القائمة الرئيسية

الصفحات

تلخيص رواية النبيله الروسيه -هنري ترويا - اعداد واشراف – رجاء حمدان







تلخيص رواية 

 النبيله الروسيه -هنري ترويا 

 اعداد واشراف – رجاء حمدان 



تلخيص رواية 
  النبيلة الروسية : هنري ترويا 

إعداد وإشراف – رجاء حمدان 


اصطفت على مسافةٍ قليلة بعض العربات أمام نقطة الحراس , وأخذ العاملين في  الضريبة الدخول يفتشون العربات .
صرخ أحد المسافرين بأعلى صوته : من هناك ؟ أنا مستعجل .
خرج رجل عاجز يلبس بدلة عسكرية . كانت إحدى رجليه مصنوعة من الخشب و يمسك بيده فانوس . ناوله المسافر وثائقه دون أن ينزل من العربة وقال ببرود  : ميشيل اوزاريف قادم بسبب ظروف عائلية  إلى ىسان بطرسبورغ.
أجاب الرجل العاجز: سيحل الأمر بسرعة يا صاحب السعادة . أخذ الوثائق وذهب وهو يعرج نحو نقطة الحراسة .
اغلق ميشيل عينيه , فبالرغم من متاعب وصعوبة الرحلة إلا أنه مرتاح  , فقد تلقى برقية من ابنه يخبره بمولد ابنه الصغير سيرج . لقد كان لا يحب كنته  تلك الفرنسية , ولم يرضى لإبنه على الزواج بها فقط ل أنها كاثوليكيه , ولكنه في داخله كان يحترم تلك المرأة ، كيف لا وقد ولدت الآن وريثاً لإسم اوزاريف .أخذ يفكر بالصغير ، كيف خلقته  هل هو أشقرٌ كأبيه أم أسمرالبشرة كإمه ؟.أيٌّا كان فقد تخيله طفلاً مرحا رضيعاً جريئاً قوياً ً يخنق الأفاعي  .
كان من عادات و تقاليد الأسرة أنه كلما جاءهم مولود جديد ينبت له شجرة صنوبر وتسمي باسم المولود الجديد . فقال ميشيل سوف أزرع انا شجرة سيرج و ساضع عليها لوحة تحمل تاريخ مولده 12 ايار 1819.
أحضر الرجل العاجز الوثائق وقال بعد ان رفع الحاجز : كل شيء على افضل ما يمكن ان يكون يا صاحب السعادة  , واندفع الحصانان  بالعربة وسط الضباب .
لا شك أن صوفيا  ما زالت مجهدة من اوجاع الولادة . إن البيت الذي يقيم به نيقولا وصوفيا تملكه اولغا زوجة ميشيل , وقد اعطته قبل أن تموت في وصيتها لزوجها ميشيل ولولديها , وقد أجّرت جميع حجر البيت ما عدا الدور الأول الذي يسكن به الزوجان نيقولا وصوفيا .
صعد ميشيل سلم البيت وهو يلهث وأخذ يقرع الباب بيده , فخرج صوت عالي من البيت , فتبادر الى ذهنه أن هذه الطرَقات من الممكن هي التي أيقظت الطفل ووالدته . فتح الخادم  الباب فعرفه ميشيل فورا إنه العبد أنتيب الذي وهبه لنيقولا.
قال ميشيل غاضبا : ماذا جرى لك ؟ إذهب أخبر سيدك .
- سيدي !سيدي!
- ما به ؟ ، هل نام 
دفع ميشيل أنتيب و انتقل الى الصالة , فتح أحد الأبواب وظهر ابنه نيقولا على وجهه أمارات التعب والشرود وقد بدا مصفرا.
انتاب ميشيل احساس بالخوف وتمتم :
- ماذا جرى ..
انزل نقولا رأسه وقال : 
- لقد توفي الطفل
تجمد ميشيل في وقفته ولم يبدِ أية حركة ثم صرخ بأعلى صوته :
- هذا خاطئا
- للأسف يا أبي إنه صحيح!
تكلم ميشيل بنبراتٍ حزينة : أريد أن أراه :
- ولكن لا يمكن يا والدي لقد دفناه .
بصورة مفاجئة تملك ميشيل احساس بأن الأمر كذبة اختلقها نيقولا وصوفيا ,فغضب غضبا شديدا وسأل ابنه:
- وما هو سبب موته هكذا ؟ من هو طبيبه ؟
- دكتوره هو غولوبياتتيكوف , وهو لم يعلم ايضا سبب الوفاة تماما ....ربما تشوهٌ خلقي للقلب .
ميشيل يكاد يختنق من الغضب وقال لذاته : الطفل سيرج ليس سوى عقوبةٌ من الاله ,  فالله عاقب نيقولا لأنه تزوج بهذه الغريبة
 الكاثوليكية وضد رغبة ابيه, ولو أن امه كانت روسية ما كانت هذه المصيبة لتحل عليه  .
قال نيقولا كان: لقد كادت صوفيا ان تموت أثناء الولادة وما زالت واهنة , فقد أحدثت وفاة الطفل لديها صدمة ولا أعلم متى ستصير بخير....
تنهد ميشيل ثم طلب من خادمه أنتيب أن ينزل اغراض ابيه الخاصة من العربة ويعمل على تحضير حجرته . وفجأه دخلت إحدى الخادمات و هي تلهث وقالت لنيقولا إن سيدتها تريد أن تلتقيه فورا. ذهب بسرعة فقد كان يخاف أن يكون قد حصل لها شيء ما ،وما أن رات عيناه منظرها تنام على السرير ساكنة حتى انشرح صدره واطمئن . فقالت له صوفيا :
- من الضيف القادم بالليل.
- إنه والدي . 
- هل علم بما جرى .
- نعم .
- يا للمسكين قل له أن يجيء إلى هنا .
- هل هذا مهم ! . إنك مجهدة وهو أيضاً متعبٌ من الترحال ولا أريد أن يحدث بينكما مشاكل وأنت هكذا .
- لا تهتم أنا بخير, إذهب و اجلبه .



