يوسف خليل سيء الطالع , أولاً يوسف وحيد تماماً مع أنه رجل راشد يبلغ من العمر الرابعة والثلاثين , فالوحدة في هذا السن ليست اختيارية , يستيقظ وحيداً .. ينام وحيداً يأكل وحيداً ..., ولو هلك في أحد الأيام فسيهلك وحيداً ولن يشعر باختفائه اي انسان , وسوء حظه لم يتوقف عند وحدته فقط فجسده نموذج لسوء الطالع ايضا , فهو قصير وبعينين بارزتين ونحيل بالإضافة إلى بعض العيوب الخلقية في جسده مثل ضيق الجيوب الأنفية , ولكنه فوق هذا حصل على شهادته الجامعية بتقدير ممتاز من كلية الأعلام , وتوظف في مجلة المجلة و تسلم فيها صفحة الحوادث .. في تمام الساعة الثامنة وعشر دقائق تعالى رنين هاتف مكتبه ليكون المدير يطلبه ويريد ان يقابله في المكتب , بدأ يوسف ينظم أفكاره ويكتب الإحتمالات واحداً تلو الآخر ورتبها تنازليا و تصاعديا , لماذا يريده المدير الآن ؟ .. أحكمَ يوسف ربطة عنقه ووقف بشكل بطيء وألقى نظرة وداع على المكتب. وفي تمام الساعة الحادية عشر مساءاً دخل يوسف الحبس , إنه هنا في مهمة صحفية كبيرة جدا هي الأولى منذ أن تولى منصبه كمحرر في صفحة الحوادث, حيث كانت مهمته ان يلتقي مع رجل محكوم بالإعدام, أستاذ التاريخ الذي قتل ولده وهشم رأسه بمطرقة .
في الحجرة الصغيرة جلس يوسف يتذكر الخبر الصغير الذي احتل الربع السفلي من صفحة الحوادث في السنة الماضية , حيث أستاذ التاريخ مجدي الرفاعي الأرمل المشهود له بالاحترام و النبوغ , قد ابتاع مطرقة وهشم بها رأس ولده الصغير إلى أن تناثر إلى فتات في كل الحجرة ومن دون أي مبرر او سبب لفعلته تلك . كانت إفادة الجيران أنهم سمعوا صوت ضربات ثقيلة قادمة من شقته أعقبتها ضحكات الدكتور مجدي الصاخبة و المجنونة . الكشف الطبي أثبت سلامة عقل الدكتور مجدي الكاملة . بعدها دفن الطفل دون رأس ومجدي أودع في الحبس حيث قضى أشهُرَ مدته صامتاً لا يستجيب لأي اغراء او ضغط , وعلى يوسف اليوم وخلال ساعة واحدة أن يحل ربطة لسانه تلك و يجعله يعترف بالاسباب و الحكاية كاملة .. تعالى صوت خطوات تقترب من الباب.
كان الدكتور مجدي في الخمسينيات من عمره على وجه القرب ولكن الرجل الواقف أمامه يبدو وكأنه في السبعينيات من عمره. جلس مجدي على الكرسي ولم ينطق بأي كلمة, مرت دقيقة دقيقتان عشر دقائق و لم ينبس الدكتور مجدي لغاية اللحظة ببنت شفة , حينها قال يوسف : أنا هنا لأجري معك حواراً كلفت به , أنت لن تتكلم وأنا لن أرحل من دون هذا الحوار الصحفي , لذلك عليك التصحيح لي إذا أخطأت إتفقنا ؟, أكمل يوسف : هل ارتكبتَ الجريمة بكامل وعيك ؟ نعم, ثم رفع عينيه إلى مجدي متوقعاً ان يعترض او يستنكر ولكنه لم يفعل, فأكمل إذاً لماذا ارتكبت جريمة القتل هذه ؟, لأنني كنت أريد التخلص منه فبعد أن ماتت زوجتي تحملت مسؤوليته بمفردي .. نظر إلى مجدي ولم يعترض, فواصل تأليف الحوارات هل يمكنك أن تقص علي بالتفاصيل ما جرى تلك الليلة ؟, ليلتها ترددت قليلاً ولكنني ألقيت عليه نظرة الوداع, لقد مات من اول ضربة على راسه .. هنا قاطعه مجدي بصوت لم يستخدمه منذ سنة وقال : لكنه لم يمت, هشمت رأسه بالمطرقة ولكنه لم يمت, إبحث عنه ولو وجدته أقتله !. إنتزع مجدي القلم من يد يوسف و وضعه في عنقه وتهاوى على الأرض فاندفع يوسف يصرخ منادياً على رجال الشرطة . ذهب يوسف إلى المستشفى و قال له الدكتور بأن مجدي لم يمت . قدم مدير التحرير للمستشفى فقال له يوسف ما جرى بالتفصيل , فقال المدير : رائع القصة لم تنته إذاً سيكون لنا السبق, أريد ملفاً كاملاً عن هذه الجريمة ..
بالطبع لم ينم يوسف ليلتها وتحاشى أن ينظر إلى ملف قضية مجدي, وبعد ساعات فتح ملف القضية ونظر إلى صورة فوتوغرافيه للدكتور مجدي , يبدو في تلك الصورة واثقاً مبتسماً كأي أستاذ تاريخ يعيش حياة عادية , ثم قلب الصورة ونظر إلى صورة الولد فانتفض بشكل لا ارادي , كان أمامه طفلاً في العاشرة من عمره ينظر مباشرة دون أن يضحك أو تبدو عليه الملامح الطفولية, بل على العكس كان ينظر بكل الجدية التي تليق برجل بالغ, وكان وجهه متعبا بلا اي سبب. أغلق يوسف الملف وعليه أن ينام وحين يستيقظ سينطلق إلى منزل الدكتور مجدي .
المقدم عصام فتحي يرتبط مع يوسف بزمالة عمل , فعصام مصاب بهوس الظهور الإعلامي, وكان يوسف من يعطيه كل الحق في هذا عن طريق صفحة الحوادث في المجلة. واليوم طلب يوسف من عصام ان يدخل إلى تلك الشقة التي صارت فيما مضى مسرحاً للجريمة الشنيعة, فقام عصام بمرافقة يوسف إلى هناك ولكنه قال : عليَّ أن اقول لك بأن مسرح الجريمة هذا يختلف عن أي مسرح جريمة شاهدته في كل حياتي العملية وسترى ذلك بنفسك . وصلا إلى الشقة التي كانت طبيعية تماماً لا يميزها سوى بقعة داكنة على أحد الجدران, بعدها دلفا الى حجرة الولد الصغير فعلق عصام قائلاً : الآن ما ستراه غير صالح للنشر مهما كان السبب ويجب أن تنساه الى نهاية عمرك , يعلم الله أنني ما زلت أحاول نسيانه ولولا واجبي لما دخلت مرة اخرى الى هنا , والواقع أن عصام كان محقاً في قوله فما حدث هو حينما فتح باب الحجرة شهق يوسف بعنف وانتفض رعباً وتهاوى على الارض, وعندما استفاق طلب أن يدلف الى الغرفة مرة ثانية . كانت حجرة صغيرة وهناك صندوق ألعاب يبدو أنه لم يُلمس, فنظرة الطفل الجادة لا تعطي اي ايحاء بأنه ممن يلعبون بألعاب الأطفال, وكانت هناك الدماء التي غطت كل الحجرة بطريقة غير مسبوقة و غزيرة جدا , دماء على كل شيء, دماء أكثر بكثير مما قد يحتويه جسم اي طفل في العاشرة من عمره, ولكن ما توقف عنده يوسف هو وجه الطفل الذي كان قد انزرع في الحائط اعلى السرير , حيث جاهد رجال المعمل الجنائي لانتزاعه ولكن بقاياه ظلت مغروزة في الحائط . أضاف عصام : الدكتور مجدي لم يقتل ولده وهو نائم كما يعتقد كل الناس بل كان مستيقظاً وهو على السرير , إنهال عليه بالضربات ولكن لسبب ما لم تتهشم عظامه في البداية بل انغرست في الجدار من وراءه , فواصل مجدي الطرق إلى أن أصبحت جمجمته جزءاً من الحائط , وهذا ليس أغرب شيء رأيناه بل هناك أيضاً البقعة الغامقة تلك على الحائط , أخذنا عينة منها لنجد أنها دماء الطفل, ولكن كيف وصلت إلى هذا المكان مع أنه قتل في الحجرة ؟, والبقعة أكبر من أن تكون يدا الدكتور مجدي لوثاها, حينها استغرق سكون على المكان الذي فجأة اشتدت برودته دون اي سبب مفهوم, حينها سأل يوسف عن إسم إبن الدكتور مجدي فقال عصام : لم نتعرف اليه على الاطلاق ولم نجد ورقة واحدة تذكر إسمه, ومجدي لم ينطق بالاسم طيلة التحقيقات على الرغم من كل محاولاتنا الحثيثة لانتزاع الاسم , هذه القضية ملعونة ولسوء حظك أنك كُلفت بها !.
كانت الساعة قد جاوزت الواحدة والنصف حين اجتاز يوسف بوابة جامعة عين شمس حتى يعثر على اي انسان يعرف الدكتور مجدي حقاً ليحكي له قصته الكاملة , ووجد الأستاذ قدري الذي كان يتحاشى يوسف عندما عرف أنه يعمل ك صحافي , فعرف بذلك يوسف أنه يعرف أكثر من اللازم ويخشى على ذاته من التورط, لذلك قال له : الدكتور مجدي قال لي بأن إبنه على قيد الحياة , مسك به الأستاذ قدري و اصطحب يوسف إلى المكتب وقال : لن أضيع وقتك في التفاصيل المملة لتلك الحكاية , لقد كان شخصاً طبيعياً وزوجته كذلك, كانا يحيان عمرهما بشكل طبيعي بين الكتب والمراجع خصوصاً أن زوجته غير قادرة على انجاب الاطفال , كانا يرددان أمام كل الناس أنهما لا يملكان وقتاً للأطفال ولكني كنت اعلم الحقيقة كلها , أما الطفل فكان إبنهما بالتبني, تبنوه بعدما سافرا إلى روسيا, وعندما رأت زوجتي الولد قالت لي انها لم تحس بذرة ارتياح له, و قالت لي انها ترغب في ان تراه مرة ثانية مهما كان السبب, وأنا كذلك شعرت بشيء غير طبيعي تجاه هذا الولد , ومجدي كذلك أراد أن يعرضه على خبيرة في طب الأطفال لأنه شعر بشيء غير اعتيادي في الطفل ، الطبيبة ليلى فاروق, ولكن توقف مجدي عن زيارتها بعد موت زوجته وتركت الولد غريب الأطوار لمجدي, وقرر مجدي بعدها ان يكمل دراسة التاريخ كله في بيته. ومرة زرت مجدي فقال لي إنه هو من تسبب في موت زوجته , ولم أخبر أحداً بذلك أبداً. كانت زوجته قد أصيبت بفشل كلوي بدون اي سبب لذلك ثم توقف كبدها ثم فقدت السمع والقدرة على تحريك ايديها و ارجلها , وفي النهاية توقف قلبها ليستيقظ مجدي عليها جثة هامدة ترقد بالقرب منه على السرير , وكل هذا في أسبوع واحد. وبعدها ترك يوسف المكان ليجد فتاة بقامة نحيلة مثله تماما وعلى درجة من الجمال تقف أمامه وتسأله : أنت الصحفي الذي جاء حتى يستفسر عن الدكتور مجدي ؟, فقال نعم فقالت البنت : إبنه على قيد الحياة بالفعل ويجب أن نجده قبل ان يفوت الاوان بنا !!!!!!
