القائمة الرئيسية

الصفحات

تلخيص رواية مزرعة الدموع: منى سلامة - إعداد وإشراف: رجاء حمدان










لسماع الرواية والاشتراك بالقناة ..قناة راجوشو ...الرابط التالي : 

تلخيص رواية
مزرعة الدموع: منى سلامة
إعداد وإشراف: رجاء حمدان 



القلب دائم البحث عمن يسكن فيه ويعمره ويزرع به أزهار الحب والألفة والسرور , كالبيت الفارغ فهو بلا ساكن بلا حياة وبلا حراك , لا تضاء به أنوار ولا تجد به استقرار, إلا بوجود الساكن الأمين , الذى يعشق الألفة والحنين .
كانت ياسمين إبنة لأسرة متوسطة الحال أو تحت المتوسطة بقليل, والدها موظف على المعاش ولا يملكون من حطام الدنيا إلا هذا البيت الذي يأويهم والذي يقع في أحد الأحياء البسيطة في القاهرة. لدى ياسمين شقيقة واحدة تصغرها بـ 4 أعوام تدرس في السنة الأخيرة بكلية تجارة جامعة عين شمس, إسمها ريهام. أما ياسمين فكانت في السادسة والعشرون من عمرها دكتورة بيطرية لا تعمل .
ارتدت ياسمين ملابسها التي اختارتها بعناية ولفت حجابها وتأملت نفسها في المرآة, كانت في غاية التوتر والقلق فهذه هي المرة الأولى التي يتقدم أحدهم بطلب يدها, شعرت أنها تريد أن تسأله عشرات الأسئلة لتتأكد من أنه الشخص المناسب لها. وحين التقته قال لها : أنا إسمي مصطفى عندي 34 سنة و 9 شهور, مهندس بترول في شركة كبيرة في البحر الأحمر بنزل القاهرة أسبوع كل شهر, يعني عايز واحدة مستعدة تتحمل ظروف شغلي لأني هغيب عنها 3 أسابيع كل شهر. أثناء حديثه كانت ياسمين تختلس النظر إليه , رأته شاباً هاديء الملامح, عينيه سوداويين خمري البشرة بنفس لون بشرتها, لديه شعر قصير جداً أسود اللون, أكمل مصطفى قائلاً : لو قبلتيني وكان لنا نصيب مع بعض إن شاء الله الفرح هيكون خلال شهرين بالكتير. حينها صدمت ياسمين. وحين انتهت الزيارة, كان أكثر ما يقلقها هو هذه الخطوبة القصيرة التى لن تتعدى الشهرين, تساءلت في نفسها هل تستطيع أن تتعرف عليه وتعتاد عليه في هذه الفترة القصيرة ؟! ولكنه كان من الواضح الجلي أن عبد الحميد سعيد جداً بمصطفى فهو لم يكن ليتمنى شخصاً أفضل منه لابنته .

 جاء اليوم الموعود وارتدت ياسمين فستان الخطوبة. كان وجهها بلا زينة فبدت بمظهر هاديء بريء.  كانت الزغاريد لا تنقطع منذ الصباح فهي البكرية والفرح بها له مذاق خاص. كانت حفلة الخطوبة صغيرة في منزلها المتواضع تضم الأسرتان فقط , وصديقتها المقربة من أيام الثانوية  سماح. شعرت ياسمين بأن قلبها يرقص فرحاً فها هي لحقت بركب صديقاتها وجاراتها المخطوبات .
 في هذه اللحظة وفي حديقة فيلا كبيرة في المعادي كان هناك حفل خطوبة لأحد أكبر رجال الأعمال بالقاهرة "عمر نور الدين الألفي". كان عمر في السابعة والثلاثون من عمره, أسمر طويل عريض المنكبين ذو شعر أسود حريري. كانت خطوبته على نانسي, إبنة رجل أعمال شهير وإبنة أسرة لا تقل ثراءاً عن أسرة عمر, فكان الجميع يراهما مثاليان لبعضهما البعض. رقص الخطيبان على أنغام موسيقى حالمة .. كانت نظرات عمر إليها تحمل الكثير من معاني الحب والحنان,  كم ود عمر لو تمر الأيام سريعاً ليجتمعا معاً في بيت واحد .
 في صباح اليوم التالي تناول عمر هاتفه النقال من جيبه واتصل برقم يحفظه عن ظهر قلب, وبعد حديث طويل قالت نانسي بجدية : عمر, يا ريت مانستعجلش, يعني إحنا لسه خطوبتنا كانت امبارح مش معقول هنتكلم في جوازنا النهاردة. وبعد انتهاء المكالمة قالت نادين, أم نانسي, لنانسي والتي كانت تستمع إلى المكالمة : إنتي غبية يا بنت إنتي .. بيتكلم عن الجواز تقوليله أما أتمتع بخطوبتنا, إنتي مش عارفة المصيبة اللي احنا واقعين فيها, لازم تفتكري ومتنسيش أبداً أن كل أملاكنا تقريباً مرهونة. عمر مش عايزاه يفلت من إيدينا, محدش غيره هيقدر يخرّجنا من الورطة اللي احنا فيها. فقالت نانسي : عارفة يا ماما, مع أنه مش الشخصية اللي كنت أحلم إني أتجوزها, بس فلوسه تخليني أتغاضى عن كل حاجة تانية. ثم تبادلتا نظرات ماكرة والإبتسامة تعلو شفاههما .

كان مصطفى في غرفته حينما طرق عليه الباب صديقه الذي يشاركه في السكن وفي العمل, وبعد حديث بينهما قال مصطفى : هي إنسانة كويسة وكل حاجة يعني زوجة مناسبة, لكن مش حاسس نحيتها بأكتر من كدة, فقال رأفت : طيب و"نهلة" مش إنت برده كنت بتحبها, شعر مصطفى ببعض الضيق للتحدث في هذا الموضوع لكنه قال : من الآخر كدة مفيش راجل بيتجوز واحدة كان ماشي معاها !
التف الأصدقاء عمر وكرم وأيمن حول إحدى الطاولات في أحد المطاعم, فقال عمر: إحنا في موقف صعب يا أيمن, مرض البياض الدقيقي انتشر في الزرع, والمحصول أصلاً متباع, وفي شرط جزائي لو متسلمش في معاده أو لو اتسلم أقل جودة من اللي اتفقنا عليه، فقال أيمن : خلاص طالما محتاجيني فعلاً فأنا معاكوا يا شباب, لكن مش هبدأ إقامة في المزرعة إلا بعد أسبوع أو اتنين كده, أصلي هخطب قريب !
خيم الحزن على الجميع وانبعث من المسجل صوت الشيخ المنشاوي وهو يتلو "يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي". جلست الفتاتان وقد ارتديتا السواد وأحاطت بهما العديد من النساء اللاتي أتين لتقديم العزاء .. وفي تلك اللحظة دخلت سماح من الباب قائلة: السلام عليكم. هبت ياسمين واقفة وجرت عليها وعبراتها تتساقط على خدها, حضنتها سماح وهي لا تستطيع كبح جماح عبراتها هي الأخرى, هتفت ياسمين وهي تبكي في حضن صديقتها : ماما ماتت يا سماح ماما ماتت !!!
تدثرت ياسمين بغطائها وأولت ظهرها إلى أختها تاركة العبرات تنساب على وجنتيها في صمت .. أخذت تحدث نفسها قائلة : آآآآآآه يا ماما, وحشاني أوي, وحشني حضنك وحشتني ريحتك .
