القائمة الرئيسية

الصفحات

تلخيص رواية العائد:حسن الجندي الجزء الثالث من مخطوطة ابن اسحاق - إعداد وإشراف:رجاء حمدان










لسماع الرواية والاشتراك بالقناة ..قناة راجوشو ...الرابط التالي : 

تلخيص رواية
العائد:حسن الجندي
الجزء الثالث من مخطوطة ابن اسحاق
إعداد وإشراف:رجاء حمدان
  



في ا ليوم السابق : عندما وضع محمود المحقن للمرة الثانية في ذراع إسلام, فجأة انفجر الحائط وخرج قرين إسلام وسط ذهول محمود ورقية التي صرخت وأغشي عليها. وبعد اختفاء القرين دخلت الممرضات إلى الغرقة بعد سماع صوت إطلاق الرصاص, ثم تبعهما الدكتور منصور, المشرف على قسم الجلدية, الذي إتسعت عيناه وهو يرى الجثة الذائبة أمامه, وأسرع إلى رقية لإنعاشها. وبعد أن أفاقت رقية, ذهبت إلى غرفة إسلام الجديدة للإطمئنان عليه. شعر إسلام بيد تمسح على شعره. لم يكن نائماً بل حاول إيهام الجميع بذلك, ليفكر بهدوء في كل ما مرّ به, عن القرين الذي زاره, وعن الطبيب الذي حاول اغتياله ثم تحول إلى جني. فتح إسلام عينيه فوجد رقيه تنظر إليه بلهفة, فقال لها : أرجو منك أن تتصلي برقم هاتف محمول سريعاً لصديق لي يدعى عماد, وأخبريه بالذي حدث هنا, وقولي... حينها طرِق الباب, وفتح الباب ودخل عماد وحامد ومعهما يصفيدش في هيئة رجل لا يعرفه اسلام, فغادرت رقية الغرفة. قال عماد: حراستك التي وضعها عليك حازم أخبرتنا بكل ما حدث. حينها قال يصفيدش فجأة : في أي كلية تدرس يا إسلام ؟ فقال إسلام : كانت على بالي, ولكنني لا أتذكرها الآن. حينها نظر يصفيدش إلى عماد, وقال: إن صاحبكم يفقد ذاكرته بالتدريج !!


كان حازم وعباد في الغرفة النحاسية, عندما بدأت حركة غريبة بين سوائل الغرفة, وانفجرت الغرفة. مرت على حازم ثلاث ساعات فاقداً للوعي في الغرفة النحاسية, وحين أفاق شعر بالعطش, حينها زحف إلى مكتب عباد, ثم نظر حوله وصرخ : إذهبوا لعماد بسرعة, إجعلوه يحضر, أنا أموت !

عام 1762 لم يكن عاماً مميزاً في محافظة إسفرايين في فارس, ولكنه بالتأكيد كان مميزاً بالنسبة لمهران بن حسين, الفتى ذي السبعة عشر عاماً. كان مهران مهاناً بين أبناء الحي الذي يقطن فيه مع خالته العجوز, خاصة بعد موت أبويه. كان معتاداً على البكاء الدائم بسبب إهانة الجميع له, وبمجرد أن يبدأ في البكاء يتذكر فقره وعجز خالته, ومستقبله غير محدد الملامح, وعمله ليلاً في محل العطارة, يتذكر كل هذا بالإضافة إلى إهانته الدائمة من قبل كل من بالحي من الشباب, أمثال بيرقدار الذي يهينه كلما رآه, فيزداد بكاؤه. وبينما كان يبكي في أحد الأيام, إقترب منه رجل عجوز وقال له : كنت أسير في طريقي حتى غلبني التعب والجوع, أتمنى أن آكل ثم أنام. فقال له مهران : هيا لداري لأطعمك .

جلس حامد في شقة عباد على مكتب الإستقبال في انتظار الزبائن. قال حامد لحارسه الجني رحيم: أعرف أن الوقت غير مناسب, ولكن الملل سيقتلني. فقال له رحيم : لا تقل لي إنك ستستمع لأغان من على هاتفك ! حينها تعالى من الهاتف المحمول صوت الأغاني, وأخذ حامد يرقص على صوت الأغاني, وفجأة سمع حامد صوتاً من داخل الغرفة النحاسية, فدخل إليها فشعر بضغط على أذنيه وكأنها ستنفجر. أخذ يتطلع إلى الغرفة النحاسية وأجزائها المبعثرة, فرأى حامد جثة عباد, ثم جاء صوت معدني من الغرفة, فقال رحيم : الغرفة تتكلم !! ثم انطلق صوت آخر, وقال عبارة طويلة, ولكن حامد ميز نُطق إسمه في هذه الجملة, فقال حامد : ما الذي قيل يا رحيم ! فقال رحيم مذهولاً : تقول بالسريانيه تمت إعادة الغرفة, وتم قبول السيد الجديد للغرفة حامد, وجساسه!!

إنتهت المحاضرات في كلية الهندسة, وبدأ الطلاب بالخروج. غادر طه الكلية وهو يرد التحية على كل من يلقيها عليه حتى وصل إلى سيارته المصفوفة بجوار الكلية. وصل إلى شقته التي يقطنها، هي شقة والده التي تركها له ليعيش فيها منذ ثلاثة عشر عاماً, فهو يحسب السنوات جيداً منذ ترَكه والده بعد وفاة أمه بالكبد. كانت صدمة ابتعاد أبيه, غير المبرر, تفوق صدمة وفاة أمه. لقد تركه يعيش وحيداً وهو في المرحلة الثانوية, بعد ما ترك له وديعة بنكية بقيمة مليون جنيه, تدر عليه شهرياً ما يقارب التسعة آلاف جنيه. كان والده يحدثه هاتفياً كل فترة, ولكن آخر أربع سنوات تجاهل كل اتصالاته, والغريب أن والده لم يزره أيضاً. حاول التقرب من أقارب أمه في البداية, ولكنهم لفظوه لسبب لم يعرفه, وإن شك في أنْ يكون السبب والده, فعاش وحيداً بائساً ولم يجد له ملاذاً سوى حبه لهندسة الكهرباء. شعر طه بمجرد دخوله إلى الشقة بوجود كيان داخلها. سمع لهاثاً يأتي من طرف الصالة, نظر باتجاه الصوت ففوجيء بجسد يشبه القرد يجلس مستنداً على الحائط, رفع هذا القرد يده المخلبية وقال: لا تؤذني فقد جئت من طرف عباد, أنا الجساس القديم .. خادم والدك, رحمه الله ! ظل طه مصدوماً بعض الشيء, ثم انتبه لعبارة موت والده فقال : هل مات والدي ؟ فرد الجساس: قتل.. وأنا سألحق به في كل الأحوال, قتله المخلبي, إفتح ألبوم صور طفولتك الذي تحتفظ به في مكتبك, وأخرج صورتك التي تجمع بينك وبين والدك, ستفهم كل شيء, أسرِعْ فإني أحتضر. أسرع طه إلى المكتب, وأخرج الصورة الوحيدة التي تجمعه بأبيه عباد !! وسحبها فوجد خلفها ورقة مطوية, أخرجها وفضها ليجد خطاباً من سطور قليلة : (والدتك عرفت كل شيء عني قبل موتها بأشهر, إعترفتُ لها بالسر الذي توارثته من أجدادي, أنني كُتب عليّ كما كتب على والدي وجدي ومن سبقه بإدارة غرفة تتحكم بعالم الجان وترصد حركاتهم, الغرفة النحاسية. نعم يا إبني فأنا أتعامل مع الجان, ولكن والدتك أوصتني قبل موتها مباشرة بأصعب الأمور على نفسي, أن أبتعد عنك تماماً كي لا تطالك شرور أعمالي مع الجان, وحتى لا ترث ما ورثته أنا عن أبي .. سامحني يا بني على ما هو قادم , والدك) وبعدها روى الجساس كل ما عرفه عباد عن يوسف وأصدقائه, وعلاقاتهم بمخطوطة إبن اسحاق والمخلبي, حتى توقف عند موت والده ونجاة حازم.

