القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية الضياع الجزء الأول رجاء حمدان.








تعرفت على ندى وأنا أقدّم امتحانات السنة النهائية في الجامعة... كنت محتاجاً للحنان والعطف، وإلى إنسانٍ ينتشلني من وحدتي القاتلة. أعجبتُ بأخلاقها، ولباقتها،  وجمالها. كانت جذابة جداً... سحرني شعرها البني، وعيناها العسليتين، وقامتها الناعمة... كل شيء فيها كان يسحرني. كانت بالنسبة لي حلمٌ تمنيت الحصول عليه. كان أول لقاء لنا في باص الجامعة. تعمدت أن ألحق بها، وأن أكون خلفها مباشرة، وأن أجلس بجانبها. نظرتْ إليّ بعينيها الساحرتين وقالت: إن هذا المقعد مشغول، إنه لصديقتي. فقلت لها: أنا معجب وأريد أن أتعرف عليك. أدهشتها صراحتي وأربكتها.

ما عليك سوى الانتساب الى القناة 
https://www.youtube.com/channel/UChQ8cuMtdK57I-YRZ_qtHPg?view_as=subscriber
" راجو شو يقوم  بحكاوي الروايات بإسلوبه المستقل  المختصرالوافي الممتع  """" ربما تكون الرواية او الاساطير او الحكايات او قصص المشاهير التي نننشرها ...منتشرة على اعلانات جوجل ..ولكن معنا متعة القراءة وسما ع الرواية متميزة  ..موقع وقناة راجوشو وفر لجمهوره الكريم كل ما يحتاجه ويلبي ذوقه من افضل الكتب وافضل القصص الشيقة والاساطير والحكايا وقصص المشاهير بطريقة  محترفة ،  حتى لايشعر القارئ  بالملل من  السرد الطويل الممل ....لذلك قمنا ب انشاء موقع الكتروني ضخم لقراءة الروايات على الرابط التالي : https://www.rajaoshow.com/
وكذلك عملنا على تخطيط وتصميم الموقع الالكتروني الى قناة سماعية بجودة واحترافية فائقة على الرابط التالي االرسمي للقناة على الرابط التالي:
https://www.youtube.com/channel/UChQ8cuMtdK57I-YRZ_qtHPg?view_as=subscriber

 


رواية: الضياع.

رجاء حمدان 


 



لم تقوَ قدماي على حملي... كانت عيناي تدوران بسرعة عجيبة وتتفحص المكان بذهول... أنظرُ إلى حوض الإستحمام المملوء بالماء... وندى  مُمددة بداخله لا تتنفس. عيوني جحظت في مكانها ولم تعد ترمش... وبدأت الدنيا  تدور وتلف فيّ. صرختُ بأعلى صوتي... انتشلتها من الحوض، وحاولتُ أن أسعفها بأن أعمل لها تنفساً صناعياً. التم  عليّ جمع غفير من  الجيران ومارقي الطريق... تكلموا معي وحاولوا أن يستفسروا عن الوضع. لم أستطع أن أجاوب... ولم أتمكن من فهم ما ينطقون... بل أني لم أعد أسمع أي صوت!!!!! كنت بحالة صدمة عنيفة... ما الذي حصل... كيف؟! ولماذا ؟! ومن!؟؟
وصلت الشرطة... أجلسوني على إحدى الكراسي ورشّوا عليّ الماء والعطر كي أنتعش.
الضابط : أستاذ طارق... أرجوك. حاول أن تستجمع قواك... يجب أن تخبرنا ماذا حصل!!!
باسل : لو سمحت يا حضرة الضابط، إنه في حالة صدمة... لا يمكنه أن يتحدث معك الآن... دعه يرتاح قليلاً... أرجوك، إبدأ بتحقيقاتك الأخرى وغداً، إن شاء الله، سوف أحضره عندك... دعه اليوم يرتاح ويستوعب الأمر... إن الذي حصل له ليس بالهيّن...
الضابط: لكن يا أستاذ باسل، من الضروري أن نأخذ أقواله الآن.
باسل: أعلم ذلك... لكن حالته الآن لا تسمح بذلك، ولن يستطيع التركيز معك، دعه يرتاح الليلة، وغداً سأحضره لك. أترجّاك يا خالد.
الضابط: إنك أعز صديقٍ لى، وأنا أعرف عائلتك بالكامل، وأحب أخاك طارق، ولكن يا باسل لا أستطيعُ التجاوز في عملي، وخصوصاً أن في الأمر شبهة جناية، وليس الأمر بالشيء الهين كما ترى!!!
باسل : سوف أحضِرُ الطبيب ويعطيك وصفاً لحالته، يا خالد أرجوك... إرحمه الآن من الأسئلة. 
الضابط خالد : حسناً، معك إلى الغد. هدّئه الآن وأحضره إلى مكتبي غداً. يجب أن نأخذ أقواله. 
بعد خمسِ ساعات، أنهت دورية الشرطة التحقيق. وبعد أن تم معاينة الجثة، حملوها إلى المشرحة. أخذوا البصمات والصور للمكان، وكل ما يلزمهم من أدلة للتحقيق. ثم جاءت دوريةٌ أخرى ونظّفت المكان.





قبل خمس  ساعات، كانت الساعة الثالثة  ظهراً. كنت عائداً من عملي للبيت حاملاً بيدي هدية تحبها ندى، خاتمٌ سوف تضعه بأصبعها الجميل. سوف تكون مفاجأةً سارة لها. هذا سيجعلها تقبّلني وتحضنني حتى الليل... وتنسى أنها كانت زعلانة مني هذا الصباح.
