لسماع الرواية والاشتراك بالقناة ...قناة راجو شو... الرابط التالي :
تلخيص رواية
آمال كبرى: تشارلز ديكنز
إعداد وإشراف: رجاء حمدان
عشت معظم اول اعوام حياتي في مقاطعة كنت , ومع ذلك فإن مستنقعاتها المرعبة تخيفني حتى الآن .. فقد كنت أتخيل وجود أشباح في الضباب الكثيف ، كما كنت أتخيل سماع أصوات غريبة غير طبيعية صادرة من تدفق المياه في مجرى النهر المجاور . في عشية عيد الميلاد عندما كنت في السابعة من عمري , , ذهبت لأزور قبر والدتي و والدي الذي يقع بساحة واسعة ملحقة بالكنيسة .. وفي مكان يطل على مستنقعات موحشة .. في الحقيقة لم أشاهد والدي و والدتي على الاطلاق , ولكني أستطيع قراءة اسميهما المكتوبين على شاهد القبر (فيليب وجورجيانا بيروب) ، فيليب كان إسم والدي وكذلك إسمي أنا أيضاً , ولكني عندما كنت صغيراً أتعلم النطق , لم أتمكن من نطق كلمة فيليب, فقد كنت اقوله بيب , وظل هذا الأسم يطلق عليَّ طوال عمري . وهناك بقيت أبكي لأنني لم اقدر ان اتذكر أي شيء عنهما. ثم فجأة صدر صوت مرعب من بين القبور , كان رجلاً يرتدي ملابس رمادية رطبة خشنة , وكان يوجد حول قدميه طوق حديدي , أمسكني بخشونه من ذقني وقال لي توقف عن هذا الازعاج , ثم حملق فيَّ بعينين يتطاير منهما الغضب ، وسألني ما اسمك؟ ومن هم أهلك وأين تسكن ؟ ومن شدة خوفي أجبته بسرعة : إسمي بيب ووالديَّ مدفونان هنا , وأنا اسكن مع أختي السيدة جو جارجرى وزوجها الحداد الذي يشتغل في هذه القرية.
ثم فتش جيوبي وأكل كسرة الخبز التي كانت بحوزتي وقال لي : أيها الصغير عليك أن تحضر الآن لي المبرد الحديدي وبعض الطعام إلى هنا في صباح الغد !!! فاهم .
فقلت له وأنا ألهث : حاضر يا سيدي . ثم قال لي : إياك أن تقول لاي احد ذلك , وإلا قتلناك , فأنا أعرف صديقاً يهوي قتل الأطفال وتمزيق افئدتهم , وصديقي هذا سيتمكن من ان يتسلل الى حجرة نومك ليقتلك في لحظة .... والأن هيا انصرف . فأومأت برأسي إليه موافقاً على ما قاله , وقفزت أجري اركض إلى المنزل . ثم سمعت صوت طلقة نارية يأتي من بعيد , تذكرت قول جو زوج أختي أن هذه طلقة تحذير , تطلقها سفن السجن للتحذير من سجين قام بالفرار , وهذه هي الطلقة الثانية ، أما اول طلقة فكانت في الليلة الماضية لتحذيرنا من أن لصاً أو قاتلاً قد قام بالفرار , فارتعدت لما سمعت.
على طاولة العشاء خبأت حصتي من الخبز في جيبي للسجين الفار الذي ينتظرني في صباح اليوم التالي . صعدت الى حجرتي للنوم بعد العشاء . كنت مرتعباً بسبب شدة الظلام و ما جرى معي خلال اليوم , وتلك الليلة لم أستطع النوم خوفاً من ظهور السجين الهارب لكي يقتلني . وفي الصباح التالي خرجت من المنزل صباحا مع أول النهار ومعي مزيداً من الخبز وبعض الشراب , وفطيرة محشوة باللحم وقطعة جبن ، ومبرد الحديد , وضعتهم في معطفي وخرجت لامنحهم إلى السجين.
عندما وصلت وجدت سجيناً ثانيا ، حاول أن يضربني على رأسي لكنني هربت منه بسهولة , وحينها اختفى من أمامي خلف الضباب ، وبعدها رأيت السجين الثاني الذي طلب مني الطعام والمبرد ، وحين ناولته الطعام ، أكل بشراهة وشرب الشراب ، وقبل أن يقضي على الفطيرة سألته ألن تبقي بعض الطعام لصاحبك قاتل الأطفال ؟ فقال : إنه ليس بحاجة إلى الطعام ، فقلت له : لا اعتقد ذلك , فقد كان يبدو عليه التعب و الضعف ، فقال لي : وأين رأيته فقلت له أنني رأيته قبل أن أصل إليك بقليل . فأخذ المبرد وراح يفك القيد الحديدي الذي حول رجليه ، وقال : سوف أقتله كما تقتل الكلاب ، وهنا رأيت أن أنصرف احسن لي , فابتعدت قليلاً وركضت بسرعة كبيرة الى المنزل .
في المنزل كانت شقيقتي تدور كالدوامة تحضر لليلة عيد الميلاد ، ثم غسّلت وجهي و راسي , وألبستني أنظف الملابس الموجودة عندي , وكذلك لبس جو أنظف ملابسه , وجلسنا في حجرة الجلوس ننتظر الضيوف ، وكان أول القادمين هم:
مستر ووبســل كاتب الكنيسة , ثم حضر من خلفه صانع العجلات وزوجته مستر ومسز هابل , و في النهاية وصل عم جو مستر بامبلشوك , وكان قد أحضر معه هدية لشقيقتي وكانت زجاجة نبيذ . جلسنا سوياً ناكل طعام العشاء ثم ذهبت أختي كى تحضر الفطيرة , وكان هذا الخبر السعيد الذي فتح شهية الضيوف , لكن رجعت شقيقتي وهي خالية اليدين وتقول : لا اعرف ماذا حصل لقد اختفت الفطيرة ، وعندما سمعت ذلك توقفت فجأة ثم اسرعت بالهروب , وعندما فتحت الباب للهرب كان رجال الشرطة بالباب , وأخبرنا القائد الشاويش أنه قد جاء هو ورجاله للقبض على سجينين قد فرا من السجن , وأنهم يريدون من جو الحداد أن يصلح القيود التي وجدوها حتى يقبضوا على السجينين و ياخذوهما . فأصلح جو القيود خلال ساعة , ثم خرجنا أنا وجو ومستر ووبسل مع رجال الشرطة حتى نعاونهم بالعثور على السجينين.
ذهبنا إلى ساحة المقابر خلف الكنيسة حيث قبر والدي و قبر والدتي , وبدأ رجال الشرطة بالبحث لكنهم لم يجدوا اي هارب هناك . كنت أشعر بالخوف من أن يظن السجين الذي أعطيته الطعام و المبرد وأنني خدعته . وبعد قليل سمعنا صوت صياح , وحين بحثنا وجدنا السجينين في حفرة يتعاركان وهناك دم منثور خارج الحفرة , فقبض رجال الشرطة على الاثنين . بدأ السجينان العراك بالكلام فقال الأول : إنه لحق بالثاني ليقبض عليه عندما عرف انه فر من السجن ، بينما الثاني كان يقول إن السجين الأول كان يرغب في ان يقتله ، فصاح الشاويش بهما ليصمتا , وسار الجميع إلى النهر حيث القارب الذي سيقل السجينين ورجال الشرطة . وقبل أن يصعدوا الى القارب لمحني السجين الأول فأومأت له برأسي معتذرا و لاقول له أنني لست أنا من أخبر الشرطة ، نظر إلى عيني ليتأكد من اني صادق ، ثم قال: بالمناسبة لقد سرقت بعض الطعام وفطيرة لحم والشراب من بيت الحداد ، حينها قال جو : إذاً لهذا السبب لم تلاقي زوجتي الفطيرة ! لكننا مع ذلك لا نبخل بالطعام على شخص جائع أليس كذلك يا بيب ؟ فحركت رأسي موافقاً ، وبعدها غادر القارب و رجعنا نحن الى المنزل .
حصلت على قدر قليل من التعليم لأنهم كانوا يحضرونني لكي أصبح صبياً معاونا لجو في أعمال الحدادة . وهذا ما كنت ارغب فيه حقا لأنني كنت أحب جو حباً كبيرا ، وهو كان يبادلني الحب و يحنو علي ، وكان يدافع عني عندما تشتد الضربات القاسية من شقيقتي . بعد أيام عديدة من ليلة عيد الميلاد ، حضر العم بامبلشوك ليقول لنا أن الآنسة هافيشام تدعوني إليها حتى الهو في منزلها ، وهي امرأة كبيرة في السن واسعة الثراء , تعيش حياة رتيبة . ورغم أنها تعيش منعزلة , وبابها مغلق بالمتاريس على الدوام خوفاً من اللصوص , إلا أنها تدعوني لألعب في منزلها . وتعجب جو جداً من معرفة هذه العجوز بي , لكن أختي قالت له أنها لا تعرفني إنما تعلم العم بامبلشوك الذي يستأجر بعض أملاكها، وقد طلبت منه أن يحضر لها صبياً يلعب مقابلها وقد أخذه لها.
أخذتني شقيقتي وحممتني وألبستني أحسن ما لدي من ثياب للخروج ، وكانت شقيقتي والعم بامبلشوك متفقين على أن هذه الدعوة ستعود علي بالفائدة بلا شك .
أوصلني العم بامبلشوك الى منزل الأنسه هافيشام , وفتحت لي الباب فتاة جميلة جدا كانت في مثل سني , لكنها كانت تبدو أنها أكبر من عمرها بسبب غطرستها و تعاليها , وسمحت لي بالدخول بينما لم تسمح للعم بامبلشوك بان يدخل معي ، ثم قادتني الفتاة في ممرات كثيرة من الجانب الآخر للمنزل . كان البيت مظلما , ثم وضعتني أمام باب حجرة وقالت لي : أدخل , وعندما قلت لها بكل لطف من بعدك يا آنستي ، قالت: لا تكن سخيفاً يا ولد , أدخل أنت الآن فأنا لن أدخل .
دخلت إلى حجرة واسعة مضاءة بالشموع , وفي وسط الحجرة شاهدت أغرب سيدة شاهدتها في حياتي ، كانت تلبس ثياب العرس البيضاء ، وفي يدها قفازات وكتاب صلوات غلافه أبيض .
وما إن لمحتني حتى سألتني عن إسمي , فقلت لها : إن إسمي بيب, وقد جلبني إلى هنا العم بامبلشوك كي الهو قليلا ، فقالت : هل تخاف من امرأة لم تر الشمس منذ ان ولدت ؟ فقلت : لا ، مع أنني كنت خائفاً ، وبعدها وضعت يدها على صدرها , وسألتني : اتعلم ماذا يوجد هنا؟ فقلت : إنه قلبك يا سيدتي، فقالت: يوجد قلب مكسور و ارغب في شيء يمتعني قليلا ،, والآن هيا العب وأنا سأراقبك ، لكنني وقفت بصمت وحين نفد صبرها قالت : نادي ستلا . عندما أتت ستلا قرّبَتها منها و الصقت على شعرها جوهرة جميلة , وقالت لها : في يوم ما سوف تحظين بها على إعجاب الرجال الذين ستكسرين قلوبهم ، أما الآن فالعبي الورق مع هذا الولد وسوف اتطلع اليكما من بعيد . كانت ستلا تلعب وفي نفس الوقت تقول الكثير من الملاحظات غير الحسنة عني , فلم أستطع التركيز على اللعبة , ولذلك فقد خسرت , ولكني كنت منزعجا من إهانتها لي . ثم أمرتني السيدة هافيشام أن ألعب جولة ثانية , وبعدها قالت لي : لقد قالت ستلا عنك أشياءاً كثيرة غير حسنة وأنت لم تقل عنها شيئاً ، فما رأيك فيها ؟ وبعد إصرار منها همست في إذنها إنها فخورة جداً بنفسها و جميلة ، لكنها كثيرة الشتائم . ثم طلبتْ مني أن أنصرف و ارجع بعد ستة أيام ، وطلبت من ستلا أن تقدم لي الطعام . قدمت لي ستلا قطعة خبز وقطعة لحم وكأنها تعطيها للكلب ، ومن شدة الإهانة بي نزلت من عيني الدموع , ولمحتُ ابتسامة المتعة على وجه ستلا . شعرت بالعار و الخجل من كل شيء قالته ستلا عني ، فأنا من قبل لم أكن اعرف كم هو حذائي غليظ وكم يداي خشنتين وكم كان جهلي كبيرا ... إني لم اعلم ما إسم ورقة الولد في الكوتشينة.. وكان اللقاء الذي تم مع ستلا الفاتنة الجمال في هذا اليوم .. سبباً في تغيير حياتي كلها ..
وبعد ستة أيام رجعت لزيارة الآنسة هافيشام , ومرة ثانية وجدتها تجلس كما هي أمام تسريحتها ، وعندما لمحتني قالت : إنك لا تجيد اللعب ، اترغب في أن تعمل إذاً ؟ فأومأت برأسي بالرضى ، فقالت انتظرني إذاً في حجرة الطعام . كانت كل حجرات البيت معتمة و كانت حجرة الطعام كأنها مهيأة لحفل منذ سنوات طويلة ماضية , قدمت الآنسة هافيشام ، وقالت : كل الشغل المطلوب منك هو أن أستند على كتفك وتدور معي حول الحجرة .
كان هذا هو العمل المطلوب مني , بالإضافة إلى لعب الكوتشينة مع ستلا تحت انظار الآنسة هافيشام . وينتهي عملي عندها بإطعامي مثل الكلاب .
بقيت على هذا الوضع ثمانية شهور ، خلالها تقدمت باللعب بعض الشيء لكن ستيلا كانت دائماً تقسو عليّ ، ودائماً تجد أي نقص أو مناسبة لتهزء مني..
وفي إحدى المرات تأنيت وأنا أرتب أوراق اللعب و ربحت الجولة ، حينها أثنت عليّ الآنسة هافيشام ، ويبدو أن هذا المديح أثر في نفس ستلا , فعندما ذهبنا إلى الباب كي اخرج قالت لي : قبلني إن كنت ترغب في ذلك , وقربت خدها لي وقبلتها . وكنت على استعداد أن أضحي بأي شيء فقط لان اخذ قبلة واحدة من ستلا , لكنها مع ذلك بقيت تعاملني بغطرسة و تعالي . لاحظت الآنسة هافيشام أن قامتي باتت أطول فسألتني إن كنت ما أزال ارغب في أن أصبح صبياً لجو وأن أعمل معه ؟ فقلت لها : إن هذه أعز أمنية لي و لصاحبي جو جاجرى ، فطلبت مني أن أذهب مع شقيقتي وزوجها والعم بامبلشوك إلى مجلس البلدة , وقاموا بتسجيل إسمي رسمياً لاصير صبياً لجو ، ثم رجعت وأحضرت الأوراق للآنسة هافيشام كي تراها كما طلبت ، وبعدها منحتني مكافأة خمسة وعشرين جنيهاً ذهبياً .. وقالت : لقد كنت ودودا وهذه هي مكافأتك ، ولا تحضر إلى هنا بعد الآن فقد أصبح جو جاجرى سيدك و معلمك منذ الان ..
مرت الأيام وأنا اشتغل كصبي حدادة , وكانت كراهيتي تزداد لهذه المهنة فقد كنت اتصور أن ستلا تتطلع الي من خلف باب الورشة و تهزأ مني بسبب ما على وجهي و يدي من الهباب الأسود وتضحك بمليء فاها .. حتى أنني فكرت في ان اهرب !! لكنني خشيت أن أؤذي عواطف جو فأخفيت مشاعر الحزن والبؤس في قلبي . مرت سنة على هذه الحال وأصبحت لا استطيع ان امنع نفسي من رؤية ستلا . وفي يوم منحني جو إجازة من الشغل , ذهبت إلى منزل الآنسة هافيشام ، فتحت لي الباب إحدى بنات العمومة للآنسة هافيشام ، ولحسن حظي أن الآنسة هافيشام رضيت ان تراني , لكن عندما رأتني قالت : أرجو أن لا تطلب شيئاً لذاتك فأنا لن أعطيك شيئاً ، فقلت : لا أريد اي شيء ، لقد جئت كي اقول لك أن عملي كصبي حداد يسير على نحو جيد , وأنا أشكرك لأنك ساعدتني على ذلك ، فردت أن هذا شيء طيب وسمحت لي أن اراها بين الحين والآخر ، وأن أحضر اليها في عيد مولدي . وعندما رأتني أجول ببصري كأني أبحث عن شيء ، فهمت ما ارغب فيه وابتسمت ابتسامة ماكرة وهي تقول : أراك تبحث عن ستيلا أليس كذلك ؟ فقلت : نعم يا سيدتي.. وأرجو أن تكون بصحة جيدة .. فقالت: إنها بخير وقد سافرت خارج البلاد , إنها تتعلم لتصبح سيدة الآن ، وقد زادت جمالاً من أي وقت فات , ثم قالت هل تشعر بأنك تفتقدها ، لم أجب بشيء وغادرت.
