القائمة الرئيسية

الصفحات

تلخيص رواية غادة الكاميليا –الكسندر دوماس الابن - اعداد واشراف – رجاء حمدان










لسماع الرواية والاشتراك بالقناة ..قناة راجوشو ...الرابط التالي : 

"راجو شو يقوم بتلخيص الروايات بإسلوبه المستقل عن الرواية الاصلية بما يتناسب مع حقوق النشر وحقوق الملكية الذي ينص عليها قانون حقوق النشر واليوتيوب """"


  
تلخيص رواية : 
غادة الكاميليا : الكسندر دوماس الابن 
إعداد وإشراف : رجاء حمدان 


كنت اسير ذات يوم في شارع لافيت فوقع نظري على لوحة اعلان لبيع أثاث ثمين ونادر بالمزاد العلني، وذكر ان البيع سيتم في يوم 16 من ذلك الشهر، في منزل رقم 9 بشارع داشتان، لكن لم يذكر اسم صاحب الأثاث، وأن باستطاعة الراغب بالشراء الذهاب لرؤية الاثاث في يومي 14،15.

ولأنني من هواة جمع الاثاث الثمين النادر قررت انتهاز الفرصة والذهاب لرؤية الأثاث ...وان لم يكن للشراء فانه للمشاهدة على الأقل،  ذهبت في صباح اليوم التالي، كان كل من جاء لرؤية الأثاث من ذوي الطبقات المخملية الراقية، وكان في الأثاث الكثير من مظاهر الترف والرفاهية، بعد جولة قصيرة بين الغرف عرفت ان هذا الأثاث لإحدى الغانيات الفاتنات ذوات المكانة البارزة في عالم اللهو والعبث ممن يعشن في كنف واحد او اكثر من النبلاء الأثرياء .

تنقلت بين الغرف كان هناك غرفة على بابها ستار ثمين هممت الدخول لكن السيدات الاتي كن داخلها خرجن وعلى وجوههن ابتسامة غامضة تدل على ان ما شاهدنه في تلك الغرفة قد خدش ما يزعمنه لأنفسهن  من الحياء والاحتشام، فأثار فضولي ذلك ودخلت الغرفة، كان بداخلها ثياب الغانية المتوفاة... وكل ما فيها يشهده النعيم الذي كانت تحفل فيه، وان هناك كنز من ادوات الزينة وكلها من الذهب والفضة، كان من الواضح انها جمعت تدريجيا فهي ليست هدية عاشق واحد بلا ريب.
نظرت الى الأدوات التي تمثل كل واحدة منها احدى مغامرات الغانية، وقلت لنفسي لا شك ان السماء ترفقت بهذه الغانية اذا لم تمد في اجلها حتى  تستوفي العوقبة التى يفرضها الاثم على أمثالها الخاطئات، بل سمحت لها ان تموت وسط مظاهر النعيم وفي ذروة شبابها ومجدها، قبل ان تدركها الشيخوخة فالخاطئة المتقدمة في السن لا تفخر بكرامة ولا تثير الاهتمام فيما تبقي لها من ايامها للحسرة والندم.
كان معي احد الحراس المكلفين بحراسة الأثاث اقتربت منه وقلت: هل لك يا سيدي ان تذكر لي صاحب هذا المنزل؟
 فأجاب: هذا بيت الآنسة مرغريت جوتييه،  آه ...كنت قد رأيت هذه الفتاة مرارا وتكرارا.


قلت: ماذا تقول؟ هل ماتت مارغريت جوتييه؟ ولماذا فتح بيتها لكل عابر سبيل؟
فأخبرني ان عليها ديون طائلة وان الديانة لم يروا افضل من هذا الحل حتى يستعيدوا اموالهم.
 كانت مارغريت جوتييه تقضي مساؤها في حضور المسارح والمراقص كما انها كانت شديدة الحرص على حضور العرض الأول في المسارح، عندما تعرض مسرحية لأول مرة تجدها ومعها ثلاثة اشياء لا تفارقها: المنظار المكبر، حزمة من الحلوى، وباقة من زهور الكاميليا.




لم يعرف عن مارغريت  يوما انها استعاظت عن الكاميليا بزهور اخرى، لدرجة انها اشتهرت في كل باريس باسم (غادة الكاميليا).
وعرف عنها في المجالس المعروفة انها كانت ذات يوم عشيقة شاب في مقتبل العمر من شباب الطبقة الراقية، وكانت تعترف بذلك بصراحة، وعلم ايضا انها رحلت منذ ثلاثة أعوام الى بانير، حيث قيل ان لها علاقة بدوقا أجنبيا متقدما بالسن واسع الثراء، كان له ابنة كانت مريضة وتوجد في مشفى في بانير وان مارغريت كانت في نفس المشفى، وكانت تشبه ابنته بشكل كبير، لكن ابنته توفيت، فكان يرى ابنته في مارغريت فجاء اليها وقبلها على جبينها وطلب منها ان تسمح له بان يزورها لانه يرى فيها ابنته مقابل ان يقدم لها الهدايا فقبلت، ولكن كان هناك اناس يعرفونها ذهبوا  اليه واخبروه بقصتها، فطلب منها ان تبتعد عن حياة اللهووالعبث وقبلت .

 بعد فترة تعافيها عادت اكثر جمالا وجاذبية من ذي قبل وعادت الى باريس ولكنها شعرت بالملل  والضجرفعادت لحياتها السابقة وأخذت تستقبل الزيارات بعد مغادرة الدوق ،وحين اكتشف  الدوق الأمر غادر، الا انه لم يستطع ان لا يزورها  فعاد في الأسبوع الثاني وقال لها انه يقبل بها كما هي.

ذهبت في يوم 16 آذارم/ مارس الى شارع دانتان وهو اليوم المحدد للمزاد، كان البيت صاخبا بالناس من الغانيات المبذرات ، والدوقة والدوق ، وبعض النساء الشريفات، لم يكن القصد من حضوري الشراء بل لأجل التسلية،  بيعت جميع الثياب والحلي وادوات الزينة بسرعة مدهشة.. ولم تكن تهمني هذه الاشياء.. انتظرت صابرا حتى صاح الدلال:
ها هي نسخة من كتاب (مانون ليسكو) مجلدة تجليدا فاخرا أنيقا وفي الصفحه الأولى بضع كلمات وكان الثمن الأساسي عشرة فرنكات..
ساد صمت طويل ثم قال احدهم اثني عشرة، فقفزت قائلا: خمسة عشر لكني لم ادري لما كنت اريد الكتاب ربما كان الفضول مني في أن اعرف ما هي الكلمات بالصفحة الأولى، قال الرجل الأخر: ثلاثون كان صوته ينم عن التحدي فقلت اربعون وهكذا الى ان قلت مائة فرنك بلهجة تنم عن التحدي وبيع الكتاب لي، قرأته مرتين وكانت الكلمات بالصفحة الأولى:
(مانون تقدم خضوعها لمرغريت)                                              
التوقيع 
أرمان ديفال
سألت نفسي ما معنى كلمة خضوعها ، ترى هل رأى السيد امان ديفال ان مارغريت تفوق مانون في وجوه العبث واللهو.
أم انه رأى أنها تفوقها في شدة الحساسية . . ونبل العاطفة . . فاستحقت منها ذلك الخضوع، كان الأفتراض الثاني أقرب الى الأحتمال.

