي تجلس مع غريتا في المصطبة الخارجية. ولما انتبهتْ إيلي لوجودنا تقدمت إلينا وقالت: آه، السيدة روجرز. أين متاعك؟ ألم تأتي للبقاء؟ هذا ما أرجوه. فقالت أمي: لا يا فتاتي، لن أبقى. إنني عائدة بالقطار في غضون نصف ساعة. لقد أردت أن أتفقدكما فحسب. وبعد تناول الشاي، مشينا مع أمي وأوصلناها إلى البوابة وودعناها.
وفي يوم السابع عشر من أيلول، كنت قد رتبت لقاء الميجر فيلبوت في أحد المزادات العلنية. امتطتْ إيلي الحصان وذهبتْ في جولتها الصباحية. واتفقنا أن نلتقي في المطعم. وذهبت غريتا إلى لندن. وبعد المزاد ذهبتُ والميجر فيلبوت إلى المطعم. لم تكن إيلي هناك. فاتصلتُ بالبيت، وأجابتني الطباخة التي قالت: السيدة روجرز لم تعد إلى البيت بعد. فقلت: لم تعد من أين؟ فقالت: لم تعد من جولة ركوب الخيل. فقلت: ولكن كان هذا في الصباح. لا يمكن أن تكون مستمرة في ركوب الخيل طوال الصباح. فقالت: لم تقل لي إيلي إنها ستذهب إلى أي مكان. قلت لها بأن تتصل بي في مطعم جورج بمجرد عودة إيلي، وأعطيتها رقم الهاتف.
أخبرتُ الميجر فيلبوت بعدم رجوع إيلي إلى البيت، فطلب مني ألا أقلق، واقترح أن نذهب ونرى ما يمكننا عمله. قدت السيارة سريعاً مع الميجر فيلبوت، ووصلنا إلى الطريق الذي يطل على السهول فوق بيتنا، وأخذنا ننظر حولنا ونحن سائرون. وتوقفنا بين الحين والآخر لنسأل الناس عن إيلي. لم نجد إيلي فعدنا إلى البيت. ولم تكن هناك أية أخبار. ثم مشينا في الغابة حيث الطرق الترابية وهناك وجدناها. رأينا ما بدا وكأنه كومة متهدلة من الملابس. وكان وجهها الأبيض ملتفت نحو السماء.
جاء الدكتور شو في سيارته. انحنى فوق إيلي، ثم جاء إلينا وقال: لقد مضت ثلاث ساعات أو أربع على وفاتها على الأقل! كيف حدث ذلك؟ أخبرته كيف خرجتْ لركوب الخيل كعادتها في الصباح. قال الدكتور: لا يوجد عليها أي جرح ظاهري. قد يوجد جرح داخلي ما، وربما كانت الصدمة هي سبب الوفاة. ثم نظر إليّ بتعاطف وقال: إذهب إلى البيت ونم؛ فأنت من يعاني من الصدمة!
غريبٌ كم هو صعب بالنسبة لي تذكُّرْ ما حدث بعد ذلك، وأعني تسلسل الوقائع كلها. بعد وفاة إيلي، كان الجميع في غاية اللطف معي، ويبدو أن غريتا أبرزت معدنها الحقيقي. كانت لديها تلك القدرة المدهشة التي تمتلكها النساء على تولي المسؤولية والتعامل مع المواقف.
حضرت جلسة التحقيق، وكان قاضي التحقيق رجلاً ضئيل الجسم يضع نظارة على أنفه. وبعدما انتهيتُ من شهادتي دخلتْ غريتا وقالت إن إيلي كانت تعاني من مرض القلب، ولكنها لم تكن تلقِ بالاً لتحذيرات الأطباء.
وبعد انتهاء وقائع جلسة المحكمة أعلن القاضي رفع الجلسة إلى ما بعد أسبوعين. ولقد أشارت جميع الدلائل إلى أن الوفاة كانت بسبب حادث، ولكن لم تتوفر دلائل كافية تبين ما الذي أدى لوقوع الحادث. وقال القاضي إنه سيؤجل الجلسة إلى أن يسمع شهادة العجوز الغجرية لي.
