القائمة الرئيسية

الصفحات

تلخيص رواية: رواية بقايا القهوة: ماريو بينيديتي. إعداد وإشراف: رجاء حمدان.



لسماع الرواية والاشتراك بالقناة ..قناة راجوشو ...الرابط التالي : 

"راجو شو يقوم بتلخيص الروايات بإسلوبه المستقل عن الرواية الاصلية بما يتناسب مع حقوق النشر وحقوق الملكية الذي ينص عليها قانون حقوق النشر واليوتيوب """"


تلخيص رواية:
 رواية بقايا القهوة: ماريو بينيديتي.
إعداد وإشراف - رجاء حمدان 





 كانت أسرتي تُغير مسكنها على الدوام . على الأقل ، منذ بدأت أتذكر الأشياء . ولكن من الواجب علي ان اقول أن انتقالنا من مسكن إلى آخر كانت له أسباب غير منطقية ، لكنها لا تدعو إلى الخجل . كانت الاسباب التي يسوقها والدي هي عدم دخول أشعة الشمس والضجيج الخارجي ورطوبة الجدران وضيق الممرات . أما الأسباب التي تحتج عليها والدتي كانت أشعة الشمس المفرطة والشوارع التي تنعدم فيها الحركة والجفاف في الجو وعدم التواصل مع الجيران . 

وُلدتُ في بيت بحي خوستيسيا إي نويبا بالميرا ، حيث سكنّا ثلاثة اعوام . انتقلنا بعد ذلك ، ودون أن نترك الحي ، إلى إينكا إي ليما . وبعد ذلك انتقلنا إلى خواكين ، حيث كان ضجيج الشارع قوي جدا . المسكن التالي كان يوجد في هوكارت ، وكان على بعد أربع بنايات من البيت السابق فقط . كانت إقامتنا الجديدة ضيقة إلى حد ما ، و في غالب الاوقات كنا نأكل في المطبخ . 

إن أول منزل كان ذا أهمية كبيرة جدا ، على الأقل بالنسبة لي ، هو بيت في شارع كابورّو . فهناك ولدت شقيقتي ، وهناك وجد والدي عملاً جديداً وأسهم ذلك في ارتفاعٍ مهم في مرتبه الشهري ، وهناك مرضتُ مرضاً شديداً جعل الطبيب يمنعني من ان اذهب الى المدرسة . وطالت فترة النقاهة ، فأحضر أبي لي معلمة خاصة إسمها أنطونيا بيكو . كانت نحيلة الجسد ، وبشرتها بيضاء جداً . كانت توجه إليّ نظرات متسامحة و حلوة ، مما دفعني إلى النظر إلى ساقيها و اجدهما رائعين جدا . أعتقد أن التعبير الشهواني المبكر ز الاول لديّ تُرجم في تلك النظرات المستترة التي كنت أوجهها إلى تلكما الساقين الرائعتين . لم أكن أبلغ في ذلك الوقت من العمر سوى ثمانية سنين ، فتوقف هيامي المبكر عند ساقيها .

 كان بيت شارع كابورّو هو المكان الذي بدأت احس فيه انني جزء من عائلة كبيرة جدا . فكان قد جاء ابنا خال لي يكبرانني بعامين فقط ، أقاما على بعد خمس بنايات من منزلنا . كان لبيت كابورّو رائحة غريبة . بحسب رأي والدي ، كانت رائحة ياسمين ، وبحسب رأي والدتي ، كانت رائحة فئران . أتذكر حديقة كابورّو ، ذلك المكان الجميل جدا . كانت ذا جاذبية خاصة لي و لاولاد خالتي . أما الشاطيء القريب ، في المقابل ، فقد كان محتقراً من كل السكان . في أحد الأيام كان القدر يخبيء لنا مفاجأة ، كنت أنا وابن خالتي وابني الجيران نسير على ذلك الشاطيء عندما عثرنا على داندي ميتاً .. هذا الإسم الذي كان يطلقه على ذاته ذلك المتشرد المعروف . رأينا جرحاً كبيرا و خطيرا احدثته ، على ما يبدو ، أداة حادة . حينها شعرت أن عينيّ تغوصان في الظلام وأنني على وشك أن أفقد الوعي . وحينها حلفنا أن نحفظ سر اكتشافنا المخيف هذا . والغريب في الأمر أيضاً أن الصحافة لم تتحدث على الاطلاق عن اغتيال الداندي . بعد عشرة أيام ، اجتمعنا حتى نتشاور وتم القرار بأن أذهب أنا حتى اعاين المكان . في اليوم التالي قصدت إلى مكان الحادث ، و بقي الثلاثة في انتظار أخباري . كنت خائفا حد الموت . وعندما وصلت لمكان الحادث ، لم أصدق عيني ، فلا أثر للداندي هناك البتة . والغريب في الأمر أن عدم وجودها هدّأ من اعصابي بعض الشيء . عدت إليهم وأخبرتهم بأن المغدور ليس هناك . لماذا لم تكتب الصحافة أي شيء عن تلك الجريمة ؟ وهناك عنصر ثاني يجب أن يؤخذ بعين الإعتبار وهو أنه اختفى من الحي كل المتشردين . لماذا اختفوا ؟ بعد ذلك لم يرجع أيٌّ منا إلى مكان الحادث . وبعد بضعة أشهر، توقفنا عن الحديث عن ذلك الامر ، إلا أن وجه الداندي بقي يظهر لي في كوابيسي لعدة أشهر إلى أن اختفى في نهاية الامر . 