في اليوم التالي, أنهت ياسمين إعداد طعام الغداء وذهبت كي توقظ والدها من نومه, وعندما اقتربت من الغرفة سمعته يبكي في الداخل, إغرورقت عيناها بالدموع ثم تركته وذهبت. رن جرس الهاتف فأسرع عبدالحميد بالرد عليه, وسمعت ياسمين  أباها يتحدث إلى مصطفى ويقول بأن موعد الزفاف لن يتغير. بكت ياسمين بقوة ودخلت لأبيها وقالت : ليه ما نأجلش الفرح .. ليه لازم أتجوز دلوقتي ؟؟ أنا مش مستعجلة. قال لها في غضب : إنتي سمعتي اللي أنا قولته, هيّ كلمة واحدة, الفرح في معاده مفيش داعي للتأجيل, وفجأه انهار تماسكه أمام حدة بكائها فجذبها إلى حضنه قائلاً : يا بنتي أمك ماتت فجأة, كانت نايمه جمبي على السرير وهي كويسة مفيهاش حاجة أبداً, وصحيت لقيتها ميتة, أنا مش ضامن عمري, خايف أموت من غير ما أسيب معاكو راجل, أنا نفسي أطمئن عليكو قبل ما أموت. حاولت ياسمين تفهم مشاعر والدها التي دفعته في البداية للموافقة على الزواج السريع من مصطفى, وعدم الإنصات إلى رغبتها في إطالة فترة الخطوبة, والآن يريد إتمام هذه الزيجة خوفاً عليها, ورغم تفهمها لمشاعره ونيته الحسنة إلا أنها لم تستطع تقبل الأمر, لكنها رضخت أخيراً لما أراده والدها فهذه هي المرة الأولى التي ترى والدها يبكي أمامها, فشعرت أن الأمر جلل خطير.
وجهت والدة سماح حديثها إلى أيمن قائلة :سماح دي بنتي الوحيدة يا أيمن, وأنا وباباها مكناش هنوافق نديهالك لو مكناش متأكدين من أخلاقك وحسن سلوكك, ربنا يوفقك يا ابني ويقدم اللي فيه الخير, وزي ما اتفقنا إن شاء الله الخطوبة بعد أسبوع. قال أيمن وقد اتسعت ابتسامته: إن شاء الله.
وفي حفل خطوبة سماح أصرت ياسمين على الحضور بالرغم من حزنها الشديد على أمها. وصلت ياسمين إلى بيت صديقتها سماح ووقفت بجانبها في التحضير لحفلة الخطوبة. وحين خرجت من البيت لجلب أختها ريهام من المترو لحفلة الخطوبة, وبينما كانت تقطع الشارع, إنطلق في الشارع صوت فرامل سيارة وهي تكبح جماحها بشدة, بعد ما صدم شخصاً ما ظهر أمامه من العدم فلم يستطع تفادي الإصطدام به, سقط الشخص أمامه على الأرض. نزل بسرعة ليجد فتاة وقد ارتسم على ملامحها الألم الشديد. لم تستطع ياسمين تحمل ألم الصدمة الذي كانت تشعر به في ساقها فسقطت مغشياً عليها. حمل عمر جسد ياسمين بخفة ووضعها في المقعد الخلفي لسيارته, وأدار السيارة وتوجه إلى المستشفى. وعندما خرجت الممرضة قال لها عمر: هي عامله إيه دلوقتي؟ قالت الممرضة: كويسة..عندها كسر في رجلها والدكتور حطهالها في الجبس وإن شاء الجبس هيتفك بعد اسبوعين.. وفي شوية كدمات. توجه عمر إلى الغرفة التي ترقد فيها ياسمين, وطرق الباب بضع طرقات ثم فتحه ودخل. رفعت ياسمين نظرها لتجد رجلاً غريباً أمامها, كان يرتدي بدلة سوداء عليها معطف أسود اللون، إطمئنّ عليها وعرض عليها بعض المال ولكنها رفضت أخذهم, ثم خرج وقام بدفع مصاريف المستشفى والإقامة لمدة أسبوع, ثم دخلت ريهام وأبوها إلى الغرفة بعد أن علموا بالأمر .
في الطريق إلى المزرعة إلى المنصورة انطلقت سيارة عمر وبجواره نانسي وفي المقعد الخلفي يجلس كرم, وخلفهم سيارة والد نانسي ووالدتها. توقف عمر بجوار إحدى الكافيتريات على الطرق لشراء عبوة ماء. قالت نانسي : قولّي يا كرم إنت بتشتغل إيه عند عمر ؟ إبتسم بسخرية قائلاً : أنا شغّال مع عمر مش عند عمر .. أنا شريك في مجموعة شركات الألفي بنسبة 30 % . رفعت نانسي حاجبها في دهشة .. ولمعت عيناها ببريق خبيث وقالت: تصور مكنتش أعرف. في تلك الأثناء عاد عمر وشعر بالضيق عندما وجد نانسي ملتفتة تماماً للخلف بهذه الطريقة. صعد إلى سيارته فاعتدلت نانسي في مقعدها وانطلق يكمل طريقه إلى المزرعة . بعد ما وصلوا إلى المزرعة, دخلت نانسي حجرة عمر وسمعت صوت الدش في الحمام الملحق بغرفته, فارتسمت ابتسامة خبيثة على شفتيها, وبعد فترة توقف صوت الدش وخرج عمر يلف نفسه بمنشفة, توقف فجأه عندما وقعت عيناه على نانسي الجالسة على فراشه, نظر إلى فستانها القصير المكشوف الذي لا يكاد يغطي شيئاً, تسمر في مكانه. قال لها بصرامة: في واحدة محترمة تعمل كده؟ تدخلي أوضة شاب أعزب وإنتي لابسة لبس زي ده؟ نانسي إطلعي برة, أنا مش طايق أشوف وجهك. ثم  رجعوا فوراً إلى مصر. كان يشعر وكأن بداخله بركان يغلي من الغضب .. كان هذا الغضب موجه أكثر إلى نفسه. كيف كان أعمى إلى هذه الدرجة, كيف لم يستطع تمييز الغث من السمين, كيف لم ير أن خطيبته لا تتناسب أبداً مع قيمه وأخلاقه,  كيف اهتم بالقشور ونسي اللب, كان يسأل نفسه هذه الأسئلة وهو لا يدري أيغضب من نانسي أم من نفسه .
تعالت الزغاريد في بيت ياسمين والتف الجميع حولها من أصدقاء وجيران مهنئين ومباركين لهذا الزواج. كان مصطفى يقف سعيداً وسط الحضور عندما وقع نظره على آخر شخص أراد رؤيته في تلك اللحظة, نعم إنها نهلة كانت تقف أمام الباب ترمقه بنظرات غاضبة نارية. شعرت ياسمين وكأن الأصوات اختفت من حولها, فلم يبق إلا صوت دقات قلبها الذي يكاد يخرج من صدرها من قوة ضرباته, لم تسمع إلا كلمة واحدة : "قبلت زواجها". وبعد ساعات دخلت بيتها وهي تقدم رجلاً وتؤخر الأخرى, كانت ترى بيتها لأول مرة بعد ما انتهت والدة مصطفى وأختها وسماح من تنظيمه وترتيبه, دخلت ووقفت وسط الصالة وكأنها عابرة سبيل ضلت طريقها ولا تهتدي إلى وجهتها, أفاقت من شرودها على صوت باب الشقة الذي أغلقه مصطفى عليهما.
كان عمر يسير بسيارته مسرعاً, أراد الخروج من المزرعة سريعاً وإنهاء علاقته بنانسي, كان لا يشعر بأولئك الجالسون معه في السيارة, كان عقله يدور ويدور بدون توقف. كانت نانسي تنظر إليه ولا تصدق أن كل شيء سينتهي في لحظة, وفجأة صرخت نادين أم نانسي: عمر حاسب... حاسب. نظر عمر أمامه فأعمته أضواء التريلا القادمة أمامه, وما هي إلا لحظات تعالت فيها أصوات الصراخ, ثم سكن كل شيء. توقف سائق التريلا لينظر إلى تلك السيارة التي أخذت تلف وتدور حتى انقلبت على أحد جانبيها, ثم أعقب ذلك صمت رهيب..
بكت كريمة وهي جالسة بجوار زوجها أمام غرفة العمليات بالمستشفى, ثم التفتت قائلة لزوجها الجالس بجوارها : نانسي ونادين كويسين؟ فقال: أيوه, أنا لسه كنت عندهم من شوية كلها خدوش بسيطة, لكن اللي تاعبني موت والدها الله يرحمه. خرج الطبيب من غرفة العمليات فسألته كريمة: طمني على إبني. فقال الطبيب: الحمد لله, حاله أحسن من غيره, كل المشكلة أن أعصاب دراعه الشمال اتضررت بشكل جزئي بالإضافة إلى الكسور اللي في دراعه. يعني حيحتاج فترة من العلاج الطبيعي. في اليوم التالي, دخلت نانسي غرفة عمر بعينيها المتورمتين وبعض الكدمات التي تظهر على وجهها, رآها عمر في هذه الحالة فشعر بالأسى عليها, وقالت له : بابي مات يا عمر, مش عارفة هعمل إيه من غيره, كان كل حاجة في حياتي, أرجوك يا عمر ما تسبنيش أنا محتجالك أوي, أنا مليش غيرك دلوقتي, لو سبتني هموّت نفسي. فصمت قليلاً ثم قال : أنا مش هسيبك متخفيش .
