القائمة الرئيسية

الصفحات

تلخيص رواية ايكادولي: د. حنان لاشين - أعداد وإشراف: رجاء حمدان











لسماع الرواية والاشتراك بالقناة ...قناة راجو شو... الرابط التالي : 

تلخيص رواية
ايكادولي: د. حنان لاشين
أعداد وإشراف: رجاء حمدان
                                                                   


  
تلخيص رواية 

ايكادولي: د. حنان لاشين

أعداد وإشراف: رجاء حمدان




المطر خفيف كالبكاء يرشق الرمال الناعمة بكل عذوبة و رقة , صيحة غريبة صمّت أذنيه, 
ثم فجأة شعر بمخالب تقبض على كتفيه, فرفع بصره ورأى طائراً كبير ضخما يبسط


 جناحيه مظللاً فوق دماغه , تسارعت أنفاسه وهو يطير على ارتفاع عالي جدا فوق واد

 عميق يقطعه نهر ماؤه رقراق زمردي اللون . تناهى إلى سمعه صوت ناعم أنثوي , كان

 يناديه ويكرر كلمة غريبة لم يدرك ما مغزاها ! وفجأة انفلت من بين مخالب الطائر, أراد 

أن يرى الطائر الذي كان يحمله لكن ظِلّ جناحيه الكبيرين كان قد حجب عن عينيه كل


نظره , وعلى صفحة الماء لاح له رمز غريب الشكل, حدّق فيه وفجأة التقمه الظلام.



أيقظه رنين هاتفه المحمول , مسح جبينه من حبات العرق وجلس على طرف سريره .

 نفس الكابوس الذي يتكرر في كل مرة , نفس المخالب نفس الطائر. غادر حجرته  ومر

 برواق البيت فقال والده : هل رأيت نفس الكابوس ؟ فرد: نعم فقال: هل وقعت في الماء ؟

 رد : كالعادة لا. إستيقظت قبل أن يلمس جسمي الماء فقال : هل رأيت رأس الطائر ؟ فقال

 : لا, لا يا أبي . كانت تلك الثلاث اسئلة تتكرر في كل مرة يستيقظ فيها أنس وعلى وجهه علامات التعب و الاجهاد . 


تناول أنس قهوته بسرعة كبيرة , فلا بد أن يسرع حتى لا يفوته موعد القطار, وجهز

 حقيبته حتى يسافر الى منزل جده في الفيوم, فلا بد أن يرّوح عن نفسه منذ أنهى اخر سنة 

له في الجامعة حيث كان يدرس بكلية الهندسة . كان أنس شاباً تقليدياً كما يقولون له, لا

يدخن ولا يصاحب البنات , ولم تمطر سحابات الحب على شرفات فؤاده , كل ما كان

 يشغل بال أنس هو بيت جده المتروس بالاسرار الغامضة , ولديه الكثير من الأسئلة عنه,

 وربما حانت الفرصة حتى ينفرد بجده ويسأله عن سر كل ركن فيه. في تلك الدقيقة  كان

 أبوه محمقلاً في زجاج شباك المركبة التي كان أنس يجلس بجوارها منذ ربع ساعة. لقد

 رأى الرمز الذي رسمه إبنه على الزجاج. أخرج تليفونه المحمول واتصل بالجد : أبي لقد

 رأى أنس الرمز ! فقال الجد : لا بد أن نستعد, لا تخف يا كمال, فقال كمال (أبو أنس) :

 كيف لا أقلق وقد مررت من قبل بما سيمر به , فقال الجد: كمال لا بد أن تأتي الآن في

 القطار القادم !! فقال كمال: حسناً يا أبي سأفعل إن شاء الله.
 
خفف القطار من سرعته , نزل أنس من القطار وكان جده في انتظاره. تعانقا لمدة طويلة

 قبل أن يسرعا بالخروج من الزحام و اتجها سوية الى منزل الجد . من بعيد كان هناك من

 يتتبعه ويرصد حركاته وهو يبتعد مع جده, كان يتفحصه بإمعان كبير . وعندما دخلا إلى

 البيت فجأة سمعا صوت ارتطام شديد , سقط شيء ما على الأرض, أسرع الجد وتبعه أنس

 إلى حجرة المعيشة, كان هناك كتاب على الأرض وحوله تبعثر حطام جزء من تمثال

 ضخم , إنحنى أنس وأمسك بالكتاب وكان إسمه أبادول ! وكاد أنس يفتح الكتاب حتى يقرا

 إسم المؤلف ولكن جده خطفه من بين يديه, وكان حريصاً على إخفاء الكتاب عن ناظري

 حفيده قبل أن يخرج من حجرة المعيشة , وقال: أبادول كلمة نوبية تعني الجد الكبير. ثم

 انتقلا إلى غرفة الطعام, واستمع أنس إلى أحاديث صفية وزوجها, واللذان يشتغلان في

 المنزل منذ عمر طويل . إستأذن أنس وطلب ان يذهب الى المكتبة , وهرول إليها بينما

 وقف الثلاثة جده وصفية وزوجها راغب يتطلعون اليه , لو التفت إليهم لأفزعته عيونهم الشاخصة في اتجاهه , ولكنه لم يلتفت !.

 
كانت الغرفة باردة للغاية . لمح أنس على أحد الرفوف العالية مجموعة من الكتب تشبه

 الكتاب الذي رآه في وقت سابق اليوم في حجرة المعيشة . تناهى إلى سمعه صوت غريب
 
فتجاهله وكاد أن يسحب الكتاب ليفاجأ بالكتب القديمة التي كانت تستقر على الرف تطير


 في الهواء, وصفحاتها تتقلب بسرعة رهيبة تلاه صوت صراخ عالي كاد قلب أنس أن

 ينخلع من الخوف. سقطت كل الكتب فجأة إلا كتاباً واحداً بقي مفتوحا على دفتيه . إنحنى

 أنس باتجاه الكتاب فرأى صورة وجهه تظهر بشكل تدريجي و بطيء على الصفحة الأولى

 وكأن شبحاً يرسمها, مد يده ليقرأ عنوان الكتاب فكانت هناك كلمة واحدة إيكادولي, وفزع

 أكثر عندما رأى تلك العلامة الغريبة التي كان يراها على الدوام في كوابيسه , بيد أن كل صفحات الكتاب كانت خالية من اي كلام .
 
إلتقط أنس الكتاب و هرع إلى جده فقال له : الحجرة مسكونة , فقال الجد: هل رأيت الرمز؟

 إستغرب أنس وقال: ماذا يعني هذا الرمز؟ فقال الجد: الرقم ثلاثة باللغة النوبية تويكو ولقد

 وقع الاختيار عليك هذه المرة , لقد كان كتابي (أبادول) ورمزي الرقم واحد (ويرا), أما

 ابوك كان كتابه (أمباب تود) ورمزه الرقم إثنان (أويووو) وكِلا الكتابين يحكي حكاية

 صراع بين الشر و الخير , النهار والليل, الاسود و الابيض . يبدأ الأمر عندما يختارك الكتاب حتى تدافع عنه , ربما عن تاريخ وربما عن قيمة عظمى سطّرها الأمير (اواوا)

 وكان شاباً طيباً ولكن الملك لم يحبه. ثم أخرج قلادة و البسها على عنق أنس ثم زجاجة

 صغيرة زرقاء تحتوي سائلاً أسوداً ثم خنجراً بمقبض ذهبي و وضعهما في حقيبة أنس, ثم

 قال الجد : كان الملك (كاشتا) الذي لم ينجب يكره أخاه (الارا) فقتله حتى يفوز بالعرش, وكان يكره ابنه اواوا فحبسه في سرداب تحت الأرض مع زوجته و ابناءه , وكتب الأمير

 حكايته هناك وحكاها لزوجته و اولاده , ثم مرض الأمير اواوا واختفى من السرداب فجأة

 , واختفى معه الحارس الذي كان يعاونه . وعندما كبر طفله أقبل على كتابات والده

 ليحرقها ولكنه تراجع فاستعان بكهل بارع وحرَّف العبارات و الحكايات وقُلِبت نهايتها

, وأصبح البقاء للأكثر سوداوية و سوءا . ولكن شقيقته قرأت ما في الكتب فحبسها شقيقها في نفس المكان الذي كان محبوساً فيه مع ابوه وأمه لأنها أنكرت فعلة أخيها.


