القائمة الرئيسية

الصفحات

تلخيص رواية كيغار: منى سلامة - إعداد واشراف: رجاء حمدان









لسماع الرواية والاشتراك بالقناة ...قناة راجو شو... الرابط التالي : 


تلخيص رواية
كيغار: منى سلامة
إشراف وإعداد: رجاء حمدان




وقف متململاً يستقبل خيوط المطر فوق رأسه الذي اشتعل شيباً, نظر إلى عقارب الساعة الكبيرة الذهبية لتشير إلى السابعة وعشر دقائق, وعندما هم بالعودة إلى بنايته مرة ثانية , ظهرت على حين غرة سيارة تاكسي , توقفت مقابله تُقدم إليه دعوة صامتة حتى يركب في المقعد المجاور للسائق. لبى الدعوة, إنطلقت السيارة تشق طريقها وسط شوارع العاصمة فقال : " كل هذا التاخير يا فرغلي , ما يهمني الان هو ان اكون في سيوة اليوم , لدي غلطة ان الاوان لان اصلحها ,  ".
 حل الصمت ضيفاً مُرحباً به بينهما طوال اول ساعة , إلا من بعض كلمات بسيطة كل فترة و فترة , حيث بدا الرجل واجماً لا رغبة له في الكلام . دس يده في جيب سترته الداخلية وأخرج منه دفتراً وردي اللون, فالتزم فرغلي الصمت فهو يعرفه تمام المعرفة , لا يمكن أن يستقي منه معلومة لا يريد ان يفصح عنها , فابتلع فضوله وهو يلقي نظرة على الدفتر, ثم قال الرجل : " كانت تركض في مثل هذا الطريق ". أشار بأصبعه إلى الطريق, فقال فرغلي: " اانت على ما يرام ؟ "؟ أجاب: "وعد", قال فرغلي: " وعد!..وعد ماذا ؟", فأجاب الرجل :" ساخبرك ". 
 هرولت بقوة تبحث عن شيء ما . سمعتْ بوقاً لا تدري من اين مصدره , وعندما تنبهت إلى المصباحين المنطلقين باتجاهها , جمد جسدها من الخوف وهي تسمع عجلات المركبة  فوق الأرض وسائقها يضغط مكابحها بكل قوة , فقذفها لتتدحرج فوق الأرض , قبل أن تتوقف حركة جسدها والسيارة في ذات اللحظة . حملها السائق بين ذراعيه وهو يغلظ الإيمان أنها لم تكن غلطته , وأنها ألقت بذاتها مقبل مركبته فلم يستطع أن يتفادى الصدام . 
وبينما كان الطبيب يتفحص عينيها وراسها  ولم يجد أي جروح, فتلاقت نظرة الطبيب و الممرضة  وبينهما ترتسم علامة استفهام كبيرة لسؤال واحد تنطق به أعينهما : من أين أتت هذه الدماء التي تلطخ كتفها و وجها وصدر ثيابها ؟؟.
 إرتفع حاجبا فرغلي في صدمة وهو يستمع إلى هذه القصة الغريبة على لسان الرجل الجالس بالقرب منه , ثم سكت فجأة فرأى فرغلي أن الرجل سقط رأسه فوق صدره وأغمض عينيه, فحاول ان يوقظه إلا أن الرجل ظل على حاله, لم يستطع ان يعرف ما إذا كان الرجل قد فارق الحياة أم لا يزال متمسكاً بها. نظر إلى مرآة سيارته وإذ بسيارة  ظهرت على حين غرة  منطلقة كالسهم من وراءه , تدفع مؤخرة سيارته بعنف ككرة مضرب, فانزلقت  مركبته على المنحدر بجانب الطريق .
لحظات ثم سكن كل شيء, فتح عينيه فلم يصدق أنه ما زال على قيد الحياة , خرج من السيارة, دار حول المركبة  وأحاط بالرجل وسحبه إلى خارج السيارة ثم وضعه عند كومة كبيرة من القش. مرت عشرون دقيقة ولم تنفجر المركبة , تفحص المكان من حوله فوجد ذاته فوق أرض زراعية تخلو من اي انسان . أخرج الدفتر الوردي من جيب الرجل, قلب صفحاته فسقطت بين قدميه صورة لبنت , إنتقل نظره إلى قميصها ذي اللون الأبيض والذي تُعكر صفاؤه بقعة خضراء كبيرة فوق يدها اليسرى , هناك شعور خفي تسرب إلى ذاته أنه رأى هذا الشبه من قبل. ألقى نظرة على الرجل الملقى على الارض , لا يدري إن كان ميتا او حيا , ثم عاد إلى الكلمات التي خُطت فوق صفحات الدفتر بخط مرتب . وغاب في غياهب ما كتب !. 
في إحدى الليالي قارسة البرودة , حيث يُرى وميض البرق, فتحت الصغيرة النائمة عيونها , يطرق سمعها صوت شجار يصدر عن الحجرة الكبيرة. لم تتمكن الصغيرة ذات الثلاث اعوام من استيعاب أسباب الشجار الدائم بين ابيها و امها , يتخلله ركلات وصفعات استقرت في جسد والدتها . حملتها أمها بين يديها وقفزت مسرعة على درجات السلم, تودعهما لعنات الأب الذي كان يصرخ : اذا ما خرجتي من البيت فانت طالق  .. طالق.. طالق. حاولت أن تعاود للنعاس مرة ثانية , وهي ملتصقة بإمها فوق الفراش في بيت صديقة والدتها , بينما تستمع إلى حديث الصديقتين :" لقد تعبت , كل ايامي امضيها بالضرب و الاهانات , انه خائن و مقرف و سكير و في نهاية المطاف طلقني ..! ". 
وفي الصباح تركت والدتها بيت صديقتها وجلست على أحد المقاعد العامة تلتمس الراحة , كانت تفكر فيما الت اليه حياتها , كيف ستخرج من هذه الورطة, وهي لا أهل لها تلجأ إليهم, وفجأة داهمها وجع غريب كانت تتجاهله طيلة الأيام الفائتة , فشاهدها بعض المارة ونقلوها إلى المستشفى, وتم تشخيصها بالزائدة الدودية, وأعطت معلوماتها للممرضة : أمل رمضان, 23 سنة, لا اتعاطى اي ادوية و لا اعاني من اي امراض . رقدت فوق السرير, وتفجرت بها مشاعر الأمومة, فلولا طفلتها ما تحملت العيش مع رجل بعمر والدها , فتحملت إهاناته وكثير شطحاته, وتعدد نزواته من أجل صغيرتها .
