لسماع الرواية والاشتراك بالقناة ..قناة راجوشو ...الرابط التالي :
تلخيص رواية:
الفتاة الثالثة: أجاثا كريستي.
إعداد وإشراف: رجاء حمدان.
جلس هركيول بوارو إلى مائدة الإفطار و الى جانبه كأس من الشكولاته الساخنة التي كان يستمتع دائما في إحتسائها . لقد قضى فترة راحة واسترخاء سعيدة كانت ضرورية جداً له بعد التعب الفكري الذى قام به مؤخراً . ولكن الانسان لا يقدر ان يسترخي البتة . فُتح الباب ودخل خادمه الماهر جورج . تنحنح ثم قال : توجد...سيدة شابة اتت زائرة . تقول إنها تريد استشارتك بشأن جريمة قتل قد تكون اقترفتها . فقال بوارو : أدخلها بعد خمس دقائق .
كانت زائرته شابة يافعة في نحو العشرين من عمرها ، وقد انتشر على كتفيها شعر سائب طويل . بدت الفتاة وكأنها غطست مؤخراً في نهر و خرجت منه. قال بوارو بلطف : هيا اجلسي و قولي لي كل شيء عن الأمر . قالت الفتاة : آه، يا إلهي ! لقد غيرت رأيي . الأمر غاية في الصعوبة . لا أريد أن أكون وقحة ، ولكنك كبير جداً في العمر . لم يقل لي اي شخص أنك كبير إلى هذا الحد . إنني حقاً آسفة جداً . ثم استدارتْ فجأة واندفعتْ خارج الحجرة . وبقي بوارو مصدوما .
في الساعة الرابعة والربع كان بوارو يجلس في حجرة جلوس السيدة أوليفر، الكاتبة المعروفة للحكايات البوليسية . كانت تسريحة شعرالسيدة أوليفر عادة بسيطة ، ولكنها الآن أظهرت الكثير من التبهرج .
قال لها : جاءت صباح اليوم شابة لتقابلني ، تقول إنها ربما ارتكبت جريمة قتل ، ولكنها عندما نظرتْ إليّ غيّرت رأيها ، وقالت إنني كبير جداً بالسن. ولقد جرح هذا الشيء مشاعري .
قالت السيدة أوليفر : لو كنت مكانك لنسيت الامر باكمله . فقال بوارو : أنت لا تفهمينني ، إنني قلق بشأن هذه الشابة . إنها بحاجة إلى ان بساعدها احد ما . فقالت أوليفر: كيف كانت هيئتها ؟
فقال : إنها كشخصية أوفيليا . فصرخت السيدة أوليفر : أنا التي بعثت تلك الفتاة إليك . لقد رأيت تلك الفتاة من قبل ، فعندما ذكرتَ لي شخصية أوفيليا تذكرت تلك الفتاة . قال بوارو : حتى إن كنتِ لا تعلمين إسمها ، أخبريني بكل ما تعلمينه عنها .
قالت: حسناً , لقد كان ذلك في عطلة نهاية الأسبوع الفائت . كنت في ضيافة اسرة لوريمر . أخذوني إلى بعض اصحابهم لتمضية أمسية سوياً. وكان الكثير من الحضور يقولون أشياء رائعة عن مدى حبهم لكتبي و حكاياتي . وهناك تحدثت قليلاً عنك ، وكانت هذه الفتاة قريبة منا و تسمعني . أكاد أظن أنها تنتمي إلى ذلك المنزل . كنا وقتها في زيارة رجل اسمه ريستاريك الذي يسكن مع زوجته الثانية ، وهي امرأة فاتنة الجمال . وفي البيت كانت توجد شابة أجنبية أيضاً لتعتني بصحة العجوز . وله إبنة من زوجته الأولى ، و بالمناسبة إبنته لا تعيش بالمنزل . إسمها نورما ريستاريك . وهي فتاة ثالثة . فقال بوارو : ما الذي تعنيه بقولك إنها الفتاة الثالثة ؟ فقالت : ألا تقرأ صحيفة التايمز ؟ حينها قامت السيدة أوليفر و جلبت جريدة التايمز، وقالت أنظر هنا : (مطلوب فتاة ثالثة لشقة مريحة في إيرلز كورت). إنها طريقة العيش العصرية لدى الفتيات اليوم ، تستأجر الفتاة الأولى شقة مفروشةثم تتقاسم تكاليف اجرتها مع غيرها . فقال بوارو : وأين تعيش هذه البنت ؟ فقالت : سأتصل بريستاريك لأسأله . ذهبت نحو الهاتف وأدارتْ قرصه . وبعد فترة قالت : مرحباً .. آه, هذا أنتِ يا نعومي .. أريادني أوليفر تتكلم .. إن سبب مكالمتي لكِ حتى اسالك عن عنوان نورما ريستارك ، لقد وعدتها بإرسال كتاب لها ولكني أضعت عنوانها .. دقيقة , سأحضر القلم .. 67 بورودين مانشينز... أعرفه . من هما الفتاتان الأخريان اللتان تسكنان معها ؟ أوه، كلاوديا ريسلاند، والفتاة الثانية تعتقدين أنها تعمل في تصميم الديكورات الداخلية ..قاطعها بوارو أثناء الحديث ، وطلب منها أن تجد مبرراً مقبولاً حتى يتمكن أن يزور عائلة ريستاريك. ففعلت ذلك.
قادت السيدة أوليفر مركبتها إلى داخل باحة مجمع بورودين السكني . تطلعت السيدة إلى ساعتها وكانت السابعة إلا عشر دقائق . وكان ذلك برأيها وقتاً ملائما ، فهو الوقت الذي يفترض أن تكون الفتيات اللواتي يعملن قد رجعن الى منازلهن . كانت الشقة رقم 67 في الطابق السادس . عندما طرقت أوليفر الباب فُتح على وجه السرعة ووقفت فيه فتاة طويلة وسيمة الشكل . قالت السيدة أوليفر : هل الآنسة ريستاريك هنا ؟ فردت : لا، تفضلي بالدخول ؟ فقبلت السيدة أوليفر الدعوة ، و اخذتها كلوديا إلى حجرة الجلوس . كان لهذه الفتاة من اللباقة في الكلام الذي تتحلى به السكرتيرات المجتهدات . وفجأة دخلت فتاة ثانية ، كانت فرانسيس كاري . كانت فتاة نحيلة طويلة ، ذات شعر أسود ووجه شاحب جداً مغطى بالمساحيق الكثيرة.
قالت أوليفر: أحضرت لنورما كتاباً كنت قد وعدتها به. فقالت كلوديا : إنها ما زالت في بلدتها . قالت أوليفر: لقد اعتقدت أن لديها وظيفة في لندن . فقالت كلوديا : إن نورما تشتغل في مكان مختص للديكور الداخلي ، وهي في بعض الأحيان ترسل حاملة بعض المخططات إلى أماكن في البلدة . حينها قامت السيدة أوليفر وخرجت . بينما رفعت فرانسيس كتفيها وقالت : أين تلك البنت ؟ لماذا لم تعد يوم الأثنين ؟ أين ذهبت ؟ فقالت الثانية : لا اعرف ، إن فيها شيئاً غريباً.
سار بوارو في الشارع العام لقرية لونغ بيسنغ وهو يدقق في كل ما تراه عينيه . ولو أن صديقته قليلة الصبر ، السيدة أوليفر ، كانت معه لبدأت بأسئلة لا نهاية لها عن سبب تدقيقه هذا لكل ما يراه وتضييعه للوقت. رأى بوارو بيتاً أظهر طابقه العلوي أثراً غير طبيعي لبناء مكور الشكل شبيه بالبصلة . وكان هذا البيت هو الذي يقصده بوارو . بلغ البوابة التي وضعت عليها لوحة بإسم المنزل كروسهيدجيز . نزع بوارو قبعته وانحنى إلى المرأة التي كانت تشتغل بربط شتلات الأضاليا .
وقال : السيدة ريستاريك ؟
فقالت : اجل . أنا.
فقال لها: لقد سمحت لنفسي بزيارتكم . إن صديقة لي هي السيدة أوليفر...