عندما وصلت إلى المنزل رأيت الجميع مجتمع في المنزل والشرطة موجودة , و شقيقتي كانت ممددة على الأرض وهي غائبة عن الوعي والدماء تنزف منها , فقد هجم عليها مجرم خطير وضربها. أخذني جو و قال لي أنها ما زالت حية ولكننا يجب علينا ان نتحلى بالشجاعة .
وعلى أثر هذا الحادث صارت شقيقتي غير قادرة على الكلام وفقدت ذاكرتها ، وأصبحت هادئة وصبورة . ثم جاءت بيدى كى تسكن معنا وتخدمنا وتعتني بأختي ، كانت بيدى فتاة يتيمة تربطها صلة قرابة بعيدة بالسيد ووبسل , وكانت فتاة ذكية وبسببها تقدمتُ في الكتابة و القراءة .
أما أنا فقد بدأت أثق في بيدى , الفتاة اللطيفة وصاحبة الآراء العظيمة ، ثم قلت لها سري باني ارغب في ان اصير جنتلمان وأترك مهنة الحدادة ! فقالت : من أجل ستلا أليس كذلك ؟ لأنها لا تريدك حداداً . . وبمنتهى الحزن قلت : نعم . . وشعرتُ بالخجل من ذاتي ومن ستلا...
إنقضت أربعة اعوام منذ أن عملت صبياً لجو ..
ظهر أمام باب بيتنا فجأة السيد جاجرز , لقد عرفته على الفور , هو نفس الشخص الذي قابلته مرة في منزل الآنسة هافيشام عندما كنت أذهب لالهو في منزلها مع ستلا ، سأل إن كان هذا بيت الحداد (جوزيف جارجرى) وصبيه (بيب) ؟! فقال جو: نعم صحيح يا سيدي، فقال : أنا المحامي جاجرز , أعمل في لندن وقد جئت إلى هنا بناءاً على طلب من أحد عملائي . عندها اصطحبناه إلى حجرة الجلوس وهناك وجّه نظره إلى جو وفي عينيه نظرات قاسية وقال له : لقد جئت إلى هنا لأعرض عليك التخلي عن بيب كصبي حدادة , وهذا من أجل فائدته , فكم تطلب لكي تعفيه من العمل معك ؟ فأجاب جو : لا أطلب شيئا ً, وما دام في ذلك فائدة له فلن أقف عقبة في طريق مصلحته!!!.
وهنا التفت إلي وقال : لدي تعليمات بأن اقول لك أنك ستصل أخيراً إلى عالم المال و الثروة . . ويريد الشخص الذي سيمنحك المال أن تتأهل من الآن لتصبح قادراً على إدارتها ، لهذا فهو يريد منك أن تتعلم لتصير جنتلمان , وهذه آمال كبيرة في مستقبل مزهر بالثراء .
احسست بشعور كبيرة من الفرح و السعادة , وها هي الآنسة هافيشام سوف تحول حلمي إلى حقيقة . ثم قال لي السيد جاجرز أن ذلك سيحدث مقابل شروط ، أولاً يرغب الشخصُ مانح الثروة في أن أحتفظ بإسم بيب على الدوام ، وثانياً أن إسم هذا الشخص المتبرع لك يجب أن يبقى مجهولاً إلا أن يصرح به هو بنفسه . وإذا خمّنت من هو هذا الشخص فأحتفظ بذلك لذاتك . فقبلت بهذه الشروط .ثم نهض وهو يقول : لقد وضع مبلغاً تحت مسؤوليتك لتنفق على تعليمك وعلى ذاتك أولاً بأول , وسيكون المال معي , لذا يمكنك أن تعدني وصياً عليك , ثم أعطاني بطاقة عليها إسمه وعنوانه في لندن و مبلغ عشرين جنيهاً من الذهب , ووطلب مني شراء الملابس والذهاب إلى لندن وقال : سوف تمكث مع هربرت بوكيت وهو جنتلمان صغير في مثل عمرك تقريبا , ولعلك تقدر أن تتعلم منه العادات الجيدة . وسوف يكون والده معلماً خاصاً لك . وسألني ما رأيك بكل هذا ؟ فقلت بكل حماس : نعم كل ما تقوله يا سيد جاجرز سوف أقبل به , كنت قد سمعت عن اسرة بوكيت , وأعرف أن لهم صلة قرابة مع الآنسة هافيشام،.
رحل المحامي جاجرز وبقينا جو و انا جالسين هادئين كتمثالين من الحجر إلى أن أتت بيدى فأفاق جو من صدمته وأخبرها بالحظ السعيد الذي نزل علي . هنأتني بصدق وقالت : ها قد تحقق اكبر احلامك , فهل ستتحقق أحلامك الأخرى ، وكنت أعلم أنها تعني حبي لستلا ، ولأن بيدى كانت تعتبر ستلا فتاة مغرورة , و تظن أنها لا تستحق كل هذا الحب .. لذلك لم أقل لها شيئاً سوى جملة واحدة : من يعلم ..؟!.
في الصباح الباكر ذهبت إلى خياط القرية فلم أجده فى موقعه , ولكن صبيّه أخبرني أنه يتناول إفطاره . إنتظرته حتى نفذ صبري , لكن بعدها رايته بشقته وأخرجت بعض الجنيهات الذهبية وقلت له : ارغب في أن تصنع لي حلة على (الموضة) الحديثة لالبسها خلال سفري , لأنني سأذهب إلى لندن بصفة سريعة . فبدأ عمله بهمة ونشاط لخياطة الحلة الجديدة , وما إن انتهى حتى لبستها على الفور وأسرعت إلى الآنسة هافيشام لكي أودعها , فتمنتْ لي التوفيق و النجاح ، وأخبرتني أنها علمت بالحظ الجيد من السيد جاجرز ، ثم أشارت إلي بعصاها كي اخرج . كنت أريد أن أشكرها لكنني تذكرت الشروط التي أملاها علي السيد جاجرز بعدم اعلان إسم مانح الثروة لي ، ثم ودعتني وهي تقول آخر جملة : لا تنسى أن تحتفظ دائماً بإسم بيب . . كما تعلم . .
كان جو حزيناً مكتئباً، وأنا كنت بين الحزن على فقد ان أعز اصحابي وبين السعادة لتحقيق امنياتي و امالي الكبرى .
سافرت إلى لندن و انتقلت إلى مكتب السيد جاجرز ، فقال لي عن قيمة الحصة المالية المخصصة لي . في الحقيقة لقد اندهشت كثيراً فقد كانت أكثر مما كنت اتصور، ثم أعطاني مجموعة من البطاقات المالية التي اقدر من خلالها ان اتعامل بها مع الخياطين وأصحاب المحلات الأخرى على الحساب على أن تُرسل الفواتير إلى مكتب السيد جاجرز فيقوم بدفعها . فقبلت بهذه الطريقة التي تسهل عليّ حياتي كما تعاون السيد جاجرز بمراقبة نفقاتي ، ثم أوصلني السيد وميك , كاتب السيد جاجرز، إلى خان بارنارد لإقامتي مع هربرت بوكيت . لم يكن موجودا هناك وبعد نحو عشرين دقيقة أتى ورحب بي , وكان معه صندوقاً من الفراولة .
تاسف لانه تاخر و قال لي أنه اشترى الفراولة الطازجة من أجلى كي أتناولها مع الغداء . كان هذا اللقاء دليلاً على أن هربرت شخص عطوف و طيب . تحدثنا وعرّفني على الخان وعلى المطعم بالمبنى القريب والذى سوف نتناول الطعام به مع بعضنا البعض ، وبعد ذلك أخبرني عن فقره بصراحة وراتبه المتدني الذي يتقاضاه من البنك الذى يشتعل فيه ، فهو بالكاد يكفي لمصاريفه النثرية رغم أنه جنتلمان حقيقي ، مما جعلني أحبه أكثر وأكثر ، وطلبت منه أن يساعدني على تصحيح تصرفاتي و عاداتي ويرشدني إلى طريقة الحياة اللندنية . وأثناء تناولنا لطعام الغداء , أخبرني هربرت عن حكاية الآنسة هافيشام , فقال : إن أمها قد ماتت منذ كانت طفلة صغيرة ، وأهملها والدها لكنها ورثت ثروة كبيرة جدا ، وحين كبرت وقعت في حب رجل أنيق كان أبي لا يثق فيه على الاطلاق . . ولكنها أعطته مبالغ طائلة أثناء فترة خطبتهما . . وفي اليوم المحدد للزواج أرسل لها رسالة يتنصل فيها من هذا الزواج , كانت الساعة وقتها . . .. قاطعتُه قائلاً : التاسعة إلا عشرين دقيقة بينما كانت تلبس ملابس الزفاف, فقال : بالضبط ، وقد أوقفت كل ساعات بيتها على ذلك الوقت ، وأمرت بعدم المساس بأي شيء من ترتيبات الحفل منذ تلك اللحظة حتى هذه اللحظات ...
كان هربرت يصحح لي عاداتي في الأكل أثناء كلامنا ، ثم سألته ولماذا لم يتزوج هذا الرجل الآنسه هافيشام و ياخذ كل اموالها الطائلة و ثروتها ؟ فقال : لا يدري أحد ، لكننا نعتقد أنه كان بالفعل متزوجاً . . وهذا يؤكد أنه كان مخادعاً وحبه للآنسه هافيشام كان غير حقيقي . . كنت بداخلي آسفاً على ما حصل لها وأقول : حزينة الآنسه هافيشام, الكريمة المحسنة .
في اليوم الذي يليه حصل هربرت على عطلة , واصطحبني لمقابلة ابوه والذي سيكون معلمي , وسرعان ما أحببته ، وكان معى تلميذان آخران هما ستارتوب وكان طيباً والآخر بنتل درامل ، وكرهته منذ اول نظرة القيتها عليه , وعرفت فيما بعد أنه يتبادل هذا الاحساس مع معظم الناس لأنه يشعر بنفسه فوق الناس .
أردت أن اعمل تجديدات بمكان عيشتي مع هربرت و رغبت في أن أفاجئه , وأخبرت بذلك السيد جاجرز الذي أمر كاتبه ان يمنحني مبلغ مالي بقدر الذي طلبته لعمل ذلك ، وخلال أسبوع تم التطوير على المكان , وكان هربرت مسروراً جداً ويهنأني على التجديدات التي قمت بتحسينها . وبعد ذلك بفترة جاء لزيارتي جو . لم أكن أريده أن يزورني ويرى أن بيب الذي طالما عرفه قد تغير و صار انسانا ثانيا ، لكنه أتى وبدأ يتفحصني ويتفحص كل ما بالحجرة دون أن ينطق بكلمة واحدة , ثم أتى هربرت وسأله بكل لطف : سيد جارجرى أتريد شاياً أم قهوة ؟ فقال: ارغب في أي شيء تختاره بنفسك . . !.
وبعدها تناولنا الطعام , لكن جو جلس بمسافة غير قريبة من المائدة حتى أنه أسقط طعاماً أكثر مما أكل ، و ارتحت بعدها لأن هربرت خرج وتركنا بمفردنا ، ولأن جو كان يحس بعدم الإرتياح . ثم بدأ جو كلامه بمنادتي يا سيدي , فقلت له غاضبا ً: كيف تناديني يا سيدي! فقال: لقد أخطأت في هذه الزيارة فثيابي ووضعي غير ملائمين لهذه الزيارة , لكنني أرجوك يا بيب إن رغبت في رؤية صديقك القديم أن تأتي إليّ , وتدخل رأسك من باب فرن الحدادة كما كنت تعمل من قبل، ثم ودعني وهو يقول : بارك الله فيك . . بارك الله فيك .. و خرج .
ولعدة أسابيع بعدها ظللت احس بالخجل مما جرى خلال زيارة جو . . ثم وصلتني رسالة تخبرني بوفاة شقيقتي مما زاد خجلي , رغم أنني شعرت بشيء من الراحة . ومرت عدة اعوام و بلغت عمر العشرين . وفي يوم ما قال لي السيد جاجرز أن ستلا عادت من فرنسا أخيراً , وأنها ستقيم في لندن وأنها تدعوني لمقابلتها . . احسست بالسعادة العارمة ، يالها من أخبار عظيمة . . !.
أخبرت صديقي هربرت بحكاية حبي لستلا وقال لي : إنه علم ذلك منذ المرة الاولى عندما قلت له حكايتي , وكيف كنت أذهب إلى منزل الآنسة هافيشام لألعب معها ، ثم أخبرني عن حبيبته كلارا , وقال لي : سوف أجعلك تراها كي لا تشك بأنني أكن المحبة لستلا ، لكنني ارغب في أن تتخلى عن حبك لستيلا , فهي مغرورة و متعجرفة , وأنها صورة طبق الأصل للآنسة هافيشام.
إنهمرت الدموع من عيني لسماع ذلك ، وكنت احترم مشاعر صاحبي هربرت نحوي ، ولكنني لم أستطع أن أزيلها من تفكيري و قلبي .
عندما بلغت سن الواحدة والعشرين , سن الرشد ، أعطاني السيد جاجرز حرية التصرف بنقودي وسمح لي بأخذ قروض محدودة ، كما خصص لي خمسمائة جنيه على مدار السنة ، كما منحني خمسمائة جنيه أخرى كجائزة من مانح الثروة لي لاني بلغت سن الرشد . وبطريقة سرية عاونني السيد وميك بأن وضعت نصف هذا المبلغ في شراء عمل لهربرت في إحدى شركات الملاحة التي انشئت جديدا . شركة كان يمتلكها شاب ذكي و امين إسمه كلاريكا ، كان بحاجة إلى معاون نشيط مقابل أن يساهم بجزء من رأس المال . كان هربرت سعيداً بهذه الوظيفة من دون أن يعرف من المحسن الذي قدم له هذه الفرصة ، وكان يقول لي عن موضوع هذه الفرصة وهو سعيد جداً , واعتبرت سعادته خير مكافأة لي على الصنيع الرائع .
في ذلك الوقت كانت ستلا قد سكنت في لندن , ورتبتْ لإقامتها الآنسة هافيشام مع سيدة أرملة لها إبنة شابة في مثل سن ستلا تقريبا ، وكانت لهذه الأسرة صلات عديدة في الطبقات الراقية , فكثيراً ما كانت تدعوني ستلا لحفلات الرقص التي تُدعى إليها ، وجولات الشراء التي تقوم بها . كان من المفروض أن أكون سعيداً بذلك ، فكثير من الشباب كانوا يحسدونني على صحبتها , لكنني لم أكن أشعر بالهناء والسرور لأن ستلا كانت تعاملني كأخ شقيق لها ، أو معاونا يعمل في خدمتها . وفي أحد الأمسيات سألتني ستيلا : بيب . . هل يا ترى تصدق كل ما يقال من ضرورة ان تتجنبني و تحذر مني . . ؟ فسألتها: هل تقصدين تحذيري من الإنجذاب إليك والإقتراب منك يا ستلا . . ؟ فقالت لي: إن كنت لا تعلم حقيقة ما اعنيه إذاً فأنت أعمى لا ترى . ورغم يقيني بأن الحب أعمى إلا أنني ظللت أعترف لها بحبي..... ثم مللت من ان اظل هما على قلبها . وفي نفس الأمسية دعتني لمرافقتها لزيارة الآنسة هافيشام , لأنها لا تحب السفر بمفردها ، وذهبت معها . بعد تناول الطعام جلسنا بالقرب من المدفأة , وطلبت الآنسة هافيشام من ستلا أن تخبرها بحكايات المعجبين الذين فطرت قلوبهم ، وكم كانت فرحتها شديدة بهذا الكلام , وشعرت بأنها تنتقم من الرجل الذي تركها في يوم زفافها ، ثم جذبت يد ستلا وقرّبتها منها ، إلا أن ستلا جذبت يد الآنسة هافيشام في انزعاج بطريقة أغضبتها , فصاحت باكية : ستلا . . هل تعبت مني ... ؟ فأجابت ستلا بهدوء: لقد تعبت من ذاتي ! صرخت المرأة العجوز واحتدت , وهزت عصاها وهي تقول : ما أنت إلا تمثال بلا قلب ... ! فردت ستلا بنفس الهدو ء: أنت التي علمتيني كيف أكون بلا قلب.. =بكت الآنسة هافيشام وهي تقول: بل علمتك أن تصبحين بلا قلب ضد الرجال فقط وليس ضدي , ويجب أن تعطيني الحب الذي اعطيك اياه ! وعندئذ هوت ستلا رأسها وقالت في أسى : أنت أمى بالتبني , وإنني ادين لك بكل شيء , وسأفعل كل ما ترغبين فيه ، ولكني لا أستطيع أن أفعل شيئا مستحيلا , لقد علمتيني كيف أجعل قلبي بارداً كالصخرة , وعلمتيني كيف لا أحب أحداً , وقد وعيت دروسك جيداً ! عندها لم اقدر أن أشاهد بقية المشهد العجيب ، فتركت الحجرة وخرجت إلى الحديقة , ومع ذلك كنت أسمع توسلات الآنسة هافيشام الحزينة تصل إلى سمعي ..