كان بيت كابورّو المكان الاول الذي كان يعني بالنسبة إلي عالماً ، فضاءً خاصاً . إذ أني قبل ذلك لم أكن قد حظيت باي حجرة خاصة بي. بعد وقت توقفت عن اخذ الدروس من محبوبتي أنطونيا بيكو لأنها تزوجت ، وكان يدرِّسني سيدٌ اسمه أومبيرتو فوسكو ، الذي كان ذي رجلين مشعرتين للغاية . ومع أن التيار الكهربائي لم يكن ينقطع بشكل كبير عن الحي ، إلا أن الحي كان يغرق في ظلام دامس . كان المنزل بالنسبة الى ابي مجرد بيت نستأجره ، ولكني لم أكن أميز وقتها جيداً بين الامتلاك و الاستئجار ، ولهذا كان بيت كابورّو بالنسبة إليّ بيتي . كنت عندما ارجع من الشارع وأفتح الباب ، كان المنزل يستقبلني برائحته الخاصة . كان البيت بالنسبة إليّ بمثابة وطن .

 كان لبيت كابورّو ذكريات و اسرار و الغاز . ومن بين أجمل ذكريات كابورّو التى أذكرها هي دقائق استيقاظي من النوم الذي يتكفل به عادة عصافير سكان شجرة التين . فعندما كانت تصرخ بي امي من المطبخ كي أذهب للإفطار ، كانت تجد الطيور قد أيقظتني قبل مدة طويلة بعض الشيء . حتى أن بعض هذه الطيور كان قد فقد الحذر و الخوف فكانت تدخل الحجرة و تدنو من فراشي وهي تعرف أنني أحتفظ لها دائماً بإفطار من فتات الخبز . 

ذات مساء ، ناداني والدي ، وكنا قد بقينا بمفردنا في المنزل . كنت أحس ببعض السام لأنني لا أذهب إلى المدرسة وليست هناك ألعاب الهو بها . قال : كلاوديو , الشيء الذي زادني حيرة و اضطرابا ، إذ لم يكن أبي يناديني بإسمي إلا في اوقات قليلة جدا . ثم قال : لديّ خبر سيء , إن أمك مصابة بمرض خطير جدا . قلت له: هل ستموت ؟ فقال : نعم ستموت !! حينها احسست بالحزن و البرد . اقتربت من أبي فضمني إلى صدره ضمة عميقة طويلة . وأثناء عناقنا شعرت به يبكي ، ثم قال : شيء واحد أطلبه منك وهو ألا تعرف بانك تعلم أنها مصابة خطير . عاملها كما العادة ، ولو كلفك ذلك مجهوداً بالغا . بعد ساعتين ، وعندما رجعتْ والدتي مع شقيقتي ايلينا ، كنا أنا و والدي قد هدانا من اعصابنا . وقد لاحظتُ أن أمي شاحبة الوجه ، متعبة للغاية . اقتربت منها وطبعت قبلة على خدها . صعدتُ إلى حجرتي بمجرد أن سنحتْ لي الفرصة . فكرت : كيف أني ساصير بعد فترة قصيرة يتيما . إحساس غريب ، ليس أمراً يسيرا أن تبقى بلا أم و انت في الثانية عشرة من عمرك . ظللت يومها أبكي وأبكي لفترة طويلة . عندها سمعت صوتاً يقول : ما بك ؟ لماذا تبكي ؟ اتجهت إلى مصدر الصوت فشاهدت بنت في أعلى التينة تنظر إلي . فتاة لا اعلم من هي . قالت لي أن اسمها ريتا وأنها ابنة خالة نوبيرتو ، أحد اصحابي هنا في الحي ، كانت تكبرني بسنة او سنتين . أخذت تتحرك عبر الأغصان ببطء، ثم دخلتْ إلى حجرتي من الشباك . قلت لها : ماما ستموت . قالت : كلنا سنموت . لا تخجل من ان تبكي . ثم قامت ريتا وقبلتني ، وقالت أود أن أكون صاحبتك . ولكني سأسافر غداً إلى الأرجنتين . أنا أعيش هناك . حينها قبلتها أنا في خدها ، فابتسمت . شعرت باحساس كان جديداً علي . ثم خرجتْ مرة ثانية من الشباك إلى فناء نوربيرتو . حيتني من الأسفل . واكتفيتُ أنا بالنظر إليها ، بكثير من الحزن . 