كانت العلاقة ما بين ياسمين ومصطفى وأمه متوترة منذ بداية الزواج, فقد كانت ياسمين معذورة وبالتالي لم يتم الزواج عملياً. في اليوم التالي أعدت ياسمين طعام الغداء, وحاولت التنويع في الأصناف وزينت الأطباق بطرق جميلة وجذابة. كانت ياسمين تحاول التأقلم على حياتها الجديدة ومحاولة كسب زوجها الذي أصبح جنتها ونارها. نادت على مصطفى لتناول الغداء, نهض مصطفى والتف الإثنان حول طاولة الطعام, نظر مصطفى إلى الأطباق المرصوصة أمامه وقال بشيء من السخرية : هو ده بأه اللي أخّرك في عمايل الغدا. صُدمت ياسمين بكلامه وشعرت بالإحباط , ثم قال : السِتْ لازم تسمع كلام جوزها يا أما هيبص بره. وقعت كلماته كالصاعقة على رأسها, لم تتخيل أبداً أنها ستسمع زوجها بعد أيام من زواجها فقط يهددها بالنظر إلى غيرها, فشعرت بشيء من المهانة لكنها تماسكت .
كانت نانسي جالسة برفقة عمر بالمستشفى فلم تتركه طيلة الأيام الماضية, تهتم به وتعمل على إراحته. كان عمر مسروراً بهذا التغيير الذي طرأ عليها, لكنه كان محتاراً هل موت والدها هو السبب في هذا التغيير؟ هل تهتم لأمره فعلاً ؟ هل تغيرت وتخلت عن استهتارها وعدم تحملها للمسؤولية. في اليوم الخامس غادر عمر المستشفى, وحين وصلوا إلى الفيلا, إنفرد عمر بنانسي وقال لها بصوت هاديء: الطبيب قالي لي أن مستحيل دراعي يرجع طبيعي تاني وأني هعاني من شلل دائم, وكذلك إنتي عارفة المشاكل اللي كانت في المزرعة, للأسف يا نانسي الشركة اللي كنا متعاقدين معاها عرفت بمشكلة المحصول وطالبونا بفلوسهم وبالشرط الجزائي, وخسرت خسارة كبيرة أوي. فقالت نانسي : عمر, مش هسيبك !  خرجت نانسي من الفيلا وفي داخلها غضب هادر. كان كرم يشاهد إحدى المباريات عندما اتصلت به نانسي, أخذت عنوانه وتوجهت إليه وقالت له : كرم أنا حاسة أن مشاعري اتغيرت ناحية عمر, حسه أني أصلاً عمري ما حبيته,  أنا اتمنيت واحد تاني خالص, ومن يوم ما شوفتك وأنا عرفت أن هو ده الإنسان اللي بتمنى أرتبط بيه, أنا بحبك أنت يا كرم. ظهرت علامات الدهشة على وجه كرم, صمت قليلاً ثم قال : بس عمر هنعمل معاه إيه. قالت بسرعة: مش لازم يعرف بعلاقتنا دلوقتي, أنا هخترع أى حجة وأفسخ خطوبتي!
غادر مصطفى إلى عمله , وأخبر ياسمين بأنه سيغيب لمدة شهر. طلبت منه ياسمين بأن تذهب لبيت والدها أثناء غيابه ولكنه رفض. كانت ياسمين قد أنهت الكثير من الأعمال عندما رن جرس هاتفها في منتصف النهار, وجدت رقماً غريباً فردت قائلة: السلام عليكم. أتاها صوت أنثوي قائلاً : وعليكم السلام, إسمي نهلة واللي عايزاه هو أنك تعرفي جوزك على حقيقته, لو قولتلك أن جوزك خانك وبيخونك تصدقيني ؟ حينها أنهت ياسمين المكالمة وهي تفكر من هذه الفتاة وما مصلحتها في الإيقاع بينها وبين زوجها, وما هي إلا لحظات حتى رن الهاتف مرة أخرى لكن هذه المرة صوت نغمة الرسائل .. وجدت رسالة من نفس الرقم فتحتها وهي تشعر بالتوتر وقرأتها :( كنت متوقعة أنك مش هتصدقيني, ده إيميل وباسوورد بتاع أكاونت جوزك على الفيس بوك, أدخلي واقرأي رسايل بينه وبيني). بعد أن فتحت الحاسوب, جحظت عيناها من هول ما رأت, وضعت كفها على فمها وكأنها تكتم صرخة كادت أن تخرج من أعماق قلبها المطعون, جالت بعينيها في الحوار الذي أقل ما يوصف به هو البذاءة,  كانت تنظر إلى الحوار ثم تلقي بنظرها إلى التاريخ, أدركت أن هذه الفتاة ليست مجرد ماضي في حياة زوجها بل موجودة في حاضره أيضاً, فتاريخ آخر محادثة بينهما قبل يومين فقط ويتواعدان باللقاء باستمرار !!!! ارتدت ملابسها وأخذت حقيبتها وهاتفها وأسرعت بمغادرة البيت.
صمت كرم وصمتت نانسي منتظرة جوابه, عندها جحظت عيناها بشدة وهي تنظر إلى نقطة ما خلف كرم, التفت كرم ليلقي نظرة على صديقه ثم ينظر إلى نانسي مرة أخرى, ثم قال كرم بصرامة : متخلقتشْ البنت اللي تخليني أخون أخويا وصاحبي عشانها .. ده ردي يا نانسي. قال ذلك ثم حمل معطفه وفتح باب البيت وخرج. ران الصمت طويلاً. كانت نانسي في موقف لا تحسد عليه, حاولت تشغيل عقلها لتبحث عن مخرج لهذا المأزق. تقدم عمر منها ووقف أمامها وترك مسافة بينهما ونظر إليها قائلاً : على فكرة أنا إيدي إن شاء الله هترجع طبيعية تاني, والمزرعة الحمد لله بفضل الله ثم أيمن قدرنا ننقذ جزءاً كبيراً جداً من المحصول, والطلبية هتتسلم في معادها وبالجودة اللي اتفقنا عليها كمان. فوقفت نانسي أمامه مدهوشة مما تسمع. خلع عمر دبلته وألقى بها على الأرض أمام قدميه, ثم قال: يلا اتفضلي, مش عايز أشوف وشك تاني في أي مكان. أطرقت نانسي برأسها وتوجهت إلى الباب وخرجت.
قصّت ياسمين كل ما حدث على أبيها وقالت :  بابا أنا عايزة أطّلق. نظر إليها عبدالحميد ثم هتف قائلاً :  معندناش حاجة إسمها طلاق, إنتي عايزه تفضحينا ؟ مينفعش اللي بتقوليه, ده الناس تقول إيه لما يلاقوكي اطلقتىي وإنتي مكملتيش شهر جواز !! وبعد مجادلة مع والدها, قرر عبدالحميد استدعاء مصطفى والتفاهم معه. وبعد ساعة ونصف حضر مصطفى إلى بيت والدها, تركتهم ياسمين يتحدثون معاً ودار الحوار في اتجاه لم ترضاه أبداً, فعاهد مصطفى والدها بأنها غلطة ولن تتكرر أبداً وطلب منه أن يسامحه على ما بدر منه في حق ابنته. إمتثلت ياسمين لكلام والدها وسارت خلف زوجها, تمنت شيئاً واحداً في هذه اللحظة, تمنت أن يقبض الله روحها قبل أن تصل إلى بيت زوجها. وحين وصلوا إلى البيت, أمسكها مصطفى من ذراعها, وحين حاولت التملص منه اشتدت قبضته على ذراعها ولطمها على وجهها بقوة وصرخ فيها, وتعالت أصواتهما حتى تجمع الجيران أمام باب الشقة, حينها هبت ياسمين واقفة متحملة الألم الذي ينغز في كل أنحاء جسدها الرقيق, إرتدت عباءة تستر بها نفسها وارتدت حجابها بسرعة وخرجت إلى الصالة, وجدت أحد الجيران يتكلم مع مصطفى فقالت له: أرجوك مشيني من هنا, لو فضلت هنا هيموتني, أرجوك امسكه لحد ما أمشي. إشتعل غضب الرجل وأمسك مصطفى وقال لها: إمشي بسرعة, وروحي على أي مستشفى واعملي تقرير طبي باللي حصلك. كان الجار قوي البنية ولم يترك مصطفى يقترب من ياسمين. حينها أسرعت ياسمين بهبوط الدرج متحملة ما بها من آلام, أسرعت الخطى فذهبت إلى المستشفى وأخذت تقريراً طبياً بحالتها, وأخذته إلى قسم الشرطة ورفعت شكوى على مصطفى. فكّرت كثيراً وخافت أن يجبرها والدها على العودة إلى زوجها مرة أخرى فاتجهت إلى أقرب صديقة إليها... سماح. وبعد أن ارتاحت ياسمين في بيت سماح, إتصلت سماح بريهام وقصت عليها ما حدث لأختها, فأسرعت بالذهاب إلى بيت سماح مع أبيها, وبمجرد أن خرجت لوالدها بهذا الشكل انفجر باكياً وضمها إلى صدره قائلاً : سامحيني يا بنتي سامحيني, أنا اللي جنيت عليكي, ثم عانقها وأخذ يقبل رأسها وهو يشعر بمزيج من الألم والندم.