فقالت: أوه، اعرف أنت السيد بوارو . لقد أخبرتنا نعومي بانه من الممكن ان تاتي الينا . ثم دخل بوارو البوابة وقال لها : أتيت لاقابل السبد ريستاريك . أرجو أن يكون مستعداً لاستقبالي .
فقالت : أنا واثقة أن ذلك سيسعده . إن حياته مملة بعض الشيء في هذه الأيام .
فقال بوارو : وأنا الآخر اشعر ببعض الملل . فقالت السيدة ريستاريك: لا تقل ذلك. لا يجب أن تتظاهر بأنك كبير في العمر .
فقال: يقال لي ذلك احيانا ، من قبل الفتيات .
فقالت: هذه قلة أدب . ربما كان هذا من الأشياء التي يمكن لابنتنا أن تتفوه بها ، أو قل إبنة زوجي .
فقال لها بوارو : اعتقد ان ابنتكم تجد حياة الريف غير ممتعة بعض الشيء . فقالت : بلى، ومن الأفضل لها أن تكون في لندن . فهي لا تحبني . فمن الصعب على البنات ان يتقبلن زوجات آبائهن . وحين كنا نذهب الى حجرة السيد رأينا شاباً يلبس معطفاً أسود وكان على الانسان ان يمضي بضع دقائق قبل التأكد إن كان ما يراه فتاة ام شابا . فصاحت السيدة قائلة : ديفيد ! ما الذي تفعله هنا ؟ هل اتيت مع نورما ؟
فقال : لا، بل كنت أتمنى أن أعثر عليها هنا . ولكن يبدو أنك لا تعلمين أين هي إبنة زوجك . الى اللقاء ! طرقت ماري على أحد الأبواب ، وقالت وهي تدلف الى الحجرة وبوارو وراءها : ها قد أتى زائر حتى يراك. مكث بوارو زمناً يتذاكر مع السيد ريستاريك الأيام الخوالي ، ثم ترك الحجرة . وقف بوارو على استراحة الدرج لدقيقة ، ورأسه مائلاً قليلاً إلى الجانب كمن يستمع لشيء . كانت ماري قد تركته ونزلت للأسفل لتستكمل عملها في الحديقة . فمشى بهدوء في الممر، وفتح أبواب الحجرات واحداً بعد الآخر . ثم نزل إلى الطابق الأرضي مُودعاً مضيفته .
مشى بوارو راجعا باتجاه القرية ، ثم استقل سيارة كبيرة كانت بانتظاره . دخلها وتنهد قائلاً للسائق : الان نرجع الى لندن . وفي الطريق وقف شاب على الجانب و رفع اصبعه بغضب طلباً لسيارةٍ تقله . حينها قال بوارو للسائق : من فضلك توقف . حينها تقدم ديفيد من باب السيارة وقال : أنا ممتن جدا . ثم صعد إلى المركبة . وانتبه إلى أنه قد رأى بوارو في منزل ريستاريك فقال له: هل رأيت كيف تكره السيدة ريستاريك ملاقاتي ؟ وأنا صراحةً وعمليا أبادلها الكراهية .
فقال له بوارو: أين هي الآنسة الآن ؟
فقال ديفيد : إن نورما ؟ في لندن . إنها تعمل في شركة في مكتب للديكور الداخلي . اعتقد انها سوزان فيلبس .
قال بوارو : ما الذي كنت تبحث عنه في الطابق العلوي.
قال ديفيد: هذا شأني أنا . فهمت إن العزيز أندرو والعزيزة ماري يستخدمانك حتى تعثر عليها.
فقال بوارو : لا اعتقد أن السيدة والسيد ريستاريك يعلمان -حتى الآن- أن نورما مختفية . لماذا غادرت الآنسة نورما ريستاريك بيت كروسهيدجيز مساء الأحد ؟ ألم تتشاجر معك ؟
فقال : لم نتشاجر. ولكنها فتاة غير متزنة. سأنزل هنا... الى اللقاء يا سيد بوارو .
ذرعت السيدة أوليفر حجرة جلوسها ذهاباً وإياباً . كانت شديدة الاضطراب والقلق . اتصلت ببوارو فجاءها صوته : بوارو ، في خدمتك سيدتي . فقالت له : أين كنت ؟ لقد اختفيت طيلة النهار . اعتقد أنك ذهبت لترى عائلة ريستاريك أليس كذلك ؟ ما الذي إكتشفته ؟ فقال بوارو : لا شيء. لم أجد شيئاً . وبالمناسبة ، إن السيدة ريستاريك لا تعلم ان البنت مختفية . قالت السيدة أوليفر : وما هي خطوتك القادمة ؟ فقال : لا شيء . لن أفعل شيئاً حتى تحين اللحظة الملائمة . فقالت: سأفعل أنا .
فقال بوارو : ولكن كوني حذرة . فعندما تكون جريمة قتل يصير كل شيء وارد الحدوث. إنني أقول لك ذاك ، أنا هيركيول بوارو .
جلس السيد غوبي على مقعد . كان رجلاً ضئيل الحجم . قال: انه لمن دواعي سروري أنك حصلت لي على الأسماء يا سيد بوارو . لدي الحقائق الأساسية.. وبعض الاحاديث . وسأبدأ بمجمع بورودين مانشينز . هناك الآنسة كلوديا ريسلاند : أبوها عضو برلمان ، وتقوم بعمل السكرتارية . وهي تتقاسم شقتها مع بنتين ثانيتين . الفتاة الثانية تشتغل في معرض ممن يهتمون بالفنون . أما الفتاة الثالثة هي فتاتك . لم تسكن هناك منذ مدة طويلة ، والرأي العام عنها هو أنها ناقصة .. ليست باحسن صحة عقلية . ورُويت لي قصة عن مسدس تم إطلاقه في إحدى المرات . فسمع يوما أحدهم صوت عيار ناري، فخرج ليجد الفتاة هناك ، فتاتك أنت ، تقف هناك و السلاح بيدها ، وبدا أنها ذاهلة بشكل كبير . وجاءت الفتاتين الثانيتين ، وأخذتا منها المسدس . وقالت كلوديا ريسلاند للحارس ، الذي كان متواجداً : لا داعي للقلق كنا نلعب بعض الشيء . ولكن تم ملاحظة نقاط دم في المنطقة من قبل الحارس بعد ذلك . ولكن كلوديا ريسلاند قالت للحارس : لا بد أنها إحدى الطيور . ورأيي يا بوارو أنها أطلقت عيارا ناريا بشكل اعمى على ذلك الشاب الذي يأتي لزيارتها . قلب غوبي دفتر ملاحظاته ثم قال : أندرو ريستاريك كان رجلاً غير مستقر في مزاجه . فقد هرب مع امرأة ما، تاركاً زوجته وابنة له في الخامسة من عمرها . ذهب إلى جنوب أفريقيا . ولم يُطلق زوجته ، ولكنها ماتت قبل سنتين . وتزوج ثانية و رجع ليهتم بابنته . وهم يعيشون في هذه الاوقات مع خالهم السير روديريك هورسفيلد . ولكن هذا مؤقت فقط . ثم اقفل غوبي دفتر ملاحظاته وقال : هل تريد مني ان افعل اي شيء آخر ؟
فقال بوارو : نعم أريد أن اعلم تفاصيل اكثر عن زوجة ريستاريك الراحلة .
أعادت كلوديا ريسلاند ملء كأسها من إبريق القهوة ، وتثاءبت فرانسيس كاري ثؤباء كبيرة . قالت كلوديا : إنني خائفة على نورما .
قالت فرانسيس : إن نورما ليست من شأننا ، إننا لا نطعمها بالملعقة او نشرف عليها ... إنها مجرد شريكة لنا في الشقة . المهم يا كلوديا ، لقد رأيت ديفيد ليلة البارحة . كان متأنقاً، وبدا حقاً رائعاً كثيرا .