وضع ميشيل نظارته على عينيه وأخذ ينظر من خلال نور المصباح الضعيف الى وجه صوفيا ، ذلك الأنف الدقيق الجميل و تلك العينين السوداوين, رغم مرضها لكنها ما زالت فاتنة . بادرت صوفيا بالحديث :
- إن ما جرى يبعث على الحزن ! .إغفر لي هذه الفرحة الكاذبة التي سببتها لك .
ارتعش ميشيل . لقد تحدثت باللغة الروسية ، متى درست لغة زوجها . لم يقول لي بذلك نقولا في رسائله !
- علينا أن نخضع أمام ارادة الله ,وأنت سوف ترزقين بأطفال آخرين فما زلت في مقتبل العمر. ثم انحنى على يد صوفيا وقبلها بعطف .
كان نيقولا فرحا وقلقاً بنفس الوقت من ذلك الانسجام بين أبيه وصوفيا , فهو يعلم طباع كل واحدٍ منهما و لا يظن ان هذا التفاهم  سيدوم، ولعل أنَّ رِضى أبيه على صوفيا  قد ازداد الآن بعد أن  رضيت ان تذهب إلى كتشوفكا والإقامة فيها و مغادرة سان بطرسبورغ  ، ولكنه كان موقنا بأنها بعد عدة أشهرٍ من عيشها بالريف سوف تندم و تشتاق إلى المدينة .
صاح كوستيا صاحب نيقولا المقرب :- لا يمكنك أن تغادر ، إني لا اتخيل أبداً أن تجذبك حياة الريف هكذا .
- نيقولا : ألا تظن ذلك ؟ . أنا أحب الوحدة و و ساقضيها في تربية الماشية والعمل بالزراعة والإتصال بإولئك الفلاحين و المطالعة, ثم أنه يمكنك أن تأتي لزيارتي .
- في ذلك الحجر ؟ ,لا تأمل ذلك .
جاء بقية الاصحاب واحداً تلو الآخر وأهمهم صاحب نيقولا المقرب الضابط هيبوليتروزنيكوف . بدأت الليلة وبدأ الهرج والمرج وفجأة قال كوزلوفسكي بشكل جدي ومغيراً نسق الحديث : لقد خُدعنا أيها السادة , ففي روسيا البزات الرسمية عي الوحيدة التي تتغير, ويقال أن في فرنسا كل شيء ينتهي بالموسيقى .
أدرك نيقولا أنه يقصد بذلك المخيمات العسكرية التي أنشأها الجنرال أراكشييف مساعد القيصر, وأنه بموجب مقررات هذا الشخص الخطير تحولت مقاطعات كبيرة إلى مستوطنات عسكرية , كما أن كل المزارعين في تلك المقاطعة يتحولون وبشكل انسيابي إلى جنودٍ يشكلون جيشاً بديلا للوحدات النظامية الموجودة في مقطعاتهم . فقال نقولا:
- لقد سمعت أنه قد تم نقل المواطنين في إحدى المقاطعات في خلال يوم واحد  إلى مسافةٍ تزيد عن الف كيلومتر عن منازلهم الأصلية بقرارٍ من الادارة.......
ثم اتبع نيقولا كلامه : هل تعرفون أن صوفيا كانت تعمل في منظمة سرية (رفاق شقائق النعمان )، إنها منظمة سلمية جداً تكتفي بتوزيع   المطبوعات وتوزيع اوراق تتضمن أفكاراً تدعو إلى الحكم الجمهوري .
قال كوستيا : هذا ما نحتاجه في روسيا ! .
نظر الجميع إليه بصدمة ثم قال كل واحدٍ منهم : لماذا لا يمكننا أن ننقل أفكارنا ضمن صحيفة صغيرة .
قال كوستيا : لدي اقتراح يا أصدقائي ، سنقيم جمعية سرية يكون هدفها تأمين السعادة لروسيا ويكون مقرها هنا في منزلي, وعلى أعضاء هذه الجمعية الولاء و القسَم فيما بينهم حتى الموت .
بعد لحظةٍ من التفكير ، ارتفعت الأصوات وهتفوا بسرور وفرحٍ : أنت عبقريٌّ يا كوستيا .
سأل كوستيا نقولا : هل ستكون معنا ؟ .
- أنت تعلم أنني يجب أن اغادر ......
- وإن يكن , فأنت لن تترك روسيا وسنبقى متصلين .
شد نيقولا يده على يد صاحبه  قائلا : بكل امتنان وبكل سرور, سأكون معكم .
اتفق الكل على أن يكون اسم المنظمة هو (شقائق النعمان في حقول القمح)، كما أنهم اطلقوا كلمةِ سرٍ بينهم منقوشةٌ على خاتمٍ لكل واحد منهم .
رجع نيقولا إلى البيت ، وجد صوفيا تنام على أحد الأرائك وكان يجلس الى جانبها ميشيل , وقد كانا انتهيا فورا من لعبة الشطرنج وكانت صوفيا هي الرابحة . ألقى نيقولا على ميشيل تحية الليل وذهب ليرقد .أخبر نقولا صوفيا بما دار من كلام بينه وبين اصحابه وبما اتفقوا عليه من اقامة جمعيتهم .