بعد أسابيع كانت سماح تبدو كأميرة صغيرة ووجهها يشع نوراً وأضافت ضحكاتها الصافية على وجهها المزيد من التألق. حان موعد كتب الكتاب, سمعت في الخارج الزغاريد بعدما حضر المأذون. إبتسمت ياسمين لاشعورياً وهي تتخيل فرحة صديقتها الآن. التقت عينا عمر بياسمين فعقد عمر مابين حاجبيه وهو ينظر إليها متذكراً إياها, نعم إنها الفتاة التي صدمها بسيارته منذ فترة, تفرّس فيها ليتأكد من أنها هي نفسها, أيقن أنه لم يخطيء, هي نفسها تلك الفتاة التي صدمها وتسبب في كسر ساقها. كانت ياسمين ترى الجميع من حولها مبتسماً سعيداً ضاحكاً, لكنها كانت في عالم آخر ودنيا أخرى, ترى هل ستستطيع الحصول على الطلاق ؟ ترى ماذا سيكون رد فعل مصطفى ؟  تنهدت في حسرة ولفت ذراعها حول جسدها وأسندت خدها بقبضة يدها, كانت تنظر إلى الأرض أمامها غير واعية لما يدور حولها من أحاديث. حانت من عمر التفاتة إليها, ربط على الفور بين إسمها والأسم الذي ذكره أيمن وقال إنها أقرب صديقات خطيبته, وتذكر مشكلتها مع زوجها الذي خانها بعد شهر من الزواج حسب ما قال له أيمن. دقق في ملامحها وتبين تلك الكدمات التي تقع على جبينها والجرح بجانب شفتها العليا, تنهد في أسى كيف يستطيع رجل ضرب زوجته وترك تلك الكدمات على جسدها, تسائل في نفسه, هل طلبت الخلع أم عادت إلى زوجها, شعر بالأسى لحالها. 
ظل مصطفى يلاحق ياسمين ويهددها لكي تسقط قضية الخلع وتعود إليه, وحاول مرة اختطافها لولا إنقاذها من قبل شابين كانا مارين في الشارع في ذلك الوقت. وقد أخبرت ياسمين صديقتها سماح بكل ما يحصل معها مع مصطفى, وبدورها أخبرت سماح زوجها أيمن بما أخبرتها به ياسمين, فحزن لذلك وقال أنه سيتصرف. إلتفت أيمن إلى عمر وقال له: بُص يا عمر, البنت دي زي ما قولتلك هي زميلة سماح من أيام الجامعة, وأقرب صاحبة ليها والإتنين زي الأخوات بالظبط .. وسماح فعلاً مضايقة عشانها أوي. أومأ عمر برأسه وهو يتذكر الرجل والفتاة اللذان رآهما في المستشفى .. فأكمل أيمن قائلاً : أنا بصراحة فكرت في حل .. وقولت أعرضه عليك وأشوف رأيك, إيه رأيك لو البنت دي تيجي تشتغل هنا في المزرعة, إن شاء الله لحد ما قضيتها تخلص وتطلق من جوزها, بس على الأقل هتبقى بعيدة عنه الفترة دي ومش هيقدر يعرف طريقها. قال عمر بسرعة : مفيش مشكلة بالنسبة لى تقعد الفترة اللي هيّ عايزاها, ومن الممكن أن تأتي هي ووالدها وأختها.
عرضت ياسمين الأمر على والدها وعلى ريهام. كان رد فعل ريهام هو الموافقة على الفور, فهي تعلم المشاكل والخطر المحيط بأختها, أما عبد الحميد فقد تردد قليلاً ثم ما لبث أن وافق من أجل حماية ابنته حتى موعد النطق بالحكم. وبعد أسبوع رحل ثلاثتهم بعد الفجر لئلا يراهم أحد, وركبوا منطلقين إلى تلك المزرعـــة. وقعت ياسمين في حب المزرعة من أول وهلة, كانت بطبيعتها تحب الهدوء والخضرة والطبيعة الساحرة، وبمجرد أن عبرت البوابة شعرت بمزيج من الهدوء والسلام والطمأنينة. خطر لعمر سؤال, تُرى ماذا سيكون رد فعلها عندما تراه, فهي حتى الآن لا تعلم أنه هو نفسه من صدمها بسيارته منذ فترة, إبتسم لنفسه وهو يتوقع الصدمة التي ستشعر بها. إستقبلهم أيمن وأخذهم فوراً إلى مكتب عمر. رفعت ياسمين رأسها لترتطم نظراتها بنظرات عمر, خفق قلبها بشدة, لا يبدو عليه أنه صُدم أو دهش, إذن فهو يعلم أنها صديقة سماح. تبادلوا أطراف الحديث وعرّف عمر العائلة على المكان الجديد.
 في صباح اليوم التالي استيقظت ياسمين فجراً, أنهت صلاتها وقرأت وردها, وظلت تدعو الله عز وجل أن يوفّقها ويصرف عنها كل سوء. وفي الساعة السابعة ارتدت ملابسها وتجهزت للذهاب إلى عملها الذي لا تعلم عنه شيئاً حتى الآن. كان معادها مع عمر في مكتبه في الثامنة لكنها جهزت نفسها قبلها بساعة حتى لا تتأخر. سارا معاً خارج المبنى, كانت ما زالت متوترة لكنها تظاهرت بالتماسك, سارا معاً دون أن يتفوه إحداهما بحرف واحد, أخذها عمر إلى الأقسام التى تُربى فيها المواشي واقترب من أحد الرجال, كان يرتدي البالطو الأبيض, كان دكتور حسن الذي ستبدأ ياسمين العمل معه. إنتهى عمل ياسمين في يومها الأول, كانت سعيدة بالعمل تحت إشراف دكتور حسن, كان الرجل بحراً من العلم وقد استفادت منه كثيرا.ً
في اليوم التالي وبينما كانت ياسمين تنزل في وقت استراحتها للكافيتريا, رآها عمر, فسألها عن عملها , فقالت إنها مبسوطة منه, فتركها وذهب, في تلك الأثناء كانت مها متوجهة إلى مبنى الإستراحة, فرأتهما يتكلمان فرمقت ياسمين بنظرة نارية, تعجبت ياسمين لهذه الفتاة التي ترمقها بتلك النظرات وهي لا تعرفها. في الكافيتريا جلست ياسمين مع إحدى الفتيات وتعرفت عليها, كانت الدكتورة شيماء, فسألتها ياسمين عن الفتاة التي ترمقها بغضب فقالت شيماء : شافتك واقفة بتتكلمي مع الراجل اللي هتموت عليه, مع عمر الألفي !
في اليوم التالي كانت ياسمين واقفة تتفحص إحدى المواشي بينما كان عمر يراقبها  من بعيد وهي تباشر عملها, كانت منهمكة في عملها لدرجة أنها لم تشعر بوجوده, بل لم تشعر بأي شيء حولها, وقف يراقب حركاتها, سكناتها, لا يدري لماذا يفعل ذلك, فهي ليست بالجميلة التي تبهر الأنظار والعقول, وليست ممن اعتاد صحبتهن والتعامل معهن, لكن بها شيء غريب يدفعه لأن يراقبها ويحاول فهمها.