فقالت كلوديا : لا تقولي إنك أنت أيضاً واقعة في حبه . إنه فظيع . إنني أتساءل يا فرانسيس إذا كان من اللازم ان يعرف اهل نورما اننا لا نعلم اين هي وأنها مختفية . فقالت فرانسيس : إن نورما مجنونة حقاً . إسمعي يا كلوديا ، لقد انقطع مطاط تنورتي قبل فترة قصيرة ، وكنت مستعجلة ، فرحت الى حجرة نورما وبحثت في درجها فوجدت سكيناً !! وعليها بقعة ... وتبدو كأنها دم جاف ، فارجعتها الى وضعها السابق . وعندما رجعت بالأمس لاتفحص الدرج مرة اخرى فلاحظت انها قد اختفت يا كلوديا . لا أثر لها !! فقالت كلوديا : أتظنين أنها أرسلت ديفيد إلى هنا ليأخذها ؟ فقالت فرانسيس : ربما فعلتْ ذلك... إسمعي يا كلوديا ، في المستقبل سوف أبقي باب حجرتي مغلقا في الليل .
أفاقت السيدة أوليفر وهي تحس بعدم الراحة . كانت قد قالت بكل قوة أنها سوف تفعل شيئاً . فقد كانت ترغب في ان تكشف اكثر عن هذه الفتاة الغامضة . أين هي نورما ؟ ما الذي تفعله ؟ لذا قررت ان تذهب إلى مجمع بورودين لعلها تبحث عن شيء أكثر اثارة و سحرا . صعدت السيدة أوليفير إلى الشقة 67 ، وهناك خرجت من الشقة امرأة في منتصف العمر ومعها ممسحة ، وبدا من الجلي انها تشتغل في تنظيف الشقق . قالت السيدة أوليفر : صباح الخير . هل في الداخل أحد؟ فقالت لها العاملة :إن جميع الفتيات خرجوا . فقالت السيدة أوليفر: الحقيقة أني نسيت مفكرتي الصغيرة هنا . فقالت العاملة : أنا لم انتبه على شيء من هذا النوع يا سيدتي . فقالت السيدة أوليفر : قولي لي الان هل رجعت الآنسة نورما من الريف ؟ فقالت العاملة : لا أظن، ففراشها لم يستخدم . إن الآنسة نورما سخيفة الأفكار وشادرة الذهن دائماً ، و اعتقد أن كلوديا لم تكن لتقبل أن تستأجر نورما عندها لو لم يطلب منها السيد والد نورما ذلك ، فلم يكن في مقدورها ان تقول لا والرجل هو رب عملها . اعتقد أن نورما يجب أن تُعرض على دكتور . في بعض الأوقات تبدو وكأنها لا تعلم على الاطلاق ما الذي تفعله ، أو أين هي . ربما كانت تتعاطى أشياء معينة . أحياناً أحمد الله على عدم وجود فتيات لدي . خرجت السيدة أوليفر من الشقة وفكرت فيما ستفعله بعد ذلك . لم تجد ما يمكن أن تعمله هذا اليوم ، إلا أن خطة وأفكاراً بدأت تتشكل في راسها حول ما ستفعله غداً .
وكما اقتضت خطتها ، نهضت السيدة أوليفرمن فراشها في وقت مبكر ، وانطلقت في مسعاها . ومرة ثانية وصلت إلى بورودين مانشينز . وانتظرت حتى تخرج كلوديا من الباب ثم لحقت بها . بدت كلوديا غارقة في أفكارها الخاصة . دخلت كلوديا إلى أحد العمارات ، فدخلت خلفها . ثم دخلت إلى أحد الأبواب المكتوب عليها : جوشوا ريستاريك المحدودة . حينها نزلت السيدة أوليفر ، وخرجت من المبنى . و احست بانها جائعة فدخلت مقهىً محلياً . بحثت السيدة أوليفر عن طاولة ملائمة لتجلس عليها ، ثم أطلقت شهقة . فعلى الطاولة التى قرب الجدار كانت تجلس نورما ، ومقابلها جلس شاب ذو شعر كستنائي . فقالت السيدة أوليفر هامسة مع ذاتها : لا بد أنه ديفيد . فشقت طريقها إلى طاولة قريبة بجانب تلك التي تجلس فيها نورما وديفيد . كان ديفيد يقول : ولكنك تتصورين هذه المواضيع تصورا فقط . إنها خيال ... إنها جميعاً هراء تماماً يا فتاتي العزيزة . فقالت نورما : لا اعلم لا اقدر ان اتاكد من هذا .
فقال ديفيد : كله مجرد ضجة من قبل ماري! إنها امرأة غبية . فقالت نورما : ولكنها بالفعل كانت مريضة . لقد ظنتْ أنني أنا التي فعلت ذلك بها ، ووالدي يعتقذ ذلك أيضاً . ماذا لو كنت أنا فعلا من دسست لها المادة ؟ فقال ديفيد : دعينا لا نرجع لنبش هذا الموضوع . لقد ابتعدتِ عن البيت ولستِ مضطرة لان تسكني معها . فقالت نورما : لماذا لا أعيش في بيتي الخاص... مع والدي ذاته ؟ هذا ليس عدلاً . في البداية هرب وتركنا أنا و والدتي ، والآن عندما عاد تزوج ماري . إنني أكرهها ، وهي تكرهني أيضاً . فقال ديفيد : أفضل ما يمكننا فعله الآن هو أن نتزوج . وبمجرد أن نتزوج لن يكون بوسع والدك فعل شيء !
فقالت نورما : إنني أكره أبي وماري . لقد غادر و هجرنا . إنني أتعجب يا ديفيد ، أحسب أن في عقلي شيئاً غير اعتيادي ، وسيجعلني ذلك أقوم في يوم ما حقا بشيء سيء ... كأمر السكين تلك .
قال ديفيد : أي سكين؟
قالت: سكين كانت عليها لطخة دم ، وكانت موجودة في درجي الخاص ، ولا أتذكر أني خبأت سكيناً اشعر أن ساعة من تلك الليلة مفقودة ، ساعة كاملة لا أعرف أين كنت فيها . حينها جاءت النادلة فقال ديفيد : ستكونين على ما يرام... ساهتم بك جيدا . دعينا نأكل شيئاً آخر .
كان بوارو في مكتبه حين اتصلت به السيدة أوليفر وقالت : لقد عثرت عليها . فتاتك ! تلك الشابة التي تعتقد انها ارتكبت جريمة قتل . أحسب أنها مختلة العقل . هل تريد ان تاتي و تراها ؟ إنها الآن مع صديقها الطائش ، ولكنه لطيف في الواقع ، ويبدو انه يعشقها جدا . إنها في مقهى الشامروك السعيد . فقال بوارو : سأصلك على الفور .