احست بأصابعه تتخلل خصلات شعرها, فاتسعت حدقتا عينيها إثارة وهو يمد يده بقطعة من الشوكولاه , ثم قال: "أنا إسمي دكتور زياد وأنت ما اسمك ؟  فقالت الطفلة : وعد, فبادرها إن كانت تحفظ رقم والدها أو أحد من أهلها فقالت : "  انا لا اريد ان ياتي ابي لانه وحش يضرب امي وانا لا احبه ", حينها فطن زياد إلى وقوع المرأة في مشكلة, ولطيبته المعهودة قرر ان يعاونها . وفوجئت أمل فيما بعد بعرض زياد بالعمل في المستشفى كعاملة نظافة, فسعدت أيما سعادة أن مشكلتها قد حلت بهذه السرعة الكبيرة . فتوالت عليها الأيام والشهور و الاعوام في عملها, متخذة من شقة صغيرة وفرها لها زياد مأوى لها. تقربت وعد كثيراً من زياد وتعلقت به بشدة, وكان مَثلها الأعلى. وبعد اعوام وبينما  كان يجلس زياد يتطلع إلى سقف الحجرة وهو شارد كيف له الخلاص من مشاعر نمت بداخله ببطء خلال الاعوام الفائتة ؟ كيف له أن يتجاهل نبضات قلبه التي ما خفقت إلا لتلك الجميلة البائسة وطفلتها التي يحس أن له حقوقاً فيها كما لأمها ؟ لم يزده خلقها وتعففها إلا إعجاباً بها بالرغم عنه , ما أراد وما خطط لسقوط قلبه في حبها. ولكنه استطاع ان يتجاهل نبضات قلبه , ولكن كيف سيتمكن من الوقوف غداً أمام وعد وأمل و يقول لهما بقرار زواجه وبعثته إلى خارج البلاد  من أجل استكمال دراسته؟ تخيلت وعد في البداية أنه يحاول خداعها, لكن عندما أيقنت أن حديثه جاداً لا مزاح فيه, أخذت تصرخ وتبكي. فقال لها زياد:" , سيكون في مقدورك ان تدرسي و تنجحي و تتفوقي سواء كنت معك ام لم اكن , لانك فتاة ذكية و ستكوني افضل دكتورة في الدنيا *. شعور مدمر فقْدُ الأب فجأة وانقطاع مشيمة الحياة بينه وبين اولاده , لكن ماذا إن فُقد الأب مرتين ؟ .. 
لعام من بعد سفر زياد بقيت أمل تتلقى المال الذي يبعثه لها عند بداية كل شهر, ولكن مثلما انقطع المال الآن انقطعت أيضاً إتصالات زياد. ككل شيء جميل ينتهي, وفي النهاية طردتها مالكة المنزل شر طردة أمام جيرانها الذين راقبوا ما يحدث دون أي ردة فعل كأنهم يشاهدون فيلماً سينمائياً مكرراً فلم يحرك فيهم اي ردة فعل انسانية . وبعد البحث المضني أيام وليالي وجدت بغيتها أخيراً في منطقة عشوائية تسمى حكر أبو دومة, فوعد ذات الثلاثة عشر سنة , وذات الألف حلم في الغد, نظرت بعين الإحتقار إلى حيث اصطفت الابنية و الاعشاش . ولأن  كل ما تعانيه أمل الآن هو قد كان أحد أسبابه عدم قدرة جدتها على الإنفاق على تعليمها، فأرادت أمل أن تسلّح ابنتها بشهادة قد تخرجها من هذه الحياة السيئة للغاية , لعلها تصبح مثل الدكتور زياد, ذلك البعيد القريب الذي أصبح الآن في مخيلة وعد وهي على مشارف السابعة عشر, كمشاهد متقطعة من حلم جميل, إستفاقت منه على واقع موجع  .
 في أحد الأيام اصطحبت أمل وعد إلى إحدى العرافات حتى تعرف سبب تدنيها الدراسي في أحد المواد, حينها جذبت العرافة كف وعد بحزم وأخذت تمسح فوق خطوطه بيديها و اصابعها ذات الأظافر الطويلة الممتلئة بالأوساخ, وفجأة اتسعت عينا المرأة على حين غرة  وقالت لوعد : "نهايتك مرسومة بالدم , والموت كتب ميعاده على جبينك بريشة الألم " .. ومنذ تلك الليلة التي غاب عنها القمر و لمدة طويلة بعد ذلك  باتت تحاصر وعد الكوابيس التي اصطبغت بلون الدم . 
نُقلت امل إلى المستشفى بعد مرضها المفاجيء , , وتلقت وعد الخبر كصفعة من حديد أدمت كل ذرة من روحها و جسدها , ونقلت أمها بعد سويعات إلى معهد الأورام, وكل يوم  كانت تسمع تطورات ذلك المرض الخبيث الذي غزا جسد والدتها , وبدأت رحلة العلاج الكيميائي في وقت اللاجدوى, وبدأت وعد تستشعر مرارة الفقدان داخل حلقها, وقلبها النابض يأنّ و يصيح , فلن تتحمل فقد الشخص الوحيد لها في هذه الحياة ودعامتها التي ترتكزعليها على الدوام , فذلك يفوق طاقتها بمراحل . 
تراءى لوعد الثالوث الكريه الفقر و الجهل و الجوع الذي لطالما قض مضجعها تحاول جاهدة الفكاك منه . كانت في مبنى الشرطة بعدما اعترفت أنها سرقت سواراً من هايدي زميلتها في المدرسة حتى تشتري لوالدتها دواءاً كان غير موجود في المستشفى, ثم ندمت على فعلتها وأرادت ان تعيده لها ولكنها لم تعرف لها رقماً ولا عنواناً، فاودعت وعد بالحبس على ذمة التحقيق. وحينما عرفت أمل بما جرى سلمت أمرها إلى الله, وقبل أن تغادر برفقة جارتها أم مرزوق شدت على يد وعد وقالت : " ما اراده الله سيكون , فلو خرجتي من هذا المكان و وجدتي ان الله اختارني عنده ساترك لك ظرف مهم مع ام مرزوق و فيه شيء يخصك و عليك ان تنفذي كل حرف فيه * وبعد عدة أيام انضم إلى ثالوث وعد الكريه عضو رابع باغتها في أشد لحظاتها بؤساً واحتياجاً وقهراً , فلم تفقد وعد أماً فحسب, بل فقدت بموتها كل شيء. وما زاد عليها الأمر هماً وغماً هو صوت القاضي الذي أعلن الحكم بعقوبة مشددة ثلاث اعوام تقضيها في المؤسسة العقابية. تلقت وعد الحكم بلا أي رد فعل, وبدت وكأن حواسها لا تنتمي إلى هذه الدنيا , تسبح روحها في عالم ثاني سبقتها إليه أحب الناس إلى قلبها, وودت لو لحقت بها في هذه اللحظة  .