كانت قصة الكتاب كالتال: (كانت مانون فتاة حسناء احبت شابا فقيرا يدعى الشيفالييه  ولأن الفتاة كانت مولعة بمظاهر الترف والنعيم وكره الفقر ، عمدت هى وحبيبها على ابتزاز المال من نبيل غير شريف أوقعته في حبها ، لكنه عندما شعر بما دبراه  له أستخدم نفوذه فأبعد مانون الى امريكا حيث كانت ترسل الى هناك فتيات اللهو والعبث، وهناك ماتت الفتاة في الصحراء من البرد والجوع، بين يدي الرجل الذي أحبته واحبها بكل جوارحه فحفر قبرها بيديه واسقاه بدموعه ثم دفنها ورأى مرسل هذا الكتاب الى مرغريت انها تشبه قصتها نهاية قصة مانون وان قلبها دفن في صحراء اشد خواء واجدابا من الصحراء التي دفت فيها مانون).

 دام مزاد البيع يومين وحصل مبلغا لا يقل عن مائة وخمسين ألف فرنكا قسم ثلثهما بين الدائنين واما الخمسون الفا اعطيت الى اختها التي لم تكن تعرف عنها الكثير بسبب هروب مارغريت من بيت أهلها منذ زمن طويل، كانت تلك الأخت حزينة  عندما علمت اخبارا عن اختها بأنها قد توفيت الا ان  المبلغ الذي ملئ جيوبها جعلها لا تحزن كثيرا.

 بدأ  ستار النسيان ينسدل  على قصة مارغربت والمزاد ، الى ان حدث فى أحد الايام أن طرق احدهم باب شقتي ففتح له الخادم وكان هذا الرجل هو السيد أرمان ديفال، حاولت ان اتذكر هذا الاسم ثم عرفت أنه الأسم الذي كان مكتوبا في الصفحة الأولى من كتاب (مانون ليبسكو) الذي ابتعته من المزاد العلني الذي حدث في بيت مارغريت جوتييه.
اعتذر عن زيارته المفاجأة وتطفله، ثم قال انه علم من الدلال انني أنا الذي اشترى كتاب (مانون ليبسكو) وقال لي: لقد علمت مدى حرصك للحصول على الكتاب لأنك دفعت ثمنه غالي، وطلب مني ان اتنازل عنه له مقابل رد ثمنه لي، فسألته أانت من اهدى الكتاب لمارغريت جوتيه؟ اجابني نعم، فأهديته الكتاب ورفضت ان اخذ ثمنه وقلت له : ارجوا ان يكون هذا الاهداء عربونا لصداقة أتمنى ان تتوثق اواصرها في المستقبل، فقبله منى شاكرا ، لم ارد ان القي عليه  مزيدا من الأسئلة حتى لا يظن انني لم اخذ ثمنه مقابل الحصول على المعلومات، ثم سألني: هل فهمت معنى الكلمات التي كتبت في اول صفحة؟ فأجبته: انني فهمت أنك لمست في تلك الفتاة التعسه ما يرقى بها فوق مستوى طبقتها.. ولم يخطر ببالي قط انك قصدت من تلك العبارة شيئا من الهزء والسخرية بها.
قال: أصبت يا سيد . . هو ذاك . . فقد كانت الفتاة ملاكا كريما. .إليك هذه الرسالة فقرأها.

عزيزي أرمان،                                                                     
          ( تسلمت رسالتك.. وأحمد الله على انك لا تزال كريما كعهدي بك من اهتمامك بأمري ولكم أود لو يمتد بي الأجل حتى أسعد مرة أخرى بضغط اليد الكريمة التي كتبت الرسالة التي استلمتها لتوي.. وكتبتها بلغة تكفي في ذاتها لشفائي ان كان لعلتي دواء.
لكن لا أمل في لقائك مرة أخرى .. لأنني أقرب ما يكون الى حتفي.. وبيني وبينك مئات المراحل.
يا صديقي المسكين . . ان مارغريت التي عرفتها في ما مضى قد تبدلت تبدلا محزنا .. وربما كان من الخير الا تراها كما هي الان.
تسئلني أن اصفح عنك.. وأني لأصفح عنك عن طيب خاطر فان ما اصابني من عسفك لم يكن الا دليلا على فرط حبك.
انني الازم الفراش منذ شهر واستقطع بعض الوقت كل يوم لأكتب يومياتي منذ افترقنا، وسأواصل الكتابة حتى اعجز عن حمل القلم .
فإذا كان يهمك امري حقا يا أرمان، فاقصد جوليا دنييار عقب عودتك الى باريس.. فسوف تقدم اليك هذه اليوميات ومنها تعلم سر تحولي عنك.
ومتى انتهت اليك يومياتي وقرأتها لا تشكرني عليها.. فإن كتابتها كانت تذكرني بأسعد ساعات حياتي، فتخفف هذه الذكرى عن الامي.
 لقد كنت اود ترك لك شيئا من متاعي لتتذكرني به . . ولكن كل امتعتي حجز عليها واصبحت لا املك حتى الثياب التي ارتديها. هل تفهمني ياصديقي؟
انني طريحة الفراش لكنني اسمع خطوات الرجل الذي وضعوه لحراسة امتعتي حتى لا ينقل منها شئ... كل ما ارجوه ان يرجئوا البيع قليلا حتى يقضي الله في قضائه..
ان هؤلاء الناس لا رحمة في قلوبهم. . ولكن لا. . هذه عدالة السماء يمهل ولا يهمل.. فلم يتبقى لك شيء الا ان حضرت المزاد واشتريت بنفسك، لأنني لو كنت خبأت لك شيئا مهما كان تافها، ثم أكتشفوه فلن يتردد القوم على اتهامك بالاستيلاء على شيء محجوز.
أواه . . ما اتعس هذه الحياة التي اوشك على الخروج منها!
كم أتمنى لو تترفق السماء فتسمح لي برؤيتك مرة اخرى لكنني ارجح ان اودعك الان، إا كنت لا اطيل الكتابة اليك . . فإن المرض قد هد قواي حتى عجزت عن توجيه القلم.
مارغريت جوتييه )
بعد ان فرغت من قرأة الرسالة أعدتها اليه .