وصل بوارو إلى المقهى، ورأى الشابة التي جاءت لزيارته على الفور . كانت تجلس منفردة وحيدة إلى طاولة مقابل الجدار ، وبدت غارقة في أفكارها . جلس على الكرسي المقابل لها وقال : إذن فقد التقينا مرة ثانية يا آنسة نورما ريستاريك . فقالت : كيف تعلم إسمي ؟ فقال : من إحدى صديقاتي . الآن لم نصل في ذلك الكلام الا للنقطة التي قلت لي فيها بأنك ارتكبت جريمة قتل . فقالت : بالطبع لم أقصد ذلك . لم أقصد شيئاً . أعني أنها كانت مزحة . حينها جاءت نادلة ونظرت إلى بوارو بانتباه وبيدها قارب ورقي وقالت : أأنت السيد بوارو ؟ لقد تركتها لك سيدة . أخذ بوارو القارب الورقي، وفكه ، وكان بالقارب مكتوب : إنه ذاهب في هذه اللحظات ، وستبقى هي هنا ، ولذلك سأتركها لك و سألاحقه . حينها قال بوارو : لقد قلتِ لي إنني أكبر عمرا مما يجب ... وربما كنت على حق . ولكن بما أنني أعلم بعض الأشياء عنك فلا يوجد سبب يمنعنا من أن نتكلم عن المتاعب التي تؤذيك و بطريقة لطيفة كأصحاب . فقالت بدون مقدمات : إنهم يعتقدون انني غير مستقرة عقليا ... وأكاد أظن نفسي أيصاً بأنني معتوهة . إن لدي زوجة أب . وأنا أكرهها ، وأكره والدي هو الاخر أيضاً. إنهم يريدون إرسالي إلى طبيب ، وعندها سأحتجز في إحدى تلك المصحات العقلية ولن يدعوني أخرج منها مرة اخرى . فقال بوارو : ما الذي يجعلك تعتقدين أنك قتلت ؟ فقالت : لأنني لا أتذكر دوماً ماذا اعمل ... أو أين كنت... ولا أستطيع التذكر . كنت في أحد الممرات مرة ، خارج بابها . وجاءت تسير مقابلي ... ولكن عندما اقتربت مني تغيرت ملامح وجهها . لم تكن هي على الإطلاق . ولم يكن ذلك كابوساً . لقد أخذت السلاح وكان ملقىً عند قدمي . سألها : في ممر؟ قالت : كلا، في الباحة . اتت كلوديا وأخذته مني ، وأخذتني إلى الشقة وأعطتني مشروباً مراً لاحتسيه . وكانت ماري هناك أيضاً... لا، لم تكن هناك . كانت في المستشفى او في كروسهيدجيز . فهناك اكتشفوا أنها قد سُممت... وأنني أنا التي سممتها . حينها قامت ثم قالت : إنني ذاهبة الآن ، وأنا أمنعك من ان تتبعني الى اي مكان . ثم خرجت وبقي بوارو في المقهى يقول لذاته : أين يمكن أن تكون السيدة أوليفر الآن ؟
كانت السيدة أوليفر جالسة في حافلة تلاحق ديفيد . نزل من الحافلة فنزلت خلفه . دخل في شوارع متشابكة أشبه بالأحجية ، ثم دخل في زقاق فانتظرت لمدة دقيقتين ثم انطلقت وراءه ... فلم تجد له أثراً . ولكنها احست بوخزة رعب غير متوقعة و مفاجئة . كان الجو قد صار فجأة مشحوناً بالخطر . ها هو الشاب الذي كانت تتبعه ، قد عرف أنها كانت وراءه ، فتبعها إلى هذا الزقاق ، وها هو يقف الآن حاجزاً طريق الخروج عليها . شهقت السيدة أوليفر ثلاث شهقات وقالت : يا إلهي لقد اخفتني . فقال لها : إذن فقد كنتِ تتبعيني بالفعل ؟ فقالت : نعم, الحقيقة أنني أكتب حكايات بوليسية ، وقد وصلت في روايتي أن بطل الرواية كان يتبع انسانا ما ، فقررت أن أجرب ذلك بذاتي . وفكرت أنك ستكون شخصاً ملائماً وجيداً لملاحقته . فقد كنت ذا ثياب ملفتة للنظر . إنها ملابس حقا جميلة جدا . وهكذا خرجت وراءك . فقال لها: ما اسمك ؟ فقالت : أوليفر. فقال : أريادني أوليفر ؟ فقالت : إذن تعرف من انا و هذا شيء يسعدني حقا ، . فقال: وماذا عن البنت التي كنت معها هل تعرفينها ؟ فقالت : لا اعتقد انني اعلم من هي ... ولكنني لم أر إلا رأسها من الخلف . فقال : ولكنها عرفتك . تقول إنها التقت بك منذ أسبوع . قالت: أكان ذلك في حفلة ؟ ما هو إسمها . فقال : نورما ريستاريك . قالت : آه، نعم بالطبع . كان ذلك في حفلة في الريف . قال: والآن هيا اصعدي ورائي هذا السلم .
صعدت السيدة أوليفر من وراءه السلم ، وكانت ما تزال خائفة في قرارة نفسها. وعند آخر الدرج كانت هناك حجرة يتواجد فيها شاب ذو لحية ويرسم . وكانت فى قبالته فتاة تجلس على مقعد خشبي ، وقد عرفتها السيدة أوليفر، إنها الفتاة الثانية في بورودين مانشيز ، فرانسيس . فقال ديفيد : أعرّفك على بيتر ، وهو واحد من عبقرياتنا المستقبلية ، وعلى فرانسيس . وسرعان ما قالت السيدة أوليفر إن عليها أن تخرج من هذا المكان . حينها أعطاها ديفيد تعليمات حول الطريقة التي يمكنها فيها ان تصل إلى شارع كنغز . وقال ديفيد : وهناك يمكنك ركوب الحافلة... أو تاكسي إذا شئت . خرجت السيدة أوليفر ، وأسرعت باتجاه ممر ضيق ، عندما سمعت صوت خطوات من وراءها . كانت قد التفتت نصف التفاتة عندما احست بضربة من الخلف ، وانفجر العالم في عينيها على شكل شرارات .
قال صوت: إشربي هذا . كانت نورما ترتعش وتعلوها نظرة غائمة تملا عينيها. ذهب عنها ما كانت تعاني من دوخة و غثيان ، وانتهت رعدتها. و للمرة الاولى نظرت إلى ما حولها. كانت حجرة بحجم متوسط ، مكتب . ثم انتقل انتباه نورما إلى الرجل الذي أمرها أن تشرب . رأت رجلاً يزيد عمره قليلاً عن الثلاثين ، ذا وجه ذميم و شعر احمر . فقال لها : لقد كنت في منتصف الشارع وكانت سيارة تقترب منك بشكل سريع ، وقد استطعت بالكاد انتشالك من طريقها . هل كنتِ تحاولين ان تقتلي نفسك ؟ فقالت : أنا...كلا. كلا...بالطبع. كيف وصلتُ إلى هنا ؟ فقال لها : أنا جلبتك إلى هنا بسيارة أجرة . أنا دكتور . وإسمي ستيلنغفليت . والآن ما هو عنوانك ؟ فقالت: ليس لي عنوان ... أنا لا اسكن في أي مكان. يا دكتور ، إني أفعل أشياء لا أذكر عنها شيئاً ... وأقول للناس اشياء ثم انسى أنني قلتها لهم . فقال لها : أخبريني عن ذاتك . فقالت: لقد حزنت وتألمت كثيراً لوفاة والدتي . كانت مقعدة لفترة طويلة قبل موتها ، لقد كانت تقضي الكثير من وقتها في المصحات . وعاد أبي إلى الوطن منذ نحو حوالي نصف السنة . وكان قد تركنا وأنا في الخامسة من عمري ، كان قد سافر مع امرأة سيئة جداً كما قالت والدتي . سألها: وهل تزوجا ؟ فقا لت: كلا. لأن والدتي لم ترضى بالطلاق و الانفصال . فقال لها : دعينا لا نتحدث عما مضى ، قولي لي ما الذي ستفعلينه الآن ؟ فقالت نورما : لا اعلم . ليس لي مكان أذهب إليه. فقال الطبيب : سأتدبر هذا الموضوع هناك مكان يُدعى كينوي كورت . إنه نوع من المنازل التي تستعمل لأغراض النقاهة . يمكنك الذهاب إلى هناك ، وسوف آتي إليك في أحد الأيام لاتكلم معك وسوف نحل بعض المشكلات . هل يناسبك هذا ؟ فنظرت نورما إليه ، وأومأت برأسها بشكل بطيء .
في وقت لاحق من ذلك المساء قام الطبيب ستيلنغفليت باجراء مكالمة هاتفية . قال فيها : عملية اختطاف ناجحة . اتت كالحمل اللطيف . إنها خائفة من شيء ما، ولكنها مشحونة بالمخدرات ، و اعتقد انها كانت تاخذ من مختلف الأنواع . إنها الآن في كينوي كورت و ستظل هناك . وأنا أقترح عليك إبقاء احد ما ليتتبع المكان ليوم أو بعض يوم لنرى إن كانت ستحاول المغادرة ، ومن المفضل أن يلاحقها احد لا تعرفه بالشكل .
كان أندرو ريستاريك رجلاً في منتصف العمر ، . تقدمت منه السكرتيرة وقالت : جاء رجل يدعى هيركيول بوارو ، وهو يصر على أن له موعداً معك . فقال أندرو : ادخليه لا باس في ذلك . وبعد لحظات عادت كلوديا ريسلاند ومعها بوارو وحين دخل بوارو خرجت كلوديا . قال بوارو: لقد جئت بعد ما قرات رسالتك . فقال أندرو : أي رسالة أنا لم أكتب لك رسالة يا سيد بوارو . فأخرج بوارو من معطفه رسالة وأعطاها لأندرو . حدق ريستاريك إلى الرسالة وكان فيها :عزيزي بوارو انه لمن دواعي سروري ان تزورني في العنوان أعلاه ، فلقد فهمت من زوجتي أنك رجل يمكن الوثوق به عندما توافق على قبول مهمة تتطلب الحذر الشديد ، إن المسألة تخص ابنتي نورما .. المخلص أندرو ريستاريك.