 عندما  دخلت البيت، لم أشعر بوجودها. ناديتُ عليها: ندى... ندى. صرختُ ولكنها لم ترد. كان يوجد شيء غريب... كانت المياه تملأ البيت. ركضت نحو المطبخ ولكني لم أجدها. ذهبت إلى غرفة النوم ولم أجدها. فتحت باب الحمام... فوجدتها  هناك!!! ممددة في حوض الإستحمام. كانت غارقةً في الماء، وكانت لا تتنفس. كانت نائمة مثل الملاك الذي انتَزَع حياته شيطان... كان  الأمر رهيباً... رهيباً. شعرت بروحي وكأنها تُنتزع من جسدي. إن قلبي يكاد ينشطر ألماً ولوعة. بعدها أصابتني هستيريا من الصراخ والعويل!
ندى... حبيبتي... هل يُعقل أن تتركيني بهذه السهولة. لا بد أنني أحلم بكابوسٍ مزعج. هزني باسل بلطفٍ قائلاً: طارق دعني أساعدك في تغيير ثيابك، هيا قم واغتسل وحاول أن تنام قليلاً. 
طارق : ...
باسل: أنت لك خمس ساعات على هذا الحال، عليّ أن أصحبك إلى المستشفى!!!
طارق: لا، أريد أن تتركوني لوحدي، أرجوكم. 
غادة: لن نتركك. أنظر لنفسك... إنك في حالة مُزريه... إنك لم تأكل منذ الصباح وإن بقيت هكذا فسوف يُغمى عليك. سوف أحضر لك طعاماً خفيفاً لتأكله. 
طارق: لا اريد أي شيء، فقط اتركوني لوحدي... عودوا لبيوتكم واتركوني... لا أريد العيش بعدها. أريد أن أموت... يا الله... لماذا أخذتها وتركتني...أريد أن أموت! أريد الموت!! أتركوني...
أفاق طارق ووجد نفسه ممدداً على السرير. سمع صوتاً يقول: لقد أعطيته إبرة مهديء، سوف ينام بعدها ويرتاح. ثم سمع صوت باسل يقول: ولكنه يا دكتور، إلى الآن، لم يضع في فمه أية لقمة  طعام.
الدكتور : لا تقلق عليه، سأضع له محلول الجلكوز في وريده، ولكن دعوه الآن ينام ويهدأ. 
لقد شارفتُ على الثلاثين. توفي والديّ قبل عشر سنوات بحادث سير خلال سفرهما لأداء مناسك العمرة. ذهبا إلى بيت الله ولم يرجعا. بقيا هناك ودفنا هناك. لم أستطع أنا وأخي باسل أن نودّعهم الوداع الأخير. أصرت العائلة على دفنهم في الأرض المباركة... فهذا شرف وبشارة لهم .
بقيت أنا وأخي باسل وحيدين. كان أقرب قريب لنا يبعد عنا مسافة 500 ميل. تحملنا مسؤولية أنفسنا لوحدنا. كان البيت ملك لنا، والمصروف الشهري الذي نأخذه بعد وفاة أبي، من الضمان الإجتماعي، كان يكفي للطعام، وفواتير الماء، والكهرباء، وللمصاريف النثرية. أشتغلت أنا وأخي بدوامٍ جزئي لنتساعد على مصاريف الجامعة. أنا درست العلوم وعملت مدرساً، وأخي درس الصيدلة وفتح صيدلية بنفس بناية المنزل. تزوج باسل قبلي بثلاث سنين، أخذ هو منزل والدي، وأنا قمت ببناء شقة فوق سطح المنزل، وتزوجت فيها. وهكذا بقينا قريبين من بعضنا البعض. 
تعرفت على ندى وأنا أقدّم امتحانات السنة النهائية في الجامعة... كنت محتاجاً للحنان والعطف، وإلى إنسانٍ ينتشلني من وحدتي القاتلة. أعجبتُ بأخلاقها، ولباقتها،  وجمالها. كانت جذابة جداً... سحرني شعرها البني، وعيناها العسليتين، وقامتها الناعمة... كل شيء فيها كان يسحرني. كانت بالنسبة لي حلمٌ تمنيت الحصول عليه. كان أول لقاء لنا في باص الجامعة. تعمدت أن ألحق بها، وأن أكون خلفها مباشرة، وأن أجلس بجانبها. نظرتْ إليّ بعينيها الساحرتين وقالت: إن هذا المقعد مشغول، إنه لصديقتي. فقلت لها: أنا معجب وأريد أن أتعرف عليك. أدهشتها صراحتي وأربكتها.
لم يطل الوقت بمدة التعارف بيننا... وما هي إلا أشهرٍ قليلة وذهبتُ إلى أهلها أطلب يدها. تمت الخطوبة ثم تزوجنا. عوّضتني عن موت أبي وأمي، وعوضتني عن الوحدة القاتلة التى كنت أعيشها. كان كل يوم يمضي عليّ يزداد حبها في قلبي ويزداد تعلقي بها. كنت أحسد نفسي على أن الله  رزقني زوجة حنونة وطيبة وجميلة، وذات أخلاق عظيمة، وفوق كل هذا تحبني وتموت فيّ. كان  كل من  يعرفنا، ينظر إلينا بعين الحسد على الحب والود والتفاهم الذي يظلل حياتنا وبيتنا. 
حتى أن أخي باسل كان يشعر بأن حظي بالزواج كان أفضل منه... فقد كان يأتي عندي في بعض الأحيان ويشتكي من المشاكل التي بينه وبين زوجته غادة... ثم ينهي كلامه قائلاً: إنك محظوظ يا طارق، إن زوجتك ندى إنسانه رقيقة ومحبة، إنها ذات عقل كبير، وإنها تُقدّس الحياة الزوجية.