المرحلة النهائية بالنسبة لوالدتي استغرقت ستة أشهر . لم اعلم في اي يوم من ايام عمري إسم المرض الذي أصابها ولم أرغب في ان اعرفه . ماتت أمي ذات أحد ، في الثالثة وعشر دقائق ، مساءً . كانت تعلو وجه والدتي سحنة هدوء ، كتعبير عن الراحة المرغوبة الأخيرة . كانت أختي إيلينا تجوب البيت كروح معذبة صغيرة ، كانت في الثامنه من عمرها ، وقتها أخذتها معي إلى حجرتي ، كانت مصدومة تماماً أمام صورة والدتي التي لا تتكلم و لا تسمع و لا تتحرك . 

التحقتْ بعائلتنا ، قبل وفاة أمي ، امرأة يوغسلافية في الأربعين من عمرها ، إسمها خوليسكا . كانت تقوم بكل اعمال البيت . بعد ذلك نجحتُ في اجتياز امتحان الإلتحاق بالثانوي ، وبدأتُ اروح بشكل منتظم إلى ثانوية ميراندا . ذات مرة سألت نوبيرتو عن ابنة خالته . فقال لي و هو مندهش : ليس لدي أي ابنة خالة . من أين جئت بهذه السخافة ؟ أنا لا أملك لا بنات خالات ولا بنات أعمام . من في مقدوره ان يعلم أكثر مني بأن ريتا فتاة من لحم ودم ؟ إن وجودها في حجرتي لم يكن حلماً . ثم إنها قبّلتني ، والأشباح لا تقبِّل !!!؟ وذات يوم صار ما كنت اخاف ان يحدث , بدأ أبي يتكلم عن الإنتقال إلى بيت جديد . كان يقول أن كل ركن في هذا المنزل يذكره بوالدتي وكان مصمماً على وضع حد لذلك الحِداد المرضي . و في الحقيقة كان والدي قد عُين مديراً لفندق ممتاز في بوسيتوس ، مما جعلنا ننتقل إلى بيت جديد . البيت الجديد كان كبيراً جداً ، ولتحقيق توازن في الميزانية ، قرر والدي أن يؤجر حجرة من حجرات البيت التي كانت تطل على الشارع . واستأجرت الغرفة طالبة تدرس فن العمارة إسمها ناطاليا وكانت من التشيلي ، وكان لديها خطيب يزورها كل يوم تقريبا . 

كان مقر شغل والدي الجديد قريباً نسبياً من منزلنا ، إلا أن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لثانوية ميراندا ، حيث كنت أدرس . كان من اللازم علي أن أستقل حافلتين أو حافلة وتراما حتى أصل إليها . أما فى الأيام غير الممطرة كنت احب ان اعود الى البيت مشياً على الأقدام . وكان طريق عودتي من الثانويه إلى المنزل يمر عبر الشوارع ، وأماكن وأزقه كانت بالنسبة إليّ بمثابة اكتشافي للحرية , مع أنه حرية هزيلة و اكتشاف صغير ، ولكن شيء أفضل من لا شيء . كانت رحلتي كل يوم تستغرق ساعتين أو أربع ساعات ، فلم يكن أحد يحاسبني على التأخر . في جميع الأحوال ، فأبي يتأخر في العودة الى البيت كل يوم ، وكنت أنتظره للعشاء . 

  أحياناً ، كنت أفاجيء والدي بزيارة له إلى الفندق الذي يقوم بادارته . هناك ، كنت أكتشف تحول والدي إلى رجل متحدث ، كفء وصارم باعتدال ، ويجيد التعامل مع الناس . وكان من الواضح أن الطاقم يكن له كل الاحترام ، ويعزه أيضاً .

 الحرب العالمية الثانية كانت في اول شهور لها ، عندما نشبت معركة كبيرة جدا في مياه المحيط الأطلسي بين ثلاث سفن بريطانية والبارجة الألمانية ، التي لجأت إلى ميناء مونتيفيديو . الوصول المفاجيء لتلك البارجة هز حياة المدينة الطبيعية . وكان هذا أول لقاء مباشر لنا مع الحرب . في ذلك المساء متاجر كثيرة أغلقت أبوابها في وقت مبكر على غير عادتها ، لكي يتمكن العمال وأصحاب العمل من رؤية تلك الزائرة . من بين شلة اصحابي بكابورّو ، لم أكن التقي سوى بنوربيرتو ، من حين لثاني. في أحد تلك اللقاءات سألته عن تينتي التي كنت احبها بالقرب من بيتي ، التى كان يسكنها طيوري التي كانت توقظني كل صباح و عن المنزل القديم . فقال : الآن تسكن البيت ثلاث نساء كبيرات في السن ، لا يمكن احتمالهن ! ثلاث أخوات ارامل او عوانس ، والتينة المسكينة قد تكسرت أغصانها . وحسب ما قاله نوربيرتو ، فإن الحي قد تغير بشكل كبير . فأنشئت معامل ومبان صناعية عديدة في المنطقة ، وقد أحدث ذلك تغيراً كبيراً في نوعية السكان ، وأفقد الحي حميميته الجماعية . 

