القائمة الرئيسية

الصفحات

تلخيص رواية: فتاة من ورق: غيوم ميسو. إعداد وإشراف: رجاء حمدان.



لسماع الرواية والاشتراك بالقناة ..قناة راجوشو ...الرابط التالي : 

"راجو شو يقوم بتلخيص الروايات بإسلوبه المستقل عن الرواية الاصلية بما يتناسب مع حقوق النشر وحقوق الملكية الذي ينص عليها قانون حقوق النشر واليوتيوب """"

تلخيص رواية:
 فتاة من ورق: غيوم ميسو. 
 إعداد وإشراف: رجاء حمدان.






ثلاثية الملائكة تسحر أمريكا
 ..
 قصة الحب الكبير بين امرأة شابة وملاكها الحارس هي أشهر عمل أدبي لهذا العام . هاهي أول رواية للكاتب طوم بويد، عمره ثلاثون عاما , تصبح في بضعة شهور قليلة على رأس قائمة المبيعات لهذا العام . تروي حكاية الرواية عن قصة حب كبيرة و مستحيلة بين دليلة، طالبة شابة تدرس الطب، ورفائيل، الملاك الحارس الذي يسهر على حمايتها منذ طفولتها . 
عازفة البيانو الفرنسية أرور فالنكور تفوز بجائزة آفري فيشر المرموقة. في سن الواحد والثلاثين حازت العازفة أرور على الجائزة التي تبلغ قيمتها 75000 دولار. مستفيدة من جمالها الفاتن الاخاذ ، استعرضت صورها العديد من صحف الموضة، وصارت ملهمة لعلامة كبيرة في صنع الثياب الداخلية. وأصبحت الموسيقية الاعلى اجرا على وجه الأرض . 
أرور وطوم بمظهر العشاق في الحفل الموسيقي لكينغس أوف ليون .. قدمت فرقة كينغس أوف ليون حفلاً كبير و ضخما يوم السبت في الفوروم في لوس أنجلوس. وبين الحشود التي اجتمعت هناك ، كانت العازفة أرور وطوم الكاتب اللذان بدا أن علاقتهما حميمية للغاية . وبعد أيام، أمضى الكاتب ثلاث ساعات في متجر تيفاني في نيويورك في مهمة للبحث عن الخاتم المثالي للمرأة التي يرافقها منذ شهور .
 أرور وطوم : نهاية قصة .. عازفة البيانو التي كانت تحيا منذ عدة شهور قصة حب رائعة ، مع الكاتب طوم، شوهدت الأسبوع الفائت برفقة جيمس بوغلياري، طبال فرقة الروك ذي سفانكس . 
 تأخر إصدار الجزء الأخير من ثلاثية الملائكة.. أعلن الناشر دابلداي بأن إصدار رواية طوم بويد سوف يتم تاجيله إلى غاية الصيف القادم . ويشاع أن سبب هذا التأخر هو الإنتكاسة الحديثة التي يعيشها المؤلف بعد انفصاله العاطفي والذي أغرقه في حالة اكتئاب كبيرة للغاية . 
هل طوم بويد في طريقه إلى الهلاك ؟ .. كانت الساعة تشير إلى الحادية عشر ليلاً، أول أمس، عندما قام المؤلف المعروف بمهاجمة زبون في إحدى النوادي الليلية . وعندما أوقفت الشرطة الكاتب الشاب عثرت لديه على 10 غرامات من الكريستال ميث. وبعد متابعته بتهمة حيازة المخدرات، تم وضعه تحت الحرية المقيدة . 

ماليبو، ناحية لوس أنجلوس، كاليفورنيا: منذ أكثر من خمس دقائق وميلو لومباردو يطرق بلا توقف الستائر الخشبية التي تطل على نافذة منزل أعز صديق لديه، طوم. فخلال اخر ست شهور لم يغادر الكاتب طوم منزله. قال ميلو : حسناً، ثم أسقط معطفه والتقط قبضة المطرقة التي أعطته إياها كارول، صديقة طفولتهما والتي تشتغل اليوم محققة سرية. حطم الستائر ودخل ميلو إلى المنزل . رأى طوم ملقى على فراشه . وبعد ما هز ميلو طوم، قال له الأخير: ماذا تفعل في بيتي ؟



 فتحتُ عيني ورأيت ميلو في المنزل . قال لي: هذه الفتاة حطمتك تحطيماً. ألا تعتقد حقا أن الوقت قد حان لإنزالها من عليائها ؟ فقلتُ له: إنك لا تعلم من هي . فقال لي: كفّ عن تقديسها! انظر لما فعَلته بك! منذ متى ونحن نعرف بعضنا، يا طوم؟ خمسة وعشرين سنة ؟ لقد منعتني من ارتكاب الكثير من السخافات . لولاك، لما صارت كارول شرطية طوال حياتها . لولاك، لما استطعت أنا أن أشتري بيت لوالدتي . لقد قاومنا كل شيء، يا طوم: المخدرات، عنف العصابات، طفولة فاسدة. نحن ذمتنا بريئة. لقد جنينا مالنا بعرق جبيننا. لدينا كل ما يجعلنا مرتاحين ، يا طوم! شباب، عافية، مهنة نقدسها . لا يمكنك تدمير كل شيء من أجل فتاة . قلتُ له : كانت أرور حب عمري ! انا غير قادر على تجاوزها و نسيانها ابدا . 

خرجتُ أنا وميلو بعد إصراره. منذ أن تركتني أرور، وشيء ما يشبه السرطان أفسد فؤادي . التهمني الحزن وأفرغني من كل ارادة و عاطفة . كنت أعرف أن همومي تربك صاحبي ، فخرجت معه وجلسنا في أحد المطاعم. كنت اعلم أنه يفعل ما في استطاعته كي تنفرج أساريري، ولكن للأسف حتى حس الفكاهة تركني . قال لي: مبيعات الجزأين الأولين من ثلاثية الرواية لا تزال كبيرة . وثلاثية الملائكة في طريقها إلى أن تصير ظاهرة كونية. كما أنه سوف يُشرع في تصوير فيلم ماخوذ عن الرواية في الشهر المقبل. كما أخبرني ميلو بأن هناك مشكلة في طبع النسخة الفاخرة من اخر رواية لي . فلمواجهة الطلب، قاموا بالسحب على عجل. والنتيجة: مئة ألف نسخة معيبة. وسوف يسحبونها من المكتبات و سيتم اتلافها . والأهم الآن يا طوم، هو روايتك الاتية . فقلت: لن يكون هناك كتاب اتي ابدا ، يا ميلو. على الأقل ليس قبل مرور اعوام من الان . لم تعد لدي القدرة على الكتابة، وأنت تعلم هذا تمام المعرفة . لقد نضبت، وأنا عاجز عن كتابة ولو سطر واحد. قال: ولكن حاول. فقلت: لقد حاولت. لكن مجرد النظر إلى الكمبيوتر أمر يغيظني. فقال ميلو: ولكن هناك الملايين من الناس ينتظرون تتمة الرواية . وهذا دين عليك إزاء قرائك! وأيضاً هناك عقود مع الشركات. فإن لم تنته من كتابك في شهر كانون أول، سوف نؤدي غرامات مالية كبيرة للغاية . فقلت: ولكن كيف تريد لي أن أكتب خمسمائة صفحة في أقل من ثلاثة شهور ؟ صحت في وجهه وغادرت المطعم. ناولني راكن السيارة مفاتيح سيارة ميلو البوغاتي. ركبت السيارة وانطلقت. رأيت في المرآة العاكسة ميلو يركض خلفي وهو يوجه نحوي وابلاً من الشتائم . 

قال ميلو لكارول: ألا تجدين أن هذا تصرف غير منطقي و غير معقول . إنه يدمر نفسه من أجل قصة حب ! فقالت كارول: لعله غير منطقي البتة . ولكني أجد ذلك موغل في الإنسانية و مؤثر جداً . ولكن ما الذي نستطيع أن نفعله من أجله ؟ فقال ميلو: يجب منعه من أن يهلك ذاته ، ثم أخرج من جيوبه الحبوب المنومة والعقاقير المزيلة للإكتئاب التي سرقها من طوم. فقالت: هل أنت مدرك بأن كل ما يقع هو إلى حد ما ذنبك ؟ قال ميلو: هل هو ذنبي إن تركته أرور؟ فقالت: أنت تعلم ماذا اقصد بالضبط ! فقال لها: ما أخشاه هو أن لا يعلم أحد نهاية ثلاثية الملائكة. فقالت: أنا أعرفها. لقد قصها طوم عليّ منذ مدة طويلة للغاية . عبس ميلو، وشعر بشيء من الإحباط. كان يظن أنه كان يعرف كل شيء عن حياة كاورل. فلقد كانت عائلته الوحيدة، والمرأة الوحيدة التي يكن لها مشاعر الحب . 


