تلخيص رواية
إحدى عشر دقيقة - باولو كويلو
إعداد وإشراف - رجاء حمدان
ماريا فتاة ككل البنات ولدت بريئة عذراء ككل العاهرات وحلمت ابان شبابها، بأن تلتقي فارس أحلامها ، أرادته ذكيا و ثريا وجميلا
وأن تتزوجه ( مرتديه فستان الزفاف ) و تنجب منه ولدين، وأن تقيم في منزل جميل (على شاطئ البحر ).
كانت والدتها خياطة و والدها وكيلا لاحدى الشركات التجارية. لم يكن هناك في بلدتها المسمى نوردستا في البرازيل الا قاعة سينما واحدة ووكالة مصرفية و ملهى ليلي واحد فقط . لذا كانت ماريا تنتظر بشوق اليوم الذي سيخرج فيه فارس أحلامها و تخرج منطلقة الى العالم.
عرفت طعم الحب للمرة الاولى في الحادية عشر من عمرها .
في اليوم الأول من سنتها الدراسية علمت انها لم تكن تسير وحيدة على الطريق وأن فتى يسير على مسافة قريبة منها، يلحقها إلى المدرسة .
بعد فترة من الوقت اكتشفت ماريا أن اللحظات المفعمه هى التي كان الفرح يدخل إلى قلبها، هي تلك اللحظات التي تمضيها على الطريق بالرغم من التعب و العطش في الشمس الحارقه .بالرغم من انهما لم يتحدثا ابدا
ذات صباح مشمس اقترب منها الفتى، وسألها أن تعطيه قلما. فلم تجب و اشعرته بأن هذا التقرب المتطفل يضايقها فاسرعت الخطى الى طريقها . ثم ما لبثت أن صدمت من شدة الخوف عندما رأته قريب منها. خشيت وقلقت من أن يكتشف أنها تحبه، وانها تحلم بأن ياخذ يدها بعيدا عن باب المدرسة فتعبر الطريق بصحبته الى النهاية
لم تقدر ان تجمع عقلها فى الصف وبدا راسها مشوش التفكير طوال الوقت،وأخذت تقول ل نفسها هل الفتى يستمتع بوجودها ؟، وهل استخدم القلم حجة ليتحدث معها ؟، لأنها لاحظت وجود قلما في معطفه.
عشية الرجوع من المدرسة، دخلت ماريا إلى الكنيسة للصلاة و حلفت أمام القديس بأنها ستتخذ الخطوة الاولى وتتحدث إلى الصبي.
في اليوم الذي يليه، لبست أجمل ثوب حاكته لها أمها . ثم ذهبت وشكرت الله على ان العطلة التى انتهت أخيرا.
وبدأت تسير بالطريق وتضرع بها ذهابا وايابا، لكن الفتى لم يظهر.... عرفت من بعض الاصدقاء ان الفتى غادر المدينة . غادر بعيدا ...لا رجعة فيها
علمت وايقنت ماريا ان ليس هناك ما يمنع من ان نخسر بعض الأشياء إلى الأبد، و عرفت أيضا أن هناك مكان يسمى "بعيدا" وان مدينتها صغيرة و العالم كبير جدا ، وتمنت لو انها تستطيع او يكون بإمكانها أن تترك المكان لكنها لا تزال صغيرة جدا.
تعذبت ماريا بشدة لبعض الوقت ، وعبثا حاولت ان تعثر على عائلة الفتى . لكن لا أحد يعلم إلى أين ذهب . بدأت ماريا تحس ان الحب عظيم جدا. و ادركت ان العذراء تمكث في السموات البعيدة التي حيث لا تصل صلوات الأولاد و دعواتهم .
مرت ثلاث اعوام تعلمت ماريا وازدادت اكثر خبرتها بالحياه ، وشرعت تكتب يومياتها بانتظام وتتحدث فيها عن حياتها المملة الرتيبة .
كانت تتابع الدراسة لكي تتدبر حياتها ، وتفتش عن رفيق يمكن أن يشاركها في الحياة في الوقت نفسه
في سن التاسعة عشر أنهت ماريا دروسها الثانوية ، ثم وجدت عملا حسنا في محل للنسيج ،ووقع مالكه في حبها . كانت مدركة لحسنها وحاولت ان تستغله من اجل تحسين حالها ،و مع ذلك عملت بنصيحة واحدة من نصائح امها "يا بنيتي، الجمال لا يستمر، لذا بقيت ماريا في علاقة ليست بالباردة ولا بالحارة مع صاحب العمل. عملت ماريا أربعة وعشرين شهرا باستمرار. واستطاعت إدخال المال الضروري و توفير المعيشة لأهلها وأخيرا تحقق حلمها بقضاء إجازة في مدينة أحلامها التى تمنت الذهاب اليها وهى ريو دي جانيرو.
استمرت الرحلة ثماني واربعين ساعة في الحافلة.
ونزلت ماريا تقطن في فندق من الدرجة الخامسة. وقبل ان تنتهي من تفريغ جميع امتعتها من الحقيبه تناولت ملابس السباحة وارتدتهم رغم برودة الطقس الغائم والرياح الخفيفه نوعا ما وذهبت إلى البحر.شعرت بسعادة كبيرة وانتشاء شديد ! فهذا كان اول اتصال لها مع البحار والتيارات البحرية. عندما خرجت من الماء دعاها شاب لا تعرفه ب كلمة برتغالية ومن خلال الاشارات عرفت انه يدعوها إلى مشاركته لشرب جوز الهند. حاولت ماريا تجنب الكلام معه. الا انه رجع حاملا بيده جوزة الهند و اعطاها لها.
سرت لأنها لم تكن مجبورة للتحدث اليه. كانت طبعا تود ان ترى فارس أحلامها لكنها كانت تريده أن يتحدث لغتها ويكون أكثر فتوة وجمالا .
تركها الرجل لمدة قصيرة ثم عاد و معه مترجم قال لها عبر وسيطه انه جاء من سويسرا، وإنه يريد فعلا تناول طعام العشاء معها لانه يريد أن يقدم لها فرصة عمل. قال لها المترجم وهم على انفراد لو كنت مكانك لوافقت على العرض المغرى . هذا الرجل مدير فني مهم وقد جاء إلى البرازيل للبحث عن فتاة موديل جديدة للعمل في اوروبا. واذا اردت عرفتك إلى بعض البنات اللواتي وافقن على العمل معه، وأصبحن غنيات وتزوجن وأنجبن.
سبق لها فى بلدتها أن مرت بمثل هذه الظروف والتقت رجلا يظل يعيد اطلاق الوعود دون أن يفعل شئ منها. لذا كانت تعلم ان قصة المدير االفني ليست الا وسيلةوهدفا يريد من خلالها عن إثارة اهتمامها ليكون قريب منها.
لكنها لم تكن لتخسر هذه الفرصة وتفوتها عليها ، فهى مقتنعه تماما باهمية الاستفاده من كل ثانيه في اسبوع العطلة هذا. وواقفت على الدعوة شرط أن يرافقها المترجم حتى تقدر أن تفهم كلام الأجنبي.
أرسل اليها الرجل ثوبا فاتنا لم تر مثله في كل عمرها وحذاء يبلغ ثمنه أجرسنة كاملة. شعرت ماريا بروح مفعمة أن المغامرة قد استهلت، وها هي الأن أميرة العالم! لبست ماريا هدية السموات ووقفت ساعات وساعات أمام المرآة وهي نادمة لكونها لم تحضر معها الكاميرا لتصور هذه اللحظات. وصلت إلى الفندق وهي تركض مثل ساندريلا لكنها دهشت بشدة وتعجب حين أخبرها المترجم انه لن ياتي معها.وقال لها :لا تهتمي لأمر اللغة. المهم أن يحس أنه مرتاح برفقتك
فقالت له : لكن ما العمل اذا لم يفهم ما اتحدث به؟
أجابها المترجم : ، المسأله متصلة بالطاقات الكامنة فينا لذا لن تحتاجي إلى الكلام. لم تفهم ماريا معنى قوله!