كانت قاعة الطعام مظلمة وباردة ,وكان الشباكان مفتوحان على حديقة كتشتوفكا تطلان على مجموعة من الاغصان الخضراء التي تغطيها أشعة الشمس . كانت فترة طعام الغداء بالنسبة لميشيل هي أفضل مدة يمضيها في النهار ،لأن عائلته تكون مجتمعة كلها  تحت عينه ، ومن بين كل المجتمعين  كانت صوفيا هي التي تلفته ، فقد ازدادت فتنة بعد عيشها لنحو اسبوعين في الريف ، وكان الطابع الساكن لصوتها يضفي جمالا على أبسط كلماتها . كان ميشيل يندم كثيراً لأن ليس له طفلة جميلة ، فماري الصغيرة الشقراء ذابلة العينين و شاحبة الوجه وبالإضافة من أنها تعاني من السمنة الواضحة . على كل حال فإن نقولا احلى من ماري لكن مما يحزن له أن يكون ميشيل على هذه الدرجة من قلة العقل .
كان يقولا يقرأ بالكتاب و يدون ملاحظاته وهو يمكث في الحديقة . اتت إليه صوفيا واقترحت عليه أن ياتي معها وماري إلى بلدة شاتكوفو . ارتاح لهذا النشاط الظاهر من صوفيا و احس أن الريف قد حسن من صحتها وأنساها حدادها و آلامها ،إلا أنه قال لها بعدم رغبته للذهاب إلى القرية . 
فقالت : انني لا أفهمك فأنت تقول أنك تريد الفرح لشعبك وها أنت تُفضل ان تظل مع كتبك على أن ترى أحوال القرويين .
قال نيقولا :أنا اعلم هؤلاء القرويين  وكوني سيدهم لن اجعل نفسي في وضع مصطنع وزائفٍ لو أني  حاولت التودد اليهم  ..وأنت لم تولدي في روسيا و لا تعلمين عاداتنا . 
وضعت صوفيا قبعتها المنسوجة من القش على رأسها . كان عناد نيقولا يغضبها ، واتهمت زوجها بأنه لا يحب الضعفاء و الفقراء وهو يتمنى الغاء الرق والعبودية ولكنه لا يهتم بأمورهم , و يتحدث عن الحرية ولكنه لا يتنازل و يدخل بيوت الفلاحين .
انطلقت الأحصنة تاخذ صوفيا وماري إلى شاتكوفو . شجعت صوفيا ماري على الحديث معها والوثوق بها كي تقول لها بأسرارها، فسألتها :
- ألم يحدث أي تغيير على حياتك . أنت الآن في مقتبل عمرك .
فقالت ماري : إن كل شيء يجري في حياتي وكأني في السادسة عشرة من عمري
- هنالك بالتأكيد فتيات و شباب ظرفاء بين أفراد اهالي المنطقة .
- إن والدي لا يهتم بموضوع زواجي وكذلك أنا ، ان شكلي قبيح 
غضبت صوفيا وقالت : يالها من حماقة , قبيحة ؟ ، إنك فاتنة .
ماري : هل أنا كذلك بالفعل ؟!  , فعندما اتطلع إلى وجهي في المرآة أشعر بالرغبة للهرب من نفسي و بالمرارة....كما أن الرجال يرعبونني ,جميع الرجال ولا اقدر أن أفسر ذلك .
علمت صوفيا بأن عليها ألا تعارض ماري حتى تقدر ان تكسب ثقتها .
وصلت العربة إلى القرية ونزلت منها صوفيا وماري . كانت البلدة فقيرة صغيرة تسدل التعاسة والبؤس على أجوائها . مشيا قليلاً بين المنازل , وصلتا إلى منزل امرأة عجوز . راتهما المرأة  فخرجت مهرولة  وقبلت يد صوفيا وماري و قالت : 
- إن الملائكة بعثتكم لنا وليس لدينا ملح أو خبز لنحتفل باستقبالكما . 
كانت العجوز قد فقدت أسنانها و حدباء, وإحدى عينيها عليها بقعة بيضاء ، خرج من البيت أيضاً فلاحٌ نحيلٌ جداً مُسن وقال :
- إن الفقر يتربع على طاولتنا ،ونحن بالبيت اثنا عشر شخصاً لا نقدر أكل قوت يومنا . وضعت صوفيا قطعة من المال في جيب العجوز وذهبت . عطفت على أكثر من بيت واستمعت إلى مشاكلهم وهمومهم, وساعدت بما كان في حوزتها من مال أو كلام طيب يخفف عنهم صعوبة العيش . 
وفي طريق رجوعهم وعلى مسافة من تلك المنازل انتصبت كنيسة الأبرشية ، فعزمت ماري على أن تمر عليها ، فهي لا تجيء إلى شاتكوفو دون أن تقوم بزيارة الكاهن الذي عمّدها . ولجت ماري وصوفيا عند الكاهن و شريكته واستقبلوهما استقبالاً كبيرا . أخذ الأب جوزيف يتكلم معهم  بأحاديث مختلفة ثم ختم كلامه بالحديث عن الديانة الكاثوليكية مجاملاً صوفيا في اعتقاداتها فقال : خيرٌ للمرء أن يكون أرثوذكسياً مسيحياً من أن يكون ملحداً أو وثنياً .
دخل في هذه اللحظة شاب من المزارعين  يبدو عليه ان عمره ستة عشر, جميلُ الوجه لكنه نحيل الجسم, قوي , يلبس قميصاً ممزقاً , فقطب الأب حاجبيه وتكلم بصوتٍ غليظ : 
- ماذا تطلب مني يا نيكيتا .
- نيكيتا : ربما غداً .
- الأب :لا غداً ولا بعده، إن لدي من الاشغال ما يكفى لخدمة خمس بلدان , حتى إني لا اقدر أن أعلم اطفالي فكيف أستطيع أن أعلمك .
- صوفيا : هل يرغب أن يتعلم ؟ .
- الاب : نعم إنها فكرة سيطرت عليه ، ولا اعرف ماذا سيستفيد من التعليم وهو في هذه الحالة , فالمزارع العبد(الموجيك) وأحرف الهجاء لم يخلقا ليعيشا معا .
- نيكيتا : ألا تقدر على الأقل أن تعطيني كتاباً يا أب جوزيف و ساكتب الحروف على ورقة و ساعثر عمن يشرحها لي ....
- صوفيا : بلى سيعيرك الكتاب وعندما تحفظ أحرف الهجاء ،عليك أن تجيء لتقابلني ، وسوف اعاونك في كيف يجب أن تعمل لتتعلم . 
احمر وجه الصبي من شدة الفرحة وانحنى أمام صوفيا يقبل ثوبها , وركض إلى الكاهن يُقبل يده وهو يشكرهما . تناول الكاهن من الرف كتاب (تاريخ الشهداء والقديسين ) و اعطاه للفتى .
سمع نيقولا صوت ارجل حصان . خرج ووقف على السلم ، إنه ساعي البريد المسؤول عن أخذ البريد مرتين في الأسبوع . قال له نيقولا : هل يوجد رسائل  ، فاعطاه رجل البريد رسالة وعلبة . قعد نيقولا في حجرته يقرأ الرسالة , كانت من كوستيا ويقول فيها : عزيزي (زهره شقائق النعمان) , هذا هو اللقب الذي اعطيناك اياه هنا , أرسل لك ثلاثة خواتم واحدة لك و الثانيين لمن تريد من اصحابك في الريف , وجميع الخواتم قد باركها الاب ، إن كنت تريد المزيد قل لي  وسوف ابعثها لك . نحن هنا في بطرسبورغ نحزن كثيراً لمغادرتك ، وحلقة رفاقنا تتوسع باستمرار و بيتي بات عما قريب لا يتسع لهم وعندئذ سوف نلتقي بالشارع . فهم نيقولا ما المقصود من خلف الرسالة وأن  أصحابه يرغبون منه نشر مبادئهم التحررية في الريف أيضاً ، فقال في داخل  نفسه : لقد أعطوني ثقتهم وسوف أكون على حسن ظنهم . لقد كلفني والدي بإدارة احواله و أملاكه من إمساك سجلات وجولات في القرى وتأمين مراسلات....وسوف أستطيع من خلال هذه الرحلات استقطاب أكبر عدد لنشر مبادئنا . وضع نيقولا الخاتم فى اصبعه ، نادى على صوفيا ليريها الخاتم و سلمها الرسالة لتقرأها . سعدت جداً بما  جاء فيها وقالت له :
- إن لديك الكثير من الشغل هنا حتى لو كان لست قريبا من بطرسبورغ . هل لديك فكرة عن بعض الناس الذين قد يسعدون ل أفكارك .
- كلا لكني سأذهب للنادي ربما ارى بشماكوف .