كان رأسي يؤلمني، وظهري كله رضوض. على مدى اعوام طويلة ، أمضيتُ لياليَّ بالكتابة، مستنفذاً كل طاقتي و احاسيسي . أنشأت جمعية خيرية لتمكين أطفال حارتي القديمة من متابعة الدروس الفنية. لكني اليوم فقدت طعم كل شيء في الحياة . شيء وحيد كان بإمكانه ان ينقذني من هذه المشكلة : استعادة أرور، بشرتها الرخامية جسدها الرقيق، ، عيناها الفضيتان, لكني كنت اعرف أن ذلك لن يحدث. تناولتُ قبضة الكبسولات التي وجدتها في المنزل بصعوبة ، ثم تكومت في سريري . وبينما كنت أغوص في حالة عميقة من التعب ، شعرت وكأنني أنفصل تدريجياً عن العالم. كان جسمي يختفي، والحياة تتركني وحيدا . 

صوت زجاج متهشم أخرجني من احلامي . كانت الحجرة غارقة في الظلمة والمطر ينقر الشبابيك . كانت هناك عاصفة في ماليبو كما يحدث في الغالب. نزلت إلى الطابق الأرضي لكي أغلق الشبابيك . وحين عدت إلى حجرة الجلوس شعرت بوجود شيء ما متبوع بصوت انفاس متقطعة . رأيت طيف قوام أنثوي ممشوق و رشيق . ارتجفت ثم حدقت جيداً. كانت المرأة الشابة عارية، يدها موضوعة على بطنها ، ويدها الثانية تخفي صدرها. سألتها: من أنت ؟ أحاطت نفسها بغطاء كان مرميا على الأريكة ثم قالت: كنت اتصور أنك سوف تتعرف إلي. أنا بيلي! لاحظت أنها ترتعش. لا عجب! لقد كانت مبللة و الحجرة من جليد. حينها قلت وأنا متجه نحو الخزانة : لا أعرف أي بيلي. ثم سحبت شرشفاً و مددته اليها . التقطته بخفة وقالت: بيلي دونلي. بقيتُ مصعوقا في مكاني لثوانٍ عديدة. بيلي دونلي كانت شخصية ثانوية في رواياتي. وهي على وجه القرب فتاة محببة لكنها حمقاء بعض الشيء، تعمل ممرضة في مستشفى عمومي في بوسطن. لكن من تكون هذه الفتاة؟ معجبة تبحث عن الشهرة؟ قلت لها: يكفي كل هذا ، سوف ترتدين شيئاً ما وتعودين من حيث اتيت بكل هدوء . فقالت: أظن أنه سوف يكون من الصعب عليّ ان اعود إلى دياري. فقلت: لماذا؟ قالت: لأن دياري توجد بكتبك. وأنا سقطت من كتاب. سقطت من حكايتك. سقطت من سطر، وسط جملة غير مكتملة . كان فيها شيء ما يثيرني. ولكني تماسكت وأخرجت تليفوني حتى اتصل بمخفر الأمن المكلف بحراسة الإقامة. سمعت اول رنة ، ثم الثانية. وسمعت الرنة الثالثة تتردد، من بعيد جداً، ثم فقدت الوعي و ارتميت على الأرض . 

غمرتْ موجة من الحر جسدي ونكست راسي . قاومت الرغبة في فتح عيني لإطالة النوم في سريري . ثم بدا لي أني أسمع أغنية بعيدة. كانت هناك حركة حول الطاولة . ثم رأيت ذلك الفستان الوردي خاصة أرور. فهمست: أرور! لكن الطيف الضبابي و الشفاف تقدم إلى أن حجب الشمس و.. لا، لم تكن أرور، إنها خرقاء ذلك المساء التي تعتبر نفسها شخصية روائية! قلت: ماذا تصنعين عندك بعد هنا؟ قالت: إنها لطريقة غريبة من أجل شكري على إعداد الطعام ! فركت عيني كي أستعيد وعيي . كنت آمل أن تكون هذه الفتاة مجرد سخافات ، لكن للأسف، الأمر ليس كذلك. قلت لها: اسمعي، سوف نضع حداً لهذه السخافة . ستعودين إلى بيتك من دون أن تدفعيني إلى طلب البوليس ، اتفقنا ؟ فقالت: أنا بحق بيلي دونلي. أنا بحق شخصية روائية وصدقني أن ذلك يخيفني بقدر ما يخيفك . قلت لها: لا شك في أن هناك من سيقلق عليك من أفراد عائلتك أو أصدقائك ؟ فقالت: لا أعتقد ذلك! لا أحد يهتم فيي . حينها انقضضت عليها وقدتها إلى الشرفة ووضعتها هناك وأغلقت الفتحة الزجاجية من خلفي . خرّت على طول مدخل الشباك . جالسة ورأسها محاط بيديها، كانت تبدو متعبة . دنوت ببطء وجلست لصق الحاجز الزجاجي. رأيت جفناها يرتجفان كما بفعل التعب . اكتشفت أن فستانها ملطخ بالدم، ثم رأيت شفرة سكين الخبز بيدها وفهمت أنها آذت ذاتها . ثم نظرت إلى الأعداد الموشومة على يدها 144 .حينها التقطت كتابي وفتحت على الصفحة 144 ، وكانت بداية فصل جديد يقول : ذهبتْ بيلي إلى متجر للوشم في بوسطن. كانت الأبرة تعدو على كتفها، تنفث الحبر تحت جسمها ، وتحفر كتابة بالرسم الأرابيسك. علامة لوصف جوهر الشعور بالعاطفة القوية : شيء منك داخلني إلى الأبد وأعداني مثل سم. نقشٌ جسدي تعمدت حمله مذاك بصفة القربان لمواجهة اوجاع الحياة . حينها نظرتُ إلى عظم كتفها، ولمحت رسماً قبائلياً. كانت علامة هندية في وصف جوهر الاحساس بالحب . 

حينها أدخلتها إلى المنزل . قالت لي وهي متجهة إلى المطبخ : صرتَ أكثر لطفا ! فقلت لها: على كل حال إن الوشم ليس دليلاً كبيرا . وبعدما تحدثتُ معها قليلاً صدمني تشابهها الكبير مع بيلي . فهذه المرأة إما أنها مخبولة وقلدت بيلي الشخصية الموجودة فى روايتى تقليداً كبيرا للغاية ، وإما أنها كانت بحق بيلي، وبالتالي فأنا من كان سفيها . حينها رن جرس الباب فقامت بيلي إلى النافذة وأختبأت هناك. كان ميلو ومعه كارول. حينها قلت لهما: لن تتخيلا ما يجري لي! من مساء أمس. انظرا إلى الشرفة. فعبرا الصالون ثم قال ميلو: لا أحد في الخارج. ، لحقت بهما و انا مصدوم . لم يكن هناك أثر لبيلي. حينها ولأكثر من ربع ساعة قصصت عليهما بالتفاصيل، حكايتي الغريبة ، بدءاً من لقائي الغريب مع بيلي، وصولاً إلى حديثي معها والذي انتهي بإقناعي بحقيقة هويتها. فقال ميلو: يجب عليك ان تعود لترى طبيبتك النفسية. فقالت كارول: لا شك في أنك تعاني من الإرهاق التام . 

ربما كان ميلو على حق. ربما كنت على حافة فقدان عقلي وكنت ضحية تهيئات. وصلت أنا وميلو وكارول إلى عيادة الدكتورة صوفيا شنابل. قالت لي كارول : نحن اصحابك ولسنا أعداؤك. دخلنا ثلاثتنا البناية. وفي مكتبها دخلت الدكتورة صوفيا وألقت السلام . ومثل كل مرة، تطلّب مني الأمر بضع لحظات حتى اعتاد على حجم شعرها المثير. ومن خلال الطريقة التي تحدثت بها إلى كارول و ميلو ، تأكد لي بأنه قد سبق والتقتْ بهما. وعند سماع خطاب صوفيا شنابل الملتبس، علمت أن ما كان يختفي وراء مجموعة الفحوصات التي كانت تنوي إجراءها لي، هو الحجز الصحي! كان ميلو يسعى إلى وضعي تحت الوصاية حتى يتهرب من مسؤولياته المالية! منذ عام تقريبا ، كنت قد تورطت مع قوات الأمن في أكثر من قضية ومشاكلي القانونية لم تكن لتنته . كنت قيد الحرية المشروطة، بفعل اتهامي بحيازة المخدرات. لقائي مع بيلي ـ الذي كان ميلو يحكيه بأدق التفاصيل للطبيبة ـ سوف يكون خاتمة للدفع باعتباري مريضاً يعاني من الهلوسة و الذهان . قالت صوفيا: إذا سمحت، سوف نجري بعض الفحوصات. لا، لم أكن أريد أية فحوصات، لم أكن أريد أي نوم مفتعل ، لم أكن أريد الأدوية بتاتاً! غادرت مقعدي حتى اهرب من ذلك الحديث. مشيت بضع خطوات، وقذفتُ بمنحوتة ـ كانت موضوعة على الطاولة ـ على النافذة الزجاجية التي تناثرت إلى عدة شظايا من الزجاج. أتذكر الصيحة التي أطلقتها كارول. أتذكر الشرخ المنفرج التي هجمت منه هبة ريح عاصفة. أتذكر نداء السماء. أتذكر أني تهاويت و ارتميت في الفراغ من دون استعداد للقفز . 