بدأ مفعول المهديء يزول بالتدريج. جلستُ على الكنبة وضممت ساقايّ إلى صدري. شعرتُ بلهيب بركانٍ يغلي في داخلي يريد أن يتفجر ويفجر من حوله. بدأت أصيح: باسل، أخبرني من الذي فعل بها ذلك؟ هل قام أحد وأغرقها في حوض الإستحمام؟ مستحيلٌ أن تفعل هي بنفسها ذلك. لقد كانت سعيدة جداً معي. لا بد أن أحداً ما قام بقتلها؟ من الذي حرمني منها؟ سوف أعرفه ولن أرحمه... لن ينطفيء بركاني حتى أطبق على حنجرته بكلتا يديّ وأقتله...
باسل: إهدأ الآن... يجب علينا القيام بإجراءات الجنازة، وكذلك فقد وعدتُ الضابط بأني سوف أصطحبك عنده اليوم للافادة بأقوالك. لا تجعل الغضب والإنتقام يحطم حياتك.
ذهبنا أنا وباسل، وعدد قليل من المعارف، وأقرباء ندى إلى المستشفى. استلمنا الجثة، ثم خرجنا إلى المقبرة ودفناها هناك.
وبعد أن غادر الجميع المقبرة، بقيت لوحدي جالساً بجوار قبرها، ورفضت العودة معهم. لم أستطع أن أتركها وحيدة تحت التراب. ندى، أنا أعرف أنك تخافين من العتمة... يا ليتهم يجعلوني أنام بقربك... ويا ليتهم أهالوا التراب علينا نحن الإثنين. ندى، لماذا تركتيني؟ ... ولماذا أعدتيني لوحدتي القاسية... أعلم أنكِ لا يمكن أن تقتلي نفسك... ولماذا تقتلين نفسك؟! ولك حبيب يخاف عليك، وأنت سعيدة بقربه. لماذا تقتلين نفسك وأنت تعلمين أنه لا يمكنني العيش بعيداً عنك يومين... لا... لا يمكن أن تفعليها. أعدك بأني سأعرف من هو قاتلك... ووقتها لن أرحمه، لن يرتاح بالي، ولن أنام بسلامٍ حتى آخذ ثأري منه، وأنتقم لك. أعدك بذلك. 
اتصل بي باسل ليخبرني بأننا تأخرنا على الضابط خالد، وأنه في انتظارنا. فقلت له بأني سألاقيك هناك.
وصلتُ المخفر، وذهبت مباشرة إلى مكتب الضابط خالد. وجدت باسل هناك.
طارق: مرحباً...عذراً لتأخري. 
الضابط خالد: تفضل يا أستاذ طارق وارتاح على هذا المقعد. أحب أن أخبرك بنتيجة التحقيقات إلى الآن. فحصنا البصمات، وقمنا بمعاينة البيت من الخارج والداخل، وتم تفتيشه بالكامل، وقمنا كذلك بالتحقيقات الشفهية المبدئية مع المقربين من العائلة والجيران. التقارير المخبريه أظهرت أن باب البيت تم فتحه بطريقة طبيعية، ولا يوجد علية أية آثار تدل على اقتحامٍ أو كسرٍ للقفل، أما بالنسبة للبصمات، أو أية شظايا أو أتربة، فإننا لم نستطع تتبعها للأسف... فالمياه التي غمرت الشقة قد أضاعت أية آثارٍ أو بصمات كان بالإمكان تتبعها، وهذا حقاً يُعقّد علينا كثيراً من الأمور. أما تقرير التشريح للجثة، فقد تبين أن المعنية ندى قد قتلت قبل أن يتم إغراقها في حوض الإستحمام!!!!!.
صاح باسل: ماذا يا خالد، قُتلت!!! وكيف تم قتلها؟؟!!!
الضابط : لقد تبين أنه عند الساعة الواحدة ظهراً من يوم القتل، قد تم قتل المجني عليها خنقاً: أولاً بسلكٍ شبيهٍ بسلكٍ كهربائي رفيع، كما تُظهر الآثار على الرقبة، ثم بعد ذلك تم وضعها في حوض الإستحمام وملئه بالماء.
صرخ طارق : ألم أقل لك يا باسل... ألم أقل لكم... من المستحيل أن تقتل ندى نفسها... مستحيل، فهي تحبني ولن تتركني وحيداً... أجل... ولكن من الذي قتلها!!! سوف أشرب من دمه، صدقوني... لن أرحمه، سوف آخذ بثأر ندى... لن أرحمه. 
الضابط : لن تسمح لك الشرطة بهذه الفوضى... لو أن كل واحد راح يأخذ حقه بيده، لمُليء العالم بالقتلى... أصبر وسوف تأخذ حقك وحق ندى، فالشرطة لن تهدأ حتى تعثر على القاتل ويأخذ عقابه المناسب.
باسل : ولكن كيف عرفتم  يا خالد أنها خُنقت قبل أن تُغرّق في الحوض؟
الضابط : أثناء التشريح، وُجد أن رئتيها مملوءتان بالهواء، ولا يوجد بهما أثرٌ للماء، فلو كانت ماتت غرقاً  لكانت رئتاها  مملوءتان بالماء. وأريد أن أخبركم بأن المجرم دقيقٌ جداً، بل في غاية الدقة والحذر عندما ارتكب جريمته، حيث أنه لم يترك أي أثر وراءه.