- صوفيا : من هو بشماكوف .
- نيقولا: إنه شرطي ٌمتقاعدٌ معروف بمبارزاته وبثروته الضخمه وخسائره في القمار, على كل حال هو رجلٌ خطير وصعبٌ ومجنون لدرجة يمكنه أن يسمع لي .
- صوفيا : أتوسل اليك كن متروياً ،!
- نيقولا : وهل كنت كذلك ، عندما كنت تعملين ذلك في باريس . 
احمر وجه صوفيا ثم خضعت للأمر . قدم لها نقولا الخاتم وقال لها مرحبا بك في شقائق النعمان .
دخل نيقولا النادي و راى بشماكوف يلعب البيلياردو , انتظره حتى انهى جولته ثم جاء إليه , ودعاه نيقولا للجلوس إلى مائدته مع صاحبه فاسيا الذي ما لبث أن تعرف عليه نيقولا فقد كان جاره أيام الطفولة و صديقه. كان الحديث عن أحوال المدينة والحروب التي تخوضها وما اصبحت إليه الأمور. وفي نهاية الكلام قال بشماكوف بتعنت : إسمعا ,أنا لا اشبهكم, إني أفكر فقط ولا اريد أن أتدخل في السياسة لأني لن اعمل شيئاً سوى ارتكاب الحماقات ، ثم انهى كاسه وأخذ يضحك . 
علم  نيقولا بأن بشماكوف لن يستخدمه سوى في الحالات الضرورية القصوى بينما بدا له فاسيا منتسبٌ جيدٌ مقبول مع أنه حديث السن ،ولكن يجب مراقبته قبل الإطمئنان له و اعلامه بما في جعبته .
بناءاً على دعوة فاسيا ذهب نيقولا إلى سلافينكا. كانت والدته وإخواته الثلاث تنتظرانه. شعر  نيقولا ب الإنسجام و الراحة مع أسرة فاسيا ،فقد كانت أمه رقيقة ساحرة تبلغ من العمر الثامنة والثلاثين إلا أنها تبدو كوردة متفتحة ،أما اخواته فتبلغ أكبرهن السادسة عشر ،وكن فرحات ينثرن ضحكاتهم هنا وهناك ، ثم فجأة قالت داريا والدة فاسيا : عزيزي نيقولا لدي شيء أردت التكلم به مع ابيك بشأنه منذ زمن كبير , فهل أستطيع أن أستغل فرصة اقامتك هنا لتحدِّث والدك عنه , فأجابها نقولا : إنني في خدمتك . 
قالت داريا : إنه بشأن شتكوفو فهذه البلدة كما تعلم محصورة بين أراضيكم و أراضينا فهل أنتم مستعدون لبيعها لي ؟, وسوف امنحكم تعويضاً  جيداً عنها مثل بساتين بلاغوبي , وكما تعلم فأنا وحيدة و ارى نفسي مضطرة لمتابعة هذه الاحوال و مجبورة بها.
تبسم نيقولا وقال : سأحاول اقناع أبي يبدو هذا جيداً  و ، ثم نظر إلى فاسيا وقال في داخله من الصعب أن أصدق أن هذه المخلوقة - فاسيا - مولودٌ من هذه المخلوقة الرقيقة الناعمة ! .
قال نيقولا ما دار بينه وبين داريا من حديث لوالده فقال ميشيل , وقد شد أحد فكيه وهو متأمل و مستغرق بالتفكير, : يجب دراسة الموضوع و معرفة محاسنه ومساوئه . صاحت صوفيا بصوت حاد وقالت : لكن يا والدي كل شيء معروف وليس من حقك أن تبيع شتكوفو ....سوف يكون عملاً سيئاً .  
قال ميشيل بصدمة : يا لها من كلمة ثقيلة ...لماذا لو سمحت لي  سيكون عملاً قبيحاً .
أخذت صوفيا تتذكر الفلاحين (الموجيك) و منازلهم المتداعية .....والفتى نيكيتا الذي قالت له بأنها ستعلمه القراءة والكتابة فجاء برأسها دوي الثورة وسألته : منذ متى وأنت صاحب شتكوفو يا أبي ؟ .
ميشيل : تملكها عائلتنا منذ ما يقرب من مئة سنة . 
صوفيا : أرأيت فهكذا  !  فإن سكان  هذه البلدة أقرب إليك من بعض أفراد عائلتك ،كما أنهم يعتبرونك سيدهم ووالمحسن لهم معلمهم , فهل ستقتلعهم بشكل مفاجيء من حياتك . فأجابها ميشيل : إنك تتخيلين أوهاماً عن مشاعر وعواطف الفلاحين تجاهي ! . ثم اخذت صوفيا أنفاسها وتحدثت إلى زوجها : يصدمني يا نيقولا أنك لم تفكر بهؤلاء المزارعين  عندما عرضت داريا عليك فكرتها تلك .
نيقولا :إن داريا فيليبوفنا هي الرقة والعدالة والعناية مجسدة , وسيكون فلاحونا أكثر هناءا عندها من عندنا .
كان ميشيل قد اقفل عينيه وأطال التفكير. كان متحيرا هل يبيع أم يُرضي كنته و يسعدها ! ثم صرخ وقال : لقد أقنعتني يا صوفيا  لن نبيع شتكوفو .

