القائمة الرئيسية

الصفحات

تلخيص رواية: الحب تحت المطر: نجيب محفوظ إعداد وإشراف: رجاء حمدان



لسماع الرواية والاشتراك بالقناة ..قناة راجوشو ...الرابط التالي : 


"راجو شو يقوم بتلخيص الروايات بإسلوبه المستقل عن الرواية الاصلية بما يتناسب مع حقوق النشر وحقوق الملكية الذي ينص عليها قانون حقوق النشر واليوتيوب """"

تلخيص رواية:
الحب تحت المطر: نجيب محفوظ
إعداد وإشراف: رجاء حمدان


تيار من الخلق لا ينقطع يتلاطم في جميع الإتجاهات. تند عنه أصوات من شتى الطبقات. ويشكل في جملته خليطاً من ألوان الطيف. سارا جنباً إلى جنب صامتين. هي في فستان بني قصير وشعرها الأسود يتهدل حول الرأس وفوق الجبين. وهو بقميصه الأزرق وبنطلونه الرمادي وشعره المرسل إلى اليمين. قال: الزحام لا يطاق. فتمتمت باسمة : ولكنه مُسل للغاية. قال: مضى عهد الجامعة كحلم، وما هي إلا أشهر حتى يتسلم كل منا وظيفته. فقالت: إلى أين تمضي الدنيا ؟ فقال: ما أخبار أخيك إبراهيم ؟ فقالت: بخير، رسائله قليلة، ولكنه يجيء من الجبهة مرة كل شهر. مرزوق.. لو لم تكن وحيد أبويك لاستدعوك مثله إلى الجندية. فلم يعلّق بحرف.. واستسلما معاً للصمت. قال بعد مدة : لا يجوز أن نضفي البراءة على اجتماعنا أكثر من ذلك. نحن نتحرك بدافع اللهو كثيراً ثم يجيء وقت لا يقنعنا إلا الحب الحقيقي يا عليات. فقالت: ألا يعد الزواج في حالتك سابقاً لأوانه ؟ قال برقة : الحق أني أحبك كأعز شيء في الدنيا. فضحكا معاً. وصمتا وهما يتبادلان النظرات. ثم اقترح عليها الذهاب إلى حديقة ما.
انتصف الليل فخلت مقهى الإنشراح بشارع الشيخ قمر من زبائنها. ولم يبق من عمالها إلا عم عبده بدران النادل وعشماوي ماسح الأحذية. وبعد ربع ساعة مرقت سيارة مرسيدس بيضاء أمام المقهى فرفع عشماوي رأسه نحوها وقال: الأستاذ حسني حجازي . ولأن حسني حجازي هو زبون ما بعد منتصف الليل الوحيد، فقد نشأت بينه وبين الرجلين علاقة حميمة وحوار متبادل. ولما فرغ عشماوي من مسح حذاء حسني، اقترب عم عبده بدران من مجلس الأستاذ ومال نحوه وهو يقول: عليات ابنتي طلب يدها شاب من زملائها، ولكنه لم يتوظف بعد، وأنا رجل مثقل بالأعباء، والإبن الوحيد لي مجند في الجبهة. فقال حسني : توجد فتيات ذكيات يفضلن الإقتران بالكهول الأغنياء للإستقرار في الحياة، ويبدو أن كريمتك ليست واحدة منهن. فسأله عم عبده: سعادتك لم تفكر في الزواج أبداً ؟ فأشار حسني إليه بسبابته وقال: أبداً. ولم أندم على ذلك قط .
ثمينة جداً الساعات القلائل التي يقضيها إبراهيم عبده في القاهرة. تأبطت شقيقته عليات ذراعه وهو في بدلته العسكرية ومضيا يشقان الطريق وسط خضم هائل من البشر تحت فيض متدفق من الأضواء. قال إبراهيم : غريب أنني لم أعرف خطيبك مرزوق من قبل . يبدو أن شكله لطيف ولكن أخته ألطف! فنظرت إليه باهتمام وقالت: سنية ؟ حب من أول نظرة؟ فقال: أعتقد أني نلت منها مائة نظرة.. المهم أهي لائقة كزوجة ؟ أظنها صديقتك ؟ فضحكت قائلة : سبقتني بعام، وهي موظفة بالإصلاح الزراعي. تزوجها إنْ كنت تحبها. فقال: سأقابلها في صباح الغد .

لم يكن الجو شديد الحرارة ولكن أشعة الشمس تدفقت حامية لاسعة، وترامت تحت دفقاتها حديقة الأسماك. كانا أول قادمين. تمشيا بلا هدف وابراهيم يقول لنفسه: مثل آدم وحواء قبل الخطيئة، وابتسم لخواطره فضبطت سنية ابتسامته وقالت: الحياة هناك شاقة بلا شك. كيف تتحملونها؟ فقال: أصبحت أؤمن بأن الإنسان يستطيع أن يعيش في الجحيم نفسها، وأن يألفها. المهم علمت أنك غير مخطوبة! فقالت: ولكنك لا تعرف عني شيئاً. فقال: القلب يعرف أكثر مما يتصور العقل! ثم تناول يدها وقال: في المرة القادمة سنخطو خطوة حاسمة، وحتى يجيء ذلك الوقت سأحيا حياة جديدة رغم كل شيء. قالت: هل تقوم الحرب من جديد ؟ من رأي الأستاذ حسني أنها سياسة مرسومة. فقال: منِ الأستاذ حسني ؟ فقالت : موظف كبير في قسمنا بالمصلحة. قال: وماذا يعني ؟ قالت: يعني أنهم لا يريدون تعبئة الشعب للحرب إلا قبيل دخول المعركة . هل ستقوم الحرب من جديد؟ فقال: في الجبهة نؤمن بذلك .