قال أحد الجان للمخلبي : فشلت خطة قتل إسلام سيدي ! فقال المخلبي الجالس أمام قصعان : البشر أغبياء. يمتلكون القوة ويخافون استعمالها!! فقال قصعان: لقد علمت إن أحد البشر هو من تسبب بسجنك. فقال المخلبي: لو كنت تقصد إسماعيل الحلاج فأنا لم أنسه, وعاقبت حفيده بما يستحقه. فقال قصعان: عاقبت حفيده وتركته (إسماعيل) نفسه في حماية يصفيدش ! فقال المخلبي : لا تقلق, سيحين دوره هو الآخر. فجأة دخل أحد خدام المخلبي مهرولاً وهو يقول: هناك مصيبة تحدث, الغرفة النحاسية تختفي تدريجياً, وجميع المنافذ قد أغلقت.

دخل يصفيدش من خلال بوابة إلى غرفة عظيمة لا تحتوي إلا على طاولة. تقدم يصفيدش ووقف أمام الطاولة, وقام بنزع المحفة من عليها ليظهر جسد يوسف وإسماعيل الحلاج النائمين. قال يصفيدش للجان من حوله : قل لي, هل وجدنا حلاً بعد لإيقاظ يوسف وإسماعيل ؟ فقال الجان: إلتحام القرين بالجسد يفشل باستمرار. حينها أعاد يصفيدش المحفة على الجسدين, حينها دخل أحد الجان وقال : الغرفة النحاسية طردتنا وأغلقت منافذها لتختفي عن عالمنا, والسيد حامد ورحيم إختفوا معها عنا.
وصل مهران والعجوز إلى المنزل. دخل مهران وأخرج كمية من الأرز القديم لا تكفي لسد رمق جائع, ذهب واشترى بعض قطع الجبن ثم عاد مسرعاً. جلس مهران بجانب العجوز ووضع الطعام بينهما, حينها قال مهران : هل لي أن أسألك عن إسمك ؟ قال العجوز: إسمي القديم أم الجديد؟ وفجأة انفتح الباب فكانت خالة مهران, أخذت ترمق العجوز وتقول بدهشة امتزجت بالخوف: حسين ... كيف عدت ؟! نظر العجوز لها مبتسماً ثم نظر إلى مهران وقال: هذا هو إسمي الحديث, أما إسمي القديم فهو القصاب بن شادق.. والدك !!

كان عماد يحتسي القهوة في كافتيريا المستشفى, عندما جاءه يصفيدش وسأله عن حازم. قال عماد : جِراح حازم لم تكن بالسوء الذي توقعناه, سيتعافى خلال أيام. هل جدّ جديد عندك؟ قال يصفيدش: الغرفة النحاسية عادت للعمل !! وحامد اختفى داخلها, إذهب هناك للغرفة وحاول أن تعرف ما يحدث .. تتابعت التخيلات في عقل عماد عما يحدث لحامد داخل الغرفة النحاسية, كل الاحتمالات تراصت تباعاً بعقله وهو يقف أمام الغرفة ينادي على حامد, وأخيراً فتح له حامد الباب وقال له: حاول أن تتمالك أعصابك, أنا أصبحت سيد الغرفة النحاسية الجديد, ورحيم هو الجساس. حينها قال عماد: أين جثة عباد ؟ فقال حامد : لقد تم نقلها إلى بُعدٍ آخر لحمايتها. حينها قال عماد: لا يمكنني أن أصدق أن تكون أنت سيد الغرفة النحاسية. قال حامد: الغرفة تعيد نفسها بعد تدميرها, ومن تجده يقف في نطاقها تقبله كسيد لها .

قالت خالة مهران: لماذا عدت ؟ فقال لها القصاب: طريقة غريبة لترحّبي بزوج شقيقتك الغائب, ما الذي روته زوجتي عني ليرعبك هكذا ؟ نعم أنا أخطأت, وتركت مهران مضغة في بطن أمه وأنكرت نسبه لي, ولكنك لا تعرفين الحقيقة, الموت ينتظرني بعد أيام أو شهر على الأكثر, لا وقت عندي للمجادلة, قابلني يا مهران, في حارة قهستان ستجد منزلاً يقابل حانوت تاجر الأعلاف, وعلى باب المنزل ستجد نقشاً لأسد, سأنتظرك هناك الليلة بعد صلاة العشاء. أخرج صرة من النقود وقذفها ناحية مهران, ثم غادر المنزل. وبعد صلاة العشاء جلس القصاب داخل منزله مفترشاً الأرض, وأخيراً أتت طرقات الباب فتنفس القصاب الصعداء في راحة. أدخل القصاب مهران إلى البيت وقال له : نفذّ ما أقول يا بني, فالوقت هو أثمن ما أمتلكه الآن, إسحب من الصندوق محبرة وريشة وقرطاساً نظيفاً وتعال إلى هنا. فعل مهران ذلك واقترب من العجوز الذي قال له: إغمس الريشة في المحبرة واكتب في القرطاس ما سأمليه عليك (أسماء ملوكنا العلوية الموكلون بالعهد الذي أخذه سليمان منا على باب الهيكل, هم ..) نظر مهران له مصدوماً وقال : ملوكنا !! فقال القصاب : نعم, فأنا لست من البشر يا بني, أنا من الجان, وأنت أيضاً !!!

فتح إسلام عينيه لينظر حوله بدهشة يتأمل غرفته, يحاول أن يتذكر ما الذي أتى به إلى هنا, سأل إحدى الممرضات عما حدث له, فلم تفهم الممرضة ردة فعله الغريبة, واستدعت الدكتورة رقية. ركزت الدكتورة رقية عينيها بعيني إسلام المستغيثة, وكأنه طفل مرتبك وجد نفسه في منزل يمتليء بالغرباء, وينظر لعينيها طالباً منها طمأنته. إبتسمت له فقال لها : هل أعرفك ؟ كانت رقية قد قابلت من قبل مرضى تحت تاثير الصدمة يتخذون ردود أفعال غريبة, لكنها لم تكن لتندهش من أي ردة فعل لإسلام بعد كمية الغرائب المتعلقة به هو وأصدقاؤه, فقالت له : ما هي آخر ذكرياتك ؟ فقال : مخطوطة إبن اسحاق. فقالت له : إحك لي كل شيء ولا تخَفْ, أنت في حالة صدمة بسيطة, وتذكّر المعلومات العالقة بذهنك سيجر بقية ذكرياتك ويعيدها لعقلك. نظر لعينيها طويلاً والراحة تغزو عقله, وبدأ يحكي كل ما يتذكره عن مخطوطة إبن اسحاق .
اليوم التالي :

وصل الأستاذ عبدالكريم مصطفى, مدرس التاريخ, إلى المدرسة. وبعد نهاية الطابور إتجه إلى حمام المدرسين وهو يفكر في أن يشتري اليوم الكشري, ويكسر النظام الغذائي بلا علم زوجته. وصل لباب الحمام المفتوح, وبعد ما دخل انغلق باب الحمام من تلقاء نفسه. حاول عبدالكريم فتح الباب من الداخل, ولكن المزلاج علق ولم يعد يدور. شعر بسخونة تلفح ظهره, فرفع رأسه للأعلى وفمه ينفتح لاإرادياً من الخوف والدهشة. صوت كفحيح الأفعى يأتي من خلفه, إبتلع ريقه ونظر خلفه ليرى دائرة من الدخان بلا رائحة. تراجع للخلف, إنقشع جزء من الدخان وظهر خلفه كائن متوسط الطول يحمل قرنين صغيرين أعلى رأسه, ووجهه مثل وجه القرد يقول : كيف حالك يا صديقي ؟ لم أرك منذ عام ونصف تقريباً وبعمر سنينكم هنا... إثنان وعشرون عاماً !! تسارعت أنفاس عبدالكريم وقال : ليس بعد كل هذه الأعوام ! إبتسمَ الكائن قليلاً ثم قال : إجهز يا سعيد فلقد عدت للخدمة.