حينها جلسا معاً في مقهى قريب من الجامعة. كانت سوسن تتلفت الى ما حولها طيلة الوقت حولها وكأن هناك من يتتبعها وقالت : أنا طالبة في قسم التاريخ, كان الدكتور مجدي بمثابة الاب الروحي لي وكنت أؤمن بنظريته التي تقول بأن الفترات المظلمة في تاريخ أي حضارة لم تأت من قبيل سوء الحظ أو المصادفة, بل هناك سبب من خلف ذلك , هناك شيء !, فالسبب موجود منذ البداية وموجود حتى هذه اللحظة , وبحث عنه الدكتور مجدي طويلاً وحاول ان يقضي عليه وفشل وحكم عليه بالإعدام , سأل يوسف : أهذا الشيء هو إبنه ؟ فقالت : ليس إبنه لقد كان الشيء .. فإبنه هو الشيء وهو لم يمت حتى هذه اللحظة , جسده مات نعم لكنه لا يزال موجوداً وسيزورك في اقرب وقت ممكن , لن يتركك الآن بعد أن عرفت بانه موجود في هذا العالم وأنا هنا حتى اعاونك , أعرف أنك لن تصدقني أبداً ولكن حاول ألا تتواجد في مكان ما بمفردك البتة ! ثم ترك يوسف المكان.
نعم .. الإستقالة تبدو سهلة في هذا الوقت بل إنها الخيار الأقرب إلى الصواب, لكن فضول البشر هو الطريق الأضمن إلى الهلاك و الأسرع, وفضول يوسف هو خطيئته الوحيدة و التي سيدفع ثمنها غاليا جدا . أخرج يوسف نسخة من التقرير الذي تلقفه من المقدم عصام حول القضية, وهناك تفصيلة توقف يوسف مقابلها ، لقد كانت هناك حروق من الدرجة الثانية في يدي الدكتور مجدي كأنه أشعل النار في يديه بملئ ارادته الحرة و الكاملة , أو كأن المطرقة التي كان يمسك بها كانت ساخنة إلى درجة الإحمرار !. ها هو سؤال جديد ينضم إلى قائمة الأسئلة غير المجاب عنها , حينها قرر أخيراً أنه سيلتقي بالدكتورة ليلى للمرة الاولى .. نعم لأنه سيلتقيها مرة ثانية وستكون اسوأ تجاربه التي سيمر بها !.
إنتهى الأمر بيوسف في عيادة الدكتورة ليلى الجميلة , يجلس ينتظر دوره ليجد بالنهاية أن الدكتورة ليلى ليست متواجدة في العيادة, وأن الدكتورة ليلى كانت قد تركت العيادة منذ سنة او اكثر من ذلك . أخذ عنوان الدكتورة من السكرتيرة مقابل مبلغ من النقود , وحين وصل إلى فيلتها كانت في منزلها وكانت تنتظره, ففتحت باب البيت حتى قبل أن تمس يده جرسه ، رحبت به ثم أخذت تتلفت من حولها بنفس الصورة التي رآها سابقاً مع سوسن, أخذ يتفحص يوسف البيت فشاهد صورة تجمع الدكتورة مع زوجها و اولادها , ولكن رائحة المكان تقول أنها تحيا وحيدة في هذا البيت الكبير . يوسف الذي قضى حياته وحيداً قادر على ان يميز هذه الرائحة بكل يسر و سهولة , حينها قال يوسف : أنا هنا حتى اتكلم قليلا معك عنه ! فقالت : إذاً هو لم يزرك بعد ؟, لدي نصيحة لك حاول ألا تتواجد بمفردك كثيراً واستمتع بكل لحظة تحياها في هذه الايام , فما أنت مقدم عليه أسوأ من كل كوابيسك !, كنت اعتقد مثلك أنه طفل مصاب بمشكلة نفسية ولهذا طلبت من الدكتور مجدي أن يدعه معي في العيادة حت اقوم بكل فحوصاتي عليه , ولكن الدكتور مجدي لم يخبرني بالحقيقة أبداً, تركه معي وهو يعرف ما سيجري لي , والآن لم يعد أمامي شيء سوى ان انتظر , حاول أن تنجز كل ما أردت إنجازه في عمرك قبل أن يبدأ هو .. وتلفتت حولها, ثم قال يوسف أجيبي عن سؤالي على الأقل : أين زوجك و اولادك ؟, حينها صاحت الدكتورة ليلى : أخرج حالاً .... ملخص الزيارة ... لا شيء !!.
رجع يوسف الى بيته ليلتها ينتظر الأسوأ ويتمنى ان يحدث بسرعة, ولكنه لم يزره في تلك الليلة , ونام لفرط إرهاقه الذهني و الجسدي .. حاول يوسف أن يكتب شيئاً يقدمه لمدير التحرير, فهذه المرة الجنون سيكفي, مجدي مجنون وليلى مجنونة وسوسن جنت هي الاخرى ورجال المعمل الجنائي أصيبوا بجنون اصاب عقلهم , وحين قدم يوسف التقرير إلى مدير التحرير قال : لن أقبل بذلك على الاطلاق , الجنون هو ما افترضه الجميع منذ البداية وبالتالي لن نقدم جديداً للناس , أريد شيئاً جديداً عن الطفل وأصدقاؤه وعالمه, إنه الضحية ولذلك ستلتقي بمجدي مرة ثانية !. وبالفعل وصل إلى المستشفى وسمح له الدكتور بخمس دقائق فقط, ودخل يوسف من دون أن يعرف أن الدقائق الخمس التي حصل عليها ستكفيه وتزيد, ففي الدقيقة الثالثة سيتوفى الدكتور مجدي !!. كان الدكتور مجدي في أسوأ حالة يمكن ان تصيب الانسان بعينين تدوران في محجريهما بلا انقطاع تبحثان عن شيء ما غير موجود في هذه الحياة , حينها قال يوسف : لقد قابلت ليلى وسوسن وقدري ولكنني لم اقتنع بما قالوه لي البتة , كل ما عرفته منهم غير قابل للتصديق, حينها قال الدكتور مجدي بصوت يخرج من فمه كفحيح الافعى : إنه يعرف أنك تسعى خلفه .. يعرف ولن يسمح لك بان توقفه عن عمله !, سيأتي من أجلك يجب أن تستعد, إبحث عنه في التاريخ لقد كان دوماً هناك, لا توجد اي مصادفات في الحياة , كان هو التفسير الوحيد وهو السبب لكل ما جرى وما سوف يحري في الحياة ما لم تعثر عليه أولاً, أخبَرَني بأنك وحيد وأنه لن يحميك أحد !, حينها تجمد يوسف مصدوما مما سمعه و قال : كيف عرفت أني وحيد ؟, حينها قال : هو قال لي , سوسن تعرف الكثير ستساعدك ولكنها ستدفع الثمن ... أنا من أعدته وهذا هو خطئي الكبير , لكني لم أعرف, صدقني لم أكن أعرف !, إنها بداية الحكاية ,حينها قال يوسف : أشكرك على وقتك و قام ليرحل ولكن مجدي قال : نادية ماتت بعد تخرجها بأشهر بحادث سيارة, وكانت تحبك وهو من قال لي هذا أيضاً, فانتفض جسد يوسف, كانت نادية هي الفتاة التي عشقها يوسف عندما كان في الجامعة, أكمل مجدي : سيزورك في اقرب وقت ممكن , حاولتُ منعه ولكني فشلت, إبحث عنه في التاريخ وحين تجده لا تتردد في ان تقتله على الاطلاق .. ثم بدأ جهاز رسم القلب بالتسارع فجأة معلناً أن قلب مجدي سيتوقف عن الخفقان ومجدي يردد اقتله اقتله . وما حدث بعدها رآه يوسف وسيقضي ما تبقّى له من عمر يحاول ان ينساه من دون أن يستطيع, ففي لحظة واحدة هوت عشرات المطارق غير المرئية على جسد الدكتور لتتهشم عظامه بصوت مسموع امتزج بالصيحة الصاخبة الاخيرة التي أطلقها, وفي اللحظة التي تليها فقد يوسف وعيه وحين استيقظ قدم استقالته لمدير التحرير من باب انه سيقوم بالتفرغ لفترة من الوقت . تم تشخيص حالة مجدي بأنها حالة صرع غير مسبوقة أدت إلى تهشيم عظامه ...الآن عليه أن يبدأ دوره في الحكاية والخطوة الأولى تنتظره هناك ... معها .
العامة يرددون أن التاريخ يعيد ذاته ولكن الدارسين يعلمون أن هذا التكرار ليس تفسيراً بقدر ما هو سؤال, لكن الدكتور مجدي لم يكن ممن يبحثون عن الحلول السهلة , وحين استدعى سوسن إلى مكتبه حتى يشرح نظريته بأن هناك رابط خفي بين كل الفترات حالكة الظلام في التاريخ التي بدأت وانتهت من دون سبب معروف , فقال مجدي لسوسن بأنه عثر على طرف الخيط وكان عبارة عن شيء ما, شيء موجود لا يعلم إن كان مادياً أم لا لكنه كان على ايمان كبير بانه متواجد في العالم هذا ايضا , وقرر إعادته عن طريق طقوسٍ لاستدعائه لذا كان عليه أن يسافر إلى روسيا و يرجع و معه كل الحقيقة , ولكنه عاد مع إبنه !.