قام حسني حجازي من مجلسه فوق الكنبة، فملأ كأسين من الكوكتيل ثم رجع إلى وسط الحجرة ووضعه على بعد قيراط من يد سنية. ولبث واقفاً ثم قال : من حسن الحظ أني حصلت أخيراً على فيلم ممتاز. عليات انتهت، خسارة فادحة. فقالت: إنها مخطوبة وتستعد للحياة الزوجية. أهي مهمة عندك ؟ قال: العِشرة عندي غالية. فضحكت ساخرة : يخيل إليّ كثيراً أن جميع النساء اللاتي يمررن من شارع شريف أنهن ذاهبات إلى شقتك أو راجعات منها. والآن أنا جئت باحترام لأودع الشقة. فقال: حتى أنتِ يا سنية ؟ فقالت: جاء دوري يا قيصر. قال: أقرأ في وجهك الرضا. قالت: إنه شاب لطيف وجذاب، وإني أحب من يرغب في الزواج مني! لقد أحببته، صدقني. فقال: ولكني سآسف كثيراً لغيابك. قالت : لم لا تتزوج قبل أن يفوتك القطار ؟ فقال: ولكنه فاتني يا عزيزتي .
خيم الهدوء الشامل على مقهى الإنشراح. تساءل حسني حجازي في نفسه كيف يواجه رجل مثل عبده بدران أعباء الحياة الفاحشة. أقنعته ابنته بأنها تحافظ على المظهر اللائق بفتاة جامعية بفضل النقود التي تربحها من الترجمة فصدق الرجل الطيب، ولم يخطر بباله أن نقوده هو ضمن النقود التي تسهم في تربية كريمته! ارتسمت في وجه عشماوي صورة غير عادية. وعندما استقبل الأستاذ حسني لم ينجل شعاع واحد للبشاشة في وجهه حتى توجس الأستاذ خيفة مجهولة.  فقال عشماوي: إني ألعن كل شيء، وألعن فوق كل شيء نفسي، إني ثائر على ضعفي وعجزي، ومن أنا ؟ أنا عشماوي الخشن، أنا المجرم الجبار الفتاك. إني أحكي عن الماضي لا الحاضر. فقال حسني: تاريخك معروف يا عشماوي ولكن لِمَ أنت غاضب ؟ لمْ يجب العجوز، وغرق مرة أخرى في الحزن والصمت. فقال عبده : أصيب شابان من أهل درب الحلة، أصيبا في الجبهة. فقال عشماوي:  قصدتني جدة أحدهما مستغيثة بي، ظنت أني ما زلت بعهدي القديم يستغاث به فيغيث ! ثم تساءل عشماوي: هل أولاد الأغنياء يُقتلون أيضاً ؟ قلبي يحدثني بغير ذلك!
جمعت الشرفة المطلة على النيل الصديقات الثلاث : عليات عبده، سنية أنور، ومنى زهران. فقد لبت عليات وسنية دعوة عاجلة إلى مسكن منى بالمنيل فتوقعا أخباراً جديدة وسعيدة. وهن صديقات حميمات منذ الدراسة الثانوية. قالت منى : فسخت خطوبتي قبل أن تعلن! قالت سنية: ولكنه شاب جذاب وذو مركز يا منى؟ قالت منى: لقد عرفت عن يقين أنه يقوم بتحريات عني ! ولم أتردد فواجهته بالتهمة، تلعثم وحاول أن يفسر ولكني رفضت تفسيره. تساءلت عليات: ألم تبالغي يا منى ؟ فقالت منى: إني أرفض ذلك كله.. لا يمكن أن أتهاون في مبادئي وأخلاقي. قالت عليات: أنتِ يا منى جميلة وجديرة بزواج سعيد! فسألتها منى : ترى هل تطمئنان إلى مستقبلكما القائم على كذبة كبيرة ؟ فقالت عليات بقلق : إن رجلاً مثل حسني حجازي خليق بصون سرنا .