توجهت وعد إلى سريرها تلقي بجسدها فوقه, ثم التفتت تنظر إلى الجهة الأخرى حيث فتاة متمددة فوق سريرها في استرخاء. وعلى استحياء قالت : " هل من الممكن ان تقولي لي متى انا جئت الى هذا المكان ؟ ؟" خرج صوت وعد غريباً على أذنيها وكأنه صادر من شخص ثاني  غيرها , فقالت الفتاة : "منذ 5 أيام أو 6 , لقد اعتقدنا انك ستموتين فلقد كانت حرارتك مرتفعة كما ان الاخصائية قالت لنا ان والدتك توفت , لماذا انت في هذا المكان و ما هي قضيتك و كم سنة ستمكثين ؟ " فقالت وعد : "سرقة و 3 سنين, و كانت تلك اول مرة في حياتي اسرق فيها ", فقالت الفتاة : "و لماذا ثلاث سنين فمن المفترض سنة واحدة اذا كانت تلك اول مرة لك   ", فقالت وعد : " هناك واحدة كذبت و قالت اني سرقتها من قبل  " ...و بعدها بدأت وعد جولتها داخل المؤسسة العقابية بصحبة عبير التي لعبت دور المرشد.
 تجولت وعد في الساحة حتى حان موعد الطعام , ظنّت واهمة أن أيامها ستسير بنفس الوتيرة المريحة , ولم تعلم أن الأيام العاصفة في طريقها إلى الكشف عن رعدها و برقها . كان ذلك حين تقدمت هانم ومجموعتها صوبها يوسعونها ضرباً مبرحاً بالارجل و الايدي  لأنها أبلغت المديرة عن مشكلة في العنبر, واستمرت حفلة التعذيب لما يقارب الربع ساعة , وانتهت بأن هددوها إنْ هي جرؤت على تكرار خـطئها .. ذلك الخطأ الذي لا تعلم ما هو حتى هذه اللحظة ! وفي الليل اقتربت منها دنيا الموقوفة بسبب قتلها لزوجها وأخرجت شريط حبوب فضي اللون وقالت : "امسكي بهذا سيريحك انه مسكن  " أجفلت وعد وهي تنظر إلى دنيا ببلاهة, لا تدري كيف تتصرف, وفي النهاية أخذت الحبوب ونامت. 
إنصرمت من الزمن ثلاثة أشهر ولم تُعاقب خلالها مرة ثانية , فقد تلقنت القوانين جيداً وبالطريقة الاقسى , فحاولت قدر المستطاع أن تبقى بمنأى عن المشكلات, وانضمت إلى المجموعة التي تخص هانم الآمر الناهي في العنبر. وفي شهرها السادس في المؤسسة, كانت قد نجحت في أن تحظى بحب أغلب نزيلات العنبر , وأصبحت مستودعهن لحفظ الأسرار. 
وفي أحد الأيام اقتربت منها دنيا وقالت : "هل تعرفي اننا نشبه بعضنا البعض كثير و اكثر مما تتصوري , فنحن الاثنتين فعلنا اشياء رغما عننا حتى نعيش  ", فقالت وعد : " , ألست انت من قتلت زوجك و حكم عليك بالسجن لمدة خمسة عشرة سنة ؟ انا في هذا المكان في قضية سرقة و السرقة تختلف اختلافا كليا عن القتل , فالظروف من الممكن ان تجبرك على ان تسرقي و لكن ليس هناك اي ظروف يمكن ان تبرر لك القتل    ", فقالت دنيا : " والدي لم يكن له سوى اخ وحيد و هو عمي حسين و كان رجل طماع و جشع و عندما انهيت الثانوية العامة قرر عمي ان يخطبني لابنه و ابنه هذا شاب فاسد و رفضت الامر من اوله و لكن ابي تعب فجأة و دخل المستشفى و بعد اسبوع توفي , و اكتشفنا بعد وفاته انه كتب كل ما يملكه باسمي , و عندما عرف عمي بهذا الامر جن جنونه و فقد عقله و زاد اصرار على ان يزوجني من ابنه و تمسكت من ناحيتي بالرفض و في احد الايام و انا خارجة من الجامعة رايت ابن عمي مقابلي و قال لي ان اني متعبة للغاية و هي ترقد عندهم في بيتهم  فحاولت ان اتصل بها و لكنها لم ترد على اي اتصال من اتصالاتي و ذهبت بقدماي الى الفخ الذي نصب لي , و هناك اغتصبني ابن عمي بكامل وحشيته , توسلت اليه و بكيت و صرخت و انهرت و قلت له انني ساترك له كل النقود و اني حتى من الممكن ان اوافق على الزواج منه و لكنه لم يرحمني , لك ان تتصوري مرارة الطعنة عندما تاتي من انسان من لحمك و دمك لانه يعرف تمام المعرفة انك ضعيفة و ليس لك من حامي ليدافع عنك ؟ . و بعدها حدث الشيء الطبيعي في مجتمعنا المتخلف , المجتمع العقيم الذي يحكم على الفتاة بان تتزوج من الحيوان الذي اغتصبها لانه سيستر عليها و لن يفضحها ! و امي كانت من هذه الفئة من الناس , فلقد كانت ترفضه و لكنها صارت تتوسل اليه ان نعقد القران و لكني توسلت لامي ان لا تلقي بي بايديها الى النار و لكنها ارغمتني على الزواج بحجة انها تعرف مصلحتي اكثر مني , و بعد عقد القران رايت ابن عمي يتكلم مع عمي و امي عن تفاصيل حفل الزفاف , فدخلت الى المطبخ و انا اشعر انني لست انا , لم اشعر بنفسي و انا امسك بالسكين بين يدي و لم اشعر بنفسي و انا اضع السكينة في رقبة ابن عمي و غرزت السكين مرة و اثنتين و ثلاثة و اخيرا مات !!     ... بعد جلسة المكاشفة هذه تغيرت طبيعة العلاقة بينهما مما أثار دهشة كل الفتيات , وأصبحت وعد خطاً أحمراً ممنوع الإقتراب منه . 
وأخيراً حل اليوم الذي انتظرَتْه وعد منذ ثلاث اعوام باكملهما . بقدر ما كان ذلك مفرحاً, إلا أنها لم تقدر أن تتغلب على مشاعر الحنين التي اعتملت داخل صدرها تجاه من تعرفت اليهن من الفتيات , فقالت لها دنيا : " كما اخبرتك من قبل , شقتي فارغة و عمي لا يعرف اي شيء عنها , اسكني فيها الى الوقت الذي تقدرين فيه ان تديري امورك * ... كانت شقة فسيحة تحتل الطابق الرابع باكمله , في بناء من ستة طوابق. كان الوقت يسبق بدء سنتها الاولى  بالجامعة ببضعة أشهر, فشغلت نفسها بالبحث عن عمل تتكسب منه, وبالفعل وجدت عملاً بمكتبة تبعد مسافة قليلة عن الشقة  . المرتب قليل , لكنها قدّرت أنه سيكفيها حتى تقتات منه وتدفع مواصلاتها من وإلى الجامعة, ولمصروفاتها الدراسية.   أسبوعان مرا ثم عقدت العزم على زيارتين, الأولى لدنيا والثانية الى قبر والدتها , ولكنها لا تعرف أين دفنت, فالشخص الوحيد الذي يعلم هذا الشيء هو (ام مرزوق). أسئلة كثيرة تقاذفت عقلها وهي تحث السير, تقترب من حكر ابو دومة الذي... أزيل عن بكرة أبيه! فقد تم إزالة كل المنازل العشوائية بأمر من الحكومة, ولكن أين ذهب قاطنوا الحكر ؟ ...