 وبعدها عثر العلماء على الأوراق المزيفة وسرقها واحد منهم وعاد بها إلى الفيوم. 


بات أنس ليلتها و هو يفكر في الرموز. وفي اليوم الذي يليه استيقظ على صوت غريب

 وفوجيء بالكلمات والرموز قد وضحت للغاية , بينما رفضت الكتب أن تعكس الزيف التي

 تسبَّب إبن الأمير اواوا في نشرها. قال له جده بأنه قد حان وقت استعادة الحقيقة ولك دور

 في هذا, سترحل إلى مملكة البلاغة فلقد تم اليوم استدعاؤك وسيحملك الصقر إلى هناك ! 

ثم عاد الجد إلى حجرة المعيشة وأحضر كتاب ايكادولي ووضعه في الحقيبة, ثم سأل الجد

: والدك قال لي  أنك سمعت نداءاً في الكابوس ؟ فما الكلمة التي ترددت في النداء ؟ فتح

 أنس فاه ثم قال كانت كلمة ايكادولي. وفجأة جاء كمال ونظر إلى ابنه بكل حزن ثم مد يده

 وأظهر سلسلة كان يرتديها في رقبته يتدلى منها مفتاح قديم نحاسي , وأمسك بيد أنس

 ووضع المفتاح فيها حينها قال أنس: إذن لكل منا كتاب خاص به يختاره , كتاب جدي

 يعني انه الجد الأكبر وكتابك يعني إبن أبيه وعنوان كتابي ايكادولي ماذا تعني ؟ فقال الأب: تعني أحبك !.


 ثم فجأة هبت رياح عاتية شديدة القوة فقال كمال: أسرع يا أنس إلى الحجرة ! أستودعك الله

 يا ابني .. في حفظ و رعاية الله . ثم بعد لحظات عم سكون مهيب على المكان واختفت كل

 الأصوات عدا صوت خفق جناحي الصقر فوق المنزل , فلقد بدأ (الرمادي :الصقر) يحلق

 فوق المنزل فأضاءت السماء بصورة مفاجئة  . كان الصقر ذا ظهر رمادي أزرق , ثم قال الصقر: لا تخف مني يا أنس ! كاد أنس يفقد الوعي لكنه امسك نفسه بصعوبة . حمله

 الصقر وحلق به فوق مملكة البلاغة ثم قال الرمادي : الآن إنتهت مهمتي , سيستقبلك

 المغاتير قوم صالحون يخفون وجوههم, لا يبتغون الأجر, إستغنوا عن الناس فأغناهم الله

 عن الناس و اصبح الجميع يحتاجون إليهم, و سياخذونك إلى الحوراء ! إختفى الرمادي

 مخلفاً وراءه أنس وهو يتلفت حوله يتأمل الأشجار. تناهى إلى سمعه حفيف الأشجار و

 زقزقة العصافير, ما عاد خائفاً كما كان. لمح أنس طيفاً يدنو منه رويدا رويدا , وقبل أن

 يلتفت فوجيء بخبطة على  ظهره , كان شاباً يحمل وجهاً به مسحة من الوسامة بشعر

 لونه بني , و بشرة باهتة اللون و فك عريض . كان إسمه شهاب, تعرف على أنس ثم قال

 شهاب: ليس لديك أي دور هنا, أنت مجرد شاهد على ما ستراه من اشياء ستحدث امامك ,

 فقال أنس: لكل منا دور في حياته وفي حياة الناس , فى كل كلمة ننطق بها وكل فعل نفعله,

 فالتفاتة قد تعني الحب, مجرد الحضور في موقف ما قد يعني الكثير لآخرين دون أن نعلم

 هذا لكنهم يعلمون , حتى الصمت أحياناً إن كان في موضعه الصحيح فله دور, فقال

 شهاب: تبدو حكيماً يا فتى بدأت أحبك ! وفي تلك الدقيقة ارتفع صهيل خيول اصطف على

 الشريط الفاصل بين الغابة و البستان , وصاح الزاجل الأزرق : لقد تأخرنا ! ثم قال بقلق : بدأت رحلته دون أن يسمع منا! . 
بخطوات متناسقة  سار المغاتير في زمرة مهيبة تجاه جناح الملكة. تقدم الزاجل الأزرق

 حيث استقبله خدام القصر بوجوه مبتسمة فرحة . دلف حيث كانت الملكة تجلس بكل

 احترام , كان للملكة وجه به بقايا جمال متعب , بدت عجوزاً تخطت السبعين من عمرها

 لكنها كانت جميلة الروح. أشارت للزاجل الأزرق حتى يجلس مكانه ففعل بهدوء, كانت

 تقف أمامها فتاة احتشمت برداء أرجواني اللون تقرأ و هي متاثرة من كتاب, ومن حولها
 رجال يدونون ما تقرأ, ثم أغلقت البنت الكتاب ورفعته وكان مكتوباً عليه بخط واضح

 هيلا، كانت الفتاة مشرقة ذا وجه بريء طفولي , وفور أن رأت الزاجل الازرق حتى

 ارتعشت فهي تريد الرحيل و الرجوع الى منزلها وعالمها , فقد أدت مهمتها على أكمل

 وجه و تخاف أن يتحقق ما أخبرها به الحكيم سامي كول
 . 
قال الزاجل الأزرق للحوراء : لقد وصل المحارب أنس ولكنه للأسف ركض في الغابة ولم

 نتمكن من ان نتحدث معه منذ البداية . إنطلقت الحوراء يتبعها الزاجل الأزرق بينما قالت

 مرام : سيدتي ذاك الشاب الذي كنتم تتكلمون عنه رأيت اسمه في كتاب هيلا, و قال لي

 العظيم سامي كول أن أبلّغه إن ظهر مرة ثانية , وأنه من الأفضل أن أبقى لو وصل قبل

 رحيلي . وفجأة وصل سامي كول فدخل الكل إلى القصر وأخذت الملكة حوراء تعدل من

 مكان جلوس والدها , فقال العظيم سامي كول لمرام : أسرعي خلف أنس فأنت تقدرين ان

 تدخلي الغابة أما نحن فلا .. فقالت مرام : ما سبب ظهور اسمه في كتابي ؟ فقال الحكيم :

 سيكون طوق نجاة لك وستكونين طوق نجاة له في احد الايام . فقالت مرام للحوراء : لي

 طلب واحد عند انتهاء هذا الامر باكمله , ربما أطلب منك شيئاً ما وأريد منك أن تعديني أن

 تحققيه لي , فقالت الملكة : أعدك يا ابنتي طالما الأمر في مقدوري . ثم انطلقت مرام نحو الغابة حيث ستدخلها بمفردها حتى تبحث عن أنس .



ما زالت ناردين تشقى بقلب لين كالطين , صار قلبها كالقالب فيه ذكرى منقوشة .  نشأت

 ناردين في إحدى قرى مملكة الجنوب, تزوجت وأنجبت ابنا , وقتل زوجها في مشكلة

 كبيرة جدا , ولما كبرت رمتها زوجة ابنها في الغابة. كانت تقدر ان تتكلم مع الأشجار. 

وقد يبدو حديث النفس بصوت مسموع نوعاً من الجنون لكن ناردين كانت تتسلى بهذا من

 وقت ل ثاني , تُحدث ذاتها وتحدث الأشجار وتنصت إلى الريح وما تحمله من قصص ,

 وربما تهمس لها ببعضها. إهتز سطح الماء فمر بالقرب منه شهاب ويلحقه أنس الذي ص

دم ناردين دون قصد فتاسف منها , فقالت : سيعود إليك شهاب حتماً فانت محارب !

 إستغرب أنس فقالت : مر علي بعضكم من قبل هكذا تكون اشكالكم , على العموم بعض

 المحاربين قوتهم في ثباتهم على الحق وليس في بنيتهم القوية , إنتبه لكتابك ستظهر

 سطوره الاولى عندما تلتقي بأبطال حكايتك . أخرج أنس كتابه فقالت : إيكادولي !! اذاً

 إنتبه لأبطالك وراقبهما فهما في حاجة لمعاونتك انت . لن تكتب لكن ما تراه بعينك وتعيشه

 سيظهر في سطور الكتاب . ثق في كتابك ولا تظهره ولا تخبر أي شخص بإسمه, واحذر

 المجاهيم, قوم وجوههم كالحة  يسلبون الناس انفاسهم و انفسهم . قررت ناردين أن تمده

 بملابس ثانية غير تلك التي كان يرتديها حتى يتسنى له التجوال في المملكة وكأنه واحد

 من أهلها ثم قالت: تجول في القرية وافتح كتابك من وقت للثاني , إن ظهرت أول الكلمات

 فاعرف أنك التقيت بأبطال القصة, فالأحداث تتم هنا بمشيئة الله وما زلنا لا نعلم ما هي ولا

 متى النهاية . 