كانت عائدة من استراحة الغداء عندما استوقفها عمر قائلاً : جبتلك خط جديد عشان ميقدرش مصطفى يوصلك أبداً. بعد تردد شديد قبلت الخط وشكرته. حينها كانت مها تراقب المشهد من مكان قريب, لم تتمكن من معرفة عن ماذا يدور الحوار, ولا عما أعطاه عمر لياسمين,  لكن عينيها كانت تشعان حقداً وغلاً .
جافى النوم عمر في هذه الليلة, ظل ساهراً في شرفة منزله, كان يشعر بشيء غريب لا يستطيع هو نفسه تسميته, نظر إلى النجوم التي تزين السماء وهي تضيء وتتوهج في روعة, وجد الإبتسامة تتسلل إلى شفتيه بلا استئذان, شعر بنسمات الهواء المنعش وكأنه يستنشقها لأول مرة, شعر بسعادة غريبة تسري مع دماؤه في شرايينه وأوردته, لم يستطع أن يحدد سبباً لتلك الحالة الغريبة التي تعتريه, فقط كان يشعر بكل تلك الأشياء ولم يعرف لذلك سبباً واضحاً. شعر عمر بخفقة في قلبه لم يعتاد الشعور بها من قبل, خفقة قوية، كان يشعر بحنان جارف يملأ قلبه تجاه تلك الفتاة, شعر بأن تلك الفتاة تتحكم به بطريقة أو بأخرى, شعر بأن لها تأثير قوي عليه لم يألفه ولم يعتاده من قبل, شعر بالخوف يدب في قلبه بسبب هذا الشعور الغريب الذي كاد أن يغمر كيانه كله, شعور بالإستسلام والتسليم.
رن هاتف عمر فأسرع بالرد قائلاً : والله وحشتني، فقال كرم : قررت آخد إجازة طويلة المدى وبكرة هتلاقيني طابب عليك في المزرعة بشنطة هدومي, وقبل ما تقولي الشغل ومش الشغل هقولك أبوك فيه الخير والبركة, وأنا كمان هفضل متابع الشغل من المزرعة زي جنابك ما بتعمل, يعني مسمعش كلمة اعتراض. إنتهى عمر من محادثة صديقه وقد شعر بفرحة عارمة فقد اشتاق له كثيراً , إبتسم قائلاً لنفسه : جيت في وقتك يا كرم أنت أكتر واحد بتفهمني !
هبت نسمات الصباح لتداعب وجه ياسمين الجالسة على جذع شجرتها. أصبح هذا المكان الصغير هو عالمها الخاص, الذي تشعر فيه بالراحة والسكينة, كانت تستيقظ باكرة وتأتي إليه قبل الذهاب إلى عملها, كأن بينهما موعداً أبدياً لا ينقطع. جلست في ذلك اليوم تفكر, تُرى كيف ستنتهي قضيتها, وهل ستنتهي بالفعل من الجلسة الأولى التي من المقرر أن تكون بعد ثلاثة أيام ؟ أم ستضطر إلى الإنتظار جلسات أخرى. 
في الصباح توجهت مها إلى مكان عمل عبد الحميد والد ياسمين في مخزن العلف. إقتربت منه قائلة بخبث : صباح الخير يا عم عبد الحميد, أنا جاية أسألك عن ياسمين لأني شيفاها حالها مش عاجبني اليومين دول, أنا صحبتها, ربنا يعلم أنا بحب ياسمين أدّ إيه بعتبرها زي أختي, أه والله يا عم عبد الحميد عشان كده عايزه أطمئن عليها. فقال عبد الحميد بأسى : يمكن بس هي متوترة شوية عشان قضية طلاقها من مصطفى جوزها. ظهرت علامات الدهشة على وجهها، سألته مها قائلة: هو انتوا قرايب البشمهندس عمر. أسرع عبد الحميد قائلاً :لا يا بنتي قرايبه إيه, تقدري تقولي معرفة من بعيد, وهو الله يباركله جبنا هنا المزرعة عشان اللي ميتسماش مصطفى جوز ياسمين, كان عايز يرجّعها بيته غصب عنها. دهشت مها مما سمعته. أخبرت مها شيماء بما حصل ثم ابتسمت بخبث قائلة : هعملها مفاجأة محصلتش !
حانت اللحظة التي انتظرتها ياسمين طويلاً. خرجت ياسمين من عند القاضي, وألقت نفسها في أحضان والدها قائلة: الحمد لله يا بابا, خلصت منه. تبلل وجه عبد الحميد بالدموع, وتعالت شهقاته بالبكاء, وعانقها مرة أخرى مردداً : الحمد لله, اللهم لك الحمد والشكر, لو مكنش القاضي طلقك كنت هفضل شايل ذنبك طول عمري, الحمدلله ! كانت تسير خلف والدها والمحامي عندما وجدت يدا تمسكها من ذراعها في المحكمة, التفتت إلى الخلف لتجد نفسها وجهاً لوجه مع مصطفى, شلتها الصدمة عن الحركة, وجدته ينظر إليها بشراسة ويقول بقسوة وهو يضغط على ذراعها بقوة: القاضي طلقك مني؟ بس ورحمة أمي اللي ماتت بحسرتها عليا ما أنا عاتقك. إتسعت عيناها خوفاً والتفتت بسرعة لتنادي على والدها, فتركها مصطفى بسرعة واختفى وسط الحشود .
في صباح اليوم التالي خرجت ياسمين من غرفتها, وقبل الذهاب إلى عملها, توجهت حيث شجرتها, لكنها اليوم تستقبلها بالإبتسامة فهذا هو يومها الأول بعد أن تحررت من قيد مصطفى, القيد الذي كاد أن يخنقها. كانت تشعر بأن تغاريد العصافير مختلف اليوم, لم تسمعهم يغردون بتلك السعادة من قبل, شعرت بأنهم يشاطرونها فرحتها, ويباركون لها حريتها, أخيراً أصبحت حرة مثلهم ..
توقفت عن العمل عندما حان موعد استراحة الغداء. توجهت ياسمين إلى القاعة والإبتسامه تعلو شفتيها, كانت على الرغم منها لا تستطيع إخفاء فرحتها, وفجأة اقتربت منها مها وصفقت بيديها لتجذب انتباه العمال قائلة : النهاردة عايزين كلنا نبارك لياسمين لأنها اطلقت. تعالت صيحات عدم التصديق !! لم تستطع ياسمين تحمل تلميحاتها فانصرفت في عجالة, وذهبت إلى شجرتها وأخذت في البكاء. قالت ياسمين لنفسها: لماذا لا يتركها الناس وحالها, لماذا ينغصون عليها فرحها, لماذا يستكثر بعض الناس أن يرى غيره سعيداً, لماذا يخوض الناس في أعراض بعضهم البعض ويمزقونهم بلا هوادة ؟ أخذت تردد بصوت مرتجف: اللهم إني مغلوب فانتصر... اللهم إني مغلوب فانتصر.
 هاتف عمر أهله في المساء, لم يتحدث عن أي تفاصيل, فقط قال لأمه بأنه وجد فتاة أحلامه التي يتمنى الإرتباط بها, ويريدها أن تلتقي مع عائلتها ويعرفهم عليها. كانت والدته سعيدة للغاية, فلطالما انتظرت اليوم الذي يدق فيه قلب ابنها مرة أخرى. إتفقا على القدوم بعد ثلاثة أيام, لن يحضر الأبوان فقط, بل عمته ثريا أيضاً. أنهى المكالمة وهو يشعر بالسعادة في قلبه, فها هو يقترب من حلمه شيئاً فشيئاً. وفي الصباح اقترب عمر من عبد الحميد الجالس داخل المخزن يدقق في الدفاتر التي أمامه. إبتسم عمر قائلاً : صباح الخير يا عم عبد الحميد, أنا عارف أن الوقت ممكن ميكنش مناسب, بس .. أنا عايز أطلب منك إيد الدكتورة ياسمين. كان عبد الحميد ما زال واقعاً تحت تأثير المفاجأة, تحدث عبد الحميد أخيراً قائلاً : والله يا بشمهندس أنا اتفاجئت بطلبك, وأنا عن نفسي مش هلاقي أحسن منك عريس لبنتي, بس أنا لازم آخد رأيها الأول.