 فقال لى : كلما اتذكر انها ماتت دون ان اراها، وانني لن اراها مرة اخرى . . كلما فكرت انها فعلت من أجلي أكثر ما تفعله الأخت من أجل أخيها . . كلما فكرت انها لن تغفر لنفسي انني تركتها تموت هكذا.. لقد ماتت وهي تفكر بي وتكتب لي وتردد اسمي يا لها من فتاة مسكينة. وأخذ يجهش بالبكاء وهو يتذكرها
 ثم قال: لست اعرف كيف  أستطيع ان أعبر لك عن خالص شكري وامتناني؟ فأجبته بل تستطيع ذلك، بأن تشرفني بصداقتك  وتحدثني عن حزنك والمك . . فالانسان يجد كثيرا من العزاء في البوح بآلامه ومتاعبه.
قال: هذا صحيح. . ولكني الان متعب خائر القوى واخشى الا تسمع مني كلاما مفهوما على انك ستعرف قصتي في احد الايام وترى ان كان يحق لي ان احزن على تلك الفتاة المسكينة، اما الان فأرجو ان تسمح لي بزيارتك مرة ثانية، ثم ودعني وخرج من البيت.
مر وقت  ليس بالطويل من الزمن لم اسمع بها عن ارمان شيئا،ولكن منذ تم بيع متاع مارغريت في المزاد والى الان وانا اسمع عنها ، حتى خيل الي انها ليست كسائر النساء في طبقتها، ثم قابلت يوما احد اصدقائي.. فبادرته بالسؤال: هل تعرف مارغريت جوتييه؟ !  قال: غادة الكاميليا؟ ! نعم انني اعرفها حق المعرفة، وتبع هذه الجملة بضحكة خفية يعلم ما معناها.
ثم قال: انها كانت من بنات الهوى، لكنها كانت تختلف عن مثيلاتها بخفة روحها وشدة حساسيتها، واعرف انها كانت سببا في افلاس البارون دي ج... ، وكانت عشيقة شيخ هرم هو الدوق دي ب... فقد منحها مبالغ جسيمة، قلت له: هل هذا فقط ما تعرفه، كنت دائما اسمع عن القصة التي تلوكها الألسن والشائعات التي يتناقلها الناس، لكنني كنت اريد معرفة شيء محقق عن الصلة بين ارمان ديفال ومارغريت.



 قابلت رجلا يعرف عن النساء ذوات المكانة البارزة وسألته عن مارغريت جوتييه فقال: انها كانت حسناء طيبة القلب، كان لها عشيقا اسمه ارمان ديفال وهو شاب طويل اشقر ، انفق كل ثروته الضئيلة عليها واحبها حب جنون فقد قضى معها خمسة او ستة شهور في الضواحي ولكنه اضطر الى هجرها عندما عادت الى باريس، و لم يلتقيا بعد ذلك.
فقلت في نفسي وانا لم اره بعد تلك الزيارة التي اراني فيها الرسالة، ولانني رأيت في حزنه معنى الأخلاص في الحب فقلت ربما هذا الحزن والاخلاص ادى الى ان  يمرض ولعل هذا سبب عدم عودته لزيارتي مرة اخرى، فقررت ان أقوم بزيارته ولكني لا اعرف عنوانه ولم اجد  أحد من  اصدقائي يرشدني اليه ، فذهبت الى بيت مارغريت وسألت البواب عنه ، لكن لسوء الحظ فقد وجدت بوابا جديدا لم يسمع عن ارمان فسألته عن المكان الذي دفنت فيه مارغيت، فقال انها دفنت في مونمارتر.
قصدت  مونمارتر في ايبرل/ نيسان . . وكنت مقتنع ان نظرة واحدة على قبر مارغريت تكفي للدلالة على مبلغ اسى ارمان. .
ذهبت الى المقبرة وسألت الحارس عن فتاة تدعى مارغريت جوتييه قد دفنت هنا في يوم 22 شباط/ فبراير وبعد ان تحقق من الدفتر الذي توجد به اسماء من دفن هناك  طلب من البستاني ان يقودنى الى قبرها  وقال: ان هذا القبر مختلف عن باقي القبور فان احدهم طلب مني الاهتمام به .
كان  القبرمزروعا بزهور الكاميليا كان منظره بديعا لدرجة ان احدا لن يظن انه قبر لولا وجود الشاهد الرخامي الموجود والمكتوب عليه اسم صاحبة القبر.
سألت البستاني عن الشخص الذي طلب منه الاهتمام بالقبر فقال: انه شاب وقد كان يبكى بكاء مريرا، لقد زارها مرة واحدة فقط ، لكنه بلا شك سيعود لزيارتها  مرة اخرى،  لقد سافر لزيارة شقيقة الانسة مارغريت جوتييه  ليأخذ منها أذنا بالسماح له لان ينقل جثمانها الى مكان فسيح في المقبرة الجديدة التي تبنى بجانب هذه المقبرة ان لبعض الناس عادات شاذه فانهم لا يريدون مثل تلك النساء ان تكون في مقابر الشرفاء بل يريدون ان يدفنوا في مقابر خاصة، بعد حديث طويل سألته عن عنوان ارمان ديفال، فأعطاني عنوانه ثم شكرته ونظرت نظرة اخيرة الى قبرها.

 وعندما هممت بالذهاب  قلت للبستاني: اذا انت متأكد انه لم ينسى مارغريت
فقال لي: انني لست مقتنعا فحسب بل واثق من ذلك لأنه سالني كيف يمكن له رؤيتها للمرة الأخيرة ... فقلت له لا يمكن رؤية الموتى بعد دفنهم الا اذا تم نقل الجثة الى قبر اخر ، فلذلك ذهب الى اختها كي يطلب منها الاذن في نقل الجثة.
قصدت العنوان الذي اعطاني اياه البستاني ولكني لم اجده هناك فتركت له بطاقة اطلب منه زيارتي بعد عودته او ان يرسل لي لزيارته، بعد يومين ارسل لي ليخبرني انه عاد وان  كنت أرغب بزيارته انا لانه هو متعب.