إنقضت عدة شهور , وبعد عيد مولدي الواحد والعشرين ، شعرت انني صرت غير قادرا على حل المصاعب التي صنعتها بيدي , فقد كنت أرغب بتحرير ذاتي من الديون والإعتماد فقط على مبلغ الخمسمائة جنيه التي يمنحها لي المحسن الكريم في كل عام ، إلا أن ديوني كانت طائلة , فقد كانت لدي ديون للخياط والجواهرجي وغيرهم الكثيرين , بالإضافة إلى التزامي بدفع المبلغ الخاص الكبير لصالح هربرت , والأمل الوحيد الذي كان يراودني هو ان اتخلص من هذه المشكلة أن يقوم الكريم المحسن بإهدائي مبلغاً إضافياً في كل عيد مولد لي . وفي سن الثالثة والعشرين أصبحت أضحك مستهزءا على بيب الذي كان في سن الواحدة والعشرين يعد مبلغ الخمسمائة جنيه ثروة كبيرة جدا , ونسيت حينها بيب الذي كان يسكن في مقاطعة كنت و يعتقد أن مهنة الحدادة هي أفضل مهنة في العالم . ثم توقفت عن تلقي الدروس ولكنني اكملت القراءة والمطالعة لعدة ساعات في اليوم .
وفي إحدى الليالي هبت عاصفة شديدة القوة حالت دون خروجي من البيت , فلزمت البيت واستغرقت في القراءة ، كنت بمفردي , لأن هربرت قد سافر في مأمورية تتعلق بعمله بالشركة الملاحية . وفي الساعة الحادية عشرة قبل منتصف الليل, تنبهت إلى صوت أقدام في الممر الخارجي من المنزل , ولشدة العاصفة كانت الأنوار كلها مطفاة , لذا أخذت مصباح القراءة وفتحت الباب وقلت : مَن هناك وماذا تريد ، وفجأة اقترب رجل وسألني أين من الممكن ان ارى السيد بيب؟ فقلت له : أنا بيب ماذا تريد , ففرح عندما عرف أنني أنا هو بيب ومد يده للمصافحة لكنني لم أمد يدي وقلت : من أنت ؟ فقال : ارغب في أن أشرح لك بعض المواضيع , فاضطررت لان ادعوه للدخول . كان في نحو الستين من العمر وهو مفتول العضلات , وما إن وصلنا إلى حجرة الجلوس حتى أخذ يخبرني أنه قطع رحلة محفوفة بالمخاطر طويلة كي يراني !!! وبعد برهة عرفته !!! لقد كان السجين الذي كان هاربا , وطلب مني الطعام والمبرد عندما كنت أزور قبر ابواي وأنا طفل صغير، حينها شعر أنني عرفت من هو فمد يده مرة ثانية فسلمت عليه ، حينها أمسك بيداي وقبلهما وقال : لقد كنت نبيلاً معي يا بني ، وسأظل أذكر أبداً بيب النبيل الكريم الذي منحته لي فيما مضى .
كنت كارهاً زيارته , وتمنيت ان يرحل في اسرع وقت ممكن ، لكنه بدأ يخبرني عما جرى معه في السنوات القليلة الماضية ، حيث أن المحامي جاجرز ترافع في قضيته , وحرره من حبل المشنقة على أن يسافر من لندن و لا يعود إليها أبداً ، وأنه عاش حياة ناجحة في نيوساوث ويلز التي تقع في استراليا , ولديه مزرعة وقطيع من الغنم ، وكيف أنه عمل وكسب النقود , وأقسم بهذا المال أن يجعل الصغير بيب الذي عاونه أن يكون رجلاً نبيلاً . وبدأ يكرر لي إسم المحامي الذي كان وصياً عليّ , والشروط التي كان علي ان التزم بها قبل أن أقبل بهذه الثروة , مما جعلني متأكداً من حديثه ، وبسبب هذه الحقيقة المرة خارت قواي ، و صار حلمي أن الآنسة هافيشام هي من خططت لمستقبلي كي تجعلني أليق بستلا يتبخر ويتبدد . وأخذ رأسي يدور و يلف حتى كدت أتهاوى وأنا أحاول الجلوس , فعاونني على الجلوس وركع أمام ركبتي وقال : نعم يا بيب يا بني العزيز . . لقد جعلت منك جنتلمان اصلي ، ثم وقفت مستسلماً عندما سألني وهو يتثائب : والآن أين في مقدوري ان ارقد ؟ فقلت له : يمكنك النوم مكان زميلي الغائب ، لكنني لم احس تجاهه بأي من المشاعر كما أبدى هو لي.
آبيل ماجويتش هو إسم السجين الفار من سجنه , وهو نفسه المحسن الذي تبرع لي بكل هذه الثروة ، وبما أنه رجع إلى إنجلترا رغم أنه سوف ينفذ به حكم الإعدام فقد رجع فقط حتى يراني , وهنا كان يجب عليّ أن أبرر للناس وجوده عندي على أنه خالي , وقدم للزيارة لبضعة ايام ، وعودته هذه خلقت الكثير من المشاكل , وكان عليّ أن أحلها واحدة تلو الاخرى .
وأول ما قمت به أنني استأجرت لآبيل ماجويتش مكانا ليسكن فيه قريبا من المكان الذي اقطن فيه , واشتريت له ملابس مزارع كي يتنكر بها.. ونظرت إليه وهو نائم على الأريكة و هو يلبس ثيابه الجديدة ، فكنت مضطرب القلب مشتت البال . . وخيل إلي أن أفضل حل أن أركض خارجاً من الحجرة . . ومن المنزل بل من لندن وإنجلترا كلها . .
في اليوم التالي رجع صاحبي هربرت ، فجعله ماجويتش يقسم على الكتاب المقدس الآن أنه لن يفشي أي سر يسمعه ، فأقسم هربرت وأخبرناه بكل شيء, ثم ذهب ماجويتش إلى بيته الجديد وبقينا أنا وهربرت نتكلم إلى ما بعد منتصف الليل . إنتهيت إلى قرار أنني لن آخذ من ماجويتش اي نقود بعد الآن , رغم أنني مغرق في ديوني ، لكن هربرت قال لي أنني سوف أؤذي مشاعره, وقد يسلم نفسه للسلطات إن رفضت أن أنفق من امواله , وقال لي هربرت : إن أفضل حل أن تقنعه على ان يترك إنجلترا أو أن تغادر معه . . ! =شعرت بالدهشة لكن هربرت أكمل حديثه قائلا : سافر معه إلى أي بلد آمن , واتركه هناك ثم عد بمفردك , وسوف أجد لك شغلا معي في شركة كلاريكار.. ، ورأيت أن هذا هو الحل الانسب .
وبينما كنت أدبر هذه الترتيبات وصلتني دعوة من ستلا تقول لي فيها أنها سوف تتزوج من بنتل درامل . إعترضتُ عليه لكنها قالت بكل خفة : إنها صفقة رابحة , فهو ثري جدا وأنا قررت أن أتزوج به .
إنتهى هذا الكلام المؤلم مع ستلا ، وخرجت أتجول بلا اي غاية في شوارع لندن شقياً تعيساً واليأس يمزق فؤادي ، ولم يسعدني أو يواسني قولها : إياك أن تعتقد أنني سأجعل منه زوجاً سعيداً..
رجعت الى منزلي في وقت متأخر لأجد وميك ينتظرني كي يقول لي أخباراً مهمة , وقال : بدون ذكر أسماء كما تعلم ، إن السيد جاجرز وصلته انباء من أحد المجرمين في المجتمعات الرخيصة , أن هناك إشاعة ينشرها شخص اسمه كمبايسون , عن وجود ضيف من نيو ساوث ويلز ، ومن المتوقع أن تصل هذه الشائعة إلى السلطات في أي دقيقة .
كنت مستاءاً وقلت: لا يمكن أن تمسك به الشرطة , لا بد من عمل أي شيء..! ثم قال وميك : ولأنك قد تكون مُراقباً , فقد تم نقل الضيف في أثناء غيابك ، والسيد جاجرز سوف يظل على تواصل معك لاتخاذ بعض الترتيبات ، فقلت له: أعرف ما هي الترتيبات , لا بد أن ننقله خارج إنجلترا , و سانتقل معه إذا رفض ان يسافر وحيدا ، فقال وميك : عظيم وسوف يتصل بك السيد جاجرز ليقول لك متى سيكون الوقت المناسب للتنفيذ ووفق خطة محكمة ، و قال لي أن لا أذكر إسم كومبايسون أمام الضيف , لأنه لو علم أنه موجود في لندن سوف يتعقبه , ولن يتركه إلا بعد أن يقضي عليه .
وعندما وصل هربرت إلى المنزل , علمت أنه خبأ ماجويتش في منزل صاحبته كلارا برلي التي تسكن مع ابوها المتقاعد ، فقررت زيارته , و قلت له أنني وهربرت وجدنا خطة حتى يتم تهربيه من إنجلترا كلها ، لكنه لم يرضى بذلك وقال : إنه سيبقى هنا ، ثم أقنعته بأنني سوف أسافر معه فاستسلم لفكرتي . قمت بشراء قارب كي أجدف به انا و هربرت يوميا , كي يعتاد الناس على فكرة وجود قارب في النهر , حتى يحين موعد الفرار دون لفت انتباه الناس , فنصل بالقارب إلى إحدى السفن التي تبحر إلى خارج المنطقة ، وهناك بعض القباطنة على استعداد للسماح لنا بالسفر مقابل بعض الاموال . وطول وقت الزيارة بقي ماجويتش يمسك يداي بكلتا يديه بعطف و رقة ، ولم يتركها إلا عندما تأهبت لان اغادر ، وبطبيعة الحال لم أخبره عن نيتي في ان اتركه بأي مكان آمن خارج إنجلترا و الرجوع منفردا .
ولكي أوفي ديوني بعت مجوهراتي , لكن قيمتها لم تغطي كل الديون فقررت أن ألجأ إلى الآنسه هافيشام , كي تدفع الجزء المنصوص عليه لصالح هربرت في شركة كلاريكار . تحضرت للسفر , وفي طريقي انتقلت إلى السيد جاجرز لكي أبلغه بالخطة التي وضعتها لكي اهرب ماجويتش , حينها دخلت الخادمة موللي لتجلب الطعام ، كانت دائماً تنظر إلى الارض . وضعت موللي الطعام على مائدة صغيرة , وعندما نهضت طرقت بصينية الطعام , وسالت بعض الشوربة على المفرش , نظرتْ إليَّ بقسوة !!! لحظتها احسست بأنها تشبه ستلا إلى أبعد حد وخصوصاً عندما تقسو و تغضب من شيء ما , فلها نفس النظرة ونفس الخدين. ولما خرجتُ من عند السيد جاجرز, جلست انا السيد وميك على انفراد وسألته من تكون موللي ؟ والصدمة عندما قال لي أنها قاتلة أنقذها السيد جاجرز من حبل المشنقة ، حيث خنقت امرأة بعد أن تأكدت أن زوجها منجذبا اليها بسبب الغيرة, وقيل أيضاً أنها قتلت ابنتها , لكن ذلك غير صحيح فإن طفلتها ما زالت حية . بقيت أفكر بهذه السيدة وبالشبه الكبير بينها وبين ستلا , إن الشبه تام بين عينيها وعيني ابنتها ، إذن موللي هي أم ستلا ، وقد ظلت في خدمة السيد جاجرز مقابل أن جعل لأبنتها حياة مريحة مع الآنسة هافيشام .
وصلت إلى منزل الآنسة هافيشام و قلت لها بكل ما ترتب على لقاء معاونتي لهربرت ، وقلت إنني أحتاج إلى تسعمائة جنيه لأوفي بهذا العون، فقالت بصوت حالم : إن هربرت يستحق المساعدة , فإن ابوه في يوم ما قدم لي نصيحة , لكنني للأسف لم آخذ بها ففقدت هنائي و راحتي , وعشت في تعاسة وشقاء , ليتني استمعت لتلك النصيحة الثمينة ، وقالت إنها ستعطيني المال مقابل أن يبقى سراً عن هربرت ووالده فوافقْتُ على ذلك. =وعندما هممت بالخروج سألتني إن كنت قد عرفت اي انباء جديدة عن ستلا , فقلت لها : إنني أعرف أنها ستتزوج , لكن هل الزواج حصل ! فأجابت : نعم للأسف. وقتها تغيرت ملامح وجهي ووضعت يداي على وجهي ، فقالت : إنني أرى بوجهك نفس العواطف التي كانت في وجهي منذ سنوات قديمة , سامحني يا بيب ما كنت أنوي منذ البداية شراً , أردت لستلا مستقبلاً لا تعاني فيه ما عانيته .
غفت الآنسة هافيشام في كرسيها , وخرجتُ لامشي في البيت وعبر الممرات الطويلة ، وفجأة سمعت صرخة دوت بشكل عالي جدا , ذهبت إلى مصدرها فوجدت الآنسة هافيشام قادمة والنار تمسك بفستان زفافها وطرحتها , لففت معطفي حولها و بمعاونة الخدم أطفأنا النار, ثم حضر الدكتور وداوى جروحي وداوى الآنسة هافيشام والتى كانت غائبة عن الوعي .
في اليوم الذي يليه رجعت الى منزلي في لندن , وكنت ما أزال أعاني من الصدمة والآلام بسبب الحروق التي بيدي , وإ صابتني بالحمى وارتفعت درجة حرارتي , لذا قام هربرت بانهاء بعض المهام عني , وما إن استعدت عافيتي حتى ذهبت إلى مكتب السيد جاجرز و منحته الرسالة المرسلة من الآنسه هافيشام , ثم قام بتحرير شيكاً بإسم كلاريكار بقيمة تسعمائة جنيه ، وأتى كلاريكار إلى مكتبه أيضاً واستلم الشيك , وبذلك صار هربرت شريكاً كاملاً في شركة الملاحة، واشترط أن ينتقل هربرت إلى الشرق الأوسط ويدير أهم فروعنا الخارجية .
أخذني مستر جاجرز الى مكان بعيد وقال لي : بدون ذكر أسماء , لقد حان الموعد للضيف القادم من نيوساوث ويلز أن يترك إنجلترا و يغادر بعيداً , لأن السلطات أوشكت أن تعرف موقعه . رجعت الى المنزل وأخبرت هربرت وكنا يائسين , فأنا الآن يدي مربوطة ومصابة بالحروق , فليس في استطاعتي أن أمسك بالمجداف ، لكن هربرت إقترح أن نطلب المعاونة من صديقي الذي كان يتعلم معي عند ابوه وهو ستارتوب , لأنه كان أميناً ويمكن ان نثق به و نعتمد عليه . وافق ستارتوب على ما طلبناه منه بدون تردد.
قمنا أنا وهربرت بزيارة ماجويتش بعد أن تأكدنا من أنه لا أحد يلاحقنا , لنخبره بخطة الهروب ووقتها ، وما إن رأى حروقي حتى أخذ يهتم بها أكثر من ذاته ، وقال : إنني أهتم بمصلحتك أكثر من أي شيء ، أنت اقرب الي من إبن حقيقي خرج من صلبي ، وأعز من ابنتي التي خسرتها وهي صغيرة ، فقلت له: لم تخبرني بأن لك ابنة قال حينها : بما أنكما ترغبان في أن تعرفا كل شيء عني , فسوف أحكي لكما حكايتي . إتكأ على الكرسي وأشعل غليونه وبدأ يحكي لنا حكايته : لقد نشأت دون أن أعرف ابواي ، وقضيت أغلب عمري بالسجون ، ما إن أخرج منها حتى ارجع إليها .. وفي زمن بعيد تزوجت من فتاة نص غجرية وأنجبت ابنة صغيرة , ولكن زوجتي كانت حادة الطبع فخنقت إحدى النساء بعد أن تأكدتْ أنني منجذب اليها ، وهددتي بأن تقتل طفلتنا انتقاماً مني ، ثم اختفت هي و ابنتي قبل أن أفعل أي شيء . وبعد فترة عرفت أنه تم القبض عليها وتقديمها للمحاكمة بتهمة القتل , ودافع عنها السيد جاجرز, وحصل لها على حكم البراءة . وكانت تلك اول مرة أسمع بإسمه ، لكن كان عليَّ الاختباء كي لا أذهب للشهادة بأن زوجتي قد قتلت ابنتنا الصغيرة . هل عرفت الآن يا بيب لماذا أعتبرك إبني الوحيد؟.