قال لها : لا تحاولى أن تفهمي وليس هذا مهما ولكن اهتمي بامرك بمفردك واجعليه يشعر بالراحة ، انه صاحب بار ليلي ويبحث عن فتيات برازيليات يردن العمل في الخارج وقد قلت له إنك لست اهل لهذا العمل ، لكنه أصر جدا على الموضوع، يبدو أنه وقع في الحب
كانا قليلا الكلام خلال فترة تناول العشاء، ابتسامة من هنا وابتسامه من هناك.
فهمت ماريا شيئا فشيئا القصد من الطاقات المدفونة هذه. تصرف الرجل بكل ادب و لباقة كان يقدم لها الكرسي بكل ذوق لدى قعودها ويزيحه لدى قيامها. تذرعت ماريا بحجة عند انتهاء الليلة بأنها تعبة واقترحت عليه موعدا آخر على الشاطىء صباح اليوم التالي
دونت ماريا في مذكراتها اليوميه اليوم التقيت الرجل السويسري،و في الغد أعلنت ماريا قبولها العمل مع السويسري وكان شرطها أن تحصل على ورقة موثقة من القنصلية السويسرية. لم يندهش الأجنبي من شرطها قط لا بل أكد لها أن هذه ارادته ايضا، ذهبوا معا إلى وسط المدينة، ووقعا على عقد العمل فى القنصليه السوسريه واشترط المسؤول المخول فى القنصلية بتوقيع الوثائق ان يكون المال المدفوع 30% منه أوراق نقديه و اخذت ماريا 500 دولار.
شعرت ماريا بان الفرصة التي دوما كانت تحلم بها جاءت اليها من دون أن تسعى إليها جاهدة! هاهى قد جاءت دون تعب على طبق من فضة ،الا انه جل ما شغل تفكيرها شئ وهو كيف سيكون بمقدورها مواجهة الاخطار و المشاكل التى ستعترضها في حياة مجهولة جديدة ؟ ثم واست نفسها وطمئنتها قائلة :أن بإمكانها العدول عن الذهاب في أي لحظة و تغيير رأيها ، وأن كل ذلك مجرد دعابة بلا اية نتائج وخيمة .
أوضحت ماريا للسويسري أنها لا تقدر ان تسافر وأن تأخد القرار دون أن تستشير اهلها وتطلعهم على الامر ، أظهر السويسري الوثيقة بغضب شديد قال: والعقد؟..
شعر السويسرى بالقلق لاصرار ماريا لرؤية اهلها، لذا قرر أن يشتري تذكرتين وأن يصطحبها لغاية منزلها، شرط أن ينتهي أمر كل شيء في ظرف يومين وأن يتمكنا من الذهاب والسفر إلى أوروبا في الأسبوع القادم حسب البنود الموجودة في العقد الموقع بينهما.
وصلت ماريا والسويسري إلى منزل اهلها،وهناك نصحت الأم ماريا قائلة: يا معبودتي الغالية الأفضل أن تكوني بائسة مع رجل غني من أن تكوني هنيئة مع رجل فقير.
عادت ماريا إلى الريو،و اخذت على جواز سفرها في أقل من 24 ساعة وأخذت تقوم باخر التحضيرات ( الثياب والأحذية والماكياج) رآها روجيه ترقص في البار ليلة سفرهما ، هنأ نفسه بحماس على انه احسن الاختيار لتلك الفتاة ، انها لاشك نجمة جميلة سمراء ذات عينين فاتحتين وشعر أسود. في اليوم الذي يليه انتقلا إلى بلاد الشوكولاتة والساعات.
كانت ماريا قد قررت خفية لإيقاع الرجل في شباك غرامها، فهو بأخر الامر ليس فقيرا ولا عجوزا ولا بشعا ، ماذا تريد أكثر من ذلك؟
وصلت متعبة، كان تصرف روجيه قد بدأ يتغير مع الوقت، لم يعد يسعى ليكون ودودا . أنزلها في فندق متواضع وعرفها إلى امراة برازيلية أخرى تدعى فيفيان، و اعطاها مسؤولية تعليمها وتفهيمها أصول عملها المقبل.
ذهبت ماريا إلى الملهى الليلي، التقيت استاذ رقص،كانت تتمرن بكل اجتهاد حتى انه لم يكن لها وقت كي ترتاح من تعب الانتقال الى بلد اخر ، كان عليها أن ترقص و تبتسم من اول وصولها الى الليل .
كانوا ست بنات. لا تعرف إحداهن الفرح أو ماذا تفعل هنا. دفع لها مرتبها ، وهو عشر ما تم التوقيع عليه والباقي هو تامين ما تم انفاقه على التذكرة والإقامة. وهذا يتطلب وفق راي فيفيان العمل مدة سنة كاملة. أي أنني لا أستطيع خلال هذه المدة ان اذهب لاي مكان.
أختارت ماريا أن تكون المرأة التي تبحث عن كنزها الضائع. اختارت ان تكون المراة المغامرة
دونت ماريا فى مذكراتها اليومية بعد مرور شهر واحد على وصولها إلى جنيف : أنا هنا منذ الابد أقضي ايامي في الأستماع إلى الاغاني عبر الراديو، منتظرة بفارغ الصبر أن تبدا مدة الشغل . وعندما أعمل، أنتظر أن يحين وقت الرجوع الى الفندق. أي أنني أعيش في المستقبل بدل أن أعيش في الوقت الراهن.
بدات ماريا تدرس اللغة الفرنسية، وهناك تعرفت على فتى عربى وقعت في حبه كان يدرس معها اللغة الفرنسية دامت العلاقة ثلاثة أسابيع.في احدى الايام بعد الظهر اراد روجيه ان يراها في مكتبه،و ما إن فتحت الباب . كان غاضبا بشكل هستيري وواجهها قائلا : أن البرازيليات خيبن أمله مرة ثانية وإنه من المستحيل أن يثق بهن بعد الان .لقد قمت باعطاء القدوه السيئه لزميلاتك فى العمل .وسوف تطردين من العمل
لم تكن ماريا غبية الى هذه الدرجة لا سيما وان حبيبها العربي أوضح لها أن العمل في سويسرا منظم بشكل كبير وان بإمكانها أن تثبت أن الشركة التي تعمل فيها كانت تقتطع قسما كبيرا من أجرها و تستغلها
عادت ماريا لرؤية روجيه في المكتب و تحدثت هذه المرة لغة فرنسية صحيحة وأدخلت في مصطلحاتها عبارة محام .... ثم ذهبت مع بعض السباب وخمسة آلاف دولار كتعويض. و رجعت الى البيت فخورة بهذا النصر الذي طالما ارادته، إتصلت بإحدى صديقات والدتها وقالت لها أنها مسرورة، وأن لديها عمل عظيم، وأنه لا ينبغي أن يقلق أحد في المنزل من اجلها . كان أمامها مدة لترك حجرتها في الفندق. لذا رأت أن كل ما عليها أن تعمله هو أن تذهب للقاء العربي لتعترف له بانها مغرمة به ، واستعدادهاواستيعابها لتعتنق دينه وتتزوجه حتى لو هذا سيكلفها إلى أن ترتدي الحجاب الغريب. الجميع هنا يعرفون أن العرب اغنياء جدا وهذا سبب جيد لتقوية صلتها به . لكن..... العربي ترك المكان .