 عندما ذهبت وجدته محموم بسبب رحلته السريعة التي قام بها واستغرب انني اعلم انه ذهب للقاء اخت مارغريت، فاخبرته انني علمت من بستاني المقبرة انه ذهب الى لقاء اخت مارغريت وانه يريد نقل الجثة الى قبر اخر، وعلمت  كذلك انه حصل على الترخيص. كان مريضا ولكنه كان مصمما على الذهاب لمقابلة الشرطي واخباره بالامر لأخذ اذن الشرطة بالاضافة الى اذن اختها، كانت تلك الرغبة في رؤيتها حين تنقل من قبرها ربما تعد ضربا من  الجنون او تكون وليدة الحمة المصاب بها، لكنه  بالفعل أراد ذلك بأسرع وقت ممكن ظنا منه ان رؤية ما حل بها قد يخفف من الامه.
ذهبت معه لأخذ الاذن من الشرطة، وتم الاتفاق على نقل الجثة في صباح اليوم التالي العاشرة صباحا، طلب مني الحضور والذهاب معه لتلك المهمة، وفي اليوم التالي في الوقت المحدد ارسل رسالة الى ابيه بالبريد ثم غادرنا الى مونمارتر وصلنا الى هناك . كان  ضابط الشرطة فى انتظارنا ، سرنا الى القبر وبدأ البستاني  بازالة اواني الزهور ثم  بدأ رجلان بحفر القبر، وفي اثناء الحفر ارتطمت اداة الحفر بالاحجار التي تغطي التابوت فارتعد ارمان ردعة جعلته يضغط بقوة مؤلمة على يدي، ازيلت الاحجار الموجودة فوقه وتم اخراج التابوت من القبر وعندما فتح غطائة خرجت ريحة نتنة رغم انتشار اريج الزهور وكان الكفن الرقيق قد اهترئت اطرافه فظهرت قدمي الميتة، وانقبض الحاضرون وصاح ارمان يا الهي .
خارت قواي امام هذا المنظر . . ولا ازال حتى الساعة ارتجف فزعا و ذعرا كلما تذكرت تفاصيله المخيفة.

مد احد الرجلين ورفع طرف الكفن فظهر وجهها، كان منظرا يهول على المرء رؤيته ويصعب على أحد وصفه، لم يبق من العينين سوى ثقبين فارغين.. واختفت الشفتين .. وبرزت الأسنان البيضاء بروزا مخيفا.. وانسدلت خصلات الشعر على عظام الفكين فيما اختفت الأخرى، ورغم ذلك تبينت في تلك العظام النخرة اثر تكوين الوجه الوردي الجميل الذي طالما اعجبت به.

كان ارمان رغم شحوبه والمنديل الذي اصبح يقضمه بأسنانه ما زال ينظر الى ذلك الوجه المفزع، وبعد ان تأكد الضابط من ان هذه الجثة الصحيحة طلب من الرجلين اغلاق التابوت ونقله، لم يتحرك ارمان من مكانه وكان ينظر الى القبر الفارغ لكنه كان اشد امتقاتا من الجسد التي نقلت منه .

اخذته الى بيته واشعلت المدفأة ثم احضرت الطبيب واخبرته بما حدث ، نظر الى ارمان الذي كان محتقن الوجه فسألت الطبيب  بعد ان فرغ من فحصه  ماذا حصل له ، فقال لقد اصابته حمى شديده لهول ما رأى  ولكن حظه جيدا كل ما يريده المكوث شهرا حتى يبرأ تماما من مرضه، بعد اسبوعان دخل طور النقاهة وكانت صداقتنا قد توثقت، وكانت ذكراها لا تؤثر على نفسيته فقد اصبحت الاه خفيفة عند ذكر اسمها ولم يعد يذرف الدموع  مثل ذي قبل.

 قال لى: يجب علي ان اقص عليك ما حدث بيني وبين مارغريت.. ربما تستطيع ان تسجله في قصة لا يصدقها أحد .. ولكنك ستجد بلا شك لذة في كتابتها..  قال:
 لقدعرفتها  فى ذلك المساء بعد ان قضيت في الضواحي مع صديقي غاستون عندها عدنا في المساء الى باريس، ذهبت لحضور مسرحية في مسرح (ليه فاربيتيه)  وفيما نحن بين الفصول خارج صاله المسرحية مرت بنا سيدة طويلة حياها صديقي كانت هي مارغريت جوتييه، فقال مندهشا لقد تغيرت كثيرا حتى انني لم اعرفها لقد كانت مريضة مسكينة، فقلت له آه يبدو انها لن تعمر طويلا.

قال : كنت اذ قابلت هذه الفتاة قبل عامين تجدها قد انقلبت رأسا على عقب، ولاحظ ذلك بعض اصدقائي ما جعل ذلك مصدرا لسخريتهم.

 لقد قابلتها لاول مره فى البورصة ، فوجدتها جميله ، كانت في السوق قد دخلت احدى محلات الازياء واردت ان احييها لكنها دخلت مركبتها وغادرت مسرعه وعندما سألت صاحب المحل عنها قال: انها مارغريت جوتييه،  بحثت في كل مكان عنها، وفى احدى الايام ذهبت مع صديق لى الى مقصورة الاوبرى وهناك قابلتها كانت قد اشارت اليه ان ينضم الى جانبها فاخذني معه كي يقدمني اليها وبعد ان عرفت انه لا يحبها، اردت ان اكون عشيق هذه الفتاة، ونحن ذاهبان اليها قال لي لا تتوهم كثيرا انني سأقدمك لمارغريت وهي مجرد فتاة تعيش في أكناف عشاقها.. وما أكثرهم.. فلا تخر بين يديها ولا تتلعثم،فذهبنا اليها وقدمني ثم اقتربت من صديقتها وهتفت بضعة كلمات في اذنها لا بد انني كنت صاحب تلك الكلمات، كان في ذلك الوقت لي عشيقة تعمل في احدى المتاجر وهي صبية في ريعان شبابها  خرجت من هناك وعدت الى مقعدي، وقلت لصديقي لقد اعجبت بها قبل ان اعرفها لكن بعد ان عرفتها ذهب هذا الاعجاب.
بعد انتهاء المسرحية تبعتها الى بيتها، وشعرت بارتياح عندما وجدتها تدخل بيتها وحيدة ثم قابلتها في عدة اماكن، دون معرفة مني انها متواجدة بها، ثم مر اسبوعان علمت من صديقة انها مريضة جدا ، ذهبت لأستفسر عنها في بيتها دون ذكر اسمي  فعلمت انها رحلت الى بانير، ثم مرت الاسابيع والشهور دون ان أعلم عنها شيء حتى قابلتها كما قلت لك في مسرح ( ليه فارييتيه)، وعلمت حينها ان غيابها عني عامين كاملين لم يمنع قلبي من الخفقان لمجرد وجودها بجانبي، لمحت امرأة في المسرح تنظر الى مارغريت وكنت اعرفها، سلمت عليها وبعد المسرحية اوصلتها الى بيتها واخبرتني بدورها عن مارغريت وعن الدوق الكبير في السن وعلاقته بها كأب لها وان هناك دوقا يريد ان يكون لها لكنها ترفض ذلك وتقول انه غبي، وانها كفت عن حياة اللهو والعبث، ثم ذهبنا مع هذه المرأة وكان اسمها بروندس الى بيت مارغريت، كانت حسناء تجعل من يراها يتيم بحبها، وكان من شأن اي شخص يراها أن يشعر انها بريئة كالطفلة لكن شاءت الأقدار أن تجعلها تدخل طريق اللهو والعبث، وانه ربما تكون هناك صدفة قد تستطيع ان تغيرها من فتاة اللهو والعبث الى طفلة بريئة، تملئ الدنيا حبا وطهارة ومرحا.
تناولنا العشاء معا فى جو من المرح ، وكانت تقول النكات التي لا صلة لها بالأدب واللياقة، وتشرب الخمر وتضحك بصوت عالي حتى اصابتها نوبة سعال قوية وخرج بعض الدم على منديلها.

