القائمة الرئيسية

الصفحات



بائعة الخبز - الجزء الأول
إعداد وإشراف - رجاء حمدان ، صدرت الرواية في عام 1889م. تحكي عن مأساة الأرملة (جان فورتيه) التي توفي زوجها في حادث في المصنع الذي يعمل فيه، وترك لها طفلا صغيرا وطفلة رضيعة اضطرت للعمل في المصنع نفسه لتنفق على نفسها وطفليها، وهناك حاول أحد موظفي المصنع وهو جاك جاورد إغواءها، ثم حاول الزواج منها، لكنها رفضت، فدبر لها مكيدة، والبسها جناية لتمسك بها الشرطة وتتهمها بالسرقة ، وفر هو هاربا بما سرقه من أموال وتصميمات آلة جديدة كان يعمل فيها صاحب المصنع.تترك جان ولدها عند أخت الكاهن، ولا تعرف شيئا عن طفلتها، ويحكم عليها بالسجن المؤبد، ...لمتابعة المزيد من القراءة إضغط الرابط التالى https://www.rajaoshow.com/2017/08/blo

ما عليك سوى الانتساب إلى هذه القناة للاستفادة من المزايا: https://www.youtube.com/channel/UChQ8cuMtdK57I-YRZ_qtHPg/join



بائعة الخبز - الجزء الأول 

إعداد وإشراف : رجاء حمدان



عام1861 وفي يومٍ من أيام الشهر التاسع من السنة، وبعد الساعة الثالثة من بعد ظهر ذلك اليوم، كانت امرأة تمشي وعليها ملابس الحداد السوداء, بسيطة الملابس ولكن في بساطتها فتنة وجمال لا تستطيع العين أن تتخطاهما، فرغم كونها تبدو فاتنة، ولكن فإنك حين تنظر إلى عينيها الواسعتين الجميلتين، تقرأ فيهما آية من آيات البؤس, وفي ثنايا وجهها الدقيقة تظهر سحابة من الحزن، وكأن بين الحنايا المخفية هماً مدفونا, تسير بخطوات متمهلة بطيئة، تمسك بيدها ابنها ذي الثلاث سنوات (جورج), ثم دخلت إلى إحدى الحوانيت لتبتاع زيت البترول, رحبت بها مالكة الحانوت وقالت لها: ينبغي أن تحذري فى استعمالك لهذا الزيت، فالأمر ينطوي على خطر كبير, أتعلمين أن انقلاب الآنية بما تحتوي من بترول، قد يؤدي إلى اشتعال النار في المكان.

تبادلت جان فورتييه ومالكة الحانوت الكلام، وشكت فورتييه حزنها لها وقالت: آه لشدة ما أشتاق لزوجي, لو أنه الآن على قيد الحياة لما أتعبتني هذه المسؤوليات والنفقات, لقد كان زوجى صادقا وعطوفاً ويعشقني, إن تلك الآلة التي قتلته عندما انفجرت به، إنما قتلت في الوقت ذاته السعادة والهناء عندي, قالت صاحبة الحانوت: لا ينبغي عليك أن تسلمي ذاتك إلى الهموم، ففي الدنيا هموم تصغر إلى جانبها أوجاعك ونكباتك, يجب عليك أن تشكري الله، أن مالك المصنع أسبغ عليك بعطفه وحنانه, فزوجك بسبب عدم اهتمامه انفجرت الآلة، ومع ذلك فقد تكفل بنفقات الدفن كلها، ثم قام بتعيينك بوابة لمصنعه، مع أنها مهنة لا تنفع ولا تناسب النساء, تجلدي واصبري يا ابنتي، إن من السخف أن نعيش للأموات, إنك ما تزالين في زهرة وريعان شبابك، ولك من الجمال حظ كبير ووفير, وعاجلاً أم آجلاً سوف تلتقين برجل يحبك ويسألك الزواج به.