طارق : وماذا يعني هذا؟ 
خالد : هذا يعني أن الجريمة قد نُفّذت من داخل البيت... فليس هناك أي أثرٍ يدل على أن المجرم قد دخل البيت عنوة... فلا توجد أي آثار لكسرِ بابٍ أو نافذة، وبالتالي فإن الجاني قد دخل البيت بشكلٍ طبيعي، وبالمفتاح الخاص للقفل.
طارق : كيف!؟
الضابط خالد : لم نجد أي أثر أو أي شيء يدل على تهجّمٍ خارجي... وهذا يعني إما أن يكون القاتل من داخل البيت، أو أن المجني عليها تعرف هذا الشخص جيداً، وفتحت له الباب بشكلٍ طبيعي. 
طارق: ماذا تقصد؟!!!
الضابط: إن الذي دخل البيت قد يكون من الأقارب، أو أي شخص معروف، بحيث دخل البيت باستئذان، وسمحت له الضحية بالدخول دون أن يساورها أي شك فيه.
طارق: نحن ليس لدينا أي أعداء ولا يأتي عندنا إلا الأصدقاء أو المعارف، ولا يأتون إلا بعد الإتصال بنا وترتيب موعدٍ للزيارة.
الضابط خالد: سوف أسألك سؤالاً ضرورياً، وعليك أن تجاوب عليه وأنت هاديء الأعصاب. هل كان لندى علاقات سابقة؟!!!!
طارق: ماذا!!! لا... لا... ندى لم تعرف أحداً قبلي ولا بعدي. 
الضابط: هل أنت متأكد؟ لأنك إن كنت تعرف أي شيء عن علاقات سابقة، فإن فهذا الشيء يساعدنا في التحقيق.
طارق: لا... لا... مستحيل !!!! أنت لا تعرف ندى... إنها ملاك... لا يمكن أن تخطيء أو تخون ...
الضابط خالد: هل كان لك في يوم ما أعداء أو كان لها أعداء... أشخاصاً يكرهونكم... هل كان لكم  أي مشاكل مع أي أحد ما...
طارق: أبداً... لا يوجد أي عداوة أو مشاكل بيننا وبين أي أحد... نحن بحالنا ولا نتدخل بأي أحد... وندى شخصية محبوبة جداً من الجميع. 
الضابط خالد: نحن نستبعد أن يكون الجاني لصاً. 
طارق: بالتأكيد ليس حرامي، لأنه لا يوجد شيء مفقود من البيت، وكل شيء كان في مكانه ولم يُلمس، وحتى ما تدخره من أموال لم يلمس، وكذلك الذهب.
الضابط: على كل حال، التحقيقات  ستبقى مفتوحة حتي نقبض على المجرم... وسوف نبدأ الآن بوضع مراقبة حول البيت، للتأكد من أيّ من الوجوه الغريبه التي قد تحوم حول البيت ويكون لها مصلحة في ذلك... فالمجرم في العادة  يحوم حول جريمته.  
طارق: إعملوا أي شيء تقدرون عليه... المهم أن نجد هذا المجرم بأسرع ما يمكن... لن يهنأ لي بالٌ ولن ترقد ندى في قبرها بسلام حتى يتم القبض على المجرم وينال عقابه العادل .
الضابط: تأكد، بإذن الله، سوف يكون هذا اليوم قريباً.
خرجنا أنا وباسل من عند الضابط خالد وتوجهنا للبيت. كنت أشعر بتعبٍ شديد ولا أرغب برؤية أحد، فقط كنت أريد أن أمدد جسدي على السرير... وأضم صور ندى إلى صدري وأنام.
وصلت إلى البيت وكان الوقت مساء. أقفلت الباب خلفي. البيت كان  كالأشباح من دون حِسّ ندى. يا ترى ماذا سأفعل من بعدك بحياتي يا ندى. آآآآآه... يا وجعي... يا وجعي... يا ندى... يا سُكر حياتي وبهجة قلبي. فتحتُ خزانة ملابسها... رائحتها الشهية ما زالت  تفوح من ملابسها. رحت أشم ملابسها، وأعصر فستانها القرمزي بين يدي، وأتخيلها وهي ترتديه وتقول لي ساعدني في غلق زره الأعلى، وأنا أبدأ في مداعبتها وقرصها فتبدأ بالصراخ والضحك، ثم تهرب إلى غرفة المعيشه فألحقها إلى هناك. ارتسمت ضحكة مجنونة على فمي وأنا أتخيل نفسي ممسكاً بها وأقول لها: لن تستطيعي الإفلات مني الآن. حضنت فستانها القرمزي ونمت على الكنباية وأنا أتخيلها بين يديّ وفي حضني...  
استيقظت الساعة الرابعة صباحاً. كان رأسي يؤلمني بشدة. نظرتُ حولي فوجدت نفسي ممدداً على السرير... كيف  وصلت إلى هنا!!! أذكر أني نمت على الكنباية في الصالون، وكان بين يديّ فستان ندى القرمزي. ذهبتُ إلى الصالون، كان فستانها ساقطاً على الأرض... يبدو أنني من شدة تعبي وألمي غيّرت مكاني ونمت على سريرى دون أن أحس بذلك. 
دخلت المطبخ لأعد فنجان قهوة... ولكني لم أجد كوبي المفضل في مكانه... أخذت كوب ندى القرمزي، لونها المفضل...
جلستُ على الكنباية أشرب القهوة وأهدّيء نفسي. نظرتُ إلى  الطاولة التي بجانبي فوجدت كوبي المفضل، كان به بقايا قهوة مع أنني لا أتذكر بأني قد شربت قهوتي منذ البارحة. يا إلهي، كيف وصلتُ لهذه الحالة !!! إن ولعي على ندى أنساني متي نمت، أو متى أكلت، أو متى  شربت.