غادر الجميع بينما ذهبت انا  الى غرفتها، خفت عليها وتبعتها وهناك قلت لها تمنيت لو كنت احد اقربائك كي امنعك فعل ما تفعلينه بنفسك، فأجابت : أؤكد لك انه ليست ثمه ما يستوجب اهتمامك الى هذا الحد .. انظر كيف الأخرون يهتمون بي، لكنهم يعلمون انه لا يمكن عمل شيء من اجلي .

طلبت منها ان تهتم بنفسها وقلت: مع انني لم اتحدث معك الا قليلا الا انني ومنذ عرفتك لم يعر احد اهتمامي به مثلك  حتى ولو كانت اختي التي من امي وابي ارجو ان تعتني بنفسك حتى تتعافي نهائيا، واسمحي لي ان اسهر عليك الى حينها وبعد ذلك لك القرار ان تعودي لسالف عهدك او ان تصبح حياتك حياة هادئة، وانا اعلم انك ستؤثرين الحياة الهادئة لانها فيها سعادتك.

 فقالت :ان الحياة الهادئة تناسب الشرفاء فقط اما النساء الاتي مثل وضعى فانه يأخذ كل شخص منهن ما يريد  وان حدث شيء لها فلا أحد يسأل عنها، لقد لزمت الفراش لشهرين لم يزرني احد خلالهما. فهل انت مستعد للبقاء معي طوال النهار والسهر علي ليلا ؟، قلت لها: نعم ان لم يكن في بقائي ما يضايقك، فسألتني وماذا تسمي هذا؟ اسميه اخلاصا ، ثم سألت وعن اي عاطفة يظهر هذا الاخلاص؟ قلت: يظهر عما اشعر به من العطف نحوك.

علمت انني احبها، لكني بادرت قائلا : ربما كنت احبك.. ولكن ان كان مقدرا لي ان اصارحك بذلك يوما فليس الان، فقالت: من الافضل الا تصارحني بذلك ابدا، لأنني ان رفضتك ستغضب وان قبلت فسوف احكم عليك بأن يكون لك عشيقة مريضة فجميع عشاقي فروا مني لكثرة انفاقي فانني انفق في السنة ما يقارب الف فرنك .
ثم ان اهلك سوف ينبذونك عندما يعلمون ان لك علاقة بامرأة مثلي، لذلك لن يكون بيننا شيء، سوى الصداقة وتعال الى هنا متى شئت فنتحدث ونضحك معا..

لكن لا تبالغ في تقويم امري ولا تنخدع بقيمتي فانني لا اساوي شيئا، بينما انت طيب القلب وصاحب احساس نبيل، وانك تحتاج من يحبك، لذا امنح حبك لفتاة طاهرة او اخطب ود امرأة شريفة.
 اردت الاستئذان والخروج ولكنني خشيت ان افقدها اذا لم تقبل من المرة الاولى اهتمامي بها.

 اخبرتها انني احبها منذ اول مرة رأيتها فيها عندما كانت داخل محل للأزياء،واننى احبها الى اقصى حد يمكن لرجل ان يحب امرأة، قالت : هل تحبني الى هذه الدرجة. قلت : وأكثر من ذلك، قالت : ان وعدتني بأن اكون حرة فيما افعل ولا تطلب مني حسابا او ايضاحا على ما افعل فسوف احبك ، لكن احذرك بانه سيكون لي مطلق الحرية ، يجب ان تكن لي الثقة والخضوع والكتمان، قلت ستجدنني كما تريدين.
ثم طلبت مني عدم قول شيء لصديقي او جارتها او اي احد اخر، فقلت : ثقي بي تماما ثم اقتربت مني ضممتها وقبلت يدها وعدنا الى غرفة الطعام. . وانا شبه مجنون، انصرفنا واخبرت صديقي انني اعترفت لمارغريت بحبي لكنها لم تعدني بشيء.
عدت الى بيتي وبقيت اتذكر ما حدث دون ان يغمض لي جفن لم اكن مصدقا ماحصل بيننا  حتى شعرت ان كل ما حدث مجرد حلم او وهم، ثم اشفقت ان قبولها بي لمجرد لحظات عابرة تنتهي بعد ايام او اسابيع، ثم قلت في نفسي سوف تدين لي بشفاء جسدها وبراءة روحها وتبقى معي طيلة حياتي.

ذهبت الى لقائها واستقبلتني، كانت قد ارسلت في طلب بروندس، فهمت انها كانت تنتظر منها ردا، ثم اتت في الوقت التي كانت فيه مارغريت في الغرفة  تبدل ثيابها  فأخبرتني بروندس انها تحمل نبئا سارا الى مارغريت،وسلمت لماري ستة الاف من الفرنكان احضرتها من الشيخ المسن، لذي يعاملها كابنه له.
بقينا طوال الليل معا وانصرفت في الصباح بعد ان ودعتها، واخذت مفتاحها وابقيته معي لكن استخدامه فقط وفق ارادتها، لان للابواب مزاليج داخليه لكنها ستامر بازالتها، فقلت انك تحبيبنني بعض الحب اذا، قالت: لا... افهم شعوري.