كان  الخاتم الثالث من نصيب فاسيا فبعد عدة مرات من اللقاءات في نادي سلافينكا نيقولا اقتنع  به و ارتاح له . انزعجت داريا  عندما عرفت بأن ميشيل ابى أن يبيع شتكوفو بسبب تعلق المزارعين به , ومع ذلك كانت من الرقة لتخبر نيقولا  وتقول له : إنني أحترم عواطفكم تجاه الفلاحين . أنحني لقراركم 
ذات يوم وخلال رجوع صوفيا من زيارتها  لشتكوفكا عبر الغابة , قفز شبحٌ من بين الاشجار ووقف وسط الشارع ,فصرخ به الحوذي : يا لك من احمق ألا يمكنك ان تنتبه. كان نيكيتا , قميصه ممزق و حافي القدمين, ناولها ورقة :تناولي يا سيدتي! . قرأت صوفيا المكتوب والتي كانت مكتوبة بخطٍ رديء  (سيدتي النبيلة الآن صرت أعرف الحروف , فإن قدرت أن تفهميها فسأكون أسعد انسان . أحييك جدا وأصلي على الدوام أن يرعاك الله . عبدك المخلص نيكيتا ). فرحت بها كثيراً وفهمت كم يعلق عليها هذا الصبي من أملٍ كبيرٍ ليتم تدريسه , نظرت إليه وقالت : اجتهد وابدأ العمل على ذلك .