بعد سقطة من علو طابقين، وجدت نفسي ملفوفا بستار فوق سيارة قديمة. كان لي ضلع مغروز، وألم في الركبة والكاحل وفقرات العنق ، لكني لم أكن ميتاً. سمعت بيلي تقول: إن لم نرحل من هنا على وجه السرعة ، أخشى من أن يلبسوك سترة المجانين . كان عندي التواء في الكاحل ولم أعد أقوى على الخطو. جلستْ بيلي خلف مقود مركبة ميلو البوغاتي وجلستُ على كرسي الراكب. وهربنا من الخلف. حينها سمعت كارول تقول: ارجع، يا طوم! أرجوك. سألت بيلي: إلى أين نحن الان ذاهبان ؟ فقالت: إلى المكسيك. سنعثر على أرور. نظرتُ إليها وأنا مصدوم . قلت: ما دخل أرور في هذا. فقالت مرة ثانية : سأعرض عليك صفقة: سوف نذهب إلى المكسيك، و ساعاونك في موضوع استرجاع أرور، ومقابل ذلك تكتب اخر جزء من ثلاثيتك، لأن ذلك هو السبيل الوحيد إلى إعادتي إلى المكان الذي اتيت منه . 

بعد نصف ساعة كنا في مطعم للوجبات السريعة على الطريق بعد هانتينغتون بيش. ابتسمتْ بيلي في وجهي قبل أن تفتح مقابلها خارطة طريق كبيرة لتوضح بدقة تفاصيل الرحلة الى المكسيك . ثم قالت: حسب الخبر فى إحدى المجلات فإن أرور و صاحبها لا يزالان في عطلة إلى غاية نهاية الأسبوع في فندق فخم بكابو سان لوكاس في الجزيرة المكسيكية. ثم صمتتْ و قالت : ستقوم بكتابة الجزء الاخير من روايتك ، وسوف تكف عن جعلي في الرواية كبش فداء! وتكف عن جعل فراشي معبراً لكل أراذل الدنيا، وسوف تنقلني بالرواية من قسم العلاج من السرطان إلى قسم طب الأطفال. ارغب في أن أرى الحياة أكثر من الموت. فمنذ عامين وأنا أطالب الإدراة بذلك ولكن كل مرة يتم رفض طلبي بحجة أن القسم يعاني من نقص في الايادي العاملة . أما من أجل تحسين أحوالي المادية، أرى من المفيد أن أحصل على ميراث. حينها قلت لها: حسناً، هل أنهيتِ قائمة بابا نويل ؟ فقالت: هناك شيء ثاني ايضا ، أريد أن يهجر جاك زوجته نهائياً و يعيش معي الى نهاية عمره . كان جاك هو عشيقها. رجل متزوج. وأب لولدين . قلت لها: ابذلي مجهوداً لنسيانه فليس هناك مجال لتعودي اليه البتة . فقالت: إنه يستأثر بي. منذ النظرة الأولى، حدث شيء ما بيننا: بداهة، انجذاب كبير . قلت لها : جاك لا ينوي الإنفصال عن زوجته. فقالت: اعلم ذلك ، ولكني أعتمد عليك لتغيير ذلك . =كانت بيلي تسوق بسرعة كبيرة للغاية ، فأوفقنا الشرطي. توقفتْ سيارة الدورية بضعة أمتار من ورائنا . دار الشرطي حول السيارة، ثم طلب من بيلي رخصة القيادة ووثائق السيارة. فقالت بيلي: أتمنى لك الكثير من المتعة، ثم شغلت محرك المركبة وانطلقت. قلت لها: يجب أن نتخلى عن السيارة! لاول وهلة ، تخلى الشرطي عن مطاردتنا، لكن من المؤكد أنه أعان حالة للاستنفار في المنطقة . وفي أحد المنعطفات تركنا السيارة. أخذنا أمتعتنا منها، ووقفنا على جانب الطريق نبحث عن سيارة حتى تنقلنا . توقفت لنا سيارة شحن صغيرة صدئة اللون مهترئة قديمة للغاية . وبداخل هذه السيارة البالية اقترح علينا مكسيكيان بستانيان نقلنا إلى سان دييغو. وبعدما وصلنا عاونت بيلي في النزول على الرصيف قبل توجيه الشكر للبستانيين عن معاونتهما لنا. أتصلت بصديق قديم لي وعرضت عليه شراء لوحة فنية كانت معي. أعطاني مقابلها ثلاثون ألف دولار، مع أنها تساوي أضعاف ذلك عشرين مرة ! 

قمت بشراء سيارة مكسيكية قديمة من أحد الكراجات بما يقارب إثنا عشر ألف دولار. واستطعنا بكل سهولة و يسر تجاوز الحدود إلى المكسيك. واصلنا السير بموازاة الساحل. هطلت علينا أمطار طوفانية. وصلنا إلى أقرب فندق . ومن دون أي مفاجئة, كانت الحجرة تتميز بالبساطة، ضعيفة الإضاءة، تفوح منها روائح غريبة . غادرت بيلي إلى الحانة. ولأني بقيت وحيداً، أخذت دشاً بمياه فاترة ، وفتحت حقيبتي بحثاً عن أغراض النوم. كان حاسوبي في انتظاري . شغلت برنامج معالج النصوص. عندها تسارع نبضي، وانتابني دوار، وهز فؤادي غثيان قوي بحيث... كنت مكرهاً على إطفاء الحاسوب. لقد أصابتني متلازمة الصفحة البيضاء. لقد تخليت عن الكتابة ولم تعد الكتابة هي الاخرى ترغب فيّ. 

انتقلت الى سريري ، أطفأت النور وتقلبت ذات اليمين وذات الشمال في سريري. لم اكن قادرا على النوم . نهضت وخرجت إلى إحدى الحانات الشعبية التي لا يكاد يرتادها سوى الرجال. كانت بيلي تجلس في الجزء الخلفي من القاعة, إلى مائدة رجلين ضخمي الجسم . اقتربت من الشلة. تعرفتْ إليّ ولكنها فضلت ان تتجاهلني . كنت أعرف عيوبها وأعلم أن الكحول لا يلائمها. تعاركت مع الرجلين. ثم امسكتها و اخذتها إلى الفندق . قال ميلو لكارول وهو منهار : حياتي تسير نحو الهاوية ، لقد تسببت في إفلاس أعز صاحب لدي ولم أكترث لمعاونته حينما واجه المصاعب، وشربت حتى السكر ، ودخنت ثلاث أو أربع لفافات. قالت كارول: لقد تم العثور على مركبتك البوغاتي التي أخذتها الفتاة بصحبة طوم في غابة قرب سان دييغو. قال ميلو: وطوم؟ فقالت كارول: لا خبر. قال ميلو: سأنتقل إلى عين المكان بالمركبة التي اكتريتها. فقالت كارول: سوف أذهب هناك. نتلاقى في بيتي بعد ساعة يا ميلو، اتفقنا ؟! 

في المكسيك، لاول مرة ، احسست أنني بخير. أحببت المناظر الطبيعية، أحببت عطر الأسفلت ورائحته المسكرة التي تمتلئ بالحرية، أحببت المتاجر و المركبات . 





كابو سان لوكاس .. فندق لا بويرتا ديل باريزو جناح رقم 12 .. نور صباحي ينساب من خلال الستائر, فتحت بيلي عيناً وتمددت بتعب . كان المنبه يشير إلى أن الساعة تجازوت التاسعة. التفتت فوق فراشها . على بعد أمتار منها، وعلى فراش منفصل، كان طوم مضطجعاً على جنبه. خرجت بيلي إلى النافذة بعد أن تدثرت بمعطف طوم. وعلى الشرفة احست بشيء في الجيب الداخلي للمعطف. كانت محفظة نقوده. كانت منتفخة بعض الشيء. فتحتها وإذ بجسم براق معدني يسقط في بطن كفها. لقد كان غلافاً لطلقة سلاح ناري. فجأة، تسارع خفقان فؤادها بين ضلوعها. ولإدراكها بأنها انتهكت للتو سراً ، أسرعت إلى إعادة غلاف الطلقة إلى قعر بطانة المحفظة. ثم وجدت صورة، كان يُرى عليها شاب و فتاة متعانقان. تعرفت إلى طوم بدون صعوبة، وارتأت أنه لم يتجاوز سن العشرين في تلك الفترة. أما الفتاة فكانت أصغر من ذلك، سبعة عشر عاما أو ثمانية عشر. كانت فتاة رائعة الجمال من الجنس الأمريكي الجنوبي. طويلة القامة ، ولها عينان صافيتان ورشيقة. تركت بيلي الصورة وهي ترتجف. 

 فندق لا بويرتا ديل باريزو الجناح 24 .. كان ميلو يتفحص قوام حوريتين شبه عاريتين عندما اقتحمت عليه كارول فجاة الشرفة. فقال ميلو : لقد تحققت من خدمة الإستقبال. إن طوم فعلاً قد نزل بهذا الفندق بصحبة صديقته، أما أرور فهي على الشاطيء الآن . 