فقال أندرو : أنا لم أكتب هذه الرسالة .
فقال بوارو : ألست قلق و مضطرب على ابنة لك إسمها نورما ؟ هل هي في مشكلة ، أو في متاعب من نوع ما ؟
فقال أندرو : ليس حسبما اعلمه . ولكنه تردد قليلاً وهو يقول ذلك .
فقال بوارو : لا اعتقد ان ذلك صادق يا سيد ريستاريك .
قال أندرو: حسناً ، القضيه هي أنني ارغب في ان اعثر على ابنتي .
فقال بوارو: الحقيقة أنها اختفت ، أليس كذلك ؟ أتريد العثور عليها . فقال الأخير: بلى ، ولكن هل تقدر انت ان تجد لي ابنتي ؟
فقال بوارو : نعم. سوف أعثر عليها .
فقال أندرو : لقد تكلمنا مع اخصائي لحالتها ولكنه لم يفلح.
فقال بوارو : ما السبب لاستدعاء الدكتور ؟ من الأفضل أن تقول لي ، فإذا ما عرفت ما الذي في راس هذه البنت فسأحقق تقدماً أفضل ، و ستنتهي المواضيع على صورة احسن . فقال أندرو : لقد أصيبت زوجتي ذات مرة بعلة هضمية . وقد كانت العلة محيرة لأن صحتها كانت على افضل ما يكون على الدوام . وبعد تحليلات المستشفى قيل إنها تعاني من أحد أشكال التسمم المعوي ، وبعبارة صريحة فإن أحدهم كان يدس لها الزرنيخ في اكلها . ولقد شككت في ابنتي وعرضتها على اخصائي !!
عندما وصل بوارو الى المنزل قال له جورج : اتصلت امرأة اسمها إديث يا سيدي ، وقالت إنها تعمل في خدمة السيدة أوليفر ، وطلبت مني أن اقول لك أن السيدة أوليفر في مستشفى سينت غايلز ، ولقد فهمت أنها اصيبت في راسها . فقال بوارو : لقد حذرتها... يا للنساء !!
انتقل بوارو إلى المستشفى فقالت السيدة أوليفر : لقد ضعت في الطريق . كنت قادمة من مرسم من نوع ما. لقد تكلم معي الشاب بكل لطف ، وقال لي : تعالي لتري المرسم ، وهكذا صعدت السلم معه ، وهناك كان شاب آخر، وكانت هناك أيضاً فتاة فاتنة الجمال . وكانوا لطفاء . و رجعت الى المنزل ، وقد كنت غافلة عندما ضربني الطاووس . قالت الممرضة : إنها تهذي . فقالت أوليفر: كلا، لا أهذي . إنني اعرف تماما ماذا اتحدث في شانه . ثم نظرت إلى بوارو وقالت : أنت تعرف من أعني ، إسمه ديفيد . هو من هاجمني وضربني على رأسي . قال بوارو : هل رأيته ؟ قالت: لم أره ، اعتقدت انني سمعت صوتاً من خلفي ، وقبل أن يتاح لي وقت لألتفت... حدث كل شيء ! ثم حركت السيدة أوليفر رأسها ، و تاوهت من الالم ، ودخلت فيما بدا أنه غياب مقنع تماماً عن الوعي .
دخل بوارو إلى بيته فقالت له الخادمة : عندك ضيفان . الأول هو السيد غوبي و الثاني يدعى السير روديريك هورسفيلد . حينها فكر بوارو : روديريك هورسفيلد هو خال أندرو ريستاريك ؟ ماذا يريد مني الان ؟ فقال بوارو : ارغب في ان اقابل السير روديريك الآن . وحين دخل بوارو إلى الحجرة قال رودريك : لقد عثرت عليك يا فتاي . فقال بوارو : كيف يمكنني أن اساعدك ؟ فقال روديريك : لقد فقدت بعض الأوراق ، وعليّ أن أعثر عليها , إنها أوراق غاية في السرية . لقد جعلت فتاتي الذكية و اللطيفة تساعدني في تصنيفها . وبعد ذلك لم أرَ الأوراق . أولاً ارغب في ان اعلم من الذي سرق الوثائق ، وأنا متأكد أنها ليست البنت التي تشتغل عندي ، لأنها قالت إنها لم تأخذها ، وأنا أصدقها . فقال بوارو : ومن غير الفتاة يقدر ان يصل لتلك الوثائق ؟ فقال : أندرو وماري ، ولكني لا أشك فيهما ، و اظن ان اللص شخصاً خارجياً . فقال بوارو : أنت لا تشك بإبن أختك أندرو ، ولا بزوجته ، ولا بأحد من خدم بيتك ، فماذا عن الإبنة ؟ فقال روديريك : نورما ؟ أحسب أن نورما ليست في عقلها بعض الشيء ، ولكن لا اقدر ان اتصور أنها تعبث بأوراقي الخاصة . فقال بوارو : سأفعل ما طاقتي لاعاونك في الامر . حينها رن جرس الباب ، فقال روديريك : هذه الفتاة دقيقة في مواعيدها . حينها جاءت سونيا . وكانت شديدة الجمال . ثم أخذت السير روديريك و اصطحبته الى الخارج . انتقل بوارو إلى حجرة الجلوس ليقابل غوبي . فأخرج غوبي دفتر ملاحظاته وبدأ يقص ما توصل إليه من تحريات : اسرة ريستاريك ، عائلة محترمة جداً، ولا فضائح فيها. وقد دخل الأخ الأصغر أندرو في التجارة ، وتزوج الآنسة غريس بولدوين ، ورزق منها بابنة واحدة فقط تدعى نورما ، ثم ترك زوجته و هاجر إلى جنوب إفريقيا . وغادرت معه آنسه تدعى بيريل . ولم تجر إجراءات انفصال رسمية بينه وبين زوجته التي ماتت قبل سنتين و نصف من الان . أما بالنسبة لديفيد فسجله غير جيد . فقد كان على هامش الكثير من القضايا المشبوهة ، و يعتقد أنه كان على علاقة بعملية سرقة أعمال فنية . و يحيا على حساب الفتيات اللواتي يمتلكن المال. هو شخص سيء جداً، ولكنه حاد الذكاء . الآنسة كلوديا ريسلاند : لا يوجد شيء ضدها . وقد عملت في اخر ثلاث اشهر سكرتيرة للسيد ريستاريك . ولا يوجد اي دليل لعلاقة عاطفية بينها وبين ريستاريك . ولكن يا بوارو الفتاة التي قدمت قبل قليل الى المنزل ، لقد رأيتها منذ شهرين في كيو غاردنز . كانت تجالس شخصاً . كان أحد الملحقيين الثانويين في إحدى السفارات . حيث كانت البنت تحمل كتاباً معها ، وجلست على كرسي و بدات في قراءة في الكتاب ، ثم وضعته جانباً بقربها . ثم جاء هذا الشخص ، الذي كنت أنا اتتبعه ، وجلس على الكرسي . ولم يتكلما . ثم الفتاة نهضت و سارت بعيدا عن المكان . وبعد فترة ، أخذ هذا الرجل الكتاب الذي تركته الفتاة ورائها و ترك المكان. فقال بوارو : إنه أمر مثير . لقد بدأت أشك بأن تلك الجريمة لم تحدث إلا في عقلٍ أدمن على المخدرات !!
انحنى بوارو وقدم للسيدة أوليفر باقة من الورود ، وقال : لقد جئت لأقدم تهاني على شفاءك . فقالت : لقد حذرتني من ان اعرض نفسي للاذى ، وهذا هو ما فعلته بالضبط . فقال بوارو : ربما لاحظك أحد وأنت تتبعين ديفيد ... ولاحقك هو بدوره . قالت : هذه فكرة واردة . من عساه ان يكون هذا الشخص ؟
قال بوارو : الأمر صعب جداً . يوجد الكثير من الأشخاص ، والكثير من العوامل . قالت أوليفر: أنت دائما ما تثير حيرتي .