استأجرت حجرة صغيرة، وقامت بجولة سريعة على الشركات التي تستخدم العارضات و قالوا لها في كل مكان ان عليها أن تجلب صورا لها ملتقطة من قبل مصور ماهر. اشترت هاتفا خلويا وانتظرت طوال الأيام التالية أن يرن أحدهم ليعرض عليها اي وظيفة .
بقي الهاتف صامتا و بدأت لحظات الأحباط تزداد.
وأخدت تقضي وقت فراغها بقراءة الصحف الشعبية لتزيد من قوة اللغة الفرنسية لديها في ساعات الفراغ. مضى على هذا الحال المقلق ثلاثة أشهر حتى انها خافت ان تنفذ اموالها قبل ان تحصل على وظيفة ،وفجأه افاقت على رنين تلفونها وكان المتصل أحد الشركات التي تستخدم العارضات . و قالوا لها أن مسؤولا عربيا كبيرا عن الموضة و الأزياء في بلاده قد اعجب ب صورها ويرغب في دعوتها لان تشارك في عرض ينوي القيام به.فرحت وقبلت بذلك على الفور ، التقت بالمسؤول العربي قال لها:أنت عظيمة الجمال إذا وافقتي على شرب كأسا معي في الفندق فستاخذين ألف فرنك..
وافقت ماريا على طلب الرجل العربى وصاحبته ماريا إلى الفندق احتست الشامبانيا حتى وصلت الى مرحلة السكر، اغتسلت في حجرة حمام رخامية ثم اخذت مرتبها ورجعت إلى حجرتها بسيارة اجرة. ارتمت على فراشها و غطت في نوم عميق لا أحلام فيه.
عرفت ماريا ان هناك أناس على استعداد كامل لدفع مبلغ ألف فرنك مقابل ليلة واحدة معها وأن عليها ببساطه أن تاخذ قرارها إذا كانت تريد أن تشتري بهذه النقود تذكرة طائرة و ترجع الى بلادها أم انها تنوي البقاء في جنيف لوقت اكبر ، يتيح لها أن تحصل على اموالا تقدر أن تشتري فيه منزلا لعائلتها وملابس جميلة.
عند انتهاء النهار اتصلت بالوكالة وأخبرتهم أن اللقاء جرى بشكل رائع للغاية ووجهت كل الشكر لهم. واخبروها بدورهم انهم سوف يعملون على جلب لقاءات جديدة من أجلها.
في اليوم الذي يليه اتصل بها أحدهم من الوكالة التى اتصلت معها من قبل وقال : أن مقابل كل عرض هناك مبلغا يجب اقتطاعه للوكالة. أجابت ماريا انه يفترض بالعربي أن يتحدث معهم. ثم استنتجت على الفور أنهم لم يكونوا على دراية بما جرى.
خرجت ماريا واشترت ملابس ملفتة لتثيرالرغبات و الانظار. في المساء ذهبت إلى شارع برن، شارع بالقرب من الحانات الليلة نزلت في حانة ،اختارت لنفسها اسما برازيليا لطيفا : كوباكابانا.
قال لها صاحب الحانة تريدين عمل؟ الامر صعبا نحن نحترم القانون ولكي تقيمي هنا يجب ان تحصلي على بطاقة عمل.
أظهرت ماريا بطاقة عملها قال مالك العمل :هل لديك خبره؟
استخبري عن الموضوع لدى الفتيات قبل أن تتخذي أي قرار.
قبلت ماريا العمل هنا سوف تباشر العمل اليوم .
.
لم يشأ ميلان خسارة الوقت , وأراد أن يعلم هذه الموظفة الجديدة باقى الطقوس الاخرى ايضا . يجب أن تكون " كوباكابانا " مكانا ممتعا وليس ماخورا . يدخل الرجال الى هنا لأعتقادهم أنهم سيرون فتاة ليست فى صحبة رجل . اذا دنا أحد منها لايعترضه احد فى الطريق ( لأنه هنا أيضا يوجد مصطلح " الزبون الحضرى " لبعض البنات ) فانه سيدعوها , ولا شك , مرددا العبارة التالية : هل ترغبين أن تحتسي معى كأسا ؟
عندئذ يمكن لماريا ان تقابل بالأيجاب أو بالرفض , لأنها حرة فى أن تقبل من تريد , مع انها لا تنصح بأن تقول كلمة : لا , أكثر من مرة فى الليلة الواحدة . اذا وافقت , فبأمكانها ان تطلب عصير فواكه . لا يجب أن تشرب الكحول ولا تدع االزبون ياخذ القرارات عوضا عنها , ثم يدعوها الى الرقص فترضى .
معظم الزبائن يعرفون هذه الامور
ثم تابع يشرح لها بعض الامور المتبعة فى الحانه , بعد الرقص , يدعوها الزبون و يذهبان للجلو ثم تذهب معه الى أحد النزل . التعرفة العادية تبلغ 250 فرنكا , ويحتسب منها ميلان 50 فرنكا لذاته ثمن أجرة الطاولة ( وهذه الخدعة يفعلها ميلان أحتيالا على القانون ليتخلص من المسؤؤلية المباشرة عن المشاكل القانونية ولكنه لا يتهم بأستغلال الجنس من اجل الربح ) . حاولت ماريا ان تعترض قائلة : لكننى كسبت ألف فرنك مقابل ...! أشار اليها ميلان بانهاء الحديث عند هذا الحد و بالأبتعاد. تدخلت البرازيلية التى كانت تتابع الحوار قائلة " أنها تمزح " .
" أود واكرر : يجب أن تتعاملي كما يفعل رجال الشرطة فى الأفلام , لا تشربي الكحول أثناء الخدمة . أتركك الان هنا , سيبدأ الزبائن بالقدوم بعد قليل .
قالت لها البرازيلية باللغة البرتغالية :
- قولي له شكرا .
شكرته ماريا, ضحك الرجل بهدوء , لكنه لم يكن قد انتهى بعد من نصائحه :
- هناك نقطة اخرى : يجب ألا يكون الوقت بين طلب الشراب و الوقت التى ستخرجين فيها اكثر من خمس و اربعين دقيقة .
أبتسمت ماريا و علمت أن حياتها بدءا من هذه اللحظة تغيرت الى الابد
بدأ الزبائن بالتوافد الى الحانة . يدخل الرجال و يحدقون حولهم ثم يقعدون لوحدهم. كلما وجد رجل فتاة له , تتنهد ماريا بارتياح .ثم مع مرور الزمن ، احست انها أفضل حالا مما كانت عليه فى بداية الليلة .
كانت متاكدة من أن أحدا لن يقترب بالفعل منها , وأنه فى نهار الليلة التالية سينسدل الستار على هذه المغامرة العجيبة المثيرة التى لا تريد ان تعيدها ثانية ها قد عرفت للتو ان مبلغ ألف فرنك فى الليلة الواحدة أمر لن ينعاد مرة ثانية
- هل توافقين على شرب كأس ؟
حدقت في السائل فوجدت أمامها رجلا في الثلاثين من عمره يلبس بدلة طيار
شعرت أنهاه ستنهار خجلا لكنها سيطرت على نفسها وتماسكت
اقتطع رب العمل مخصصاته , وقال لها أنها تستطيع الخروج , لأن الحركة خفيفة هذه الليلة. .
وهكذا انقضت ستة أشهر فى " كوباكابانا " عرفت خلالها ماريا كل ما تريد علمه عن سير الاشغال هناك .
كانت معظم العاهرات اللواتى يشتغلن فى الحانة تتراوح أعمارهن ما بين الثامنة عشرة والثانية والعشرين من اعمارهن.
بعد انقضاء ستة أشهر , تمكنت ماريا من حفظ مبلغ ستة آلاف فرنك سويسرى لمخصصاتها فى أحد البنوك . وأخذت تذهب على افخم المطاعم ,و تفكر بالسكن في شقة أوسع.