وبعد أشهر طويلة من رجوعه دون أن يزور الجامعة قررت سوسن ان تزوره في البيت , وسمعت صوتاً بارداً يقول : يبدو أن لدينا ضيفة !, ففتح لها الدكتور مجدي الشاحب الوجه الذي رأيناه في السجن وانفجر بسوسن على الباب بغتة وبثورة لم تراها تبدر منه في اي يوم من الايام , وطلب منها أن تغادر من البيت , ثم انبعث الصوت مرة ثانية قائلاً : تبدو لطيفة سيأتي دورها في الايام القادمة , ويتعالى صوت الدكتور مجدي بعدها, وعرفتُ أن زوجته ماتت في اليوم الذي يليه. ثم زارها مجدي ذات يوم ليمنعها من نسيانه وإلى نهاية عمرها , حيث شرح لها كل شيء. وفي اليوم الذي يليه عرفت أن الدكتور مجدي قتل إبنه ! ..
ذهب يوسف إلى سوسن حتى يقررا ما عليهما فعله ! فقالت سوسن : ما أعرفه أنه كان موجوداً منذ بداية التاريخ ذاته وأنه باق حتى نهاية التاريخ , ولديه القدرة على احتلال الأجساد بعد موتها حتى يتحرك بها فيبدو الأمر وكأنما ارجعها إلى الحياة, فعلينا الآن شيئان : أولاً البقاء على قيد الحياة وهذا لن يكون سهلاً, فالشيء يعرف أننا نبحث عنه, وثانياً العثور على طقوس النهاية و باسرع ما يمكن , لذا سنبدأ بكتب التاريخ وملاحظات الدكتور مجدي التي تركها معي..
عاد يوسف إلى شقته يحمل العديد من كتب التاريخ وذكريات يوم طويل .. ألقى يوسف الكتب على الطاولة والقى بجسمه على السرير , وحين أشارت عقارب الساعة إلى تمام منتصف الليل تلقى يوسف اول زيارة له !!!!. انتصب شعر إحدى القطط خارج العمارة وهربت مسرعة شاعرة بشيء سيحدث بعد فترة قليلة من الزمن . إنقطعت الكهرباء عن الشقة وغزت المكان برودة قارسة رهيبة ثم صوت بارد يقول : أنت تبحث عني, ستحاول قتلي ولكن كيف ستقتلني ؟, حينها انتفض يوسف دون أن يجرؤ على التحرك من موقعه ، قال الصوت البارد : أنا هنا حتى اعاونك , التفت يوسف إلى مصدر الصوت فتشكلت صورة على هيئة طفل في العاشرة من عمره يقف ينظر إليه عين بعين , الطفل ذاته الذي رآه يوسف في الصور ورأى رأسه مزروعا في الحائط , قال : ستبدأ لعبتي قريباً ولكن قبل أن نبدأ يجب أن تعلم أكثر والبداية تنتظرك هناك في بيتها , في منزلها ستعرف أكثر ما أنت بصدد ان تقوم به , وبعدها سنستمتع كثيراً لكنك في النهاية ستدفع الثمن . في اللحظة التي تليها عادت الحياة لمصباح الغرفة فجأة ليضيء الحجرة , ثم أسرع مغادراً المكان ليدخل مركبته ويبدأ بالصراخ. إنطلق إلى بيت الدكتورة ليلى ! وصل إلى منزلها وحاول التسلل والدخول وبالفعل دخل. إرتجف يوسف بعض الشيء لحظة دخوله البيت فليلى ترقد في حجرة نومها .. إنه الآن ينفّذ ما طلبه منه هذا الشيء من دون أن يجرؤ على مخالفة اي امر من اوامره . نزل إلى قبو الفيلا لأن كل الأسرار توجد في القبو على الدوام . كان القبو مظلماً بشكل مخيف وبارداً جداً برودة لا يمكن أن تحس بها أشد ليالي الشتاء برودة. أخذ يوسف يتحسس مفتاح الإنارة لإضاءة القبو , فقبض على يد بشرية يتتبعها جسد طفلة رقدت في مقعد في ظلام القبو فاتحة فمها , إنها إبنة ليلى وإلى جوارها جثة طفل ورجل, ثلاث جثث لعائلة كانت سعيدة يوماً . إنتبه يوسف إلى صوت الخطوات التي بدأت بالنزول شيئا فشيئا الى القبو فاختبأ خلف جثة الطفلة, ولكنه انتبه إلى شيء ما في حنكها , حينها قالت ليلى بينما كان يوسف يحاول أن يخرج ذلك الشيء من فم الطفلة : أنا أعرف أنك هنا, كنت اعلم انك سترجع في وقت ما , هو من أقنعني بقتلهم و قال لي بأن هذا سيحميهم مما هو قادم و سيرجعهم في الوقت المناسب, ولكنه طلب مني المقابل, لذلك قال لي بأنك ستأتي وأن علي أن أتركك في اول مرة تاتي فيها الى هنا , ولكن عليَّ في المرة الثانية أن أقتلك, حينها تجمد يوسف في مكانه وأخذ يُخرج المفتاح شيئاً فشيئاً من فم جثة البنت , وفجأة هبطت يد ليلى على كتف يوسف ليرتعش على أثرها كل جسده !!.
حين خرج يوسف كان يجفف يديه من دماء ليلى وكان قد تغير الى نهاية عمره . ثمة شعور بسيط يسيطر على المرء حين يَقتل للمرة الاولى في حياته , مزيج من البرود والإرتياح والإشمئزاز والثقة.. ثم اختفت سوسن .. إنتقل يوسف إلى أرخص فندق وأخذ يقرأ في كتب التاريخ شيئاً فشيئاً. دس يده في جيبه لينظر الى المفتاح الذي عثر عليه في فم الطفلة, أمسك به بتوتر متذكراً طرف الخيط الذي اعطاه اياه هذا الشيء, بعدها انطلق إلى الأستاذ قدري الوحيد الذي يقدر ان يعاونه الآن, فقال له : هذه الرموز المتقطعة الموجودة على المفتاح هي حروف وليست مجرد رسومات, ولكي نفك تلك اللغة نحن نحتاج الان الى عالم و خبير في اللغات القديمة .
عصام انتقل إلى مسرح جريمة اخرى حدثت , ولكن أول ما لاحظه عصام مع وصوله هو حالة الصمت التي سيطرت على المكان, وحين دخل إلى المكان كان الضحية شاباً في أواخر العشرينيات, عندما دلف عصام إلى الشقة شهق وارتجف وانتفض, وللحظات ظل واقفاً في مكانه فاغر الفم عاجزاً على ان يسيطر على احساسه . كان شاباً جالساً خلف مكتبه أسود اللون لأنه احترق من الداخل وكأن عظامه تحولت إلى حطب , وعينيه منتفختين, والأسوأ أن ملامحه تحمل الخوف الكبير وكأنه رأى شيئاً أخافه إلى الحد الذي حاول معه أن يقفل عينيه عن الرؤية , لكن يديه ذابتا والتصقتا بوجهه, شيئاً ما أحرقه من داخل جسمه الى خارجه . وكان هذا الشاب هو المهندس سامح سمير !!!!! سامح الذي كان خطيب سوسن !!!!!.
جلس يوسف على سريره وكان الظلام هذه الليلة قد اشتد, وجاء الصوت الذي انبعث قائلاً : أنت الآن مستعد وأنا ساعاونك , ولكن دعني أخبرك بقواعد اللعبة, في كل مرة سيكون لك الإختيار وستدفع ثمن كل اختيار , ستستمر اللعبة إلى أن تدرك الحقيقة باكملها , وفي كل مرة ستحصل على قطعة من الحقيقة وسأحصل أنا على قطعة .. ثم ذهب الصوت !. أخذ يوسف يهوي ووجهه منكباً على الطين فصاح بصوت عالي : أين أنا؟. كان يوسف تحت سماء زرقاء بين جذوع الأشجار والضباب, إنه لا يحلم فلا يوجد حلم بهذا الكم من التفاصيل و بهذه الدقة , بالإضافة أن الجسد الذي يقف به في الغابة الآن ليس جسده فهو جسد طويل مليء بالعضلات وعارٍ إلا من بعض أوراق الشجر التي تلتف حول وسطه , وأيضاً إنه ينزف من جرح كبير في عنق الجسد الذي هو ليس جسده . إنتبه يوسف إلى أنه يجب أن يوقف النزيف حتى لا يموت في هذه اللحظة , فالنصل مغروز في جسده ويوسف يتقدم بلا أي هدف في هذه الغابة الموحشة , وفجأة تعالى صوت أنثوي يشدو بلحن حزين ولكنه جميل للغاية , إنه أجمل صوت سمعه في حياته لغاية هذه اللحظة . بدأ يتجه إلى مصدر الصوت ولكنه كان قد فقد الرؤية مع الظلام الذي أحاط به من كل الجهات , وأخيراً وصل إلى قرية المنازل فيها مبنية في تجاويف ضخمة في جذوع الأشجار. كان ضوء القمر قد أضاء المكان بالقدر الذي يمكنه من خلاله ان يرى تفاصيل المكان, تحسس يوسف الأرض من تحته فكانت رطبة أكثر من اللازم, رفع يده بعد تحسس الأرض ليرى دماء قد ملئت يده , حاول يوسف جمع الحقائق فهناك من حاول ان يقتله وترك النصل في رقبته , والقاتل أيضاً إستدرجه بصوت أنثوي إلى هنا حتى يقتله لا محالة , إذاً هي قاتلة وليس قاتل. شعر يوسف بصوت من وراءه وتلقى ضربة قاضية على رأسه ولكنه لم يمت. إنه يرقد في دائرة صنعت من جثث نساء و رجال , والقاتلة تجلس في منتصف الدائرة تردد تعاويذ و تحاول من خلالها ان تعيد رجلها إلى الحياة, وبجانبها نصل حجري, الآن يمكنه أن يحاول الهرب أو أن يزحف إلى النصل و يذبحها , والآن عليه أن يختار كما وعده ذلك الشيء, فاختار أن يهرب ولكنه توقف عندما سمع صوت الرجل الذي يرقد جثة أمام هذه المراة ، فتح الرجل عينيه ليرى يوسف ذلك الوهج الغريب الذي أحاط بعينيه, حينها توقفت المرأة عن ترديد تعاويذها خائفة لتكتشف أن من وقف أمامها ليس الرجل الذي تحاول ان تستدعيه بل الشيء, عرفه يوسف وفقد القدرة على اي حركة ممكنة , حينها قتل الشيء المرأة وقال : لقد اخترتَ والآن عليك أن تفر من المكان . ليلتها اكتشف يوسف أن غريزة الخوف أقوى الغرائز على الإطلاق, وبعدها أخذ يوسف بالركض إلى ما لا نهاية, المهم أن يبتعد عن هذا المكان إلى أن توقف أمام هاوية, فهل عليه أن يتوقف حتى يواجه الشيء أو أن يقفز إلى الهاوية, إنه هالك لا محالة !. توقف يوسف حتى يواجه الشيء فقال يوسف : لماذا ؟ فقال الشيء : لقد كانت مقابلك كل الخيارات ! ثم مد الشيء يده على عنق يوسف وسمع صوت عنقه وهو يتحطم , وبعدها أظلمت الدنيا تماماً. وحين فتح يوسف عينيه وجد ذاته في حجرة الفندق وفهم أول خطأ ارتكبه !, لقد كانت لديه الفرصة أن يقتله قبل أن يولد لكنه اضاع تلك الفرصة حين ترك المرأة على قيد الحياة, وها هو يدفع الثمن وبذلك فقدَ الرؤية بعينه اليسرى كأول قطعة انتشلها الشيء منه !. أوشك يوسف على الإنتهاء من كتب التاريخ التي أخذها من سوسن دون أن يعثر على ما يريده منها , وفي أحد المكتبات لقي المقدم عصام الذي سأله : أين سوسن ؟ لقد عثرنا على الجثة وبصماتها تملأ مسرح الجريمة, جريمة قتل المهندس سامح ! حينها قال يوسف بصدمة : لا أعرف !.