ذهبت لبيت بروندس في المساء وانتظرت حتى تدعوني مارغريت لبيتها، كانت بروندس تحدثني بصراحة عن طبيعة حياة مارغريت وانها تعتمد على اكثر من عشيق حتى تلبي حاجاتها من الأموال فانها اعتادت على نمط معين من العيش لا تستطيع ان تتنازل عنه، واخبرتني انها معجبه بي كثيرا لكنها لا تريد التنازل عن تلك المكانة من الترف، بقيت حائرا فترة ثم قلت في نفسي: وماذا اريد اكثر من ذلك.
عرضت على ان نختلي وحدنا في الضواحي لشهر او شهرين وان هذه الخلوة ستكون جزء من خطة علاجها، وقالت لي تذكر أنني احبك. . احبك . . ولا تزعج نفسك بشيء اخر، فقلت لها: انني اوافق على كل ما يرضيكي.

 قالت :اريد ان أحيا حياة هادئة طفولية  وأن أمشي على ضفاف النهر وأشرب الحليب في الصبح، وطلبت منك مرافقتي في تلك الخطة لأنني اشعر انك تحبني لشخصي وليس كسائر الرجال، لنيل ما يريدون ثم الرحيل، قبلت عرضها وقلت ساكون سعادتك التي طالما اردتها. غادرت في السادسة صباحا.

ثم وصلتني رسالة منها تقول انها مريضة وسوف تذهب للفراش باكرا لذا لن تستطيع رؤيتي وانها ستراني ظهر اليوم التالي، انتابتني الشكوك وتألمت كثيرا عندما شعرت انها ستخونني، ذهبت الى بيتها في المساء فقال لي البواب انها لم تعد بعد بقيت انتظر طوال الوقت متخفيا وعند الساعة الحادية عشرة جاء الكونت دي ودخل البيت كنت امل ان يقال له انها ليست هنا، ويخرج كما فعلت ، لكنني بقيت انتظر خروجه حتى الساعة الرابعة فجرا. ثم عدت الى البيت وانا اشعر ان هناك جحيما في قلبي، وبقيت ابكي مثل الطفل.
 قررت ان انتظر بزوغ الشمس كى اغادر باريس واعود الى ابي واختي واحظى بحب طاهر لا يعرف معنى الخيانة، واردتها ان تعلم ذلك  وكتبت رسالة  استجمعت  بها قواي وقلت فيها :

عزيزتي مارغريت                                                              
( ارجو ان يكون مرضك بالأمس قد زال وزالت اثاره... لقد ذهبت الى بيتك في الساعة الحادية عشرة للاستفسار عنك... فقيل لي انك لم تعودي بعد! ولكن الكونت دي ج. كان اسعد منى حظا.. لأنه ذهب اليك بعد بضع دقائق، ودقت الساعة الرابعة صباحا وهو لا يزال عندك فمعذرة عن الساعات القلائل المملة التي أرغمتك على بقائها معي وشكرا لك على اللحظات السعيدة التي ادين لك بها، كنت اود ان اتي لاستفسر عنك اليوم، لولا انني في تأهب للسفر الى ابي، فوداعا يا عزيزتي مرغريت .. انني لست من الغنى كي احبك كما اريد وانني لست من الفقر كي تحبيني كما تريدين، اذا لتنسي اسما لا يكاد يهمك، ولأنسى انا سعادة لم تعد ممكنه وها انا ارد اليك مفتاحك الذي لم استفيد منه قط والذي يمكن ان يفيدك في لحظة مرض كليلة أمس.

ارسلت الرسالة مع خادمي اليها، وقلت له ان ينتظر حتى تقرأ الرسالة، عاد الخادم واخبرني انها مازالت نائمة وان كان هناك رد سوف ترسل به الي، بقيت انتظر والوقت الطويل يمر وتارة أئنب نفسي على الرسالة التي كتبتها فان بها كلاما جارحا، وتارة اقول لنفسي انها اقل من ان تكون جارحة، ثم خرجت ابحث عنها في المسارح لكنني لم ارها واقنعت نفسي بالعودة الى البيت على امل ان تكتب لي في الغد، وعندما اتى الصباح ذهبت الى بيت بروندس واخبرتني بان مارغريت جعلتها ترى رسالتى، وانها لم تنزعج ولم تحزن بسببي لانها لا تسمح لرجل بان يهين كبريائها، كما انها كانت دائما تتحدث عني وتقول انها تحبني.

ثم كتبت اليها رسالة تقول انني اريد ان اعتذر عن الرسالة التي بعتها بالامس وبعتها مع خادمي ولكن لم استلم منها رد بل جاءتني هي مع بروندس في الساعة الحادية عشرة، وطلبت منها ان تصفح عني، واخبرتني انها تريد قضاء دينها دون ان تكون مدينة لي، ثم اخبرتني انها لطالما حلمت بأن يكون لها حبيب يحبها باعتدال دون ان يغار عليها، ثم قابلتني ورأت من سعادتي ورغبتي بالحياة ما جعلها تفكر ان تجعلني الرجل الذي حلمت به ، قلت لها  : لن اكون بعد الان الا كما تريدين ارجوك مزقي الرسالة التي بعثتها اليكي ولا تدعيني ارحل، واصنعي بي ما شئت سأكون كما تريدين ولنتذكر شيء واحد انني لك وانت لي ونحن في ريعان شبابنا وكل منا يحب الاخر، فاخرجت الرسالة واعطتني اياها، فرميتها بالموقد وقبلت يدها ثم ردت الي المفتاح وقالت: حذاري ان تفقده مرة اخرى ثم ذهبنا ثلاثتنا الى بيتها لتناول العشاء.
أصبحت بعد ذلك اطئطئ الراس لجميع رغباتها واصبحت هي لا تطيق العيش بدوني، ثم في اليوم التالي لذلك اهديت مارغريت كتاب مانون ليسكو.





ولأنني لم استطع تحويل مارغريت عن الحياة التي صنعتها لنفسها  كما أننى لم استطع العودة لحياتي الهادئة فاصبحت حياتي كلها صخب واضراب، ثم ان العلاقة بفتاة كماغريت حتى لو تجردت من الاطماع فانها تكلف كثيرا ليس هناك اغلى من الزهور والحلوى والمسارح والمآدب والرحلات الريفية.