ألا ترين يا ماريا أنك تبالغين ؟ " سهرة هادئة ؟, ليست سهرة فى الحقيقة , بل أنها خمسة وأربعون دقيقة . واذا اقتطعنا من حسابنا الزمن الذى يذهب في الذهاب والاياب الى المكان وتبادل بعض الكلمات المعروفة وأرتداء الملابس من جديد , فان هذا الوقت في الحقيقة هو أحدى عشر دقيقة , فقط لا غير .
فقط أحدى عشر دقيقة . أحدى عشر دقيقة تشكل المحور الذى يدور حوله العالم ,
انتقلت الى منزل أكثر فخامة مزود بجهاز تدفئة كبير، و يطل على كنيسة و مقهى ظريف وسوبر ماركت و مطعم يابانى, أخذت تتردد اليه باستمرار لقراءة الصحف . كانت قد تعهدت لنفسها أن تشتغل لستة أشهر اخرى المهم عدم الوقوع فى الغرام , هذا هو الأمر الجوهرى , الأكثر حكمة من جميع النصائح التى قالتها اليها فتاة الملهى البرازيلية قبل أن تذهب , وربما قالتها لأنها هى نفسها قد وقعت فى الغرام .
تلقت ماريا , خلال شهرين من شغلها , عدة عروض للارتباط , كانت ثلاثة منها على قدر من الجدية : الأولى من الطيار الذى خرجت معه فى المساء الأول , والثانية من مدير لشركة محاسبة, والثالثة من صاحب محل متخصص فى السكاكين والسلاح الأبيض . ووعدها كل من الثلاثة بأن يسكناها منزلا محترما , ويخرجوها من هذا المكان ويهبها مستقبلا وأطفالا وأحفادآ .
كل هذا من أجل أحدى عشرة دقيقة فى اليوم !
لكى تتجنب ماريا اجواء الحب , كتبت كل نبضات قلبها فى مذكراتها , ودخلت " كوباكابانا " بسلاح واحد هو عقلها الذى أزاداد حيوية وتبصرا و جسدها .
نجحت فى اقناع نفسها بأنها جاءت الى جنيف , وانها حطت رحالها فى شارع برن من أجل هدف شريف تريد ان تحققه
طوال حياتى عرفت أن الحب يعتبر شكلا من أشكال العبودية المبررة . هذا ليس صدقا , لأنه حيث يكون الحب تكون الحرية . ومن يمنح نفسه بكليتها يحس انه حر ويحب بطريقة لا حد لها .
مرت ثلاثة شهور أخرى . جاء فصل الخريف وجاء معه التاريخ الذى كتبته ماريا على الروزنامة . لا تزال هناك فترة 90 يوما و بعدها تعود مرة اخرى الى البرازيل. مرت الأيام سريعة وبطيئة . .
ذهبت ماريا الى ملهى ليلي لاحتساء القهوة ،دفعت 3 اضعاف سعر كاس القهوة العادي ، لا بأس فهي الان ثرية
عند خروجها نظرت الى رسام يقعد في الحانة
- قال لها لا تخرجي . سوف أنهى اللوحة فى خمس دقائق .اطلبى ما ترغبين وسجليه على حسابى .
كانت ماريا تحس وكأنها منومة مغنطيسيا .
خرجت للجلوس أمام الملهى , وطلبت ليكور باليانسون ( بما أنها لم تكن معتادة الشرب , ) , ثم أخذت تنظر الى الرسام وهو يعمل . اخذت تفكر " هو مهتم بشئ آخر , انه ليس شخصية من شخصيات جنيف .. لكنه ليس الرجل الذى يعجبنى .
راقبت خفته وسرعته فى انجاز عمله .
كانت الرسمة التى يرسمها ضخمة جدا لكنها شبه مقلوبة ولم تستطع رؤية الوجوه الثانية الموجودة فيها بوضوح . ماذا لو كان الأمر يشكل لها فرصة اخرى ؟ لم يكن الرسام ( قررت أنه كان رجلا وليس فتيا ) يبدو من النوع الذى يريد تمضيه ليلة معها . انتهى من عمله بعد خمس دقائق , تماما كما قال لها , فيما امضتهم ماريا وهى تحاول اقناع ذاتها بأن لا مصلحة لها فى اللقاءات او المغامرات التى يمكن أن تعرض كل خططها للخطر .
التفت الى ماريا , وقال ببرود:
- النور رائع . اقعدي هناك فى الزواية واسترخى ., ثم جثا أمامها .
- احتفظى بهذه الجلسة .
- حياتى فى حركة لا تهدأ انك تطلب الكثير ,.
وجدت ماريا هذه الجملة تصفها , لكن الرجل لم يعطها أى اهتمام . ثم سعت لأن تكون عادية لا سيما وان نظرة الرسام اعطتها الامان
بسط قسماً من الرسمة وجهز الوانه . لم تكن ماريا تعرف ماذا عليها أن تعمل .
هل يمكنك أن تخدميني بشيء ؟ ابقى صامتة لاتتكلمى لأن العمل لن يطول أكثر من عشر دقائق , وانزعى هذه الرزمة عن المائدة .
اجابت , وقد أغاظتها نبرة الرجل الامرة " انها كتب ليست رزمة , " . عليه أن يعرف هذا الرجل أنه فى امام أمرأة مثقفة تتردد الى المكتبات بدل المطاعم . لكنه حمل الكتب بنفسه ووضعها اسفل بلا تكلف .
لم تستطع ان تؤثر عليه . فى أى حال ,و لم تكن تريد ان تؤثر عليه. , ومن الافضل أن تحتفظ بسحرها للرجال الذين يستطيعون الأنفاق عليها بسخاء فهذا المكان خارج.نطاق شغلها لم الأرتباط برسام ؟
هو رجل فى الثلاثين من عمره و يترك شعره على كتفيه , هذا مضحك . هل يملك النقود ؟ قالت لها بنت الحانة انه كان معروفا , نظرت الى ثيابه , لكن هذا التفحص السريع لم يعطيها دليلا على وضعه الاقتصادي .
" لم لا أكف عن التفكير بهذا الرجل ؟ ما يهمنى هو الرسمة " .
ثم ان عشر دقائق ليست وقتا باهظاً مقابل لوحة يمكن تخليدها .تساءلت فى نفسها عما اذا كان سيطلب منها مالا .
- أديرى رأسك ناحية الشباك .
أطاعت كلامه مرة اخرى دون أن تطرح اسئلة . وهذه لم تكن طبيعتها
كان الرجل مشغول . وكلما تقدم فى لوحته , فقدت ماريا حماسها وشعرت انها سخيفة .
واخيرا , أدركت سبب بؤسها! , انه اول مرة منذ أشهر عديدة , يحدق بها رجل, ليس بوصفها أداة جسدية أو حتى أمرأة ,بل بطريقة لا يمكن معرفة سرها" انها للمرة الأولى يرى فيها رجل مخاوفى وضعفى وروحى وعجزى عن مواجهة عالم أتظاهر بأنى أتحكم به , فيما لا اعلم عنه شيئا " .
لكن المضحك فى الأمر أن ماريا لا تزال تفكر :
- اريد لو .... فقال الرجل :
- أرجوك , لا تتفوهي بكلمة . أرى ضوءك .
ثم أضاف الرسام , وقد علم انها لم تفهم أى شئ من كلامه :
- اعني ضوءك الخاص .
قال لها :
- انتهيت .
كانت ماريا ترغب فى رؤية اللوحة لذا لم تغادر,. سألته أن يريها اللوحه .