بعد أسبوع من الحادث و في قبو الدكتورة ليلى, بدأت جثة ليلى بالتحرك, لم تعد إلى الحياة بالمعنى الحرفي ولكن كأن أحدهم يتحكم في جسمها . إتجهت إلى تليفون بيتها وطلبت رقماً قصيراً مغمضة العينين, وقالت بصوت نطق من حنجرة طارت منها الحياة : أريد أن أبلغ عن جريمة قتل, ثم رجعت الى موقعها !.
إنطلق قدري إلى خبير اللغات القديمة حتى ياخذ النتيجة منه , فقال الرجل : إنها لا تعود لزمن نعلمه بل إنها آتية من هناك, منذ ما قبل أن يبدأ التاريخ ذاته . من يعثر على هذا المفتاح فهو بالتاكيد سيء الحظ, إنه رسالة تحذير تكتمل بوجود مفتاح ثانٍ, فأخذ قدري يقرا الترجمة فأصابه الهلع وقرر أن يحرق الترجمة وأن ينهي دوره في هذه الحكاية المخيفة , ومهما حدث فلن يحاول أن يعلم المزيد .
عاد يوسف الى حجرة الفندق وقرر أن لا يغادر حجرته على الاطلاق , وأن يعثر على سوسن قبل أن يعثر عليها عصام. إستلقى يوسف على السرير فراى ذاته في ذلك البيت , فأدرك أنه قد غفا وأخذه ذلك الشيء من عالمه وزمنه إلى مكان اخر ولكنه في جسده هذه المرة. جال ببصره في القاعة التي يتواجد بها فرأى لوحات غريبة تتحرك ويرى ذاته في كل لوحة, حينها قال الشيء :اللعبة لم تنته بعد وما زلنا في بداية الطريق , وهذه المرة ستفهم أكثرمن قبل , حينها جاءت يد من خلفه حتى يفهم أنه انتقل من المكان إلى مكان آخر وصوت رجل يقول : إستيقظ يجب أن نخرج من هنا , ففتح عينيه بجسد غير جسده ولا بوطنه و لا حتى بزمنه , حينها تبع الرجل إلى قصر كبير ليخرج منه رجل أشيب يخاطب يوسف ويقول : أنت مستعد ؟, هل أنت مستعد حتى تقتل فلاد !. كان فلاد رجلاً استطاع ان يحقق نهضة كبيرة جدا في زمن قياسي بسبب قسوته و جنونه , ومن رحم ظلمه وُلد نوع خاص من العدالة حيث تمكن من بناء مدينته كاملة في أشهر قليلة , كان على يوسف أن يتسلل إلى حجرة فلاد ويدخلها من النافذة ويغرس خنجراً في صدره و ينتهي الامر .. حين نزل إلى الغرفة لم يلق فلاد على السرير بل وجد عجوزاً نحيل الجسد تم وضعه كبديل ليلقى المصير لو حاول أحد الرعية ان يقتل فلاد !. كان أمام يوسف خيارين إما أن يترك العجوز على قيد الحياة ويحاول الفرار من هذا المكان وإما أن يقتله !, حينها استغرب لماذا اختار فلاد ذلك العجوز, وبعدها قرر يوسف وغرز الخنجر في قلب العجوز, وتصاعدت معها صرخة مدوية ترج جدران القصر معلنة نهاية يوسف و فشل خطة اغتيال فلاد!, حينها أخذ فلاد يوسف إلى حجرة في القصر فقال الشيء : أجسادكم تبلى سريعاً كيف تطيقون ان تعيشوا بها ؟, وأمر الشيء فلاد بان يخرج , فقال يوسف : لماذا تقتل الناس ؟ فقال الشيء : لأن كل يوم آخذه من أعماركم يضاف إلى عمري !, سآخذ قطعة منك, كان عليك أن تنظر إلى القوس و السهم الموجودين في حجرة فلاد, فالجيش حينها كان ينتظر تلك الإشارة وسيقتحم البلدة ويقتل فلاد وأموت أنا, ولكنك قتلت العجوز وكان الخيار الخاطيء !, حينها فر يوسف هارباً يلاحقه الشيء بجسم فلاد ثم سقط يوسف وتهشمت عظامه, ثم أظلمت الدنيا وانتهى الامر باكمله !. رجع يوسف إلى أرضية الفندق يسعل بقوة, وبعد فحوصات المستشفى تأكد له بأن رئته اليمنى قد توقفت عن العمل !!.
في فيلا ليلى وقف عصام أمام المقبرة الجماعية, وفي الدقيقة التي خطت فيها قدماه الى المنزل علم ان لهذا الموضوع علاقة بجثة ذلك المهندس الشاب سامح. دخل ليرى الاسرة كلها فالرجل والطفلان قتلا بتهشيم رؤوسهم بأداة كبيرة , أما الطبيبة ليلى فقد ذبحت بسكين , وما أفاده رجال المعمل الجنائي أن هناك مفتاح كان ولفترة طويلة في فم هذه البنت ترك الأثر على لسانها, المفتاح الذي يترنح في يد يوسف الآن. إنتظر عصام إتصال المعمل الجنائي لرفع البصمات وأخذ نتيجة التقرير فعرف أن البصمات كانت ليوسف, حينها احتلت علامة تعجب كبيرة غريبة ساطعة في رأس عصام !!!!.
كان يوسف قد رأى في اللوحات المتحركة العجيبة في قصر فلاد صورته مع امرأة, فعندما رجع إلى الفندق أخذ يعثر على تلك المرأة حتى يكون مستعداً للقاء هذه المرأة , وفجأة دق باب الحجرة بشكل كبير ودست ورقة من تحت الباب : أهرب !, حينها بدأ يوسف بجمع حاجياته بسرعة فائقة وبحث عن المفتاح ليأخذه ووجده وبدأ رحلة الفرار من المكان . وأثناء هروبه من الفندق جاءته ضربة على رأسه أفقدته كل تركيزه وأرسلته إلى حيث سيواصل هربه في زمن لا يمت إلى زمنه باي صلة , فوجد نفسه على عربة تجرها أحصنة تحركها امرأة يطل من عينيها الجنون وتقول إنهم خلفنا !!, جسده هذه المرة ضخم بصوت عميق النبرات أجش وهو ما أسعده قليلاً, كان من وراءه مارسيل الذي يطلق السهام باتجاههم وكان غاضباً بشكل كبير لدرجة أن لا شيء يخمد غضبه سوى دماء هذه المراة التي في القفص, والتي سيقتلها لأنها كانت السبب في وفاة زوجته مارلا, فكان أمام يوسف خيارين إما أن يسقط في الهاوية التي مقابله مباشرة أو أن يبقى مع تلك المرأة وسيكون مصيره أسوأ بكثير, وفي لحظة انغرس أحد السهام الاتية من الوراء في أحد الأحصنة فسقط الحصان وانحنت العربة معه إلى الهاوية ليغرق في النهر, ثم أمسكت المرأة بيده و اخذته وأخرجته من النهر, وواصلا الفرار فعرّفته على نفسها, إسمها اليزابيث باثوري (كونتيسة الدم), حيث كانت تقتل الفتيات العذراوات وتغتسل بدمائهن وغيرها من الجرائم الغريبة بحق خادماتها, حينها قالت : لو قتلوني سيحصل هو على جسدي, الشيء ينتظرني لاموت حتى يحصل على جسدي ويواصل وجوده عبر جسدي , حينها خُير يوسف بين خيارين إما أن ينقذ من قتلت المئات أو أن يتركها للشيء ليقتل هو الآلاف, حينها قرر يوسف ان يواجه الثلاث رجال مارسيل والرجلين اللذين معه عند النهر وحماية اليزابيث, وفجأة صاحت اليزابيث : نحن هنا ما الذي تنتظرونه ؟, حينها اتجه كلٌ من الرجال الثلاثة في اتجاه ليحاصروها, وتقدم أول رجل تجاه الصوت وبدأ معركة قتاله مع يوسف, ثم جاء الرجل الثاني, و عاونت اليزابيث يوسف في عراكه مع الرجلين الثانيين , ثم هربا بينما أطلق مارسيل سهمه في اتجاه ظهر اليزابيث ولكنه اصاب ظهر أحد الرجلين, حينها صاح مارسيل صرخة رجل خسر في لحظة واحدة كل شيء ولم تعد أمامه الفرصة حتى يعوض الخسارات التي وقع بها , حينها عبر يوسف واليزابيث النهر وقالت : سنعبر النهر حتى تحصل على قطعتك من الحقيقة. إندهش يوسف لأنها تعلم كل قواعد اللعبة , حينها فكر يوسف أنه قد أحسن الإختيار وأنقذ اليزابيث وواجه الموت, وستواصل طريقها لقصرها بينما هو عليه ان يرجع لزمنه و وطنه , وسيجد قصة الشيء قد انتهت منذ هذا الزمن و يرجع كل شيء لطبيعته ليكون يوسف لا شيء يلاحقه , ومجدي لم يقتل إبنه وسوسن لم تختف وليلى تحيا حياة طبيعية مع اسرتها , ولكن يحس بأن هذا لن يحدث ... سألته اليزابيث عن قطعة الحقيقة وكأنها تؤكد أن كل ما سينتهي هذه الليلة هو فقط هذا الفصل تمهيداً لعودة فصول ثانية ؟؟؟, حينها غرزت اليزابيث خنجرها في خاصرة يوسف قائلة : لقد أنقذتني طوال الليل أيها الغبي !, اليزابيث انتحرت يوم اقتحموا قصرها, إنتحرت و تركت لي جسمها كما كنت ارغب به منذ البداية !. لقد خدعه الشيء !!, والآن الظلام يحيط به أكثر فأكثر. وفي اللحظة التي تليها وجد يوسف نفسه قد عاد إلى زمنه وعلم أنه قد فقد كليته اليمنى في مقابل هذا الامر .