قال القصاب: في حضرة سليمان يرافقه صاحب حكمة الدهر آصف بن برخيا, وبحضور كل عائلات الجان من كل مكان, حكى لي جدي عن هذا اليوم, عندما أخذ ملوك الجان من كل بقعة العهد السليماني بخدمة أسمائه. كان سليمان يقف هنا بكل عظمة وفخر, وخلفه يقف آصف بن برخيا يحمل قرطاس العهد ليختمه ملوك الجان. وهنا وقفتْ عائلاتنا من الجان تشهد على هذا اليوم, يوم أن تبدلتْ حياة الجان بكل طوائفهم. علّمنا سليمان وآصف كيف نختلط بعالم البشر. تعلمنا وقف الحروب بيننا, والإستقرار والسلام, كل شيء تعلمناه كان مقابل خدمة خاتمه ومن يستخدمه من بعده. ومات سليمان ورحل آصف فعدنا كسابق عهدنا من البطش, ولكن الفرق أننا عدنا أقوى مما كنا. ثم تنهد القصاب وأكمل : سأعلمك فيما بعد يا مهران كل شيء, لكن أريدك أن تعرف بأننا كجان في عالمنا, من المستحيل أن نتصل أو نرى ملوكنا, والآن دوّنْ ما سأقوله عليك.

تأكدَ من أن خالته نائمة كي لا تسمعه, وبعدها جلس في غرفته وأخرج القرطاس الذي أملاه عليه والده أمس وراجعه مرة أخيرة. نظر أمامه وهو يتذكر تحذير والده, بأن عليه أن يصرف عُمار المكان قبل أن يتلو دعوة الملك برقان التي تصرع العدو. أخذ نفساً طويلاً ليكسبه ثقة يفتقدها في تلك اللحظة المتهورة, ثم تلا ما حفظه طوال الليل, رسم طلسماً على باطن كفه الأيمن, شعر بهالة تحيط بيده بسبب هذا الطلسم, ولكنه تمالك أعصابه. وفجأة سمع صوتاً يأتي من بعيد, صوت حوافر خيول, يتعالى صوتها كل ثانية ويصبح أكثر وضوحاً, صوت حوافر الخيول يقترب حتى سمعه كأنه داخل غرفته ثم صمت. تفرقت أصابعه فجأة رغماً عن إرادته. حاول ضمهم فتفرقوا بقوة أكثر, وفجأة لانت أصابعه, هذه هي علامة تلبس يده. تعالى صوت أنفاسه الخائفة, لقد حدث نصاً ما أخبره به والده. عند هذه اللحظة تغير كل شيء, لقد امتلك لأول مرة قوة حقيقية, نظر لباب غرفته وابتسم ابتسامة ارتسمت على شفتيه رغما عنه. خرج مهران من البيت وبدأ يبحث عن بيرقدار, ولما وجده إقترب منه مهران بثقة ووضع يده على كتفه, شعر بيرقدار بشيء يضغط على رأسه ثم فقد الوعي وجسده يتقوقس على نفسه عكس إرادته.
إنتهى طه من الطلسم الذي أملاه عليه الجساس أمس, رسمه على أرض الصالة, ثم بدأ بقراءة الكلمات التي يستطيع بها خطف رجل المخلبي الأول (سنان بن عازم), وبعد أن انتهى وضع يده عند مفتاح تشغيل الحقل الكهرومغناطيسي, فظهر ظلٌ طويل رفيع لرجل حرك رأسه يميناً ويساراً, فضغط هنا طه على مفتاح تشغيل التيار الكهربائي, الذي عمل عليه خلال فترة دراسته في الكلية, فانتشر الحقل الكهرومغناطيسي وأحاط بالظل الذي فشل في الخروج من دائرة الطلسم. قال طه : باختصار يا سنان, وكي لا أطيل عليك, أريد أن أعرف موعد فتح البوابات, وموضعها, ومكان الفتاة التي اختطفت.
قال القصاب لمهران: شعور ممتع أليس كذلك ؟ فرد عليه الأخير: صدقت. فقال القصاب: بعد أن أخذ سليمان العهد علينا, علّم كل قبيلة منا سراً جديداً, فعلّم قبيلة الغيلان كيف يتحولون لبشر كاملين بسهولة, وكيف يعودون لحالتهم الطبيعية مرة أخرى, لان التحول لبشر لفترة طويلة يحتاج لقوة كبيرة كي يحافظوا على أشكالهم. أما نحن بقية عائلات الجان فقد تعلمنا الكثير, كأن نظهر في عالم البشر بشكل مادي, ولفترة قصيرة جداً لا تتعدى ساعات أو يوماً على الأكثر. وبعد أن مات سليمان, تحارب الجان على كنزه من الكتب التي تركها, وقد نالت بعض العائلات القليل من الكتب, تعلموا منها طرقاً كثيرة وأسراراً تخص الجان, بعضها تتحدث عن تحول الجان لبشر تحولاً لا يدوم يوماً أو اثنين, لكن يدوم كامل العمر. المشكلة أن أعمار الجان من أعمار البشر في العموم, منا من يموت عند السبعين أو الثمانين, لكن الفرق أن العام الواحد عندنا بخمسة عشر عاماً من أعوام البشر. وبمجرد أن يتم التحول النهائي لبشر تصبح أعمارنا مثل أعمارهم, وتسري علينا قوانينهم بشكل أكثر حدة, وعندما قررت عائلتي العمل بتلك الطريقة إعتمدوا على التطوع, لأنك تختار الموت والمرض والغربة بكامل إرادتك. وعندما تكمل العشرين من أعمار الجان, يمكنك التقدم للمهمة هذه, ويتم تحويلك لنفس العمر من البشر, وتندمج وسط البشر كواحد منهم, وتتزوج منهم, ولكن لن تنجب, وهذا أحد عيوبنا, نطفنا لا يصلح لرحم فتيات البشر. ولأنني أحد هؤلاء المتحولين, فعندما حملتك أمك تركتها بعد أن اعترفتُ لها بجزء من حقيقتي, وبعد أن اتهمتها بالخيانة. ولكن عندما عدت لأرى زوجتي قبل موتي, لأن ما بيننا تعدى الزواج ووصل للحب, وجدتك ولم أجد لك قريناً, وهذه علامتنا, نتحول لبشر لكن لا نحمل قريناً, وأنت تحمل العلامة هذه, إذاً أنت إبني, ولا أعرف كيف حدث هذا, فتلك أول حالة نعرفها عن تزاوج جني ببشرية, وإن كان هناك أسطورة قديمة حول رجل سبقنا ولكنها بلا تأكيد, إعلم يا بني أن ما تسمعه أكبر من قدرتك على الإستيعاب والتصديق, لكنها الحقيقة, أنت إبن رجل من الجان تحول لبشر ...

مرت عشرة أيام على بدء تعليم مهران, وقد باع ثلاث عملات ذهبية مما تركه له والده فأصبح في يسر من العيش, وأحضر طبيباً شهيراً لخالته كي يعالجها, وأقنعها بأنه يذهب يومياً إلى حانوت العطارة كي لا يثير الشبهات عن مصدر نقوده, في حين أنه كان  يذهب من الصباح إلى المساء إلى دار والده ليتلقى العلوم كل يوم, ويطبق بعضاً منها. كانت الحالة الصحية للقصاب تزداد سوءاً يوماً بعد يوم, ولذلك لم يكن مهران يراجعه أو يكسر له كلمة. وبعد أن انتهى القصاب من تعليم مهران الدروس قال له: أنت أول إبن بشري لجان, لو أن قومي علموا بوجودك أشك أنهم سيتركونك بحالك, يا بني أنت غريب في عالم البشر وعالم الجان, علمتك ما علمتك إياه لأحميك من بطش العالمين, أنت خطر على إحداهما, ولكن لم تظهر خطورتك بعد, قلبي يتنبأ بهذا, فأنت إبني إبن القصاب بن شادق !