لم يرسم الا وجهها . وكان الرسم يماثلها . لكن , لو رأت يوما هذه الرسمة دون أن تعرف صاحبة الوجه لقالت أن المرأة هذه فيها شخص أقوى منها بكثير و يخرج منه " ضوء " لا ترى له أى انعكاس المرأة .
- ادعى رالف هارت . يمكننى أن أدعوك الى احتساء كأس اذا اردت .
- لا , شكرا .
ثم قالت دون ان تهتم لجوابه :
- لو سمحت , كاسين ثانيين من ليكور اليانسون .
- ماذا تعملين مع الحياة ؟
هذا هو لسؤال بالضبط الذى لم تكن تريد سماعه ,
- أعمل فى ملهى ليلي.
- اظن أننى رأيتك من قبل .
احست ماريا أكثر من ذلك و انه يريد الذهاب معها , و صارت تستثمر انتصارها الصغير . رأت الرجل الذى كان يملى عليها الأوامر منذ دقائق قليلة ويبدو موقنا مما يريده , وقد عاد رجلا طبيعيا كالأخريين , قليل الثقة بنفسه أمام أمراة غريبة .
- لم تحملين هذه الرزمة من الكتب ؟
أبرزتها له " ادراة المزارع و الزراعة , " .
- هل تشتغلين فى الجنس ؟
اراد المجازفة .لكن هل سألها ذلك لانها تلبس ملابسا كالعاهرات ؟ فى اى حال , عليها أن تؤجل الجواب . علمت ان الحديث بات جميلا وليس لديها ما تخسره .
ارجع الكتب الى موضعها , ثم قال :
- الأدارة الزراعية و الجنس, ميدانان , يبعثان حقآ على السام .
- حسنا , اظن أن هناك أمرا يبعث على السام أكثر من الزراعة و الجنس وهو الرسم . أنه شئ جامد , حركة متقطعة , , علم لا احد يهتم به صورة غير وفية لأصل
- رحت الى شارع برن عدة مرات و لمحتك فى حانة ليلية غالية الثمن .
احست ماريا بالارض تلف تحت ارجلها . للمرة الأولى فى حياتها احست بالخجل من مهنتها , رغم أنها لا تملك اي سبب مقنع لذلك . كانت تعمل لتسد مصروفها وحاجة اهلها. هو من يفترض به أن يخجل لخروجه الى شارع برن .
- اسمع يا سيد هارت . أنا برازيلية وامكث فى سويسرا منذ تسعة أشهر . عرفت أن السويسرين محافظين لأنهم يعيشون فى بلاد ليست بالكبيرة حيث الجميع يعرفون بعضهم بعضآ تقريباً . لذا أرى أن كلامك ليس فى مكانه , ولا يكشف عن ذوق عالي . اذا كان هدفك أن تهيننى لكى تحس بالاطمئنان , فأنك تضيع وقتك هباء . شكرا لليكور اليانسون السيء الذى سأشربه حتى أخر رمق .
يمكنك أن تذهب على الفور لأنه من غير اللائق ان يجلس رسام معروف مع عاهرة الى الطاولة ذاتها . هذا ما أنا عليه , هل تعرف دون أى احساس بالذنب,انا عاهرة ,. عاهرة من أسفل الى أعلى و من الرأس حتى القدمين. وهنا تكمن فضيلتى , ألا أخدع نفسى وألا أخدعك . لأن الامر لا يستحق التعب , لأنك لا تستحق أن يكذب المرء بسببك
بقي جامدا و لاذ بالصمت . فاحست ماريا أنها استعادت ثقتها بذاتها .
- أما أنت فرسام لا يفقه شيئا فى لوحاته . قد يكون الكيميائى الذي يمكث هناك وشبه النائم عاملا فى سكة الحديد . وقد تكون الشخصيات الثانية فى رسمتك مغايرة لما هى عليه فى الظاهر . والا لما أدعيت ابدا أنك رأيت " ضوءا خاصا " لدى فتاة هى كما انت تنظر الى " عـاهرة"
تلفظت بالكلمة الأخيرة ببطء وبصوت قوى .
- سدد الفاتورة و لنذهب فى نزهة .
- متى أستطيع رؤية الرسمة ؟
أعطاها رالف رقم وكيلة أعماله فى اسبانيا , وقال :
- تكلمي معها بعد ستة أشهر اذا كنت تمكثين فى أوروبا
كتبت ماريا في مذكراتها فى نفس التاريخ الذى التقت فيه رالف هارت :
يعجبني التفكير أننى احب احد لا اعرفه , ولم يكن اسمه على قائمة مخططاتي كل هذه الأشهر التى نجحت خلالها فى السيطرة على نفسي , وفكرة الحب ذهبت سدى , ها انا أستسلم لأول شخص اعطاني اهتماما مختلفا عن الآخرين .
لحسن الحظ , اني لا اعرف أين يقيم و لم أطلب رقم هاتفه, وباستطاعتى أن اخسره دون أن احس بالذنب .
رجعت ماريا فى تلك الليلة الى " كوبا كابانا " كان الرسام هناك ينتظرها . كان الزبون الوحيد . تابع ميلان تصرفات هذه الفتاة البرازيلية بفضول. ورأى أنها قد بدأت تخسر الجولة .
- هل تقبلين دعوتى لاحتساء كأس ؟
- آه ....علي أن اشتغل ولا اقدر أن اخسر وظيفتى .
- أنا زبون وأقدم لك عملا يتعلق بوظيفتك .
هذا الرجل الذى كان بعد الظهر معتدا وواثقا بذاته كل الثقة وبارعا فى أستخدام ادوات الرسم . هذا الرجل الذى كان يلتقى أشخاصا عاليين المستوى ولديه مديرة أعمال فى برشلونة ويجنى المال الكبير , بدا فى هذه اللحظة مرتبكا هشاً مستدرجاً فى مكان لا يليق به .
- توافقين , اذا؟
- نعم , لكن ليس الان , لدى زبائن ينتظرونني .
" ماذا يريد هذا الرجل منى ؟ ألا يدرك أننا ننتمى الى ثقافتين مختلفتين و من بلدين مختلفين ؟ , هل يريد أن يتعلم شيئا لا يعلمه من قبل . .
كانت ماريا خائفة علمت أن قدرة السيطرة على عواطفها قد أخفقت وأن هذا الضغط وهذا الزلزال وهذا البركان فى قلبها . ينذر بانفجار كبير لن تقدر معه من ضبط مشاعرها . من كان هذا الفنان السخيف ؟ ترى هل يكذب في ما قاله لها ؟ لم تقض برفقته الا ساعات قليلة ولم يلمسها ولم يحاول أغواءها ابدا .
هل هناك أسوأ مما يحدث لها ؟
بعد الظهيرة , استنتجت أن الزلزال و الضغط و البركان, جميعها قد هدأت . ارتاحت , سبق لها أن علمت هذا النوع من الشغف المفأجى , الذى سرعان ما يهدا ويتلاشى دائما فى اليوم الذي يليه . لحسن الحظ يظل عالمها كما كان . لديها اهل يحبونها ورجال ينتظروها . لديها ما يكفى من النقود لتسافر هذا المساء ان ارادت وتبتاع قطعة أرض صغيرة .
وفى اليوم الثالث عاد وقف هارت وكأنه قام من بين الأموات .
اقترح عليها ان تتناول معه شرابا فطلبت ماريا عصير فواكه .
أحست ماريا بيده تلف خصرها ووجهه قريبا لوجهها , وكانت الموسيقى العالية , ولله الحمد , تقطع عليهما كل حديث . لم يكن عصير الفواكه كافيا لتسترد قوتها . واقتصرت الكلمات القليلة التى تحدثوا بها على الشكليات المعهودة والمعروفة . ها هى الان تشم رائحته , وتحبها , و تحس ملمس جلده و تغرم به , وتعرف انها تنتظره . وهذا لا يناسبها أطلاقآ .