بعدها توفيت والدتي فقسم ابي التركه بيني وبين اختي وجعل لي راتبا من ايراده واخبرني ان هذا يكفيني ان اقمت بباريس ثم اكملت الدراسة فحصلت على شهادة المحاماة، لكنني دسستها في جيبي وانصرفت الى حياة اللهو والعبث والبطالة، كنت انفق دخلي السنوي في ثمانية شهور واقضي اربعة شهور في بيت والدي كي اسد النقص في دخلي واكون بارا بوالدي بنفس الوقت، لكن بعد ان عرفت مارغريت اصبح دخلي السنوي لا يكفي الا لثلاثة شهور، ولأسد النقص اقترض مبلغا ورحت اقامر، حالفني الحظ فازداد المبلغ الذي كان معي ولم يكن علي ديون وكانت مارغريت تدنو من شفائها.

ثم جاء وقت زيارتي لوالدي واختي فرحت اختلق لهم الاعذار كي لا اذهب وقلت انني لست بحاجة الى النقود..... شفت مارغريت وما عاد يأتيها ذلك السعال المزمن مع الدم، ثم شيئا فشيئا انمحى اسم الكونت  فقد ضحت به مارغريت ونفضت يدها منه وبقي فقط الشيخ الكبير الذي يعاملها كابنته.
ذهبنا في يوم جميل برحلة الى الريف وغابت عن ناظري تلك الغانية تدريجيا ونسيت الماضي وما كان يخجل، واصبحت ارى فتاة بالغة الجمال احبها وتحبني.. صبية تشرق عليها الشمس كما تشرق على أطهر العذارى.

هناك في الريف اعجب مارغريت بيتا صغيرا وكان قد اعجبني ايضا ، فطلبت من الدوق ان يستأجره لها، ففعل وكذلك استأجرت لي غرفة في حانة الفجر التي كانت قريبة من هناك وبعد اسبوع انتقلنا الى البيت الريفى، وعادت مارغريت تستقبل اصدقائها في بيتها الجديد وراحت بروندس تدعو ايضا اصدقائها وكانه بيتها وكانت نفقات البيت تزداد، وكانت بروندس تطلب مني بعض الاحيان النقود باسم مارغريت وكنت ألبي الطلبات  دائما.

 حدث في يوم ان الشيخ الكبير الدوق حضر لزيارتها ثم وجد نفسه في زوار كثيرون ووجد منهم السخرية فتراجع وعندما لحقت به، قال لها وهو غاضب: انه لم يعود قادرا على ان يصرف على مرأة لا تعرف كيف تجعله محترما في بيتها ثم انصرف، ومن حينها لم تعد مارغريت باذخه وكان عليها الاقتصاد فمنعت كل الزائرين، ثم دعتني للاقامة الدائمة معها ولم تحاول بعد ذلك كتمان علاقتنا.

حاولت مارغريت ان تعتذر للشيخ عن الاساءة التي تلقاها في منزلها فاخبرها انه سيتجاوز عن كل شيء ويلبي كل حاجاتها ان هي عدلت عن علاقتها بي لكنها رفضت وتخلت عن الحياة السابقة وارسلت بروندس تقول له اننا لسنا بحاجة اليه فانقطعت  علاقتها به.

اصبحت امرأة بسيطة  ومتواضعة وانهت علاقتها بكل اصدقائها وعدلت عن الاسراف واصبحت لي من الحنية كالزوجة لزوجها او اخيها، بعد ذلك حاول الشيخ ان يعود لزيارتها وبعث لها رسائل لكنها كانت تعطيني اياها دون ان تقرأها وعندما لم يصله رد توقف عن الكتابة.

كانت مارغريت تريد مغادرة الريف خشية الشتاء لكنها لم ترد العودة الى باريس وطلبت ان نذهب في رحلة خمسة او ستة اشهر الى ايطاليا، وكنت بدأت ارى في عينيها  نظرة حزن  وقلق وكثيرا ما كانت تبقى في غرفتها فتكتب لبروندس وبرندس تكتب لها  ،كنت قلقا واكثر ما اقلقني ان اشيائها بدأت تذهب ولا تعود واخر ما عرفت انه اختفى هو حليها، فقلت لها انني اريد ان اذهب الى باريس كي ارى ان ارسل لي ابي او اختي رسائل فهم لا يعرفون مكاني هنا، كانت تلك حجة لاذهب الى بيت بروندس واسألها ،فأخبرتنى : ان مارغريت عليها دين كبير وقد باعت كثيرا من امتعتها لتسد دينها لكنه ما زال عليها مبلغ كبير وان احضرتها الى باريس ستعود الى حياتها السابقة  لتحصل على الاموال وتقوم بسداد ديونها، فقلت لبروندس ان تعيد لها كل ما رهنته او باعته وانني سوف اسدد دينها ولكن دون ان تعلم، وذهبت الى بيتي فوجدت رسائل من ابي كان قلقا فكتبت اليه وعلمت انه سياتي لزيارتي، فطلبت منه ان يخبرني موعد قدومه و طلبت من خادمي ان ياتي ليخبرني ان اتى.

 عدت الى البيت قى الريف وكانت مرغريت تنتظرني وهي تعلم انني قابلت بروندس ورفضت ان اسدد دينها وقالت انها ستبيع  كل ما هو فائض عن حاجتها لتجد لنا منزلا نقيم به في فصل الشتاء وفي فصل الصيف نعود لنقيم في الريف واخبرتني انها ترفض ان تعود لسالف عهدها كما تكره الموت.
قبلت برغباتها ونزلنا ووجدنا لنا بيتا في باريس، واستغليت الفرصة فذهبت الى صديق ابي الذي كنت اذهب اليه لاستلم ايرادي من عنده  وطلبت منه ان يجعل اريادي  من تركة امي باسم مارغريت لكن دون علمها، وبعد ان عدنا الى الريف اتى خادمي يقول ان ابي اتى الى منزلي بباريس ويطلبني للذهاب هناك.

ذهبت وقابلت ابي و وجدته يعلم بعلاقتي بمارغريت ويعلم انها كانت احدى الغانيات غير الشريفات، طلب مني هجرها وعدم اعطائها ما كان ايرادا لي من امي، فعدت الى البيت عند مارغريت واخبرتها بما حدث وانني اخبرت والدي عن خطتنا للمستقبل، فقالت اعلم انك تحبني ولكني اعلم انك تحب ان تطيع اباك لذلك ربما عليك ان تهجرني، كنت ازور ابي كل يوم لكن لم اعرف مكانه الى ان قابلته في اليوم الثالث وجدت أنه قد عدل عما طلبه مني وانه قبل بمارغريت خليلة لي  سررت كثيرا وشكرته، وعدت في المساء الى مارغريت لازف لها الخبر السعيد.