ردت فورتييه: أتزوج؟ مستحيل، قد تكون لمن تريد الزواج دوافع قوية تدفعها إليه، أما أنا فلدي من الأسباب والمعوقات ما يبعدني عنه !, عليَّ أن أطلب شيئاً واحداً، وهو أن أربح ألفين أو ثلاثة آلاف من الفرنكات, إنها أحلامٌ تطير في الهواء ولا سبيل إلى الغنى، وسوف ألتزم وأبقى فى المصنع حتى أربي أبنائي, وإذا كان لي رجاء في الحاضر فمن أجل هذين الولدين لا من أجلي.





كانت جان فورتييه قبل ارتباطها خياطة ممتازة ماهرة، إلى أن اقترنت بزوجٍ يدعى بيير فورتييه, ويشتغل ميكانيكياً في مشغل السيد جول لابرو, وفي يومٍ ما ارتكب خطئا فنيا، كانت عاقِبته ونتيجته أن انفجرت إحدى الآلات فمات على إثرها في ساعته, وساعد صاحب المشغل الأرملة الحزينة, لأنه يعرف أن لديها ولدين ترعاهما، فأقامها وجعلها بوابة لمشغله، تعويضاً لها عن موت زوجها.

وبينما كانت جان تسير في طريقها إلى المصنع، تبعها لاحقا (جاك جارود) صاحب زوجها, وقال لها: ليس خافياً عني يا جان أنك تتحاشين وتتجنبين رؤيتي, إني أتعذب يا جان وأتألم، أضعاف ما تتألمين وتتعذبين, إن هذا الجفاء منك والصد عني، يتعب قلبي بوجع لا طاقة لي به, إني أحبك يا جان بكل ما أملك, إن قلبي لا يدق إلا بحبك، وكيف أستطيع أن أخمد صوت الحب وأسكِت فؤادي!, فلا تدفعيني بإعراضك وصدك عني لارتكاب السخافات, ردت فورتييه بغضب: إنها المرة الرابعة أو الخامسة التي تكلمني فيها عن حبك سيد جاك, أتوسل إليك ألا تعاود الكلام معي مرة أخرى, فأنا لا أقدر ولا أستطيع أن أحبك، وهذا ليس مجرد اعتقاد، بل أنا موقنة بذلك, يجب أن تتذكر أنه لم يمضِ سوى خمسة أشهرعلى وفاة بيير، وأنه كان صاحبك !!, لقد عزمتُ على أن أظل أرملة بدون زواج، وليس في نيتي الارتباط مرة أخرى.

كان قلبي كله لبيير وبعد وفاته مات قلبي، بعدها شاهدت جان جاك يبكي بحرقة، وما كان يخفى عنها أن دمعة تنحدر من عيني رجل ليست بالشيء الضئيل التافه !! وقال: إن حبي لك ليس بحديث العهد وجديد, إني أعشقك منذ خمسة أعوام، ولكني تجلدت وصبرت، لأن زوجك كان صاحبي, أما الآن فقد مات زوجك، وأزيحت العوائق من أمامي وأمامك، ولا بد أن أتخذك زوجة لي, هكذا سطر النصيب والقدر في لوحته الخالدة، ومن المستحيل أن نعارض كلمة القدر!! ثم تابعوا مشيهم إلى المصنع، سألها عن آنية البترول التي في يدها، لأن السيد لابرو رفض بشدة إدخال البترول إلى منطقة المصنع, لكن فورتييه كانت تستخدم زيت البترول في إشعال الضوء فى حجرتها، لأنه رخيص الثمن، ثم قال جارود مرة ثانية: جان إياكي أن تُهيجي وتزيدى من بؤسي, من الأفضل لك أن أظل صديقاً!! ثم ذهب.