خلال خمس وأربعين دقيقة أتما مراحل الشكليات .
توجه الرجل الى صاحب الملهى الليلي قائلا ( سارافقها لباقى الليل ) . :
- أحتاج اليك ماريا , حتى لو كنت لا تثقين بى الان , هناك ضوء ينبعث منك , , حتى لو كنت تفكرين فقط أننى احاول استدراجك بهذا الحديث . لا تقولى , لماذا اختارنى أنا ؟ وأى شئ اتميز به دون سائر النساء ؟ ليس لديك أى صفة خاصة , على الأقل , لا شئ أستطيع تفصيله . ومع ذلك , وهذا سر من أسرار الكون الكثيرة , لا أستطيع التفكير فى شئ ثاني.
قالت ماريا و لم تكن صادقة .
خيم الصمت من جديد . والأن جاء دور ماريا لتتحدث . ولم يعاونها , لم يساعدها فى البحث عن الكلمات المناسبة كما ساعدته
قالت ماريا :
- ثمة قطارات شتى وكثيرة لم تشتغل فى حياتى وأحدها فؤادي . أنا ايضآ لم أكن العب به الا حين يركب الناس السكك , ولم يكن القوت مناسبا .
- لكنك احببت .
- نعم , احببت . أحببت كثيرا . اغرمت لدرجة انه حين طلب منى عشيقي هدية , خفت وهربت .
- لم أفهم .
-ليس الامر بالشيء المهم .
فى الأيام التالية , لاحظت ماريا انها من جديد أسيرة في السجن الذى طالما تجنبته . ومع ذلك , لم تحس بالحزن ولا بالقلق , بل على العكس كانت تحس بالحرية اذ ليس لديها ما تفقده .
مهما بدا لها الوضع رومنسي , فقد كانت تعرف ان رالف هارت سيعرف و سيفهم ذات يوم من الايام أنها فقط مجرد عاهرة في ملهى ليلي فيما هو فنان محترم , وانها قد جاءت من بلاد تتخبط فى مشكلات متعددة , تقع الى الجهة الثانية من العالم .
كتبت ماريا فى مذكراتها
" التقيت رجلا . سمحت لذاتي أن تحب وتعشق . أعرف أننى بعد ثلاثة أشهر ساترك البلد الى البعيد. وان هذا الحب لن يكون الا ذكرى فقط , لكنى لم أعد اقدر تحمل العيش دون حب , وصل الامر بي حدا لا أستطيع ان اطيقه .
سألت ماريا رالف باصرار بالغ :
- هل فكرت مرة أن الفتيات العاهرات يقعن في الحب ؟
- نعم . فكرت فى الموضوع عندما كنا جالسين أمام المائدة فى المقهى , فرأيت ذاك الضوء المضيء الخارج من وجهك . وحين دعوتك الى تناول الشراب , اخترت أن أصدق كل شئ , بما فيه من قدرة أن تعيدينى الى العالم الذى تركته منذ وقت طويل .
اكملت ماريا قائلة :
- أريد أن تراني , واريد فى الوقت ذاته ألا تجعلنى ألاحظ ذلك . اول رغبة مهمة لأنها محتجبة و صارمة ولا تدخل فى الحسبان . لا تعلم ان كنت موجودآ أمام نصفك المفقود , ولا هو أيضا يعلم ذلك . لكن شيئا ما يقرب أحدكما الى الأخر ويجب ان اقول هذا .
ثم قالت ماريا فى ذاتها , من أين جاء بكل هذه الأفكار ؟ امن أعماق فؤادي تصدر , لا،انى اردت دومآ فى أن يكون الأمر كذلك ؟ هل هى اوهامي,هو حلمى بالذات كامرأة
رأى رالف أمامه امرأة سمراء شعرها اسود ترتدى فستانا غامق اللون , جالسة على أرض الصالون , مليئة بالحياه ومفعمة والرغبات
" كم أنا مرتاح "
بقي ينظر الى المرأة الجميلة التي تقف أمامه , والتى تلبس الأسود الخفر , المرأة التى راها بالصدفة مع أنه رآها من قبل فى ملهى ليلي , فعلم أنها صعبة المراس وعنيده .
كانت تسأله أن كان يريدها, وهو يرغب فيها كثيرآ , اكثر مما تقدر أن تتصور . لكنه لا يريد جسدها , بل فى صحبتها . كان يكفيه أن يحضنها بين ذراعيه , وهو يتأمل النار بسكون , او يدخن سيجارة او اثنتين . , او يشرب النبيذ
رغبت فى ان تقول له أنها تعشقه . لكنها لم تقول , لأنه كفيل ب افساد كل شئ , وعلى أخافة الرجل الذى تعشقه . كما خافت عليه من أن يقول لها أنه يعشقها هو أيضاً . لم تكن ماريا ترغب ب ذلك , ان حرية حبها تكمن في ان لا تطلب شيئا من حبيبها , وألا تاخذ ما ينتظرها .
أرادت ماريا أن تتكلم عن الحب , لا، هذا القول كان وسيلتها فى ان تحمي نفسها وتسليم نفسها فى نفس الوقت, دون أن تحس بالخجل .
- ماذا ؟
- أحبك .
- انا آيضا اعشقك .
- أعذرنى , لم أعد اعلم ماذا اقول .
- ولا أنا أيضا .
قامت , طبعت على خده قبلة و غادرت .
* * * * *
وهذا ما دونته ماريا فى مذكراتها صباح اليوم التالى :
يسعى كل انسان الى تحقيق رغباته الكامنة , وهذا يشكل جزءا من الكنز المدفون داخل نفسه . قد يكون ردة الفعل الذى تثيره الرغبة منفرآ للشخص المقابل , وقد يقربنا من الكائن المحبوب .
كانت ماريا ترى دائما وفى يدها كتاب تتلوه . باتت معروفة بانها " مثقفة " الفريق . فى البداية , ارادت الفتيات فى أن يعلمن ما نوعية وأسماء الكتب التى تقرأها . لكن , بما أن هذه الكتب لا تقول قصص حب , بل تتناول فقط امور جادة وغير مهمة بالنسبة لهن , كالاقتصاد و أدراة المزارع و علم النفس, آثرت الفتيات أن يتركنها لوحدها , تتابع أبحاثها و تكتب ملاحظاتها .
كان رالف هارت يشغل أيضاً راسها من الصباح حتى الليل
. شعرت لأول مرة فى عمرها أنها قادرة على الراحة والفرح بغياب الحبيب . لكنها كانت خائفة قليلا , لأنها قالت له عن مشاعرها فى المرة الماضية , وقالت له انها تعشقه . وأحست انها أظهرت تهورا ملحوظ لأنها تجازف بأن تفقد كل شئ. لكن ما الذى ستفقده مادامت لا تطلب شيئا بالمقابل ؟
الحب الأكبر هو الحب الذي يستطيع على أظهار ضعفه و هشاشته . فى أى حال ,هذا اذا كان حبها صادقا وليس فقط طريقة للتسلية وتمضيه الوقت وخداع النفس
وحين كانت ألافكار تملا راسها وتخشى أن تخسره وتستاء من السخافات التى تفوهت بها عندما كانا سوية , كانت تقول لذاتها " ما بك ؟ هل تريدين التفكير بذلك ؟ حسنا , كما تريدين , نزولا عند ارادتك . أما أنا فسأكرس كل اوقاتي لأمور أهم " . عندئذ تقرر أن تتجول فى الشارع, أو تواصل القراءة, .