التقيت مع الميجر فيلبوت بعد ذلك وأخذنا نتحدث عن إيلي، ثم بعدها وضعت يدي في جيبي وأخرجت حجراً دائراً مسطحاً ملفوفاً بقطعةٍ من الورق المجعد وقلت للميجر: لقد ألقِي هذا الحجر من نافذة غرفة إفطارنا صباح اليوم. لقد سمعت صوت انكسار الزجاج وأنا نازل على الدرج. وقد سبق أن رُمي حجر من النافذة مرة من قبل عند أول مجيئنا، ولا أدري إن كان من فعل هذا نفس الشخص أم غيره. ثم نزعت الورقة الملفوفة حول الحجرة ومددت يدي بها إليه.كان هناك رسالةٌ مكتوبة على الورقة مفادها: "لقد كانت امرأة من قتلت زوجتك"!!!
ذهبت إلى مركز الشرطة لأريهم الرسالة. فقال الرقيب كين: أمور غريبة تحدث هنا. ولكن يبدو أن الرسالة تشير إلى امرأة غير الغجرية. سألت الرقيب: هل وجدتم الغجرية؟ فقال: لا، إنها مختفية. وهناك احتمال أن أحداً دفع للعجوز مالاً لتقول ما قالته. أتعرف يا سيد روجرز ذلك البيت القريب من بيتكم والتابع لأرضكم، لقد بحثنا فيه أثناء تحرياتنا ووجدنا فيه قداحة نسائية، وقد كُتب عليها بالألماس حرف "ك" حينها قلت: لا يمكنني التفكير بأحدٍ كان معنا ويبدأ اسمه بحرف "ك" سوى كورا، وهي زوجة والد إيلي. ولكنها لم تأتِ للإقامة معنا منذ زمن طويل. وأيضاً هناك كلوديا هاردكاسل يبدأ اسمها بهذا الحرف، ولقد كانت أقرب صديقات زوجتي في المنطقة. ثم قلت: أحسب أن كلوديا كانت متزوجة من رجل أمريكي اسمه لويد. والواقع أن الوصي الرئيس على أموال زوجتي في أمريكا إسمه ستانفورد لويد. ولكن لا بد أن المئات يحملون إسم لويد، وعلى أية حال من الممكن أن الأمر صدفة إذا كان هو نفس الشخص. فما علاقة ذلك كله بقضيتنا؟ ولكن الغريب أنني ظننت أنني رأيت ستانفورد لويد هنا يوم الحادث. ورأيته يتناول الغداء مع امرأة بدت شبيهة بكلوديا.
رجعت إلى البيت والتقيت بكلوديا في الطريق، فقالت لي: إنني حقاً في غاية الأسف بخصوص إيلي يا مايك. أعرف أنه من المؤلم أن يُعزّيك الناس بها، ولكني مضطرة لقول ذلك. ولكني أريد أن أقول إن كنت تنوي طرح بيتك للبيع فإنني أرغب في أن تكون لي الأولوية في شرائه. حدقتُ بها؛ إذ أدهشني ذلك حقاً. فأكملت: لقد قال لي أخي سانتونيكس إن هذا البيت هو أفضل بناء قام ببنائه، لذا بودي أن أشتريه.
هززت رأسي وقلت: لقد عشت وإيلي هنا وكنا سعيدين، وهذا هو المكان الذي سأتذكرها فيه. لن أبيع فدان الغجري ولا تحت أي اعتبار. حينها التقت عينيّ بعينا كلوديا وكأن الأمر أشبه بصراع بيننا. قلت لها: ليس الأمر من شأني، ولكنك كنت متزوجة ذات يوم، أكان اسم زوجك ستانفورد لويد؟ فقالت: نعم. ومضت بسرعة .