لم تسعد منى بانتصار كبريائها. اعترفت لنفسها المتمردة أنها ما زالت تحب سالم رغم حماقته وسخافاته. قصت على أخيها الدكتور علي زهران تجربتها الفاشلة. فأسف الرجل ولكنه كان مستغرقاً بهموم طارئة فقال لها: إني أفكر في الهجرة! فقالت منى: أهاجر معك ! فابتسم الدكتور وقال : لئن نهاجر اثنين خير من أن أهاجر وحدي. وعارض الوالدان الفكرة، فقال الدكتور لوالديه: البلد بات مقرفاً. وهو لا يطاق، سنهاجر عند أول فرصة .  اعتبرتْ منى نفسها فى بلدها سائحة فشعرت براحة نفسية لم تشعر بها منذ قطعت علاقتها بسالم علي. وسرعان ما ذاع خبر هجرتها بين صديقاتها. كانت عائدة من مكتبها عصراً عندما وجدت أمامها سالم علي في ميدان طلعت حرب. لم تكن مصادفة. مد لها يده وهو يقول: علمت أنك ستهاجرين إلى الولايات المتحدة فعز عليّ ألا أودعك. ولكني لن أتركك، لأني لم أستطع الإقلاع عن حبك. ووجدت نفسها سعيدة. وقال لها متسائلاً: هل ستهاجرون حقاً ؟ فقالت : نعم !
في قرار واحد أصبح مرزوق أنور وخطيبته عليات موظفين في الحكومة. تعينت هي في وزارة الشؤون الإجتماعية، أما هو فقد تعين مرزوق في المنطقة التعليمية ببني سوسف. وذهب مرزوق وأبوه وعليات إلى محطة القطارات لوداعه، وجلسوا حول مائدة في البوفيه حتى يأتي ميعاد قيام قطار الصعيد. فمالت عليات ناحية مرزوق وقالت : أتعرف ذلك الرجل الذي يجلس أمامنا؟ إنه لم يُحوِّل عينيه عنك طوال الوقت ! حينها تنبه الرجل فوقف أمامهما، وأحنى برأسه تحية لهم وقال : محمد رشوان.. مخرج سينمائي. ثم سأل مرزوق : أليس لك تجربة سابقة في التمثيل؟ فنفى مرزوق ذلك. فقال محمد رشوان : ألا تحب أن تجرب نفسك؟ عندي لك دور بطولة. فهتف مرزوق في ذهول: بطولة! فقال محمد رشوان: كنت مشغول البال بحثاً عمن يلعبه حتى وقعت عيناي عليك. وعندي لك أكثر من دور وأنا أتنبأ لك بالنجاح. فقال مرزوق متخذاً قراره: موافق ! فقال له أبوه: فكر يا ولدي قليلاً. فقال مرزوق : موافق وسأجرب حظي. فأعطاه محمد رشوان بطاقته وقال: تقابلني غداً في هذا العنوان في العاشرة صباحاً. سيكون دورك دور شاب جامعي مجند، يزور القاهرة في إجازة قصيرة فتقع له أحداث هامة، وتحبه سيدة مجهولة الجنسية وتدعوه للهرب معها .

وقف مرزوق وراء الكاميرا لتصوير مشهد، وكان هناك نفر من المراقبين: عليات عبده وسنية أنور ومنى زهران وابراهيم عبده وسالم علي. ولما أعلن محمد رشوان انتهاء اللقطة قالت منى : إنه ممثل أصيل. اقترب محمد رشوان من ابراهيم وقال : سنحتاج إليك في بعض المعلومات الضرورية. إن هدفنا أن نحيي بطولاتكم. فضحك إبراهيم : ولكننا نقاتل وأنتم تمثلون. نظرت عليات لمنى وقالت : حسناً متى تهاجرين ؟ فاشارت منى إلى سالم وقالت: هذا الرجل هو المسؤول عن فشل المشروع .
في زيارة طارئة تلاقت عليات وسنية مع منى زهران في مسكنها بالمنيل. قالت سنية : محمد رشوان يرغب في مقابلة خاصة.. فذهلت منى واتسعت عيناها ولم تدر ماذا تقول، فقالت عليات: إنه يفتح لك دنيا الكواكب والنجوم. جربي حظك يا منى.
ذهبت منى لمقابلة محمد رشوان . وفي الساعات القلائل التي تلت المقابلة جعلت تفكر في الأمر فاجتاحتها فكرته ووقعت أسيرة لسحره. تلفنت لخطيبها سالم علي وأخبرته بفكرة التمثيل. فقال لها : ممثلة سينمائية! لا! أنا أرفض، إنها فضيحة ! قالت: فضيحة؟ أنت.. فقاطعها بحدة: لقد قبلت من أجلكِ ما لا أستطيع تجازوه. فقالت: أنت تمن عليّ بذلك ؟ فقال: إني أعني تماماً ما قلت.. فاصفر وجهه وقالت بانفعال شديد كفى.. أرجوك.. لا أريد أن أرى وجهك بعد الآن! فقام وهو يقول: أنت مُعقدة ومجنونة! وفسخت الخطوبة للمرة الثانية
وتعددت اللقاءات بين منى ومحمد رشوان وتكررت الإختبارات. ولاحظت منى أنه يعجب بها أكثر مما يعجب بفنها. فقال لها مرة وهو يظن أنه آن له أن يمد يده لجني الثمرة : جوّ المكتب غير مناسب لهذه الأحاديث فأنا أدعوك إلى العشاء! يجب أن تري عشي الخلوي بالعامرية! فشعرت منى بالغثيان وثار غضبها ولطمته على وجهه! وبسرعة هوى على خدها بكفه الغليظة. ثم  رجعت لأخيها لتقول : لا أريد أن أبقى في هذا البلد يوماً آخر، وقصت عليه ما جرى مع محمد رشوان.