سار أنس و هو يركض  في الغابة  ليلحق بشهاب. وبينما كانت تنطوي الأرض  من تحت

 قدميه شعر وكأنها تحولت الى بساط و بدات تتكور و تدور تحت ساقيه, ثم انشقت الأرض
 وتعثر ليظهر مقابله زمرة من الرجال لا ملامح لهم, رفع أحد الرجال يده إلى السماء

 فاحس أنس وكأن صدره يصعد في السماء فتدلت القلادة التي يلبسها من رقبته , فقال

 الرجل : من أين لك بتلك القلادة ؟ فقال: من جدي, فقال الرجل : أبادول ؟ وعندما سمع

 بقية الرجال أبادول وضعوا أيديهم على صدورهم وأحنوا رؤوسهم فقال الرجل: لجدك

 فضل كبير على استرداد قيمتنا و احترامنا و مكانتنا بين باقي الشعوب, إمض فأنت في

 أمان حتى تخرج من الغابة وأظْهر القلادة حتى يعلم المجاهيم من انت . كان جدك هو من

 أطلق علينا ذاك اللقب بعد أن ألبسناه تلك القلادة . ثم اختفى المجاهيم و رجعت الأرض

 تتكور تحت قدمي أنس وانطلق يكمل ركضه حتى حدود الغابة .


 
خرج أنس من الغابة يبحث عن شهاب , مر بحانوت يقوم ببيع الاغراض القديمة وهناك

 تعرّف على شاب اسمه كلودة . كان كلودة يحب إبنة عمه أشريا حباً كبيرا جدا لكنه لم

 يملك سمات الشخصية التي تحلم بها و تتمناها , طلبها للزواج مراراً وكانت ترفض طلبه .

 مشى كل من كلودة وأنس في الغابة و توغلا فيها ولم يكد كلودة يسأل أنس كيف جاء إلى

 هنا بالتفصيل إلا  وكانت ضربة قوية قد باغتته وهو يمشي معه فجأة , وعلى أثرها صاح

 كلودة : سبحانك سبحانك إكفنا شرهم واجعل كيدهم في نحرهم. أخذ الرجال كتاب أنس

 وخنجره وكتاب كلودة, وقال رجل : سنسلمكما إلى الملك (كِمشاق) بعد أن نقبض ثمنكما

 !. رحل بعض الرجال وبقي ثلاثة يحرسونهما, ومرت لحظات لم يسمع أنس كلامهم عن

 الملك (كِمشاق) ولم يدرك أنه يسير باتجاهه . 


أسدل الليل عباءته السوداء على ارجاء المملكة كافة . وَثَبت الأميرة (نبرة) من سريرها , 

كانت تتمتع بخفة العصفور, لعينيها الكحيلتان بريق جميل . كانت تدرك أنها فاتنة الجمال
 

 ولكنها كانت دائماً كالقدر الذي يغلي فيه الماء بجنون. دخلت إلى حجرة أخيها كمشاق

 وقالت: رأيت الرمز, هناك محارب على أرض المملكة فقال كمشاق : أين اختك اونتي ؟

 فقالت: الحمقاء نامت مبكراً كما هي عادتها . فقال حليم (الهائم في حب نبرة ) وهو مساعد

 كمشاق: إنها تختلف عنكما, حتى أنها لا تعلم عن الأخطار التي تتهددنا, تتبسط مع كل

 الناس وكأنها ليست أميرة. قال كمشاق : هل رأيتِ وجهه ؟ فقالت: لا فبومتي العزيزة لم

 أرها في هذه الليلة . كانت نبرة تفخر بكونها كانت ترى بين الوقت و الاخر بعينيها كل ما

 تراه البومة البيضاء التي يعلم الجميع ارتباطها بها منذ الصغر .. 


مر الوقت طويلاً على كلودة و انس , وقبل طلوع الفجر بساعات اقتربت منهما بومة

 بيضاء انيقة و جميلة , إقترب منها أنس بيديه المعقودتين خلف ظهره وقال: كم أنت

 جميلة, أسمعيني صوتك أنت رائعة الجمال !. وفي مكان آخر وتحت سقف بديع راودت

 نبرة رؤى بعيني بومتها البيضاء, لقد رأت وجه شاب له عينيان بندقيتان مليح الوجه ,

 رأت القيد حول ساقيه فعرفت أنه المحارب ...خيل إليها للحظات أنه يغازلها هي وليس

 بومتها البيضاء, سقطت جذوة الفتنة فوق قلبها والتي لن تنطفيء مهما جرى !! والآن  قد تعرفت على وجهه هل سترغب في قتله  ..  وقد أعجبها !.

قاومت مرام احساسها بالحنين الى منزلها واحتياجها الشديد لأمها وانطلقت تبحث عن أنس

 هي و (قطر الدمع: أنثى الصقر), وفجأة أمسك بهما رجلين ,تفلتت قطرة الدمع وراحت

 حتى تقول الى الملكة الحوراء بما حدث, بينما ظلت مرام في قبضة تاجر العبيد . قدمت

 لها إحدى الفتيات شراباً يحتوي على نوع من المخدر جعلها في حالة من عدم الإتزان مما سمح لنساء تاجر العبيد بتهيئتها بما رغبوا في إظهارها به وذلك حتى يبيعوها  في

 السوق.. 


همست فتاة جميلة الوجه من خلف الأشجار وقالت لكلودة : كنت أتبعك أمس ورأيتك مع

 الشاب وأنتما تدخلان الغابة فلحقت بكما الى هنا , ثم قامت أشريا بفك قيد كلودة و انس .  سحب أنس حقيبته وما فيها من الحراس النيام ما عدا الكتاب الذي سرقوه إذ لم يكن

 موجوداً. ركضوا بين الأشجار فارين من المكان , ثم ندت صيحة من أشريا, كانت هناك

 طفلة رضيعة ملفوفة بقماشة , إلتقطتها أشريا بعينين تهيمان بالدموع وأخذتها معها. وبعد

 أن خرجوا من الغابة تم عرض الطفلة على زوجة الخباز فوافقت على ان ترضعها ,

 فتركتها أشريا هناك. عزم أنس على استرداد الكتاب بيديه , فهو لم يعتد على ترك حقه

 طالما هو قادر على ان يسترده . وبينما دلف أنس إلى منزل كلودة كانت البومة العجيبة تحلق من فوقهما ومنحت أميرتها نبرة رؤى ليلية تكشف عن المحاربين .


 
مر أنس من أمام جمع بيع الرقيق من البنات , كانت مرام تضرب كل يد تمتد إليها, رأت

 أنس وحول عنقه قلادة فعلمت انه هو , فضربته بحجر ليلتفت إليها وقالت له : إشترني

 اتوسل اليك , لم يسمعها وأكمل طريقه. ضربته مرة ثانية وثالثة فرد عليها بالضرب

 وأصابها في عينها . وأخيراً اشتراها حليم مع ثلاثة بنات وسار بهن إلى قصر الملك

 كِمشاق حتى يرضيه ويكسب وده . عندما وصلوا إلى القصر بدات مرام تبكي و تتوسل ,

 فتسلل صوت بكاؤها إلى الأميرة اونتي التي كانت تتسلل من جناح الخدم في ثياب جارية

 حتى تلتقي بحبيبها في البستان, فرقّت لحالها وقالت لها : لا تخافي ستطلبك الأميرة اونتي

 و تجعلك من جواريها . بينما كان الملك كمشاق يستمع إلى أحد الحراس الذي يقول :

 وصل أحدهم يزعم أنه حصل على كتاب لأحد المحاربين ! إعتدل الملك في جلسته فقد

 كان كمشاق يهتم لتلك الكتب التي تحكي حكايات الأمير اواوا. وأخيراً ستتلقى الحوراء

 ضربة تهز عرشها. فالآن يقدر أن يأمر أحد الكهان باستلام الكتاب ليملأ صفحاته بما

 يرضي نفسه ويرضيه ويخلد إسمه في التاريخ . 