أقيمت شعائر جنازة بسيطة في الكنيسة الصغيرة. ولو كان بوسعي أن أبقى بعيداً عن تلك الجنازة لفعلت. فقد كرهت كل هؤلاء الناس الذين يحدقون بي بعيونهم الفضولية. وقد ساعدتني غريتا في تجاوز المصاعب. ثم انتقلتُ بعدها إلى نيويورك لحضور جنازة إيلي، ولأنهي بعض الأمور المالية. وتركت غريتا تتولى أمور البيت. وقد طلبتْ مني أن آخذ الحذر لنفسي. وبعد أربعة أيام من وصولي إلى نيويورك تلقيت أنباء من إنكلترا: لقد تم العثور على جثة السيدة لي في مقلع الحجارة المهجور، وقد مضت على وفاتها بضعة أيام. وقد صدر حكم يقضي باعتبار الوفاة ناتجة عن حادث، لأن تلك المنطقة خطرة. ولقد تم العثور في منزل العجوز لي على مبلغ ثلاثمئة جنيه مخبأة تحت الأرضية الخشبية للمنزل. وفي ملاحظة تحت الرسالة التي أتتني من الميجر فيلبوت يقول فيها: أنا واثق أنك ستأسف لسماعك بأن كلوديا هاردكاسل قد وقعت عن حصانها وماتت بالأمس وهي خارجة للصيد!!!
وقبل عودتي إلى إنكلترا قمت بسحب تكليف ستانفورد لويد بإدارة استثمارات إيلي، التي آلت إليَّ، وأعطيتها إلى آندرو ليبنكوت. حيث شعرت بأن ستانفورد لويد محتال ويعبث باستثمارات إيلي وأسهمها. عندما عدت إلى الفندق تلقيت برقية من مستشفى كاليفورنيا، وقالت البرقية إن صديقاً لي هو سانتونيكس قد طلبني، وإن حياته أصبحت قصيرة ويريد رؤيتي قبل موته. وعندما رأيت سانتونيكس قال لي بصوت ضعيف: أيها المغفل الأحمق... لماذا لم تتبع الطريقة الأخرى؟ ثم بعد هذه الجملة انهار ومات.
لا أدري ما الذي عناه بقوله، أو حتى ما إذا كان يعلم شخصياً ما الذي يقوله. وهكذا كان ذلك آخر ما رأيته من سانتونيكس. وقبل أن أغادر نيويورك كنت قد كتبت رسالة إلى الميجر فيلبوت. كان لا بد أن يعلم، وكان لا بد للجميع أن يعرفوا. كتبت له: أحب أن تكون أنت أول من يعرف. فقد كنت شديد اللطف معنا. إنني لا أستطيع مواجهة العيش وحيداً في فدان الغجري، وقد كنت أفكر لفترة طويلة في الأمر، وقد قررت، فور عودتي إلى الوطن، أن أطلب يد غريتا للزواج؛ فهي الشخص الوحيد الذي أستطيع حقاً التكلم معه عن إيلي. وهي ستفهم. وأحسب أنها ستوافق؛ فمن شأن هذا الزواج أن يجعل كل شيء يبدو وكأننا ما نزال معاً نحن الثلاثة.
كانت الشمس قد غربت عندما وصلت إلى الطريق المفْضي إلى فدان الغجري، وكنت قد أخبرت غريتا بوقت وصولي. وكانت هناك في البيت، تنتظرني. أخيراً! لقد انتهينا الآن من التعلل ومن كل الإدعاءات... ادعاء كرهي لها. فكرت الآن، وأنا أضحك مع نفسي، بالدور الذي مثّلتُه: كراهية غريتا وعدم رغبتي بمجيئها إلينا. ولا بد أن الجميع قد خُدعوا بهذا الإدعاء. وتذكرت المشاجرة التي لفّقناها بحيث تسمعها إيلي.