انتقل الدكتور علي إلى الأستوديو للبحث عن محمد رشوان فلم يجده هناك، وعلم بأنه ذهب إلى مطعم جاميكا لتناول العشاء. انتقل إلى المطعم واتجه الدكتور علي نحو محمد رشوان في هدوء وركله في بطنه بكل قوة. فتهاوى ساقطاً على وجهه. فذهل مرزوق الذى كان برفقة محمد رشوان. فصاح الدكتور: أنا شقيق منى زهران يا وغد.. انقض عليه مرزوق وهو يقول : أنت مجنون.. لن تفلت من يدي.. وارتفع صوت من بين العاكفين على الرجل المُلقى : مات الرجل.. اقبضوا على القاتل !
ذهبت منى برفقة أبيها إلى مكتب الأستاذ حسن حمودة المحامي. وشرع الأستاذ زهران في قص قصته. فقالت منى : لم أتصور أن ينتهي الأمر بمأساة طاحنة. وأخي لم يعرف عنه يوماً أي ميل للعدوان. طلب منها الأستاذ حسني أن تقص القصة التي بدأت بها المأساة فقصتها عليه بتفاصيلها. عاشت منى الأيام التالية في الجحيم. وسعت إلى لقاء شقيقها في السجن. ولما قابلته قال لها: عليّ أن أواجه المصير .

بدا حسني حجازي جاداً أكثر من المألوف. وقف في غرفة الجلوس ينظر باهتمام وإشفاق إلى منى زهران، والتى لم تكن تبادله النظر. فقال لنفسه : إنها الصديقة الوحيدة التي لم تستسلم لنزواته، والتي لا تستسلم إلا للحلال. تذكر كيف زارته أول مرة وهي طالبة بصحبة عليات وسنية مشغوفة بحب الإستطلاع، وكيف شاهدت أفلامه الجنسية المثيرة ولكنها لم تنزلق رغم الإثارة، فلم تهبه أكثر من الصداقة. فقال لها: دعوتك لأني شعرت أنكِ بحاجة إلى صديق في محنتك. على أي حال احمدي ربنا،  حسن حمودة محام قادر وقد استطاع أن ينقذ عنق أخيك من المشنقة! فقالت بأسى: ولكنه سيقضي عشر سنوات في السجن! وخسر مستقبله إلى الأبد! قال: دعوتك لأسليك فانظري.. فقاطعته بهدوء: الأستاذ حسن حمودة يرغب في الزواج مني! قال: أراهن على أنك ستوافقين! قالت: سالم تزوج من مومس. فقال: اشربي كأسك وتزوجي من حسن حمودة فلا خير أن تبقي وحيدة.

وقفت السيارة أمام عش سقارة. غادرها في وقت واحد الأستاذ حسن حمودة ومنى زهران . مضيا إلى خميلة في الحديقة، وجلسا تحت مصباح خافت. قال حسن: جئت بك إلى هنا لأني أحبك. ثم تحدثا طويلاً إلى أن رفع حسن حمودة قدحه قائلاً : في صحة زواجنا القريب!
في زيارة الفنانين للجبهة لم تسمح فتنة ناضر، زميلة مرزوق الممثلة الشابة، لمرزوق أن يفارقها دقيقة واحدة. وصلوا إلى الجبهة، وأحاط الضباط والجنود بفناناتهم وفنانيهم المفضلين. حينها تذكرت فتنة شقيقها الفقيد في الجبهة فدمعت عيناها، كما تذكر مرزوق صاحبه إبراهيم عبده الذي يرقد في المستشفى متاثراً بجراحه أثر الحرب. ورجعوا إلى بورسعيد عند الأصيل. وأخذا يتجولان في المدينة. وبعد ساعات وجدت فتنة ومرزوق نفسيهما أمام مدخل كازينو. دخلا وجلسا فيه فسألته فتنة مداعبة: صف لي شعورك بتعطل مشروع زواجك بسبب جراح إبراهيم عبده ؟ فقال: أتسخرين من المصائب ؟ فقالت بجرأة : أعترف بأني سعدت بذلك. وقاما ليغادرا المكان فقال: أنا رجل في حكم المتزوج. فقالت بتحد : لا تكابر، أنت ملكي أنا، ألم تدرك ذلك بعد ؟
كان مرزوق أنور واقفاً في حديقة الأستديو حين وجد أمامه سنية شقيقته وعليات خطيبته. ارتبك لأنه انقطع عن بيته عشرة أيام فلم يدر ماذا يقول. فدست سنية يدها في حقيبة عليات وتناولت خطاباً  كان قد أرسله لعليات يخبرها بأنه لم يعد قادراً على حبها، وأن هناك أموراً قد تغيرت فى حياته، ويطلب منها أن تتفهم الأمر فهو لا يريد أن يخدعها ...فسألته سنيه: أهذا خطابك ؟ فأحنى رأسه ثم قال : أجل، تعذبت طويلاً، ولكن لا يمكن أن تقوم حياة كريمة على أكذوبة. فقالت عليات : تعتبر ما كان بيننا أكذوبة! فسألته سنية: أيموت حب كبير في دقيقة ليحل محله حب جديد ؟ فقالت عليات: شيء حقير جعلني أعتقد بأنني كنت بلهاء. قال: إني آسف. قالت عليات: يجب أن أذهب. قال: إغفري لي ذنبي. ثم قال مغيراً الحديث لسنية: أبعدني العمل عن البيت هل زرت إبراهيم في المستشفى ؟ فقالت: لعلك لم تعلم بأنه فقد بصره، ولكني سأتمسك به إلى ما لا نهاية. فقال: إني معجب بك. فقالت : ليتني أستطيع أن أقول ذلك لك !
دق جرس التليفون على مكتب منى زهران وكان المتكلم سالم علي. ورجاها بكل جدية أن تقابله لدقائق، وقال لها إنه سيقول شيء خطير وهام. ذهبت لمقابلته فقال : كم وددت أن ألازمك في محنتك ! علمت أنك ستتزوجين قريباً؟ منى، أحبك، وما زلت أحبك كأول يوم، لا حياة لي بدونك. فرمقته بنظرة ازدراء واعترف قائلاً: لقد تزوجت راقصة تعيسة، وأنا أعتبرك المسؤولة عن زواجي التعيس هذا. ولقد حررت نفسي بالطلاق. فسألته: ماذا تريد؟ فقال: أريد أن نرجع لحبنا أرجوك. فقالت: يا له من مطلب مضحك. آن لي أن أذهب. فتبعها وهو يقول: لن أسلّم بخيبة مسعاي، مع السلامة، ومعك قلبي للأبد..