أصبحت مرام الخادمة الشخصية للأميرة اونتي فقالت لها اونتي : إخترتك لأني علمت منذ

 اول لحظة رايتك فيها أنك لست من النوع الذي يبحث عنه أخي كِمشاق, فبقاؤك هنا

 مرهون ما دمت تخلصين لي , فأنا أحتاج لمن تكتم سري. طلبت الأميرة من مرام أن

 تغطي وجهها و تمشي من وراءها , وسارت مرام وراءها إلى أن التقت بحبيبها في

 البستان, وبدا لها أن الأميرة تحاول جاهدة أن تراود هذا الفتى وتغريه. فاستدارت مرام بانزعاج فما تلك المشكلة التي أشركتها بها تلك الأميرة 
قرر أنس ان يعود إلى الغابة فربما يلتقي بالرمادي ويسأله ما مصير الكتاب, أو ربما يعثر

 على شهاب. وبالفعل ظهر شهاب مقابله فجأة كما لو كان شبحاً, ودعاه الى منزله وتعرّف

 هناك على بناته الثلاث, جميلة وجويرية وجمانة. بعد تناول الحساء احس بالنعاس يداهمه

 فنام في بيت شهاب, ولما استيقظ وجد ذاته تحت ظل شجرة, فقفز خائفا متفاجئا و هو

 يتسائل أين شهاب وزوجته وبناته !! وأين المنزل . كانت تلك اللحظات من أصعب

 اللحظات التي قضاها وحيداً منذ ان وصل الى هنا . فرجع أنس إلى القرية مرة ثانية .

 كانت الحوراء تحمل سراً لا يعرفه إلا سامي كول والزاجل الازرق وهو أن الرياح تحمل

 لها انباء المحاربين وتهمس بها في أذنيها طوال الوقت, لذا قررت هي والمغاتير أن

 ينتظروا أنس خارج أسوار المكتبة ليعلموه عندما يأتي إلى المكتبة أن مرام دخلت الغابة

 من أجله فتعرضت هي الثانية للخطر , ولا بد أن يعاونها بينما يستعيد كتابه .


 
دلفت اونتي إلى جناح شقيقتها نبرة . فتشت عن عقد أمها التي سرقته نبرة منها, ولكنها لم

 تجده فكادت تنصرف لولا أن عينيها علقتا بغلاف كتاب كان يتواجد على أحد رفوف

 خزانتها, مدت يدها و التقطته وتسارعت دقات قلبها عندما رأت عنوانه إيكادولي: أحبك,

 وجدت صفحاته خالية, أخذته من الحجرة وقررت أن تهديه لحبيبها فهو بارع في الكتابة .


 وفي الصباح حمل الحبيب العاشق هديته وانصرف واختفى و في يديه الكتاب .... خرج

 أنس من حجرة كلودة ليتأمل النجوم في السماء بينما رجع كلودة إلى حجرته ومد يده تحت

 الوسادة وأخرج الهدية التي أهدتها له اونتي, بحرص أضاف سطراً وكتبه بخط جلي و

 واضح للغاية ثم أعاد كتاب إيكادولي الذي أهدته له اونتي حيث كان يخبئه . كيف يتأرجح

 القلب بين فتاتين, وكيف تشتاق روح واحدة إليهما في وقت واحد ! وكيف يكثر كلودة من

 التسبيح أمام الناس ويقع في تلك الذلة بين أشجار البستان حيث يلتقي بالأميرة؟.
  
صرخت نبرة فاهتزت نوافذ القصر و خاف كل من في القصر : أين الكتاب؟ غضبت ثائرة

 كالمجنونة , وبدأ الجميع يفتش بارتباك . علمت اونتي أن الأمر أكبر مما تتخيل فقالت

 لمرام : أخرجي من القصر واذهبي إلى منزل كلودة و قولي له أن يتخلص من الكتاب,

 ستجدي منزله إذا سرت في خط مستقيم تجاه الشرق, واهبطى مع السهول ثم لا ترجعي

 فأنت حرة , وحذريه ألا يأتي إلا بعد أسبوع من هذا اليوم !! وصلت مرام إلى المنزل فعلم

 كلودة من هي على الفور , وأخبرته عن الكتاب فقام ودفنه تحت شجرة خلف منزله وغطاه بالتراب ثم بأغصان الأشجار. وقرر ان يصطحب مرام الى إلقرية ويتركها على الفور .

 أما مرام فقد تعرّفت عليه, إنه ذاك الشاب الذي رأته في السوق مع أنس, ولكن كلودة لم

 يترك لها الفرصه حتى تتكلم معه في الموضوع , أراد أن يتخلص من صحبتها حتى لا ينكشف أمره .. 
قرر أنس أن يذ


هب إلى المكتبة حتى يبحث عن كتابه الضائع . بقي يمشي في الغابة إلى أن وصل إلى 

قصر الحوراء, وكانت الرياح قد حملت  للحوراء نبا أن أنس على وشك ان يصل اليها

 . وعندما قابلها  أنس قال  لها : ارغب في أن أعرف بالتحديد ما هو دوري هنا ؟ قالت

 الحوراء : إختارك الكتاب لأن صفحاته أحست بفؤادك , شمت الرائحة في دمائك, هي

 تعرفك لأنك صدّقت في نفسك شيئاً احتضنته تلك الصفحات بين سطورها، وأنت أدركت

  معنى ذلك الشيء و قيمته , وأنت هنا لتكتشف القيمة التي يتحدث عنها الكتاب وتدلنا

 عليها لنعلّمها لاولادنا و انفسنا . سيساعدك حراس المكتبة العظمى في طريقة استرداد

 كتابك, ولا تنس أن تبحث عن مرام التي خرجت حتى تتبع اثرك . لقد كان اسمك يظهر

 في كتابها, وقد حذرها والدي من أن ترحل طالما أنك وصلت لأرض المملكة. كان من

 المفترض لك أن تسير في الجهة الشرقية حتى تصل القرية وتظهر أول جملة في الكتاب,

 وهناك كنت ستلتقي بابطال الكتاب و الحكاية , ولكنك أضعت الكتاب ونحن لا نعرف من

 هم أبطال القصة الآن. لهذا عندما تسترد الكتاب عُد وابدأ رحلتك من جديد, أما وإن عثرت على الكتاب وقد ظهرت الكلمات بالفعل فستكون مهمتك أصعب لأنك التقيت بأكثر من

 شخصية قبل أن نراك هنا !! . 


إنتقل أنس إلى دكان كلودة مستخدما الخنجر, حيث كان كان يعمل فجوة في الهواء ويدخل

 فيها فتنقله الفجوة إلى المكان الذي يرغب به . رأى أنس مرام هناك فقالت له : إسمي مرام

 , بعثتني الملكة حوراء ولكن خطفني تجار العبيد وألبسوني ثياب الرقيق دون ارادة مني ,

 وقد كنت أناديك كى تحررني منهم لكنك بدلاً من هذا قذفتني في عيني و ذهبت من المكان

 !. تأسف لها أنس . كانت مرام تستغرب تغيراً بدأ يحدث في عواطفها تجاهه , فرغم

 غضبها الشديد منه, ورغبتها في ضربه فقد بدأت تحس بانجذاب نحوه, وبدا ودودا و لطيفا

 للغاية وهو يعتذر لها, ثم قال : كيف بدأ الأمر معك ؟ فقالت : جدتي مغرمة بالكتب و تحب

 القراءة ولديها مكتبة عظيمة وبعض منها قصص نوبية . صفق صوت الرعد الذي ارتج

 له بدنها الهزيل فقرر أنس أن يأخذها إلى قصر الحوراء في اليوم التالي , وقد راق له أنها

 ستبقى ليلة ثانية هنا . كان هناك شيء يتلجلج في صدره, إحساس لم يعهده من قبل, وخزة في قلبه مؤلمة لكنها لطيفة . 