فقال : إنني أتحدث عن جريمة قتل ، ولكن أية جريمة قتل هذه ؟ لا اعلم بالضبط . فالفتاة الوحيدة التي يمكنها أن تقول لي تفاصيل الموضوع اختفت . قالت أوليفر : ولكنها لم تختفِ. لقد عثرنا عليها ، أنا وأنت.
قال بوارو : نورما اختفت مرة ثانية . فقالت السيدة أوليفر : كيف تركتها تخرج ؟ لقد خيبت أملي فيك يا بوارو . واستمرت السيدة أوليفر ساخطة على بوارو ، وفكرت مع نفسها بأن الفتاة نورما كانت محقة بأن بوارو بالفعل اصبح كبيراً بالعمر جداً !
قال بوارو : لدينا مجموعة من العلاقات التي يرتبط بعضها ببعض. الأب والإبنة وزوجة الأب . ولدينا الخال الكبير في السن الذين يسكنون معه . ولدينا الفتاة سونيا ، وهي ترتبط مع الخال ، اذ تشتغل معه , وهي ذات سلوك مهذب . لدى الخال روديريك رسائل مهمة قد اختفت ايضا ، فقد كان روديريك شخصاً ذا شيء من الأهمية خلال الحرب . غادرت نورما منزلها و انتقلت إلى لندن . وهي فتاة ثالثة تتقاسم مع بنتين غيرها شقة . وما علمته أن كلوديا هي معاونة والد نورما . والفتاة الثانية فرانسيس رأيتها مع الطاووس ديفيد ، والذي تحبه نورما . قالت أوليفر : ولكن الغريب في موضوع كلوديا وهو أنها على درجة من الكفاءة في أي شيء تتولاه ، وربما كانت هي التي دفعت المرأة من الشباك من الطابق السابع . فالتفت بوارو وقال : ما الذي تتحدثين عنه ؟!
فقالت : مجرد امرأة... لا أعرف إسمها ، وقعت من الشباك او القت بنفسها من الطابق السابع وماتت . فصاح بوارو : ومع ذلك لم تحدثيني عن هذا الموضوع لغاية الان . لقد طلبت منك أن تخبريني عن حالة وفاة . متى جرت بالضبط ؟
فقالت : اعتقد انه كان قبل نحو أسبوع من ذهابي إلى هناك . و قال لي ذلك موزع الحليب في مجمع بورودين .
فقال : نعم ، تلك هي الرابطة . إحداهن ألقت نفسها أو وقعت من شباك من الطابق السابع فقُتلت . وبعد فترة زمنية ، سمعتكِ نورما تتحدثين عني في حفلة بيتها ، فاتت حتى تقابلني وقالت إنها تخشى أنها ربما ارتكبت جريمة قتل . نعم، يجب أن تكون هذه هي جريمة القتل . ثم أسرع بوارو و خرج من الحجرة .
رجع بوارو إلى شقته فجاءه معاونه جورج وقال : اتت بنت يا سيدي , إنها البنت التي اتت مع السير روديريك . ولم تنتظر سونيا ان يعلن جورج لقدومها ، بل سبقته إلى الحجرة وقالت : جئت لاقول لك بأنني لم آخذ تلك الأوراق . لم أسرق اي شيء البتة . أنا نزيهة جداً وأفعل ما يُطلب مني . السير روديريك يُضيع الأشياء . إنه يضعها في أماكن ليست سهلة . وأعرف أنك تشك بي . والجميع يشكون بي لأنني غريبة عنهم . فقال لها : هل ترغبي في ان تقولي لي شيئاً آخر؟ فقالت : لا . فقال بوارو : لا أريد تأخيرك لا بد أنه يوم اجازتك . فقالت : نعم إنه يوم عطلتي ويمكنني الذهاب إلى المتحف البريطاني . فقال بوارو : أو إلى كيو غاردنز . فتصلب جسدها . فقال لها : لا أريد ان ااخرك ، ربما كان لديك اصحاب ترغبين في زيارتهم في إحدى السفارات . فقالت: لماذ تقول هذا ؟ لقد ألقى أحدهم اتهامات ليست في صالحي . من أخبرك عني ، لعلها السيدة ريستاريك أليس كذلك ؟ أنا لا اطيقها . إن لديها أسراراً أيضاً وتذهب إلى لندن لتقابل رجلاً ثانيا . والآن سأذهب !
في صباح اليوم الذي يليه ، نهض بوارو وكانت اول زيارة قام بها إلى مجمع بورودين مانشينز . اقترب من الحارس وقال له : هل في مقدورك أن تخبرني عن حادثة مؤسفة جرت تقريبا هنا منذ شهر , أقصد حادثة الإنتحار ؟ فقال الحارس : أوه، نعم. السيدة تشاربنتير . كانت تعيش هنا منذ نحو السنة في الشقة 76 ، في الطابق السابع . كان انتحارها في الساعة الخامسة أو السادسة صباحاً . دون إنذار . رايناها تسقط من الاعلى . سأل بوارو : ماذا تعرف عن نورما ريستاريك ؟ فقال : إنها لم تأت إلى المجمع إلا من فترة قصيرة . تبدو خائفة بعض الشيء . لا أحسب إلا أنها تخرجت حديثاً من مدرستها . وبعد فترة صعد كل من بوارو والحارس إلى الشقة ، ثم خرجا منها فلم يكن هناك شيء يلفت الإنتباه . لم تكن صورة ما حدث واضحة لديه بشكل كبير . لم يظهر شيء يدعم نظريته التي تقول إن موت السيدة تشاربنتير كان مهماً . كرر إسمها الأول متأملاً ، لويز...
اتصلت السيدة أوليفر ببوارو لتسأل عن اخر التفاصيل و التطورات التي وصل إليها . فقال لها : إن السيدة التي انتحرت امرأة كغيرها من النساء المنتحرات .. نساء يكن جميلات وهن شابات ، ثم يصبحن على درجة اقل من الجمال ، ويصيبهن الحزن فيشربن كثيراً ، ثم يعتقدن أًن لديهن سرطاناً أو مرضاً قاتلاً ، وهكذا تدفعهن الوحدة و الياس إلى إلقاء أنفسهن من الشبابيك !
نظر بوارو إلى واجهة البيت الجورجي الكبير الضخم . ضغط على الجرس . فتحت الباب امرأة مميزة الشكل طويلة القامة ، ذات شعر أشيب ، قالت: سيد بوارو ؟ أنت دقيق جداً في مواعيدك . تفضل بالدخول . فقال بوارو : الآنسة باترسبي ؟ فقالت : بالتأكيد. فقال لها : اعتقد انك انت المديرة السابقة لمدرسة ميدوفيلد . رغبت في ان اراك حتى نتكلم في موضوع تلميذة سابقة تدعى نورما ريستاريك التي اختفت منذ مدة قصيرة . أريد أن أعرف عن شخصيتها وصفاتها المعنوية . فقالت : الحقيقة إن نورما كانت فتاة عادية كغيرها من الفتيات . لم تكن ألمعية دراسياً ، ولكن مستواها كان مرضياً . ولكنها أتت من عائلة غير مترابطة نوعا ما . لقد كانت أمها كثيرة التمارض ؛ من النوع الذي يبالغ بامراضه و علله . وتلك خلفية منزلية مؤسفة لأية بنت ، فقد كانت الفتاة قليلة الثقة بنفسها ،عاطفية، ولكنها عادية .