وجد يوسف ذاته في مركبته وسوسن كانت معه !!, سوسن التي اختفت طويلاً تجثم فوق صدره وقد ارتسم على وجهها ملامح غضب امتزج بالمرارة والجنون واليأس الذي رآه سابقاً في وجه الدكتورة ليلى, وكانت تبكي وتقبض على سكين انزرع بشكل كامل في لحم عنق يوسف, وكانت تهمس وسط دموعها : سامحني .. لكن .. لكن يجب أن اذبحك !!.
النهاية . . .
في الحجرة الصغيرة جلس يوسف يتذكر الخبر الصغير الذي احتل الربع السفلي من صفحة الحوادث في السنة الماضية , حيث أستاذ التاريخ مجدي الرفاعي الأرمل المشهود له بالاحترام و النبوغ , قد ابتاع مطرقة وهشم بها رأس ولده الصغير إلى أن تناثر إلى فتات في كل الحجرة ومن دون أي مبرر او سبب لفعلته تلك . كانت إفادة الجيران أنهم سمعوا صوت ضربات ثقيلة قادمة من شقته أعقبتها ضحكات الدكتور مجدي الصاخبة و المجنونة . الكشف الطبي أثبت سلامة عقل الدكتور مجدي الكاملة . بعدها دفن الطفل دون رأس ومجدي أودع في الحبس حيث قضى أشهُرَ مدته صامتاً لا يستجيب لأي اغراء او ضغط , وعلى يوسف اليوم وخلال ساعة واحدة أن يحل ربطة لسانه تلك و يجعله يعترف بالاسباب و الحكاية كاملة .. تعالى صوت خطوات تقترب من الباب.
كان الدكتور مجدي في الخمسينيات من عمره على وجه القرب ولكن الرجل الواقف أمامه يبدو وكأنه في السبعينيات من عمره. جلس مجدي على الكرسي ولم ينطق بأي كلمة, مرت دقيقة دقيقتان عشر دقائق و لم ينبس الدكتور مجدي لغاية اللحظة ببنت شفة , حينها قال يوسف : أنا هنا لأجري معك حواراً كلفت به , أنت لن تتكلم وأنا لن أرحل من دون هذا الحوار الصحفي , لذلك عليك التصحيح لي إذا أخطأت إتفقنا ؟, أكمل يوسف : هل ارتكبتَ الجريمة بكامل وعيك ؟ نعم, ثم رفع عينيه إلى مجدي متوقعاً ان يعترض او يستنكر ولكنه لم يفعل, فأكمل إذاً لماذا ارتكبت جريمة القتل هذه ؟, لأنني كنت أريد التخلص منه فبعد أن ماتت زوجتي تحملت مسؤوليته بمفردي .. نظر إلى مجدي ولم يعترض, فواصل تأليف الحوارات هل يمكنك أن تقص علي بالتفاصيل ما جرى تلك الليلة ؟, ليلتها ترددت قليلاً ولكنني ألقيت عليه نظرة الوداع, لقد مات من اول ضربة على راسه .. هنا قاطعه مجدي بصوت لم يستخدمه منذ سنة وقال : لكنه لم يمت, هشمت رأسه بالمطرقة ولكنه لم يمت, إبحث عنه ولو وجدته أقتله !. إنتزع مجدي القلم من يد يوسف و وضعه في عنقه وتهاوى على الأرض فاندفع يوسف يصرخ منادياً على رجال الشرطة . ذهب يوسف إلى المستشفى و قال له الدكتور بأن مجدي لم يمت . قدم مدير التحرير للمستشفى فقال له يوسف ما جرى بالتفصيل , فقال المدير : رائع القصة لم تنته إذاً سيكون لنا السبق, أريد ملفاً كاملاً عن هذه الجريمة ..
بالطبع لم ينم يوسف ليلتها وتحاشى أن ينظر إلى ملف قضية مجدي, وبعد ساعات فتح ملف القضية ونظر إلى صورة فوتوغرافيه للدكتور مجدي , يبدو في تلك الصورة واثقاً مبتسماً كأي أستاذ تاريخ يعيش حياة عادية , ثم قلب الصورة ونظر إلى صورة الولد فانتفض بشكل لا ارادي , كان أمامه طفلاً في العاشرة من عمره ينظر مباشرة دون أن يضحك أو تبدو عليه الملامح الطفولية, بل على العكس كان ينظر بكل الجدية التي تليق برجل بالغ, وكان وجهه متعبا بلا اي سبب. أغلق يوسف الملف وعليه أن ينام وحين يستيقظ سينطلق إلى منزل الدكتور مجدي .
المقدم عصام فتحي يرتبط مع يوسف بزمالة عمل , فعصام مصاب بهوس الظهور الإعلامي, وكان يوسف من يعطيه كل الحق في هذا عن طريق صفحة الحوادث في المجلة. واليوم طلب يوسف من عصام ان يدخل إلى تلك الشقة التي صارت فيما مضى مسرحاً للجريمة الشنيعة, فقام عصام بمرافقة يوسف إلى هناك ولكنه قال : عليَّ أن اقول لك بأن مسرح الجريمة هذا يختلف عن أي مسرح جريمة شاهدته في كل حياتي العملية وسترى ذلك بنفسك . وصلا إلى الشقة التي كانت طبيعية تماماً لا يميزها سوى بقعة داكنة على أحد الجدران, بعدها دلفا الى حجرة الولد الصغير فعلق عصام قائلاً : الآن ما ستراه غير صالح للنشر مهما كان السبب ويجب أن تنساه الى نهاية عمرك , يعلم الله أنني ما زلت أحاول نسيانه ولولا واجبي لما دخلت مرة اخرى الى هنا , والواقع أن عصام كان محقاً في قوله فما حدث هو حينما فتح باب الحجرة شهق يوسف بعنف وانتفض رعباً وتهاوى على الارض, وعندما استفاق طلب أن يدلف الى الغرفة مرة ثانية . كانت حجرة صغيرة وهناك صندوق ألعاب يبدو أنه لم يُلمس, فنظرة الطفل الجادة لا تعطي اي ايحاء بأنه ممن يلعبون بألعاب الأطفال, وكانت هناك الدماء التي غطت كل الحجرة بطريقة غير مسبوقة و غزيرة جدا , دماء على كل شيء, دماء أكثر بكثير مما قد يحتويه جسم اي طفل في العاشرة من عمره, ولكن ما توقف عنده يوسف هو وجه الطفل الذي كان قد انزرع في الحائط اعلى السرير , حيث جاهد رجال المعمل الجنائي لانتزاعه ولكن بقاياه ظلت مغروزة في الحائط . أضاف عصام : الدكتور مجدي لم يقتل ولده وهو نائم كما يعتقد كل الناس بل كان مستيقظاً وهو على السرير , إنهال عليه بالضربات ولكن لسبب ما لم تتهشم عظامه في البداية بل انغرست في الجدار من وراءه , فواصل مجدي الطرق إلى أن أصبحت جمجمته جزءاً من الحائط , وهذا ليس أغرب شيء رأيناه بل هناك أيضاً البقعة الغامقة تلك على الحائط , أخذنا عينة منها لنجد أنها دماء الطفل, ولكن كيف وصلت إلى هذا المكان مع أنه قتل في الحجرة ؟, والبقعة أكبر من أن تكون يدا الدكتور مجدي لوثاها, حينها استغرق سكون على المكان الذي فجأة اشتدت برودته دون اي سبب مفهوم, حينها سأل يوسف عن إسم إبن الدكتور مجدي فقال عصام : لم نتعرف اليه على الاطلاق ولم نجد ورقة واحدة تذكر إسمه, ومجدي لم ينطق بالاسم طيلة التحقيقات على الرغم من كل محاولاتنا الحثيثة لانتزاع الاسم , هذه القضية ملعونة ولسوء حظك أنك كُلفت بها !.
كانت الساعة قد جاوزت الواحدة والنصف حين اجتاز يوسف بوابة جامعة عين شمس حتى يعثر على اي انسان يعرف الدكتور مجدي حقاً ليحكي له قصته الكاملة , ووجد الأستاذ قدري الذي كان يتحاشى يوسف عندما عرف أنه يعمل ك صحافي , فعرف بذلك يوسف أنه يعرف أكثر من اللازم ويخشى على ذاته من التورط, لذلك قال له : الدكتور مجدي قال لي بأن إبنه على قيد الحياة , مسك به الأستاذ قدري و اصطحب يوسف إلى المكتب وقال : لن أضيع وقتك في التفاصيل المملة لتلك الحكاية , لقد كان شخصاً طبيعياً وزوجته كذلك, كانا يحيان عمرهما بشكل طبيعي بين الكتب والمراجع خصوصاً أن زوجته غير قادرة على انجاب الاطفال , كانا يرددان أمام كل الناس أنهما لا يملكان وقتاً للأطفال ولكني كنت اعلم الحقيقة كلها , أما الطفل فكان إبنهما بالتبني, تبنوه بعدما سافرا إلى روسيا, وعندما رأت زوجتي الولد قالت لي انها لم تحس بذرة ارتياح له, و قالت لي انها ترغب في ان تراه مرة ثانية مهما كان السبب, وأنا كذلك شعرت بشيء غير طبيعي تجاه هذا الولد , ومجدي كذلك أراد أن يعرضه على خبيرة في طب الأطفال لأنه شعر بشيء غير اعتيادي في الطفل ، الطبيبة ليلى فاروق, ولكن توقف مجدي عن زيارتها بعد موت زوجته وتركت الولد غريب الأطوار لمجدي, وقرر مجدي بعدها ان يكمل دراسة التاريخ كله في بيته. ومرة زرت مجدي فقال لي إنه هو من تسبب في موت زوجته , ولم أخبر أحداً بذلك أبداً. كانت زوجته قد أصيبت بفشل كلوي بدون اي سبب لذلك ثم توقف كبدها ثم فقدت السمع والقدرة على تحريك ايديها و ارجلها , وفي النهاية توقف قلبها ليستيقظ مجدي عليها جثة هامدة ترقد بالقرب منه على السرير , وكل هذا في أسبوع واحد. وبعدها ترك يوسف المكان ليجد فتاة بقامة نحيلة مثله تماما وعلى درجة من الجمال تقف أمامه وتسأله : أنت الصحفي الذي جاء حتى يستفسر عن الدكتور مجدي ؟, فقال نعم فقالت البنت : إبنه على قيد الحياة بالفعل ويجب أن نجده قبل ان يفوت الاوان بنا !!!!!!