في الصباح توجه أنس إلى الغابة, إقترب من شاطيء النهر فبان انعكاس صورته في الماء,

 كانت الصورة لصقر أبيض! ثم اندفع إلى المياه فاخذته  تيارات المياه بقوة إلى عمق الماء

 , ودخل في فتحة دائرية تحفها الطحالب, وظل يسبح إلى أن وجد ذاته في مغارة مغطاة

 بالطحالب الخضراء, أزال الطحالب بالخنجر فظهر تحتها كتابات لم يفهم معناها . على

 يمينه كان هناك ممر واسع , أمسك بواحدة من قطع الكريستال التي أعطاها له جده

 فأضاءت له الممر , كان هناك فتحة علوية تتيح للناظر رؤية الطريق, رأى أنس فتاة

 جميلة تغني و هي جالسة في المكان , إقترب منها شاب فقالت: كنت اعرف أنك ستأتي,

 هل تخلصت من الهدية ؟ أومأ الشاب برأسه ثم قال: أنا بخير, وقد لا تريني مرة ثانية ,

 عانقته الفتاة بينما كان يقاومها ثم هرب الشاب عندما سمع نداءاً من فتاة ثانية تقول:

 مولاتي, مولاتي.  نظر أنس تجاه الشاب وتمعن في وجهه, إنه كلودة !! والذي كان يعتقد

 أنه ملاك. ثم وجد حجرة فيها تابوتين, ثم غاب عن الوعي ووجد أمامه رجلاً أخذ يكلمه

 بكلام غير مفهوم ولكنه حفظ ما قاله الرجل . إستعمل أنس الخنجر ليخرج إلى سطح الماء.

 وفجأة ظهر له زعيم المجاهيم, فقال له أنس بما حفظه من كلام الرجل, فأعلمه الزعيم بأن هذا الرجل هو الأمير أواوا وأنه يحذره مما هو ات .


 
ومشي قليلاً أنس فرأى مرام, فقد جاءت تبحث عنه بعد أن قال لها كومبو مساعد كلودة في

 الدكان أنه سيذهب الى الغابة , فاشترت قوساً وسهاماً و ركضت نحو الغابة. كانت تخاف

 أن يرحل أنس لمكان ما ولا تعثر عليه مرة ثانية بعد , وهي التى تود ان تعود الى ديارها

 في اقرب وقت ممكن , قال أنس : هل تعرفين أين موقع تلك المملكة على الخريطة ؟

 فقالت : لا أعرف, احس أحياناً أننا بين السطور نرفع ونجر ونكسر من أجل المعاني, ثم

 تفحصت مرام أطراف سرواله التي امتلئت بالماء وقالت : هل سقطت في الماء ؟ أين ؟

 فقال : النهر الأخضر, فسارت بخطوات سريعة ونظر كل منهما لانعكاس صورته في

 الماء وقالت : أرأيت ؟ صقور بيضاء ! هكذا نحن المحاربون تظهر صورنا ,قالت لي

 الحوراء أننا نستطيع التحليق والطيران حول الجبل الأحمر و داخل نطاق الغابة , وإن

 تدرّبْنا سنتقن الأمر, فالحوراء وعشيرتها لا يجرؤ اي احد منهم على دخول الغابة لأنهم

 يفقدون أبصارهم وربما يفقدون اعمارهم , أما أنا لم أجرؤ على دخول هذه الغابة إلا بعدما شجعتني قطرة الدمع على ذلك, قطرة الدمع زوجة الصقر الرمادي .

 
سأل أنس كلودة : ما ذنب أشريا ؟ أتخدعها وتزعم أنك ترغب في الزواج منها وأنت تحب

 غيرها ؟ فقال: أخبرتك مرام ؟ كنت اعرف أنها لن تسترنا, فقال: لقد رأيتك بعيني وأنت

 معها اليوم, ولم تقول لي مرام أي شيء فقال كلودة: أنس رفقاً بي, رفقاً بمن وقع في

 المعصية ثم رجع منها , أنا أعرف قيمة التوبة الآن أكثر منك, فتلك السقطة جعلتني على

 يقين أن الطريق الحق هو طريق التوبة ثم اخذ يبكي بكاءا مريرا .. سألت مرام أشريا :

 لماذا ترفضين الزواج بكلودة ؟ فقالت: انني خائفة  إننى لست بارعة الجمال كما أنني لا

 أحسن ما تفعله الفتيات في أنفسهن, لا أظنني ساتمكن من اعجابه , ربما يكون وقع بالفعل

 في حب فتاة , سمعتُ الفتيات يتهامسن بهذا, ولكن ما يحيرني هو تكرار طلبه للزواج مني.


 يعتقد بعض الشباب أن كل الفتيات مباحات, يقدر أن ينظر ويتأمل ويتفحص ويمزح مع

 تلك ويحب تلك, وعندما يريد الزواج يبحث عن فتاة صعبة المنال , ولكن سلوكه تغير منذ فترة اتعرفين تلك النظرة التي تقرأين فيها انكسار مَن أمامك, ذلك الشحوب الذي يكسو

 وجه من يتوقفون عن فعل الخطأ وكأنهم يتعافون من مرض, لقد تغير كلودة, صار لا يرفع حتى عينيه في وجوه النساء وهو يمشي في الطريق  .



إنطلقت مرام وأنس إلى قصر الحوراء, مشت بالقرب منه وفي صدرها صراع يتلجلج بين

 رفضها للمشي مع شاب غريب وبين اضطرارها لهذا حتى ترجع إلى القصر, فهي لم

 تختر تلك الاحوال . مرا من عند كوخ العجوز ناردين فأصابتها السعادة عندما رأتهما

 يمشيان سوية . لم تتمكن من منع نفسها من الضحك, وما إن قامت تودعهما حتى سقطت

 مرام على الأرض و احست وكأن سهماً نارياً يخترق رأسها, حملها أنس و رجع معها

 باتجاه الكوخ ووضعها على سرير ناردين بينما انطلق هو إلى القصر, فقالت الحوراء :

 كان متوقعاً أن يحدث هذا, قال لي والدي أنها لن تستطيع الرحيل إلا بعد استعادة كتابك,

 كلاكما شريكان في كتاب إيكادولي, أرجوك عد إليها واعتن بها اتوسل اليك . وعندما

 استفاقت مرام قال لها انس عن امر  ذهابه إلى الحوراء فهزت رأسها برفق ولم تَثر كما

 فعلت من قبل. كان ينتظر منها الصراخ و الهستيريا لكنه رآها ساكنة راضية. مر يومان

 كانت مرام أفضل حالاً ثم  قررا أن يرجعا إلى القرية بعدها .



حلم أنس بأن الأمير أواوا  قد أتاه في حلمه ودله على مكان وجود كتابه. وعندما أفاق خرج

 أنس و هو يركض ودار وراء المنزل يتفحص الأشجار. حفر تحت إحدى الأشجار كما

 عمل الأمير أواوا في الحلم الذي رآه, وانحنى وسحب كتابه, وفور أن رأى كلودة الكتاب

 صاح وقال : كتابي, فقال أنس: بل كتابي إيكادولي, لقد رأيت رؤيا تدلني على المكان تحت

 هذه الشجرة , دلني عليها الأمير أواوا. إرتبك كلودة وقال: أهدتني إياه اونتي, وجدت

 صفحاته خالية فكتبت به, فقلّب أنس الصفحات فلم يجد شيئاً فقال: الكتاب لا يقبل ما يُكتب عليه, يرفض الكلمات و يبتلعها , ستظهر الكلمات تباعاً في وقت ما, هذا ما اعلمه . 


إنطلقت أم أشريا تزغرد في فرح, فقد طلب كلودة ان يتزوج من أشريا مرة ثانية , ووافقت

 الفتاة على الزواج أخيراً . وازدحم البيت في الحال, بينما وقف مرام وأنس في حالة سكون

 لطيف يسترقان النظر خلسة لبعضهما ويراقبان ميلاد حب حديث , وما إن تلاقت عينيه

 بعينيها حتى شعرت مرام بدقات قلبها تتقافز , هو الحب لا ريب ...وفجأة اهتز كتاب

 إيكادولي وظهرت أول عبارات الكتاب (.....في بقعة ما بين الشرق والغرب حيث تتأرجح

 الحياة بنا, يقال أنه ذات مرة ولد حب ) .. و إنقلب المنزل رأساً على عقب. 