لقد عرَفَتْني غريتا على حقيقتي منذ أن التقينا. كان لديها عقل مثل عقلي، ورغبات كرغباتي. لقد أردنا الدنيا، ولا شيء أقل من الدنيا! تذكرتُ كيف أفضيتُ لها بكل ما في قلبي عندما التقيتها لأول مرة في هامبورغ وأنا أخبرها برغبتي المحمومة بالأشياء. لم أضطر لإخفاء جشعي الجامح للحياة عن غريتا، فقد كان لها هي أيضاً الجشع نفسه. واقترحتْ عليّ غريتا يومها أن أتزوج إحدى أغنى الفتيات في العالم. قلت لها: لا أريد أن أكون زوج امرأة غنية؛ فستبقيني في قفص ذهبي، وهذا ليس ما أريده. قالت: لا حاجة لأن تكون كذلك، فهذا من الأمور التي لا حاجة لأن تستمر طويلاً. فالزوجات يمُتْن عادة! ووضعتني غريتا على هذا الطريق. قالت لي: أنا أستطيع مساعدتك. يمكنني أن أصلك بواحدة من أغنى الفتيات في أمريكا. إنني صديقتها وأعيش معها، ولدي الكثير من التأثير عليها. إن لديك الكثير من الجاذبية، وستهتم بك، وستتزوجا سراً، ثم سنعلن الأمر لعائلتها. لذا وضعنا خططنا للقائي بإيلي. وتعهدت غريتا بأن تقنع إيلي بامتلاك بيتٍ في إنكلترا والتخلص من العائلة حالما تصبح في سن الرشد. لقد رتبنا الأمر، وكانت غريتا مخططة عظيمة. وهكذا قابلت إيلي. وكان الأمر ممتعاً كله، وكان جنوناً. والأمر الذي كان يربكني فعلاً هو الأوقات التي كنت مضطراً فيها للقاء غريتا، فقد كنت أحاول ألا أنظر إليها، وقد اتفقنا على أن أظهِر الكراهية لها ومثّلتُ ذلك بشكلٍ جيد.
كان من السهل جداً تمثيل الحب على إيلي؛ فقد كانت عذبة جداً. لقد أحبتني إيلي جداً. وأحياناً أظنني أحببتها أيضاً، ولكن ليس كما أحببت غريتا. كانت غريتا المرأة التي خُلقت لها، أمّا إيلي فكانت شيئاً مختلفاً، ولقد استمتعتُ بالعيش معها.
إنني أسجل ذلك الآن لأن هذا هو ما أفكر فيه وأنا عائد من أمريكا. لقد وصلت إلى قمة نشوتي، بالرغم من المجازفات ورغم المخاطر ورغم قيامي بجريمة قتل رائعة جداً. والآن انتهت المجازفات، وانتهت المخاطر، وها انا قادم إلى فدان الغجري.
عندما وصلتُ إلى البيت... وعندها رأيتها. رأيت إيلي!! كانت هناك، في نفس المكان تماماً، واقفة عند شجرة التنوب. جفلتُ لرؤيتها كما أول مرة رأيتها فيها. ولكن لا يمكن ان تكون هناك حقاً. كنت أعرف أنها ميتة... ولكنني رأيتها. كانت ميتة، وجثتها دُفنت في المقبرة في أمريكا، ولكني كنت أراها، وكانت تنظر إليّ مباشرة. قلت بصوتٍ عالٍ: إيلي. لم تتحرك، بل اكتفت بالبقاء هناك، تنظر إليّ مباشرة. حينها ركضت إلى بيتي، عائداً إلى الأشياء التي أردتها أكثر من أي شيء في الدنيا، وإلى المرأة الرائعة التي خُلِقتُ لها وخُلقتْ لي.
وهناك كانت غريتا في البيت تنتظرني. قالت: لقد نجحنا. فقلت لها: نعم وسنعيش لآخر حياتنا هنا. فقالت غريتا: لا يمكننا أن نعيش هنا طول الوقت. هل سنظل مدفونين في حفرة كهذه القرية؟ فقلت لها: ولكنه المكان الذي أريد العيش فيه... إنه المكان الذي أردت دوماً العيش فيه. فقالت: ولكننا نملك أموال العالم كلها الآن يا مايك. يمكننا الذهاب إلى أي مكان! سوف تكون لنا مغامرات في كل بلدان العالم.
حينها انتابني شعور غريب، شعور غريب بأن شيئاً ما قد انحرف في مكان ما. حينها قلت لغريتا: لقد رأيت إيلي قبل قليل تحت شجرة التنوب. فقالت: لا تكن ساذجاً. إنك تتخيل. فقلت لها: ولكنها كانت هناك. كانت تنظر... تبحث عني. ولكنها لم تستطع رؤيتي. ثم صِحتُ بصوتٍ تملكه الذعر: يولد بعض الناس للأفراح، ويولد البعض لليلٍ لا ينتهي. وهذا أنا يا غريتا، لقد ولدت أنا لليلٍ لا ينتهي.