(نرجو من الدكتورة وعد خليل سرعة التوجة إلى الإستقبال). إمتلأت صالة الإستقبال بأشلاء زجاجية. و في النهاية قدرت ثلاث ممرضات في كبح جماح الطفلة ذات الإثني عشر سنة , والتي كانت تهشم كل ما تصل إليها يداها. إستلمت وعد تلك الحالة من مرضاها المتابعين معها منذ مدة . إقتربت منها امرأة و هي تبكي و تقول : " صحة ابنتي على ما يرام ؟  ", أجابتها وعد بغلظة شديدة : " كان من اللازم منذ البداية ان تكونوا على تواصل مع طبيب نفسي يتابع حالتها , فخوفكم المرضي عليها كان مضرا اكثر و اوصلها الى الحالة التي هي عليها الان * متجاهلة بكاء المرأة, نظرت إلى ساعة معصمها, ثم ابتعدت وهي تخلع ردائها الأبيض, وحملت حقيبتها من فوق المكتب الذي زينته لافتة مرتبة كتب فوقها (دكتورة وعد خليل أخصائية تخاطب) .
كانت راضية باختيارها لقسم النساء والتوليد كتخصص لها , فرحة به, مولعة بفكرة أن تمتلك عيادة خاصة وتأتيها النساء من كل مكان, بعدما تشتهر بتفانيها و براعتها في عملها. حمتها انطوائيتها و جديتها من الوقوع في الكثير من أفخاخ الحياة. حلمت كثيراً بيوم تخرجها والتحاقها بركب طبيبات النساء والتوليد الابرع و الاشهر , لذلك لم تظن أن عملها التطوعي في مركز تأهيل الأطفال قد يُغير من مسار حياتها كثيرا , فانجذبت إليهم وأحبتهم وتملكوا فيها كيانها باكمله . نالت درجة الماجستير في مجال التخاطب و صارت عضواً في الإجتماعات الإدارية والمؤتمرات الدورية الخاصة بتخصصها . إلا أنها وبرغم  نجاحها المهني  فقد افتقدت في مكان عملها إلى صحبة قريبة . تأذت كثيراً قبل أن تتعلم أن الغيرة قد تنزل صاحبها إلى منزلة حيوانية, لذا حرصت أن تُخفي حقيقتها عن كل الناس , فأخبرتهم أنها ابنة لطبيبين هاجرا إلى أمريكا للعمل منذ مدة طويلة , واختارت هي البقاء في مصر. وفي هذا المركز, وحده فقط مدير المركز يعلم الامر , فقد خبّرته قبل تطوعها منذ اعوام , وبعد تخرجها تحولت من فرد متطوع إلى طبيبة بالمركز لها أجر شهري جيد أتاح لها معيشة مرتاحة بعض الشيء . وخلال تلك السنوات كانت تزور دنيا باستمرار. والرسم لم تفتر عنه, وشاركت في المعارض الصغيرة, وتمكنت في الفوز مرات عديدة  .
بعد أن انتهت من إحدى مريضاتها, فوجئت بوائل الطبيب يدخل إلى مكتبها و يقول لها ان يرغب في ان يتحدث اليها في موضوع خاص , فاحتالت دماؤها ناراً, وعلى حطب قلبها غلت قدورٌ, بينما ظلت محتفظة بقناع الجدية على وجهها . أقبل وائل بخطاه الواثقة وابتسامته الخلابة ونظراته الجذابة , فبدأ بالحديث عنها وأدبها ومهارتها وخلقها , ثم انقلب ضمير المتكلم إلى غائب حتى ظهر لها الخيط في منتصف إحدى العبارات ..سمير! فقال : " منذ ما عرفت الموضوع قلت له انه احسن الاختيار فعلا و لكنه محرج قليلا من التحدث معك فلو سمحتي هل من الممكن ان تعطيني رقم والدك لاعطيه الى سمير هذا ان كنت موافقة على الامر يا دكتورة ؟    ؟", فاستدعت صوتها بصعوبة قائلة : " انا لا اقدر ان اعطيك قراري الان , اسمح لي ان اخرج الان يا دكتور وائل *
 رجعت الى منزلها ورفعت صوت التلفاز عله يشوش عقلها. وفي اليوم التالي قالت لوائل :" هل من الممكن ان تبلغ استاذ سمير اسفي و اعتذاري الكبير فانا غير موافقة * " . ويبدو أن رفضها حرّض رجولة سمير المهانة على الظهور مقابلها , وخوض ما لم يجرؤ على خوضه من قبل. وأخذ سمير فني المعمل, الذي بات يسلمها التقارير بيده ويخبرها بأمور فنية لا تعنيها, وبعدما انكشفت عواطفه تجاهها لها أصر أن يُظهر لها منه ما خفي عنها, علها ترى فيه موطن جمال لم تنتبه اليه . مرت الأسابيع ولم يرفع سمير رايات الاستسلام و الياس , ولا تدري  وعد متى وكيف طفقت تتلذذ بمحاولات استمالتها إليه, وأحبت دور الفريسة التي يحوم حولها صياد جاد و مثابر في عمله , ولا تنكر أنها وجدت في تصرفاته السلوى لفؤادها . 
وبعد شهر عرض عليها الإرتباط مرة ثانية , فقالت له : " ليس لدي اي مشكلة في هذا الموضوع و لكني احتاج ان اتعرف اليك اكثر  " . وفي جلسة ضمت كليهما في استراحة المركز, قدم لها إجابات للأسئلة التي سألتها والتي لم تسألها. وبعد يومين جاء اليها يطلب منها أن تقبل دعوة والدته على الغداء في بيتهم . ولم تتوقف أمه عن طرح الأسئلة وحصار وعد مما جعل وعد تقرر حاسمة أنها يجب أن تقول  لسمير كل شيء وبسرعة!!!. 
في اليوم الذي يليه انتظرته في كافيتريا المركز. بدأت في التكلم عن الموضوع بكل هدوء , كاشفة عن نفسها أمامه ببطء. لم يشفع لها عنده حبه الذي تغنى به, ولا سمعتها الطيبة بين جميع الناس , ولم تحاول هي شرح نفسها, ولم تحاول استمالته ليحس بصدق توبتها. لمست منه نفوراً بعد رغبة, وصداً بعد ميل. حل به صمت القبور, وعلا الانزعاج على ملامح وجهه , فولت مسرعة. أرادت أن تحكي وتبكي أكثر لو أظهر تفهماً, أو كان بها رحيما بعض الشيء , فقط لو!.  