مر أسبوعان على وفاة ندى، وأنا حالتي من سيءٍ إلى أسوأ. لم أعد أذهب للعمل... وأصبحتُ أقضي معظم الوقت في البيت، ما عدا الأوقات التي أذهب لأشتري ما يسد جوعي ويبقيني حياً. ولم أعد أرد على التليفون... هجرت العالم. كان يأتيني باسل في أوقاتٍ متقطعة كي يطمئن عليّ، وفي بعض الأحيان كانت غادة ترافقه وتحُضِر معها بعض الطعام الذي طهته. ولكن، في الحقيقة، كنت لا أريد أن أرى أحداً أو أتحدث مع أحد، وكنت أتحجج لهم بأي شيء كي يتركاني سريعاً ويذهبا. 
تذكرتها وهي تُعد  الطعام. كنت عندما أحضر إلى  البيت، فوراً أدخل إلى المطبخ. أصرخ: ندى...  الطبيخ خلص... الطبيخ... الطبيخ. أنا ميّت من الجوع. يعطيكي العافية حبيبتي... رائحة الأكل شهية... لن أصبر حتى يستوي.  
ندى : لقد أفزعتني فأوقعتُ المغرفة. كم مرة أخبرتك بأن لا تأتي فجأة من ورائي. 
طارق : ما هو أكل اليوم .
ندى : ممم... أغمّض عيونك ودعني  أذوّقك وأنت احزر. 
طارق : لقد غمضت عيوني، بس كبّري اللقمة، جوعان. 
طارق : هل هي فاصوليا؟؟؟
ضحكت ندى وقالت بحماس : برافو، حزرت... هيا اذهب واستحم وغيّر ثيابك، وأكون جهّزت الأكل. 
طارق : بحبك... بحبك... واموت فيكي...
مر شهران وأنا على هذه الحالة... عايش على الذكريات، وطيف ندى لا يتركني لا في الليل، ولا  في النهار.
اليوم صباحاً دبّ بي النشاط فجأة... استحممت ولبست ثيابي باعتناء، ونزلت إلى شقة أخي باسل... سألت غادة عن باسل، فقالت: لقد مرّ عليه صديقه علي منذ ساعة وذهبا معاً، ولا أعلم الى أين، هل أتصل لك  به. فقلت لها: لا... لا داعي، الأمر غير مهم، كنت أريد أن أزور قبر ندى، وأحببت أن يرافقني، فلا أريد أن أكون لوحدي. فقالت غادة: إنتظر، سوف أغير ثيابي وأذهب معك. فقلت لها: لا تهتمي للأمر، أعلم أنك تعدين الآن الطعام، سوف أذهب وحدي. 
دخلتُ المقبرة. وعندما بدأتُ أقترب من قبر ندى لمحت باسل يجلس بجانب قبرها ويبكي... اندهشت لوجوده ولبكائه الحار... لكني قلت في نفسي: "إن ندى شخصية  محبوبة جداً، وكان باسل يعزها كأخت له... فأين الغرابة في الأمر". لم أشأ أن أقطع عليه هذه اللحظات، وعدت أدراجي. أحسست بنفسى مخنوقاً، وأنني أريد أن أبتعد عن البيت قليلاً... فذهبت لأتمشى في الحديقة.
وصلتُ إلى البيت عند المساء... قابلني باسل عند مدخل البيت بلهفة وقال: أين كنت طوال هذا الوقت، ليس من عادتك الخروج هكذا، وقد اتصلت بك مراراً ولكن تليفونك كان مغلقاً... على الأقل يا أخي إفتح موبايلك كي نطمئن عليك... لقد أخبَرتني غادة أنك جئت تسأل عني، وأنك تريد أن أذهب معك إلى المقبره... لو أخبرتني لاعتذرت من علي وجئت معك إلى المقبرة. فقلت باندهاش: ألم تذهب أنت اليوم إلى المقبرة. فقال باسل باندهاشٍ أكبر: لا... لو أردتُ الذهاب لكنت ذهبت معك. 
دخلتُ البيت وأغلقت الباب خلفي بسرعة... وارتميت على أقرب مقعدٍ بالصالون. كان قلبي يدق بسرعة... بل بعنف. لا أعرف بماذا أشعر. خفت... خفت كثيراً... هل يعقل أن يكون لباسل علاقة بمقتل ندى؟؟؟!!!! ...لا... لا، مستحيل. ولماذا يكون له علاقة بمقتلها؟؟؟ مئة سؤال وسؤال خطر على بالي، ومئة جواب وجواب... والسؤال الذي لم أجد له إجابة: لماذا كذّب عليّ باسل ولم يقل لي أنه كان في المقبرة... لقد رأيته يبكي بجانب قبرها!!! ما السر في ذلك؟؟
عند ساعات الفجر الأولى، غلبني التعب والنعاس فارتميت على الكنباية في الصالون، ورحت في نومٍ عميق. عندما أفقت تحسست جسمي... كان يؤلمني، وأحسست  بوجع في كل سنتيمتر من جسمي وعظامي... إنني في غاية التعب، لا بد أنها أعراض انفلونزا، فقد نِمتُ بدون غطاء، والطقس يميل للبرودة. رفعت رأسي ونظرت حولي... عدت ونظرت مرة أخرى، لماذا أنا هنا... إنني أتذكر بأنني نمت علي الكنباية، فما الذي جاء بي إلى سريري في غرفة النوم!




إنها المرة الثانية التي تحصل معي... إن التعب والإرهاق يفعل بي العجب حتى جعلني لا أعلم أين أنام. 