بعد أن أخبرنا بهذه الحكاية اضطرب قلبي , وجعلني غير قادر على النطق بكلمة واحدة . وبدأ يكمل حكايته , وأخبرني أن الرجل الذي كان يضربه في الحفرة في مقاطعة كنت عندما كنت ولدا , كان العقل المدبر لكل الجرائم ، فهو الذي كان يخطط وكان هو الذي ينفذ , وهو نفسه الذي شهد ضده في المحكمة وتسبب بحبسه ، وتم إطلاق سراح الشاهد . وهنا أقسم ماجويتش أن ينتقم منه . وبحث عنه حتى قالت له زوجة الرجل أنه متفرغ لخداع إحدى النساء الغنيات في مقاطعة كنت ، فذهب هناك ليلاحقه , وآثر عدم الهرب بعد أن فك القيد كي يمسك به ويعيده للحبس , وكان إسمه كومبايسون.. وعندما سمع هربرت بهذا الإسم انتفض مصدوما لكنه لزم الصمت . وبعد أن انتهت زيارتنا لماجويتش خرجنا وبدأنا الكلام . و قلت ل هربرت ما حصلت عليه من تفاصيل من السيد وميك بخصوص قصة الخادمة موللي , وربطت بينها وبين الحكاية التي قالها ماجويتش , وقلت في النهاية : إذن ماجويتش هو والد ستلا بعينه !. . .
لكننا اتفقنا على أنه لا فائدة من الافصاح عن ذلك وأقسمنا على حفظ هذا السر، ثم قال لي هربرت أن كومبايسون هو ذات الشخص الذي أحبته الآنسة هافيشام, وكان سبباً في بؤسها على مر السنين .
قررنا تنفيذ خطة الفرار يوم الأربعاء , وفي يومي الأثنين والثلاثاء سألنا عن السفن التي سوف تبحر خارج البلاد يوم الاربعاء , واتفقنا مع سفينة سوف تتوجه إلى هامبورج بألمانيا ، وكانت خطتنا أن نجدف في القارب حتى نصل منزل كلارا حبيبة هربرت , ومن هناك يصعد معنا ماجويتش ، ونواصل التجديف إلى البحر وننتظر في مكان ملائم الباخرة المتوجهة إلى هامبورج .
وفي يوم الأربعاء وبعد أن تأكدنا ان لا احد يراقبنا في المكان ذهبت انا وهربرت وستارتوب بالقارب إلى منزل كلارا , وهنا نزل معنا ماجويتش الذي كان دائماً يشكرني على معاونتي له ، وأكملنا إلى نهاية النهر بين مقاطعة كنت ومقاطعة إسكس , و امضينا المساء كله في حانة بعيدة عن الاعين على الشاطئ . وفي الصباح الباكر رأيت رجلين يفتشان قاربنا وعندما لم يجدوا شيئاً تركوه . ثم أبحرنا بالقارب إلى مكان منعزل من الشاطيء , وفي الواحدة والنصف رأينا الباخرة قادمة باتجاهنا ، ودّعت هربرت وستارتوب , وكانت أعيننا أنا وهربرت مغرورقتين بالدموع . وعندما اقترب قاربنا من الباخرة , إقترب أيضاً قارب آخر وعليه رجل يعطي الأوامر, نادى علينا وقال : معكم سجين مطرود من إنجلترا و لا يمكنه ان يعود اليها و من الواجب عليكم ان تعاونونا لالقاء القبض عليه ,. قام القارب الآخر بسد الطريق أمام قاربنا ومنعه من الابحار . ومد الرجل الذي يعطي الأوامر يده وأمسك ماجويتش من رقبته وبدوره ماجويتش أمسك عباءة الرجل وسحبها عنه فبانت هويته , لقد كان كومبايسون بعينه , ولكنه من شدة الخوف تراجع الى الوراء . قفز ماجويتش إلى القارب الآخر , وإزاء هذه الحركة انقلب قاربنا بمن فيه . انتشلونا الرجال من الماء وأمسكوا بماجويتش وكتفوا رجليه و يديه , وهكذا باءت خطة الفرار بفشل ذريع . .
كان ماجويتش يتنفس بصعوبة بسبب جرح كبير في صدره وجرح ثاني في رأسه . وقد أصيب بهما بعد أن ضربته الباخرة التي كنا ننوي ان نهرب بها ، واحتضنْته بين يدي . وبأنفاس لاهثة أخذ يقص علينا كيف أنه انقض على كومبايسون وألقاه في الماء , وكيف تضارب الرجلان إلى أن انتشلوه وحده من الماء دون أن يعلم ما جرى لكومبايسون ، فقد اختفى . ثم ظهرت جثته على الشاطيء فيما بعد .
تم القبض على ماجويتش وقال الضابط: إن كل ممتلكات السجين بما فيها ملابسه المبتلة و امواله مصادرة , لذا لا بد أن تسلم إلى السلطات في لندن ، لكني لم اقول ل ماجويتش لأن هذا سيحزنه بشكل كبير , وأمسكت بيده فابتسم لي بحنان وقال : لقد كنت أعرف أن رجوعي إلى إنجلترا مليء بالمخاطر , لكني كنت ارغب في أن أراك يا بني العزيز وقد رأيتك و فرحت بك , وراضي لأنك صرت تحيا كجنتلمان . تأثرت بكلامه وبكيت وقلت له : سوف آتي لزيارتك وسأكون معك على الدوام كما كنت معي دائماً .
ثم حُول إلى المحاكمة وأخذ السيد جاجرز يدافع عنه , ويقدم شهادات تدل على توبته عن الإجرام , لكن المحكمة و القاضي قرروا أنه مذنب ولا يمكن أن يفلت من الإعدام . لكن بسبب صحته غير الجيدة بقي في مستشفى السجن وسُمح لي بزيارته كل يوم ، وفي كل يوم كان يصير أسوأ من ذي قبل.
وفي زيارتي العاشرة رأيت أن في عينيه لمعة , وكان ممتنناً لي ويقول : إنك أول زائر قبل كل الزائرين . أمسكت يده وبقيت ساكتا لأنني لا يمكن أن اقول له أنني دبرت خطة الهروب لأتخلى عنه في أي مكان بعيد عن انجلترا ، وهو كان يتحدث معي وهو يلهث وبضعف , ثم أخذ يدي ووضعها على قلبه وقال : إنك أكثر من إبن بالنسبة لي ، وأنا أشكرك لأنك بقيت معي ولم تهجرني وحيدا ، حينها قررت أن اقول له سر وقلت له : سأقول لك سراً فهل تقدر أن تفهمني ، فضغط على يدي ليقول لي أنه يفهمني ، حينها قلت له أن ابنته التي كان يظن أنها قتلت ما زالت على قيد الحياة , وقد تربت و درست في فرنسا وعادت , والآن تحيا كسيدة محترمة في هذا المجتمع , وهي الآن جميلة جداً بل وأكثر النساء فتنة و جمالا . . وأنا أحبها من كل قلبي ! حينها أمسك بيدي وقبلها بضعف , ثم ازداد شحوب وجهه ومالت رأسه , ومات ماجويتش...
لم أخش مشاهدة الموت بل احسست بالهدوء والإرتياح والسلام ، ولن أنسى إلى الأبد مشاعر الحب الجميل وهو يقول لي : يا بني العزيز . . !
أخيراً أفقت إلى نفسي وإلى أحوالي التي تراجعت الى الاسوء بسبب الديون ، وكان عليّ أن أؤجر شقتي من الباطن لأنها صارت غالية التكاليف , خصوصاً بعد أن سافر هربرت إلى القاهرة في مصر . وقد وعدني بعمل في هذا الفرع فى أي وقت ارغب فيه , لكنني لم اقدر ان اعمل ، فقد مرضت وزادت حالتي سوءاً. وفي يوم من الأيام رأيت شخصين وقلت لهما : من أنتما ، فقالا : نحن جئنا لكي نقبض عليك بسبب كثرة الديون ، فقلت : بودي أن آتي معكما لكنني مريض فذهبا ، وبعدها أصبت بالحمى ومن كثرة الهذيان كنت اتصور أن كل من رأيتهم بحياتي متواجدين حول فراشي ، وعندما تختفي كل الوجوه يبقى وجه واحد هو جو جارجرى ، وحين قلت له : هل أنت جو , أنت هنا ؟ فابتسم بسعادة وقال: نعم يا بيب يا صاحبي العزيز . .!
إنخرطت في البكاء وكان بكاءاً صادقاً يعبر عن شعوري بالندم ، لكن صديقي جو قال : لقد كنا اصحاب و سنظل دائما هكذا ، وبقي يهتم بي لمدة شهر حتى شفيت تماماً ، حينها أخبرني أن الآنسة هافيشام توفت متأثرة بحروقها ، وأن ستلا ورثت كل ممتلكاتها و اموالها .
وبعد أن شفيت تماماً صحيت في الصباح فلم أجد جو , ووجدت مكتوب وداع, كتبها بيده بعد أن علمته الكتابة بيدى ، ومعها إيصال يقول لي فيها أنه دفع كل ديوني التي تأخرت في دفعها . وتذكرت الماضي السعيد البعيد , والهواء النقي في مستنقعات كِنت وتلك الأيام السعيدة . وفجأة قررت أن ارجع إلى كِنت وأطلب يد بيدى للزواج .... وصلت إلى هناك إلى كِنت ، رأيت بيدى في ثوب الزفاف وجو إلى جانبها ، رحبا بي و احتضناني , فباركت لهما على زواجهما وأخفيت خيبة أملي . ثم رجعت إلى لندن , وبعت كل ممتلكاتي وسويت أموري ثم سافرت إلى القاهرة . في مصر عملت موظفاً بفرع شركة كلاريكار مساعدا لهربرت، و سكنت مع هربرت وزوجته كلارا.
عملت بجد وحصلت على كثير من النجاح و التقدم فسددت كل ديوني وأصبحت أعيش حياة سعيدة , وكنت أكتب بين الحين و الثاني رسائل لجو وبيدى . =لم يقدر كلاريكار أن يحتفظ بالسر , و قال ل هربرت أنني أنا الذي دفعت حصته كي يصير شريكاً له ، فازدادت محبة هربرت لي.
وبعد إحدى عشرة عاما رجعت إلى كِنت لزيارة جو ، كان يجلس قرب المدفأة و مقابله بيب الصغير ، وعندما رآني جو قفز يرحب بي و يحتضنني , وجاءت بيدى وقبلتني من شدة السعادة برجوعي . قضيت معهما عدة أيام و صار بيب الصغير يحبني ويتمسك بي , كما كنت اتمسك بجو و احبه في صغري . ثم رحلت , وفي طريقي رغبت في أن أزور موقع الآنسة هافيشام , لكنه أصبح مجرد أطلال ، بيت محروق ولم يظل منه سوى الحديقة ، وراحت الذكريات تدور في رأسي .. ذكريات ستلا ، كنت قد عرفت أن ستلا عاشت حياة بائسة حتى أنها تركت زوجها , أما بنتل زوجها فقد لقي مصرعه في حادث . وفجأة لمحت ظل فتاة , وعندما اقتربت منها صرخت : ستلا , فقالت بنعومة : بيب ... هل عرفتني!! قالت لي أنها باعت كل ممتلكاتها وهذا المنزل آخر شيء , وأنها جاءت لتلقي نظرة أخيرة عليه , و قالت لي أنها كانت تلوم نفسها على تجاهل حبي الصادق لها أيام جهلها و غرورها , وأنها تحتفظ لي بمكان عزيز في قلبها , فأمسكت بيدها وقلت : ولكنك كنت في أعز مكان في قلبي دائماً . .
النهاية.
آمال كبرى: تشارلز ديكنز
إعداد وإشراف: رجاء حمدان
عشت معظم اول اعوام حياتي في مقاطعة كنت , ومع ذلك فإن مستنقعاتها المرعبة تخيفني حتى الآن .. فقد كنت أتخيل وجود أشباح في الضباب الكثيف ، كما كنت أتخيل سماع أصوات غريبة غير طبيعية صادرة من تدفق المياه في مجرى النهر المجاور . في عشية عيد الميلاد عندما كنت في السابعة من عمري , , ذهبت لأزور قبر والدتي و والدي الذي يقع بساحة واسعة ملحقة بالكنيسة .. وفي مكان يطل على مستنقعات موحشة .. في الحقيقة لم أشاهد والدي و والدتي على الاطلاق , ولكني أستطيع قراءة اسميهما المكتوبين على شاهد القبر (فيليب وجورجيانا بيروب) ، فيليب كان إسم والدي وكذلك إسمي أنا أيضاً , ولكني عندما كنت صغيراً أتعلم النطق , لم أتمكن من نطق كلمة فيليب, فقد كنت اقوله بيب , وظل هذا الأسم يطلق عليَّ طوال عمري . وهناك بقيت أبكي لأنني لم اقدر ان اتذكر أي شيء عنهما. ثم فجأة صدر صوت مرعب من بين القبور , كان رجلاً يرتدي ملابس رمادية رطبة خشنة , وكان يوجد حول قدميه طوق حديدي , أمسكني بخشونه من ذقني وقال لي توقف عن هذا الازعاج , ثم حملق فيَّ بعينين يتطاير منهما الغضب ، وسألني ما اسمك؟ ومن هم أهلك وأين تسكن ؟ ومن شدة خوفي أجبته بسرعة : إسمي بيب ووالديَّ مدفونان هنا , وأنا اسكن مع أختي السيدة جو جارجرى وزوجها الحداد الذي يشتغل في هذه القرية.
ثم فتش جيوبي وأكل كسرة الخبز التي كانت بحوزتي وقال لي : أيها الصغير عليك أن تحضر الآن لي المبرد الحديدي وبعض الطعام إلى هنا في صباح الغد !!! فاهم .
فقلت له وأنا ألهث : حاضر يا سيدي . ثم قال لي : إياك أن تقول لاي احد ذلك , وإلا قتلناك , فأنا أعرف صديقاً يهوي قتل الأطفال وتمزيق افئدتهم , وصديقي هذا سيتمكن من ان يتسلل الى حجرة نومك ليقتلك في لحظة .... والأن هيا انصرف . فأومأت برأسي إليه موافقاً على ما قاله , وقفزت أجري اركض إلى المنزل . ثم سمعت صوت طلقة نارية يأتي من بعيد , تذكرت قول جو زوج أختي أن هذه طلقة تحذير , تطلقها سفن السجن للتحذير من سجين قام بالفرار , وهذه هي الطلقة الثانية ، أما اول طلقة فكانت في الليلة الماضية لتحذيرنا من أن لصاً أو قاتلاً قد قام بالفرار , فارتعدت لما سمعت.
على طاولة العشاء خبأت حصتي من الخبز في جيبي للسجين الفار الذي ينتظرني في صباح اليوم التالي . صعدت الى حجرتي للنوم بعد العشاء . كنت مرتعباً بسبب شدة الظلام و ما جرى معي خلال اليوم , وتلك الليلة لم أستطع النوم خوفاً من ظهور السجين الهارب لكي يقتلني . وفي الصباح التالي خرجت من المنزل صباحا مع أول النهار ومعي مزيداً من الخبز وبعض الشراب , وفطيرة محشوة باللحم وقطعة جبن ، ومبرد الحديد , وضعتهم في معطفي وخرجت لامنحهم إلى السجين.
عندما وصلت وجدت سجيناً ثانيا ، حاول أن يضربني على رأسي لكنني هربت منه بسهولة , وحينها اختفى من أمامي خلف الضباب ، وبعدها رأيت السجين الثاني الذي طلب مني الطعام والمبرد ، وحين ناولته الطعام ، أكل بشراهة وشرب الشراب ، وقبل أن يقضي على الفطيرة سألته ألن تبقي بعض الطعام لصاحبك قاتل الأطفال ؟ فقال : إنه ليس بحاجة إلى الطعام ، فقلت له : لا اعتقد ذلك , فقد كان يبدو عليه التعب و الضعف ، فقال لي : وأين رأيته فقلت له أنني رأيته قبل أن أصل إليك بقليل . فأخذ المبرد وراح يفك القيد الحديدي الذي حول رجليه ، وقال : سوف أقتله كما تقتل الكلاب ، وهنا رأيت أن أنصرف احسن لي , فابتعدت قليلاً وركضت بسرعة كبيرة الى المنزل .