بعد نحو شهر بينما هي وماري تسيران بالحديقة ,جاء الخادم وهو يصيح ويقول إن المدير على الأعمال فىشتكوف قد اتى ومعه نيكتيا ويبدو أن الصبي قد ارتكب فعلة شنيعة وأنه سيجلد بالسوط ,إنهم داخل البيت مع السيد ميشيل . ركضت صوفيا إلى ميشيل وقالت له : أبي ..ارغب أن أتوسط لهذا الصبي , أنا أعرفه جيداً ولا يمكن أن يفعل اي فعل سيء .
سأل ميشيل المشرف : ماذا فعل هذا الشاب ، فقال له المشرف : إن نيكيتا قد تعلم الحروف , وقد أخذتْ كثيرٌ من البنات في القرية يطلبن منه أن يدون لهن بعض الكلمات للعب, وإنّ لي زوجة داهية شمطاء كانت تلتقي بحبيب لها ,وفي يوم مغادرتي طلبتْ من نيكيتا أن يرسل لعشيقها ليراها ، فقاطع نيكيتا المشرف وقال وهو يتاتا  : لا اقدر أن أرفض طلباً لزوجة المشرف . نظر ميشيل للمشرف وهو غاضبا وقال له  : وكيف علمت خيانة زوجتك تلك , فقال المشرف : لقد رجعت  يا سيدى إلى البلدة في ذلك اليوم العاصف فجأة و رايتهما متلبسين , فضربتها ضرباً عنيفا ,  فصارحتني بخيانتها  من بدايتها وكيف بعثت له الرسالة التي كتبها نيكيتا ,وها أنذا جلبته لك . فقالت صوفيا : هل يعرف أهل القرية بخيانة زوجتك لك . فقال لها المشرف بأنه لم يقول ل أحد ، فقالت صوفيا : إذن من مصلحتك ألا يضرب لأنه لو جُلد لفضح أمر خيانة زوجتك لكل القرية .
حل الشتاء بعواصفه وبرده القارس وصمته الكئيب ورشفاته البيضاء, وتجمعت حياة العائلة في المسكن القديم  المزود بالمواقد الخزفية الشديدة الحرارة , حتى خيل لصوفيا أنها تذهب في رحلةٍ طويلةٍ على متن سفينة محملة بالموؤنة . كان نيقولا يخرج إلى النادي أو إلى بيت آل فولكوفل يلتقي مع فاسيا أو يجيء هو إلى زيارته .وقد أخذت تزداد صداقتهم وتقوى وأصبحت افكارهما مشتركة خصوصاً فيما يخص بالإعجاب بالنظريات الفرنسية الدستورية ا وبالشعر الألماني الرومانسي. وتعرفت صوفيا  إلى  فاسيا من خلال زياراته الكثيرة لنيقولا , واستطاعت أن تعطيه تقييماً من خلال حديثه مع زوجها بهذه الأمور , فهو شخص مثقف جدا و يتمتع وبالفضيلة وبإسلوبٍ حسنٍ في التعاطي مع الناس , إلا أنها رأت أن في تعابير وجهه شيء ينم عن التصنع و التكلف, لذلك تفهت احساس ماري من نفورها منه عندما كان يتقرب إليها في المناسابات . أما ماري فقد انجزت بعض التقدم في علاقتها مع صوفيا و صارت مستودعاً لسرها ,وكانت ماري تصر على الذهاب معها بجولاتها لزيارة سكان المدن المجاورة والذين ازداد فقرهم فقرا في أيام الشتاء البارد حيث كانوا يتجمعون في منازلهم الحقيرة كالحيونات كي يحصلوا على قليلٍ من الحرارة, كما أنهم كانوا يفتقرون إلى الموؤنة الكافية لسد ما يحتاجونه في فصل الشتاء .
حقق الصبي نيكيتا بعض التقدم في تعلم الكتابةو القراءة . وكانت صوفيا  تشفق عليه بسبب حياته بين أبٍ كان قاسيا عليه وامرأة أبيه الحمقاء . وفي إحدى زياراتها للبلدة ذهبت إلى زيارة نيكيتا ببيته ،فلاحظت عليه آثار الضرب العنيف فقالت له : من فعل بك ذلك ؟ ! أجابها الأب بقسوته : إنه المشرف يا سيدتي , إنه لا ينسى بأن نيكيتا هو من كتب لحبيب امرأته تلك الرسالة .