خرج مهران من منزل والده ككل ليلة محمر العينين من كثرة التركيز فيما يكتب ويقرأ. سار بخطى متهادية وهو يعبر حارة تغرق في الظلمة بلا قناديل أمام منازلها, خرج منها لحارة أخرى ذات بضعة قناديل والناس تملأها, دخل زقاق جانبي. دخل خلفه بيرقدار وهو يخرج مسدساً من بين يديه, بعد أن عزم على أن ينتقم من مهران بعد أن قام بضربه أمام الناس جميعاً, فتوقف مهران عن السير وابتسم وهو يقول: أعرف أنك تراقبني كل يوم, ولكنك هذه المرة اقتربت أكثر من اللازم. إرتعشت يد بيرقدار وهو يسحب مطرقة المسدس للخلف, ويضع أمامها بعض البارود. قال مهران ساخراً وابتسامته تزداد وهو يلتفت ليواجه بيرقدار: ما الذي تنوي عليه اليوم, قتلي ؟ وتجمدت الإبتسامة على وجه مهران وهو ينظر للمسدس الذي يصوبه بيرقدار نحوه. لم يكن في نية بيرقدار قتله, بل اعتمدت خطته أن يصيب قدمه برصاصة تصيبه بالعرج بقية عمره. وجّه بيرقدار المسدس ناحية قدم مهران والمسافة بينهما لا تتعدى الستة أمتار, فنظر في عينيه وضغط على الزناد لتتحرر المطرقة مطلقة شرارة الإحتكاك التي أشعلت البارود. ما لم يحسب له بيرقدار هو رد فعل المسدس الذي ارتفعت ماسورته للأعلى عند خروج الطلقة, وصوت الفرقعة الذي يشبه انطلاق قذيفة المدفع. إنتشر الدخان أمام عين بيرقدار لكنه استطاع أن يرى مهران وهو مُلقى على ظهره. الخطة  فشلت. وترك مهران خلفه جثة هامدة .

أخذ عبد الكريم يقلب بين أوراقه التي احتفظ بها في صندوق تحت فراشه منذ سنوات عديدة, عندما كان يدون كل أسفاره, فقد سافر كثيراً وإلى مناطق تاريخية عدة, وكان غطاؤه هو حبه للتاريخ بصفته مدرس تاريخ. الآن هو يرتب أوراقه جيداً, وأعد لنفسه كوباً من القهوة, وبمجرد أن دخل الصالون سمع صوتاً يقول : لا تُسقط قهوتك يا سعيد. إهتزت القهوة بين يديه وهو ينظر للجني الجالس على مقعد في الصالون يبتسم له. قال الجني: تغيرت كثيراً عن يوم تجنيدك, لقد تطوعت بكامل إرادتك وبكل حماس, ألا تتذكر ؟ فقال عبدالكريم: أنا لا أعلم ماهيتي الآن, بشر أم جان, المهم قل لي ما يحدث في عالم الجان, قلتم لي إنكم ستتصلون بي في حالة الحروب والتمردات. فقال الجني : أتتذكر المخلبي بن ذاعات ؟ لقد تحرر, ويُحضّر لفتح البوابات السبع للقيام بحرب شاملة على كل القبائل. الآن قل لي هل جهزت مهمتك في البحث عن كل من تحولوا من الجان لبشر ؟ فقال عبد الكريم : بحثت عن طريقة للوصول لهم, هناك شيء لا أعرف هل سيفيدكم أم لا, هناك رجل قديم أطلق عليه إبن الجان, ولكن لا أدري من هو !!
شعر مهران بألم في قلبه. عاد وعيه فجأة وعادت آخر ذكرى له. تذكر أنه لم يشعر بألم الرصاصة بل قوة الصدمة هي كل ما شغله. أخذ نفساً عميقاً, وشعر بالتراب يدخل لفتحتي أنفه فزفر ليتخلص منه. كل ما فات حدث في ثانية, وفي الثانية التالية أدرك أنه مُكفن .. فتح عينيه فدخلهما التراب .. لقد دُفن. حرك يديه بين التراب بسهولة ونهض, إستنشق مرة أخرى من خلال فتحات ما بين التراب, ودق بيده اليمنى على الطبقة الصلبة فسمع صوت تشقق بسيط, دق بقوة أكثر على الطبقة الصلبة فسمع صوت تكسر, دق بقوة أكثر فغزا الضوء عينيه وآلمها ،عبّأ رئتيه بالهواء, صعد ووقف على أرض صلبة يفرد جسده العاري والكفن يقع عن جسده السفلي, وأصوات مختلطة لرجال على مقربة منه تصرخ وتتحدث بسرعة. في البداية لم ير جيداً, سقط أرضاً لكنه عاد للنهوض وهو يترنح. عادت الرؤية تدريجياً ليرى رجالاً بعضهم يجري مبتعداً والبعض يتراجع. جرى الجميع وبقي أربعة رجال, تقدم منه أحدهم وطلب منه أن يهدأ, كانت ملابسه غريبة, ولغته الفارسية غير متقنة, إقترب منه الرجل وأعطاه قفطانه, وطلب منه السير معه. سار مهران معه مستسلماً, جرى بعض الناس لداخل المقابر ليطالعوا القبر المكسور كما سمعوا من الرجال الهاربين منذ قليل, ومن دخلوا وسط المقابر عادوا لجمع الناس بعد أن ابتعد مهران, وأخذوا يصيحون : إبن القصاب حي , إبن القصاب حي.  تعاون بعض الرجال على إدخال مهران لمنزل يونس, بينما وقفت مروى إبنة يونس تنظر لمهران بدهشة. قال يونس لمهران: ما إسمك؟ فرد عليه وهو يرفع عينيه له, لكن عينيه تعلقت بشيء خلف يونس, شيء يشبه القرد يتحدث مع اثنين يماثلانه الهيئة, حرك عينيه, فوجد الكثير منهم يتحركون في صحن المنزل ولا ينتبهون له. ساعد يونس مهران على الإستحمام وأعطاه جلباباً نظيفاً. جاء الشيخ جعفر, الذي ربى مهران روحياً, ومعه رجلان لرؤية مهران, فسأله مهران : أين خالتي ؟ فقال أحد الرجلين: ماتت حزناً عليك, ثم قال مهران : أين بيرقدار ؟ فقال الشيخ: قتل هو وأباه وأمه , قتلهم أبوك القصاب, رحمهم الله جميعاً, كلهم صعدوا لخالقهم, ولكن المشكلة أن كل هذا حدث منذ تسع سنوات, أنت في القبر يا بني منذ تسع سنوات !!!!

إجتمع حازم وعماد لمقابلة يصفيدش, فقال عماد : هل هناك جديد بخصوص يوسف وحبيبة؟ فقال يصفيدش : حبيبة ما زالت مختفية عن أعيننا, وإن كنا نشك في فرضية أنها لم تغادر عالمكم بعد، ويوسف ما زال جسده في عالمنا, نحاول أن نجد طريقة لإعادة قرينه مرة ثانية إن أردناه أن يعود لكم. المهم تعلمت قبائلنا منذ زمن تحويل الجني لبشري, وهذا الجني يكون مفيداً جداً, فهو الذي يستطيع جمع المعلومات عن كل ما نريد معرفته, وقراءة التعاويذ للسيطرة على أعدائنا بسبب كونه بشر, المشكلة أنهم مستحيل تفرقتهم عن البشر, ولا يلاحظهم إلا البشر ذوو الخدمة الجنية مثلك يا حازم, فحين تطلب من خدمتك من الجان التواصل مع قرينه فستفشل خدمتك ولن تعرف السبب. المهم في ذلك أن المخلبي يخاف منهم لقدرتهم على محاربة رجاله وتعطيلهم, لذلك سيحاول اصطيادهم, لذلك أرجو منكم أن تساعدوني في التوصل إليهم, وهذه الطلاسم ستساعدكم فيها. وأعطاهما بعض الطلاسم. أخبر عماد يصفيدش بأن حامد اكتشف في الغرفة النحاسية عن موت سنان, رجل المخلبي, وبأنه لم يُقتل بطريقة البشر ولا بطريقة الجن ولا بطريقة عادية. حينها فكر عماد في الدكتور محمود الطناني, أستاذ تاريخ إسلامي في جامعة القاهرة, عله يساعده في معرفة كلمات الطلسم الذي أخذه من يصفيدش.
لم يبعد مهران عينيه عن عين مروى التي لم تفهم شيئاً من لغة الحوار, لكن شهقة والدها والرعب الذي ارتسم على وجهه عندما حانت منها نظرة إليه, جعلها تتأكد أن الأمر يحمل مصيبة تتعلق بهذا الشاب الوسيم الذي ما زال ينظر إليها. أما مهران فلم يظهر على وجهه أي تعبير, وقال لشيخه: إحك لي ما حدث بعد موتي. نظر الشيخ بحسرة وقال : بعد دفنك بيوم واحد, ماتت خالتك حزناً عليك, أما بيرقدار فقد رآه الكثيرون يجري ليلة مقتلك فعلم الجميع أن له يداً. وبعد أيام ظهر شيخ عجوز لم تنقطع دموعه, وكل من يسأله كان يخبره بأنه القصاب والدك, وسار بين الحارات حتى وصل إلى منزل بيرقدار, وظل يصرخ بجملة واحدة (العدل يا أبا القاتل كي تأتيك الرحمة), فلم يجبه أحد. بعدها صرخ قائلاً (رحمة الله تتنزل عليكم). ثم وضع يده على حائط البيت فانفجر البيت وتهدم البيت في ثوان. جرى الناس فزعين, وأبوك يبتعد عن البيت والدموع تنهمر من عينيه. وسرنا ورائه حتى وصل إلى بيته ودخله, وحين دخلنا وراءه لم نجد له أثراً, فقط ملابسه ملقاة على الارض, واختفى كأنما لم يكن. أصر الناس على بناء مقام على بيته باعتباره من أولياء الله, وبرغم أنني لم أوافق على ذلك, ولكن الجميع يزورونه حتى الآن .