 في المساء قال عبد الحميد لياسمين وابتسامته تتسع على شفتيه : جالك عريس النهاردة, نظرت إليه ياسمين و ريهام في دهشة, سألت ريهام: عريس..مين هوّ.
نظر عبد الحميد إلى ياسمين قائلاً : البشمهندس عمر. شعرت ياسمين بأن قلبها قفز من صدرها من قوة دقاته, تصاعدت حمرة الخجل إلى وجنتيها, والإبتسامة تعلو شفتيها, حاولت مداراتها, لكنها أبت إلا وأن تظهر واضحة للعيان .
 استقبل عمر أسرته في المزرعة وكذلك عمته ثريا. وعندما التف الجميع على طاولة الغداء, سألته عمته عن البنت التي يريد خطبتها, وعن عائلتها. تنحنح عمر وقال: لأ, مش بنت حد بنعرفه, باباها راجل على المعاش وهو مسؤول عن مخزن العلف, وأختها سكرتيرة كرم, أما هي فبتشتغل دكتورة بيطرية هنا في المزرعة. تبادل والده ووالدته النظرات ثم نظروا إليه في صمت. قالت مدام ثريا بسخرية : خلصت من عيلة نانسي , لتقع في عيلة ياسمين! ده إسمه تهريج. صمت عمر قليلاً ثم قال بهدوء: ياسمين مطلقة. شهقت أمه ونظرت إليه بدهشة, أما عمته فقد قامت من مكانها وقالت: دي مهزلة .. أنا مش ممكن أبداً أوافق على المهزلة دي. ثم غادرت وصعدت إلى غرفتها.  قامت أمه وقالت بصرامة: لو إنت اتجوزت البنت دي, إعرف إني مش راضية عنك ولا عن جوازتك دي. ذهب عمر إلى غرفة والدته وقال لها: أنا مش هعمل حاجة إنتي مش راضية عنها, بس لو متجوزتش ياسمين مش هتجوز غيرها. جلس عمر في مكتبه واجماً يفكر في العاصفة التي ثارت في منزله الليلة الماضية, لم يكن لديه أدنى استعداد للتنازل عن ياسمين, لكنه أيضاً يريد من عائلته أن تتقبل زواجه منها, وأن يباركوا هذا الزواج .
 في اليوم التالي وبينما بدأت ياسمين في أداء عملها بتركيز وفي صمت, فجأة وجدت سيدة تقف أمامها, كان يبدو من ملابسها أنها سيدة راقية, لكن لم يعجب ياسمين نظرة التعالي التي تتطلع بها إليها, إقتربت منها المرأة قائلة : إنتي مدام ياسمين ؟ قالت ياسمين: أيوه أنا ياسمين. نظرت المرأة إليها من رأسها إلى أخمص قدميها وكأنها تتفحص جارية في سوق الجواري. إحمرت وجنتا ياسمين من الغضب, وعادت إلى إكمال عملها متجاهلة تلك المرأة التي ترمقها بنظرات وقحة. إقتربت منها المرأة أكثر قائلة : أنا عمة عمر الألفي, طيب أنا هتكلم معاكي من الآخر, اللي عايزه أقوله, إني شايفه أنك آخر واحدة ممكن تكوني مناسبة لعيلة الألفي, إنتي واحدة كويسة وأكيد هتلاقي إنسان كويس زيك له نفس ظروفك ومن نفس مستواكي, أنا بس حبيت أنصحك, الفرق بينك وبين عمر هيدمر حياتكوا بعد كده, أنا بقولك الكلام ده لأنه أكيد إنتي مش عايزه تكوني مطلقة للمرة التانية. شعرت ياسمين وكأنها تلقت صفعة قوية على وجهها, فأسرعت في طريقها ووصلت إلى حيث يعمل والدها, فنادته وقالت له بحزم : قول للبشمهندس عمر أني رفضته !
 كانت ياسمين تقف وتولي ظهرها إلى الباب تقرأ الملف الذي بين يديها وتضيف عليه ملاحظاتها. إلتفتت لتجد عمر أمامها, يقف أمام الباب وينظر إليها في صمت. تسارعت خفقات قلبها, شعرت بالإضطراب, ودّت الهرب, لكنه واقف يسد المنفذ الوحيد للهرب, هربت من عينيه وساد الصمت, قال عمر بهدوء : ممكن أعرف إنتى ليه رفضتيني ؟ إزداد ارتباكها, صمتت ثم قالت : أعتقد أن من حقي إني أقبل أو أرفض, وأنا رفضت. تلاقت نظراتهما في صمت للحظة, نظرة عتاب منه, ونظرة صد, قال لها بهدوء: أنا بسأل عن أسباب الرفض. قالت ببرود: أفضّل أن أحتفظ بيها لنفسي. قال عمر: مش من حقك تحتفظي بأسباب الرفض لنفسك, لازم أعرف. قالت: مضايق إني رفضتك, إيه كنت فاكر إنه مفيش بنت تقدر ترفضك, لأ, أنا رفضتك, أنا مش زي البنات اللي إنت بتعرفهم واللي يتمنوا إشارة منك. قالت ذلك ثم انصرفت مسرعة, لتترك عمر فريسة للشعور بالغضب.  
حصل حريق في مخزن الأعلاف أدى إلى خسارة كبيرة, واتهمت عمة عمر عبدالحميد بالتسبب بالحريق, إلا أن عمر لم يصدق ذلك, فجمع عمر جميع العاملين في المزرعة وقال لهم بأنه سيسامح الذي قام بالحريق ولن يسلمه للشرطة إن اعترف بذلك في خلال ساعتين. وبعد فترة قصيرة, جاء أحد العمال لعمر واعترف بحرقه للمخزن بناءاً على تعليمات من الدكتورة مها, والتي اعترفت بأن عمة عمر ثريا هي التي طلبت منها ذلك. أعلم عمر والده ووالدته وعمته بذلك, فما كان من عمته إلا أن غادرت المزرعة هي وابنتها إيناس.
في اليوم التالي ذهبت ياسمين إلى شجرتها فوجدت عمر جالساً هناك. نظر في عينيها وقال بصوت رخيم : عايز بس أفهّمك حاجة. نظرت إليه فأكمل قائلاً : مش عايزك تخافي مني, أو من حد من أهلي, ماما وبابا موافقين, أنا قدرت أقنعهم, وأنا ميهمنيش رأي حد غيرهم, وأنا واثق لو اتعرفتي عليهم هتحبيهم وهيحبوكي. صمت قليلاً ثم قال وعيناه تغوصان في بحر عينيها : زي ما أنا بحبك بالضبط. شعرت ياسمين بحرارة تسري في جسدها كله. نظرت إليه قائلة بهدوء : رغم كل اللي أنت قولته ده أنا مش عارفة أثق فيك, لأنك واحد مبادئك غير مبادئي, أنت في حياتك حاجات كتير غلط أنا مش ممكن أقبلها, ممكن لو سمحت تسيبني أمشي, لأن مينفعش وقفتنا كده. صمت برهة ثم نظر إليها بتصميم قائلاً : وأنا هعرف إزاي أخليكي تثقي فيا, لو هيّ مشكلة ثقة, فأنا هعرف أخليكي تثقي فيا وهثبتلك أني أستاهل قلبك يا ياسمين.
قال عمر لأمه بحماس : أنا هعزمهم عندنا هنا هيّ وأختها وأبوها, وفرصة الكل يتعرف ببعضه. فقالت أمه بهدوء : أفضّل أن أول مقابله تكون بيني أنا وياسمين بس, وبعد كده نبقى نعزمهم هنا. وعندما قابلت كريمة, والدة عمر, ياسمين جلست كريمة على أحد المقاعد, وجلست ياسمين على المقعد المجاور لها. نظرت إليها كريمة متفحصة, شعرت ياسمين بالخجل فأطرقت برأسها, إبتسمت كريمة قائلة : بصراحة أنا مصدومة شوية. خفق قلب ياسمين فهي ليست مستعدة أبداً لتكرار تجربتها مع عمته. فقالت كريمة : أولاً عمر ما قاليش سنك فعشان كده كنت متخيلاكي أكبر من كده , بس إنتي شكلك بنوتة صغيرة, ده غير أن باين عليكي هادية وخجولة, يعني بصراحة صورة غير اللي كنت رسماها في خيالي. بصي يا بنتي, أنا أهم حاجة عندي أن إبني يكون مبسوط ومرتاح, وأنه يختار بنت تعرف تحافظ عليه, عمر إبني ده أنا بحبه حب مش قادرة أوصفهولك, هو عندي بالدنيا, والحاجة الوحيدة اللي عمر بيتمناها دلوقتي هو أنك تكوني زوجة ليه, وأنا عرفت أنك رفضيته, فحابه أننا نتكلم مع بعض. صمتت ياسمين قليلاً ثم نظرت إليها قائلة : أنا حسه أن في فروق كتير بيني وبينه وده مخوفني, خايفه منقدرش نتفاهم مع بعض. فقالت كريمة : اللي أنا أقترحه عليكي, وليكي طبعاً حرية الموافقة أو الرفض, هو أن تتعمل خطوبة, وفترة الخطوبة أصلاً معمولة عشان الإتنين يعرفوا بعض ويدرسوا شخصية بعض, ويقرروا هل كل واحد شايف التاني شريك حياته المناسب ولّا لأ .....