كان ميشيل وابنه نيقولا جالسين يتكلمان عندما دخلت عليهما صوفيا و بصحبتها نيكيتا ، وجهت الحديث لحماها : اتوسل اليك يا ابي ....لقد جئتك بمبادرة أرجو أن توافقني بها . إن هذا الفتى لم يعد يقدر البقاء بالقرية لأن المشرف ناقمٌ عليه ولا يترك فرصةً دون أن يضربه ويوبخه , وفكرت أنه من الأفضل أن نشغله في البيت. انزعج ميشيل من هذه الفكرة و احس أن كنته تتطاول على قراراته وها هي لا تنفك تلوي يده بقراراتها المعاكسة له , فرد عليها رافضا : هذا غير ممكن فمن غير الممكن أن كل من يعاني من سوء المعاملة في القرية أن ياتي ليشتغل عندنا . ثم تدخل نيقولا في الحديث وقال : سوف ارجع هذا الفتى  إلى بيت عائلته  ...احس ميشيل  بعدم السيطرة على ذاته في هذا الموقف فاحتج كعادته على حديث نيقولا واعتبر أنه يشتغل دون أن يأخذ رأيه أيضاً أو أن ينتظره ليقول الأمر, ونتيجة لهذه الفوضى في قرار ميشيل فإنه سيبقي على نيكيتا خادماً بالمنزل !! .