إنتقل عماد إلى الدكتور محمود الطناني في مكتبه في كلية الآداب قسم التاريخ, وهناك تعرف إلى الدكتور يسري, المتخصص في التاريخ الإسلامي, فقال عماد : لقد جئت كي أسألك عن آصف بن برخيا. قال الدكتور محمود: إن الدكتور يسري قد قدم بحثاً عن آصف في الفكر الشيعي. وهنا تدخل الدكتور يسري وقال: في الدين الإسلامي, إعتمدت المصادر السنية والشيعية على المرويات الإسرائيلية في حكاية آصف بن برخيا, وقالوا إنه قريب سليمان, بعضهم قالوا إنه كان يمتلك حرفاً من إسم الله الأعظم وتكلم به, فخُسف بالأرض ما بينه وما بين عرش بلقيس, فمد يده يأخذه ثم عادت الأرض لما كانت عليه. وبعضهم قال إن الأرض طويت له فأتى العرش في طرفة عين. واختلفت الروايات أيضاً في مسأله هل آصف من الجان أو البشر. سأل الدكتور محمود: ما الذي تبحث عنه تحديداً ويتعلق بآصف؟ حينها أخرج عماد من جيبه الورقة التي احتوت على الطلاسم التي كتبها يصفيدش وأعطاها للدكتور محمود وقال: هذا نص من مخطوط يتحدث عن آصف, هل يمكنكم قراءته لي. فقال الدكتوريسري: أعتقد أنني أعرف معناها, لقد رأيت مثلها في طلاسم مزامير داوود, ربما يكون هذا الطلسم هو الطلسم المفقود للمزامير !! تلك المزامير تحتوي على طلاسم كتبها اليهود. ثم فقال يسري : سأترك لك هاتفي لحين أن أتوصل للحل, أو لأي خيط يوصلني لما تريد .

قال حازم لقاصيم : إذهب أنت ورجالك وتأكد جيداً من عدم وجود جان داخل الشقة وخارجها. وبعد ثوان اختفى قاصيم. رن جرس الباب فنهض حازم يفتحه لرقية وإسلام, الذين استدعاهما لمنزله بعد خروج إسلام من المستشفى. نظر إسلام لرقية وقال: هل أعرفه ؟! حينها قالت رقية لحازم: لقد نسي الكثير من التفاصيل الخاصة بحياته, وحتى تلك الخاصة بدخوله المستشفى وخروجه. ذهب حازم إلى المطبخ لإحضار الشاي, وبينما كان يحضّر الشاي سمع شهقة رقية في الصالة, عاد للصالون فوجد قرين إسلام يقف أمام رقية, حينها نظر حازم إليه وقال: لقد صرفت كل الجان من هنا وأبقيت جني واحد لأعرف ردة فعل القرين, حينها هجم القرين على حازم ولكمه حتى أفقده الوعي .
إستأجر طه, إبن الشيخ عباد, مصنعاً لإجراء تجاربه فيه. وبمساعدة زميله عمرو في الكلية, تم تحضير العديد من الألواح التي تحتوي على الأسلاك النحاسية لصنع مجال كهرومغناطيسي قوي. أخذ طه في كتابة بعض الطلاسم على قدميه بدقه شديدة, ثم على يديه. ثم أمسك طه بإحدى قطع الأسلاك الرفيعة وأدخلها في جلد معصمه كأنها إبرة خياطة. جلس عمرو على المقعد متسع العينين وهو يشاهد طه يلف طرف السلك على ساعده, ثم يغرس طرف السلك بجانب كوعه وهو يجز على أسنانه بدون فهم. لف طه جسده بالكامل بتلك الطريقة, صدره وخصره وفخذيه وقدميه, ثم قام بتوصيل الأسلاك بعضها ببعض, وهو يثني أطرافها عند التوصيل. بقعة من الدماء تجمعت عند قدميه من خلال خيوط الدماء التي رسمت على جسده العاري. أمسك بأطراف الأسلاك وأوصلها ببعضها جميعاً, ثم أمسك ساعته وضبطها على الساعة الثانية عشرة. حينها قال طه لعمرو : وعدتك أن أفسر لك ما يحدث, في أحد الملفات على المنضدة ستجد ظرفاً بني اللون, إفتحه وستعرف كل شيء. ذهب عمرو إلى المنضدة وأخرج الظرف, نظر إلى طه فوجده فوق ماتور وسط القاعدة الحديدية. حاول الإقتراب منه ولكن طه قال له: لا تقترب مني, فالآن سيبدأ المجال الكهرومغناطيسي, لا تخف علي يا صديقي, نلتقي قريباً إن كان في عمري بقية ! ضغط طه على بعض الأزرار فبدأ الماتور يدور وطه يدور معه.  مزق عمرو جزءاً من الظرف وهو يخرج ما به بسرعة, وحينها قرأ : (التجربة رقم 46 : تكوين مجال كهرومغناطيسي يمر بجسد المتطوع, كما هو موضح بالصور, وحينها سيتولد داخل الأسلاك النحاسية في جسد المتطوع مجال كهربي بعد فترة من الشحن, أما هدف تلك التجربة فهي التاثير على المتطوع عن طريق المجال الكهرومغناطيسي لينقله لبعد آخر, وتحويل سرعة ذرات جسده لنفس سرعة ذرات جسد الجان, أي نقل المتطوع لعالم الجان لفترة ثلاث ساعات و 7 دقائق و 45 ثانية, وبعدها ينتهي المجال الكهربائي من الأسلاك ). حينها نظر عمرو إلى القاعدة الحديدية التي كان يجلس عمرو في وسطها, ولكنه فوجيء بشيء يشبه الضباب, وفجأة اختفى جسد طه !! نظر عمرو للورق مرة أخرى, فوجد عبارة كتبت بخط صغير : (لو تم انتقال المتطوع لعالم الجن, فالوقت سيتم حسابه بتوقيت عالم الجان لا البشر ) !!! .

إنتقل مهران ويونس ومروى إلى بلدة المحروسة في مصر. كان يونس يتقدم القافلة بينما مهران يحتل مؤخرتها. وبعد أن توقفت القافلة لكز مهران فرسه ليصل إلى هودج مروى, وقال لها : سأذهب الآن لأطلب من الشيخ يونس شيئاً عزيزاً, أدع لي أن يقبل. قال عبارته وسار بفرسه عند يونس, وقال له : شيخ يونس, عاملتني كإبن لك منذ كنا ببلدي, وتحملت الأذي الذي أتى من ناحيتي, ولكني ما زلت أطمع في طلب ما, أريد الزواج بابنتك. حينها قال يونس : مهر إبنتي أن تعمل معي وتحمل عبء تجارتي. فابتسم مهران وهو يحتضنه ثم قال : سأعيش لأجلك ما بقي لي من عمر.  نظر مهران إلى مروى وابتسم لها, والفرحة تطل من عينيه لأول مرة منذ ميلاده .