الزواج اليوم. مر اليوم جميلا للغاية  وبسطت الفرحة ردائها على الكل , وفي الصباح

 أحضرت أم أشريا سلة مليئة بالطعام للعروسين وأعطتها لأنس حتى يحملها للعروسين,

 فقال أنس لمرام : هل من الممكن أن تمشي معي ؟ فقالت مرام: لا, أفضل أن ارجع لأم

 أشريا فهي حزينة لفراق ابنتها كما تعرف . إستدار كلاهما وافترقا, كانت مرام قد قررت

 ألا تمشي معه وحدها مرة ثانية , أرادت أن تحتفظ بتلك المنطقة المحظورة التي تربت أن

 تحيط نفسها وقلبها بها, فلا تسمح لاي انسان غريب أن يقتحمها حتى لو كانت تحبه. سار

 أنس نحو منزل كلودة وشعر باهتزاز في حقيبته, فعلم أن عبارة جديدة ظهرت في الكتاب

 (عندما أحبها ارتقى بها فوق مستوى اللذة ... كان يحبها ويعشقها لكنه يخاف من نفسه و

 يخاف عليها من نفسه ). قرأ أنس كتابه وقد استقر في ذاته أن كلودة وأشريا هما بطلا قصة الكتاب بالفعل .


في صباح اليوم التالي و في حجرتها وحيث كانت اونتي تتلوى من الغضب , دلفت عليها

 اختها نبرة وقالت: الكتاب .. أنتِ سرقته أليس كذلك ؟ احست اونتي بالقشعريرة وقالت :

 بل سرقته تلك الجارية مرام وفرت بعد أن سرقت المال من خزانتي, ثم خارت قواها

 وقالت لها الحكاية باكملها لإختها منذ البداية وحتى اللحظة التي ماتت فيها روحها عندما

 لفظها كلودة, ورفض غرامها فانكشف كامل الامر  لنبرة . بعد طلوع الفجر انطلق

 الحراس إلى منزل كلودة وانتزعوه من فراشه , بينما انطلقت أشريا إلى أنس بعدما عرفت

 بأمر الكتاب من الحراس, أخذت تتوسل أنس أن يعطيهم الكتاب و يرجع زوجها اليها ,

 فوعدها أن يعيده وخرج حائراً لا يدري ماذا يفعل. تناهى إلى سمعه صهيل خيول فانتفض

 وخرج ليرى, فقال له الحارس: معي رسالة من الأميرة نبرة واقترب من أنس وتسلم

 الرسالة وقرأ الرسالة, وقال : إنها تدعوني لان التقي بها , ثم توجه لمرام وقال : دعينا

 نتعاهد على شيء, إن لم يكتب لنا ان نلتقي مرة ثانية , وعاد كل منا لإهله, فلنلتق في

 الإسكندرية في مكان محدد. واتفقا على المكان, وودعها وابتعد مع الحراس يتلفت من وقت لاخر مشيراً إلى مرام التي انخلع قلبها لمغادرته .


لقد فتنت نبرة و للمرة الاولى في حياتها , فتنت بالمحارب الذي جاء خصيصاً حتى يستعيد

 نهاية كتاب ستنازعه عليه . جلست على مقعد وقالت : أين الكتاب ؟ لماذا لم تجلبه معك ؟

 ربما اونتي وكلودة أبطال حكايتك فقال أنس : لا اعتقد , ربما كلودة وزوجته, فقالت نبرة :

 الكتب دائما تفاجئنا , ربما أنا وأنت أبطال هذه الحكاية , إرتبك أنس فقال : أريد أن أرى كلودة , ثم سار بغضب فعلق جزء من ثوبه بمسمار , فالتقطتها نبرة سريعاً لتعطيها للساحر

 قرجة , وقالت : أحضر الكتاب واستبدله بصاحبك هذا  وأسرع قبل أن يقتله الملك.

 إنصرفت والغيرة تتأجج في قلبها , ذاك الشاب عاشق لا محالة لم يرف له جفن وهي من هي تتألق في زينتها مقابله , وكأنه قد عمي وهي بقربه ..


 
كان اللصوص يبحثون في كل مكان عن أنس , توزعوا بين القرى يبحثون عنه, وعلى

 حين غفلة منه وبينما هو عائد من لقاء الأميرة نبرة نجحوا في ان ياسروه . قدمه

 اللصوص إلى حليم الذي أمر بان يتم تعذيبه . قال له حليم : أستطيع الآن أن أثقب قلبك,

 وسنجمع دماؤك في وعاء وسنكتب به ما يليق بملكنا الكبير كمشاق , سأل أنس : في أي

 سنة نحن ؟ فقال حليم متعجباً : مائة وثلاثة وأربعون, ثم دخلت نبرة عليهم و هي تصيح

 وقالت لحليم: وكيف ستثقب قلبه والكتاب ليس معنا أيها الغبي ! أرى أن نستبقيه حياً حتى

 نحصل على الكتاب. وفي الليل تسللت إلى أنس وحررته وهرب في الظلام مهتدياً بضوء القمر ... 


حاول أنس أن ينتقل بالخنجر إلى بلاط القصر حتى يبحث عن كلودة إلا أنه لم ينجح, حيث

 كان يدلف إلى الفجوة و يرجع لذات المكان . قدِمت نبرة لمقابلة أنس في بستان بالقرب من

 منزل كلودة ومعها الصقر القرناس, واعترفت بحبها له وقالت له: لا أريد سوى ان اتقرب

 منك . شعر أنس بالخطر عندما بدأ يتعاطف معها ! وعندما بدأت كلماتها تؤثر فيه, أسرع و هو يركض الى خارج البستان .   



خرجت نبرة ومعها تلك القطعة التي تمزقت من ثوب انس بالمسمار , كانت تشمها وتقبلها,

 وصلت في مكان ما حيث تجمعت زمرة من النساء, جلسن وشكلن دائرة مع نبرة التي

 ذهبت إليهن, حيث قالت لها الوصيفة أنهن سيساعدنها على استجلاب الحب الى فؤاد أنس. وما إن بدأت ترانيمهن حتى احس أنس وكأن أحدهم غرز في قلبه شوكة ثم غاب عن

 الوعي. وعندما أفاق لم ير سوى نبرة تتمثل مقابله بزينتها, حتى عندما أغمض عينيه رأى

 عينيها مقابله فأخذ يتمتم أمام كومبو: نبرة أريد نبرة !! حينها اقتربت أم كومبو منه وقالت :

 إنه مسحور. خر أنس على ركبتيه مكسورا مسحوقا , مرت الدقائق ثقيلة عليه, كان يقاوم

 رغبة تنازعه وتدفعه في ان يركض اليها . وقفت مرام تبكي وهي تراه في تلك الحالة ، نخر الحزن قلبها بلا توقف , أرادت أن تقول له أنها تعشقه ولكنها ضلت الطريق إلى الكلمات .. 


ثلاثة أيام بلياليهما انقضت بينما كومبو يقرأ القرآن في النهار و الليل على أنس, وأخيراً

 استرد أنس ذاته الطبيعية , كان ثابتاً بعد أن داس على الشهوة التي كانت تتأرجح في

 صدره مخافة ربه . قال  كومبو ل أنس بما حصل خلال الثلاثة أيام الفائتة حيث أنه داهم

 الحراس البيت القديم وسرقوا كتاب إيكادولي من مرام, وأسروا مرام عندما تعرف عليها

 أحد الحراس حيث كان برفقة حليم عندما اشترى الجواري وكانت هي من ضمنهم, ثم قال كومبو : لا بد أن تستعيد كل شيء هيا أيها المحارب !. 


إنتقل أنس إلى قصر الملكة حوراء ثم انتقل مع الزاجل الازرق و المغاتير إلى قصر الملك

 كِمشاق, ثم انتقل أنس إلى المجاهيم وطلب منهم الأمان وتعاهد معهم أن ينقلهم إلى حيث ما

 يقدرون السيطرة عليه من تحت أرض قصر الملك كمشاق حتى تتوسع مملكتهم مقابل أن يعينوه على اقتحام القصر وتحرير كلودة و مرام التي كان يتحرق شوقاً ليطمئن على

 احوالها ، أما الآن فقد بقي عليه أن يستدعي الصقور, وقبل أن يحرك خنجره في الهواء

 كانت الصقور من فوقهم تحجب ضوء الشمس, وبدأ صدام عنيف, دخل أنس وزعيم

 المجاهيم والزاجل الأزرق إلى ديوان الملك كمشاق. كان أول ما روع أنس هو رؤيته

 لكلودة وهو معلق , وكان الساحر قرجة يجلس وبين يديه كتاب إيكادولي يستعد حتى يكتب

 العبارات الاولى فيه بدماء كلودة, وكانت نبرة تمسك بسهم و تتحضر , ورشقت السهم في

 قلبه فصرخ صرخة عالية جدا , حينها صرخ أنس مطلقاً إشارة الهجوم وأخذ أنس كلودة

 وانطلق به إلى بيت العجوز ناردين فقالت له : هل أحضرت الزجاجة ذات السائل الأزرق

 ؟ فأعطاها إياها وعالجت بها كلودة, بينما انطلق أنس حتى يساعد مرام و ينقذها , فقالت لهم اونتي أن المسكينة مرام الآن بين يدي أختها نبرة وهي في طريقها حتى ترمي بها من فوق الجبل الأحمر. 