لم تعد تهتم إن أخبر سمير كل من في المركز عن السبب الذي عرقل ارتباطهما, ما يهم حقاً هو اعتصارها وجعا وهي ترى الحلقة الفضية التي تطوق أصبعه, بعد ستة أشهر من لقائهما الحزين و المشؤوم في استراحة المركز. ما يهم هو تلك الغصة المريرة التي تستقر داخل جوفها , وهي تراه يصطحب خطيبته إلى المركز, بينما يرمقها بنظرات غريبة غامضة لم تفهم فحواها, وهي ترمق تلك البنت التي فضلها عليها والتي حتماً ليس لها سابقة مشينة كسابقتها هي . وبعدها أرادت وعد أن تبتعد. أتاها الخلاص في هيئة قافلة طبية تستهدف أماكن متفرقة من جميع أنحاء الجمهورية. فلم تعرب عن أي ضيق او اي سرور  عندما علمت أن المكان الذي ستقصده مع سهام وغيرها من الأخصائيين خارج المركز هو واحة سيوة. لا يعنيها كثيراً أين ستذهب طالما انها ستبتعد عن هذا المكان لبعض الوقت .
شعر فرغلي بحكة في أنفه الحقها بعطسة, ثم ترك الدفتر الوردي من يده. إلتفت فرغلي إلى الصوت البشري من خلفه وقال فرغلي : "ساعدنا ارجوك فالرجل الذي بصحبتي من اللازم ان ناخذه الى المشفى  * ,فقال الرجل : " ابقى مكانك هنا , ساجلب معي رجلين لياخذوك من المكان انت و الرجل الذي برفقتك *  
في المساء تلقت وعد اتصالاً من أحد المسؤولين في المنظمة التي تنظم القافلة الطبية, حتى يقول لها عن مكان الإجتماع الذي ستتلقى فيه التعليمات الخاصة بمكان سفرها وتفاصيل ثانية . وحين وصلت إلى المكان فغرت فاها و هي مصدومة  وهي ترى تلك الأبراج السكنية المتجاورة التي احتلت مدخل حكر أبو دومة سابقاً, والذي لم يبق منه أي معلم واضح . وبعد الإجتماع نزلت وعد إلى خلف البرج فتراءى لها أعشاش من الخشب والقش نصبت بالقرب من بعضها البعض , فاصطدمت بطفل وتحدثت معه فقالت له : " لقد كنت احيا هنا مع والدتي و امراة طيبة القلب اسمها ام مرزوق * فقال الطفل بحماس : "انا اعرفها انا اعرف خالتي ام مرزوق , هل تريدي ان اريك اياها ؟  * أومأت برأسها. مشى الطفل أمامها وتوقف أخيراً أمام عشة صغيرة. جلست وعد أمام أم مرزوق, وبعد حديث طويل سألتها وعد عن مكان قبر والدتها , فأطرقت المرأة بأسف, وأخبرتها أن المستشفى في ذلك الوقت هي من  تولت مهمة دفنها. شردت وعد مع صدمة أنها لن تعرف مكان قبر والدتها البتة . ثم كشفت أم مرزوق عن ظرف متسخ وقالت : "و اخيرا جاء الوقت الذي سأرد فيه الامانة لاصحابها , هذا المكتوب هو وصية امك تركتها عندي لاسلمك اياها عندما تموت * ثم قالت وعد : "ليس لي في الدنيا احد غيرك يا ام مرزوق و انا متاكدة انك تعتبرينني كابنتك , انا ارغب في ان اخذك من هذا المكان فانا اعيش في شقة لصديقة لي و اريدك ان تعيشي معي *  ", حينها ارتجفت أم مرزوق ولمعت عيناها وهي تنظر إلى وعد كأنما تراها, وقالت وعد:" أنا مسافرة في عمل لمدة أسبوع, و عندما اعود ساخذك من هنا اتفقنا ؟  *
عادت وعد بالمظروف إلى المنزل  وقرأته : " ابنتي الحبيبة وعد , انا اشعر بانني على وشك الموت , لذلك لا اريدك ان تعيشي وحيدة من دون اي شخص يحميكي , فلو مت يا ابنتي فوصيتي لك هي ان ترجعي الى بيت والدك , انت ابنته و فلذة كبده و من الممكن ان تكون الايام غيرت من صفاته السيئة و تعودي الى حضن والدك الحنون و يعوضك عن السنين الفائتة , انتبهي على نفسك يا وعد و لا تنسي امك *  قرات وعد الرسالة وانهمرت دموعها كالشلال . 
إستمعت وعد بانتباه شديد إلى الدليل يشرح خريطة الواحة حيث ضمت قرى كثيرة , وخاطبت أذنها للمرة الاولى  أسماء المناطق السياحية في سيوة كجبل الدكور وبئر كيغار وجبل الموتى ومدينة شالي ومعبد امون, فأثارت تلك الأسماء بداخلها الفضول لرؤيتها ومعرفة تاريخها وسبب شهرتها. ولم يكد يمر ثالث يوم لها في المنطقة حتى أيقنت وعد أنها ذابت عشقاً في سيوة المصرية. كل شيء هنا له سحر مميز وجاذبية خاصة. ومن اليوم الرابع للسابع, إنتشر أفراد القافلة في قرى الواحة, يعقدون الندوات ويلتقون الأطفال الذين يعانون مشاكل في التعلم, ويوجهون النصائح و التعليمات للأهل والمربين والمعلمين . 
كان المكان الأخير الذي رغبت في أن تراه هو بئر كيغار, فبحثت عن ترجمته بالعربية فعلمت أن المقطع "كي" يعني السيد, وقد علمت من أهل الواحة أن سبب تسمية البئر بهذا الإسم هو غير معروف . بقيت وعد عند البئر تتذكر ماضيها السيء حتى أخرجها صوت رنين هاتفها من ذكرياتها المجترة وأفكارها المتعقدة , فرأت إسم "معلمة الرسم" التي كانت في عنبر الإصلاحية فقالت المعلمة : "ان دنيا ماتت , لقد انتحرت في العنبر , و لم يكن في مقدورنا مساعدتها , كان من اللازم علي ان اخبرك بذلك , البقاء لله وحده يا وعد ! *, حينها شخصت عينا وعد واصفر وجهها. وضاق نفسها بعدما انحبس الهواء في جوفها , وسقط الهاتف من يدها بغير أن تشعر. تسارعت دقات فؤادها , الرؤية تقل وضوحاً شيئاً فشيئاً, دوار شديد ثم صوت ارتطام كبير ! وسقطت في البئر إلى أن أنقذها رجل كانت قد رأته من قبل عيناه كالبرق. وقالت لها سهام فيما بعد إنه عمدة قرية من قرى الواحة. و ظلت في حجرتها  تأخذ قسطاً من الراحة. وعم الهدوء في الحجرة , وبدأ النداء رويداً رويداً, في البداية لم يكن واضحاً إلا أنه ارتفع تدريجياً, كلمات غير مفهومة ونداءات عديدة تدعوها لأن تذهب إلى هناك حيث كانت بالأمس, إلى بئر كيغار, وأن هناك سيتغير ما كان وسيُمحى ما فات!. وبالفعل ذهبت وعد, وقرّبت رأسها من المياه حيث عيون بشرية تنظر إليها!وكانت عيوناً موجودة بالفعل . رجعت خطوة إلى الخلف, فخرج فوق المياه جزء من الرأس الغارق. إبتعدت خطوة ثانية , فظهرت الرأس  كاملة.. لامرأة متسعة العينين بلا اي جفون , وقالت المرأة : مقايضة .. ذكرياتك المؤلمة مقابل قربان, فقالت وعد : " موافقة خذيها مقابل ما تريدينه !  " . 