في المنزل كانت شقيقتي تدور كالدوامة تحضر لليلة عيد الميلاد ، ثم غسّلت وجهي و راسي , وألبستني أنظف الملابس الموجودة عندي , وكذلك لبس جو أنظف ملابسه , وجلسنا في حجرة الجلوس ننتظر الضيوف ، وكان أول القادمين هم:
مستر ووبســل كاتب الكنيسة , ثم حضر من خلفه صانع العجلات وزوجته مستر ومسز هابل , و في النهاية وصل عم جو مستر بامبلشوك , وكان قد أحضر معه هدية لشقيقتي وكانت زجاجة نبيذ . جلسنا سوياً ناكل طعام العشاء ثم ذهبت أختي كى تحضر الفطيرة , وكان هذا الخبر السعيد الذي فتح شهية الضيوف , لكن رجعت شقيقتي وهي خالية اليدين وتقول : لا اعرف ماذا حصل لقد اختفت الفطيرة ، وعندما سمعت ذلك توقفت فجأة ثم اسرعت بالهروب , وعندما فتحت الباب للهرب كان رجال الشرطة بالباب , وأخبرنا القائد الشاويش أنه قد جاء هو ورجاله للقبض على سجينين قد فرا من السجن , وأنهم يريدون من جو الحداد أن يصلح القيود التي وجدوها حتى يقبضوا على السجينين و ياخذوهما . فأصلح جو القيود خلال ساعة , ثم خرجنا أنا وجو ومستر ووبسل مع رجال الشرطة حتى نعاونهم بالعثور على السجينين.
ذهبنا إلى ساحة المقابر خلف الكنيسة حيث قبر والدي و قبر والدتي , وبدأ رجال الشرطة بالبحث لكنهم لم يجدوا اي هارب هناك . كنت أشعر بالخوف من أن يظن السجين الذي أعطيته الطعام و المبرد وأنني خدعته . وبعد قليل سمعنا صوت صياح , وحين بحثنا وجدنا السجينين في حفرة يتعاركان وهناك دم منثور خارج الحفرة , فقبض رجال الشرطة على الاثنين . بدأ السجينان العراك بالكلام فقال الأول : إنه لحق بالثاني ليقبض عليه عندما عرف انه فر من السجن ، بينما الثاني كان يقول إن السجين الأول كان يرغب في ان يقتله ، فصاح الشاويش بهما ليصمتا , وسار الجميع إلى النهر حيث القارب الذي سيقل السجينين ورجال الشرطة . وقبل أن يصعدوا الى القارب لمحني السجين الأول فأومأت له برأسي معتذرا و لاقول له أنني لست أنا من أخبر الشرطة ، نظر إلى عيني ليتأكد من اني صادق ، ثم قال: بالمناسبة لقد سرقت بعض الطعام وفطيرة لحم والشراب من بيت الحداد ، حينها قال جو : إذاً لهذا السبب لم تلاقي زوجتي الفطيرة ! لكننا مع ذلك لا نبخل بالطعام على شخص جائع أليس كذلك يا بيب ؟ فحركت رأسي موافقاً ، وبعدها غادر القارب و رجعنا نحن الى المنزل .
حصلت على قدر قليل من التعليم لأنهم كانوا يحضرونني لكي أصبح صبياً معاونا لجو في أعمال الحدادة . وهذا ما كنت ارغب فيه حقا لأنني كنت أحب جو حباً كبيرا ، وهو كان يبادلني الحب و يحنو علي ، وكان يدافع عني عندما تشتد الضربات القاسية من شقيقتي . بعد أيام عديدة من ليلة عيد الميلاد ، حضر العم بامبلشوك ليقول لنا أن الآنسة هافيشام تدعوني إليها حتى الهو في منزلها ، وهي امرأة كبيرة في السن واسعة الثراء , تعيش حياة رتيبة . ورغم أنها تعيش منعزلة , وبابها مغلق بالمتاريس على الدوام خوفاً من اللصوص , إلا أنها تدعوني لألعب في منزلها . وتعجب جو جداً من معرفة هذه العجوز بي , لكن أختي قالت له أنها لا تعرفني إنما تعلم العم بامبلشوك الذي يستأجر بعض أملاكها، وقد طلبت منه أن يحضر لها صبياً يلعب مقابلها وقد أخذه لها.
أخذتني شقيقتي وحممتني وألبستني أحسن ما لدي من ثياب للخروج ، وكانت شقيقتي والعم بامبلشوك متفقين على أن هذه الدعوة ستعود علي بالفائدة بلا شك .
أوصلني العم بامبلشوك الى منزل الأنسه هافيشام , وفتحت لي الباب فتاة جميلة جدا كانت في مثل سني , لكنها كانت تبدو أنها أكبر من عمرها بسبب غطرستها و تعاليها , وسمحت لي بالدخول بينما لم تسمح للعم بامبلشوك بان يدخل معي ، ثم قادتني الفتاة في ممرات كثيرة من الجانب الآخر للمنزل . كان البيت مظلما , ثم وضعتني أمام باب حجرة وقالت لي : أدخل , وعندما قلت لها بكل لطف من بعدك يا آنستي ، قالت: لا تكن سخيفاً يا ولد , أدخل أنت الآن فأنا لن أدخل .
دخلت إلى حجرة واسعة مضاءة بالشموع , وفي وسط الحجرة شاهدت أغرب سيدة شاهدتها في حياتي ، كانت تلبس ثياب العرس البيضاء ، وفي يدها قفازات وكتاب صلوات غلافه أبيض .
وما إن لمحتني حتى سألتني عن إسمي , فقلت لها : إن إسمي بيب, وقد جلبني إلى هنا العم بامبلشوك كي الهو قليلا ، فقالت : هل تخاف من امرأة لم تر الشمس منذ ان ولدت ؟ فقلت : لا ، مع أنني كنت خائفاً ، وبعدها وضعت يدها على صدرها , وسألتني : اتعلم ماذا يوجد هنا؟ فقلت : إنه قلبك يا سيدتي، فقالت: يوجد قلب مكسور و ارغب في شيء يمتعني قليلا ،, والآن هيا العب وأنا سأراقبك ، لكنني وقفت بصمت وحين نفد صبرها قالت : نادي ستلا . عندما أتت ستلا قرّبَتها منها و الصقت على شعرها جوهرة جميلة , وقالت لها : في يوم ما سوف تحظين بها على إعجاب الرجال الذين ستكسرين قلوبهم ، أما الآن فالعبي الورق مع هذا الولد وسوف اتطلع اليكما من بعيد . كانت ستلا تلعب وفي نفس الوقت تقول الكثير من الملاحظات غير الحسنة عني , فلم أستطع التركيز على اللعبة , ولذلك فقد خسرت , ولكني كنت منزعجا من إهانتها لي . ثم أمرتني السيدة هافيشام أن ألعب جولة ثانية , وبعدها قالت لي : لقد قالت ستلا عنك أشياءاً كثيرة غير حسنة وأنت لم تقل عنها شيئاً ، فما رأيك فيها ؟ وبعد إصرار منها همست في إذنها إنها فخورة جداً بنفسها و جميلة ، لكنها كثيرة الشتائم . ثم طلبتْ مني أن أنصرف و ارجع بعد ستة أيام ، وطلبت من ستلا أن تقدم لي الطعام . قدمت لي ستلا قطعة خبز وقطعة لحم وكأنها تعطيها للكلب ، ومن شدة الإهانة بي نزلت من عيني الدموع , ولمحتُ ابتسامة المتعة على وجه ستلا . شعرت بالعار و الخجل من كل شيء قالته ستلا عني ، فأنا من قبل لم أكن اعرف كم هو حذائي غليظ وكم يداي خشنتين وكم كان جهلي كبيرا ... إني لم اعلم ما إسم ورقة الولد في الكوتشينة.. وكان اللقاء الذي تم مع ستلا الفاتنة الجمال في هذا اليوم .. سبباً في تغيير حياتي كلها ..
وبعد ستة أيام رجعت لزيارة الآنسة هافيشام , ومرة ثانية وجدتها تجلس كما هي أمام تسريحتها ، وعندما لمحتني قالت : إنك لا تجيد اللعب ، اترغب في أن تعمل إذاً ؟ فأومأت برأسي بالرضى ، فقالت انتظرني إذاً في حجرة الطعام . كانت كل حجرات البيت معتمة و كانت حجرة الطعام كأنها مهيأة لحفل منذ سنوات طويلة ماضية , قدمت الآنسة هافيشام ، وقالت : كل الشغل المطلوب منك هو أن أستند على كتفك وتدور معي حول الحجرة .
كان هذا هو العمل المطلوب مني , بالإضافة إلى لعب الكوتشينة مع ستلا تحت انظار الآنسة هافيشام . وينتهي عملي عندها بإطعامي مثل الكلاب .
بقيت على هذا الوضع ثمانية شهور ، خلالها تقدمت باللعب بعض الشيء لكن ستيلا كانت دائماً تقسو عليّ ، ودائماً تجد أي نقص أو مناسبة لتهزء مني..
وفي إحدى المرات تأنيت وأنا أرتب أوراق اللعب و ربحت الجولة ، حينها أثنت عليّ الآنسة هافيشام ، ويبدو أن هذا المديح أثر في نفس ستلا , فعندما ذهبنا إلى الباب كي اخرج قالت لي : قبلني إن كنت ترغب في ذلك , وقربت خدها لي وقبلتها . وكنت على استعداد أن أضحي بأي شيء فقط لان اخذ قبلة واحدة من ستلا , لكنها مع ذلك بقيت تعاملني بغطرسة و تعالي . لاحظت الآنسة هافيشام أن قامتي باتت أطول فسألتني إن كنت ما أزال ارغب في أن أصبح صبياً لجو وأن أعمل معه ؟ فقلت لها : إن هذه أعز أمنية لي و لصاحبي جو جاجرى ، فطلبت مني أن أذهب مع شقيقتي وزوجها والعم بامبلشوك إلى مجلس البلدة , وقاموا بتسجيل إسمي رسمياً لاصير صبياً لجو ، ثم رجعت وأحضرت الأوراق للآنسة هافيشام كي تراها كما طلبت ، وبعدها منحتني مكافأة خمسة وعشرين جنيهاً ذهبياً .. وقالت : لقد كنت ودودا وهذه هي مكافأتك ، ولا تحضر إلى هنا بعد الآن فقد أصبح جو جاجرى سيدك و معلمك منذ الان ..
مرت الأيام وأنا اشتغل كصبي حدادة , وكانت كراهيتي تزداد لهذه المهنة فقد كنت اتصور أن ستلا تتطلع الي من خلف باب الورشة و تهزأ مني بسبب ما على وجهي و يدي من الهباب الأسود وتضحك بمليء فاها .. حتى أنني فكرت في ان اهرب !! لكنني خشيت أن أؤذي عواطف جو فأخفيت مشاعر الحزن والبؤس في قلبي . مرت سنة على هذه الحال وأصبحت لا استطيع ان امنع نفسي من رؤية ستلا . وفي يوم منحني جو إجازة من الشغل , ذهبت إلى منزل الآنسة هافيشام ، فتحت لي الباب إحدى بنات العمومة للآنسة هافيشام ، ولحسن حظي أن الآنسة هافيشام رضيت ان تراني , لكن عندما رأتني قالت : أرجو أن لا تطلب شيئاً لذاتك فأنا لن أعطيك شيئاً ، فقلت : لا أريد اي شيء ، لقد جئت كي اقول لك أن عملي كصبي حداد يسير على نحو جيد , وأنا أشكرك لأنك ساعدتني على ذلك ، فردت أن هذا شيء طيب وسمحت لي أن اراها بين الحين والآخر ، وأن أحضر اليها في عيد مولدي . وعندما رأتني أجول ببصري كأني أبحث عن شيء ، فهمت ما ارغب فيه وابتسمت ابتسامة ماكرة وهي تقول : أراك تبحث عن ستيلا أليس كذلك ؟ فقلت : نعم يا سيدتي.. وأرجو أن تكون بصحة جيدة .. فقالت: إنها بخير وقد سافرت خارج البلاد , إنها تتعلم لتصبح سيدة الآن ، وقد زادت جمالاً من أي وقت فات , ثم قالت هل تشعر بأنك تفتقدها ، لم أجب بشيء وغادرت.
عندما وصلت إلى المنزل رأيت الجميع مجتمع في المنزل والشرطة موجودة , و شقيقتي كانت ممددة على الأرض وهي غائبة عن الوعي والدماء تنزف منها , فقد هجم عليها مجرم خطير وضربها. أخذني جو و قال لي أنها ما زالت حية ولكننا يجب علينا ان نتحلى بالشجاعة .
وعلى أثر هذا الحادث صارت شقيقتي غير قادرة على الكلام وفقدت ذاكرتها ، وأصبحت هادئة وصبورة . ثم جاءت بيدى كى تسكن معنا وتخدمنا وتعتني بأختي ، كانت بيدى فتاة يتيمة تربطها صلة قرابة بعيدة بالسيد ووبسل , وكانت فتاة ذكية وبسببها تقدمتُ في الكتابة و القراءة .
أما أنا فقد بدأت أثق في بيدى , الفتاة اللطيفة وصاحبة الآراء العظيمة ، ثم قلت لها سري باني ارغب في ان اصير جنتلمان وأترك مهنة الحدادة ! فقالت : من أجل ستلا أليس كذلك ؟ لأنها لا تريدك حداداً . . وبمنتهى الحزن قلت : نعم . . وشعرتُ بالخجل من ذاتي ومن ستلا...
إنقضت أربعة اعوام منذ أن عملت صبياً لجو ..
ظهر أمام باب بيتنا فجأة السيد جاجرز , لقد عرفته على الفور , هو نفس الشخص الذي قابلته مرة في منزل الآنسة هافيشام عندما كنت أذهب لالهو في منزلها مع ستلا ، سأل إن كان هذا بيت الحداد (جوزيف جارجرى) وصبيه (بيب) ؟! فقال جو: نعم صحيح يا سيدي، فقال : أنا المحامي جاجرز , أعمل في لندن وقد جئت إلى هنا بناءاً على طلب من أحد عملائي . عندها اصطحبناه إلى حجرة الجلوس وهناك وجّه نظره إلى جو وفي عينيه نظرات قاسية وقال له : لقد جئت إلى هنا لأعرض عليك التخلي عن بيب كصبي حدادة , وهذا من أجل فائدته , فكم تطلب لكي تعفيه من العمل معك ؟ فأجاب جو : لا أطلب شيئا ً, وما دام في ذلك فائدة له فلن أقف عقبة في طريق مصلحته!!!.
وهنا التفت إلي وقال : لدي تعليمات بأن اقول لك أنك ستصل أخيراً إلى عالم المال و الثروة . . ويريد الشخص الذي سيمنحك المال أن تتأهل من الآن لتصبح قادراً على إدارتها ، لهذا فهو يريد منك أن تتعلم لتصير جنتلمان , وهذه آمال كبيرة في مستقبل مزهر بالثراء .
احسست بشعور كبيرة من الفرح و السعادة , وها هي الآنسة هافيشام سوف تحول حلمي إلى حقيقة . ثم قال لي السيد جاجرز أن ذلك سيحدث مقابل شروط ، أولاً يرغب الشخصُ مانح الثروة في أن أحتفظ بإسم بيب على الدوام ، وثانياً أن إسم هذا الشخص المتبرع لك يجب أن يبقى مجهولاً إلا أن يصرح به هو بنفسه . وإذا خمّنت من هو هذا الشخص فأحتفظ بذلك لذاتك . فقبلت بهذه الشروط .ثم نهض وهو يقول : لقد وضع مبلغاً تحت مسؤوليتك لتنفق على تعليمك وعلى ذاتك أولاً بأول , وسيكون المال معي , لذا يمكنك أن تعدني وصياً عليك , ثم أعطاني بطاقة عليها إسمه وعنوانه في لندن و مبلغ عشرين جنيهاً من الذهب , ووطلب مني شراء الملابس والذهاب إلى لندن وقال : سوف تمكث مع هربرت بوكيت وهو جنتلمان صغير في مثل عمرك تقريبا , ولعلك تقدر أن تتعلم منه العادات الجيدة . وسوف يكون والده معلماً خاصاً لك . وسألني ما رأيك بكل هذا ؟ فقلت بكل حماس : نعم كل ما تقوله يا سيد جاجرز سوف أقبل به , كنت قد سمعت عن اسرة بوكيت , وأعرف أن لهم صلة قرابة مع الآنسة هافيشام،.
رحل المحامي جاجرز وبقينا جو و انا جالسين هادئين كتمثالين من الحجر إلى أن أتت بيدى فأفاق جو من صدمته وأخبرها بالحظ السعيد الذي نزل علي . هنأتني بصدق وقالت : ها قد تحقق اكبر احلامك , فهل ستتحقق أحلامك الأخرى ، وكنت أعلم أنها تعني حبي لستلا ، ولأن بيدى كانت تعتبر ستلا فتاة مغرورة , و تظن أنها لا تستحق كل هذا الحب .. لذلك لم أقل لها شيئاً سوى جملة واحدة : من يعلم ..؟!.