الجناح 12 .. دخلت بيلي إلى الحجرة ، وكنتُ قد استفقت، فقالت لي مشيرة إلى الصورة التي رأتها في محفظتي: من تكون تلك البنت ؟ فقلت: إنها كارول، صديقة الطفولة. فقالت بيلي : متى كان ذلك ؟ فقلت: في عيد ميلادي العشرين. حينها طرق الباب. كان ذلك كارول و ميلو . قالت لي كارول: نهارك سعيد. وقال ميلو: جميل أن نراك مرة ثانية . وبعد الحديث نزلنا أنا وميلو إلى إحدى النوادي الليلية . قال ميلو: في ما يخص بيلي، إنك لا تصدق حقاً بأنها بيلي الأصلية، أليس كذلك ؟ فقلت: مهما بدا ذلك غير قابل للتصديق، و لكني اعتقد انها هي . أظن يا ميلو أني سأعود إلى التعليم. في فرنسا، هناك ثانوية أبدت اهتمامها بسيرتي. فقال ميلو : إذن ستهجرنا ! والكتابة ؟ فقلت: انتهى أمرها. حينها هبت عاصفة من ورائي وصرخت بيلي: كيف انتهى أمرها ؟ وأنا إذاً ؟ حينها أخذتها على طرف وقلت لها: سوف نكف عن الكذب على بعضنا. لم اعد قادرا على الاستمرار في الكتابة ابدا . لم أعد أرغب بها. قالت بيلي: وأنا أريد العودة إلى دياري! كما أن بيننا عقداً. فقلت: أنا لست مسؤولاً عما يجري لك . كما أن أرور تعيش حياتها، ولن تستطيعي ان تعيديها لي على الاطلاق . فقالت لي : هل تود المراهنة ؟ ثم دنت مني بلطف وقبلتني. احسست بقلبي يخفق بسرعة، باعثاً فيّ عواطفا انطفأت منذ زمن بعيد. 

كنتُ بحاجة لأن أكون وحدي حتى أسترد وعيي . كنت حانقاً على نفسي. غاضباً من أني تلبلكت جراء قبلة بيلي. رأيت أرور ترتدي سترة طويلة من الكشمير و هي تعزف في بهو الفندق. كان من المؤلم رؤيتها من جديد. لمّا تركتني ، أخذت معها كل ما كان فيّ من طاقة: آمالي، ثقتي وإيماني بالمستقبل. إنها خنقت فؤادي ، وانتزعت منه كل إمكانية جديدة للحب. لقد وقعت في حبها مثلما يصاب الانسان بفيروس قاتل. كنت قد التقيتها في مطار لوس أنجلوس. أحببتها منذ اول دقيقة رايتها فيها . اقتربتُ منها بعد أن انتهت من عزفها وقلت: كيف هي ظروفط ؟ قالت: حسنة. إنها ظريفة، تلك البنت يبدو أن ما يقع بينكما له قوة البركان. قلت: وأنتِ، كل شيء يسير على ما يرام مع الرياضي الذي يخصك؟ إنه يمتلك وجهاً وسيما بحق. على العموم، تليقان ببعضكما. ما كنت أريده أنا هو بناء شيء ما معك، كنتُ مستعداً لاجتياز المحن بصحبتك . قالت: أعلم أن لا شيء يدوم إلى الأبد، و اعرف أنه كي نستحق الحب، ينبغي أن نهب أنفسنا روحاً وجسداً، والمخاطرة بخسارة كل شيء. ولكني لم أكن على استعداد كامل لفعل ذلك، كما أنه لا استعداد لديَّ اليوم. ثم أضافت: اعتذر بشدة . 

بفستان مزركش بالفضة كانت بيلي تمشي إلى بهو الإستقبال. انتقلنا إلى الطاولة حيث كان ميلو في انتظارنا. وعلى بعد بضع طاولات منا ، جلس كل من أرور ورفائيل وسط البهو ، يشهران حبهما الحديث. وفجأة سُمع صوت دويّ بعيد. وبرز ظل طائرة مائية في السماء. وأخذت الطائرة تُمطر علينا مئات من الورود الجميلة الالوان والتي غطت بلاط المطعم. تصفيقاتٌ حارة استقبلت هذا الوابل من الورود . ثم ركع رفائيل أمام أرور طالباً منها الزواج. كنت بعيداً جداً و غير قادر على سماع جواب ارور ، ولكني قرأت حركة شفتيها .. أنا آسفة !! حينها عم صمت كبير كما لو أن كل المطعم أحرج. حينها قام رفائيل وعبر القاعة بنوع من الكبرياء المجروح، ومن دون أن اتصور ، سدد لي لكمة على طريقة مايك تايسن . 

بعد خروجي من عيادة الفندق، صعدتُ إلى الغرفة حيث كانت بيلي تنتظرني. اقتربتْ مني وقبلتني فأحسست بمذاق غير طبيعي في فمها ، لاسع، هائج في الفم، فتراجعتُ فجاة من مكاني . بدتْ بيلي مذهولة، حينها أبصرتُ شفتيها المسودتان، ولسانها الأرجواني. كانت تنتفض ، وأسنانها تصطك. شعرتُ بها و هي تنهار امامي . وفجأة أخذتها رغبة في التقيؤ. وبألم شديد لفظت طبقة سميكة ولزجة قبل أن تنهار فوق الارضية . لكن ما كنت أراه ليس قيئاً .. كان حبراً !! 

خرج الطبيب من حجرة مستشفى الفندق بينما استغرقت بيلي في نوم عميق. قال الطبيب: لديها الأعراض الروتينية لفقر الدم أنيميا ولكن ما يؤرقني هو تلك المادة المسودة التي تقيأتها بكمية هائلة . سمح لي الطبيب بالبقاء بالقرب منها الليلة . حينها اقتربت منها وهمستُ لها: لن أتخلى عنك، بيلي. إنها كلمة شرف مني لك على ذلك. في الصباح، كانت بيلي قد استعادت بعض حيويتها و نشاطها . جاء الطبيب وميلو. قال الطبيب: المادة السوداء التي لفظت منكِ آنستي ليلة امس هي حبر زيتي. كما أن الكشف الدموي أكد فقر الدم. وهذا ما يفسر تعبك ، وآلام الرأس، والدوار. كما أن التخطيط أظهر وجود مادة السليلوز في دمك. والسليلوز هو المكون الأساسي للخشب. ما اعنيه من هذا الحديث أن تكوينك البيولوجي ليس تكوين كائن بشري. يتم الأمر كما لو أن جزءاً منك هو في طريقه إلى أن يصير نباتياً !! 




بقينا نحن الثلاثة في الحجرة وبعد أن أفرغت بيلي كل ما فيها من دموع، نامت بيلي في آخر المطاف. حينها قال ميلو: طوم، في ما يخص تلك الحكاية عن بطلة رواية سقطت من كتاب، لم أرد ان اصدقك ، ولكني الآن مرغماً على الإقرار أن صديقتك هذه في طريقها إلى أن تصير شخصية من ورق. ينبغي التفكير الآن في الفجوة التي من خلالها استطاعت شخصية خياليه ان تلج الى واقعنا . حينها قلت: بيلي سقطت من سطر في منتصف جملة غير منتهية . قال ميلو: أجل، مجموعة المائة الف كتاب التي لم يتم طبع نصف أعداد صفحاتها! ذاك هو باب ولوجها الى عالمنا . ثم سأل ميلو: في أي ساعة احست بيلي بأولى علامات المرض؟ قلت: أظن في منتصف الليل شعرت بالتعب الشديد . فقال ميلو: أنا أعرف سبب أزمتها، ثم أخرج هاتفه الآيفون وقرأ الرسالة التي على تليفونه المحمول : من روبرت براون .. سيدي نؤكد لك التدمير الكلي لمجموع المخزون المعيب من الطبعة الخاصة للجزء الثاني من ثلاثية الملائكة، لكاتبها طوم بويد. وتم إتلاف 99999 كتاباً معيباً في محطة الإتلاف في مصنع شيبارد في بروكلين. فقلت: إذن بيلي ترتبط مادياً بالنسخ التي بها عيب . ولكنهم على الأغلب لم يدمروا المخزون كله ، فلو كان الأمر كذلك، لكانت ميتة سلفاً. هناك كتاب واحد لم يستطيعوا إتلافه على الأقل . فقال ميلو: النسخة التي بعث لي بها الناشر ومنحتك إياها! ماذا فعلت بها ؟!!! فقلت: لقد رميتها في سلة القمامة في مطبخي ! يجب أن أهاتف الخادمة كي لا ترمي الكتاب. تكلمت مع الخادمة. ولكنها قالت لي بأنها أخرجت القمامات يومين من ذي قبل. وهنا كان ينبغي عليَّ التحرك بسرعة. لأن حياة بيلي صارت متعلقة بكتاب واحد . 