في صباح اليوم التالي استيقظت سهام فزعة على وقع دندنة خفيفة تتردد في الحجرة , نظرت بدهشة إلى وعد الجالسة فوق الطاولة الصغيرة واضعة أمامها مرآة وهي مشغولة في وضع أحمر الشفاه, بينما يتصاعد من بين شفتيها عزف لحن لأغنية ما, وانطلقتا سوية  إلى حفل عيد الصلح الذي يقام كل سنة في واحات سيوة, وهناك اقتربت من وعد سيدة وقالت لها : " هل من الممكن ان تاتي الينا في البيت لتكشفي على فتاة متعبة للغاية ؟ قال بعض الاطباء انها تعاني من التوحد و بعضهم قالوا انه تخلف و انا لا ادري ماذا افعل ؟  فردت وعد موافقة . وفي صباح اليوم التالي جاء السائق كي يوصلها إلى بيت المرأة وقال لها : "سنذهب الى بيت عمدة قرية ابو شروف المهندس رؤوف , ابن اخ الخالة زمزم التي طلبت منك الحضور   * وحين وصلوا إلى المنزل وقف السائق أمام الباب لأنه لا يدخل المنزل رجال إلا بإذن رؤوف. 
استقبلتها الخالة زمزم وعرّفتها على الطفلة ريم, و قالت لها الخالة أن الطفلة لها من العمر سبعة اعوام  إلا أنها تعاني من تأخر كبير بالنطق بالإضافة إلى خوفها من الناس , وأخبرتها الخالة زمزم أنها عمة والد ريم عمدة هذه القرية, وأن والدتها قد ماتت يوم مولدها. وقبل مغادرة وعد قدمت لها الخالة هاتفاً فقالت وعد : " انه هاتفي المحمول , اين وجدتيه ؟  * فقالت الخالة : "وقع منك البارحة عندما كنت في بئر كيغار , رؤوف كان سياخذه اليك في الفندق و لكنه عندما علم باتفاقي معك على معالجة ريم ترك الهاتف هنا * فلم يزدها هذا الرد إلا حيرة !!. 
وفي اليوم الذي يليه عرضت عليها الخالة زمزم ان تبقى حتى تشفى ريم , ولم تكن وعد في حاجة إلى مزيد من الاصرار , ليس فقط لأجل ريم التي أحبتها, ولكن لأنها لا تريد ان تعود إلى شقة دنيا والتى لم تشف بعد من صدمة انتحارها، فوافقت بالطبع . أسبوعان قضتهما في منزل العمدة, استطاعت خلالهما الإقتراب من ريم بشكل كبير , لمست إنعدام ثقتها بنفسها. بعد مرور أسبوع ثاني , تعلقت بالصغيرة كما تعلقت هي بها, وأخذتا تمضيان معظم الأوقات سوية .
 وفي عصر أحد الأيام سألتها الخالة زمزم في فضول عن عائلتها وعن طبيعة حياتها في القاهرة. احست وعد أنها تبذل مجهوداً غير طبيعي في التذكر, تسترسل في الإجابة ببطء كبير , فوجئت ببضع مواضع من ذاكرتها مفقودة تشكل أحجية لا يمكن ان تحلها . وفجأة رن هاتفها, رفعت الهاتف وردت بخوف على معلمة الرسم فقالت لها : "وعد من اللازم ان تاتي الى المؤسسة في اقرب وقت ممكن لان هناك وصية تركتها دنيا تخصك * فهتفت وعد باستغراب شديد : "من هي دنيا ؟ و اية مؤسسة ؟؟".
 بعد شهر من بقائها في سيوة بحثت وعد عن الخالة زمزم حتى تخبرها  برغبتها في الخروج و المشي في القرية , فرأتها تتحدث مع رؤوف بحديث أخذ جل تركيزهما , ثم توقفا فور اقترابها منهما, فاضطربت محرجة وهي تخبر الخالة بما رغبت , ولكنها انتبهت إلى رؤوف الذي أخذ  يتفحصها بطريقة جريئة لم تعتدها منه, فازدادت اضطرابا و توترا . ولم تطل حيرتها كثيراً, فبمجرد رجوعها الى المنزل , استقبلتها الخالة زمزم بجملة : رؤوف يرغب في الزواج منك .. ألجمتها المفاجأة, هكذا بلا مقدمات!! كانت لا تزال الخالة تتكلم , ولا تزال هي غير مصدقة. حلم جميل اجتذبها, تغلغل بداخلها دفء تملك من قلبها وتحكم في أحاسيسها ومشاعرها. ووافقت على الخطبة, وجاء يوم الخطبة دون أن تتبادل معه حرفاً واحداً. وجاء يوم الزفاف الذي استمر ثلاثة أيام, ونصّبت وعد عمدة سيوة ولياً لها, وشرعت الخالة زمزم في تحصينها بقراءة القران و الرقية .
 أمضت أسبوعين من عمر زواجها تنعم بالسلام على فراش كينونتها الخاصة, متصالحة مع ذاتها ومع من حولها. ساعدها على ذلك رؤوف الذي قلدها أمام كل الناس ومنذ اليوم الأول لزواجهما زمام الأمور, خاصة تلك التي تتعلق بالطفلة ريم , فسارت حياتها روضة تتعانق أغصانها وتشتجر أفنانها. التجاهل الذي لاقته من رؤوف في فترة خطبتهما استحال اهتماما و غيرة , فكان بديهياً أن يطلب منها أن تُخفي مفاتن وجهها, كغالب نساء الواحة. ورأته زوجاً مثالياً لها. واستقالت من المركز وراودتها  فكرة أن تستقبل الفتيات اللاتي يرغبن في تعلم الرسم في بيتها مقابل أجر رمزي. و احست بالفعل أنه العمل المناسب لها . 