كان الأحد يوم عطلة جوليسكا، و كما هي عادتها فقد كانت تذهب فيه إلى لاس بييدراس ، حتى تزور اقاربها ، الذين لم نتعرف عليهم ابدا . ومن جهة أخرى كان والدي ، في يوم الأحد ، ياخذ معه إيلينا التي أصبحت صديقة لبنت في سنها (إبنة كبير الندلاء) ونشأ بينهما حب كبير متبادل . أما ناطاليا وكيكي ، فكانا يقضيان اليوم بأكمله في خارج المنزل ، عندما يكون الجو ملائما . لذا كان المنزل يبقى تحت تصرفي الشخصي ، فكان الأمر بالنسبة إلي وجهاً ثانيا للحرية ، وإن كان مختلفاً كل الاختلاف عن حرية الشوارع . ذاك الأحد ، ذهبت إلى سوق تريستان . لم أكن ارغب في أن أشتري شيئاً ، ولكنني كنت اهوى ان انصت الى مشاكل الناس و ان اختلط بالناس بوجههم الطريف و الفظ . وعند منتصف النهار ، عدت إلى المنزل ، مستعداً لتناول وجبة الغداء بمفردي . توجهت مباشرة إلى المطبخ ، حيث وجدت مفاجأة تنتظرني : كانت ناطاليا واقفة هناك عند موقد الغاز ، تحرك ببطء ملعقة طويلة خشبية ، داخل وعاء . كانت ترتدي قميص نوم من نسيج شفاف حريري ، يُظهر ويكشف كل شيء . ثم إنها كانت حافية القدمين ، مما زاد الإنطباع عندي بأنها عارية . فقلت لها : انا اعتذر . كنت اعتقد ان المنزل ليس فيه أحد . فقالت وهي مستمتعة باندهاشي : لا عليك ، وأنا أيضاً ظننت انني بمفردي في المنزل . ثم تقدمت نحوي وقالت : نحن وحدنا يا كلاوديتو , والدك و ايلينا لن يرجعا إلا في الليل . وكيكي اضطر للذهاب إلى اسرته . كنت أرد بالإيجاب ، والفرحة لا تسعني . ثم أخذتني من ذراعي و اصطحبتني معها الى حجرتها . وأغلقت الستائر . كانت ناطاليا في الخامسة والعشرين من عمرها ، وفي عيون فتى مثلي ، في السادسة عشرة من عمره ، كانت تبدو فتاة ناضجة و لطيفة ، وقد أخذتُ أتعود شيئاً فشيئاً على علاقة الصداقة الجميلة بيني وبين ناطاليا .

 لكل منا عاداته الخاصة به و الغريبة . أنا كنت مولعاً برسم موانيء الساعات . وكنت أقضي الوقت في كثير من الاوقات في القس م، وبينما أستاذ الفلسفة يقضي كل وقته في الحديث عن ظاهراتيّة الروح لهيجل ، كنت أنا أرسم موانيء ساعات ، و على الدوام بأرقام رومانية . وعند رسم العقربين ، كانت ساعتي القريبة الى قلبي هي الثالثة وعشر دقائق ، وهي ساعة هامة في مسيرتي الحياتية غير الطويلة نسبيا . ففي الثالثة وعشر دقائق عثرنا على جثة الداندي ، وفي الثالثة وعشر دقائق ماتت والدتي ، وفي الثالثة وعشر دقائق دخلت ريتا حجرتي في كابورّو ، وفي الثالثة وعشر دقائق كانت اول تجربة لي مع ناطاليا . 


أنهيت دراستي الثانوية بلا اي مشاكل كبيرة . ونتائجي لم تكن لامعة بشكل كبير . كان هدفي أن أكرس كل وقتي لدراسة الرسم ، بدل أن أسجل بالمرحلة التأهيلية بالجامعة . وبعد فترة بدأت اشتغل كمعاون بسيط في وكالة إشهارية عالمية . وبعد شهرين بدأت أساهم في نسخ تصاميم بطريقة شبة آلية ، تصاميم من انجاز آخرين . هذا يعني أنني في السابعة عشر من عمري ، كان لدي ما يكفيني لسد احتياجاتي . 

 ذات مساء ، كنت احتسي قهوتي في مقهى سبورتمان ، فأخرجت من محفظتي كراسة وبضعة أقلام رصاص ، عندما سمعت أحداً بالقرب مني يقول : كلاوديو . وقبل أن أنظر إلى صاحب الصوت ، علمت أنها ريتا . أخذت وجهي بين يديها وقبّلتني . لم اقدر ان أصدق . ما تزال نحيفة ولكن جمالها أصبح الآن أكثر فتنة و احكاما ، دون أن تفقد هالة الرهافة تلك التي تربطها بريتا الاولى التي تسللت قبل سنين من تينة نوربيرتو إلى حجرتي في كابورّو . 