لم يبق في الحجرة إلا إبراهيم يجلس بين سنية وعليات. فقال: ليتني مت. قالت سنية: لا يأس مع الحياة. ثم قال : سنية، أنا ممتن جداً، أنت ملاك. ولكني أعفيك من أي تعهد سابق. قالت: لم أسمع شيئاً. بعدها آوى إبراهيم إلى فراشه، وبقيت عليات وسنية في غرفة الجلوس. فقالت سنية : منى زهران، عليها أن تعلن نشرة يومية عن تذبذبات إرادتها. فقالت عليات: هل تظنيها قاطعت الأستاذ حسن حمودة نهائياً. فقالت سنية : أعتقد أنها ستتزوج من سالم علي في أقرب فرصة. ولكن رغم جنونها فهو قرار حكيم. سألت عليات : متى يتزوجان. ردت سنية : منى وسالم ؟ فقالت عليات: مرزوق وفتنة ! فأجابت سنية في وجوم: لا أدري لعله بعد الإنتهاء من تصوير الفيلم !
دعي الأستاذ حسن حمودة لتناول العشاء مع صديقيه صفوت وحرمه نهاد. تناول طعامه بشراهة وشرب كثيراً. قال له صفوت: خشيت أن أجدك تعيساً. فقال: لا وجه للتعاسة! مسألة كرامة ليس إلا ! فقد اعتذرتْ منى زهران من الزواج منه. قالت نهاد: خير ما تفعله الأن ان تتزوج زيجة معقولة قبل أن يفوتك القطار. فقال صفوت: حكاية منى معك تعيد حكاية قديمة حدثت منذ عشرين سنة، حكايتك مع سمراء وجدي. فقالت نهاد : ما القصة ؟ فقال صفوت : كنا طلبة بالحقوق، وعشقها صاحبنا، وكان يتسلل إليها ليلاً في قصر عمها على النيل والناس نيام. وذات ليلة شعر به الخفير، فأطلق النار، وأصابت الرصاصة خد الفتاة ولاذ صاحبنا بالفرار. ووجهها تشوه أو خدها على الأقل. وكما هرب الأستاذ من القصر هرب من حياتها إلى الأبد. فقالت نهاد: أمامك فرصة الآن فتزوج منها. فقال حسن: إنها قوادة الآن يشار إليها بالبنان! فبيتها خلية للبنات، ولها عليهن سيطرة أسطورية، وتسهر معهن في بيوت الأصدقاء، بدافع اللهو لا المال.
 شهدت عليات حفلي زواج في أسبوع واحد: حفل متواضع جمع بين أخيها الضرير وسنية، وحفل أقيم في بهو عمر الخيام جمع بين منى زهران وسالم علي. فشعرت بفراغ مروع لم تشعر بمثله من قبل. وكرهت فكرة العودة إلى اللهو والعبث فالحق أنها كانت تتوق إلى الحب. وزارت الأستاذ حسني حجازي مساءاً بناءاً على دعوة تلقتها منه تليفونياً. تلقّاها بحنان وقبّل وجنتيها وقال: يجب أن نتعلم من مرارة الأيام التي نتجرعها ألّا نحزن أكثر مما ينبغي مهما يكن المصاب! فقالت : ما أجملك في دور الواعظ! فقدم لها القدح وقال: إني أفكر في مستقبل بناتي ولا أنساهن، لذلك حدّثت المخرج أحمد رضوان في شأنك. قلت إنك فتاة ممتازة وجميلة وتصلحين للشاشة. ماذا قلتِ ؟!!! أغمضت عيناها لتفكر، ثم فتحتهما وقالت: ليكن, ليس في الإمكان أسوأ مما كان. حينها دق جرس الباب الخارجي فمضى إليه باهتمام وهو يقول: أظنه أحمد رضوان, كوني شجاعة من فضلك !
شهدت فتنة ناضر اليوم الأخير للتصوير وحدها إذ لم يكن لمرزوق دور في ذلك المشهد. وانتهى العمل في التاسعة مساءاً. دعى أحمد رضوان فتنة إلى فنجان شاي في البوفيه. وهناك قالت: كيف يمكن أن نظل أصدقاء ؟ فقال بامتعاض : الصداقة لا تصلح بديلاً عن الحب . أنا لم أكن في حياتك شيئاً على الهامش! لم الزواج يا فتنة ؟ فقالت: دعني لمصيري. فهتف: أنت تدفعينني إلى الهاوية. فقالت: افتح قلبك لصداقة جديدة . وصمتا. ثم استُدعيت للرد على التليفون فقامت وهي تتنهد في ارتياح. وجعل يراقبها من بعيد وهي تتكلم. ثم رآها وهي  تعيد السماعة في عجلة. شيء وقع. شيء ذو خطورة. أخطر مما يتصور. بصرها زائغ ونظراتها جنونية. ابتعدت ناسية حقيبتها، فتناول الحقيبة وهرول نحوها، وما كاد ينطق بإسمها حتى صرخت في وجهه : أنت المجرم !!
استسلمت فتنة للكرسي المعدني محمرة العينين. رقد مرزوق فوق سريره بالمستشفى غارق الرأس والوجه في الأربطة. وجلس في الإستراحة إبراهيم وسنية وعليات. ولما سئل مرزوق بعد مضي وقت قال في التحقيق إنه كان يسير في الشارع في ظلام شامل، وفي طريق خالٍ، حين هاجمه شخص أو أكثر، وانهالت على وجهه اللكمات حتى غاب عن وعيه. استمرت المباحث في البحث خلال جو كثيف من الغموض. وتركز القلق حول مسألة هامة شغلت عقول أهله وأحبابه، فتساءلت سنية : ترى إلى أي حد سيتغير وجهه ؟ فقال إبراهيم عبده: على ذلك يتوقف مستقبله. وغادر مرزوق المستشفى، رغم ما قدمه الطب من معجزات، بوجه جديد! لم يكن القبح طابعه، ولكنه فقد شخصيته ومذاقه وروحه. وعندما رأى صورته في المرآة قال: انتهيت! وهناك ضمته فتنة وقالت: كلا، فلنمض في استعدادنا للزفاف .