كانت بيلي لا تزال نائمة. وكان ميلو قد ذهب حتى يخبر كارول وقد خططنا لنلتقي بعد ساعتين للقيام ببعض التحقيقات وإعداد الخطة لمعركتنا. وفي بهو الإستقبال رأيت أرور والتي تاسفت عن تصرف رفائيل باروس ولكمته لي. حكيت لها باختصار ما جرى لبيلي. أنصتت إلي باهتمام. كنت أعلم أن امها توفيت في سن التاسعة والثلاثين جراء سرطان ثدي. ومنذ تلك الوفاة الصادمة، صارت مصابة بالوسواس المرضي، وعلى أي حال، مهووسة بكل ما يمس صحتها البدنية. فقالت لي: خذها على وجه السرعة عند طبيب كفؤ. إن أحببت إلى البروفيسور جان باتيست كلوزو: خبير في التشخيص لا مثيل له. قلت لميلو: يجب أن نقتسم الأدوار. أنت يا ميلو، سترجع إلى لوس أنجلوس حتى تحاول و تقوم بالبحث عن آخر نسخة معيبة. أعلم بأنها مهمة مستحيلة، ولكن إن تم إتلافها، فإن بيلي ستتوفى في الحال . أما أنا، سوف آخذها إلى باريس لاستشارة الطبيب الذي نصحتني به أرور من أجل السيطرة على انتشار المرض لديها . ولكن أيضاً يجب أن أكتب الجزء الثالث من كتابي لإعادة بيلي إلى العالم الافتراضي ، فالجزء الثالث للرواية هي بابها للخروج من العالم الواقعي . 

عثرت كارول على صفحة في موقع eBay يعرض للبيع نسخة من رواية طوم. فقالت ل ميلو عن الامر ولكنها أخبرته أيضاً أن النسخة تم بيعها بأربعة عشرة دولار. حينها بعثت كارول برسالة إلكترونية تشرح فيها رغبتها في التواصل مع الشخص الذي اشترى الكتاب . ولما لم تتلقَ رداً، بعث ميلو رداً أكثر توضيحاً مع تضمينها وعداً بمكافأة قيمتها ألف دولار إلى الإسم المستعار آنا، الذي اشترى الكتاب . 

وصلت بيلي و طوم إلى باريس. والظاهر أن هواء باريس أعاد لبيلي عافيتها بعض الشيء . بالتأكيد لا تزال خصلات شعرها بيضاء وسحنتها شاحبة، ولكن بدا أنها استرجعت بعضاً من رشاقتها و حيويتها . 

 قلبت بوني صفحات الرواية لتجد أنها تتوقف بغتة عند الصفحة 266 في منتصف جملة غير مكتملة. وبعد هذه الصفحة هناك صفحات بيضاء. دخلت بوني إلى أحد المقاهي وبدأت تكتب على الصفحات البيضاء سوفليه بالشوكولاتة ... 

استطاعت كارول بصفتها شرطية ان تصل إلى عنوان بيت آنا. وحين وصلت إلى منزلها ، أعلمتها آنا بأنها قامت ببيع الرواية إلى طالبة تدعى بوني. قدرت كارول أن تحصل على عنوان الفتاة بوني، التي اشترت الكتاب من آنا. وبعد ساعات وصلت إلى البيت الذي تعيش فيه بوني . سألت عن بوني فقالت لها الفتاة التي فتحت الباب: إنها غادرت للتو نحو المطار، حتى تشارك في بطولة الشطرنج في روما ! وصلت الطائرة إلى روما. كانت بوني مستغرقة في النوم طوال الرحلة و لكنه نوماً مضطرباً . غادرت الطائرة وهي لا تزال متعبة , من دون أن تنتبه إلى أنها نسيت داخل شبكة الكرسي الكتاب .

 وصلتُ وبيلي إلى المستشفى. وبدأتْ بيلي بسرد ما حدث لها بادق التفاصيل للطبيب كلوزو: فقدان الوعي، شحوب إرهاق كبير، ، ضيق في التنفس وحرقة في المعدة ، غثيان، حمى،. تناول الطبيب ملف بيلي ثم قال: ستخضعين للتحاليل مرة اخرى . هذه التحاليل وحكاية "الفتاة من ورق" تلك، والحبر والسليلوز: لا شيء من هذا يقبله العقل . ولكن رأيي، إن هناك تشوه في القلب أو الشرايين مما أدى إلى انخفاض مفاجئ في الصبيب الدموي الدماغي . 

وضع مايك بورتوي، الطيار المدني، اخر لمساته على تقرير ما بعد الطيران وأغلق حاسوبه المحمول. هذا المساء عليه ان يلتقي ب فرانسيسكا. في كل مرة يمر فيها إلى روما كان يدبر أمره حتى يجرب حظه مع المضيفة الجميلة التي تعمل بمكتب الأغراض المفقودة . هى في سن العشرين، نضرة و جميلة للغاية . ولكنها ترفض تلميحاته لحد الآن. غادر مايك قمرته ثم تناول كتاباً ملقى في الطائرة. كان رواية طوم بويدـ ثلاثية الملائكةـ الجزء الثاني. حينها قال لذاته : ها هو المبرر لأمر بمكتب الأغراض المفقودة . احتفظ بالكتاب في يده، وغادر الطائرة. هذا المساء سوف تنام فرانسيسكا في حضنه! وحين وصل إلى المكتب، قالت له البديلة بأنها مع صديقها في المقهى. ذهب مايك إلى المقهى ووجد فرانسيسكا مع شاب صغير لديه ابتسامة رائعة للغاية . دعاها إلى العشاء معه، فرفضت قبل أن تنخرط في ضحك جنوني مع شريكها. حينها غادر المقهى جاراً ذيول الخيبة، ونسي على المشرب الكتاب ذي الغلاف القوطي الجلدي. 

قال الطبيب لبيلي : أظهر تحليل الدم انخفاض معدل الصفائح، وهذا ما يبرر حالة الأنيميا التي تعاني منها . أما تخطيط القلب بالصدى، فقد أشار وجود مخاطات قلبية، أي عدة أورام تقع في القلب ، لذا هناك مخاطرة كبيرة في إصابتك بانسداد الشرايين أو الموت الفجائي إذا لم نقوم بازالة الأورام في أسرع وقت. وهذا يحتاج إلى علاج جراحي بالقلب المفتوح. وصلت لبوني عدة رسائل من ميلو بشأن الكتاب، فردت عليه برسالة قائلة له: إن الكتاب ليس للبيع، و لكني للاسف ساخبرك ب أنني أضعت الكتاب أثناء رحلة سان فرانسيسكو ـ روما، وأنه لحد الساعة لم تتم إعادته إلى مكتب الأغراض المفقودة في المطار. أرجو أن تتقبل أصدق تحياتي ... بوني ديل أميكو. 

كان أول ركاب الرحلة على متن فلاي إيطاليا قد بداوا في مغادرة الطائرة. ومن ضمنهم الرسام الشهير لوكا باتوليتي. لم يهدر لوكا وقته في انتظار حقيبته أمام حزام نقل الأغراض الدائري. فتوقف كي يأكل اي شيء من المقهى. وحين جلس لمح الكتاب ذي الغلاف الجلدي القوطي . وحين أنهى لوكا وجبته غادر المقهى متأبطاً ما وجده حديثا . وحين وصل إلى بيته، خلف ساحة سانتا ماريا، خلع سترته وأخذ يتصفح الكتاب. هذا المساء انتابته رغبة كبيرة في تذوق سوفليه بالشوكولاتة . 

رغم التهديد الذي يمثله مرض بيلي، إلا أن روايتي كانت تتقدم على نحو جيد جدا . كنت قد استرجعت لذة الكتابة وكانت الليالي التي امضيها في العمل مدفوعة بحماس. كنت أخلق من أجل بيلي الحياة التي حلمت بها دوماً بالقرب من عشيقها جاك . قبل أن تقتحم بيلي حياتي، كنت بالفعل قد ابتدعت شخصية جاك بوصفها معاكسة لي. كان يُجسد كل ما اكرهه أو ما يزعجني في الذكورة. كان في الأربعين، له وجه جميل ، أب لطفلين، ويعمل في بوسطن. كان يخون زوجته. ولسوء الحظ، رميت في إحدى صفحات روايتي القديمة بيلي بين مخالبه، وكانت إحدى ضحاياه. وهي الآن تلتمس مني أن أبني حياتها إلى جانبه. كان الآن عليّ أن أغير شخصية جاك إلى النقيض، وأجعله شخصاً لطيفا أكثر. 

جلس لوكا على إحدى طاولات مقهى بابينتوس. كانت الجدران مكسوة برفوف من الخشب التي اصطفت عليها العشرات من الكتب. فتح لوكا كتاب طوم، وعند إحدى الصفحات البيضاء أخذ يلصق صوره الشخصية. ثم أغلق الكتاب و وضعه في أحد الرفوف بين الكتب . جلس كل من كارول وميلو يتكلمان عن موضوع الكتاب . لقد أعلنت كارول على الشبكة العنكبوتية عن بحثها عن نسخة غير مكتملة للجزء الثاني من ثلاثية الملائكة. اتتها رسالة زعم مستخدم للإنترنت أنه وجد أثراً للنسخة على موقع الكتاب المسافر. وبنقرة جديدة على الإنترنت عرفت كارول أن الكتاب تم تركه في روما في مقهى بابينتوس . حينها قررت هي وميلو الذهاب إلى المقهى، وحجزا بالطائرة إلى روما . 