كان يعذبها ويؤلمها مثلا أن تتصور أنها لن ترى رالف مرة اخرى . لكن ماريا أستطاعت , بقليل من التمرس وكثير من الصير , أن تحول هذه الفكرة وتعملها " أيجابية " ! حين نذهب , سيكون لجنيف وجه , وجه هذا الرجل ب تسريحته القديمة و شعره الطويل, بصوته الثخين و ابتسامته الطفولية . واذا سألها أحد , بعد اعوام لاحقة , عن المكان الذى تعرفت اليه فى شبابها , فسوف تقول " جميل وقادر على أن يحب ويكون محبوباً " .
كانت ماريا تفكر باستمرار فى رالف و تحس أن التفكير فيه يغضبها , فيما هى امام أحد الزبائن , و عليها أحترامه وفعل كل ما بمقدورها لأرضائه .
-
دونت ماريا فى مذكراتها فى ذلك المساء.
" قلما يهمنى أن يرجع أحياء الدعارة المقدسة ذات يوم . لكنى لا احب ما افعله لانه يدمر قلبي ويمنعنى من التقاء نفسي , ويعلمنى ان الألم جائزة , وأن النقود تشترى كل شئ , ويبرر كل شئ . لا أحد يشعر بالسعادة من حولى , لا الرجال لأنهم يعرفون أنهم عليهم على دفع المال مقابل شيء كان يمكن أن ياخذوه بالمجان, وهذا أمر بائس , ولا النساء لانهم يعلمن أنهم يبعن ما كن يردن فى ان يمنحنه بمحبة و فرح, وهذا الأمر مدمر .
حاربت ذاتي كثيرآ قبل أن أكتب هذه الصفحات وقبل أن اصارح نفسي وأقول اننى تعيسة وحزينة وغير راضية . كنت فى حاجة الى الوقوف بضعة أسابيع اخرى . لكن لم يعد بمقدوري العيش بهذا الامر براحة كما فى السابق , وكأن كل شئ عادي , أو كان ما يحدث مجرد مرحلة فى حياتى لا تلبث أن تذهب . اريد أن لا اتذكر كل ذلك . أنا فى حاجة الى العشق , فقط الى الحب .
الحياة أطول أو أقصر من أن اجيز لنفسى أن احياها على هذا الوجه البالغ البؤس
هذا ما كتبته ماريا في مذكراتها وهى تقرأ كتابها المفضل ليلة قررت ان تشترى بطاقة العودة :
" كان يا ما كان , كان طائر له جناحان جميلان بريشات براقة والوان زهية . كان مخلوقآ ليطير فى سماء الحرية , ويدخل الفرح العظيم على افئدة هؤلاء الذين يراقبون طيرانه .
ذات يوم , شاهدت أمراة هذا العصفور و اعجبت به . شاهدته يحلق فاندهشت به حتى حدود الاندهاش , وخفق قلبها بقوة , وعيناها لمعتا من شدة الانبهار .
دعاها العصفور لمصاحبته . وطارا معآ وهما فى كامل التناسب . كانت مجنونة بالعصفور , تحتفى بفتنته طوال الوقت .
لكن المرأة قالت ذات يوم " ترى هل هو متحمس الى اكتشاف جبال بعدى ؟ خافت , ارتعبت من فكرة أن يبتعد ويرحل والا تقع فى الحب مرة اخرى , شعرت بالغيرة , غارت من قدرة هذا الطائر على الطيران .
شعرت انها وحيدة .
فكرت فى المرة الثانية , حين يظهر الطائر سأنصب له مصيدة وهكذا لن يتمكن من الطيران مرة اخرى .
ر عاد الطائر , الذى كان هو آيضاً مجنونا بها , لرؤيتها فى اليوم الذي يليه , فوقع فى الفخ و سجنته فى القفص .
كاول يوم , كانت المرأة تنظر اليه بشغف وفخر وتعرضه أمام صويحباتها فيبدين اعجابهم به ويقلن لها: ما أوفر حظك به و ما أسعدك! ومع ذلك , بدأت الامور تتغير بشكل عجيب , بما ان الطائر صار ملكها فهى لم تعد بحاجة لان تكسب وده, ولم تعد تهتم به . أما العصفور فلم يعد فى امكانه الطيران والتعبير عن معنى عيشته , بدأ يفقد بريقه و ريشه يذبل , ويتحول جماله الى بشاعة . ولم تعد المرأة تعطيه اى اهتمام , بل اقتصرت عنايتها به على تنظيف قفصه و اطعامه.
و ذات يوم , مات الطائر , فحزنت المرأة بشكل كبير , ولم تتوقف عن التفكير فيه . لكنها لم تكن تتذكر قط السجن . تذكرت فقط اليوم الذى راته فيه للمرة الاولى , وهو يطير بعيدا طيرانا فوق الغيوم .
لو انها استجابت لدوافع عواطفها كما ينبغى , لعلمت ان الشئ الذى اثار غضبها عندما التقت الطائر كان الطاقة الكامنة فى جناحيه , و حريته, وليس حسن شكله الخارجى وجماله فقدت حياتها معناها عندما خسرت ذلك الطائر. وجاء الموت يقرع بابها .
قالت المرأة للموت :
- لم جئت .
فأجاب :
لكى تتمكنى من التحليق معه مجددآ فى البعيد , لو أنك تركته يذهب و يرجع فى كل مرة . لكنت قدرت كسب وده , ولازداد افتتانك به اكثر فأكثر . من الان فصاعدا , فانت فى حاجة الى لكى تسطيعي ان تسترديه.
* * * *
*
بدات ماريا صباحها بعمل كانت استعدت له منذ أشهر ,وهو الذهاب الى وكالة السفريات لشراء بطاقة الرجعة الى البرازيل , وفقآ للتاريخ الذى خططت له على لروزنامة .
لم يتبق لها ,حسب خططها, الأ أسبوعان فى أوروبا . وبعدها ترجع الى البرازيل و تترك جنيف التى ستبقى تشكل لها وجه رجل عشقته . أما شارع برن , فستقتصر ذكراه على اسمه الذي يعني عاصمة سويسرا .
من المؤكد , ستذكر حجرتها واللغة الفرنسية والبحيرة وضروب الجنون التى يمكن أن تخطر على راس اي بنت فى الثالثة والعشرين من عمرها , قبل أن تعلم أن هناك حدود لهذا الجنون .
ل كانت تطمع فى أن تسجن الطائر, أو أن تدعوه ليرجع معها الى البرازيل . كان هذا الطائر أبهى ما صادفته فى حياتها . لذا عليه أن يحلق بحرية وأن يحيا على حنينه الى الرحلات التى كان يقوم بها مع صاحبته , وهما يسبحان فى الفضاء الواسع . كانت ماريا هى أيضا طائرة , وحضور رالف الى جانبها سوف يذكرها دائما و ابدا بمرحلة " كوباكابانا " التى تشكل جزءا من ماضيها , وليس من مستقبلها .
اخذت عهدا على ذاتها انها لن تقول له " الى اللقاء . الا لحظة الوداع لئلا تتعذب ك كلما خطر لها على بال . -عما قريب لن ابقى هنا- .
خرجت ماريا الى المكتبة لترجع الكتاب الذى استعارته . لقد عاونها هذا الكتاب على استعادة السيطرة والثبات على ذاتها , بعد أن كادت تخسرها . كما عاونها على العودة الى نفسها لتحديد هدفها السليم فى الحياة . كان الكتاب الصامت الرفيق , غلافه أصفر سميك ويحوى على عدد من الرسوم البيانية . كان منارة تشعل لياليها المظلمة فى الأسابيع الأخيرة .
فكرت انها تخطط دائماً لخطط ما هو اتي , ولكنها تصطدم بشكل دائم بالحاضر . اخذت تفكر أيضاً بالطريقة التى اكتشفت بها ذاتها وعبرت عنها من خلال الأستقلال و والألم الحب واليأس , لكى تعثر من جديد على العشق , وكانت تريد فى ان تتوقف عند هذا الحد .