كانت هناك رسالة من السيد ليبنكوت، فأخذتها غريتا من يدي وقالت: هذه الرسالة التي بعثها السيد ليبنكوت، أليس كذلك. أهي التي أصابتك بالإكتئاب. أخذَتها وفتحَتها. لم يكن فيها شيء سوى صورة. صورة لشخصين يمشيان وقد شبّكا أيديهما. وكان الشخصان أنا وغريتا. إذن فقد كان آندرو يعرف منذ البداية أنني أعرف غريتا. أنا خائف الآن من أن يشك السيد أندرو بأنني أنا من قتل إيلي. فقلت: إنني الآن ليلٌ لا ينتهي. حينها صاحت غريتا: كن رجلاً يا مايك. لا تستسلم لهذا الخيال الخرافي السخيف. كنت أحب إيلي. نعم، وما زلت أحبها. لا أستطيع أن أكرهها، ولكني كرهت غريتا، وقد استمتعت بكراهيتها. كرهتها من قلبي. اقتربت منها وقلت: أيتها الساقطة القذرة! إنكِ لستِ آمنة مني يا غريتا. لقد كنتُ منفعلاً ذلك اليوم لما قتلتُ إيلي بواسط الكبسولة التي شربتها على الإفطار. أريد أكثر من دفع العجوز لي فوق مقلع الحجارة. أريد أن أقتل بيدي.
كانت غريتا خائفة، وقد أحببتُ رؤيتها خائفة، وأحكمت يدي حول عنقها. نعم، حتى الآن، حيث أجلس لأدون كل شيء عن نفسي، ما زلت أشعر أنه كان عملاً رائعاً. نعم، كنت سعيداً جداً عندما قتلت غريتا!
لا يوجد حقاً الكثير مما يقال بعد ذلك. اكتفيتُ بالجلوس في البيت لوقت طويل. لا أدري متى أتوا، ولا أدري ما إذا كانوا جاؤوا على الفور. كان أول الواصلين الميجر فيلبوت. قلت له: غريتا ميتة، لقد قتلتها. ولقد قتلت إيلي أيضاً؛ وضعتُ لها سماً في الكبسولات التي تشربها ضد الحساسية قبل خروجها لركوب الخيل. وقتلت كلوديا أيضاً بنفس الطريقة وذلك قبل أن أسافر. سألت الدكتور شو: كيف عرفتْ؟ قال: لقد عرفنا عندما ماتت كلوديا. لم يكن الوقت قد مرّ طويلاً عندما عثرنا على الجثة. كانت رائحة السيانيد ما تزال هناك للإستدلال عليها. ولو أنها بقيت مرميّة في الهواء لأكثر من ساعتين، كما حصل لإيلي، لما شممنا الرائحة ولما عرفنا بأنها ماتت نتيجة القتل. قلت: لقد قتلتها لأنني شعرتُ بأنها تشك بأن لي علاقة مع غريتا.
وبعد أن أخذوني إلى السجن، كان طلبي الوحيد هو قلم والكثير من الأوراق. أردت أن أكتب كل شيء عن هذه القصة وكيف جرى الأمر كله. أردت أن أخبرهم بماذا شعرت، وبماذا فكرت. أحضروا لي أمي لرؤيتي. قالت لي: لقد حاولت يا مايك... حاولت بكل جهدي أن أبقيك آمناً، وقد فشلت. ولقد كنت أخاف دوماً من أنني سأفشل. فقلت لها: لم تكن غلطتك يا أماه. أنا الذي اخترت اتباع الطريق الذي أردته.
أظن أنني أحببت إيلي، فقد كانت شديدة العذوبة. لقد كنت أنا وإيلي سعيدين جداً معاً. أتمنى لو أنني عرفت وقتها أننا كنا سعيدين. لقد سنحت لي فرصتي، وربما تسنح لكل امريء فرصة. أما أنا... فقد أدرت لها ظهري.
النهاية.