جلس بوارو في مقعده الكبير . لقد أراد أن يجمع في عقله كل ما علم به و عرفه ، لأنه كان مقتنعاً أن هذه الأشياء يجب أن تشكل نمطاً معيناً .. رأى أن المال كان واحداً من الاشياء المميزة في هذه المسالة . مد بوارو يده على الطاولة ورتب سيرة حياة امرأة طبعت بشكل أنيق . الحقائق المجردة عن حياة السيدة تشاربنتير : امرأة في الثالثة والأربعين ، ذات مكانة اجتماعية حسنة ، ويقال إنها كانت طائشة في شبابها . تزوجت مرتين...و انفصلت مرتين . إن ما كان يريده بوارو هو وجود نوع من الصلة مع نورما ، ولكنه لم يقدر ان يعثر عليها . لقد تم التعرف على جثة المرأة لويز تشاربنتير من قبل محاميها .. لماذا كان إسم لويز ليس غريبا و كانه سمعه ؟ أهي إشارة عرضية سمعها ؟ عبارة ؟ تنقّلت أصابع بوارو بين الأوراق التي جمعها . آه ! ها هو السبب ! تلك الإشارة الوحيدة فقط ؛ فقد كان إسم الفتاة التي ترك أندرو ريستاريك زوجته من أجلها هو لويز بيريل . امرأة ليست على درجة كبيرة من الأهمية في حياة ريستاريك اللاحقة ؛ فقد تشاجرا و انفصلا بعد ما يقارب السنة . ورأى بوارو أنه النمط ذاته ... نفس الأمر في حياة هذه المرأة تحديداً . شعر بوارو بالثقة الأكيدة ، بأن لويز تشاربنتير هي ذاتها لويز بيريل .
ولكن كيف يمكن أن يرتبط ذلك بنورما ؟ هل رجع ريستاريك إلى لويز مرة ثانية بعد ان رجع إلى إنجلترا ؟ حينها دخلت السكرتيرة الآنسة ليمون وقالت لبوارو : إن الدكتور ستيلنغفليت يصر على ان يتكلم معك على وجه السرعة . حينها رفع بوارو السماعة وقال الطبيب : لقد خرجت الفتاة من البوابة الأمامية . فقال بوارو : لقد كان من الجنون أن تتركها تخرج .
فقال الطبيب : كان هذا هو الإتفاق... أن تكون لها حرية الخروج في أي وقت . لقد ذهبت في الصباح بعد أن قرأت الجرائد . فقال بوارو : معلومة جيدة نبدأ منها. عليّ أن أبحث عن الإعلان المحتمل الذي جعلها تخرج وأتحرك بسرعة. مشت فرانسيس في شارع مانديفيل وهي تمسك بحقيبة سفر صغيرة ، وكانت تتكلم مع صاحبة راتها لتوها عند المنعطف . فقالت الفتاة : من أين أنت راجعة ؟
فقالت فرانسيس : من مانشيستر . كان هناك عرض خاص لأحد المعارض ، وقد حقق نجاحاً كبيرا . انعطفت فرانسيس إلى مجمع بورودين مانشيز فيما مضت صاحبتها الى منزلها في آخر الشارع .
أدخلت فرانسيس المفتاح في باب الشقة ، فلاحظت أن المصباح في حجرة الجلوس كان مشعلا . فتحت باب حجرة الجلوس المضاءة ودخلت ... ثم توقفت جامدة ، وتصلب جسمها باكمله وعيناها تحدقان إلى الجسم المرمي على وجهه على الأرض . دفعت رأسها إلى الوراء و صاحت ، ثم خرجت وقرعت بشكل محموم باب الشقة المجاورة . كانت شقة امرأة كبيرة في السن فقالت فرانسيس للعجوز : يوجد شخص ميت .. إنه ديفيد بيكر . إنه متمدد هناك على الأرض ... اعتقد انه مطعون . هناك دم في كل مكان . حينها دست الآنسة جاكوبز كوبا مليئا بالماء في يد فرانسيس وقالت : انتظري هنا و تناوليه . وخرجت إلى شقة فرانسيس فرأت هناك شاباً وسيماً ممدداً على الأرض . ثم انتبهت بجفلةٍ إلى وجود جسم ثاني معها في الحجرة . كانت ثمة فتاة تقف ضاغطة جسدها على الجدار كانت تمسك بسكين مطبخ وكانت تقول : نعم , لقد قتلته ... ولكني اعتقد أنني اضطررت لفعل هذا . لقد كان في مأزق . وأرسل في طلبي ... و اتيت الى هنا ... ولكنني رغبت في ان اتحرر منه . فأنا لم أحبه حقاً . ثم وضعت السكين على الطاولة ، وقالت: أليس من الأفضل أن تتصلي برجال البوليس ؟ حينها أدرات الآنسة جاكوبز طائعة الرقم 999 .
كان ستة أشخاص موجودين في هذه اللحظات في الحجرة . وجاء رجال الشرطة أيضاً . جلس أندرو ريستاريك على الأرض . وقد كرر: لا يمكن ان اصدق ذلك ... فقد اتصلوا به ، وجاءت معه كلوديا ريسلاند . بينما جلس بوارو والسيدة أوليفر جنباً إلى جنب ، وكانا قد بلغا الى البيت مع بلوغ الشرطة الى المكان . وكان آخر الواصلين هو كبير المفتشين نيل من شرطة سكوتلانديارد .
قالت أوليفر : ليت كان في مقدورنا ان نفعل شيء . فقال بوارو : لقد فعلت ... اتصلت بمن هو ضروري الإتصال بهم . لقد اتصلت بالدكتور ستيلنغفليت حتى يعطي شهادته في المحكمة . لقد كانت تحت رعايتة منذ اليوم الذي عثرت عليها فيه في مقهى شامروك . لقد قمت ببعض الترتيبات قبل أن اذهب اليها في المقهى . فقالت السيدة أوليفرو: وماذا فعلت أيضاً ؟
فقال بوارو : رتبت بعض الامور بحيث يكلفني أبوها بتقديم خدماتي له . لقد فرضت نفسي عليه . فقد زرته متظاهراً بأنني تلقيتُ منه رسالة يطلبني فيها ، و اطلعته على رسالة موقعة بإسمه . ولم أخبر أحداً عن موضوع هذا الطبيب ، فقد كان في الأمر خطر على نورما ، أو من نورما على شخص آخر ، فدائما كنت افكر هل نورما هي الضحية للخطط الجهنمية، أم أنها هي ذاتها الشخص المحرك .
قام بوارو إلى جانب أندرو ريستاريك وقال : هل أنا مصيب في اعتقادي يا سيد ريستاريك بأنك كنت ذات يوم تعلم من هي السيدة تشاربنتير ؟ فقال ريستاريك : نعم، لقد كنت أعرفها ... ولكن وقتها كانت تدعى لويز بيريل . وكنت غارقاً في حبها من راسي لاخمص قدماي ! وقد تركت زوجتي من أجلها . و هاجرنا إلى جنوب أفريقيا . ولم تكد تنقضي السنة الاولى حتى انهار الأمر كله ، و رجعت هي إلى إنكلترا . ولا أعرف ماذا حل بها . فقال بوارو : وهل كانت نورما تعلمها ؟ فقال: نعم ، كانت تعرفها . كانت لويز تاتي الى بيتنا وتلعب مع الطفلة. سأله الدكتور ستيلنغفليت : هل سبق لابنتك أن تكلمت معك حول لويز في أي وقت ، فقال ريستاريك : نعم ، لقد ذكرتها لي في أحد الأيام . قالت لي لقد قابلت لويز قبل فترة قصيرة يا والدي .
فقال بوارو لكلوديا : وأنتِ يا آنسة ، هل سبق لنورما أن تكلمت معك حول لويز ؟ فقالت : نعم... كان ذلك بعد الإنتحار. وقالت إن المرأة شريرة . قالتها بطريقة بريئة . فقال بوارو : أتعتقدين أنها فعلاً مجنونة ؟ فقال الطبيب : إن هذه الفتاة عاقلة ... وهي لا تقل عقلاً عن أي واحد منكم أيها المتواجدون هنا في هذه الحجرة !