حينها جلسا معاً في مقهى قريب من الجامعة. كانت سوسن تتلفت الى ما حولها طيلة الوقت حولها وكأن هناك من يتتبعها وقالت : أنا طالبة في قسم التاريخ, كان الدكتور مجدي بمثابة الاب الروحي لي وكنت أؤمن بنظريته التي تقول بأن الفترات المظلمة في تاريخ أي حضارة لم تأت من قبيل سوء الحظ أو المصادفة, بل هناك سبب من خلف ذلك , هناك شيء !, فالسبب موجود منذ البداية وموجود حتى هذه اللحظة , وبحث عنه الدكتور مجدي طويلاً وحاول ان يقضي عليه وفشل وحكم عليه بالإعدام , سأل يوسف : أهذا الشيء هو إبنه ؟ فقالت : ليس إبنه لقد كان الشيء .. فإبنه هو الشيء وهو لم يمت حتى هذه اللحظة , جسده مات نعم لكنه لا يزال موجوداً وسيزورك في اقرب وقت ممكن , لن يتركك الآن بعد أن عرفت بانه موجود في هذا العالم وأنا هنا حتى اعاونك , أعرف أنك لن تصدقني أبداً ولكن حاول ألا تتواجد في مكان ما بمفردك البتة ! ثم ترك يوسف المكان.
نعم .. الإستقالة تبدو سهلة في هذا الوقت بل إنها الخيار الأقرب إلى الصواب, لكن فضول البشر هو الطريق الأضمن إلى الهلاك و الأسرع, وفضول يوسف هو خطيئته الوحيدة و التي سيدفع ثمنها غاليا جدا . أخرج يوسف نسخة من التقرير الذي تلقفه من المقدم عصام حول القضية, وهناك تفصيلة توقف يوسف مقابلها ، لقد كانت هناك حروق من الدرجة الثانية في يدي الدكتور مجدي كأنه أشعل النار في يديه بملئ ارادته الحرة و الكاملة , أو كأن المطرقة التي كان يمسك بها كانت ساخنة إلى درجة الإحمرار !. ها هو سؤال جديد ينضم إلى قائمة الأسئلة غير المجاب عنها , حينها قرر أخيراً أنه سيلتقي بالدكتورة ليلى للمرة الاولى .. نعم لأنه سيلتقيها مرة ثانية وستكون اسوأ تجاربه التي سيمر بها !.
إنتهى الأمر بيوسف في عيادة الدكتورة ليلى الجميلة , يجلس ينتظر دوره ليجد بالنهاية أن الدكتورة ليلى ليست متواجدة في العيادة, وأن الدكتورة ليلى كانت قد تركت العيادة منذ سنة او اكثر من ذلك . أخذ عنوان الدكتورة من السكرتيرة مقابل مبلغ من النقود , وحين وصل إلى فيلتها كانت في منزلها وكانت تنتظره, ففتحت باب البيت حتى قبل أن تمس يده جرسه ، رحبت به ثم أخذت تتلفت من حولها بنفس الصورة التي رآها سابقاً مع سوسن, أخذ يتفحص يوسف البيت فشاهد صورة تجمع الدكتورة مع زوجها و اولادها , ولكن رائحة المكان تقول أنها تحيا وحيدة في هذا البيت الكبير . يوسف الذي قضى حياته وحيداً قادر على ان يميز هذه الرائحة بكل يسر و سهولة , حينها قال يوسف : أنا هنا حتى اتكلم قليلا معك عنه ! فقالت : إذاً هو لم يزرك بعد ؟, لدي نصيحة لك حاول ألا تتواجد بمفردك كثيراً واستمتع بكل لحظة تحياها في هذه الايام , فما أنت مقدم عليه أسوأ من كل كوابيسك !, كنت اعتقد مثلك أنه طفل مصاب بمشكلة نفسية ولهذا طلبت من الدكتور مجدي أن يدعه معي في العيادة حت اقوم بكل فحوصاتي عليه , ولكن الدكتور مجدي لم يخبرني بالحقيقة أبداً, تركه معي وهو يعرف ما سيجري لي , والآن لم يعد أمامي شيء سوى ان انتظر , حاول أن تنجز كل ما أردت إنجازه في عمرك قبل أن يبدأ هو .. وتلفتت حولها, ثم قال يوسف أجيبي عن سؤالي على الأقل : أين زوجك و اولادك ؟, حينها صاحت الدكتورة ليلى : أخرج حالاً .... ملخص الزيارة ... لا شيء !!.
رجع يوسف الى بيته ليلتها ينتظر الأسوأ ويتمنى ان يحدث بسرعة, ولكنه لم يزره في تلك الليلة , ونام لفرط إرهاقه الذهني و الجسدي .. حاول يوسف أن يكتب شيئاً يقدمه لمدير التحرير, فهذه المرة الجنون سيكفي, مجدي مجنون وليلى مجنونة وسوسن جنت هي الاخرى ورجال المعمل الجنائي أصيبوا بجنون اصاب عقلهم , وحين قدم يوسف التقرير إلى مدير التحرير قال : لن أقبل بذلك على الاطلاق , الجنون هو ما افترضه الجميع منذ البداية وبالتالي لن نقدم جديداً للناس , أريد شيئاً جديداً عن الطفل وأصدقاؤه وعالمه, إنه الضحية ولذلك ستلتقي بمجدي مرة ثانية !. وبالفعل وصل إلى المستشفى وسمح له الدكتور بخمس دقائق فقط, ودخل يوسف من دون أن يعرف أن الدقائق الخمس التي حصل عليها ستكفيه وتزيد, ففي الدقيقة الثالثة سيتوفى الدكتور مجدي !!. كان الدكتور مجدي في أسوأ حالة يمكن ان تصيب الانسان بعينين تدوران في محجريهما بلا انقطاع تبحثان عن شيء ما غير موجود في هذه الحياة , حينها قال يوسف : لقد قابلت ليلى وسوسن وقدري ولكنني لم اقتنع بما قالوه لي البتة , كل ما عرفته منهم غير قابل للتصديق, حينها قال الدكتور مجدي بصوت يخرج من فمه كفحيح الافعى : إنه يعرف أنك تسعى خلفه .. يعرف ولن يسمح لك بان توقفه عن عمله !, سيأتي من أجلك يجب أن تستعد, إبحث عنه في التاريخ لقد كان دوماً هناك, لا توجد اي مصادفات في الحياة , كان هو التفسير الوحيد وهو السبب لكل ما جرى وما سوف يحري في الحياة ما لم تعثر عليه أولاً, أخبَرَني بأنك وحيد وأنه لن يحميك أحد !, حينها تجمد يوسف مصدوما مما سمعه و قال : كيف عرفت أني وحيد ؟, حينها قال : هو قال لي , سوسن تعرف الكثير ستساعدك ولكنها ستدفع الثمن ... أنا من أعدته وهذا هو خطئي الكبير , لكني لم أعرف, صدقني لم أكن أعرف !, إنها بداية الحكاية ,حينها قال يوسف : أشكرك على وقتك و قام ليرحل ولكن مجدي قال : نادية ماتت بعد تخرجها بأشهر بحادث سيارة, وكانت تحبك وهو من قال لي هذا أيضاً, فانتفض جسد يوسف, كانت نادية هي الفتاة التي عشقها يوسف عندما كان في الجامعة, أكمل مجدي : سيزورك في اقرب وقت ممكن , حاولتُ منعه ولكني فشلت, إبحث عنه في التاريخ وحين تجده لا تتردد في ان تقتله على الاطلاق .. ثم بدأ جهاز رسم القلب بالتسارع فجأة معلناً أن قلب مجدي سيتوقف عن الخفقان ومجدي يردد اقتله اقتله . وما حدث بعدها رآه يوسف وسيقضي ما تبقّى له من عمر يحاول ان ينساه من دون أن يستطيع, ففي لحظة واحدة هوت عشرات المطارق غير المرئية على جسد الدكتور لتتهشم عظامه بصوت مسموع امتزج بالصيحة الصاخبة الاخيرة التي أطلقها, وفي اللحظة التي تليها فقد يوسف وعيه وحين استيقظ قدم استقالته لمدير التحرير من باب انه سيقوم بالتفرغ لفترة من الوقت . تم تشخيص حالة مجدي بأنها حالة صرع غير مسبوقة أدت إلى تهشيم عظامه ...الآن عليه أن يبدأ دوره في الحكاية والخطوة الأولى تنتظره هناك ... معها .
العامة يرددون أن التاريخ يعيد ذاته ولكن الدارسين يعلمون أن هذا التكرار ليس تفسيراً بقدر ما هو سؤال, لكن الدكتور مجدي لم يكن ممن يبحثون عن الحلول السهلة , وحين استدعى سوسن إلى مكتبه حتى يشرح نظريته بأن هناك رابط خفي بين كل الفترات حالكة الظلام في التاريخ التي بدأت وانتهت من دون سبب معروف , فقال مجدي لسوسن بأنه عثر على طرف الخيط وكان عبارة عن شيء ما, شيء موجود لا يعلم إن كان مادياً أم لا لكنه كان على ايمان كبير بانه متواجد في العالم هذا ايضا , وقرر إعادته عن طريق طقوسٍ لاستدعائه لذا كان عليه أن يسافر إلى روسيا و يرجع و معه كل الحقيقة , ولكنه عاد مع إبنه !.
وبعد أشهر طويلة من رجوعه دون أن يزور الجامعة قررت سوسن ان تزوره في البيت , وسمعت صوتاً بارداً يقول : يبدو أن لدينا ضيفة !, ففتح لها الدكتور مجدي الشاحب الوجه الذي رأيناه في السجن وانفجر بسوسن على الباب بغتة وبثورة لم تراها تبدر منه في اي يوم من الايام , وطلب منها أن تغادر من البيت , ثم انبعث الصوت مرة ثانية قائلاً : تبدو لطيفة سيأتي دورها في الايام القادمة , ويتعالى صوت الدكتور مجدي بعدها, وعرفتُ أن زوجته ماتت في اليوم الذي يليه. ثم زارها مجدي ذات يوم ليمنعها من نسيانه وإلى نهاية عمرها , حيث شرح لها كل شيء. وفي اليوم الذي يليه عرفت أن الدكتور مجدي قتل إبنه ! ..