في البداية ، كنا نقاطع بعضنا بعضاً بالأسئلة . نعم ، هي ما تزال تقيم في قرطبة وتعمل كمضيفة طيران ، ولذلك فهى تسافر بشكل مستمر . هي تسكن مع شقيقتها المتزوجة . حينها قلت لها : هل التقيت بنوربيرتو إبن خالتك ؟ فقالت : نوربيرتو ليس إبن خالتي . لقد استخدمت إسمه فقط كتمهيد ، حتى اكسب ثقتك ، في ذلك اليوم . يومها كنت امضي كضيفة لعدة أيام في منزل اصحاب شقيقتي ، وهم جيران نوربيرتو ، وكانوا يتحدثون في ذلك الوقت عن مرض والدتك وموتها القريب جدا ، فأحسست برغبة لأن أواسيك . هل استطعت أخيراً ان تتقبل موت والدتك ؟ فأجبت : وهل من حل ثاني لهذه الحالة ؟ أين أنتِ مقيمة الآن ؟ هل بإمكاني أن أزورك ؟ فقالت : أقيم في وسط المدينة في ميرسيدس بيت 1352. تعال غداً. سأكون ب مفردي . وكتبت على ورقة عنوانها وناولتني إياه . 

رجعت الى المنزل مشياً على الأقدام . إذن ريتا ما تزال موجودة هنا . وفي اليوم الذي يليه وقبل أن تحين الساعة الثالثة وعشر دقائق ، كنت في شارع ميرسيدس . كلما كنت ادنو من المكان ، كان يعتريني خوف كبير ، كاد في النهاية أن يتحول إلى خوف شديد . وسرعان ما تحول شكي إلى يقين : الرقم 1352غير موجود . خلال شهر بطوله ، ترددت كل يوم على مقهى سبورتمان ، وفي نفس الساعة ، ولكن ريتا لم تأت مرة ثانية ابدا !!!. 

عندما ماتت والدتي ، كان والدي يبلغ من العمر سبعة وثلاثين سنة ، وعندما تزوج مرة اخرى و للمرة الثانية كان في الثالثة والأربعين . كنت أفكر على الدوام و باستمرار أنه سيفعل ذلك . فأبي رجل لا يمكن أن يبقى دون زواج . لا اعلم هل هو الذي اختار سونيا أم هي التي اختارته . كانت سونيا تعمل بوكالة سياحية وكانت تروح إلى الفندق حتى تتفق مع والدي حول تفاصيل الزيارات الاتية الى البرازيليين او الارجنتيين الذين كانوا يأتون لقضاء بضعة أيام في مونتيفيديو . كانت سونيا تصغر والدي بما يقارب عشر سنوات . عندما أعلن لنا والدي بأنه سيتزوج في ذلك الصباح ، كنت قد لاحظت أن ثمة تغير قد طرأ عليه . صار مرحا بشكل اكثر مما كان عليه ، وأصبح يهتم بالتفاصيل التي تتعلق بشغلي وأصبح يمازح جوليسكا . سألني عن رأيي بهذا الامر . وكنت قد تعرفت إلى سونيا . فقلت : أتمنى أن يحالفك الحظ . لم يكن من السهل ان يحصل على دعم إيلينا . لقد كانت في بداية مراهقتها وكانت لا تزال متعلقة بشكل كبير في ذكرى والدتي . في تلك الليلة تحدثت إليها حتى احاول ان اجعلها تفهم ان والدي كان لا يزال رجلاً شاباً ، فوعدتني أن تبذل قصارى جهدها كي تعامل سونيا معاملة طيبة . قالت : حسناً ولكنني لن أناديها ماما . 

أحدثت الوضعية الحديثة تغييرات في توزيع مساحات البيت . فغادرت ناطاليا منزلنا , واقتنى أبي أثاثاً حديثا لحجرة نومه واستقر مع سونيا في الحجرة التي تقابلها ، بينما انتقلت أنا إلى الحجرة التي كان ينام فيها والدي ، وانتقلت إيلينا إلى حجرتي . في حفل الزواج ، لم يحضر سوى العم إيدموندو والجدين ، واثنين أو ثلاثة من اصحاب والدي ، ووالديْ سونيا , ثم ناطاليا وكيكي . كان دخول سونيا إلى منزلنا قد أحدث تغييراً جوهرياً فى اسلوب و ايقاع حياتنا . كانت طبّاخة ممتازة ، فعلّمت جوليسكا أطباقاً جديدة شهية للغاية . وبدأنا نتمتع بطبخ حقيقي دولي . وكنتيجة مباشرة لذلك التحسن ، زاد وزني خمسة كيلوغرام بالضبط في ظرف ثلاثة أشهر فقط . 