حدق الجميع فيه ، فقال: تلك الفتاة مسؤولة عن أفعالها و عاقلة . وسنحضرها بعد دقائق لتتحدث لنا عن ذاتها . فهي الوحيدة التي لم تتح لها الفرصة الى الان أن تتكلم ! فعندما جاءتني الفتاة كانت مشبعة بالمخدرات , ولكنها ليست مدمنة ، بل كان هناك انسان ما يضع لها المخدرات دون معرفة منها . ولقد سيطر عليها , وأظهرها أمام نفسها كشخص مختلف تماما . حينها قام الطبيب وأحضر نورما ، وكذلك تم إحضار فرانسيس ، وقال الطبيب لنورما : هيا، أنتِ فتاة طيبة... ولن يؤذيك أحد . اجلسي هناك . قولي لي يا نورما هل أنتِ قتلت ديفيد بيكر ؟
فقالت : نعم لقد قتلته بالسكين . فقال لها : كيف تعرفين أنك طعنته ؟ فقالت : لا اعرف . كان هنا على الأرض ميتاً .
فقال لها : أين كانت السكين ؟ وهل كان عليها دماء ؟ فقالت : السكين كان عليها دماء و ايضا على قميصه .
فقال الطبيب : وقعت عملية قتل ثانية قبل هذه ، أليس كذلك ؟ فقالت : تقصد... لويز ؟ قال : نعم ، متى فكرت بقتلها للمرة الاولى ؟ قالت : منذ اعوام طويلة . فقال : ولكنك لم تكوني موقنة أنك قتلتها ؟ فقالت: نعم . لقد جاء على بالي فكرة انني لم أقتلها على الاطلاق . هناك فترات طويلة من الوقت تغيب عن راسي ، ولا أستطيع أن أتذكر أين كنت وقتها أو ما الذي فعلته بها . ولكنني كنت أجد أشياء ... أشياء لا بد أنني اخفيتها بيدي . فقد كانت ماري قد تسممت على يدي ، وقد وجدتُ مبيد قاتل الأعشاب الضارة في درجي . وفي الحجرة هنا كانت عندي سكين ، وكان في حوزتي سلاح لا أذكر أنني اشتريته ! إنني حقا اقتل الناس ، ولكني لا أتذكر أني قتلتهم ، لذلك فإنني لست قاتلة ولكني غير عاقلة .
حينها قال بوارو : ما يزال شخص هناك ينقص جلستنا هذه . لقد استغرقت زوجتك وقتاً طويلاً حتى تلحق بنا هنا يا سيد ريستاريك ؟ فقال ريستاريك : لا أدري أين أصبحت ماري .
فقال بوارو : ربما كانت السيدة موجودة معنا هنا بشكل جزئي . ثم أخرج بوارو مغلفاً فيه باروكة شعر ، ثم قال : السيدة ماري ليست هنا ، ولكن باروكتها هنا ... أمر غريب عجيب ! لقد حصلت عليها من حقيبة الآنسة فرانسيس . وبحركة ذكية نحى بوارو الشعر الأسود الذي يحجب وجه فرانسيس بشكل كبير ، ووضع عليها الباروكة . فهتفت أوليفر : يا إلهي إنها ماري ريستاريك ! حينها قفز ريستاريك من كرسيه و توجه ناحيتها ... ولكن أوقفته قبضة المفتش نيل القوية وهو يقول له : انتهت اللعبة يا سيد ريستاريك ... أم هل أسميك روبرت أورويل ؟!
ذهب بوارو إلى نورما وأخذ يدها بكل رقة وقال : لقد انتهت محنتك يا ابنتي . لن تتم التضحية بك مرة ثانية ؛ فلا أنت بالمجنونة ، ولا قتلت اي شخص على الاطلاق . لقد تآمر عليك مخلوقان قاسيان لا قلب لهما ، بمخدرات تُدس بكل خبث و بدون رحمة ، حتى يقوداك إلى الجنون أو الإنتحار. إنه ليس والدك يا ابنتي ... بل هو رجل جاء إلى هنا بعد موت والدك ليقوم بدوره ويضع يده على النقود الكثيرة . وكان بوسع شخص واحد أن يميزه ... أو يميز أنه لم يكن أندرو ريستاريك ... وهي المرأة التي كانت صاحبة أندرو قبل خمسة عشر سنة !!
جلس بوارو على مقعده الكبير في حجرته ، بينما جلست نورما والسيدة أوليفر على الأريكة . وكان الدكتور ستيلنغفليت جالساً على مقعد اخر . وبدأ بوارو بسرد ما وصل إليه فقال : لقد كانت بدايتي من عبارة الفتاة الثالثة . لقد كانت نورما الفتاة الثالثة . كانت الشخص غير الموجود و الغائب . فقالت أوليفر : إنني أتعجب من انني لم اربط بين ماري وبين فرانسيس ، فقد رأيت ماري في بيت كروسهيدجيز و تكلمت معها . ورأيت فرانسيس ولكني لم أربط بينهما فقال بوارو : إن ما يضايقني هو ان الموضوع برمته كان أمامي طوال الوقت ، ولم أنتبه له ! كانت فرانسيس امرأتان مختلفتان . وحياة كل منهما مرتبة بحيث لا ينتبه اي أحد الفجوات الكبيرة في جداول أوقاتهما . فماري تسافر بكثرة إلى لندن ، وفرانسيس تسافر إلى مانشيستر وخارج البلد مع هواة الفن . أما بالنسبة للخال روديريك فكان رجل كبير في السن نصف اعمى . لم يعرف ريستاريك أبداً بشكل كبير منذ ان كان تلميذا في المدرسة ، وقد قبله دون سؤال . كان أورويل وفرانسيس مجرمين منحرفين . فقد دخل أورويل وريستاريك في صفقات للبحث عن احتياطات المعادن ، وبعدها انتشرت شائعة - وربما كانت صحيحة- أن ريستاريك قد توفي و لكن تم في ما بعد نقضها . لم يشك أحد في البداية ، ولكن ، بعد ذلك ، بدأت المواضيع تسوء ؛ فقد أتته رسالة من لويز . ولكنها لو قابلته وجهاً لوجه لعلمت أنه ليس ريستاريك . كما ناله طرف آخر من سوء الحظ ... فقد بدأ ديفيد بابتزازهم بعد أن زور له لوحته الشخصية . وبعدها لعبوا بأعصاب نورما ، و جعلوها تدمن على المخدرات ، وجعلوها تصدق أنها اقترفت جريمتين لأنهما أرادا ضحية . لقد رجعت فرانسيس الى المنزل في قطار مبكر ، وغيرت شكلها في القطار واضعة باروكة ماري وزينتها . ثم انتقلت إلى بورودين ، ودخلت الشقة حيث كان ديفيد في انتظارها كما طلبت منه . و قتلته . ثم خرجت ثانية . وعندما رأت نورما و هي اتية باتجاهها غيرت من هيئتها ، وصعدت بصفتها فرانسيس وقامت بذلك المشهد. حينها قالت أوليفر : وماذا بالنسبة لأوراق روديريك وسونيا . فقالت نورما : لقد ظهرت الأوراق في مكان اعتقد أنه بحث فيه من قبل... وقد وجدتها سونيا. وسيتزوج الخال رودريك وسونيا في الأسبوع الاتي . حينها قالت أوليفر : ماذا ستفعلان بنورما ؟ فلم يقل بوارو شيئاً ، فقط اكتفى بالإبتسام . فقال الدكتور ستيلنغفليت : ساقول لك يا نورما . إنني ساذهب إلى أستراليا بعد أسبوع , و ارغب في أن أبحث هناك عن عمل من البداية ، ويمكنك أن تنضمي إليّ ، ونتزوج . وقفت نورما جامدة ساكتة . نظرت إلى الدكتور بكل تامل ، ثم ابتسمت وقالت : حسناً ، لا بأس . ثم قالت نورما لبوارو : أنا كنت وقحة يوم جئت اليك وقلت لك إنك أكبر سناً من أن تعاونني . وكانت تلك عبارة وقحة ، ولم تكن صحيحة . ثم قالت للدكتور : من الأفضل أن تجلب لنا سيارة أجرة . ثم خرجا من الحجرة .
التفتت السيدة أوليفر إلى بوارو وقالت : قل لي هل بعثت هذه الفتاة إلى هذا الدكتور على وجه الخصوص عامداً ؟ أنت تعرف ما اقصده ؟ فقال : إن كان لا بد أن تعرفي فنعم .
النهاية.
تعليقات
إرسال تعليق