إنطلق أنس سريعاً إلى هناك حيث كانت نبرة تقف وقد انحنت تكتب نهاية حكايتين . أنهت

 أولهما بموت المحب كلودة الذي كان يحب أشريا لكنه أخطأ و عذب قلب شقيقتها , وكادت

 تنهي الحكاية الثانية بموت مرام, أما أنس فكان يقترب في وجل وحرص لكن نبرة

 انتفضت و احست باقترابه منها , فركلت مرام من ظهرها فوقعت من فوق قمة الجبل.


 أنطلق أنس يركض وأغمض عينيه وقفز فحلّق كما قالت له مرام من قبل أن المحاربين

 وحدهم يقدرون ان يطيروا كالصقور حول الجبل وفي نطاق الغابة, إلتقطها وصعد بها

 رويدا رويدا ثم أنزلها قرب قمة الجبل. إنتقل أنس ومرام بواسطة الخنجر والفجوة إلى

 الغابة إلى ناردين. ثم نقل كلودة إلى زوجته و بيته , وأعاد كومبو إلى والدته , ونقل

 المغاتير إلى قصر الحوراء مع مرام. كما نقل ناردين إلى ولدها ربيع الذي فرح جداً

 لرؤيته لامه , وأعلمها أنه قد طلّق زوجته وتزوج بامراة ثانية . فرحت ناردين برؤية إبنها وأحفادها, ولكنها أصرت على ان تعود إلى كوخها في الغابة. 




إنتقل أنس إلى المكتبة العظمى فقال له الحارس الكبير في السن : لم تتحرك الكتب منذ ثلاثين سنة كما تحركت اليوم , لقد أصابنا الرعب , كانت المرة الاولى التي تحركت فيها هو  يوم وصول جدك, ومن بعدها حين جاء والدك وها هو الأمر يتكرر اليوم معك، سأتركك لتخلو بإيكادولي وسأنتظرك مع حراس الكتب حتى ناخذه منك فيما بعد , فلقد قمنا بإرسال الكتاب وغسله في ماء النهر الأخضر فالكتابة بالدماء لا تزول إلا بعد غسله هناك . الكتاب في الحجرة هناك وأظنك تحمل مفتاح الغرفة ؟ أخرج أنس ذاك المفتاح الذي أعطاه له ابوه ورفعه ثم دخل الى الحجرة فرأى الكتاب وشاهد ظهور العبارات شيئا فشيئا على الصفحات تحكي ما مر به بالتفصيل, كل خطوة كل همسة كل شخص التقى به حتى مرام حتى الغابة وما فيها, ثم أغلق الكتاب بقوة ففتح الحارس الكهل الباب وحمل الكتاب. ثم انتقل أنس إلى قصر الحوراء حيث كان الكل في انتظاره . إقترب من مرام ليبوح لها بمكنون قلبه , كاد يقول شيئاً لولا الرمادي الذي ظهر فجأة وانقض عليه وطار به و حلق فوق مملكة البلاغة و سط صياح أنس : مرام مرام !!.
أخيراً فتح عينيه أنس كي  يجد ذاته في منزل جده بالفيوم ، حاول أن يرفع رأسه فإذا بباب الحجرة يُفتح ليهرول تجاهه ابوه وجده, قال جده: ما بك يا أنس؟ عن أي شيء تبحث؟ فقال أنس: الكتاب .. مرام !! فقال الجد : سيبقى هؤلاء في تلك المملكة , لا بد أن تعلم أنك انفصلت عن عالمهم. قال له ابوه : كنت مجرد...شخصية في رواية ! قام أنس كالمجنون فأمسك جده بذراعه وقال بسكون : أنظر ها هي الجريدة, هناك إعلان عن رواية جديدة للكاتب شهاب السيوفي ستصدر عما قريب عن دار مملكة البلاغة للنشر والتوزيع, مكتوب هنا ان الرواية تحكي قصة حب قديمة نوبية .. هكذا تسير الأمور. قال له ابوه : كل ما مررت به مخطوط في تلك الرواية بعناية كبيرة , وانتهى الآن فقد تم تسليمها لدار النشر وستتم طباعتها , فلتنس كل ما مررت به هناك.  قبض أنس على قلبه وقال : شيء مني بقي عالقاً هناك ولم يتركني  .. 
أطلت الشمس من خلف الغيوم , خرج أنس من المنزل وقرر أن يلتقي بالكاتب شهاب السيوفي. ولكي يحصل على عنوان منزله إتجه أولاً لدار مملكة البلاغة للنشر والتوزيع. صعد الدرج و هو متوجها الى مكتب مديرة الدار وكانت المفاجأة , الحوراء تجلس مقابله بشحمها ولحمها وعلى أنفها عوينات صغيرة, قال لها : وددت أن أسأل عن رقم هاتف السيد شهاب السيوفي. رفضت المديرة ان تعطيه الرقم دون أن يظهر أسباباً مقنعة, وقالت : من فضلك ليس لدي وقت , إنتظر حتى تلتقيه عما قريب في حفل التوقيع. 
خرج أنس من المكتب و دخل الى المصعد الكهربائي , وتعرف على رجل هناك اسمه أحمد, فقال الرجل : هل أنت جديد ؟ كاتب ؟ فقال أنس : تقريباً ! فقال الرجل : أسرع إذن فالسيدة ناردين ستنتهي من مراجعة الرواية الليلة حتى تضم عملك في جدول اعمالها , وبعدها ستنهال عليك الأعمال, فطلب منه أنس رقم شهاب السيوفي فقال الشاب : حسناً ها هو رقمه , ولا تنس أن تضيفني على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك , إسمي الزاجل الأزرق !. فغر أنس فمه , بدأ الأمل يدب في نفسه فربما يلتقي بمرام أيضاً, فقد كان يرزح تحت موجة من الحنين إليها ويشتاق لان يلتقي بها و يراها  بجواره. تحدث أنس تليفونياً إلى شهاب السيوفي وبعد مماطلة وافق شهاب على ان يقابله . 
إنطلق أنس إلى بيت السيد شهاب, فتح السيد شهاب الباب كانت ملامحه كما هي عندما رآه هناك, فقال أنس : لا تقول أنك لم ترني من قبل ؟ أين مرام, فقال شهاب : من هي مرام أنا لا أعرفك. لم يتمالك أنس نفسه وثار فجأة ووقف يتحدث بعصبية كبيرة . إنزعج شهاب من كلام أنس و اعتقد أنه مجنون وقال له: يبدو أنك واسع الأفكار يا صبي , ربما الأفضل لك أن تتجه حتى تبدا الكتابة , إنتهت الزيارة ! قال أنس: عدّل نهاية روايتك إيكادولي أرجوك. تعجب شهاب من معرفة أنس لإسم الرواية التي لم يطلع عليها أحد سوى زوجته. قال أنس: كنت احيا في روايتك والتقيت بمحاربة إسمها مرام كانت تعيش أحداث رواية ثانية إسمها هيلا, قال شهاب : هيلا رواية بالفعل لي, وبالفعل روايتي إيكادولي تحتوي أحداث متشابكة وبها شخصية محاربة و محارب  , ثم قال: حسناً يا أنس, إجلس و قل لي كل ما مررت به بالتفصيل.
 قاطعهما أزيز الباب وهو يدفع برقة فكانت زوجة شهاب, فقال أنس لشهاب : لديك ثلاث بنات جميلة وجمانة وجويرية !! قال شهاب و هو مصدوم : يبدو أنك اخترقت رأسي وتقرأ ما افكر فيه , فهذا ما كنت أحلم به قبل زواجي أن ننجب أنا وزوجتي ثلاث بنات , هكذا تمنيت الله ولكن الله كتب على زوجتي أن تتعثر على درج الأمومة , فهي لا تتخطى الشهر الثاني في حملها و لكن سريعا ما يسقط الجنين ولكني ما زلت أحلم, فقال أنس: لقد رأيتهن هناك !! وبعد أن فرغ أنس من سرد الحكاية لشهاب  قال شهاب : لا عليك, لكن إن كان ما تحكيه صدق فهذا يعني أن الكتب حية وتنبض و تحس بنا , كنت تعتقد يا أنس أن كلودة وأشريا هما أبطال الرواية, والصحيح أن المحارب والمحاربة هما البطلان أنتما مرام و انت . ولكن ما لم تعلمه أنك دخلت الرواية بطريقة خاطئة , لقد بدأت رحلتك من صفحاتها الأخيرة يا أنس. 
القصة تبدأ بشاب إسمه كلودة سيء الخلق , تحبه إبنة عمه بصمت وتتمناه زوجاً بينما يعيش قصة حب مع أميرة اسمها اونتي . وكان الناس يعلمون بقصتهما فينفرون منه, ولهذا كانت أشريا ترفض ان تتزوج منه . وعندما أفاق من غفلته وتزوج من ابنة عمه ثارت الأميرة وغضبت و بقيت تهدده حتى يرجع اليها , فعانى كثيراً ولكنه ظل على اصراره , فأمرت الأميرة بقتل ابنتهما, فهربا للغابة وتبعهما حراس الأميرة, وقُتلت أشريا وخُطفت ابنتها الصغيرة , فانطلق كلودة يبحث عنها حتى وجدها وأعطاها لزوجة الخباز حتى ترضعها و ترعاها هناك , وهناك  ظل على حاله حزيناً منكسراً يسبّح ليلاً ونهاراً ويذكر الله في كل حين. 
فكان أول لقاء لك بكلودة في اخر صفحة , ولكنك حين ألبست القلادة لأشريا وابنتها