ذهب عماد إلى بيت حازم الذي ما زالت رقية وإسلام في بيته, وعندما استعاد حازم وعيه, قال عماد لإسلام : عليك أن تعرف بأن قرينك يتحرك بإحساسك, عندما تشعر بالغضب من أي شيء ينفذ قرينك إرادتك ويعاقبه, وهذا ما حدث, وعند شعورك بالذنب سيختفي ببساطة. قال حازم: هذا ما فهمته أنا أيضاً. فقال عماد: عرفنا الآن بعض الأفكار عن استخدامك لقرينك, هو يحميك بكل الطرق وفي نفس الوقت هو طوعك, يطيع أوامرك التي تتلفظ بها, وأيضاً الأوامر التي يصدرها عقلك, والآن علينا أن نطبق كل ما عرفناه بشكل عملي, فكّر بقرينك الآن يا إسلام. وهنا فجأة جاء القرين, حينها ابتسم عماد وقال لإسلام: إسأله عن حبيبة. فقال القرين: هي الفتاة التي أحبها صديقك يوسف ! حينها قال حازم : الحمد لله, ما زال القرين يحتفظ بكامل الذكريات .
كان مغمض العينين وألم شديد يزيد بسرعة تدريجية عند مداخل السلوك النحاسية في جسده, خيل لطه أنه يسمع أصواتاً مختلفة تتحدث بنبرات غريبة. وفجأة اختفى الألم, نظر حوله فوجد عمرو يقف مبهوراً يمسك الأوراق التي تركها له, وينظر للآلة الخاوية. كان يشعر بكهرباء خفيفة تسري في يده وهو يمرر يده عبر المنضدة ويحركها بسرعة كما تعلّم من الجساس, حينها خرجت شرارة كهربائية من يده وشعر بملمس المنضدة. طرق عليها بقوة ففزع عمرو وهو ينظرللمنضدة مندهشاً. لم يتخيل عمرو أن يأتي صوت دقة بهذه القوة. نظر للمنضدة فلم ير شيئاً لكنه سمع صوتاً يحدّثه في أذنه, صوت حاد غريب يقول ببطء : لا تخف .. أنا طه .. أغلق الآلة الآن وعد لمنزلك, لقد نجحت في الإنتقال !!

سمع عبد الكريم صوت الجني المسؤول عنه يتحدث من خلفه, فنظر له وقال : إكتشفت شيئاً جديداً, إن الحروف التي أعطيتني إياها ليست طلاسم, لقد شعرت منذ البداية أنها مألوفة, إنها الأعداد في الأبجدية القبطية, ولكنها كتبت بشكل مشفر.

 كان حازم وعماد وقاصيم يتناقشون في أمر إسلام ورقية, عندما جاء يصفيدش إليهم وقال : الورقة التي أعطيتكم إياها هي أرقامٌ باللغة القبطية, وهناك شيء آخر, لقد بدأ المخلبي بتحركاته قبل موعدها, سرّب لي أحد الجواسيس هذه المعلومة. قال عماد: هو يكذب ليضللك؟ قال يصفيدش: لا, هو لا يكذب, شقيقي وأعرفه, أملنا الوحيد هو استيقاظ يوسف وجده الحلاج قبل فتح الأبواب, لأنهما سيوقعان بالمخلبي في شباكي !
مضى على غياب يونس ومروى أربعة عشر يوماً, بعدما انطلقا لزيارة أهل المرحومة والدتها في بني شقير بمنفلوط, واليوم وصل لطه خبر أن بعض قطاع الطريق من قرى منفلوط يقطعون الطريق على المسافرين, حينها لم يرَ مهران حلاً أمامه سوى التأكد من سلامتهما. برغم من أنه قد ابتعد عن كل ما يخص الأفعال الجنية منذ زواجه, إلا أن غايته في الوصول لمروى بررت وسيلته. إستعان بالجان ووصل لآخر مكان تواجدا فيه, كان ذلك في منطقة صحراوية, وبعض الجبال المنخفضة تحيط به. حينها جثا مهران على ركبتيه وبدأ بالحفر عند منطقة منحسرة الرمال, كأنها حفرة لم تكتمل. إصطدمت يداه بشيء, كانت ملابس نسائية تظهر, وبعد الملابس ظهر جسد مروى المتآكل بالكامل. جلس بجانبه يذرف الدموع بوجه جامد, ثم صرخ بالجني المرافق له وقال : إبحث عن كل الجان الذين يعيشون في المنطقة, واسأل كل واحد عما رأوه في الأيام السابقة ويتعلق بقتل زوجتي ووالدها, وأحضر لي إسم القاتل وأين هو.
إتصل الدكتور يسري بعماد وقال له : لقد توصلت إلى إن الطلاسم التي أعطيتيني إياها أنها شفرة رقمية مطلسمة, تتكون من أرقام قبطية من رقم 1 إلى 10. ولكن للأسف لن نحل تلك الشفرة إلا بوجود مفتاح دلالي يفك تلك الرموز. أتركني للغد لأبحث عن أي شيء له صلة بترجمات الشفرة, ربما وجدتها 

رجع الجني لمهران ببعض المعلومات وقال : لقد خرج على يونس ومروى بعض قطاع الطرق, قتلوا الإثنين واستولوا على الجمال. بعد دفن جثتيهما ساقوا الجمال إلى قرية قريبة. إستجوبت العشرات من الجن المحيطين حتى وصلت للقرية, وعرفت من دخل بمواصفات قطاع الطريق إليها, وعرفت أسماءهم: أحمد بن يزيد, وأحمد بن إبراهيم بن محمد, ويوسف العطار. دخل مهران سوق القرية, التي ذكرها له الجني, ممتطياً فرسه. وصل إلى مقهى, نزل من فرسه وقال لأول رجل يقابله هناك : لدي مبلغ من النقود أمانة لثلاثة رجال إسمهم يوسف العطار وأحمد بن يزيد وأحمد بن إبراهيم بن محمد, هل تعرفهم. فجأة ران الصمت على الكثير من الزبائن في المقهى, ونظر الرجال لبعضهم البعض ووجوههم تحمل تعبيرات مختلفة تتأرجح ما بين القلق والخوف والشك, فقال رجل من المتواجدين في المقهى: هم سيصلون إليك. كان مهران يجلس في المسجد بعد انتهاء الصلاة حين قدم الثلاث رجال إليه. سأل مهران: هل أنتم الرجال الذين ذكرت أسماءهم. فقالوا: نعم, ومن أنت. قال لهم مهران : أنا الحي بن القصاب. فقالوا له : من أرسلك وما هي الأمانة ؟ فقال مهران: الأمانة من الشيخ يونس الحرابي, لا تعرفوه ولم يعرفكم قبل أن تقتلوه هو وابنته ! حينها نظر الثلاثة لبعضهم البعض والصدمة تسبق الدهشة. وفجأة أغلق مهران قبضته, وضرب أقرب رجل من الثلاثة إليه, فسمع الجميع صوت عظام وجهه تتهشم وسقط صريعاً لتوه, ثم غرس في صدر الثاني خنجره, أما الثالث فقد أمسكه من رقبته بيد واحدة يعتصرها, ثم سمع مهران صوت شاب يتكلم بكلمات غير مفهومة, وشعر بوجود شيء غريب, حينها سمع طلاسم تخرج من فم شاب من خلفه, حينها تصلب جسد مهران رغماً عن إرادته, ورأسه يكاد ينفجر من ألم غريب انتابه لحظة وضع الشاب يده على رأسه, فسقط حينها جسد مهران على الأرض بجانب جسد الرجل الثالث. سمع إحدى النساء تهتف بفرحة: أدعوا للشيخ إسماعيل الحلاج إنه نجانا من شر الفتى الفارسي !