جلست إيزول بارك إلى طاولة صغيرة في أقصى قاعة الشاي في مقهى بابينتوس. شربت كاسا من الشاي. نهضت بعدها حتى تنظر إلى رفوف الكتب. رأت كتاباً لكاتب اسمه طوم بويد. أخرجت الكتاب واكتشفت أن هناك بطاقة عليه مكتوب عليها : نهارك جميل ! لست كتاباً مثل باقي الكتب. أنا منذور حتى اتجول في العالم . خذني، اقرأني، واتركني بدورك في مكان عام. كانت تلك الجملة قد كتبها لوكا. حينها فتحت إيزول الرواية وتصفحت صفحاتها البيضاء التي وضعت عليها صورة لشخص سارداً حكايته. شيء ما حرك فيها مشاعرها . بدا لها أن الكتاب به قوة مغناطيسية. كان الملصق يصرح بأنه مجاني، لكنها كانت مترددة في وضعه داخل حقيبة يدها . 

وصل ميلو وكارول إلى مقهى بابينتوس ولكن لم يجدا اي اثر للكتاب . فقررا أن يستريحا من عناء السفر بعض الشيء وأن يتناولا الطعام في أحد المطاعم. كان الهواء جميلا للغاية وكان ميلو ينظر إلى صديقته بحنو. ولعدة مرات كاد يبوح لها بحبه الذي كتمه منذ زمن بعيد جدا ، ولكن خشيته من فقدان صداقتها كبحت كل ميل إلى ذلك. كان إلى جانبهما يجلس زوجان استراليان مع ابنتهما . فقال ميلو: إنك تصلحين كأم رائعة يا كارول. فقالت بعدوانية : وما أدراك ؟ فقال: فقط احسست بهذا الشيء . فقالت : إنك لا تعرفني، يا ميلو! ولا تعرف اي شيء عن حياتي الخاصة. فقال: إذاً، احكي، اللعنة! ما السر الذي يؤلمك ؟ فقالت: سبق لي وأن كنت حبلى. أتريد يا ميلو أن تعلم بحق ؟ سوف أثق بك، وأفشي لك سري، ولا أريدك أن تعلق بعد ذلك. وحين أنتهي سوف أقوم من مكاني وأستقل سيارة أجرة إلى المطار. وستنتظر ان يمضي أسبوع على الأقل للإتصال بي. إما تقبل هذا أو لا شيء. فقال : اتفقنا، سنفعل كما ترغبين بالضبط . فقالت: المرة الأولى التي أقدم فيها على ذلك كانت مساء عيد ميلادي. كنت أبلغ الحادية عشر من عمري تقريبا . وبصوت رخو، قصت كارول على ميلو جحيم طفولتها البائسة . حكت له كيف كان يلحق بها زوج والدتها الى فراشها . حدثته عن الليالي التي كان فيها يغادر بعد إشباع رغبته منها. كان يردد عليها على الدوام : لن تخبري أمك بذلك ! ثم حكت له عن الإجهاض الذي خضعت له في السر. ثم حدثته عن طوم الذي عاونها على التعلق بالحياة، واختلق من أجلها رواية ثلاثية الملائكة . سألها ميلو: متى كانت نهاية كل ذلك؟ قالت كارول: لست متأكدة من أنها في مِلكي. قال ميلو: إذن من يملكها ؟ قالت: إنه طوم. 




كنتُ وبيلي جالسان في المساء حين اقتربت مني حتى تخرج من يدها غلاف الرصاصة النحاسي وتقول : من قتلت ؟ (لوس انجلوس 1992) ... أبلغُ من العمر سبعة عشر عاما . أنا الآن بمكتبة المدرسة، تدخل فتاة وهي تصيح : لقد تمت تبرئتهم! ويدرك كل من في القاعة أنها تقصد الحكم الصادر في قضية رودني كينغ. قبل عام تقريبا ، تم اعتقال هذا الشاب الأسود بتهمة الإفراط في السرعة. ولأنه في حالة سكر، لم يمتثل لأوامر البوليس . وأمام مقاومته لهم، أوسعوه ضرباً من دون أن يخطر ببالهم أن المشهد قد قام بتصويره أحد هواة الفيديو. وعُرض الفيلم على قنوات العالم باكمله ، مما أحدث موجة من الغضب. حين رجعت الى المنزل ، كانت أعمال الشغب منتشرة في أنحاء مختلفة. فانتشرت عمليات النهب، والحرائق، والمواجهات مع رجال البوليس . حينها اشتريتُ مسدساً ومشطاً من خمس عشرة خرطوشة. وليلتها لم أنم طويلاً. وكنت أفكر في كارول، وفي الإعتداءات التي تتعرض إليها. وفي اليوم الذي يليه ، تصاعدت وتيرة العنف، وما من رادع. فذهبت إلى متجر زوج ام كارول، وأطلقت النار عليه. انفجر راسه . هربت إلى منزلي ، واحتفظت بغلاف الطلق الناري للإعتراف بجريمتي إن تم اتهام شخص مكاني غيري . لم اقل اي انسان بما فعلته . لقد تعايشت مع ذلك، وحسب . 

كوريا الجنوبية.. غادرت إيزول محطة المترو، ثم جلست في قاعة المكتبة. أخرجت كتاب طوم، وبدأت تكتب حكايتها على صفحات الكتاب بعد صورة لوكا. وفي اليوم الذي يليه اشترت ظرف بريدي ودست فيه الكتاب ذا الغلاف الجلدي و ارسلت به إلى الولايات المتحدة حيث حبيبها جيمبو. وحين وصل الكتاب لجيمبو أخذ يتفحصه بكل سكينة ، ثم وضع إسم الكتاب على قائمة البحث على الإنترنت فرأى أن شخصاً ما يأمل بان يعثر على النسخة التي بين يديه والتي نصف عدد صفحاتها فارغة. فذهب إلى مكتبة العجوز أندروز، المختصة في شراء وبيع الكتب القديمة وتلك التي نفذ مخزونها من المطابع، وباع الكتاب بما يقارب مئة وخمسون دولاراً . 

منذ اعتراف كارول لميلو بسر حياتها ، لم يعد ميلو هو الشخص ذاته . لقد خضته قصتها التي كشفت له الوجه الخفي لأحب الناس في الدنيا إلى قلبه . كان ينتابه إشفاق لا محدود له تجاه كارول التي يشعر نحوها بحب يزداد قوة، واحترام واعتزاز إزاء تصرف طوم تجاهها . حينها وصلت إليه رسالة قصيرة من كارول تقول فيها: إن هناك مكتبة في غرينويتش فيلدج عرضتْ للبيع للتو الكتاب اللذان يبحثان عنه! فبعث لها برسالة : نلتقي بمانهاتن !

 استرجعتْ بيلي عافيتها بسرعة فائقة بعد إجراء عملية القلب المفتوح لها واستئصال الأورام التي كانت به. أما أنا، فقد جعلت من المستشفى ملحقة لمكتبي. كنت أعمل في المستشفى كل صباح و مساء في مقهى الطابق الأرضي. وبصفة المرافق، حصلت على فراش في حجرة بيلي . لم يسبق لي أن كتبت بذلك القدر من السلاسة ، ولم يسبق لي أن كنت مغرماً بذلك القدر . 

وصل كل من ميلو وكارول إلى المكتبة التي عرضت الكتاب للبيع. وحين سألت كاول عن سعره قال العجوز أندروز: ستة آلاف دولار ! فقال ميلو: ماذا، إنك تمزح ؟ هذا نصب ! فقال العجوز: في هذه الحال، لن أستبقيكما. ودلهما على الباب. حينها قالت كارول : سوف أدفع لك ما تريده ، ولكني لا أملكه الآن !! فقال العجوز: سوف أحتفظ بالكتاب لكما حتى مساء يوم الاثنين . عهدٌ عليَّ ذلك، سيدتي ! 

توقف الملياردير أوليغ بمقهى صغير في شارع بروم لطلب كابوتشينو. ثم خرج إلى الرصيف وسلك غرين ستريت. كان أوليغ يحب ان يتمشى في أزقة نيويورك. لم يكن يظهر عليه أنه واحد من أغنى اغنياء روسيا . توقف أمام واجهة مكتبة كيرواك اند كو. وقع نظره على كتاب ثلاثية الملائكة لطوم بويد فقال لذاته : إنه مؤلف مارييك المفضل. كانت مارييك حبيبة أوليغ. حينها قال أوليغ : ما ثمن هذا الكتاب ؟ فقال العجوز: أنا آسف، إنه ليس للبيع. قال أوليغ: كم؟ فقال العجوز: هذا الكتاب , لقد بيع ، يا سيدي. لقد عاهدت مشتريه بكلمة مني. فقال أوليغ : وكم هو ثمن هذه الكلمة ؟! 