 أنقذتهما من الموت و الهلاك وتغيرت بعض المواقف. سأل أنس : لماذا اختارني كتاب

 إيكادولي ؟ فقال شهاب : لأنك تؤمن بالفضيلة, وكان جليا و واضحا وأنت تحكي لي

 الحكاية بالتفصيل أن المحاربين أنت ومرام كلاكما يجاهد ذاته , تمسكتما بالفضيلة لآخر

 دقيقة , ودار صراع عظيم. سأل أنس: وماذا حدث في نهاية الحكاية ؟ قال شهاب: تركت

 النهاية مفتوحة, فإرضاء القراء غاية لا يمكن ادراكها يا أنس. لا تظن أن قدرك بين يدي،

 أنا مثلك مخلوق ضعيف , وما مررت به غريب وعجيب لكن الأقدار بيد الله وحده. خرج



 أنس من عنده وقد ازداد احساسه بالغربة. كانت زوجة شهاب تراقبه من خلف الشباك

 فقالت بهدوء : أليس هذا هو الشاب الودود الذي كان يداعب الأطفال الصغار في محطة القطار, والذي رأيناه منذ أسبوع أو أكثر ونحن راجعان من الفيوم ؟؟ فقال : يا إلهي .. يبدو أنه هو !. 


إختفى أنس .. إختفى المحارب, إرتبك كل من بالوادي, فقالت مرام : لقد حدث ما قلت لي

 اياه أيها الحكيم, كان طوق نجاة بالنسبة لي . همّت قطرة الدمع أن تعيد مرام لعالمها ولكن

 مرام قالت : اتوسل اليك يا مولاتي حققي لي ما وعدتني به, ألم تعديني بان تحققي لي ما

 أطلبه منك بعد انتهاء مهمتي ؟ أريد حق التدوين, أريد أن أكتب نهاية حكايتنا . لم أتوقع أن

أحب أنس, لقد ابتليت بحبه, لا بد أن يكون هنا كتاب يحكي حكايتنا وينتهي بلقاء, ولن

 تحتاجوا إلى استدعاء اي محارب , فهي مجرد قصة ستقرأ يوماً ما عني وعن أنس, عن

 الحب الذي يعيش بريئا حتى اللحظة الأخيرة وإن لم يلتق الحبيبان. 


تنازلت الملكة الحوراء عن الحكم لولدها الزاجل الأزرق , فهمس الحكيم سامي كول لحفيده

 الزاجل الأزرق: كان أنس طوق نجاة لمرام عندما أنقذها من الموت, وستكون طوق النجاة

 لفؤاده . مضت الملكة مع مرام إلى الغابة, فهمس كل من في الغابة حتى الفراشات: الملكة في الغابة, الملكة في الغابة, فقالت الحوراء: عندما ينتقل الحكم فلا بد من الدخول إلى

 الغابة. فقدَ والدي نظره عندما دخل الغابة, وألبسني التاج من أجل محارب قديم ضحى من

 أجله هو الثاني , ثم قالت : الآن يا مرام سيحملك هذا الصقر إلى المكتبة العظمى حيث

 ستكتبين ما يريح فؤادك  ....وعندما وصلتْ إلى المكتبة العظمى رغبت في ان تكتب على

 الصفحة الأخيرة من كتاب إيكادولي, ولكن رُفعت اخر صفحة وارتفعت في الهواء بعيداً

 عنها فانخلع قلبها ومدت يدها محاولة أن تجذبها لكنها لم تقدر على ذلك . كانت تظن أنها

 ستكتب نهاية لتلك الحكاية التي عاشتها في المملكة , لكنها لم تقدر, فلن نكتب أبداً أقدارنا!!. شعرت بأنفاس تقترب منها , إنه كتاب إيكادولي الذي كان يخبرها بشيء ما!. 


 
في اليوم الذي يليه وبعد أن تذكر وسط حزنه و ياسه أنه كان قد اتفق مع مرام على مكان

 للقاء !! أسرع مهرولاً باتجاه المكان الذي اتفقا عليه. كان ينتظر طوق النجاة لفؤاده . إرتج

 كيانه عندما سمع : أنس أهو أنت ؟؟ إلتفت فإذا بها خلفه بقامتها القصيرة وملامحها البريئة

 وجسدها الرقيق , صاح: مرام !! فقالت : اعتقد انك مجرد شخصية في رواية. سألها:

 كيف اتيت إلى هنا؟ قالت: عدت إلى هنا عندما أمر الملك الجديد قطرة الدمع بان تعيدني .


 الملك الجديد إبن الملكة حوراء الزاجل الأزرق. أتدري همس لي كتاب إيكادولي يذكّرني

 بالموعد و المكان الذي اتفقنا أن نلتقي فيه يوماً إن افترقنا. أومضت حفنة من النجوم في

 عيني أنس البندقيتان وقال : هل تقبلين ان تتزوجي بي يا مرام ؟. غمرتها حمرة الخجل ,

 ثم همهمت موافقة بصوت هامس , وشعر أنس بالفرحة تموج في قلبه , كست وجهه إبتسامة كبيرة فأشرقت عيناه. 


بعد اعوام , وحيث حملت الأيام ثلاث بشريات لشهاب وزوجته, ونثرت الكثير من الحب و

 الفرح على مرام وأنس , وفي منزل الجد , وبينما في بقعة أخرى من مكان ثاني , كان

 هناك شاب لطيف واسع الخيال يجلس في حجرته ويقرض أظافر يده اليسرى ويتمتم وهو

 يكتب الجملة الاخيرة في روايته الجديدة. كانت الكتب تدور في مكتبة الجد بالفيوم حول

 حبيبة اخت أنس, والتي كادت تفقد الوعي عندما سقطت فجأة الكتب من حولها , وكان هناك كتاب واحد فقط بقي مفتوحاً مقابلها  , كانت ترتعش وهي تحملق في الصفحات وهي

 تتقلب وحدها أمام ناظريها وكأن هناك شبحاً يعبث فيها. إقتربت بحذر من الكتاب, رأت



 صورتها ترسم على الصفحة ثم بلون أحمر كروي رأت رمزاً غريباً يكتب بشكل واضح و جلي !!. 


      
                                    النهاية ...


تفاعل :

تعليقات