مالك المصنع السيد جول لابرو، كان في عمر الخامسة والأربعين, تزوج بامرأة غنية، فكان له من أموالها الوفيرة ما استطاع به أن يبني مصنعه, ثم توفيت امرأته وتركت له ابنا يدعى لوسيان، طلب السيد لابرو السيد جارود، وقال له: عن اختراع آلة للصقل، وقال له السيد لابرو: إن تحقق حلمي فسيكون لك خمس الأموال, ثم أمره أن يرسل جان إلى حجرة مكتبه, فجان قبل قليل كانت قد فتحت الباب إلى أحد الموظفين العاملين فى المصنع، بعد أن ترجاها أن يخرج بدون إذن، لأن زوجته مريضة وفي طريقها إلى الوفاة، قال السيد لابرو: يؤسفني أن أراني مغصوبا على فصلك من العمل يا جان, وفي ذات الدقيقة دخل المحاسب ليقدم بعض الملفات، وقال المحاسب: أتوسل إليك يا سيدي أن تأمرها، وتلزمها أن لا تُدخل زيت البترول إلى المكان هنا, فاستشاط المدير غضباً لأن وجود زيت البترول ممنوع في المصنع، ثم طردها وفصلها من عملها أمام عيني المحاسب.






ذهبت جان إلى حجرتها وأخذت تبكي بكاء كبيرا، بعد أن رأت أبواب الرزق تغلق في وجهها, ثم جاءها جارود، وطلب منها مرة أخرى أن تعيش في كنفه، حتى تمضي شهور الحداد، ثم يأخذها زوجة، قالت جان لذاتها: كيف لي أن أتزوج جارود؟ وقد أقسمت لزوجي وهو على فراش الموت ألا أتزوج من غيره, كيف أحنث وأخلف بهذا الوعد المقدس، إنها لنذالة مني وعدم وفاء بالعهد إن تزوجته, كلا لن أعود عن وعدي مهما حصل وحدث !!.

وفي أحد الأيام وبينما كان جارود يشتغل مع السيد لابرو في العمل الجديد، جاء المحاسب وأعطى السيد لابرو النقود, فزاغت عينيّ جارود, فالمال هو ذلك الأمل الذي يعيش من أجله، وهو الحلم الذي يرجوه وينشده, ثم جاءت رسالة مستعجلة للسيد لابرو تخبره بأن ولده مريض, وهمَّ بالسفر فورا، و طلب من جان أن تعاونه في ترتيب حقائبه، وقال لها بأنه سيهتم بأمرها عقب رجوعه فلن يدعها بلا عمل, وأخبر المحاسب أن يحفظ المال معه، تطلع المحاسب إلى جان, التي لم تنبذ أو تعطي أي كلمة شكر واحدة للسيد لابرو, وقال في ذاته: ويحها لا ريب أنها تبيّت الانتقام منه وحاقدة عليه, وفي نفس الوقت راحت من جان لفتة إلى جارود، فشاهدت في ثنايا وجهه انفعالات وعلامات عجيبة, كان مضطرباً ومرتعبا، كمن اقترف جريمة يخاف أن تُكتشف!!. سألت جان جارود عما به؟ فقال لها: انتظري واصبرى حتى الغد، ففيه يتحدد مستقبلنا, وركض سريعاً إلى حجرة السيد لابرو ودنا من الباب، وأخرج قطعة صغيرة من الشمع، ووضع عليها شكل المفتاح، ثم انطلق بسرعة إلى حجرته وجبينه يتصبب عرقاً.

التقى السيد لابرو بشقيقته واطمأن على ولده، وقال لها عن الاختراع الجديد، الذي يجب أن يُسجل بسرعة، حتى لا تُسرق الفكرة و يتم تحويرها و تطويرها، ثم قال: لذلك لقد اتخذت الحذر، فلم أطلع الفكرة إلا على صديقي جارود, رجل أثق به ثقة كبيرة عمياء!, وأخبرها عن أمر جان، التي قال عنها كلاماً طيباً جداً، وعرض على شقيقته أن تعمل جان عندها لتدبر شؤون بيتها، فوافقت على ذلك!.