بعد انتهاء الحديث, كان لتلك المقابلة أثر السحر على نفس ياسمين, شعرت بالراحة الشديدة لكلام كريمة وتفهمها لموقفها, وشعرت بالراحة والسكينة في قلبها .
رن جرس الهاتف أخرجه مصطفى من جيبه ليجد رقماً غريباً, رد فأتاه صوت فتاة قائلة:  البشمهندس مصطفى معايا ؟ فرد قائلاً : أيوة, أنا مين معايا, فقالت : إسمعني للآخر وأنت تعرف أنا عايزة إيه, أنا جبت رقمك بطريقتي, طليقتك اللي كانت مراتك, طلبت الطلاق عشان يخللها الجو مع الراجل اللي بتحبه, ولما أنت ضربتها أخدتها حجة عشان تعرف ترفع القضية وتطلق منك. إسمعني للآخر, الموضوع اللي عاوزاك فيه محتاج راجل بجد, يا ترى أنت راجل بجد يا مصطفى ؟
كان يوم عمل عادي بالنسبة إلى ياسمين, أنهت عملها وأوشكت على التوجه إلى غرفتها عندما وجدت رقماً غريباً يتصل بها, ردت فوجدت من تقول : إزيك يا ياسمين أنا الدكتورة مها, محتاجة أتكلم معاكي شوية عن البشمهندس عمر. قالت ياسمين: إتفضلي سمعاكي. قالت مها: لأ مش هيمنفع في التليفون, الأفضل أكلمك وجهاً لوجه, أنا واقفة أدام باب المزرعة من بره لو سمحتي إطلعي نتكلم شوية. أغلقت الخط وتركت ياسمين تتخبط من الحيرة. أنهت مها المكالمة لتتصل بمصطفى قائلة :أنا كدة عملت اللي عليا الدورعليك بأه, نفّذ اللي مطلوب منك صح.
قالت ذلك ثم أغلقت الخط. ترددت ياسمين في الذهاب ثم أخيراً عزمت أمرها وتوجهت إلى البوابة. نظرت يميناً ويساراً فلم تجد أحداً. سارت قليلاً في اتجاه الأشجار التي تقع على أحد جانبي المزرعة, لتجد فجأة من يطبق عليها من الخلف ويكمم فمها وأنفها بقطعة قماش, وما هي إلا لحظات وفقدت ياسمين الوعي أثر المادة المخدرة الموضوعة في القماش .
ظلت ياسمين تبكي وتبكي, كانت تخشى أن تتحرك من مكانها فيضربها ذلك الرجل الذى لا تراه. إتصل عمر بجميع المستشفيات وأقسام الطواريء دون جدوى, شعر بالحنق والغضب الشديد والخوف والفزع في آن واحد, إنطلق عمر بسيارته يشق طريقه خارج المزرعة للبحث عن ياسمين, مع كرم وأيمن. نظر إليه كرم الجالس بجواره فوجد علامات التوتر على وجهه, كان يسير بسيارته على غير هدى في المناطق حول المزرعة, كانت عيناه تبحثان عنها في لهفة, بعد عدة ساعات من البحث عاد عمر إلى المزرعة. بعد لحظات من عودته وجد عمر هاتفه يرن, وجد رقماً غريباً, رد ليجد رجلاً يقول جملة واحدة : ياسمين عندي لو شميت ريحة البوليس في الموضوع هقتلها وأبعتلك جثتها هدية لحد عندك, إستنى مني تليفون بعد يومين. قال ذلك ثم أغلق وترك عمر في حالة من الخوف والرعب والفزع والحيرة. مرت الليلة صعبة للغاية على عمر, كان يشعر بألم غائر في قلبه, ألمٌ تمكن منه حتى كاد أن يخنقه, لم ينم عمر طيلة الليل, ظل ساهراً على مقعد في مكتبه. مر اليومين على الجميع بشكل صعب للغاية, وفي المساء كان الجميع جالس في منزل عمر وكأن على رؤوسهم الطير, في انتظار اتصال ذلك الرجل, رن هاتف عمر قفز عبد الحميد من مكانه ووضعت ريهام يدها على قلبها في خوف, تعلقت أعين الجميع بعمر الذي رد قائلاً : ألو, قال الصوت :  3 مليون جنيه تحطهم في 3 شنط هاند باج .. كل شنطة فيها مليون جنيه .. وهتصل بيك بكرة الصبح أقولك على مكان التسليم. قال ذلك ثم حطم الهاتف تحت قدميه وأخرج الشريحة وحطمها هي الأخرى.
 جهز عمر المبلغ المطلوب بالمواصفات المطلوبة .. كانت هذه هي الليلة الثالثة التي تنامها ياسمين عند هذا الرجل. كان عقل عمر يعمل دون توقف, كان قلبه يحترق ألماً  وخوفاً .. ولوعة.. فياسمين في قبضة هذا المجرم الذي اتصل به للمرة الثالثة وأخبره عن مكان التسليم. ركب عمر السيارة ووضع الحقائب في الخلف وانطلق في طريقه إلى مكان تسليم المال, وتبعه من بعيد كرم وأيمن. ركن عمر السيارة ليجد رجلاً مقنعاً يركب بجانبه ويأمره بالمسير, أخذه الرجل إلى شارع ضيق وأمره بإيقاف السيارة بالعرض. عصب عينيه وأخذه بدراجة إلى مكان ياسمين. أخذه إلى الغرفة التي بها ياسمين وقيده بحلقة موجودة على الأرض. استطاعت ياسمين التعرف على مصطفى, فلذلك تقرر قتلها.  
جاء مصطفى وأخذ ياسمين وخرج من المكان, حاول عمر تحرير نفسه, كادت يده أن تتمزق, بل تمزق رسغه بالفعل وسال دمه, كان يجاهد ليخرج يده من قيدها كي ينقذ ياسمين. إستطاع تحرير يده والدماء تنزف منها, أزاح عصبة عينه, وأخذ يحاول تحرير قدمه, بعدها اتصل بكرم ليبلغ الشرطة عن المكان بهاتف كان قد أخفاه في قدمه. خلال دقائق كان كرم وأيمن عند عمر, فكوا قيده وانطلقوا في البحث عن ياسمين. إنطلق عمر في اتجاه الأشجار والذي ظن أنه الإتجاه الذي ذهب فيه الخاطف, وعندما رأى عمر ياسمين وسمع صراخها ركض باتجاهها, وتعارك مع مصطفى والرجل الذي معه, شعر مصطفى والرجل بالفزع حين سمعا صوت سيارات الشرطة تقترب من المكان, فهربا بين الأشجار. إقترب عمر من ياسمين, وحملها بين ذراعيه دون أن يأبه لاعتراضها, وسار بها وهو ينظر إليها, أسندت رأسها على كتفه في وهن, كانت تشعر بجوع شديد مزق أحشائها وألم في كل عظام جسدها الضعيف وبدوار يعصف برأسها, لكن وسط كل تلك الآلام شعرت بالراحة وهي بين ذراعيه .. شعرت بالأمان وهو بجوارها وهي تعلم أنه لن يسمح لأحد بأن يؤذيها. نظر إليها عمر في حنان وهو سائر بها, شعر بأنه يحمل قلبه بين ذراعيه, كان سعيداً ورأسها موضوع فوق قلبه, وهي سليمة, لم يصبها سوء, وعادت إليه, ولن يتركها تفلت منه أبداً ..