قضم حامد قضمة من الدجاجة المشوية, وفجأة رأى بقعة ضوء ضخمة بحجم إنسان, فصرخ رحيم : سأتعامل معه, ولكن أوقفه حامد, فقد رأى جسد شاب عاري, ودخان كثيف يخرج من تلك الخطوط, أما رأسه فقد سقط معظم الشعر منه, وبقيت خصلات بسيطة, وقال بصوت مسموع : أنت حامد ؟ فأشار حامد برأسه علامة الموافقة, وجاءه الرد : أنا طه, سألخص لك كل شيء لأنني أحتاج مساعدتك. لقد جاءني جساس الغرفة القديم ليطلب مساعدتي, وأخبرني بكل الأحداث التي وقعت في الغرفة النحاسية وأدت إلى تدميرها, وحكى لي عن أبي وكيف ساعدكم في مواجهة المخلبي. المهم في أثناء جولتي في عالم الجان قتلت سنان, أحد رجال المخلبي المقربين, واستجوبته قبل قتله وعرفت الكثير, مثل موعد فتح البوابات, وموضع حبيبة, وخطة هجوم المخلبي, وخطة خاصة لمنع يصفيدش من الوصول إلى العفاريت كي لا يستخدمهم ضده قبل أو بعد فتح البوابات. المهم, إنتقالي لعالم الجان سيبقى لمدة يومان فقط من عالمنا, أي ما يوازي ساعات في عالم الجان. المهم الآن أني عرفت مكان حبيبة, إنها في الصحراء وعلى رأس تل رملي بجانب عرب مطير بأسيوط يقبع جسم إسطواني الشكل, ويسميه الناس بإسم الهنتيكة, ويجب أن يخرجها من هناك كائن لا يتأثر بعالم الجان وتعاويذه, وفي نفس الوقت يمتلك القوة اللازمة لدخول هذا المكان والخروج منه بحبيبة. وحقيقة الأمر أني فكرت في قرين صديقكم إسلام المنفصل عن جسده, بعدما أخبرني به الجساس. جسدي مليء بالحروق, ولكن لا وقت لدي لأذهب إلى أي مكان للعلاج, يجب أن أنتقل مرة أخرى لعالم الجن لأحاول قتل المخلبي. المهم, عليك الآن يا حامد أن تجد طريقة لإقناع إسلام بالسفر صباحاً إلى تلك المنطقة التي توجد بها حبيبة, وينقلها في موعد محدد سأحدده لك في الغد, لأنني اكتشفتُ أن حبيبة لو خرجت قبل موعد فتح البوابات سيستبدلها بأي فتاة عذراء أخرى .

فتح مهران عينيه مرة واحدة كأن وعيه عاد إليه فجأة. وجد نفسه مقيداً في غرفة فقيرة مليئة بالكتب. حاول كسر القيد فلم يستطع, حينها دخل عليه إسماعيل الحلاج. لن ينسى هذا الإسم الذي كان السبب في هزيمته. قال إسماعيل : قل لي ما اسمك ؟ فقال: أنا الحي بن القصاب بن شادق. ظهرت الجدية على وجه إسماعيل وهو يقول: شادق .. القبيلة الفارسية التي تحرس البوابات !! قل لي الآن, ما السبب لقتلك أحمد بن يزيد وأحمد بن إبراهيم ويوسف العطار ؟ فقال مهران : قاموا بقتل حماي وسرقته, وقتلوا زوجتي. إبتسم إسماعيل وقال: وما المشكلة في أن يسعى رجالي لرزقهم؟! إنهم يعملون تحت إمرتي سراً, ولكن للأسف ما فعلوه بحماك وزوجتك لم يكن من تخطيطي ولم أعرف عنه إلا بعدها. فقال مهران: سأقتلك !! فقال إسماعيل بجدية: لن أتركك لتعيش, سأجد طريقة لقتلك, دم رجالي لن يذهب هدراً. ثم خرج من الغرفة. بقي مهران يحاول فك القيد من على يديه. أخذ ينحت الطلسم المكتوب على قيده بأسنانه, فاختفى تأثير الطلسم واستطاع أن يحرر يديه في النهاية, ثم سرق الكثير من الكتب التي كانت موجودة في المكان, وانطلق من المكان .

إنتقل طه بعد يومين إلى عالم الجن مرة أخرى, واتصل مع حامد ليعلمه بأن يتصل مع إسلام لكي يتواجد إسلام قبل الساعة الخامسة اليوم عند مكان يسمى الهنتيكة ليحرر حبيبة. إتصل حامد بعماد وأعلمه بما طلب منه طه. إتصل عماد بالدكتورة رقية وطلب منها التواجد وإسلام في منزل حازم قبل الساعة التاسعة. إنتقل طه مع رحيم لمقابلة يصفيدش. جلس يصفيدش أرضاً في مكان يشبه الخيمة بجانب معسكرات جيشه, وأمامه طه وقال الأخير : إستطعتُ رؤية مستقبل الأحداث عن طريق استخدام الطاقة, وعلمت أن البوابات بعد قليل ستفتح. إنْ كشفت لي بعض أوراقك يمكنني استخدامها بطريقتي لقتل المخلبي. حينها قال يصفيدش: ورقي الرابح يتعلق باستدعاء كيان العفاريت الذين اختفوا منذ زمن سليمان الحكيم. هم يملكون وقف المخلبي أو التصدي للملوك السبعة إن خرجوا. وموضوع خاص بعودة إسماعيل الحلاج لعالم البشر بعد انفصال قرينه منذ دخوله لعالم الجان, وعودة يوسف هو الآخر قبل فتح البوابات. أما آخر ورقة فتخص جاسوساً زرعته عند المخلبي. أما حقيقة إسماعيل الحلاج, فإن إسماعيل هو صانع الطلاسم الوحيد الذي عرفته من عالمكم, ألقى عليه أحد السحرة عزيمة أمرضته, فاستعان بالمخلبي ليقتل خدام الملوك الذين استعان بهم الساحر عند إلقاء عزيمته, فخلّصه المخلبي من ضرر العزيمة. المخلبي قتل الخدام بسرية تامة. وفي المقابل طلب المخلبي من إسماعيل أن يُعلّم أهل قريته الكلمات التي تحولهم لقرابين للمخلبي كي يقدمها للملوك السبعة. بعد وشاية إسماعيل بالمخلبي تم سجنه, وصنع إسماعيل طلاسم نحتت عل سجن وأغلال المخلبي تمنعه من الحركة. أما الكلمات التي تفك هذه الطلاسم فقد أخذتها من إسماعيل وتسربت من عندي لرجال المخلبي, لذلك قررت سحب إسماعيل لعالم الجن كي أحرم رجال المخلبي من العودة. لكن لم أضع حساباً لفكرة أن يقرأ الكلمات واحد من نسله. قام رجال المخلبي بصنع المخطوطة (مخطوطة إبن إسحاق) ليقرأها أحد أبناء إسماعيل كي يتحرر المخلبي من قيوده. مرت أجيال كثيرة وهو يحاولون إلقاء الكلمات لأحد الأحفاد كي يستخدمها ولكن بلا فائدة, حتى التقطها يوسف. قال طه: وتطمح في عودة إسماعيل بطلاسمه كي يوقف المخلبي. قال يصفيدش: نعم, حاول علمائنا بجعل القرين يتحد مع الجسد ولكن دون جدوى. حينها قال طه: نفّذ ما أطلبه منك بلا مناقشة, لأنني أستطيع إعادة إسماعيل الحلاج لعالم البشر, لكن في توقيت سأحدده لاحقاً. أما الآن فحرك جيشك لمجابهة جيش المخلبي, المهم عليكم في المعركة ضد المخلبي أن تخسروا وتنسحبوا وتهاجموا. كل هذا لكي نسحبهم إلى البقعة التي توازي في عالمنا صحراء لوط بجنوب شرق إيران, وبعدها انتظرني يا يصفيدش !