خرجت من الغرفة إلى الصالون. وفجأة، حبست أنفاسي من المنظر الذي  أمامي... كان البيت مقلوباً رأساً على عقب؛ كان كل شيء في غير مكانه. ركضت إلى الغرف الأخرى لأتفقدها، فكانت بنفس الحالة... سمعت حركة خفيفة فأسرعتُ إلى الصالون... وجدت باب البيت مفتوحاً... ركضت إلى خارج البيت... لمحت شخصاً أسفل الدرج... كانت هيئتة كهيئة باسل، بل هو باسل، ظهره وبنيته ولون شعره تدل على أنه هو. 
نزلت أركض كالمجنون إلى الشارع لألحقه، ولكن عندما وصلتُ الشارع لم أر أي شخص يمشي في الشارع... لقد اختفى. عدت إلى البيت، وصرت أخبط على باب شقة باسل مثل المجنون. فتحت غادة الباب وقالت في جزع: ماذا حصل، لماذا كل هذا الصراخ  والتخبيط!!!!!..
فصحت بأعلى صوتي: هل باسل عندك؟ أين هو؟ أين باسل؟
ردت غادة باندهاش: إنه نائم. 
فزاد صياحي: إنك تكذبين... باسل... باسل... أين أنت، أخرج إليّ الآن!!
جاء باسل من غرفة نومه، وقال: لماذا تصرخ هكذا يا طارق؟ ماذا حدث؟ هل أنت بخير!!!؟
غادة: أدخُلْ وخبّرنا ما القصة...
فصحت: أنت. ماذا كنت تفعل عندي قبل قليل في البيت!!!؟
باسل : ماذا! أنا بالبيت عندك منذ قليل ؟؟؟ لقد استيقظت الآن على صراخك، فأنا نائمٌ كعادتي من الثانية عشر مساء. فزاد تهجمي وصياحي عليه. قلت له: أنت تكذب... يكفيك كذباً.   
غادة : يكفيك صراخاً... باسل نام ليلة أمس قبلي، واستيقظَ الآن على صراخك.
طارق : أنتم تكذبون... صدقني يا باسل... أنا لن أرحمك... سوف أكشف الحقيقة ولن أرحمك وقتها.
باسل : أنت مجنون ولا تعلم ما تقول. هل شربت شيئاً ما؟؟ 
عدت إلى البيت وبداخلي بركانٌ يغلي ويفور، ولا يريد أن يهدأ أبداً... سوف أكشف الحقيقة وأواجهك بها يا باسل، وحينها... الويل لك!!! 
رحت أرتب البيت وأعيد كل شيء لمكانه. بدأت بترتيب الغرف ثم المطبخ ثم عدت لترتيب الصالون، وعندما بدأت  بطاولة التلفاز، وأخذت أرتب أقراص السي دي المبعثرة وأضعها في داخل الجارور الخاص بها. مددت يدي إلى داخل الجاور،  أحسست بشيء ما عالق، فبدأت أشده. كان هناك جيبٌ في أعلى سقف الجارور وبه شئ ما... تحسست ذلك الشيء وشددته إلى الأسفل، كان عبارة عن علبة... فتحت العلبة فوجدت بها مجموعة من السي ديات مؤرخة بتواريخ متسلسلة، ومكتوب أسفل العلبة ( ذكريات ندى ).
اندهشت، ولكني لم أستغرب الأمر. لقد كنت أعرف أن ندى كانت مهووسة بحب التصوير لكل مناسبة وكل لحظه في حياتنا. كانت في كل لحظة تقول لي: إنتبه، سوف أصورك، وتلحق بي إلى المطبخ أو البرندة، أو وأنا أشرب فنجان قهوتي، حتي قبل أن تسكب لى الطعام كانت تُصوّره، وإن خرجتُ من البيت كانت تصورني، وإن لبست شيئاً جديداً تصورني... وكثيراً من الأحيان أجدها تصور نفسها وتتحدث إلى الكاميرا... حتي بات هذا الأمر يستفزني ويضايقني... ولكني استغربت، لماذا تحتفظ ندى بهذه السيديات في هذا المكان السري؟
وصلت الكاميرا بسلكٍ بالتلفزيون ووضعت داخلها السي دي الأقدم تاريخياً. كان مكتوب عليه اليوم الثاني لزواجنا... فقد أردتُ أن أسمع مذكرات ندى بالترتيب، وأستعيد لحظات حياتنا معاً منذ البداية.
هاهي صورتها تظهر على الشاشة... كبّرت الصورة حتى ملئتْ الشاشة، وعملت على توضيحها بشكلٍ جيد... يا ألله... كم اشتقتُ إليك يا ملاكي... ما أجمل ابتسامتك وألطفها. اقتربت من الشاشه حتى لاصقت وجهي بوجهها وقبلتها... آه، لو أستطيع أن أحضنك مرة أخرى يا ندى... كانت تتحدث عن يوم زواجنا بلهفة. قالت: كم أنا سعيدة اليوم... اليوم هو يوم زواجي من طارق... اليوم سأضع خاتم الزواج وأنقله من أصبع اليد اليمنى إلى أصبع اليد اليسرى، وبذلك سوف تنعطفُ حياتي دفعة واحدة إلى حياة جديدة؛ أتشارك فيها مع فارس أحلامي الذى حلمت به طوال العمر أن يكون من نصيبي. طارق إنسان حنون ورقيق... أشعر بجانبه بالأمان والحب والراحة... وأفتخر به. هو شخص تتغلب دائماً عليه عواطفه... وفي بعض الأحيان يكون عصبياً وغامضاً... ولكني أحبه بكل شيء فيه. يا رب أتم نعمتك علينا واجعل السعادة في بيتنا لا تنقطع. ثم صارت مقاطع الصور تتلاحق... من خروج ندى من بيتها إلى وقائع حفلنا. كنا نرقص بحفلتنا على أنغام الموسيقى، كعصفورين انطلقا من القفص. كنت أنظر للفيديو وأبكي وأبكي... حتى عدتُ  غير قادر على المشاهدة أكثر... فأغلقت التلفاز بعصبية ورحت أجهش بالبكاء والعويل.