في المستشفى جلس عمر بجوار ياسمين. قدم إليه عبد الحميد ورهام في لهفة, فقال عبد الحميد في هلع : إيه اللي حصلها ؟ فقال عمر :  لسه ما عرفتش حصل إيه, أنا خدت ياسمين وجيت هنا على طول, وسبت كرم مع البوليس. وبعد ساعة قدم كرم وأيمن إلى المستشفى للإطمئنان على ياسمين. قال أيمن لعمر : قبضوا على واحد من الأتنين اللي خطفوها, والتاني هرب بس بيدوروا عليه, وعلى فكرة الفلوس معايا في العربية, وكمان جهز نفسك عشان تروح القسم لأن أكيد هيطلبوا أقوالك, وكمان أقوال ياسمين. قال عمر : بكرة إن شاء الله هروح القسم, لكن النهاردة مش هقدر أمشي من المستشفى وأسيب ياسمين. جاء الضابط إلى المستشفى لأخذ أقوال ياسمين. كانت تقص عليه ما حدث بالتفصيل, وفي النهاية قال الضابط : على العموم إحنا مسكنا شريكه, وجاري البحث عن طليقك, وكمان جبنا اللي اسمها الدكتورة مها, بالأول أنكرت كل حاجة, بس لما شدينا عليها اعترفت, وإن شاء الله قريب هنمسك طليقك كمان.
في نهاية اليوم التالي سمحت الطبيبة لياسمين بالمغادرة من المستشفى. عاد الجميع إلى المزرعة. وفي اليوم التالي تحدث عمر ووالداه وكرم إلى عبد الحميد واتفقوا جميعاً على كتب كتاب الأختين بعد ثلاثة أيام في نفس اليوم. عمت أجواء البهجة في المزرعة كلها, كان الجميع فرح لهذه الفرحة, وقرروا أن يتم الإحتفال بهذا اليوم في المزرعة .. التي شهدت ميلاد حبهم .. كان عمر يكاد لا يصدق نفسه من فرط السعادة .. فهاهي أخيراً حبيبته ستصبح زوجته. وبينما كان عمر وياسمين يتحدثان في مكتب عمر, وفجأة قاطعه دخول والده قائلاً : إلحق يا عمر .. عم عبد الحميد وقع فجأة وحاولت أفوقه مش راضي يفوق .. صرخت ياسمين: بابا. هرع عمر ووالده وياسمين إلى الخارج حيث عبد الحميد مُلقى على الأرض. أخذت ياسمين تحاول تحسس نبضه وهي تبكي : بابا .. بابا مالك .. بابا ردّ عليّا. أخذ عمر ووالده عبدالحميد إلى المستشفى. وبعد أن خرج الطبيب من الغرفة, أنبأهم بأن حالته الصحية حرجة, بسبب ارتفاع الضغط لديه, بالإضافة إلى مشاكل في عضلة القلب.   وفي اليوم التالي .. سمح الطبيب بزيارة خفيفة نظراً لخطورة حالته الصحية وعدم استقرارها. دخلت الفتاتان, نظر عبد الحميد إلى ياسمين قائلاً : أنا عايز أطمن عليكوا يا بنتي قبل ما أموت .. يا ريت كان حصلي اللي حصل ده بعد كتب كتابك أنت وأختك  .. لكن ربنا أكيد له حكمة أن ده يحصل قبل كتب الكتاب, بس أنا عايز دلوقتي أكتب كتابك على عمر واطمن عليكي .. ذهب الجميع لإحضار الأوراق المطلوبة والتي كان قد تم تحضيرها من قبل, وكذلك المأذون, وبقيت ياسمين مع والدها. دخل الطبيب لفحص عبد الحميد مرة أخرى .. ثم نظر إلى ياسمين بشيء من الأسف وخرج من الغرفة .. بعد ساعة حضر الجميع .. تابعت ياسمين ما يحدث بأعين لا ترى .. وبأذن لا تسمع.. وأفاقت على كلمة واحدة نطق بها عمر : قبلت زواجهــا. وبعد ساعتين خرج الطبيب من الغرفة ونظر للجميع بأسف قائلاً : البقـــاء لله.
خيم الحزن على المزرعــة التي أصبحت مرتعاً للأحزان. إفتقدت الفتاتان أباهما بشدة. ساعد الجميع في إجراءات الجنازة. مرت الأيام على الفتاتان ببطء شديد. غادرت رهام وكرم إلى القاهرة, وكذلك والدا عمر, وانتقلت ياسمين للعيش مع عمر في بيت المزرعة في البداية ثم انتقلا إلى بيت والده في القاهرة. كانت ياسمين تنتظر عمر في حديقة الفيلا, وفجأة شعرت بمن يطوقها بذراعه من الخلف ويضع كفه على فمها, حاولت التخلص منه فلم تستطع, حاولت الصراخ فجاء صراخها مكتوماً, شعرت بأنه يجرها في اتجاه سور الحديقة, إلتفتت إليه وهي تحاول التخلص منه لتفاجأ بوجه مصطفى, نظر إليها بعينين تشعان كرهاً وقال : حياتي قصاد حياتك يا ياسمين, إنتي اللي عملتي كده في نفسك, لو مكنتيش هربتي مني مكنش ده كله حصل. حاولت التحرر منه لكنه كان يطبق عليها بقوة, فجأة صرخ من الألم عندما تمكنت من عض يده التي تكمم فمها حتى سال الدم منها, أفلتت منه وأخذت تجري في اتجاه الفيلا وهى تصرخ :عمر .. عمر الحقني. جرى عمر في اتجاهها وتلقاها بين ذراعيه باكية وهي تشير إلى اتجاه السور وتقول: مصطفى .. مصطفى هنا. جرى عمر في الإتجاه الذي أشارت منه ياسمين. أسرع مصطفى بالجري وتسلق سور الفيلا وقفز من فوقه إلى الجانب الآخر بسرعة, هو لم ينتبه إلى تلك الدراجة النارية التي أتت في اتجاهه وتسير بسرعة جنونية, إرتطمت به لتدفعه بقوة عدة أمتار قبل أن يسقط على الأرض والدماء تنفجر من رأسه التي ارتطمت بالأرض بشدة, ليسقط جثة هامدة بعدها ... رحلت الشرطة بعد ما أخذوا أقوال ياسمين التي بدت مضطربة للغاية , جلست ياسمين على إحدى الأرائك وهي ما زالت لا تستطيع إيقاف رجفة جسدها, بينما جلس عمر بجوارها ولف ذراعه حولها وقبّل رأسها. قالت كريمة : آدي آخرة الظلم, ضيع حياته على الفاضي, هيقابل ربنا يقوله إيه دلوقتي.
بعد سبعة أشهر .

إستيقظت ياسمين وأيقظت عمر قائلة: عمر الحقني .. بسرعة يا عمر شكلي بولد. هب عمر واقفاً وأحضر ملابسها سريعاً وصراخها يتعالى .. ألبسها بسرعة وقال :
متخفيش يا حبيبتي متخفيش. في المستشفى, كانت ياسمين تتوجع عندما اقترب عمر منها وجلس بجوارها وأمسك بيدها, ووضع يده الأخرى على رأسها وظل يقرأ ما حفظه في الشهور الماضية من القرآن. وبعد نصف ساعة في غرفة العمليات سمع أصوات الرضيعة, خرجت الممرضة تعطيها له وهي تلفها, حملها بين ذراعيه ونظر إليها, خفق قلبه بشدة واغرورقت عيناه بالدموع. إبتسمت ياسمين ونظرت إلى زوجها وابنتها بسعادة, لم تنس أن تحمد الله على ما رزقها, وعلى ما عوضها به عن كل ما قاست في حياتها فكان جزاء صبرها تلك السعادة التي بين يديها, ودَعتْ لوالديها بالرحمة والمغفرة. نظر عمر إلى ابنته الصغيرة وإلى زوجته, وقبّل جبين كل منهما ولف ذراعيه حولهما وهو يعاهد الله عز وجل على أن يحافظ على تلك الأمانة التي ائتمنه عليها, تبادلا نظرات صامتة تشي بحب كل منهما للآخر وتمسك كل منهما بالآخر, ورغبة كل منهما في إسعاد الآخر, والتقت العيون لتمضي عهداً بالحب والمودة والرحمة والتسامح والمشاركة, طــوال العمــــر .
                                
                                    النهاية.



تفاعل :