تلقاها حسني حجازي بين ذراعيه. أنامت رأسها فوق صدره وقالت: أين كنتَ في الفترة الماضية ؟ فقال: سافرت إلى يوغسلافيا يا عليات. فقالت: تم زواج فتنة ومرزوق، بينما فشلتُ أنا تماماً في قصة التمثيل. نظر إليها وقال: هل اكتشفت أخيراً أنني معشوقك الحقيقي ؟ فصمتت. أشارت إلى بطنها. ثم قالت: يوجد هنا شيء غير مرغوب فيه! فقال: ممن؟ فقالت : من سائح مجهول ذو لحية شقراء وشعر مضفور دعاني للعشاء فلبيت ! كدت أجن في غيابك. قال: قلبي معك، لا تخافي يا عزيزتي. فتنهدت بصوت مسموع. ذهب إلى التليفون واتصل بسمراء وجدي ودعاها للحضور. ثم قال لعليات : أتعرفين سمراء وجدي يا عليات ؟ فهزت رأسها نفياً فقال : آن لك أن تعرفيها .

تعرفت عليات على حامد في بيت منى زهران بالزمالك . كانت دعوة للعشاء حضرتها سنية وعليات. وشهدها حامد باعتباره شقيق سالم زوج منى. ومن باديء الأمر اهتم حامد بعليات اهتمام إعجاب، وأعلن عن رغبته في مقابلة عليات لمزيد من التعارف. وتم الإتفاق على ذلك. وتقابلا في ميدان طلعت حرب. سألته: من أي كلية؟  قال لها : الثانوية العامة فقط! عقب حصولي على الثانوية العامة اعتقلت! بتهمة الشيوعية! ولكني لم أكن شيوعي حينها عندما اعتقلت بهذه التهمة. فقالت: ذلك مؤسف بقدر ما هو غريب. فقال باسماً : بقدر ما أنت جميلة. فقالت: لا تبالغ. فقال : من أول نظرة شعرت بأنه سيكون لك معي شأن. سألته : هل جندت ؟ فقال : كلا، فعيني اليسرى لا تكاد تبصر. فقدتها أو كدت في المعتقل! فارتسم الذعر على وجهها. فقال باسماً : أستطيع أن أعجب بك بعين واحدة فضلاً عن عين وربع !
نظر حسني حجازي إلى القادمة وقال : عزيزتي سمراء وجدي، أي سعادة. كانت متوسطة القامة، رشيقة كلاعبة في سيرك، بيضاء موردة من الأمام. جلست واضعة رجل على رجل. قال: ما أسعدني بكِ يا سمراء! قالت: لا تكذب، أنت تُسعَد بالعصافير التي أجيء بها. لقد قصدتك لمسألة تهمني شخصياً! قال: في خدمتك. قالت بهدوء، وهي تنفذ إلى روحه بنظرة عينيها: أريد عليات! الفتاة التي دعوتني لإجهاضها! فقال : أعدك بأن أبلغها رغبتك في زيارتها إذا زارتني يوماً. فقالت باهتمام : سأنتظر مكالمة تليفونية منك .