في أحد الأيام أخذها رؤوف وريم إلى بعض المزارات. وجلسا يتكلمان فقال لها :"منذ اول مرة رايتك فيها شعرت ان هناك شيء سيجمعنا * ثم أكمل : "لذلك انقذتك عندما سقطت في بئر كيغار  ",  حينها ضاقت عيناها وأكدت أنها لم تسقط يوماً في بئر, ولا تعلم اي شيء عن هذا الكيغار , واحتد هو يتهمها بالكذب ويسألها فيما الإنكار ؟؟ فاستوطن الألم في قلبها , فتلك اول مرة  يحتد بينهما الشجار لهذه الدرجة. وفي اليوم الذي يليه طلبت من رؤوف الذهاب إلى بئر كيغار فوافق بشرط أن تذهب معها (فتون) التي تشتغل في المنزل , فقبلت وهي سعيدة بهذا الشرط . ذهبت ولكنها  لم تر شيئاً غير طبيعي   ...ولكن ما القربان الذي رأته في حلمها الليلة الفائتة  ؟؟ ثم مضت إلى البيت بحال افضل مما كانت عليه . وفي الليل رأت كابوساً ثانيا , صوت يقول: أريد قرباني !! لقد قايضتك بذكرياتك الموجعة  مقابل قربان, فقالت وعد : ليس لدي ذكريات مؤلمة فقال الصوت : لأنني من لفح نارها, أرحتك, أريد قرباني وإلا أعدتها إليك وتركتك بها تحترقين. قرباني هو قطرات من دماء من تحبين, قطرات تسكن عروق من تحبين  .. يطربني أكسير الحياة, ولديك من السعداء اثنين رؤوف وريم, كل شهر لديك ثلاث ايام , عند اكتمال القمر قطرات من دماء كليهما تلقيها في قاع كيغار ! حينها أفاقت من نومها مفزوعة وقالت : تباً لك لن أفعل لن أفعل !!. 
لم تعد جسور الثقة بين رؤوف ووعد قوية كما كانت من قبل , شكوك كثيرة تعتمل بداخله تحرمه من النوم و تجره الى السهر ، يقرأ على وجهها ما يجعل علامات الإستفهام تزداد داخل دماغه . إنتظر حتى استغرقت في النوم ثم توجه إلى خزانتها الخاصة , وتفحص بين ملابسها يبحث عن شيء يقوده لحل الألغاز التي تدور حول زوجته , فوجد مغلفاً مطوياً بعناية, فتحه ليجد خطاباً وورقة صغيرة دُوّن فوقها رقم هاتف و عنوان . فض الخطاب سريعاً, وأصابه الوجوم بعدما انتهى من قراءة المكتوب . لماذا كذبت بشأن موت والدها  ؟ كيف لها أن تجرؤ على خداعه بهذا الشكل ؟ توجه إلى تليفونها وبحث في قائمة الأسماء وانتقل إلى الرسائل فوجد اسم دنيا, وقرأ جميع الرسائل و صدمه ما قرأ, وعد زوجته مجرمة ولها صديقات من عالم الإجرام !!! لم يصدق ما توصل اليه , نظر إلى وجهها البريء وهي نائمة , ولم يتحمل ترْك ذاته فريسة للظنون, واتصل بصديقه الضابط ليعرف كامل ملفها !.
بدا لوعد أن وجودها بالقرب من رؤوف و ريم خطر محدق على حياتهما. فيجب عليها أن ترحل حتى تحميهما من ذاتها ومن حورية بئر كيغار الملعون. فخرجت من المستشفى بعد أن وضعت فيها ريم التي سقطت من الأرجوحة وامتلأ كل جسمها دماءا , واندفعت خارجاً لا تدري وجهتها. كانت كمن يفر من الجحيم وكأن شياطين الدنيا تلاحقها , فلم تلحظ وهي تعبر الطريق تلك السيارة القادمة بطريقة سريعة , وعندما رأتها جمدها الخوف أو لعله اللاخوف, ثم أظلم كل شيء أمام عيونها ! وبينما كان الطبيب يتفحص رأسها وعينيها قالت الممرضة للطبيب بصدمة : "لا يوجد اي جروح في جسمها !  ", فانتقلت حيرتها إليه, وتلاقت نظرة الطبيب والممرضة وبينهما ترتسم علامة استفهام كبيرة لسؤال واحد تنطق به أعينهما : من أين أتت هذه الدماء التي تلطخ وجهها وصدر ثوبها وكتفها ؟  فقالت ممرضة ثانية : " انها وعد زوجة العمدة و منذ مدة قصيرة جاءت مع ابنة العمدة ريم و هي من كانت مليئة بالدماء ..! ". تنفس الطبيب الصعداء وهو يقول: "  عرفنا الدم الذي يملئ ثيابها اذا من اين  "...
علت علامات الخوف وجه رؤوف وهو يحوقل ناظراً إلى وعد الفاقدة الوعي. ومرت الساعة التالية بصعوبة كبيرة , لم تفتر شفتي رؤوف لحظة عن الابتهال و الدعاء الى الله لان ينجيها ويحفظها , حتى أخبره الأطباء أنها لا تعاني سوى من كسر في رجلها اليمنى , والتي تم تجبيرها, بالإضافة إلى بعض الخدوش والكدمات التي ستشفى مع الوقت. ثم أفاقت وعد, وقصت عليه كل ما كان لا يعلمه عنها , وكل ما اكتشفه ليلة أمس أثناء بحثه في أغراضها وهاتفها بكلمات تقطر وجعا , حتى ارتسمت على وجهه صدمة كبيرة , فار الدم في عروقه وهي تقول له بأنها أمضت ثلاث اعوام من عمرها في المؤسسة العقابية لاتهامها بالسرقة, فأكدت شكوكه. ظلت ترتجف, حتى بعدما ساد الصمت بينهما. كم  ودت لو يمسح عن كل جرح دماه, فتجاهل فؤادها ولم يسمع نِداءه, رحل تاركاً وراءه جثة ودمعة وبعض الذكريات .
عندما سألته الخالة زمزم عن وعد أجابها بطريقة مختصرة . ثم قال لعمته كل شيء, فظهر الاسى و الحزن على الخالة زمزم, فقد كانت قد أحبت وعد واعتبرتها كإبنة لها, بينما تجسدت معاني التشفي على وجه العمة هِنّانة التي نفثت سمومها قائلة: يجب عليك ان تتصل بوالدها لياتي و ياخذها من هنا و على رؤوف ان يطلقها في الحال و تذهب من حيث اتت  , من المؤكد انها كذبت بكل كلمة قالتها لنا و بالطبع كذبت بقصة الحورية حتى تسخر مننا * 
في الصباح تحدث رؤوف إلى ابنته, وسألها أن تحكي له ما كان من معاملة وعد لها فقالت : "خالة وعد قالت لي سر , قالت لي لا تذهبي الى بئر كيغار لان هناك حورية كبيرة تعيش فيه *فقال رؤوف لنفسه : لا يمكن أن يكون ما رأه منها بالأمس مجرد تظاهر منها, كانت بالفعل خائفة على ريم, يجب أن أتحدث إليها مرة ثانية ! ويجب أن تفسر لي, وتعترف بالحقيقة باكملها . 
ثلاثة أيام بقيت طريحة الفراش لا تفارقه البتة , منبوذة كتفاحة فاسدة فاح أسَنُها حتى اعتزلها كل من في بيتها . لم تأكل الطعام طيلة هذه الفترة. دخلت عليها الخالة زمزم وقالت لها: "  لم ار منك الا الخير , و ريم تحبك جدا هي الاخرى , يجب عليك ان تستعيذي بالله من الشيطان الذي يريد ان يفرق بينك و بين زوجك , يجب عليك ان تبدئي بالصلاة *  عكفت الخالة على رقية جسد وعد, ثم قامت وعد فصلّت ركعتين لله تعالى وأخلصت في الدعاء بعد الصلاة.  