استشاط ميلو وكارول غضباً حين وصلا المكتبة. كانت هناك لوحة مكتوب عليها: مغلق من أجل العطلة السنوية قبل تغيير المالك. كانت كاورل تحس بالدموع تغزو عينيها. فقد أصرت على أن تبلغ طوم الخبر المفرح و المريح لملاقاة الكتاب، وها هو الكتاب يفلت من يديها . =في مطار نيويورك، أقلعت الطائرة الخاصة التي يمتلكها الملياردير أوليغ نحو أوروبا. رحلة ذهاب وإياب سريعة للغاية إلى باريس بغية إعداد مفاجأة لمارييك. تفحص أوليغ الكتاب الذي اشتراه ثم قال لذاته : هدية فريدة أتمنى أن تنال إعجابها. وحين دخل إلى شقة مارييك. كان الصمت يغلف البيت . تعرف على الأريكة إلى معطف مارييك ذو اللون الرمادي والى جانبه سترة جلدية رجالية ليست له. علم على الفور ما يجري. خرج إلى الشارع، ولغضبه الجارف رمى الكتاب بكل ما أوتي من قوة في النهر . 

لم تكن هذه الرواية، التي سافرت خلال اخر الاسابيع إلى عدة بلدان، رواية مثل باقي الروايات. فالقصة التي تتضمنها كانت قد اختمرت في ذهن فتى مراهق صدمته مأساة كانت بطلتها صديقة طفولته. ولسنوات عديدة من بعد ذلك، وبينما كان مؤلفها يتخبط في المشاكل، أنزل الكتاب في العالم الواقعي واحدة من شخصياته التي هبت حتى تساعده . ولكن في ذلك الصباح، وحينما كان النهر يزيل بياض صفحات الكتاب، فالظاهر أن الواقع عقد العزم على ان يسترد حقوقه ، مصمماً على إزالة بيلي من على وجه الأرض . 

وقفت القبطان كارين أنييلي توبخ رجال حرس النهر على الإستهانة بعملهم. وأثناء وقوفها أمام النهر، أبصرت كارين شيئاً ما يطفو على سطح النهر فامسكت به ، ووضعته على الرصيف. 

 تعاقبت الأيام و الليالي ، وتبعني ميلو إلى باريس وساعدني على اجتياز الأوقات الصعبة التي كانت بها بيلي معلقة بين الموت و الحياة . فبعد نجاح عمليتها تعرضت لانتكاسات كبيرة . كنت أود مواساتها وكفكفة دموعها، لكن كل ما كنت اقدر ان افعله هو مواصلة الكتابة . 

في منتصف شهر تشرين الأول/ أكتوبر، وهو جالس في شرفة مقهى، ختم ميلو رسالة مطولة إلى كارول. عبر الشارع لوضع الرسالة في صندوق الرسائل، ثم تسكع بعض الشيء أمام أكواخ باعة الكتب. كان آخر كوخ يمر به يضم المنشورات: الكل بأورو واحد. نقب فيها ميلو بفضول فوجد رواية مهترئة ذات غلاف أزرق جلدي ، فصاح : مستحيل! أين وجدت هذه ؟ فقال الرجل البائع إنه وجدها على الرصيف. كانت الرواية في حالة سيئة للغاية و مهترئة . قال البائع: إذا كنت تريد إصلاح الرواية، اقدر أن أدلك على شخص معين. 

ركض ميلو إلى طوم في المستشفى، بعد أن أصلح الكتاب بعض الشيء وبدّل له غلافه، وقال لطوم: عندي لك هدية. تطلب مني بعض الوقت، لإدراك أن الامر يتعلق بالكتاب الذي تعقبه ميلو و كارول في أطراف الدنيا القاصية. ثم قال ميلو: لم تعد بيلي تخشى أي شيء. في الوقت الراهن، ما عليك فعله هو إتمام روايتك من أجل إعادتها إلى عالمها. 

مدفوعاً بحماسي، كنت أكتب بسرعة أكثر فأكثر. كانت بيلي قد تحملت الصدمة واجتازت بكل نجاح "محنة القلب". وفي يوم 23 من كانون الأول وضعت نقطة الختام للرواية . عشية ليلة رأس السنة، متشبثة بذراعي , ذهبتُ مع بيلي إلى مسرح الشانزلزيه، وصعدنا الى الأعلى إلى المطعم الموجود هناك . طلبتُ كأسين من الشامبانيا وأخرجتُ من جيبي علبة فضية. قلت لها : لقد وفيت بوعدي, إنه مفتاح ناقل تسلسلي عام USB . فقالت بيلي : لقد انتهيت من كتابة روايتك !! وافقتُ بإيماءة من رأسي. حينها أخرجت بيلي هاتفي المحمول من جيبها وقالت : لقد اختلسته منك هذا الصباح. إنك تعرف بأني أحب التنقيب. لقد سمحت لذاتي بقراءة بعض من رسائلك القصيرة. أرى أن الأمور تعود إلى مجاريها مع أرور. كانت بيلي محقة فكانت أرور ترسل إليّ كثيراً في الفترة الاخيرة . كانت تقول بأنها تفتقد أنسي، وتلمح بين السطور إلى فرصة جديدة للعودة لي . حينها قالت بيلي: لقد أنجزنا المهمة معاً: أنت، أنهيت روايتك، وأنا، أعدت إليك المرأة التي تعشقها . فقلت لها : بل أنت المرأة التي اعشقها . فقالت بيلي: لا تصعب الأمور من فضلك ! قلت: بالملموس، ما الذي سيقع الآن ؟ قالت: سوف تبعث مخطوطك للناشر وما إن يقرأ نصك فإن العالم الخيالي الذي تصفه في حكايتك سيأخذ شكلاً في راسه ، وفي هذا العالم الخيالي يوجد موقعي انا . قلت: مكانك هنا، برفقتي! قالت: لا، مستحيل، لا يمكنني الوجود في الواقع وفي الخيال سوية . قلت لها غاضباً: أقلها اظهري قليلاً من الحزن على تركي . فقالت صارخة : تود أن أصارحك، أنا لم أشعر في يوم من الأيام بتاتاً بأني في مثل هذه الحال الجيدة برفقة رجل طوال حياتي. أنت الوحيد الذي جعلني أقرأ الكتب، وينصت إليّ حين اتحدث ، والوحيد الذي يرى فيَّ شيئاً جديداً. حينها حضنتها بين ذراعي. كنت غاضباً من ذلك الحاجز العنيد الذي، بفصله الخيال عن الواقع ، يمنعنا من عيش قصة الحب التي نحن جديران بها . = عدنا إلى غرفتنا الصغيرة. و لاخر مرة ، شربنا جرعة من شراب ماء الحياة اللذيذ و الشنيع ، ولم أنتبه أنها وضعت لي في الماء الذي شربته عقاقير للنوم. قالت لي بيلي: وضعت لك عقاقير الخدار كي تدعني اترك هذا المكان . كنت أقاوم سباتي محاولاً عدم الإنهيار. آخر صورة شاهدتها وكانت بالفعل واضحة هي صورة بيلي وهي ترمي باخر رواية معيبة وسط النيران. عبر هذا الكتاب جاءت، وعبره عليها ان تغادر ايضا . وآخر صوت سمعته كان همس في أذني عبارة (أحبك)، ذابت في غياهب النوم الذي غرقتُ فيه. في صباح اليوم الذي يليه ، كانت الشقة فارغة وباردة. خرجتْ بيلي من حياتي فجاة و علي حين غرة مثلما دخلتها, شأن رصاصة اخترقت قلبي، وتركتني من جديد بائسا و وحيدا . 
بعد ثمانية أشهر.. في مدينة راكبي الأمواج وشواطيء الرمال الذهبية. في هذا المحيط المحروس، اختار ميلو وكارول ان يحتفلا بزواجهما . كان صديقيّ يعيشان قصة حب كبيرة ، وكنت أول من ابتهج لفرحهما . عادت الحياة إلى مجراها الروتيني . قمت بتسوية ديوني بعد نشر الجزء الأخير من ثلاثية الملائكة. فتح ميلو مكاتبنا من جديد، ورجع يدير أعمالي بحذر كبير . واسترجع سيارته البوغاتي، ولكنه حينما علم بحمل زوجته، استبدلها بسيارة كبيرة عائلية . أما أنا فكنت أعيش حداداً بعد اختفاء بيلي. وبعدها ودّعت حياتي العاطفية وقطعت كل صلة لي بأرور. فعلاقتنا لم تكن تستحق فرصة اخرى . =وفي أحد الأيام جلس إلى جانبي ميلو وقال وهو حائر: لم أعد أرغب العيش بعد الآن في الكذب ، يا طوم. أعرف أنه كان ينبغي عليّ مفاتحتك في الموضوع قبل هذا الوقت ، إنها بيلي، يا طوم، إنها حية و على قيد الحياة . قلتُ له: لقد أسرفت في الشرب! قال: يجب وضع الأمور في سياقها. أتذكر الحالة التي كنت عليها قبل عام واحد من الان ، يا طوم. كنت تنجرف كلياً، وتراكم الحماقات من الإفراط في السرعة، المخدرات، المشاكل القانونية. توقفتَ عن الكتابة، كنت تنجرف في الإكتئاب المؤدي للإنتحار. وذات صباح توصلتُ بمكالمة هاتفية من الناشر كان يقول لنا أن هناك خطأ في طباعة الجزء الثاني من الرواية. اكتشفت أن الكتاب يتوقف تماماً عند الكلمات: صاحت وهي تسقط. ويومها أيضاً كنت في الأستوديوهات حيث تجارب الأداء لأبطال روايتك. كان يتم الإختبار من أجل العثور على الممثلة التي ستقوم بدور بيلي على شاشات التلفاز . هناك التقيت تلك الفتاة التي إسمها ليلي. كان يبدو عليها بدائياً أنها هي بيلي التي لك. وعليه دعوتها إلى احتساء كأس ثم قصت علي قصة حياتها. قلت: واصل، عليك اللعنة! قال ميلو: قالت لي ليلي إنها عارضة ازياء و نادلة ، ولكنها تسعى لأن تصبح ممثلة. شعرت بأنها تائهة و ضعيفة بعض الشيء ، فعرضت عليها 15000 دولار كي تؤدي دور بيلي، ولكن ليس في فيلم، بل في حياتك !! 