لم تكن لديها ارادة في العودة الى " كوباكابنا " .
ومع ذلك احست انها ملزمة بأنهاء شغلها دون أن تفهم السبب . كانت قد جمعت مالا بما فيه الكفاية , ويمكنها الخروج فى فترة العصر لشراء ملتزماتها , و و التقاء مدير أحد البنوك وهو زبون لديها وعدها باسداء النصائح بالنسبة للمال الذى جمعتها , و احتساء فنجان قهوة , وارسال بعض حاجياتها التى لا تساعها الحقائب عبر البريد . لكن المدهش فى الأمر انها احست بحزن كبير , لعله عائد الى انه لم يتبق لها الا مدة قليلة فى أوروبا . و عليها لها أن تستفيد من الوقت الحالى , و تتطلع الى المدينة بعينين اخريتين , وتشعر ب بالراحة , لأنها عاشت فيها تجربة جميلة ..
كانت الساعة الحادية عشرة من الصباح , و حكايتها تنتهى هنا . احست ماريا انها غريبة عن نفسها , وانها رجعت و اكتشفت عذريتها , وأنها ولدت مرة اخرى . الا ان هذه الولادة ليس لها فائدة , لوانها ظلت فى سويسر .
لكن , لاول مرة فى حياتها , ورغم كل الاغواءات المادية وما يمكن للنقود أن توفره لصاحبه من رغد عيش و كفاية حاجة – فمن يدرى اى ثروة تقدر أن تجنى فى سنة واحدة فقط – قررت ماريا بكل ما فى داخلها من استنارة بصيرة و وعى وبحزم أن تدع الفرصة تمشي دون ان تستغلها .
أمسكت ماريا باغراضها الخاصة ووضعتهما على الفراش . تخيلت انها ستكدسها هدايا و صور عن المناظر و ملابس جديدة وصورآ عن المناظر الثلجية الخلابة والعواصم الأوروبية الكبيرة , وهى ذكريات ترجعها الى زمن سعيد , حين سكنت فى البلد الأكثر كرماا وأمانا فى العالم . صحيح أن لديها بعض الثياب الجديدة وبعض الصور عن الثلج . لكن , ما عدا ذلك, جرت الامور خلاف ما كانت تتوقع .
عاشت أربع مغامرات فقط , , تعلم الفرنسية والعمل فى الدعارة و الرقص فى الملهى, والوقوع فى غرام رجل الى حد الجنون رالف هارت
كانت تتمنى لو تتزوج به , حتى لو لم تعترف بذلك فى داخلها . وهو سينتظرها فى الكنيسة , حيث تواعدا , وسيظهر لها لوحاته . ويعرفها على اصحابه , و البيئة التي يحيا فيها .
ابتداء من هذه الدقيقة , ستكون كل دقيقة تمضيها الى جانب رالف . وكأنها سنة من الوجع القادم من كل ما كان بمقدورها أن تقوله ولم تقله , من الذكريات دعمه لها صوته , يداه , .
لا يزال الوقت امامها كي تقرر ما اذا كانت ستخرج الى الموعد أم لا . الأن يجب عليها أن تحصر اهتمامها و تفكر بأشياء أكثر منطقية وعملية .
ذ ذهبت الى البنك و ارادت بأن تسحب كامل المال الذى أودعته هناك .
سحبت من البنك كامل المبلغ , حتى أخر قرش . ووضعته فى حقيبة ابتاعتها خصيصآ للمناسبة , و حزمتها تحت ملابسها .
ذهبت الى شركة السفريات , وهى تدعي لكى يعطيها الله الشجاعة للمغادرة. عندما أرادت أن تأخذ بطاقتها , قالوا لها هناك أن الطائرة ستهبط غدا فى باريس, وأن ركابها سيكملون رحلتهم على متن طائرة اخرى . لا يهم , المهم أن تخرج من هنا قبل أن تغير رأيها .
وصلت الى المطار وطلبت من النادلة كاس قهوة . انتظرت , لأربع ساعات وصول الطائرة الذاهبة الى باريس , وهى تتوقع أن يجيء رالف بين الفينة والأخرى لاسيما وانها قالت له ساعة مغادرتها .
نامت خلال الرحلة المتوجهة من جنيف الى باريس .
لم يكن لها وقت كافي لتفكر فى الحكاية التى سترويها لأهلها و اصحابها . لكن أهلها فرحين بلا شك بعودة ابنتهم , وبالمزرعة التى تضمن لهم كبرهم .
أيقظها صوت عجلات الطائرة , وهى تهبط على أرض المطار . جاءت المضيفة و قالت لها أنه يتعين عليها ان تغير طريق الأنطلاق , من اف الى سي وأنه يجب عليها الا تقلق لانه لايوجد تاخير اخر . وأن الموظفين على الأرض يقدرون معاونتها لتصل الى مبتغاها.
خرجت من الطائرة وخضعت لتفتيش رجال البوليس , ستنقل حقائبها مباشرة الى الطائرة الثانية ، كان كل ذلك لا يهمها فيما كانت تفكر من جديد بانها وحيدة . لكن هذه الوحدة كانت اقل مرارة لأن الحياة ستكون أسهل و لأن لديها سرآ.
" ستكون باريس دائما هنا "
كان رالف يمسك زهورا فى يده , وعيناه مليئتان بالضوء , الضوء الذى شاهدته فيهما , عندما راته اول مرة .
اغمضت عينيها ثم فتحتهم بسرعه انها لا تتخيل !
سالت فى اندهاش :
- كيف جئت الى هنا قبلى ؟
- رايتك تقرأين صحيفة . كان من الممكن الأقتراب منك , لكنى رومنسى , رومنسى حتى العظم . فكرت أن من الاحسن أن اخذ أول طائرة ذاهبة الى باريس تمشيت فى المطار وانتظرت ثلاث ساعات وأنا اسال فى كل ثانية عن مواعيد الطائرات . اشتريت لك ورودا واردت أن اقول لك الجملة التى قالها ريكى لعشيقته فى فيلم " كازابلانكا " , وأنا أتخيل الصدمة على وجهك . كنت متاكدا من أن هذا ما ترغبينه وما تظنيه , وأن كل قوة العالم لا تكفى لتقف فى وجه العشق وقوة الحب التي تستطيع قلب كل المعادلات بلمح البصر .
الا توافقيننى الرأى انه لا يكلفنا شئ أن نكون رومنسيين كما فى السينما ..؟
لا تعلم ان كان ذلك يكلف أم لا , ولا ترغب أن تشغل راسها فى أى " سحر " لأن هذا اخر هم لديها , تعلم فقط انها رات هذا الرجل , وانه قدمها لاصحابه الليلة الماضية . و تعلم أيضا انه تردد الى النادي الليلي حيث كانت تعمل , وانه تزوج مرتين . وأنه ليس معصوما عن الخطا. هذا من ناحية .
ومن ناحية أخرى , صار لديها مال كاف لتشترى مزرعة , وهى لا تزال شابة. امامها المستقبل , وخلفها تجربة جميلة فى الحياة واحساس كبير بالأستقلالية . رغم كل ذلك , فان النصيب يختار عنها و بمقدورها المجازفة مرة اخرى
ربما انها لم تعد متحمسة لتعرف ماذا سيحدث بعد كلمة النهاية على الشاشة , احتضنت رالف وقبلته . لكن , لو علمت يوما ان أحدهم يروى حكايتها , فستطلب منه أن يبداها , كما تبدا حكايات الجنيات " كان ما مكان .....
النهايه
تعليقات
إرسال تعليق