وبعدما أقنعها رؤوف بالذهاب إلى الطبيبة النفسية, ذهبت إليه وقابلتها وتكلمت معها. بعد ذلك تساءلت وعد : هل كان كل ذلك وهماً صنعته براسها كما تقول الطبيبة, ليحميها عقلها من آلام مدمرة نفسية , بأن عزل الجزء السيء من ذكرياتها عن وعيها , وكل ما رأته وسمعته هلاوس بصرية وسمعية سببها مرض الذهان, الذي أصابها نتيجة الضغوط النفسية كما تقول الطبيبة ؟؟ كيف ؟؟. فخرجت من عند الطبيبة بنفسٍ مشتتة. انتظمت في أدويتها كما أمرتها الدكتورة , ولم تترك الأذكار, كما أمرتها الخالة زمزم, والتي يومياً كانت ترقيها و تحصنها , فتتسلل الآيات القرآنية إلى أذنيها كشفاء لجسدها و روحها . تجاوبت مع الطبيبة بشكل أفضل في الجلسة الثانية , ولكن معتقداتها عن الحورية والبئر كانت لا تزال بنفس القوة. وفرح رؤوف بعض الشيء عندما عرف من الطبيبة أن وعد لم تكن تكذب بل كانت متوهمة بالفعل , وبالفعل كانت ناسية لكل شيء من الماضي. 
مر أسبوعان يحاول فيها رؤوف ووعد إعمار ما تهدم من جدار الثقة في حياتهما . وفي أول ليلة من اكتمال القمر رجعت اليها نوبة الهيجان وهي تبكي وتتضرع إلى ريم و رؤوف ألا يخرجا من البيت مخافة أن تصيبهما الحورية بشيء سيء . حينها أخذها رؤوف إلى بئر كيغار, فرفضت النزول من السيارة وهي تصيح به , فتركها ومشي في اتجاه البئر وقال : "وعد لا يوجد في هذا البئر اي حورية , يجب عليك ان تصدقي هذا الشيء حتى تتحسني *  ألقى بنفسه في البئر, صرخت بإسمه بقوة تفتت الحجر. لن تخسره وتتركه فريسة للحورية, وبدون تردد ألقت بجسدها في البئر. تعلقت برقبته وهي تنظر حولها, لا شيء, لا تحتضن المياه الدافئة إلا جسديهما, بئر عادي كأي بئر, لا حورية ولا قربان ولا مقايضة . 
فتذكرت وعد كلام الطبيبة : "الصدمات الأخيرة و التي انتهت بانتحار دنيا, جعلت عقلك يصنع قصة وهمية ليتخلص بها من كل شيء بؤلمك , فاستدعيتي ذكرى نبوءة العرافة التي كانت في عقلك الباطن و كانت متخزنة طوال سنين مضت , و نسجتي منها قصة و صدقتيها و عشت بها , كل انسان في داخله بئر يخفي فيه الاشياء التي يخاف ان يفكر بها و الاشياء التي لا يحب ان يتذكرها و لكن هذا ليس معناه انها ليست موجودة , يجب عليك ان تتخلصي من المك بالمواجهة و الكلام , اكتبي ما يضايقك و اهديه للشخص الذي كان سببا في كل ما جرى لك فقالت وعد : تقصدين ابي ؟ 
فوق هذه الرمال أحبت ان تعيش , وتحتها تحب أن تدفن , وبالمال الذي تركته لها دنيا في وصيتها ستبني في القرية مستشفى صغيراً, وستكون طبيبة نساء وتوليد و تعالج نساء قريتها اللاتي يفتقدن وجود طبيبة ماهرة في محيطهن. ثم تحولت إلى رؤوف و هي مبتسمة , وهمست له بأكثر اللغات قرباً لفؤاده ... ! فداعبت ابتسامة العشق فمه , وانبثق الفجر من محياه. إرتجف قلبها وارتجف قلبه, وتموجت في دمه الكلمات لمرأى الدمعة التي انحدرت في هدوء , فرفع كفيه لتوقع أنامله على وجنتيها عهداً : ألا تراق المزيد من اللآليء أبداً . 
أغلق فرغلي دفتي الكتاب, عندما نفد الحبر الأزرق من فوق السطور. ثم التفت فرغلي ينظر الى عويس الذي أنقذه واستضافه في بيته , وأخذ يفكر في الحاج خليل الذي يحتل ثلاجة الموتى في القرية . شعر أن عليه ديناً لهذا الرجل, ولهذه الكلمات التي أباح لذاته قراءتها في ذلك الدفتر, ولهذه الفتاة التي استجلبت عطفه بقصتها . إن لم تنعم بوالدها حياً, فلا أقل من أن تُمنح الحق في زيارة قبره و هو ميت ! واستعاد بتفكيره حال الحاج خليل خلال الاعوام التي عرفه فيها, وكيف عاش بائساً وحيداً , حالت حدة طبعه وقسوته بينه وبين الآخرين فاعتزلوه , وبعدها خسر خليل رأس مال تجارته. وبعدها تغير الحال ولم يعد خليل كما كان, وها هو خرج من محكمة الدنيا إلى محكمة الآخرة, ولو عرف أن الموت سيسبق بخطوة واحدة رغبته في التكفير عن خطاياه لما أذنب على الاطلاق  !. 
دفعت الطيبة والتأثر بفرغلي أن يتخذ موقفاً إنسانياً مراعاة للعِشرة. وبعد أن أصلح مركبته , إنطلق بها مكملاً وجهته التي خرج إليها في اليوم الماضي , فوصل إلى قرية أبو شروف. ولم يكن الوصول بالشيء الصعب إلى المنزل الذي قرأ عنه في المذكرات. توقف مقابله يسترجع وصف وعد له, دفع بيده البوابة الكبيرة المواربة فرأى على الفور سيدة كبيرة في السن تفترش الأرض, إنها أم مرزوق. وكاد يدخل من البوابة لولا أن تذكر كلمات السائق لوعد في  مذكراتها : لا يدخل البيت رجل إلا بإذن رؤوف. نادى بعلو صوته, في هذا الوقت نزل رؤوف وقال فرغلي : " كان من المفترض ان اتي البارحة برفقة الحاج خليل", وهنا برزت وعد من خلف البوابة ونظرت عبر كتف رؤوف إلى فرغلي, غابت عنه تفاصيل وجهها إلا أنه لم يخطيء اللهفة في عيونها , فازداد تلعثمه وهو يقول بصوت مشفقاً حزين : "الحاج خليل توفى ". تجمدت في موقعها , والتفت رؤوف ليطوق كتفيها بيديه . كادت أن تلمع عيناها بالدمع, لكن صوت بكاء رضيع ملأ أرجاء المنزل , فأخفت الدمعة طرف ثوبها وتجلت الآمال بحسن بهائها !.
النهاية.
 
تفاعل :

تعليقات