في الصباح الباكر ذهبت إلى خياط القرية فلم أجده فى موقعه , ولكن صبيّه أخبرني أنه يتناول إفطاره . إنتظرته حتى نفذ صبري , لكن بعدها رايته بشقته وأخرجت بعض الجنيهات الذهبية وقلت له : ارغب في أن تصنع لي حلة على (الموضة) الحديثة لالبسها خلال سفري , لأنني سأذهب إلى لندن بصفة سريعة . فبدأ عمله بهمة ونشاط لخياطة الحلة الجديدة , وما إن انتهى حتى لبستها على الفور وأسرعت إلى الآنسة هافيشام لكي أودعها , فتمنتْ لي التوفيق و النجاح ، وأخبرتني أنها علمت بالحظ الجيد من السيد جاجرز ، ثم أشارت إلي بعصاها كي اخرج . كنت أريد أن أشكرها لكنني تذكرت الشروط التي أملاها علي السيد جاجرز بعدم اعلان إسم مانح الثروة لي ، ثم ودعتني وهي تقول آخر جملة : لا تنسى أن تحتفظ دائماً بإسم بيب . . كما تعلم . .
كان جو حزيناً مكتئباً، وأنا كنت بين الحزن على فقد ان أعز اصحابي وبين السعادة لتحقيق امنياتي و امالي الكبرى .
سافرت إلى لندن و انتقلت إلى مكتب السيد جاجرز ، فقال لي عن قيمة الحصة المالية المخصصة لي . في الحقيقة لقد اندهشت كثيراً فقد كانت أكثر مما كنت اتصور، ثم أعطاني مجموعة من البطاقات المالية التي اقدر من خلالها ان اتعامل بها مع الخياطين وأصحاب المحلات الأخرى على الحساب على أن تُرسل الفواتير إلى مكتب السيد جاجرز فيقوم بدفعها . فقبلت بهذه الطريقة التي تسهل عليّ حياتي كما تعاون السيد جاجرز بمراقبة نفقاتي ، ثم أوصلني السيد وميك , كاتب السيد جاجرز، إلى خان بارنارد لإقامتي مع هربرت بوكيت . لم يكن موجودا هناك وبعد نحو عشرين دقيقة أتى ورحب بي , وكان معه صندوقاً من الفراولة .
تاسف لانه تاخر و قال لي أنه اشترى الفراولة الطازجة من أجلى كي أتناولها مع الغداء . كان هذا اللقاء دليلاً على أن هربرت شخص عطوف و طيب . تحدثنا وعرّفني على الخان وعلى المطعم بالمبنى القريب والذى سوف نتناول الطعام به مع بعضنا البعض ، وبعد ذلك أخبرني عن فقره بصراحة وراتبه المتدني الذي يتقاضاه من البنك الذى يشتعل فيه ، فهو بالكاد يكفي لمصاريفه النثرية رغم أنه جنتلمان حقيقي ، مما جعلني أحبه أكثر وأكثر ، وطلبت منه أن يساعدني على تصحيح تصرفاتي و عاداتي ويرشدني إلى طريقة الحياة اللندنية . وأثناء تناولنا لطعام الغداء , أخبرني هربرت عن حكاية الآنسة هافيشام , فقال : إن أمها قد ماتت منذ كانت طفلة صغيرة ، وأهملها والدها لكنها ورثت ثروة كبيرة جدا ، وحين كبرت وقعت في حب رجل أنيق كان أبي لا يثق فيه على الاطلاق . . ولكنها أعطته مبالغ طائلة أثناء فترة خطبتهما . . وفي اليوم المحدد للزواج أرسل لها رسالة يتنصل فيها من هذا الزواج , كانت الساعة وقتها . . .. قاطعتُه قائلاً : التاسعة إلا عشرين دقيقة بينما كانت تلبس ملابس الزفاف, فقال : بالضبط ، وقد أوقفت كل ساعات بيتها على ذلك الوقت ، وأمرت بعدم المساس بأي شيء من ترتيبات الحفل منذ تلك اللحظة حتى هذه اللحظات ...
كان هربرت يصحح لي عاداتي في الأكل أثناء كلامنا ، ثم سألته ولماذا لم يتزوج هذا الرجل الآنسه هافيشام و ياخذ كل اموالها الطائلة و ثروتها ؟ فقال : لا يدري أحد ، لكننا نعتقد أنه كان بالفعل متزوجاً . . وهذا يؤكد أنه كان مخادعاً وحبه للآنسه هافيشام كان غير حقيقي . . كنت بداخلي آسفاً على ما حصل لها وأقول : حزينة الآنسه هافيشام, الكريمة المحسنة .
في اليوم الذي يليه حصل هربرت على عطلة , واصطحبني لمقابلة ابوه والذي سيكون معلمي , وسرعان ما أحببته ، وكان معى تلميذان آخران هما ستارتوب وكان طيباً والآخر بنتل درامل ، وكرهته منذ اول نظرة القيتها عليه , وعرفت فيما بعد أنه يتبادل هذا الاحساس مع معظم الناس لأنه يشعر بنفسه فوق الناس .
أردت أن اعمل تجديدات بمكان عيشتي مع هربرت و رغبت في أن أفاجئه , وأخبرت بذلك السيد جاجرز الذي أمر كاتبه ان يمنحني مبلغ مالي بقدر الذي طلبته لعمل ذلك ، وخلال أسبوع تم التطوير على المكان , وكان هربرت مسروراً جداً ويهنأني على التجديدات التي قمت بتحسينها . وبعد ذلك بفترة جاء لزيارتي جو . لم أكن أريده أن يزورني ويرى أن بيب الذي طالما عرفه قد تغير و صار انسانا ثانيا ، لكنه أتى وبدأ يتفحصني ويتفحص كل ما بالحجرة دون أن ينطق بكلمة واحدة , ثم أتى هربرت وسأله بكل لطف : سيد جارجرى أتريد شاياً أم قهوة ؟ فقال: ارغب في أي شيء تختاره بنفسك . . !.
وبعدها تناولنا الطعام , لكن جو جلس بمسافة غير قريبة من المائدة حتى أنه أسقط طعاماً أكثر مما أكل ، و ارتحت بعدها لأن هربرت خرج وتركنا بمفردنا ، ولأن جو كان يحس بعدم الإرتياح . ثم بدأ جو كلامه بمنادتي يا سيدي , فقلت له غاضبا ً: كيف تناديني يا سيدي! فقال: لقد أخطأت في هذه الزيارة فثيابي ووضعي غير ملائمين لهذه الزيارة , لكنني أرجوك يا بيب إن رغبت في رؤية صديقك القديم أن تأتي إليّ , وتدخل رأسك من باب فرن الحدادة كما كنت تعمل من قبل، ثم ودعني وهو يقول : بارك الله فيك . . بارك الله فيك .. و خرج .
ولعدة أسابيع بعدها ظللت احس بالخجل مما جرى خلال زيارة جو . . ثم وصلتني رسالة تخبرني بوفاة شقيقتي مما زاد خجلي , رغم أنني شعرت بشيء من الراحة . ومرت عدة اعوام و بلغت عمر العشرين . وفي يوم ما قال لي السيد جاجرز أن ستلا عادت من فرنسا أخيراً , وأنها ستقيم في لندن وأنها تدعوني لمقابلتها . . احسست بالسعادة العارمة ، يالها من أخبار عظيمة . . !.
أخبرت صديقي هربرت بحكاية حبي لستلا وقال لي : إنه علم ذلك منذ المرة الاولى عندما قلت له حكايتي , وكيف كنت أذهب إلى منزل الآنسة هافيشام لألعب معها ، ثم أخبرني عن حبيبته كلارا , وقال لي : سوف أجعلك تراها كي لا تشك بأنني أكن المحبة لستلا ، لكنني ارغب في أن تتخلى عن حبك لستيلا , فهي مغرورة و متعجرفة , وأنها صورة طبق الأصل للآنسة هافيشام.
إنهمرت الدموع من عيني لسماع ذلك ، وكنت احترم مشاعر صاحبي هربرت نحوي ، ولكنني لم أستطع أن أزيلها من تفكيري و قلبي .
عندما بلغت سن الواحدة والعشرين , سن الرشد ، أعطاني السيد جاجرز حرية التصرف بنقودي وسمح لي بأخذ قروض محدودة ، كما خصص لي خمسمائة جنيه على مدار السنة ، كما منحني خمسمائة جنيه أخرى كجائزة من مانح الثروة لي لاني بلغت سن الرشد . وبطريقة سرية عاونني السيد وميك بأن وضعت نصف هذا المبلغ في شراء عمل لهربرت في إحدى شركات الملاحة التي انشئت جديدا . شركة كان يمتلكها شاب ذكي و امين إسمه كلاريكا ، كان بحاجة إلى معاون نشيط مقابل أن يساهم بجزء من رأس المال . كان هربرت سعيداً بهذه الوظيفة من دون أن يعرف من المحسن الذي قدم له هذه الفرصة ، وكان يقول لي عن موضوع هذه الفرصة وهو سعيد جداً , واعتبرت سعادته خير مكافأة لي على الصنيع الرائع .
في ذلك الوقت كانت ستلا قد سكنت في لندن , ورتبتْ لإقامتها الآنسة هافيشام مع سيدة أرملة لها إبنة شابة في مثل سن ستلا تقريبا ، وكانت لهذه الأسرة صلات عديدة في الطبقات الراقية , فكثيراً ما كانت تدعوني ستلا لحفلات الرقص التي تُدعى إليها ، وجولات الشراء التي تقوم بها . كان من المفروض أن أكون سعيداً بذلك ، فكثير من الشباب كانوا يحسدونني على صحبتها , لكنني لم أكن أشعر بالهناء والسرور لأن ستلا كانت تعاملني كأخ شقيق لها ، أو معاونا يعمل في خدمتها . وفي أحد الأمسيات سألتني ستيلا : بيب . . هل يا ترى تصدق كل ما يقال من ضرورة ان تتجنبني و تحذر مني . . ؟ فسألتها: هل تقصدين تحذيري من الإنجذاب إليك والإقتراب منك يا ستلا . . ؟ فقالت لي: إن كنت لا تعلم حقيقة ما اعنيه إذاً فأنت أعمى لا ترى . ورغم يقيني بأن الحب أعمى إلا أنني ظللت أعترف لها بحبي..... ثم مللت من ان اظل هما على قلبها . وفي نفس الأمسية دعتني لمرافقتها لزيارة الآنسة هافيشام , لأنها لا تحب السفر بمفردها ، وذهبت معها . بعد تناول الطعام جلسنا بالقرب من المدفأة , وطلبت الآنسة هافيشام من ستلا أن تخبرها بحكايات المعجبين الذين فطرت قلوبهم ، وكم كانت فرحتها شديدة بهذا الكلام , وشعرت بأنها تنتقم من الرجل الذي تركها في يوم زفافها ، ثم جذبت يد ستلا وقرّبتها منها ، إلا أن ستلا جذبت يد الآنسة هافيشام في انزعاج بطريقة أغضبتها , فصاحت باكية : ستلا . . هل تعبت مني ... ؟ فأجابت ستلا بهدوء: لقد تعبت من ذاتي ! صرخت المرأة العجوز واحتدت , وهزت عصاها وهي تقول : ما أنت إلا تمثال بلا قلب ... ! فردت ستلا بنفس الهدو ء: أنت التي علمتيني كيف أكون بلا قلب.. =بكت الآنسة هافيشام وهي تقول: بل علمتك أن تصبحين بلا قلب ضد الرجال فقط وليس ضدي , ويجب أن تعطيني الحب الذي اعطيك اياه ! وعندئذ هوت ستلا رأسها وقالت في أسى : أنت أمى بالتبني , وإنني ادين لك بكل شيء , وسأفعل كل ما ترغبين فيه ، ولكني لا أستطيع أن أفعل شيئا مستحيلا , لقد علمتيني كيف أجعل قلبي بارداً كالصخرة , وعلمتيني كيف لا أحب أحداً , وقد وعيت دروسك جيداً ! عندها لم اقدر أن أشاهد بقية المشهد العجيب ، فتركت الحجرة وخرجت إلى الحديقة , ومع ذلك كنت أسمع توسلات الآنسة هافيشام الحزينة تصل إلى سمعي ..
إنقضت عدة شهور , وبعد عيد مولدي الواحد والعشرين ، شعرت انني صرت غير قادرا على حل المصاعب التي صنعتها بيدي , فقد كنت أرغب بتحرير ذاتي من الديون والإعتماد فقط على مبلغ الخمسمائة جنيه التي يمنحها لي المحسن الكريم في كل عام ، إلا أن ديوني كانت طائلة , فقد كانت لدي ديون للخياط والجواهرجي وغيرهم الكثيرين , بالإضافة إلى التزامي بدفع المبلغ الخاص الكبير لصالح هربرت , والأمل الوحيد الذي كان يراودني هو ان اتخلص من هذه المشكلة أن يقوم الكريم المحسن بإهدائي مبلغاً إضافياً في كل عيد مولد لي . وفي سن الثالثة والعشرين أصبحت أضحك مستهزءا على بيب الذي كان في سن الواحدة والعشرين يعد مبلغ الخمسمائة جنيه ثروة كبيرة جدا , ونسيت حينها بيب الذي كان يسكن في مقاطعة كنت و يعتقد أن مهنة الحدادة هي أفضل مهنة في العالم . ثم توقفت عن تلقي الدروس ولكنني اكملت القراءة والمطالعة لعدة ساعات في اليوم .
وفي إحدى الليالي هبت عاصفة شديدة القوة حالت دون خروجي من البيت , فلزمت البيت واستغرقت في القراءة ، كنت بمفردي , لأن هربرت قد سافر في مأمورية تتعلق بعمله بالشركة الملاحية . وفي الساعة الحادية عشرة قبل منتصف الليل, تنبهت إلى صوت أقدام في الممر الخارجي من المنزل , ولشدة العاصفة كانت الأنوار كلها مطفاة , لذا أخذت مصباح القراءة وفتحت الباب وقلت : مَن هناك وماذا تريد ، وفجأة اقترب رجل وسألني أين من الممكن ان ارى السيد بيب؟ فقلت له : أنا بيب ماذا تريد , ففرح عندما عرف أنني أنا هو بيب ومد يده للمصافحة لكنني لم أمد يدي وقلت : من أنت ؟ فقال : ارغب في أن أشرح لك بعض المواضيع , فاضطررت لان ادعوه للدخول . كان في نحو الستين من العمر وهو مفتول العضلات , وما إن وصلنا إلى حجرة الجلوس حتى أخذ يخبرني أنه قطع رحلة محفوفة بالمخاطر طويلة كي يراني !!! وبعد برهة عرفته !!! لقد كان السجين الذي كان هاربا , وطلب مني الطعام والمبرد عندما كنت أزور قبر ابواي وأنا طفل صغير، حينها شعر أنني عرفت من هو فمد يده مرة ثانية فسلمت عليه ، حينها أمسك بيداي وقبلهما وقال : لقد كنت نبيلاً معي يا بني ، وسأظل أذكر أبداً بيب النبيل الكريم الذي منحته لي فيما مضى .
كنت كارهاً زيارته , وتمنيت ان يرحل في اسرع وقت ممكن ، لكنه بدأ يخبرني عما جرى معه في السنوات القليلة الماضية ، حيث أن المحامي جاجرز ترافع في قضيته , وحرره من حبل المشنقة على أن يسافر من لندن و لا يعود إليها أبداً ، وأنه عاش حياة ناجحة في نيوساوث ويلز التي تقع في استراليا , ولديه مزرعة وقطيع من الغنم ، وكيف أنه عمل وكسب النقود , وأقسم بهذا المال أن يجعل الصغير بيب الذي عاونه أن يكون رجلاً نبيلاً . وبدأ يكرر لي إسم المحامي الذي كان وصياً عليّ , والشروط التي كان علي ان التزم بها قبل أن أقبل بهذه الثروة , مما جعلني متأكداً من حديثه ، وبسبب هذه الحقيقة المرة خارت قواي ، و صار حلمي أن الآنسة هافيشام هي من خططت لمستقبلي كي تجعلني أليق بستلا يتبخر ويتبدد . وأخذ رأسي يدور و يلف حتى كدت أتهاوى وأنا أحاول الجلوس , فعاونني على الجلوس وركع أمام ركبتي وقال : نعم يا بيب يا بني العزيز . . لقد جعلت منك جنتلمان اصلي ، ثم وقفت مستسلماً عندما سألني وهو يتثائب : والآن أين في مقدوري ان ارقد ؟ فقلت له : يمكنك النوم مكان زميلي الغائب ، لكنني لم احس تجاهه بأي من المشاعر كما أبدى هو لي.
آبيل ماجويتش هو إسم السجين الفار من سجنه , وهو نفسه المحسن الذي تبرع لي بكل هذه الثروة ، وبما أنه رجع إلى إنجلترا رغم أنه سوف ينفذ به حكم الإعدام فقد رجع فقط حتى يراني , وهنا كان يجب عليّ أن أبرر للناس وجوده عندي على أنه خالي , وقدم للزيارة لبضعة ايام ، وعودته هذه خلقت الكثير من المشاكل , وكان عليّ أن أحلها واحدة تلو الاخرى .