وبينما كانت جان جالسة في حجرتها مشوشة تفكر في السر الكبير الذي يدسه جارود, دخل عليها الخادم، وقال لها: عن المكافآت المالية التي يمنحها السيد لابرو كتعويض لها عن الطرد, فردت جان رداً جادا صارما، وقالت: إنها لا ترضى بالصدقات, فقال الخادم في ذاته: لا ريب عندي من أنها تخفي في قلبها كرها وشراً له!! وانصرف, ثم جاء المحاسب حتى يوبخ ويؤنب جان، لأنه قد اشتم رائحة البترول مرة ثانية، فقالت له: إني أضعه في زجاجات خاصة، لأخذه إلى حجرتي الجديدة, يمكنك أن ترتاح وتطمئن بأنني لن أحرق المصنع قبل رحيلي!, قال لها: لطالما ضمر هذا الوجه الجميل البريء نية شريرة، ثم انصرف !.

جاء بعده جارود إلى الحجرة، وأعطاها رسالة كتب فيها كل ما يريد أن يصارحها به, أخذت جان بالقراءة: (عزيزتي جان .. غداً سأصبح من الأثرياء, سيكون بين يديَّ اختراع عظيم الرواج جليل النفع، سيدر علي مئات الألوف، وفي هذه الليلة سوف أكون في انتظارك الساعة الحادية عشر عند جسر شارنتون، اخرجي بلا ندم من ذلك المصنع الذي مات فيه زوجك، والذي طردك منه مالكه، تعالي إلى الذي يعشقك وهو متيم بحبك، وإذا لم تحضري، فلا أعلم أي نوع من السخافات سيدفعني اليأس لعمله؟ ولكنك ستأتين)، دُهشت جان من الرسالة، ورمتها في وجهه وسقطت على الأرض، فأخذها ابنها جورج وهو يلعب، ووضعها في بطن الجواد الكرتوني الذي مزقه بينما كان يضربه.

في الموعد المحدد كان جارود عند جسر شارنتون ينتظر قدوم جان, ومضى يتمشى ضارعا في المكان جيئة وذهاباً, وطال الانتظار، ثم قال لذاته بغضب: تباً لها أبت أن توافيني، ونبذت حبي ورفضته، سترى إذاً كيف سيكون عقابها، الآن مات حبها الذي في فؤادي, داست حبيب بقدمها، فليس لها عندي إلا الثأر.





دخل جارود إلى المشغل من الباب الخلفي، وأخذ أواني البترول وصبها فوق كومة الخشب، ثم سرق النقود ورسومات الاختراع لأداة الصقل وأشعل الكبريت وأحرق المكان، في هذه اللحظة كان السيد لابرو قد غادر القرية ورجع إلى مشغله، الذي رآه أمام عينيه يحترق بكل ما فيه, فجرى مهرولا ليتبين الأمر, فتح الباب فرأى جارود ممسكا إحدى الأدوات، التي حطم بها الخزانة الصغيرة الحديدية, انقض بسرعة جارود على السيد لابرو وطعنه في قلبه طعنة قوية كانت نهايته فيها, صرخ المطعون صيحة قوية، جاءت على صداها جان لترى القاتل جارود، يمسك بالأداة الحادة في صدر السيد لابرو, علمت حينها جان أن تهمة القتل ستلتصق بها، فذهبت

 لتعثر على الرسالة كدليل براءة فلم تجد لها أثراً, انطلقت بولدها إلى





 خارج المشغل، بينما تجمع الناس ومن ضمنهم جارود على باب المشغل, وكان جارود يسأل الحشود بشكل متعمد عن البوابة جان، ويتابع حديثه عنها، فيقول: لقد طردها المدير فمن المؤكد أنها أشعلت النيران بالمصنع ثارا, ثم انتقل جارود إلى الداخل وأخذ يصيح بأن جثة السيد لابرو هنا، ثم أخذ يصيح: إنني أختنق, إنني أموت, وراح الناس يقولون: حزين مسكين جاك جارود، لقد ذهب ضحية شجاعته.



نهاية الجزء الأول ...الى اللقاء في الجزء الثاني 
تفاعل :

تعليقات