الحياة تظللها سحب دكناء من القلق والمخاوف الصامتة. بذلك شعر مرزوق أنور. وفتنة تشاركه مشاعره وإن تظاهرت بغير ذلك. قال مرزوق : ها هو موسم التعاقدات انتهى ولم نظفر بعقد واحد! لا يمكن أن تسير الأمور هكذا. قالت: فلتَسِر كما تشاء. قال: لا يجوز أن ننتظر حتى نفلس معاً. فقالت: الدنيا أفضل بكثير مما تتصور. فقال: أرجو ألا ترفضي عملاً بسببي مستقبلاً. علينا أن نسلم بأن السعادة التي حلمنا بها لم تتحقق كما حلمنا بها !
كانوا يدخنون في سكون الليل يظلهم صمت مريح. حسني حجازي يناجي الدخان الذي ينفثه، وكذلك عبده بدران وعشماوي. قال عم عبده : عليات جاءها ابن الحلال، وإبراهيم موافق. فأبدى حسني سروره وقال : حقاً ! على بركة الله. ورجعوا إلى الصمت وسماع الأناشيد.
كانت عليات تعمل بالوزارة عندما زارتها - بلا سابق معرفة- إحدى العاملات مع سمراء وجدي، ودعتها لمقابلة سمراء. انقبض قلب عليات. إنها لا تنسى فضل سمراء، وسبق أن زارتها في محلها للشكر. ولاحظت أنها راغبة في توثيق علاقتها بها وبحرارة غير عادية، وبأسلوب أثار في نفسها الريبة، لذلك لم تفكر في زيارتها مرة أخرى. فمضت عليات إلى حسني حجازي وقصّت عليه قصة الدعوة وجملة وساوسها. فارتبك الرجل في باديء الأمر، ثم قال : سمراء مغرمة بك! ألم تكن لك تجربة في ذلك؟ قالت بتقزز: كلا. فقال: إذن ستنشأ متاعب! قالت: لن أذهب. ثم بتوسل: أنت قادر على تجنيبي أي شر. فقال بعطف: سأحاول.

دعا حسني في اليوم التالي سمراء وقال لها : صاحبتك ليست من أهل ذلك، وهي شارعة على الزواج فاصرِفي عنها النظر! فقالت: الخنزيرة !! لن تتزوج! سأطلع خطيبها على حقيقتها. فهتف: لا . فقالت: بلى. سوف ترى.
اختفى مرزوق أنور ولم يعثر له أحد على أثر. قضى على نفسه بحبسٍ شبه انفرادي في بنسيون بحلوان. وتابع أخباره في المجلات الفنية. أخبار طريفة : (مرزوق يهرب ويرسل إلى فتنة ناضر وثيقة الطلاق، فتنة تنهار عصبياً ). وتمضي فترة ثم ينتشر خبر عن قبول فتنة العمل في فيلم جديد من إخراج أحمد رضوان. ولما استقر كل شيء رجع إلى أهله وقرر السعي إلى الإلتحاق بوظيفة . وما تدري عليات يوماً – وهي في مكتبها- إلا وهو يفاجئها بزيارة. قال : أود أن أعتذر لأستطيع مواصلة الحياة  معك. فقالت : لم يعد لذلك أهمية. ثم أرته دبلة خطوبتها وقالت: سأتزوج قريباً. وجدت في قلبها ارتياحاً شاملاً وشعوراً بالتحرر والنصر. ومن أمارات التوفيق أنها لم تضمر نحوه كراهية ولا حنقاً ولا شماتة، فقالت لنفسها : إنه عندى مات تماماً فما أعجب ذلك .
كانت عليات تجالس حامد وإذا بسمراء وجدي تظهر فجأة . بهتت عليات واختفى الدم من وجهها. قالت سمراء لحامد : أشكو إليك فتاتك فقد قدمت إليها خدمة لا تقدر بمال فلم أنل منها غير الجحود. تصور فتاة من أسرة شعبية، اضطربت أحشاؤها بجنين، كيف تتصور بؤسها؟! وكيف تقدر صنيع من يخلصها من الجنين ويرد إليها شرفها ؟ ما رأيك يا عليات ؟ لم تنبس عليات. وغلب الغضب والإنفعال حامد فخرس. وأربد وجهه بألوان قاتمة. حينها آمنت سمراء أنها أصابت الهدف. فقال حامد : أأنت التي قمت بتلك الخدمة ؟ لعليات ؟؟ فهزت رأسها. فقال وقد سيطر على أعصابه : أنا مدين لك بالشكر، أرجو أن تخلي لنا الجو لنواصل حديثنا! فمضت سمراء في طريقها. نظر حامد إلى عليات وقال : أقترح أن نسير في الهواء الطلق.

كان حسني حجازي يعاني قلقاً بخلاف عادته في مجلس الليل الهاديء. وتوقع طيلة الوقت أن يروّح عم عبده بدران عن حزنه فيعلنه بفسخ خطوبة عليات. قال حسني : ما أخبار عروستنا. فقال عم عبده : الخطيب يرغب في الزواج في أقرب فرصة. فقال حسني : على خيرة الله . ترامت إليهم حركة عند الباب . التفت حسني فرأى سمراء وجدي واقفة كتمثال. نظرت إلى عم عبده وتساءلت : عم عبده بدران ؟ قال: أفندم؟ فأخذته إلى زاوية في المقهى وأخذت تتكلم والرجل يصغي باهتمام. تراجع رأسه إلى الوراء، وسقطت السيجارة من يديه، وقدحت عيناه شرراً. وفجأة انقض على المرأة يقبض على عنقها بكلتا يديه وشد عليها بكل قوته. ففزع حسني وصاح : لا.. إنتبه لنفسك يا عم عبده. ولكن الرجل لم يفك قبضتيه الفولاذيتين حتى كانت المرأة جثة هامدة .
وفي التحقيق، سأله الشرطي: هل خنقت هذه المرأة. قال عم عبده: نعم. قال الشرطي: لماذا خنقتها ؟ فلم يجب عم عبده. قال الشرطي: الصمت معناه أنك تجود بعنقك لحبل المشنقة. وأصر عم عبده بدران على الصمت.