كان لاعتراف ميلو أثر ضربة قاضية و مدمرة عليَّ . ثم أكمل ميلو يقول : كان يجب إخضاعك لصدمة كبيرة ، ما يكفي لجعلك تأتي برد فعل. كانت آخر ورقة استطيع لعبها حتى انتشلك من الهاوية التي سقطت بها . لقد جعلت ليلي تقرأ كل رواياتك وقامت هي بتحليلها. ولم يكن هناك سوى تفصيل واحد كان يمكنه ان يفضحنا ، ولكن لحسن الحظ، لم تنتبه له. بيلي كانت عسراء، أما ليلي بكل بساطة فهي مُيمِّنة . قلتُ له : ومرضها ؟ فقال ميلو: لقد اختلقنا كل ذلك، يا طوم. كان الطبيب الذي أشرف على بيلي صاحبي واشترك معنا في الخطة... لقد تلاحقت الأحداث منذ وصولكم للمكسيك. لقد بدا أن كلاً منكما كان يحب الاخر . في ذلك الحين فكرت في الكشف لك عن الحقيقة، ولكن ليلي أصرت على ان تستمر في اللعبة الى النهاية . قلت: ولكن ما الغاية من ذلك؟ قال ميلو: لأنها كانت تحبك وتريد سعادتك: تريدك أن تنجح في الكتابة، وأن ترجع لأرور. وهذا ما نجحت في تحقيقه فعلاً! أما بالنسبة لعملية القلب، فقد كانت بيلي بالفعل مريضة . وبفضل الطبيب كلوزو تم تشخيص ورم القلب المخاطي. قلت: وذلك الكتاب الذي بحثت عنه طوال أسابيع عبر العالم ؟ فقال ميلو: هاهنا لم اتمكن من السيطرة على الاحداث . فكارول لم تكن على علم بأي شيء وكانت تصدق هذه القصة . وكانت هي من يأخذ زمام المبادرة للبحث عن الكتاب، أما أنا فقد اكتفيت بان اشاركها في ذلك . لكمته على وجهه وقلت: وما مصير تلك الفتاة اليوم ؟ فقال ميلو: ليلي ؟ لا أعلم عن أمرها اي شيء . لقد أعطيتها مالها واختفت من حياتي. في السابق، كانت تعمل في سنسيت تريب في الليل، ولكنها لم تعد تعمل فيه الآن . 

حينها خرجت من أمام ميلو منهكاً من اعترافاته. أخذت مركبتي وأسرعت إلى كارول فقالت لي : منذ أسبوع باح لي ميلو بكل شيء. وأقسم لك قبل ذلك الحين أني لم أكن اعرف اي شيء عن هذا الامر . لقد رأيت كيف كانت تنظر إليك، يا طوم. أؤكد لك أن مشاعرها تجاهك لم تكن مفتعلة . يجب أن تعثر عليها من جديد، وإلا فإنك سوف تندم على ذلك ما حييت. فقلت: مستحيل، لقد فقدنا أي أثر لها. فقالت كارول: ولكني اعلم عن تلك الفتاة لكوني شرطية. لقد توصلت إلى معلومات تخصها . إسمها ليلي أوستين. إنها تستكمل دراستها في شعبة الأدب والمسرح بجامعة براون الآن . 





في اليوم التالي انتقلتُ إلى جامعة براون في بوسطن. وقبل الذهاب إلى هناك، توصلت إلى الجدول الزمني ل حصص ليلي ، وانتظرتها وقلبي يخفق أمام أبواب المدرج حيث شارفت محاضرتها على الإنتهاء. متوارياً بما فيه الكفاية حتى لا تراني، رايتها وهي تخرج وسط مجموعة من الطلاب. وحينها رجعت على وجه السرعة إلى سيارتي دون أن أظهر لها. من المؤكد أني كنت سعيداً لعلمي أنها على خير ما يرام، لكن المرأة الشابة التي رأيتها اليوم لم تعد بيلي التي لي. الظاهر أنها طوت الصفحة. في نهاية المطاف، إن فارق السن بعشر اعوام الذي يفصلنا لم يكن حاجزاً يسهل ان نغض الطرف عنه . 

رجعت إلى لوس أنجلوس. كنت أعلم أنني لن ألتقي مرة ثانية بفتاة مثل بيلي. كانت مغامرتي مع بيلي قد انتهت، ولكني لم أرد ان انسى أدنى حدث منها. فكان من اللازم أن أحكي حكايتنا . قصة من أجل هؤلاء الذين، ولو لمرة في حياتهم، حالفهم الحظ لمعرفة الحب، وهم يواصلون عيشه اليوم أو يأملون ان يلاقونه غداً . وعليه، فتحت صفحة في معالج النصوص الذي عندي ومنحتها عنوان روايتي القادمة : فتاة من ورق . 
تسعة شهور بعد ذلك. ريح ربيعية تهب على بوسطن العتيقة. كانت ليلي تجوب الشوارع . عند تقاطع رايفر وبايرون ستريت، دخلتْ إلى إحدى المكتبات. شد انتباهها كومة من الكتب: لقد كتب طوم رواية حديثة . قرأت عنوان الكتاب الجديد : فتاة من ورق. تصفحت اول اوراق الرواية . كانت تلك حكايتهما. وقلبها يخفق، اشترت الكتاب. وبعصبية كانت ليلي تقلب صفحات حكاية كانت لا تعرف ما هي خاتمتها . اكتشفت بين فصول الرواية تطور مشاعر طوم. كادت الدموع تظفر من عينيها عندما عرفت أنه قدم إلى جامعتها ولم يتكلم معها . لقد عاشت الإحباط نفسه قبل عام حين ذهبت إليه لتكشف إليه الحقيقة. لم تجده في المنزل الشاطيء، فذهبت إلى فيلا ميلو. كان هناك حفل زواج كارول و ميلو . وهناك شاهدت طوم مع امرأة ثانية ، فشعرت بأنها بائسة . ولكنها اليوم، خفق قلبها بين الحنايا لمّا أغلقت الكتاب. فهذه المرة لم يكن أملاً، بل كان ايمانا و يقينا كبيرا . قصة حبهما أبعد من أن تكون قد انتهت. 
لوس أنجلوس.. في حفل توقيع رواية فتاة من ورق. رافقني ميلو طوال الظهيرة. كانت ابنته قد ولدت منذ ثلاثة شهور، فتركني لأنه مولع بالطفلة . بقيت عشر دقائق إضافية لإنهاء توقيعاتي وتبادل بضع كلمات مع المسؤولة عن المحل. كانت قد بدات في إنزال الستائر الحديدية حينما نقر شخص ما على الواجهة الزجاجية . لوّحت قارئة متأخرة بنسختها وضمت يدها و هي تتوسل لتدخل . وافقتْ صاحبة المكتبة على أن تفتح لها الباب. وبينما كنت أوقع كتاب الفتاة، استغلت زبونة ثانية الباب الذي ظل مفتوحاً ودخلت إلى المكتبة. وبعدما تركت الفتاة الأولى المكان ، ومن دون أن أرفع بصري سألت الفتاة التي دخلت بعدها: لأجل من ؟ فقالت: لأجل ليلي. فرفعت بصري و علمت أن الحياة منحتني للتو فرصة ثانية . 
 وبعد ربع ساعة، كنا نقف سوية على الرصيف وهذه المرة كنت عازماً بالفعل على أن لا أدعها تتركني البتة . فركبت معها في مركبتها وأخذت تقول: سوف آخذك لأكل الجمبري وفواكه البحر, إنك تحب الجمبري بالتأكيد ؟ أنا مغرمة به ، وسرطان البحر؟ توجد منه أنواع بجزر المالديف والسيشل. هل تعرف السيشل ؟ أنا أحلم بالذهاب إلى هناك. البحيرات، الشواطيء ذات الرمال البيضاء الماء الأزرق،. إنها تستهويني. والهند؟ هل سبق لك أن زرتها ؟ إحدى صديقاتي حدثتني عن دار رائعة للضيافة في مدينة بونديشيري التي ...... 


                                                          النهاية.
تفاعل :