ازدادت عدد الساعات التى كنت استمر فيها بعادة رسم لوحاتي . وتمكنت من إقناع قاعة عرض في وسط البلدة حتى تقبل تنظيم معرض للوحاتي الزيتية والمرسومة بأسلوب المراقم . وبعد أسبوعين من المعرض كنت قد بعت عدد كبير من اللوحات . =كنت في الحادية والعشرين من عمري عندما بدأت علاقة حقيقية و ثابتة مع فتاة رائعة . لا اعلم إذا ما كنا خطيبين أو شيئاً من هذا القبيل . ماريانا كانت تدرس الطب البيطري و تعيش مع صديقتها التي تدرس معها مع زميلة دراسة إسمها أوفيليا . تعرّفتُ على ماريانا في حفلة راقصة . كان أول تحالف بيني وبين ماريانا كان تحالف جسدين . جسدها كان ، بلا شك ، إحدى عجائب دنياي السبع . 

ذات ليلة ، رجعت الى المنزل فوجدت جوليسكا تنتظرني و تمسك في يدها ظرف بلون بني فاتح . دخلتُ إلى حجرتي و بدات في فتحه شيئا فشيئا . كان مضمونه : أهنئك على المعرض . يجب أن ترسمني بساعتي الجميلة ، وهي تشير إلى الثالثة وعشر دقائق . قبلات .. ريتا . 



شعرت لايام عديدة انني مشوش الفكر من بعد بطاقة ريتا . لم أرغب حينها بلقاء ماريانا وحتى لم اتكلم معها في التلفون . كان عليّ أن أرى هذه المواضيع بوضوح أكثر مع ذاتي . إذن ، لقد قدمت ريتا إلى مونتيفيديو وحضرت المعرض ، ولكنها لم تسعَ إلى ان تلاقيني ؟ هي تعرف عنواني ، رقم تلفوني ، المقهى الذي أجلس فيه كما هي عادتي ، ولكنها لم تفعل شيئاً من أجل أن تقابلني و لو لفترة قصيرة . اخترت بالنهاية ماريانا ، رغم أنني اعلم أن ريتا ستظل تتربص بي وتراقبني عند كل منعرج من منعرجات ليالي و ايامي القادمة . عدت لماريانا وحكيت لها عن ريتا وقلت لها إنني سأبقى معها بصورة اخيرة و نهائية , كان اختيارها لي واختياري لها ميثاقاً تلقائياً ، بلا شهود و لا وثائق ، وعندما تعانقنا أخيراً للمرة الاولى في علاقتنا عرفنا أن علاقتنا ستكون دائمة , ستدوم أقصى ما يدومه ما هو زائل . 

مقتطف من مسودات أبي
.. لِمَ أنا لا اتكلم بشكل كبير ؟ الفندق . هو أفضل عمل قمت به إلى هذه اللحظة . علاقتي بالناس طيبة : بالموظفين ، بالسياح . علاقتي بالغرباء احسن من علاقتي باقربائي . ومع ذلك فإن أقرب إنسان إليّ كان و ما يزال هو إبني كلاوديو . لا اعلم إذا ما كان سينجح كرسام . عموم اً، أفضّل أن يكون إنساناً خيّرا على أن يكون رساماً ناجحاً . 

قال نوربيرتو: أنا أيضاً تركت الدراسة . تزوجت بماروخا قبل سنة من الان . كنت قد التقيت به بعد خروجي من الوكالة , ذات اثنين عند منتصف النهار. لم أكن قد رأيته منذ ما يقارب السنتين . سألني عن إيلينا فقلت : إنها في الثانوية الان ولديها خطيب . كانت قد أسرت لي بهذا الامر ، لأنها لم تجرؤ أن تقول ذلك لوالدي ، ولا لسونيا ثم إنه باراغوائي . تبادلنا الحديث أنا ونوربيرتو ، وانتزع مني وعداً بأن اتي اليه في منزله أنا وماريانا . وفي الأسبوع التالي ذهبتُ مع ماريانا . تعرفتْ ماريانا على ماروخا وكانتا صديقتين في مدرسة للراهبات . و أخيراً تعرفتُ على الباراغواس ، خطيب إيلينا . كان خجولاً بشكل مبالغ فيه ككل الباراغوائيين . كانت إيلينا تنظر إليه كانها مسلوبة العقل و الارادة . كانا أحيانا يذهبان إلى الفندق الذي يقوم والدي بادراته حتى يتعود والدي على وجود الفتى . كان يدعى خوسيه ، وكانت علاقته وإيلينا مفعمة بالمرح . 

 بدأت التقي بالعم إيدموندو بشكل كبير ، وهو شقيق والدي . فقد كنت أستلطفه . لم يكن يزورنا إلا في الاعراس او في الجنازات ، ومع ذلك كانت علاقته بشقيقه جيدة نوعا ما . كانت زوجته أديلا ، والتي كانت تعاملني بلطف كبير في فترة طفولتي قد توفيت بسبب خطأ طبي . وقد كلفه ذلك الغياب سنين عديدة . كان انتماء عمي نقابياً فقط ، ولكن كان اطلاعه كبيرا . سألته ذات مرة كيف لم ينخرط في أي حزب ، فأجابني أنه فكر في ذلك لمرات عديدة ، ولكنه يشعر براحة أكبر في العمل النقابي . 