في اليوم التالي، عندما أفقت كانت الساعة الثانية عشر ظهراً. نهضت مسرعاً من فراشي واستحممت وحلقت ذقني، ثم لبست ثيابي وتوجهت إلى المقبرة. أنهيت زيارتي لندى، وبعدها ذهبت إلى المخفر وطلبت مقابلة الضابط خالد. رحب بي وسألني عن أخباري. فقلت له إن حياتي مملة، لا معنى لها من دون ندى... ولن أنام مرتاحاً حتى أعرف من قتلها وينال عقابة. لقد جئتك كي أعرف آخر التطورات في التحقيقات. قال الضابط خالد: أريدك ألا تقلق... فالتحقيقات سائرة على قدم وساق، ونحاول أن نمسك بطرف الخيط... وحالياً نحن نحقق مع أقارب ندى وأصدقائها ومعارفها... وإن شاء الله سوف نعرف الحقيقة بأقرب فرصة... كن مطمئناً. 
طارق : أنا عندي معلومات جديدة تهمك في التحقيق. 
عدّل الضابط خالد جلسته، وأنصت بكل اهتمامٍ، وقال: عندك معلومات عن قاتل ندى!!!!
طارق : إن الأمر في غاية الصعوبة عليّ... وعليك أيضاً، لأن باسل من أعز أصدقائك. 
خالد : كيف؟؟ ماذا تقول؟؟؟؟ هل لباسل علاقة بالأمر؟ !!!
طارق : أجل... باسل أخي. وأخبرت الضابط خالد بشكوكي بباسل، وكيف أنني رأيته في المقبرة، ولكنه كذّب عليّ وقال بأنه لم يكن هناك... وكيف رأيته وهو يهرب من بيتي، بعد أن قلبه رأساً على عقب. وقلت له بأنني أشعر بأن هناك شيئاً فظيعاً يخفيه باسل عنا. 
أطرق خالد رأسه في ذهول غير مصدق. ولكن بعد لحظاتٍ تمالك نفسه وحسه الوظيفي وقال بصوتٍ ثابت: على كل حال، نستطيع أن نتأكد من هوية الشخص الذي رأيته خارجاً من بيتك من خلال الكاميرات الموضوعة لمراقبة البيت.
ركبنا سيارة الشرطة وتوجهنا إلى بيتي. كانت الكاميرات موضوعة مقابل منزلي وصيدلية باسل... فصيدلية باسل تقع أسفل منزلنا المكون من طابقين. بدأ الفني باستخراج الفيديوهات من الكاميرا، ووضَعها على الشاشة لمشاهدتها. كانت أنفاسي تحتبس في صدري، وكذلك شعرت بأنفاس الضابط خالد. شغّلنا التسجيلات. لم يدخل أحدٌ غريب إلى البيت؛ جميع الوجوه التي دخلت البيت كانت معروفة، وكانت تدخل فى النهار، أما في الليل فلم يدخل أحد نهائياً سوى أنا وباسل. وصلنا لليلة الأمس التي رأيت فيها باسل وهو يخرج من المنزل... بقي باسل في الصيدلية لغاية الساعة التاسعة مساءً، ودخل البيت ولم يخرج  بعدها من البيت. وعند  الساعة التاسعة صباحاً جاء وفتح الصيدلية... فصرخت: شفت يا حضرة الضابط، لم يدخل المنزل أحد قبله، ولم يخرج أحد من البيت بعده... شكوكي في محلها !!!!... كنت حاسس أنه هو !!!!! سوف أشرب من دمه... المجرم. ورحت أركض ناحية الصيدلية... فتبعني الضابط وهو يصرخ عليّ: إنتظر يا طارق، إياك أن ترتكب أية حماقة. 
دخلت الصيدلية. كان باسل في حينها يبيع دواءً لأحد الزبائن. لم أنتظره لينتهي، بل  هجمت عليه وأمسكت قميصه بقبضة يدي، وأمسكت بالأخري كتفه، فأصبح بين يدي، ثم أوقعته على الأرض وجلست فوق ركبتيه وأنا أصرخ فيه: لماذا فعلت هذا يا مجرم... بماذا آذيتك... أنت أخي الكبير المحبب لديّ... بماذا أذتكَ ندى حتى تقتلها!!!! ونزلت به ضرباً وترفيساً. ولما وصل الضابط ومن معه أمسكوني ومنعوني من الحركة، ثم قام الضابط  خالد بتكبيلي بالكلبشات وصرخ فيّ: ماذا تفعل أيها المجنون، لا يحق لك أن تعتدي على أحد. 
حملوا باسل وأدخلونا إلى البيت. قاموا بإسعاف باسل من الكدمات، ثم جلس الجميع لحظات صمت. كنت تعباناً من العراك ومن صدمتي بأخي، ولم أعد قادراً على الكلام. 




رأيت باسل يبكي وعليه علامات الغضب، والإندهاش، والذهول. نظر إليّ غير مصدق بأني أنا من ضربه واعتدى عليه بتلك الوحشية. قال: لماذا فعلت ذلك يا أخي، أنا لم أفعل لك شيئاً يؤذيك.