وأول ما قمت به أنني استأجرت لآبيل ماجويتش مكانا ليسكن فيه قريبا من المكان الذي اقطن فيه , واشتريت له ملابس مزارع كي يتنكر بها.. ونظرت إليه وهو نائم على الأريكة و هو يلبس ثيابه الجديدة ، فكنت مضطرب القلب مشتت البال . . وخيل إلي أن أفضل حل أن أركض خارجاً من الحجرة . . ومن المنزل بل من لندن وإنجلترا كلها . .
في اليوم التالي رجع صاحبي هربرت ، فجعله ماجويتش يقسم على الكتاب المقدس الآن أنه لن يفشي أي سر يسمعه ، فأقسم هربرت وأخبرناه بكل شيء, ثم ذهب ماجويتش إلى بيته الجديد وبقينا أنا وهربرت نتكلم إلى ما بعد منتصف الليل . إنتهيت إلى قرار أنني لن آخذ من ماجويتش اي نقود بعد الآن , رغم أنني مغرق في ديوني ، لكن هربرت قال لي أنني سوف أؤذي مشاعره, وقد يسلم نفسه للسلطات إن رفضت أن أنفق من امواله , وقال لي هربرت : إن أفضل حل أن تقنعه على ان يترك إنجلترا أو أن تغادر معه . . ! =شعرت بالدهشة لكن هربرت أكمل حديثه قائلا : سافر معه إلى أي بلد آمن , واتركه هناك ثم عد بمفردك , وسوف أجد لك شغلا معي في شركة كلاريكار.. ، ورأيت أن هذا هو الحل الانسب .
وبينما كنت أدبر هذه الترتيبات وصلتني دعوة من ستلا تقول لي فيها أنها سوف تتزوج من بنتل درامل . إعترضتُ عليه لكنها قالت بكل خفة : إنها صفقة رابحة , فهو ثري جدا وأنا قررت أن أتزوج به .
إنتهى هذا الكلام المؤلم مع ستلا ، وخرجت أتجول بلا اي غاية في شوارع لندن شقياً تعيساً واليأس يمزق فؤادي ، ولم يسعدني أو يواسني قولها : إياك أن تعتقد أنني سأجعل منه زوجاً سعيداً..
رجعت الى منزلي في وقت متأخر لأجد وميك ينتظرني كي يقول لي أخباراً مهمة , وقال : بدون ذكر أسماء كما تعلم ، إن السيد جاجرز وصلته انباء من أحد المجرمين في المجتمعات الرخيصة , أن هناك إشاعة ينشرها شخص اسمه كمبايسون , عن وجود ضيف من نيو ساوث ويلز ، ومن المتوقع أن تصل هذه الشائعة إلى السلطات في أي دقيقة .
كنت مستاءاً وقلت: لا يمكن أن تمسك به الشرطة , لا بد من عمل أي شيء..! ثم قال وميك : ولأنك قد تكون مُراقباً , فقد تم نقل الضيف في أثناء غيابك ، والسيد جاجرز سوف يظل على تواصل معك لاتخاذ بعض الترتيبات ، فقلت له: أعرف ما هي الترتيبات , لا بد أن ننقله خارج إنجلترا , و سانتقل معه إذا رفض ان يسافر وحيدا ، فقال وميك : عظيم وسوف يتصل بك السيد جاجرز ليقول لك متى سيكون الوقت المناسب للتنفيذ ووفق خطة محكمة ، و قال لي أن لا أذكر إسم كومبايسون أمام الضيف , لأنه لو علم أنه موجود في لندن سوف يتعقبه , ولن يتركه إلا بعد أن يقضي عليه .
وعندما وصل هربرت إلى المنزل , علمت أنه خبأ ماجويتش في منزل صاحبته كلارا برلي التي تسكن مع ابوها المتقاعد ، فقررت زيارته , و قلت له أنني وهربرت وجدنا خطة حتى يتم تهربيه من إنجلترا كلها ، لكنه لم يرضى بذلك وقال : إنه سيبقى هنا ، ثم أقنعته بأنني سوف أسافر معه فاستسلم لفكرتي . قمت بشراء قارب كي أجدف به انا و هربرت يوميا , كي يعتاد الناس على فكرة وجود قارب في النهر , حتى يحين موعد الفرار دون لفت انتباه الناس , فنصل بالقارب إلى إحدى السفن التي تبحر إلى خارج المنطقة ، وهناك بعض القباطنة على استعداد للسماح لنا بالسفر مقابل بعض الاموال . وطول وقت الزيارة بقي ماجويتش يمسك يداي بكلتا يديه بعطف و رقة ، ولم يتركها إلا عندما تأهبت لان اغادر ، وبطبيعة الحال لم أخبره عن نيتي في ان اتركه بأي مكان آمن خارج إنجلترا و الرجوع منفردا .
ولكي أوفي ديوني بعت مجوهراتي , لكن قيمتها لم تغطي كل الديون فقررت أن ألجأ إلى الآنسه هافيشام , كي تدفع الجزء المنصوص عليه لصالح هربرت في شركة كلاريكار . تحضرت للسفر , وفي طريقي انتقلت إلى السيد جاجرز لكي أبلغه بالخطة التي وضعتها لكي اهرب ماجويتش , حينها دخلت الخادمة موللي لتجلب الطعام ، كانت دائماً تنظر إلى الارض . وضعت موللي الطعام على مائدة صغيرة , وعندما نهضت طرقت بصينية الطعام , وسالت بعض الشوربة على المفرش , نظرتْ إليَّ بقسوة !!! لحظتها احسست بأنها تشبه ستلا إلى أبعد حد وخصوصاً عندما تقسو و تغضب من شيء ما , فلها نفس النظرة ونفس الخدين. ولما خرجتُ من عند السيد جاجرز, جلست انا السيد وميك على انفراد وسألته من تكون موللي ؟ والصدمة عندما قال لي أنها قاتلة أنقذها السيد جاجرز من حبل المشنقة ، حيث خنقت امرأة بعد أن تأكدت أن زوجها منجذبا اليها بسبب الغيرة, وقيل أيضاً أنها قتلت ابنتها , لكن ذلك غير صحيح فإن طفلتها ما زالت حية . بقيت أفكر بهذه السيدة وبالشبه الكبير بينها وبين ستلا , إن الشبه تام بين عينيها وعيني ابنتها ، إذن موللي هي أم ستلا ، وقد ظلت في خدمة السيد جاجرز مقابل أن جعل لأبنتها حياة مريحة مع الآنسة هافيشام .
وصلت إلى منزل الآنسة هافيشام و قلت لها بكل ما ترتب على لقاء معاونتي لهربرت ، وقلت إنني أحتاج إلى تسعمائة جنيه لأوفي بهذا العون، فقالت بصوت حالم : إن هربرت يستحق المساعدة , فإن ابوه في يوم ما قدم لي نصيحة , لكنني للأسف لم آخذ بها ففقدت هنائي و راحتي , وعشت في تعاسة وشقاء , ليتني استمعت لتلك النصيحة الثمينة ، وقالت إنها ستعطيني المال مقابل أن يبقى سراً عن هربرت ووالده فوافقْتُ على ذلك. =وعندما هممت بالخروج سألتني إن كنت قد عرفت اي انباء جديدة عن ستلا , فقلت لها : إنني أعرف أنها ستتزوج , لكن هل الزواج حصل ! فأجابت : نعم للأسف. وقتها تغيرت ملامح وجهي ووضعت يداي على وجهي ، فقالت : إنني أرى بوجهك نفس العواطف التي كانت في وجهي منذ سنوات قديمة , سامحني يا بيب ما كنت أنوي منذ البداية شراً , أردت لستلا مستقبلاً لا تعاني فيه ما عانيته .
غفت الآنسة هافيشام في كرسيها , وخرجتُ لامشي في البيت وعبر الممرات الطويلة ، وفجأة سمعت صرخة دوت بشكل عالي جدا , ذهبت إلى مصدرها فوجدت الآنسة هافيشام قادمة والنار تمسك بفستان زفافها وطرحتها , لففت معطفي حولها و بمعاونة الخدم أطفأنا النار, ثم حضر الدكتور وداوى جروحي وداوى الآنسة هافيشام والتى كانت غائبة عن الوعي .
في اليوم الذي يليه رجعت الى منزلي في لندن , وكنت ما أزال أعاني من الصدمة والآلام بسبب الحروق التي بيدي , وإ صابتني بالحمى وارتفعت درجة حرارتي , لذا قام هربرت بانهاء بعض المهام عني , وما إن استعدت عافيتي حتى ذهبت إلى مكتب السيد جاجرز و منحته الرسالة المرسلة من الآنسه هافيشام , ثم قام بتحرير شيكاً بإسم كلاريكار بقيمة تسعمائة جنيه ، وأتى كلاريكار إلى مكتبه أيضاً واستلم الشيك , وبذلك صار هربرت شريكاً كاملاً في شركة الملاحة، واشترط أن ينتقل هربرت إلى الشرق الأوسط ويدير أهم فروعنا الخارجية .
أخذني مستر جاجرز الى مكان بعيد وقال لي : بدون ذكر أسماء , لقد حان الموعد للضيف القادم من نيوساوث ويلز أن يترك إنجلترا و يغادر بعيداً , لأن السلطات أوشكت أن تعرف موقعه . رجعت الى المنزل وأخبرت هربرت وكنا يائسين , فأنا الآن يدي مربوطة ومصابة بالحروق , فليس في استطاعتي أن أمسك بالمجداف ، لكن هربرت إقترح أن نطلب المعاونة من صديقي الذي كان يتعلم معي عند ابوه وهو ستارتوب , لأنه كان أميناً ويمكن ان نثق به و نعتمد عليه . وافق ستارتوب على ما طلبناه منه بدون تردد.
قمنا أنا وهربرت بزيارة ماجويتش بعد أن تأكدنا من أنه لا أحد يلاحقنا , لنخبره بخطة الهروب ووقتها ، وما إن رأى حروقي حتى أخذ يهتم بها أكثر من ذاته ، وقال : إنني أهتم بمصلحتك أكثر من أي شيء ، أنت اقرب الي من إبن حقيقي خرج من صلبي ، وأعز من ابنتي التي خسرتها وهي صغيرة ، فقلت له: لم تخبرني بأن لك ابنة قال حينها : بما أنكما ترغبان في أن تعرفا كل شيء عني , فسوف أحكي لكما حكايتي . إتكأ على الكرسي وأشعل غليونه وبدأ يحكي لنا حكايته : لقد نشأت دون أن أعرف ابواي ، وقضيت أغلب عمري بالسجون ، ما إن أخرج منها حتى ارجع إليها .. وفي زمن بعيد تزوجت من فتاة نص غجرية وأنجبت ابنة صغيرة , ولكن زوجتي كانت حادة الطبع فخنقت إحدى النساء بعد أن تأكدتْ أنني منجذب اليها ، وهددتي بأن تقتل طفلتنا انتقاماً مني ، ثم اختفت هي و ابنتي قبل أن أفعل أي شيء . وبعد فترة عرفت أنه تم القبض عليها وتقديمها للمحاكمة بتهمة القتل , ودافع عنها السيد جاجرز, وحصل لها على حكم البراءة . وكانت تلك اول مرة أسمع بإسمه ، لكن كان عليَّ الاختباء كي لا أذهب للشهادة بأن زوجتي قد قتلت ابنتنا الصغيرة . هل عرفت الآن يا بيب لماذا أعتبرك إبني الوحيد؟.
بعد أن أخبرنا بهذه الحكاية اضطرب قلبي , وجعلني غير قادر على النطق بكلمة واحدة . وبدأ يكمل حكايته , وأخبرني أن الرجل الذي كان يضربه في الحفرة في مقاطعة كنت عندما كنت ولدا , كان العقل المدبر لكل الجرائم ، فهو الذي كان يخطط وكان هو الذي ينفذ , وهو نفسه الذي شهد ضده في المحكمة وتسبب بحبسه ، وتم إطلاق سراح الشاهد . وهنا أقسم ماجويتش أن ينتقم منه . وبحث عنه حتى قالت له زوجة الرجل أنه متفرغ لخداع إحدى النساء الغنيات في مقاطعة كنت ، فذهب هناك ليلاحقه , وآثر عدم الهرب بعد أن فك القيد كي يمسك به ويعيده للحبس , وكان إسمه كومبايسون.. وعندما سمع هربرت بهذا الإسم انتفض مصدوما لكنه لزم الصمت . وبعد أن انتهت زيارتنا لماجويتش خرجنا وبدأنا الكلام . و قلت ل هربرت ما حصلت عليه من تفاصيل من السيد وميك بخصوص قصة الخادمة موللي , وربطت بينها وبين الحكاية التي قالها ماجويتش , وقلت في النهاية : إذن ماجويتش هو والد ستلا بعينه !. . .
لكننا اتفقنا على أنه لا فائدة من الافصاح عن ذلك وأقسمنا على حفظ هذا السر، ثم قال لي هربرت أن كومبايسون هو ذات الشخص الذي أحبته الآنسة هافيشام, وكان سبباً في بؤسها على مر السنين .
قررنا تنفيذ خطة الفرار يوم الأربعاء , وفي يومي الأثنين والثلاثاء سألنا عن السفن التي سوف تبحر خارج البلاد يوم الاربعاء , واتفقنا مع سفينة سوف تتوجه إلى هامبورج بألمانيا ، وكانت خطتنا أن نجدف في القارب حتى نصل منزل كلارا حبيبة هربرت , ومن هناك يصعد معنا ماجويتش ، ونواصل التجديف إلى البحر وننتظر في مكان ملائم الباخرة المتوجهة إلى هامبورج .
وفي يوم الأربعاء وبعد أن تأكدنا ان لا احد يراقبنا في المكان ذهبت انا وهربرت وستارتوب بالقارب إلى منزل كلارا , وهنا نزل معنا ماجويتش الذي كان دائماً يشكرني على معاونتي له ، وأكملنا إلى نهاية النهر بين مقاطعة كنت ومقاطعة إسكس , و امضينا المساء كله في حانة بعيدة عن الاعين على الشاطئ . وفي الصباح الباكر رأيت رجلين يفتشان قاربنا وعندما لم يجدوا شيئاً تركوه . ثم أبحرنا بالقارب إلى مكان منعزل من الشاطيء , وفي الواحدة والنصف رأينا الباخرة قادمة باتجاهنا ، ودّعت هربرت وستارتوب , وكانت أعيننا أنا وهربرت مغرورقتين بالدموع . وعندما اقترب قاربنا من الباخرة , إقترب أيضاً قارب آخر وعليه رجل يعطي الأوامر, نادى علينا وقال : معكم سجين مطرود من إنجلترا و لا يمكنه ان يعود اليها و من الواجب عليكم ان تعاونونا لالقاء القبض عليه ,. قام القارب الآخر بسد الطريق أمام قاربنا ومنعه من الابحار . ومد الرجل الذي يعطي الأوامر يده وأمسك ماجويتش من رقبته وبدوره ماجويتش أمسك عباءة الرجل وسحبها عنه فبانت هويته , لقد كان كومبايسون بعينه , ولكنه من شدة الخوف تراجع الى الوراء . قفز ماجويتش إلى القارب الآخر , وإزاء هذه الحركة انقلب قاربنا بمن فيه . انتشلونا الرجال من الماء وأمسكوا بماجويتش وكتفوا رجليه و يديه , وهكذا باءت خطة الفرار بفشل ذريع . .
كان ماجويتش يتنفس بصعوبة بسبب جرح كبير في صدره وجرح ثاني في رأسه . وقد أصيب بهما بعد أن ضربته الباخرة التي كنا ننوي ان نهرب بها ، واحتضنْته بين يدي . وبأنفاس لاهثة أخذ يقص علينا كيف أنه انقض على كومبايسون وألقاه في الماء , وكيف تضارب الرجلان إلى أن انتشلوه وحده من الماء دون أن يعلم ما جرى لكومبايسون ، فقد اختفى . ثم ظهرت جثته على الشاطيء فيما بعد .
تم القبض على ماجويتش وقال الضابط: إن كل ممتلكات السجين بما فيها ملابسه المبتلة و امواله مصادرة , لذا لا بد أن تسلم إلى السلطات في لندن ، لكني لم اقول ل ماجويتش لأن هذا سيحزنه بشكل كبير , وأمسكت بيده فابتسم لي بحنان وقال : لقد كنت أعرف أن رجوعي إلى إنجلترا مليء بالمخاطر , لكني كنت ارغب في أن أراك يا بني العزيز وقد رأيتك و فرحت بك , وراضي لأنك صرت تحيا كجنتلمان . تأثرت بكلامه وبكيت وقلت له : سوف آتي لزيارتك وسأكون معك على الدوام كما كنت معي دائماً .