 رجال الشرطة شياطين. وهم يملكون جحيم الأرض سألوه: إسمك وعمرك ومهنتك ؟ فقال: حسني حجازي، عمري 50 عاماً , ومهنتي مصور سينمائي . سألوه: أتعترف أنك تملك هذه الأشرطة ؟  وأنك عرضتها على عشرات الفتيات القاصرات، وأنك مارست الجنس معهن؟ فقال: أجل . سألوه: وما علاقتك بسمراء وجدي ؟ قال: صديقة قديمة. سألوه: وما علاقتك بعليات إبنة المتهم عبده بدران ؟ قال: كانت صديقة. سألوه: ألم تكن عشيقتك أيضاً ؟ قال: بلى . سألوه: أتعترف أنك يسرت لها الإجهاض ؟ قال: بلى. استعنت بسمراء وجدي . سألوه: وهل اعترفت لك سمراء بأنها عشقت عليات ؟ قال: نعم . سألوه: وهل استعانت بك لتحقيق رغبتها الأثيمة ؟ قال: نعم، ولكني حاولت صرفها عنها . سألوه: أأرشدتها إلى مكان عم عبده ؟ قال: سألتني عن مكان عليات وقلت لها إنها موظفة بالشؤون، وقلت لها إن علاقتي بها منقطعة، وإني أعرف أخبارها عرضاً في مقهى الإنشراح حيث يعمل والدها نادلاً به . سألوه: ولِمَ قامت سمراء بزيارتها الغريبة ؟ قال: كانت مصممة على الإنتقام من عليات لعدم إذعانها لرغبتها الآثمة.

كان حسني حجازي ينطلق بسيارته في أطراف المدينة عند الفجر. طاردته أشباح التخيلات طيلة الوقت . ستُجرى التحريات حول سمراء وجدي وستكشفِ عاجلاً عن عالم حافل بالجنون والغرائب. وسرعان ما يُعرف كل شيء. وسيجر التحقيق العشرات من البنات والفتيات. وستجتاح العاصفة عشه السحري السعيد ويكبله القيد الحديدي . هل ينتحر؟
اجتمعت عليات وحامد في المقهى. كانت منهوكة الأعصاب دامية العينين. فقال حامد: هو مصرّ على الصمت صوناً لسمعتك. فقالت: لن أتخلى عنه. يجب أن نشهد بما نعلم. فقال حامد : من رأيي أن نعهد القضية إلى الأستاذ حسن حمودة وأن نشاوره في الأمر قبل أن ندلي بشهادتنا. تمتمت : هذا يعني أن الأمر سينفضح. فاستجمع حامد إرادته ليسحق تردده، وغاص قلبه في هاوية، وسخر من مخاوفه واحتقرها. قذف بنفسه في تصميم صلب. قال: لن أتخلى عنك .

لأول مرة تغرق الحجرة في كآبة شاملة. كان حسني حجازي وعليات يجلسان متقابلين ومتقاربين. فقال حسني : عليات، ألم أكن دائماً نِعم الصديق؟ فأحنت رأسها بالإيجاب. قال: لي عندك رجاء، ألا تذكري إسمي سواء عند المحامي أو في التحقيق. فقالت : لن أفعل ما يضرك . شعر أن الهم قد انجلى عن قلبه. على أي حال عليه أن يهرب في أول فرصة. سيستقر في لبنان إلى الأبد . لا حياة له في هذا البلد. الوداع يا مصر ..
يا لها من مفاجأة ! أحقاً تقع هذه الأمور في الحياة ؟ وأن يُدعى هو للدفاع عن قاتل سمراء وجدي ؟ نقل بصره بين حامد وعليات، وقال : قرأت ما نشر في الجريمة في الصحف ففكرت طويلاً في سر صمت المتهم. فقال حامد : نحن نعرف الأسرار كلها. فقال الأستاذ : احتفظ بها، فإنني لم أقبل القضية بعد. فقالت عليات: ولكنك ستقبلها طبعاً؟ فقال: آسف يا آنسة، لا وقت لدي. فهتفت عليات : ولكنك لن تتخلى عنا ؟ فقال : الأمانة تقتضي أن أتخلى، ولكني سأعهد بها إلى زميل معروف لا يختلف في تقديره اثنان! ولدى انفراد حسن حمودة بنفسه، غاص في مقعده. ركبه إحساس لا معقول بأنه مُطارد. ثم قال بصوت مرتفع : محض أوهام، تاريخ ميت، الميت لا يبعث !
كره الوحدة فغادر المكتب. استقل حسن سيارته وجرى بها إلى صديقه صفوت مرجان. وجد عنده شخص غريب. فدعاه صفوت للجلوس وقدّم الغريب قائلاً : أبو النصر الكبير من رجال المقاومة الفلسطينية. كنا نناقش قبول المبادرة الأمريكية. فقال حسن بلا مبالاة : سأشرب كأساً لأني مرهق. أما أبو النصر الكبير فقال يواصل حديثه الذي قطعه مقدم حسن حموده. تدفق الكلام من فم أبو النصر هادراً كالموج. وتابعه حسن حمودة بأعصاب متوترة، عيناه مغمضتان وكأسه في قبضته لم يبق بها إلا ثمالة.


                                               النهاية.   


تفاعل :

تعليقات