قال الضابط خالد: هناك تهمٌ تحوم حولك... وهناك شك بأنك أنت من قمت بقتل ندى. وقام الضابط خالد بإخبار باسل بكل شكوكي نحوه من أول لحظة رأيته فيها في المقبرة.
باسل : لا بد أنكم مجانين!! أنا ؟؟؟ كيف؟؟؟ أنظر إليّ يا طارق، أنا أخوك وأنت تعرفني... هل أفعلها !!! لقد كانت ندى بمثابة أختٍ صغرى لي... وقد حزنت عليها مثلك تماماً، ولماذا أفعل ذلك؟؟
طارق : هل تنكر أنك قبل يومين، يوم الثلاثاء، الساعة الواحدة كنت تجلس بجانب قبرها وتبكي، وحين سألتك عن زيارتك لقبر ندى أنكرت ذلك. 
باسل : ماذا ؟؟!! أنا لم أقم بزيارة قبر ندى بتاتاً... لم أزر قبرها إلا مرة واحدة، معك أنت يا طارق... أقسم لك بذلك. ثم أخرج الموبايل من جيبه وفتح مكبر الصوت، واتصل بصديقه علي: ألو، كيفك علي. جاوب علي: تمام باسل بخير. باسل: اريد ان أرجع جاكيتك الذي استعرته منك بالامس . علي: ولو على حسابك يا باسل، الجاكيت وصاحبه، غدا احضره معك وانت قادم الى النادي.
باسل : خبِّرني، أي يوم بالضبط كان موعدنا الأول بالنادي؟ يبدو أني نسيت الأوقات يا صديقي. فقال علي: قبل يومين، كان يوم الثلاثاء، وأنت طلبتَ أن نذهب إلى الجيم  وقت استراحتك، من الساعة الثانية عشرة ظهراً إلى الثانية، لأنه أنسب لوقت الصيدلية، وأنك دائماً بهذا الوقت تترك الصيدلية للمساعد. 
باسل : معقول، هيك أنا اخترت الوقت؟ 
علي: ماذا عن الغد، هل أمرّ عليك بنفس الوقت... الساعة الثانية عشرة ظهراً.
باسل : لا أظن ذلك يا علي... غداً لا أستطيع الخروج، إن جسدى في غاية التعب، يبدو عليّ أعراض الإنفلونزا.
وهكذا  أثبتَ باسل أنه لم يكن في المقبرة في ذلك الوقت الذي رأيته فيها هناك. وكذلك أكدت غادة أن باسل تعشّى ونام الساعة العاشرة، وأنه لم يخرج من البيت. لا أعرف من أصدق، هل أكذب نفسي وأصدق باسل؟!!! 
في اليوم التالي، توجهت إلى محل الإلكترونيات واشتريت خمس كاميرات... وزّعتها في كل زاويا  البيت. كنت متيقناً بأني سوف أكشف شيئاً ما، وأن هذه الكاميرات سوف ترصد أي حركةٍ غريبة في البيت كي تخفف من شكوكي لباسل، بل سوف تجعلني أمسك من يدخل بيتي بالجرم المشهود. 
 في صباح اليوم التالي أخدت دوش وأفطرت، ثم  أخذت أتفقد تسجيلات الكاميرا. لم يكن هناك أي شيء غريب في التسجيل. أعدت الفيديوهات لمكانها. 



شغّلت السي دي الخامس لذكريات ندى. كانت ندى تتحدث: اليوم عيد ميلادي. اتصل طارق وأخبرني أنه سيتأخر في عمله... عنده اجتماعٌ مع المدير وأولياء الأمور... وقال لي: استعدي عندي مفاجأة لك. طبعاً أنا خمنت أنه يُحضّر مفاجأة عيد ميلادي... سوف أطلب منه أن نذهب إلى مطعمنا المفضل... وسوف ألبس الفستان القرمزي الذي اشتريته البارحة  لهذا اليوم. ثم فجأة بدأ صوت ندى يتغير قليلاً، وكان به حسرة ما. قالت يا ليتني أستطيع أن أفتح مع طارق موضوع الحمل. إلى الآن لم يحصل الحمل، كم أنا مشتاقة لأصبح أم. في كل مرة أفتح معه هذا الموضوع يتذمر ويتهمني بعدم الصبر، وأن علينا التوكل على الله... إنه يرفض أن نذهب إلى الطبيب للفحص، ويقول لي: إن الوقت ما زال مبكراً للفحوصات، لا تستعجلى يا ندى، دعي الأمور كما هي ولا تُعقّديها، وسوف يحصل الحمل بوقته، وربنا لا  يؤخر شيئاً إلا لسبب أحسن منه. ثم، فجأة، تحول نظر ندى ناحية الباب، وسمعتُ، بالفيديو، صوت بابٍ يُفتح، وكأنه باب البيت الخارجي، حيث اتجه نظرها إليه... فقطعتْ ندى التصوير وانتهى الفيديو. أعدت الفيديو من البداية إلى النهاية مرة ومرتين... كنت أريد أن أتأكد من الوقت المكتوب على الفيديو. كان يشير إلى الثامن من مارس الساعة الواحدة مساء... ترى من معه مفتاح البيت غيري وغيرها حتى يفتح الباب هكذا وهي بالداخل. أنا أتذكر تماماً يومها أنه بالفعل تأخرت في المدرسة، فقد كان هناك اجتماعٌ لأولياء الأمور، وتأخرت ساعتين عن موعدي.


نهاية الجزء الاول ..الى اللقاء في الجزء الثاني 
تفاعل :

تعليقات