لم أكن قد رأيت جوليسكا تبكي من قبل في حياتي ، فكانت دائماً تبدي مرحا فريدا ، واستعداداً غريباً للإستمتاع بشغلها . ولكني هذه المرة وجدتها تبكي وهي منزوية في زاوية من البيت ، لدرجة أنها لم تشعر بي عندما دخلت الى المنزل . سألتها : ما بك , جوليسكا ؟ هل تحسين باي الم ما ؟ ولكنها عادت إلى البكاء . ثم احتضنتها ، وأثار ذلك العناق فيها نوبة جديدة من البكاء . قالت لي : روحي توجعني . وفهمت منها أنها في ذلك المساء، شعرت - ولا تدري لماذا- بشوق كبير يعتريها إلى بلدها الأصلي . سألتها إذا ما كانت ترغب في ان ترجع إلى بلدها . فقالت : لا ، أبداً . أحسستُ بارتياح شديد ، فهي لن تترك منزلنا . ولكنها قد بلغت سن اليأس , وبلوغ سن اليأس في المنفى موجع أكثر من بلوغه بين اهلك و عائلتك . قد يصعب تصديق الأمر ، ولكن كآبة جوليسكا الشبة حرفية ، تركتني معطوباً بضعة أيام . أمّا هي فقد رجعت الى حالتها الاعتيادية بعد أربع وعشرين ساعة . فأعدّت لنا الإفطار وهي مشغولة بالغناء .

 كان الجسدين مستلقيين في كل هدوء . قال كلاوديو : أتدري ماذا سألتني سونيا ، منذ فترة ؟ قالت لي ، إذا كانت الاحوال فيما بيننا تسير على أحسن ما يرام كما يبدو ، فلماذا لا نتزوج ؟ فقالت ماريانا : السيدة تتدخل بعض الشيء فيما لا يعنيها . أنا لم أفكر على الاطلاق في هذا الامر . ليس الأمر بهذه البساطة . الإنتقال إلى شقة جديدة ، شراء بعض حاجيات البيت ، كل ذلك يتطلب مالا . فقلت : أنا أقول أن نذهب مرة واحدة إلى الكازينو بنقود قليلة . إذا ضيّعنا تلك الاموال نستمر كما نحن الآن . وإذا ربحنا ما يكفي ، نتزوج وننتقل إلى شقة اخرى غير هذه . فقالت ماريانا : موافقة . ولكن ، إذهب لوحدك إلى الكازينو ، فعلاقتي بالقمار ليست في احسن احوالها . 

فى اليوم الذي يليه ، وصل كلاوديو إلى منزل ماريانا و وجدها في منتهى السرور ، لأنه ما، هي وأوفيليا ، قد نجحتا في امتحان كان قد تحول إلى كابوس بالنسبة إليهما . سألته ماريانا عن النتيجة في الكازينو . حينها أخذ كلاوديو يخرج ما في جيوبه من اموال على اقرب طاولة . كان حجم تلك الأوراق المالية كبيرا جدا . أحست ماريانا بنفسها ينقطع . فقالت : من أين سرقت هذا ؟ قال كلاوديو وهو يضحك : لقد فزته في الروليت . حينئذ تراخت ماريانا ، قالت : كم يبلغ عددها . فقال كلاوديو : لا اعلم بالضبط . ولكني أرى أنها لا تكفينا حتى ننتقل الى شقة جديدة فقط ، بل كذلك لدفعة أولى جيدة ، لشراء شقة . و ما تبقى في مقدورنا ان ندفعه على شكل اقساط . حينئذ قالت : يبدو أننا سنتزوج في أقرب وقت يا كلاوديو . فقال كلاوديو : من الأفضل أن نضع هذه النقود في حساب بإسمك . لأن الوكالة ستبعثني بعد أيام إلى كيتو . حاولي أن تزوري بعض الشقق فيما انا غائب عن هنا ، وإذا وجدت واحدة تلائم كلانا ، اتركي لهم عربوناً وننهي العملية بعد رجوعي . كانا في غاية القلق و الذهول وحتى الخوف . في تلك الليلة لم يتناولا العشاء . فقط ناما يحتضن كل منهما الاخر . 

 في 9 أغسطس سنة 1945، أي في اليوم الذي قرر الحظ أن يحمينا و ان يعطينا الفرصة حتى نحصل على مسكن لنا ، ألقى الأمريكيون على ناغازاكي قنبلتهم الثانية الضخمة التي انتزعت من آلاف الكائنات البشرية مساكنهم و حياتهم . هذا الخبر لم نعرفه أنا وماريانا إلا في اليوم الذي يلي العملية . أنا لم أكن أستلطف اليابانيين على وجه الخصوص ، ولكن موت آلاف المدنيين حرقاً بدا لي جريمة لا يمكن تبرئتها . وفكرت أنه يمكنني أن أخصص المال الذي أملكه لهدف أكثر إنسانية ، ولكن في المقابل لا ارغب في ان اسيء إلى ماريانا . فقال لي عمي عندما قلت له عن هذا الامر : ليس المسكن ملكاً عقارياً فقط ، بل هو أيضاً شكل من أشكال الدعم الروحي . وستر ى، عندما تشتري منزلك ، أن العودة إليه كل ليلة ، يعطيك القليل من الشعور بالثقة في هذا العالم الذي لم يصبح اهلا للثقة على الاطلاق . 