سمع حامد في إذنه صوت رحيم يقول له : إذهب إلى الغرفة النحاسية الآن وافتح, عندما أدخل, كل منافذ الغرفة. دخل حامد إلى الغرفة النحاسية وأدخل رحيم إليها, وطلب من الغرفة أن تفتح جميع منافذها. وفجأة وفي وسط الغرفة ظهر جسدان وحولهما عدد كبير من الجان, ثم اختفى الجان. دقق حامد في الجسدين. كان الجسد الأول لرجل ناضج لا يعرفه, أما الثاني فكان ليوسف, حينها قال طه, والذي كان متواجداً في الغرفة على شكل ضوء : أغلق كل منافذ الغرفة بسرعة قبل أن ينتبه لها الجان. قام حامد بإغلاق المنافذ. ثم طلب طه من رحيم إستدعاء القرينين ليوسف وإسماعيل, فقام رحيم بذلك. قال طه : إن حركة تردد جسدي قرينيهما أصبح مختلفاً عند دخولهما عالم الجان فانفصلا, سأحاول شحنهما ليصبح التردد واحداً مستخدماً الغرفة في تكثيف طاقة المجال الكهربي الذي أمتكله. وبعد ساعة بدأ يوسف يفتح عينيه بصعوبة وينظر حوله, وبدأ جده (إسماعيل) أيضاً باستعادة وعيه وبدأ يتساءل: أين يصفيدش. فقال طه : يصفيدش حبسك في عالم الجن يا اسماعيل منذ مائتي عام, قرينك ظل هنا في عالم البشر وجسدك مع يصفيدش, وها قد أعدتك. سأل يوسف فزعاً: من الذي يتحدث؟ قال طه: حامد سيشرح لك باختصار لاحقاً, أما أنت يا اسماعيل فاعلم أن أحد أحفادك نطق الكلمات وفك طلاسم المخلبي محرراً إياه, وهو الآن يسعى لفتح البوابات السبع, وها قد أعدتك لتصنع طلسماً كي نوقف المخلبي. في الوقت نفسه كان عماد وحازم و يسري قد وصلا إلى الغرفة النحاسية. أخبر حامد عماد بما يجري, ثم أخذ حامد في تأمل الدكتور يسري وقال : أشعر إنني رأيته من قبل, أنت تشبه الشاب الذي أرتني الغرفة إياه وهو يبنيها. حينها ابتسم يسري وهو ينظر لإسماعيل الذي كان ينظر إليه وهو يفتح فمه وعيناه تتسع قائلاً بخوف : الحي بن القصاب !!!!!

بالقرب من الهنتيكة, وقف إسلام ورقية كما أخبرهما حامد بطلب من طه. إستدعى إسلام قرينه, وكما أمر إسلام تحرك القرين وهجم على الهنتيكة وقضى على جميع الجان المتواجدين هناك. ثم بدأ القرين بدفع الهنتيكة بكتفه فرجّت الأرض تحت أقدامهم. إنقلبت الهنتيكة على الأرض وظهر أسفلها حفرة عميقة. نزل القرين إلى الحفرة ووجد حبيبة فيها. إستطاع القرين أن يخرج حبيبة من الحفرة, وأسرع بها إلى السيارة كما أمره إسلام بذلك.

قال يسري لإسماعيل : يا لها من سنوات يا صديقي القديم, عشتها أنت بعالم الجان, وعشتها أنا في عالم البشر. أنظر يا اسماعيل أنا من بنيت الغرفة, هذه الغرفة النحاسية من الكتب القديمة التي أخذتها منك, بدلاً من من غرفتك البدائية في الهنتيكة التي عقدت فيها اتفاقك مع المخلبي !! لم أكن لأترك فرصة عودتك يا اسماعيل تفوتني, كي أقتلك بيدي هذه المرة. حينها اقترب منه إسماعيل وقال: أعطني فرصة وحيدة لأوقف المخلبي ثم نصفّي حسابنا. بدأ مهران( د.يسري) في كتابة بعض الطلاسم على صدره لكي تفتح له منفذاً للخروج من الغرفة النحاسية, وفجأة ظهر ضوء أصفر على صدر مهران, فصرخ مهران وهو يتألم والضوء الأصفر يزداد حتى أحاطه وأعمى عيون الجميع, فجأة خبت الضوء ولم يجدوا مهران. بينما بدأ إسماعيل في كتابة الطلاسم لإنهاء المخلبي, وفجأة أثيرت زوبعة في منتصف الغرفة إبتلعت إسماعيل واختفت, ثم أثيرت زوبعة ثانية في منتصف الغرفة خرج منها مهران, ونظر لهم قائلاً : يقولون عنهم العفاريت لأنهم يعفرون الارض من سرعة حركتهم, فقال عماد : ما الذي يحدث ؟ فقال مهران : إسماعيل اصبح ملكي الآن حسب الإتفاق. لقد جاءني طه صباح اليوم وقال إنه رآني في المستقبل أتحكم في العفاريت, ولكن اسماعيل هرب مني مرة أخرى, لذا عرض علي تسليمه لي مقابل أن يتركني أتحكم بالعفاريت, وأفعل ما يحدث الآن ! فقال عماد : وماذا يحدث الآن ؟! فقال مهران : عالم الجن أصابه الخلل بعد موت سليمان, وكثرت حروبهم ونزاعاتهم .

تقاتل جيش المخلبي مع جيش الممالك في الصحراء. وعلى بعد مئات الأمتار وقف المخلبي وقال لرجاله : أحضروا الفتاة حالاً, لقد سحب يصفيدش جيشي إلى هنا لغرض ما !! ثم طلب من قصعان أن يقول الكلمات ليحفظها ويتشكل. تشكل جسد قصعان في بقعة نائية في الصحراء وكذلك جسد المخلبي. قال قصعان للمخلبي: هل تتذكر الجاسوس الذي زرعه يصفيدش بينكم؟ إنه أنا, وبدء الأثنان في الإقتتال. كاد المخلبي أن يقتل قصعان وهو يضع قدمه فوق رقبته, وقال له: قل الكلمات وإلا قتلتك. وفجأة بدأت سلسلة انفجارات تقترب منهم, ثم انفجر موضعهما بعنف. كان جيش الممالك يطوق جيش المخلبي من الجوانب. صرخ يصفيدش في جيشه أن يتوقفوا عن القتال وهو ينظر للأعلى ويرى زوابع تسير بسرعة جنونية: العفاريت أتوا, تلك القوة التي ستظهر يجب أن تخلف ضحايا ليكونوا عبرة للجميع, وأعتقد أنك لتبني بيتاً جديداً فعليك بهدم القديم وإزاحة أنقاضه. الزوابع تدور حول جثث الجيشين الملقاة, يصفيدش كان جثة هامدة لا تتحرك, وكلما أبدت إحدى الجثث حركة تدل على الحياة, تجري عليها زوبعة تمر فوقها فتخمد الجثة. أما البوابات السبع التي خافها الجان, فحان الوقت لتدميرها لتصبح ذكرى لهم لا أكثر, ويصبح مُدمّرها هو البطل الجديد.

اشكروا لي صديقكم طه, وقولا له بأن الحي بن القصاب وفّى بجزئه من الإتفاق, ويشكرك على هدية اسماعيل. قالها مهران وزوبعة تدور وسط الغرفة سحبته واختفت.
بعد سبعة أيام .. مستشفى الأورام.

دخل إسلام المستشفى ممسكاً بيد رقية وسألا في الإستقبال عن إسم مريض. بحثا في العنابر إلى أن وجدا حامد بجانب فراش ينام عليه طه حليق الرأس والإرهاق والشحوب ظاهران عليه. وحين دخلا ابتسم طه وقال : كنت أتوقع شيئاً كهذا من تعاملي مع الكهرباء. سمع الجميع صوت رنة هاتف حامد, وبعد المكالمة نظر إلى طه وقال : إستعد, حازم وعماد ويوسف وحبيبة والشيخ محمد سيأتون لزيارتك الآن. ثم فجأة تحدث حامد إلى رحيم, فقال طه : أنت الوحيد منا الذي خرج بشيء مما حدث, لا أعرف كيف بقي رحيم صديقك بعد إغلاق الغرفة. فقال حامد : إذاً هيا بنا يا رحيم لنسجل هذه الصداقة التاريخية, ونلتقط سيلفي مع بعضنا البعض .



                                              النهاية ..


تفاعل :

تعليقات