ذهب يوسف إلى سوسن حتى يقررا ما عليهما فعله ! فقالت سوسن : ما أعرفه أنه كان موجوداً منذ بداية التاريخ ذاته وأنه باق حتى نهاية التاريخ , ولديه القدرة على احتلال الأجساد بعد موتها حتى يتحرك بها فيبدو الأمر وكأنما ارجعها إلى الحياة, فعلينا الآن شيئان : أولاً البقاء على قيد الحياة وهذا لن يكون سهلاً, فالشيء يعرف أننا نبحث عنه, وثانياً العثور على طقوس النهاية و باسرع ما يمكن , لذا سنبدأ بكتب التاريخ وملاحظات الدكتور مجدي التي تركها معي..
عاد يوسف إلى شقته يحمل العديد من كتب التاريخ وذكريات يوم طويل .. ألقى يوسف الكتب على الطاولة والقى بجسمه على السرير , وحين أشارت عقارب الساعة إلى تمام منتصف الليل تلقى يوسف اول زيارة له !!!!. انتصب شعر إحدى القطط خارج العمارة وهربت مسرعة شاعرة بشيء سيحدث بعد فترة قليلة من الزمن . إنقطعت الكهرباء عن الشقة وغزت المكان برودة قارسة رهيبة ثم صوت بارد يقول : أنت تبحث عني, ستحاول قتلي ولكن كيف ستقتلني ؟, حينها انتفض يوسف دون أن يجرؤ على التحرك من موقعه ، قال الصوت البارد : أنا هنا حتى اعاونك , التفت يوسف إلى مصدر الصوت فتشكلت صورة على هيئة طفل في العاشرة من عمره يقف ينظر إليه عين بعين , الطفل ذاته الذي رآه يوسف في الصور ورأى رأسه مزروعا في الحائط , قال : ستبدأ لعبتي قريباً ولكن قبل أن نبدأ يجب أن تعلم أكثر والبداية تنتظرك هناك في بيتها , في منزلها ستعرف أكثر ما أنت بصدد ان تقوم به , وبعدها سنستمتع كثيراً لكنك في النهاية ستدفع الثمن . في اللحظة التي تليها عادت الحياة لمصباح الغرفة فجأة ليضيء الحجرة , ثم أسرع مغادراً المكان ليدخل مركبته ويبدأ بالصراخ. إنطلق إلى بيت الدكتورة ليلى ! وصل إلى منزلها وحاول التسلل والدخول وبالفعل دخل. إرتجف يوسف بعض الشيء لحظة دخوله البيت فليلى ترقد في حجرة نومها .. إنه الآن ينفّذ ما طلبه منه هذا الشيء من دون أن يجرؤ على مخالفة اي امر من اوامره . نزل إلى قبو الفيلا لأن كل الأسرار توجد في القبو على الدوام . كان القبو مظلماً بشكل مخيف وبارداً جداً برودة لا يمكن أن تحس بها أشد ليالي الشتاء برودة. أخذ يوسف يتحسس مفتاح الإنارة لإضاءة القبو , فقبض على يد بشرية يتتبعها جسد طفلة رقدت في مقعد في ظلام القبو فاتحة فمها , إنها إبنة ليلى وإلى جوارها جثة طفل ورجل, ثلاث جثث لعائلة كانت سعيدة يوماً . إنتبه يوسف إلى صوت الخطوات التي بدأت بالنزول شيئا فشيئا الى القبو فاختبأ خلف جثة الطفلة, ولكنه انتبه إلى شيء ما في حنكها , حينها قالت ليلى بينما كان يوسف يحاول أن يخرج ذلك الشيء من فم الطفلة : أنا أعرف أنك هنا, كنت اعلم انك سترجع في وقت ما , هو من أقنعني بقتلهم و قال لي بأن هذا سيحميهم مما هو قادم و سيرجعهم في الوقت المناسب, ولكنه طلب مني المقابل, لذلك قال لي بأنك ستأتي وأن علي أن أتركك في اول مرة تاتي فيها الى هنا , ولكن عليَّ في المرة الثانية أن أقتلك, حينها تجمد يوسف في مكانه وأخذ يُخرج المفتاح شيئاً فشيئاً من فم جثة البنت , وفجأة هبطت يد ليلى على كتف يوسف ليرتعش على أثرها كل جسده !!.
حين خرج يوسف كان يجفف يديه من دماء ليلى وكان قد تغير الى نهاية عمره . ثمة شعور بسيط يسيطر على المرء حين يَقتل للمرة الاولى في حياته , مزيج من البرود والإرتياح والإشمئزاز والثقة.. ثم اختفت سوسن .. إنتقل يوسف إلى أرخص فندق وأخذ يقرأ في كتب التاريخ شيئاً فشيئاً. دس يده في جيبه لينظر الى المفتاح الذي عثر عليه في فم الطفلة, أمسك به بتوتر متذكراً طرف الخيط الذي اعطاه اياه هذا الشيء, بعدها انطلق إلى الأستاذ قدري الوحيد الذي يقدر ان يعاونه الآن, فقال له : هذه الرموز المتقطعة الموجودة على المفتاح هي حروف وليست مجرد رسومات, ولكي نفك تلك اللغة نحن نحتاج الان الى عالم و خبير في اللغات القديمة .
عصام انتقل إلى مسرح جريمة اخرى حدثت , ولكن أول ما لاحظه عصام مع وصوله هو حالة الصمت التي سيطرت على المكان, وحين دخل إلى المكان كان الضحية شاباً في أواخر العشرينيات, عندما دلف عصام إلى الشقة شهق وارتجف وانتفض, وللحظات ظل واقفاً في مكانه فاغر الفم عاجزاً على ان يسيطر على احساسه . كان شاباً جالساً خلف مكتبه أسود اللون لأنه احترق من الداخل وكأن عظامه تحولت إلى حطب , وعينيه منتفختين, والأسوأ أن ملامحه تحمل الخوف الكبير وكأنه رأى شيئاً أخافه إلى الحد الذي حاول معه أن يقفل عينيه عن الرؤية , لكن يديه ذابتا والتصقتا بوجهه, شيئاً ما أحرقه من داخل جسمه الى خارجه . وكان هذا الشاب هو المهندس سامح سمير !!!!! سامح الذي كان خطيب سوسن !!!!!.
جلس يوسف على سريره وكان الظلام هذه الليلة قد اشتد, وجاء الصوت الذي انبعث قائلاً : أنت الآن مستعد وأنا ساعاونك , ولكن دعني أخبرك بقواعد اللعبة, في كل مرة سيكون لك الإختيار وستدفع ثمن كل اختيار , ستستمر اللعبة إلى أن تدرك الحقيقة باكملها , وفي كل مرة ستحصل على قطعة من الحقيقة وسأحصل أنا على قطعة .. ثم ذهب الصوت !. أخذ يوسف يهوي ووجهه منكباً على الطين فصاح بصوت عالي : أين أنا؟. كان يوسف تحت سماء زرقاء بين جذوع الأشجار والضباب, إنه لا يحلم فلا يوجد حلم بهذا الكم من التفاصيل و بهذه الدقة , بالإضافة أن الجسد الذي يقف به في الغابة الآن ليس جسده فهو جسد طويل مليء بالعضلات وعارٍ إلا من بعض أوراق الشجر التي تلتف حول وسطه , وأيضاً إنه ينزف من جرح كبير في عنق الجسد الذي هو ليس جسده . إنتبه يوسف إلى أنه يجب أن يوقف النزيف حتى لا يموت في هذه اللحظة , فالنصل مغروز في جسده ويوسف يتقدم بلا أي هدف في هذه الغابة الموحشة , وفجأة تعالى صوت أنثوي يشدو بلحن حزين ولكنه جميل للغاية , إنه أجمل صوت سمعه في حياته لغاية هذه اللحظة . بدأ يتجه إلى مصدر الصوت ولكنه كان قد فقد الرؤية مع الظلام الذي أحاط به من كل الجهات , وأخيراً وصل إلى قرية المنازل فيها مبنية في تجاويف ضخمة في جذوع الأشجار. كان ضوء القمر قد أضاء المكان بالقدر الذي يمكنه من خلاله ان يرى تفاصيل المكان, تحسس يوسف الأرض من تحته فكانت رطبة أكثر من اللازم, رفع يده بعد تحسس الأرض ليرى دماء قد ملئت يده , حاول يوسف جمع الحقائق فهناك من حاول ان يقتله وترك النصل في رقبته , والقاتل أيضاً إستدرجه بصوت أنثوي إلى هنا حتى يقتله لا محالة , إذاً هي قاتلة وليس قاتل. شعر يوسف بصوت من وراءه وتلقى ضربة قاضية على رأسه ولكنه لم يمت. إنه يرقد في دائرة صنعت من جثث نساء و رجال , والقاتلة تجلس في منتصف الدائرة تردد تعاويذ و تحاول من خلالها ان تعيد رجلها إلى الحياة, وبجانبها نصل حجري, الآن يمكنه أن يحاول الهرب أو أن يزحف إلى النصل و يذبحها , والآن عليه أن يختار كما وعده ذلك الشيء, فاختار أن يهرب ولكنه توقف عندما سمع صوت الرجل الذي يرقد جثة أمام هذه المراة ، فتح الرجل عينيه ليرى يوسف ذلك الوهج الغريب الذي أحاط بعينيه, حينها توقفت المرأة عن ترديد تعاويذها خائفة لتكتشف أن من وقف أمامها ليس الرجل الذي تحاول ان تستدعيه بل الشيء, عرفه يوسف وفقد القدرة على اي حركة ممكنة , حينها قتل الشيء المرأة وقال : لقد اخترتَ والآن عليك أن تفر من المكان . ليلتها اكتشف يوسف أن غريزة الخوف أقوى الغرائز على الإطلاق, وبعدها أخذ يوسف بالركض إلى ما لا نهاية, المهم أن يبتعد عن هذا المكان إلى أن توقف أمام هاوية, فهل عليه أن يتوقف حتى يواجه الشيء أو أن يقفز إلى الهاوية, إنه هالك لا محالة !. توقف يوسف حتى يواجه الشيء فقال يوسف : لماذا ؟ فقال الشيء : لقد كانت مقابلك كل الخيارات ! ثم مد الشيء يده على عنق يوسف وسمع صوت عنقه وهو يتحطم , وبعدها أظلمت الدنيا تماماً. وحين فتح يوسف عينيه وجد ذاته في حجرة الفندق وفهم أول خطأ ارتكبه !, لقد كانت لديه الفرصة أن يقتله قبل أن يولد لكنه اضاع تلك الفرصة حين ترك المرأة على قيد الحياة, وها هو يدفع الثمن وبذلك فقدَ الرؤية بعينه اليسرى كأول قطعة انتشلها الشيء منه !. أوشك يوسف على الإنتهاء من كتب التاريخ التي أخذها من سوسن دون أن يعثر على ما يريده منها , وفي أحد المكتبات لقي المقدم عصام الذي سأله : أين سوسن ؟ لقد عثرنا على الجثة وبصماتها تملأ مسرح الجريمة, جريمة قتل المهندس سامح ! حينها قال يوسف بصدمة : لا أعرف !.