ثم حُول إلى المحاكمة وأخذ السيد جاجرز يدافع عنه , ويقدم شهادات تدل على توبته عن الإجرام , لكن المحكمة و القاضي قرروا أنه مذنب ولا يمكن أن يفلت من الإعدام . لكن بسبب صحته غير الجيدة بقي في مستشفى السجن وسُمح لي بزيارته كل يوم ، وفي كل يوم كان يصير أسوأ من ذي قبل.
وفي زيارتي العاشرة رأيت أن في عينيه لمعة , وكان ممتنناً لي ويقول : إنك أول زائر قبل كل الزائرين . أمسكت يده وبقيت ساكتا لأنني لا يمكن أن اقول له أنني دبرت خطة الهروب لأتخلى عنه في أي مكان بعيد عن انجلترا ، وهو كان يتحدث معي وهو يلهث وبضعف , ثم أخذ يدي ووضعها على قلبه وقال : إنك أكثر من إبن بالنسبة لي ، وأنا أشكرك لأنك بقيت معي ولم تهجرني وحيدا ، حينها قررت أن اقول له سر وقلت له : سأقول لك سراً فهل تقدر أن تفهمني ، فضغط على يدي ليقول لي أنه يفهمني ، حينها قلت له أن ابنته التي كان يظن أنها قتلت ما زالت على قيد الحياة , وقد تربت و درست في فرنسا وعادت , والآن تحيا كسيدة محترمة في هذا المجتمع , وهي الآن جميلة جداً بل وأكثر النساء فتنة و جمالا . . وأنا أحبها من كل قلبي ! حينها أمسك بيدي وقبلها بضعف , ثم ازداد شحوب وجهه ومالت رأسه , ومات ماجويتش...
لم أخش مشاهدة الموت بل احسست بالهدوء والإرتياح والسلام ، ولن أنسى إلى الأبد مشاعر الحب الجميل وهو يقول لي : يا بني العزيز . . !
أخيراً أفقت إلى نفسي وإلى أحوالي التي تراجعت الى الاسوء بسبب الديون ، وكان عليّ أن أؤجر شقتي من الباطن لأنها صارت غالية التكاليف , خصوصاً بعد أن سافر هربرت إلى القاهرة في مصر . وقد وعدني بعمل في هذا الفرع فى أي وقت ارغب فيه , لكنني لم اقدر ان اعمل ، فقد مرضت وزادت حالتي سوءاً. وفي يوم من الأيام رأيت شخصين وقلت لهما : من أنتما ، فقالا : نحن جئنا لكي نقبض عليك بسبب كثرة الديون ، فقلت : بودي أن آتي معكما لكنني مريض فذهبا ، وبعدها أصبت بالحمى ومن كثرة الهذيان كنت اتصور أن كل من رأيتهم بحياتي متواجدين حول فراشي ، وعندما تختفي كل الوجوه يبقى وجه واحد هو جو جارجرى ، وحين قلت له : هل أنت جو , أنت هنا ؟ فابتسم بسعادة وقال: نعم يا بيب يا صاحبي العزيز . .!
إنخرطت في البكاء وكان بكاءاً صادقاً يعبر عن شعوري بالندم ، لكن صديقي جو قال : لقد كنا اصحاب و سنظل دائما هكذا ، وبقي يهتم بي لمدة شهر حتى شفيت تماماً ، حينها أخبرني أن الآنسة هافيشام توفت متأثرة بحروقها ، وأن ستلا ورثت كل ممتلكاتها و اموالها .
وبعد أن شفيت تماماً صحيت في الصباح فلم أجد جو , ووجدت مكتوب وداع, كتبها بيده بعد أن علمته الكتابة بيدى ، ومعها إيصال يقول لي فيها أنه دفع كل ديوني التي تأخرت في دفعها . وتذكرت الماضي السعيد البعيد , والهواء النقي في مستنقعات كِنت وتلك الأيام السعيدة . وفجأة قررت أن ارجع إلى كِنت وأطلب يد بيدى للزواج .... وصلت إلى هناك إلى كِنت ، رأيت بيدى في ثوب الزفاف وجو إلى جانبها ، رحبا بي و احتضناني , فباركت لهما على زواجهما وأخفيت خيبة أملي . ثم رجعت إلى لندن , وبعت كل ممتلكاتي وسويت أموري ثم سافرت إلى القاهرة . في مصر عملت موظفاً بفرع شركة كلاريكار مساعدا لهربرت، و سكنت مع هربرت وزوجته كلارا.
عملت بجد وحصلت على كثير من النجاح و التقدم فسددت كل ديوني وأصبحت أعيش حياة سعيدة , وكنت أكتب بين الحين و الثاني رسائل لجو وبيدى . =لم يقدر كلاريكار أن يحتفظ بالسر , و قال ل هربرت أنني أنا الذي دفعت حصته كي يصير شريكاً له ، فازدادت محبة هربرت لي.
وبعد إحدى عشرة عاما رجعت إلى كِنت لزيارة جو ، كان يجلس قرب المدفأة و مقابله بيب الصغير ، وعندما رآني جو قفز يرحب بي و يحتضنني , وجاءت بيدى وقبلتني من شدة السعادة برجوعي . قضيت معهما عدة أيام و صار بيب الصغير يحبني ويتمسك بي , كما كنت اتمسك بجو و احبه في صغري . ثم رحلت , وفي طريقي رغبت في أن أزور موقع الآنسة هافيشام , لكنه أصبح مجرد أطلال ، بيت محروق ولم يظل منه سوى الحديقة ، وراحت الذكريات تدور في رأسي .. ذكريات ستلا ، كنت قد عرفت أن ستلا عاشت حياة بائسة حتى أنها تركت زوجها , أما بنتل زوجها فقد لقي مصرعه في حادث . وفجأة لمحت ظل فتاة , وعندما اقتربت منها صرخت : ستلا , فقالت بنعومة : بيب ... هل عرفتني!! قالت لي أنها باعت كل ممتلكاتها وهذا المنزل آخر شيء , وأنها جاءت لتلقي نظرة أخيرة عليه , و قالت لي أنها كانت تلوم نفسها على تجاهل حبي الصادق لها أيام جهلها و غرورها , وأنها تحتفظ لي بمكان عزيز في قلبها , فأمسكت بيدها وقلت : ولكنك كنت في أعز مكان في قلبي دائماً . .
النهاية.
نحن نقدم قرض عاجل هنا جميع المشاكل المتعلقة القرض هو حل بين فترة قصيرة من الزمن مع انخفاض معدل الفائدة من 3٪ والمدة أكثر من 20 عاما ما تنتظرون تطبيق الآن وحل مشكلتك أو بدء الأعمال التجارية مع دفع القرض من مختلف الفواتير فقط مراسلتنا الآن في
ردحذفjameshenryloancompany40@gmail.com
واتساب نومبر: 2348110133466+
انتباه!!!
ردحذفأنا السيدة مارثا Ingrams ، مقرض قرض القطاع الخاص الشرعي ، هل تحتاج إلى
قرض للعمل أو لسداد فواتيرك؟ إذا نعم نحن نقدم جميع أنواع
المساعدة المالية لجهات التعاون والأفراد المحتاجين
المساعدة المالية، ونحن نقدم جميع انواع القروض بسعر فائدة منخفض
2.5٪ لتطبيق البريد الإلكتروني لنا الآن عبر: rexlenders.finance@gmail.com وسنقوم بذلك
المضي قدما على الفور مع عملية القرض الخاص بك ، يتم تسليم القروض ل
العملاء في غضون 24 إلى 48 ساعة. لتطبيق الاتصال بنا عبر البريد الإلكتروني:
rexlenders.finance@gmail.com
شكر
السيدة إنجرام مارثا
المدير العام
الهاتف: +13302994370
هل تبحث عن قرض لحل احتياجاتك المالية؟ إذا كان الرد بالإيجاب ، تقدم بطلب هنا الآن لأننا نقدم قروض غير مضمونة لمواطنين مختلفين يحتاجون إلى مساعدة مالية ويجدون صعوبة في الحصول على قرض من البنوك وهيئات إقراض أخرى
ردحذفالبريد الإلكتروني: (marketinghermesinvestment@outlook.com)
صفقة فورية قريبة لأي نوع من القروض تطبق اليوم !! @ هيرميس الرهن والخدمات المالية ، هي شركة القرض الخاص صادق ومصدقة
ردحذفبعد موافقة الحكومة ، نقدم قروضا دولية ومحلية لجميع دول العالم ، المبلغ الممنوح
نحن نقدم القروض مع ضمان يمكن الاعتماد عليه لجميع عملائنا. أسعار الفائدة على القروض منخفضة للغاية وبأسعار معقولة مع مدة قابلة للتداول.
متوفر في الوقت الحاضر
الرهن العقاري والشخصي ، والسفر ، والطلاب ، وتوسيع نطاق الأعمال التجارية الجديدة غير المؤمنة ، والأمن ، وتوحيد
التقدم بطلب للحصول على قرض اليوم مع مبلغ القرض الخاص بك ومدته ، وسهل وسريع للحصول عليه. أسعار فائدة 3٪ ومدفوعات القسط الشهرية.
للمزيد من المعلومات:
يجب على أي مقدم طلب مهتم الاتصال بنا.
البريد الإلكتروني: (marketinghermesinvestment@outlook.com)
الصفحة الرئيسية: http://hermesinvestmentmanagement.yolasite.com/
شكرا وانتظرت طلبك
تحياتي الحارة
هيرميس لإدارة الاستثمار
ردحذف2 ٪ الائتمان مقبولة الآن *
هناك حاليًا العديد من الأسباب التي تجعلك تحصل على الائتمان: توحيد الديون بمعدل أفضل ، تحسين المنزل الذي حلمت به ، تمويل السيارة ، بدء نشاط تجاري ، قيادة عطلة كبيرة ، التخطيط للمشاركة في حفلات الزفاف ، بعض النفقات الطبية غير المتوقعة أو ربما بعض سبب آخر معا. بغض النظر عن الأسباب الخاصة بك ، فمن المرجح أن تكون طريقة بسيطة ومعقولة للحصول على قرض بالإضافة إلى المال لحسابك المصرفي.
البريد الإلكتروني اليوم: oman_insurance_investors@outlook.comتحياتي للجميع
ردحذفتحياتي للجميع
صباحا ابيل المقيم/مواطن من الولايات المتحدة. انا سيده بعمر 51 سنه لقد واجهت صعوبات في تمويل المشروع/الاعمال. إذا لم يكن صديقا جيدا ، وقال انه أعطاني مستثمر في عمان من بنك المال للحصول علي قرض من $100,000 من شركه حسابه. عندما اتصلت بهم ، استغرق الأمر 48 ساعة فقط للموافقة علي القرض وتحويلها إلى حسابي بعد جميع الإجراءات المنصوص عليها في اتفاق القرض/الشروط والاحكام واستوفيت. حتى لو كان رصيدك سيئه لا يزال يقدم لك الخدمة إذا كنت في حاجه ماسه للمساعدة المالية ، يمكنك الاتصال بهم اليوم للحصول علي قرض من خلال هذا العنوان البريد الكتروني: oman_insurance_investors@outlook.com أو ما هو sapp + 15109846429
ردحذفمرحبا بكم في القرض العماني المستثمر ، ونحن نقدر التعليقات الجيدة التي كانت تعمم حول الإنترنت عن عملنا جيده ، وشكرا لجميع اننا قد اتخذت قرض من شركتنا. الآن دعوانا نحصل علي ما نفعله بشكل أفضل مره أخرى هل تحتاج إلى قرض عاجل ؟ القرض ربما توسيع أو بدء الاعمال التجارية الخاصة بك ؟ أو كنت في حاجه إلى قرض للتعليم أو لدفع الديون الخاصة بك ، مع انخفاض معدل الفائدة تصل إلى 2 ٪ من شانها ان تناسب اي عميل سوف تستمتع خدماتنا. لذا اتصل بنا الآن عبر البريد الكتروني: oman_insurance_investors @ Outlook.
شهادة على كيفية الحصول على قرض من المقرض العقاري عبر الإنترنت الحقيقي 2018
ردحذفتحية للجميع
هذه هي الطريقة التي حصلت بها على قرض من بنك قروض عبقرية
تجربة ممتازة مع هذا القرض وكالة على الانترنت ولكن لا أشعر أن به
جيد أن نعلمك أين وكيف حصلت على طفلي المالي
أنا السيدة كارولينا راسل ، في وقت سابق من هذا العام ، كنت أواجه
الأزمة المالية كانت أعمالي منخفضة لدرجة أنني اضطررت لبيع سيارتي حتى أتمكن من ذلك
دفع عمالي وإيقاف فواتري حتى يوم واحد ، كنت مشغول التحقق
الاعلان على الانترنت وجدت شركة وقررت أن محاولة ، قررت أن تأخذ
خطوة جريئة وأخبرتني الشركة بأنني سأحصل على قرضي في 24
ساعات مع انخفاض سعر الفائدة 3 ٪ ، كان مثل حلم بالنسبة لي كما في الساعات 12-24 القادمة ، تلقيت
قراري من السيد باتريك اليوم أنا امرأة سعيدة لأن حلمي جاء أخيراً ، لقد دفعت لي
فواتير ، زيادة عملي وأبقى رأسي فوق الماء وأنا سعيدة للغاية لأنها تقدم الأعمال
قرض وكل أنواع القروض وأنا المشورة الجميع من أنت الذي يغرق ماليا أو بحاجة إلى قرض
الاتصال بالسيد باتريك مايكل على هذا البريد الإلكتروني: (Patrickloans15@gmail.com)
إذا كنت في أي وضع مالي فهو قادر على مساعدتك لأنه ساعدني في الحصول على قرض جيني
السيد باتريك هو مقرض قرض جيد وموثوق به
إذا كنت هناك تبحث عن قرض هنا تأتي فرصة جيدة بالنسبة لك لتقديم طلب عاجل وتكون ناجحة.
تطبق بسرعة معهم اليوم والحصول على قرضك دون أي خسارة
Patrick Loans Ltd هي شركة معتمدة وموثوقة للقروض وسوف تدلي بشهادته
كل الشكر للسيد باتريك ، الذي ساعدني في حل مشكلتي المالية
مرة أخرى ، التقديم معهم عبر هذا البريد الإلكتروني: PATRICKLOANS15@GMAIL.COM
عرض قرض عاجل ، تطبق اليوم إذا كنت بحاجة إلى قرض عاجل من أي نوع.
ردحذف(williamloans14@gmail.com)
اهلا وسهلا بكم في هذه الشركة في هذه الشركة نحن نقدم قرض شخصي
والقروض التجارية لسعر الفائدة من 2 ٪ فقط ، ونحن نقدم قرض من
4000 دولار إلى 5،000،000 دولار
إذا كنت بحاجة إلى قرض لعملك أو لتسديد ديونك ، فيرجى الاتصال بنا في أقرب وقت ممكن لمعالجة نموذج طلب القرض الخاص بك
تعبئة نموذج طلب القرض والعودة الآن.
1. الاسم الكامل: _________________
2. رقم الهاتف: __________________
3 - البلد: ___________________
4. الجنس: _____________________
5. المهنة: _______________________
6. الدخل الشهري: ______________
7. مبلغ القرض مطلوب: ___________
8- المدة: __________
9- السن: _______________________
اتصل بمكتبنا مع البريد الإلكتروني أدناه البريد الإلكتروني: williamloans14@gmail.com
WhatsApp: +15186788475
مع تحياتي،
وليامز القروض.
اسمي أكبر الباكر من مدينة الوكرة في قطر
ردحذفلم أكن أؤمن بمؤسسات الائتمان المقرضة حتى الآن. (loancreditinstitutions00@gmail.com)
مرحبًا بالجميع ، لقد كنت حقًا محبطًا للغاية بعد أن خسرت كثيرًا وواجهت صعوبات مالية ، لم يكن هناك من يساعدني وكل ما يمكنني فعله هو مجرد الجلوس ومشاهدة عملي وهو ينهار ويكاد أفقد ابني بسبب المرض. لكنني التقيت بزميل جامعي قديم أخبرني عن القرض الذي حصل عليه من مؤسسات الائتمان المقرضة وحتى الآن ، ساعدت الشركة العديد من أصدقائه الذين يسعون للحصول على قرض. لذلك أخبرته أن الحصول على قرض لم يعد هو أسلوبي بسبب خيبة الأمل من البنك الذي أتعامل معه وشركات القروض الأخرى التي وثقت بها ، لكنه أصر على التقدم بطلب للحصول على قرض بقيمة 45000 دولار ، ويمكنني الآن تعزيز استعادة شركتي إلى مجدها الكامل. سأستمر في الإدلاء بشهادتي نيابة عن مؤسسات الائتمان المقرضة لأنها جعلتني رجلاً مرة أخرى. لذا ، إذا كنت مهتمًا بالحصول على قرض من أي نوع ، فقم بإرسال بريد إلكتروني إليهم اليوم عبر: {loancreditinstitutions00@gmail.com} أو WhatsApp +393510483991