قررت أن أرسم ناغازاكي كما تراها عيني . كان الخبر قد أثر فيَّ تأثيراً كبيرا و بشكل خاص . بدأت تجتاحنا تفاصيل تلك العملية البشعة الهمجية . كأن أحدهم كان يقول لنا ، أنتم أيضاً من الممكن ان تكونوا يوما ضحايا، بل بالأحرى ، انتم ضحايا بالفعل , القنابل التي تحرقكم ، هي فقط من نوع آخر . حينها قررت ان اعبر عن هذه الفاجعة بصورة مجردة ، بالألوان فقط و الخطوط و الظلال و الاضواء ، دون اي غياب او اي حضور لكائنات بشرية . وفي خضم ذلك الصراع النفسي ، بدا اقتراب موعد رحلتي مناسباً. كان سيُنظم بكيتو مؤتمر دولي دراسي ، حول التخطيط البياني والإشهاري ، وقرر الرؤساء في الوكالة أنني انا الشخص الملائم حتى امتص الافكار الحديثة التي ستطرح هناك حيث قالوا لي : أنت شاب ، ولديك تجربة كفنان تشكيلي وهي تجربة ثرية ، ومعرفة ناس جدد سيكون جيداً بالنسبة إليك . لم تحضر ماريانا حتى تودعني . ولم يحضر سوى أبي وسونيا وإيلينا وخوسيه وجوليسكا ، التي كان يغمرها حب استطلاع شبه طفولي لرؤية كيف الطائرات تقلع . 

كانت مقاعد الطائرة تبدو جذابة . وأقلعت الطائرة بكل هدوء و سكون . كان كلاوديو يحس بالتعب و الاجهاج ، أحس بعينيه تقفلان من تلقاء نفسهما . وعندما فتح عينيه كانت ريتا تقول : كلاوديو . مفاجأة كبرى أن أجدك في رحلتي . وانتبه إلى البدلة الرسمية لمضيفات الطائرة . وظل كلاوديو ساكتا . نزلت يد ريتا حتى لمست يده . حينئذ قال : الزمن تغير، ريتا . والآن أنا الان انسان ثاني . اقتربت منه وقبلته . حينها سمع كلاوديو صوت ينطلق في الطائرة : مرحباً بكم في الرحلة الخاصة . نود ان نعلم السادة المسافرين أننا بعد ثلاث ساعات وعشر دقائق سنهبط في مطار ميكتلان . حينها سأل كلاوديو بصوت عال : ما إسم المطار الذي تحدث عنه ؟ قالت ريتا : ميكتلان . قال كلاوديو : ألم نكن متوجهين إلى كيتو ؟ فقالت ريتا : نعم ، كنا . اما الان فنحن متوجهين إلى ميكتلان . أحس بالتوتر وقال : وأين يوجد هذا المكان ؟ قالت : ستشاهد ذلك بعينيك . فقال كلاوديو : أيمكن أن أطرح عليك سؤالا ؟ أنتِ كنت تعلمين من هو الداندي ، أليس كذلك ؟ فقالت : بلى ، كنت أعرفه . هناك في حديقة كابورّو . حينها انتبه كلاوديو إلى أن ريقه قد جف فجأة ، وأدرك بوعي غائم أنه غافي . وخيل له أن الطائرة تطير بشكل مترنح . وسمع وسط ضباب صوت ريتا في مقهى سبورتمان . أفاق عندما لمس احد الاشخاص يده . ولم تكن ريتا . كانت مضيفة . سألته : هل ستاكل وجبتك ، سيدي؟ فأجاب بالإيجاب . سمع صوتاً يقول : معكم الربان أرنالدو بيرالطا . 



نود ان نعلم السادة المسافرين أننا سنهبط في مطار كيتو بعد خمس وأربعين دقيقة . سأل كلاوديو المضيفة إذا ما كان في مقدورها ان تنادي على زميلتها ريتا . فنظرت إليه الفتاة و هي مستغربة وقالت : العفو سيدي ، لا توجد هنا أية مضيفة بهذا الإسم . زميلتي هي تلك الفتاة السمينة ، وإسمها تيريسا . فقال لها إنه قد اختلطت عليه الامور . وكان ثمة سؤال يراوده : في أية لحظة بدأ يحلم ؟ وكان هناك يقين أيضاً : ابتداءاً من الآن , لن يعثر أحد على أثر لريتا في بقايا القهوة . 


                                           النهاية.
تفاعل :

تعليقات