بعد أسبوع من الحادث و في قبو الدكتورة ليلى, بدأت جثة ليلى بالتحرك, لم تعد إلى الحياة بالمعنى الحرفي ولكن كأن أحدهم يتحكم في جسمها . إتجهت إلى تليفون بيتها وطلبت رقماً قصيراً مغمضة العينين, وقالت بصوت نطق من حنجرة طارت منها الحياة : أريد أن أبلغ عن جريمة قتل, ثم رجعت الى موقعها !.
إنطلق قدري إلى خبير اللغات القديمة حتى ياخذ النتيجة منه , فقال الرجل : إنها لا تعود لزمن نعلمه بل إنها آتية من هناك, منذ ما قبل أن يبدأ التاريخ ذاته . من يعثر على هذا المفتاح فهو بالتاكيد سيء الحظ, إنه رسالة تحذير تكتمل بوجود مفتاح ثانٍ, فأخذ قدري يقرا الترجمة فأصابه الهلع وقرر أن يحرق الترجمة وأن ينهي دوره في هذه الحكاية المخيفة , ومهما حدث فلن يحاول أن يعلم المزيد .
عاد يوسف الى حجرة الفندق وقرر أن لا يغادر حجرته على الاطلاق , وأن يعثر على سوسن قبل أن يعثر عليها عصام. إستلقى يوسف على السرير فراى ذاته في ذلك البيت , فأدرك أنه قد غفا وأخذه ذلك الشيء من عالمه وزمنه إلى مكان اخر ولكنه في جسده هذه المرة. جال ببصره في القاعة التي يتواجد بها فرأى لوحات غريبة تتحرك ويرى ذاته في كل لوحة, حينها قال الشيء :اللعبة لم تنته بعد وما زلنا في بداية الطريق , وهذه المرة ستفهم أكثرمن قبل , حينها جاءت يد من خلفه حتى يفهم أنه انتقل من المكان إلى مكان آخر وصوت رجل يقول : إستيقظ يجب أن نخرج من هنا , ففتح عينيه بجسد غير جسده ولا بوطنه و لا حتى بزمنه , حينها تبع الرجل إلى قصر كبير ليخرج منه رجل أشيب يخاطب يوسف ويقول : أنت مستعد ؟, هل أنت مستعد حتى تقتل فلاد !. كان فلاد رجلاً استطاع ان يحقق نهضة كبيرة جدا في زمن قياسي بسبب قسوته و جنونه , ومن رحم ظلمه وُلد نوع خاص من العدالة حيث تمكن من بناء مدينته كاملة في أشهر قليلة , كان على يوسف أن يتسلل إلى حجرة فلاد ويدخلها من النافذة ويغرس خنجراً في صدره و ينتهي الامر .. حين نزل إلى الغرفة لم يلق فلاد على السرير بل وجد عجوزاً نحيل الجسد تم وضعه كبديل ليلقى المصير لو حاول أحد الرعية ان يقتل فلاد !. كان أمام يوسف خيارين إما أن يترك العجوز على قيد الحياة ويحاول الفرار من هذا المكان وإما أن يقتله !, حينها استغرب لماذا اختار فلاد ذلك العجوز, وبعدها قرر يوسف وغرز الخنجر في قلب العجوز, وتصاعدت معها صرخة مدوية ترج جدران القصر معلنة نهاية يوسف و فشل خطة اغتيال فلاد!, حينها أخذ فلاد يوسف إلى حجرة في القصر فقال الشيء : أجسادكم تبلى سريعاً كيف تطيقون ان تعيشوا بها ؟, وأمر الشيء فلاد بان يخرج , فقال يوسف : لماذا تقتل الناس ؟ فقال الشيء : لأن كل يوم آخذه من أعماركم يضاف إلى عمري !, سآخذ قطعة منك, كان عليك أن تنظر إلى القوس و السهم الموجودين في حجرة فلاد, فالجيش حينها كان ينتظر تلك الإشارة وسيقتحم البلدة ويقتل فلاد وأموت أنا, ولكنك قتلت العجوز وكان الخيار الخاطيء !, حينها فر يوسف هارباً يلاحقه الشيء بجسم فلاد ثم سقط يوسف وتهشمت عظامه, ثم أظلمت الدنيا وانتهى الامر باكمله !. رجع يوسف إلى أرضية الفندق يسعل بقوة, وبعد فحوصات المستشفى تأكد له بأن رئته اليمنى قد توقفت عن العمل !!.
في فيلا ليلى وقف عصام أمام المقبرة الجماعية, وفي الدقيقة التي خطت فيها قدماه الى المنزل علم ان لهذا الموضوع علاقة بجثة ذلك المهندس الشاب سامح. دخل ليرى الاسرة كلها فالرجل والطفلان قتلا بتهشيم رؤوسهم بأداة كبيرة , أما الطبيبة ليلى فقد ذبحت بسكين , وما أفاده رجال المعمل الجنائي أن هناك مفتاح كان ولفترة طويلة في فم هذه البنت ترك الأثر على لسانها, المفتاح الذي يترنح في يد يوسف الآن. إنتظر عصام إتصال المعمل الجنائي لرفع البصمات وأخذ نتيجة التقرير فعرف أن البصمات كانت ليوسف, حينها احتلت علامة تعجب كبيرة غريبة ساطعة في رأس عصام !!!!.
كان يوسف قد رأى في اللوحات المتحركة العجيبة في قصر فلاد صورته مع امرأة, فعندما رجع إلى الفندق أخذ يعثر على تلك المرأة حتى يكون مستعداً للقاء هذه المرأة , وفجأة دق باب الحجرة بشكل كبير ودست ورقة من تحت الباب : أهرب !, حينها بدأ يوسف بجمع حاجياته بسرعة فائقة وبحث عن المفتاح ليأخذه ووجده وبدأ رحلة الفرار من المكان . وأثناء هروبه من الفندق جاءته ضربة على رأسه أفقدته كل تركيزه وأرسلته إلى حيث سيواصل هربه في زمن لا يمت إلى زمنه باي صلة , فوجد نفسه على عربة تجرها أحصنة تحركها امرأة يطل من عينيها الجنون وتقول إنهم خلفنا !!, جسده هذه المرة ضخم بصوت عميق النبرات أجش وهو ما أسعده قليلاً, كان من وراءه مارسيل الذي يطلق السهام باتجاههم وكان غاضباً بشكل كبير لدرجة أن لا شيء يخمد غضبه سوى دماء هذه المراة التي في القفص, والتي سيقتلها لأنها كانت السبب في وفاة زوجته مارلا, فكان أمام يوسف خيارين إما أن يسقط في الهاوية التي مقابله مباشرة أو أن يبقى مع تلك المرأة وسيكون مصيره أسوأ بكثير, وفي لحظة انغرس أحد السهام الاتية من الوراء في أحد الأحصنة فسقط الحصان وانحنت العربة معه إلى الهاوية ليغرق في النهر, ثم أمسكت المرأة بيده و اخذته وأخرجته من النهر, وواصلا الفرار فعرّفته على نفسها, إسمها اليزابيث باثوري (كونتيسة الدم), حيث كانت تقتل الفتيات العذراوات وتغتسل بدمائهن وغيرها من الجرائم الغريبة بحق خادماتها, حينها قالت : لو قتلوني سيحصل هو على جسدي, الشيء ينتظرني لاموت حتى يحصل على جسدي ويواصل وجوده عبر جسدي , حينها خُير يوسف بين خيارين إما أن ينقذ من قتلت المئات أو أن يتركها للشيء ليقتل هو الآلاف, حينها قرر يوسف ان يواجه الثلاث رجال مارسيل والرجلين اللذين معه عند النهر وحماية اليزابيث, وفجأة صاحت اليزابيث : نحن هنا ما الذي تنتظرونه ؟, حينها اتجه كلٌ من الرجال الثلاثة في اتجاه ليحاصروها, وتقدم أول رجل تجاه الصوت وبدأ معركة قتاله مع يوسف, ثم جاء الرجل الثاني, و عاونت اليزابيث يوسف في عراكه مع الرجلين الثانيين , ثم هربا بينما أطلق مارسيل سهمه في اتجاه ظهر اليزابيث ولكنه اصاب ظهر أحد الرجلين, حينها صاح مارسيل صرخة رجل خسر في لحظة واحدة كل شيء ولم تعد أمامه الفرصة حتى يعوض الخسارات التي وقع بها , حينها عبر يوسف واليزابيث النهر وقالت : سنعبر النهر حتى تحصل على قطعتك من الحقيقة. إندهش يوسف لأنها تعلم كل قواعد اللعبة , حينها فكر يوسف أنه قد أحسن الإختيار وأنقذ اليزابيث وواجه الموت, وستواصل طريقها لقصرها بينما هو عليه ان يرجع لزمنه و وطنه , وسيجد قصة الشيء قد انتهت منذ هذا الزمن و يرجع كل شيء لطبيعته ليكون يوسف لا شيء يلاحقه , ومجدي لم يقتل إبنه وسوسن لم تختف وليلى تحيا حياة طبيعية مع اسرتها , ولكن يحس بأن هذا لن يحدث ... سألته اليزابيث عن قطعة الحقيقة وكأنها تؤكد أن كل ما سينتهي هذه الليلة هو فقط هذا الفصل تمهيداً لعودة فصول ثانية ؟؟؟, حينها غرزت اليزابيث خنجرها في خاصرة يوسف قائلة : لقد أنقذتني طوال الليل أيها الغبي !, اليزابيث انتحرت يوم اقتحموا قصرها, إنتحرت و تركت لي جسمها كما كنت ارغب به منذ البداية !. لقد خدعه الشيء !!, والآن الظلام يحيط به أكثر فأكثر. وفي اللحظة التي تليها وجد يوسف نفسه قد عاد إلى زمنه وعلم أنه قد فقد كليته اليمنى في مقابل هذا الامر .
وجد يوسف ذاته في مركبته وسوسن كانت معه !!, سوسن التي اختفت طويلاً تجثم فوق صدره وقد ارتسم على وجهها ملامح غضب امتزج بالمرارة والجنون واليأس الذي رآه سابقاً في وجه الدكتورة ليلى, وكانت تبكي وتقبض على سكين انزرع بشكل كامل في لحم عنق يوسف, وكانت تهمس وسط دموعها : سامحني .. لكن .. لكن يجب أن اذبحك !!.
النهاية . . .
تعليقات
إرسال تعليق