لم تكن موجودة في البيت ولم تعد حتى حل الظلام ، عدت الى باريس ابحث عنها لم اجدها في بيتها ولم اجد بروندس لكنني وجدت رسالة مرسلة من مارغريت الى بروندس لتعطيها لي، قرأت الرسالة التي كان مضمونها انني عندما استلم رسالتها ستكون اصبحت عشيقة رجل اخر وتطلب مني العودة لابي واختي، وان اتركها ذهبت الى ابي والقيت بنفسي بين يديه واعطيته رسالة مارغريت.

ثم قضيت شهرا مع ابي واختي وبعدها عدت الى باريس وجدت ان مارغريت عادت لها اسباب الترف واللهو، زرت بروندس وسألتها عن مارغريت التي اخبرتني انها اصبحت عشيقة الكونت وبالرغم من انه لا يحبها فانه سدد لها قرابة كل دينها، واعاد لها جيادها وحليها وكل ما باعته لسداد دينها،وعلمت انها كانت عند بروندس وطلبت منها ان تسألني ان اصفح عنها.

 قررت ان انتقم منها بكل وسيلة متاحة لي فان الحب الذي زعمته اتجاهي لم يكن يساوي حبها للترف والمجوهرات فقد كانت مارغريت بغيا كسائر البغايا، لا تقوى على العدول عن حياتها، وكانت في عيني دمعة غضب كالنار وفي قلبي صيحة انتقام.




 ذهبت الى حفلة راقصة كانت تقيمها صديقة حسناء لمارغريت اسمها أوليما وهناك وجدت مارغريت ترقص مع الكونت حبيبها ببرود وعدم اكتراث ، ذهبت لأحيي صاحبة الحفلة الحسناء وطلبت منها ان ترقص معي فما انقضت بضع دقائق حتى غادرت مارغريت ساحة الرقص و وجهها شاحب شحوب الموتى.

واصبحت اوليما عشيقتي مقابل المال لأنتقم من مارغريت، وكنت كلما لمحتها فى مكان او تصادف وجودنا معا اهينها واتحدث اليها بقلة ادب، حتى امتنعت عن المسارح والحفلات كي لا تقابلنا،لم يكفني ذلك من الانتقام بل ذهبت اذيع عن مارغريت أبشع الإشاعات واقلها ادبا، ثم بعثت اليها برسالة اطلب منها الكف عن اهانة (اوليميا) المرأة التي احب بالرغم من ان اوليميا كانت دائما البادئة بالاهانات وبالرغم من سكوت مارغريت وترفعها، عن رد الاساءة بمثلها، الى ان اتت بروندس الي تخبرني ان مارغريت متعبه وشاحبة وهي طريحة الفراش بسبب ما افعله بها.

 في اليوم التالي اتت مارغريت الي لتطلب مني الصفح وقالت: ان ذهابها عنى كان نتيجة لظروف ونتيجة اناس لا يسعدها ان افترق عنهم ، ولم تقبل ان تقول من هم هؤلاء الناس، وعندما همت بالخروج وقفت بينها وبين الباب وقلت لها : ما زلت مجنون بك ولن اسمح لك بالذهاب، فقالت لي: ساكون طوع رغباتك لكن دون ان تشرك مستقبلك بمستقبلي، كانت مريضة عليلة وشاحبة كثيرا.

في اليوم التالي مساءا ذهبت مارغريت الى انجلترا ، وانا رحلت مع صديق لي في رحلة طويلة وصلت بها الى الاسكندرية وعرفت من موظف رأيته ببيت مارغريت ما اصابها من زيادة في مرضها، ثم  كانت وفاتها، فذهبت واخذت الصفحات التي كتبتها منذ افترقنا وتركتها لي عند جوليا ديبار.

وكانت قد كتبت الي في تلك المذكرات ما حدث عندما اتى ابي الى باريس وانه يوم ذهبت للقائه ولم يكن موجودا لانه ذهب اليها وبعد ان فهم انها تبيع اثاث بيتها لتسد ديونها لكي لا تكون عبئا علي شكرها للطفها واعتذر عن فظاظته في الكلام معها لكنه طلب منها ان تبتعد عني كي التفت الى مستقبلي، واخبرها ان اختى الطاهرة توشك على الزواج بحبيبها الطاهر، لكن اهل هذا الشاب علموا بعلاقتك مع ارمان  فاوشكوا على ان يعدلو عن هذا الزواج لو استمرينا  معا، لذلك بكيت في صمت وقررت الرحيل عنك ، وقلت في نفسي ( ما انا اولا واخيرا إلا بغي.. ومهما فعلت فسيظل غرامي يلبس ثوب الطمع .. وسيظل ماضي ينكر علي كل حق في مستقبل شريف سعيد).
وذكرت لي الحياة البائسة التي عاشتها بعد افتراقنا ثم لم تعد قادرة على الكتابة فكانت تطلب من خادمتها ان تكتب لها وكان اخر ما كتبته لها
19شباط/ فبراير(منتصف الليل) هذا يوم محزن يا سيد ارمان . .فقد تعذر على مرغريت ان تلتقط انفاسها . . ونصح لها الطبيب ان تطلب حضور قس وتعترف له . . كي يغفر لها.



ودعتني مارغريت اليها وطلبت مني ان افتح خزانة الثياب وقالت لي: ان هذا الثوب الابيض والقبعة العريضة ، عندما اعترف للقس ثم اموت، البسيني هذا الثوب وهذه القبعة ، ثم قبلتني وبكت.

وبعد ذلك اقبل القس لكنه كان يقدم رجلا ويؤخر الأخرى لانه علم في اي بيت هو لكن مارغريت قالت له تقدم يا ابت ولا تخف، وقضى عندها بعض الوقت ثم خرج وقال وهو ينصرف: انها عاشت بغيا، وستموت قديسة.
22شباط فبراير:

انتهى كل شيء . . ولم يتعذب شهيد كما تعذبت مارغريت .  فقد نهضت في فراشها مرتين او ثلاثة كانما تريد ان تمسك روحها وتستردها قبل ان تذهب الى بارئها . .
ثم نطقت باسمك كذلك مرتين او ثلاث ثم سالت من عينيها دموع وأسلمت الروح.
وناديتها فلم تجب فاغمضت عينيها. . مسكينة مارغريت ليتني كنت قديسة لتشفع قبلتي التي قبلتها لها.

23شباط/ فبراير
شيعت جنازتها  فى اليوم التالى . وبكاها بعض اصدقائها باخلاص. . ولما حمل التابوت في الطريق الى مونمارت لم يتبعه الا رجلان . . الكونت . . وقد عاد خصيصا من
لندن . . والدوق . . وكان يسير متكئا على ساعد خادمه . .


                         النهايه


تفاعل :