لحقت صوفيا بنيقولا إلى الحجرة وقد بدا عليه الضيق و الغضب وقالت له : لو أني كنت اعرف بأن الوضع سيتأزم هكذا لتركت الصبي حيث كان . فردّ عليها بسخرية : آه , إن ذلك سوف يغضب أبي , حيث أصبح هذا الصبي يتمتع بمزايا حسنة لمجرد اعتنائك به ، لقد غيرت أفكار والدي تماما ًوأثرت على عواطفه ,ويكفي أن ترفعي اصبعك الصغير لينفذ اوامرك, فهو أصبح يحبذ رأيك ,وما أن تخرجي بنزهة حتى يشعر بالسام وينتظر رجوعك ,عدا عن أنك الرفيق والغريم الاقرب له في لعبة الشطرنج ، فقالت ضاحكة : إنك تلومه لأنه يحس باللطف نحوي كما كنت تلومه لأنه كان يظهر لي الكره من قبل , آه إنكم صعبون أيها الروس فقال نيقولا : إنني أشعر بالحزن لمغادرتنا بطرسبورغ ,هناك كانت لنا عيشتنا الخاصة ولم يكن علينا أن نأخذ رأي والدي في كل أمرٍ نريد فعله  كما نحن هنا !! .
جاء الربيع وتفتحت البراعم على الاشجار وأصبح الجو أكثر مرحا و دفئاً, كما أن المنزل ساده جوٌ من الهدوء و السكون ,إلا أن نيقولا بدا مضطربا و منزعجا بسبب الأحداث السياسية التى كانت تحصل باوروبا . فمنذ تموز قام الإيطاليون بثورتهم ضد فيرناند السابع وكذلك اليونان و الإسبان ضد الأتراك.....وهو لم يقدر أن يستميل لتأييد المسالة التي يعمل عليها سوى ثلاثة أشخاص, حتى أنه لم يؤمن بهم كفاية ليمنحهم الخاتم الفضي ..
جاء نيقولا من عند فاسيا , اخذ بيد صوفيا وأخذها إلى المكتب حيث كان يجلس والده وقال : لقد رايت قبل قليل بفاسيا وقد طلب منى أن اصير المدافع عنه و محاميه, كما أنه قال لي بأنه يريد الزواج من ماري شقيقتي وأنه ينتظر إشارة مني كي ياتي إلى والدنا رسميا ً. بدا لصوفيا يأس شقيقة زوجها وخيبتها عندما تسمع بالنبا, فهي تعلم و تحس أن ماري مع نسيانها لفكرة الزواج إلا أن هناك شخص ما براسها ... فقالت :هذا مستحيل يا نقولا فقال :!!!ولماذا يا صوفيا ؟ قالت صوفيا : لأن صاحبك هذا غير مجد  و بارد , ضعيف الإرادة وهو غير ملائم لها . فقال نيقولا : أنت تشتمين أعز صديق لي .
أطرق ميشيل رأسه إلى الخلف وأخذ يفكر قليلاً , إن ماري لا تتميز ب صفات الأنوثة الحقيقية التى تتميز به كنته صوفيا , كما أنها مملة لمن ينظر اليها أو ينصت لها ..ثم قال بصوت غليظ : إن فاسيا فولكوف خطيب لم نكن نتامله, وماري ستكون هنيئة معه , وأنا اظن كأب بأن الزواج يجب أن يتم وبأسرع ما يمكن ...صوفيا : أنا موقنة أن ماري سوف ترفض هذا الزواج , فسارع نيقولا : إنها لن تخالف ارادة ابيها 
طلب ميشيل ونيقولا من صوفيا اخبار ماري بالموضوع لأنها أمهر منهما في هذا الأمر . كانت ماري سارحة في الحديقة ، وما أن قالت صوفيا بخبر زواجها حتى اصفر وجه ماري وصاحت بصوتٍ مخنوق : لا ارغب به أفضل الموت على ذلك .  
صوفيا : ارتاحي فابوك لن يزوجك رغماً عنك ولكن فكري قليلا...  هل تفكرين بذلك الفتى سيدوف !!! , قد رايتك معه في إحدى المناسبات وهو يحاول ملامستك , أما زلت  تفكرين به؟!! .
ماري: أنا لا أفكر به ابدا وقد حاول تقبيلي رغما عني وأنا انفر منه , وسبق أن قلت رأي به لكِ وأنت تعلمين ذلك ، ثم أخذت تنتحب و تبكي وقالت: أرجوك أن تحميني حباً بالسماء ،!, إن أبي ونيقولا أنانيان ...وربما عَمِلا على سحقي  يا صوفيا أنت وحدك التي تفهمينني .
عادت صوفيا إلى المكتب حيث حماها وزوجها ينتظران جواب ماري وعندما سمع نيقولا رد ماري قال : إنها فتاة غبية , إنها فقط تريد أن تغضبنا .
قال ميشيل وهو يضرب المنضدة باصابعه : أنا أمنعك من التدخل في هذه المسالة , وصوفيا عملت واجبها ويكفي إلى هنا , وإنْ شقيقتك فضّلت أن تبقى عانساً فهذا أمرٌ يخصها هي فقط .




فقالت صوفيا : سوف تتزوج بالشخص الذي تختاره لن تبقى عانساً.
أجاب ميشيل مصححاً : بل بالرجل الذي نختاره لها .
حاول نيقولا جاهداً إقناع ماري بصاحبه إلا أنها بقيت مقتنعة ب رأيها  وازدادت إصراراً .
ذهب إلى صاحبه وقال له وهو يتلعثم : إنني آسفٌ جداً يا صاحبي وحزين لاقول لك ان شقيقتي تعتبرك كأخ لها ولا تريد الزواج ، إسمع يا صديقي أنا أتفهم أنك غاضب من أختي ولكن الصداقة التى بيننا اقوى من كل هذا وسنبقى  على قضيتنا و عهدنا  . رد فاسيا بهدوء : كلا ! سوف اغادر من هنا . 
نيقولا :سوف تنسى ذلك فورا  . فأجاب فاسيا : لو بقيت هنا سوف أتعذب ولن أنسى ، منذ زمنٍ وأمي تقوم بكل جهدها لتوظيفي في وزارة العدل , سوف أذهب إلى هناك فلن الاقي عائقاً أمامي .
صدم نيقولا كثيراً من أنه كيف تقدر اخته التي يعرف نزواتها وقلة جاذبيتها ولعبها أن تشوش حياة أحد الاشخاص هكذا ..وسوف تعتبر داريا أن عدم قبول ماري لإبنها إهانة كبيرة , كما أنه بعد مغادرة فاسيا لن يجد الحجة للذهاب إلى سلافينكا وبالتالي حُرم من صحبة رجلٍ يحبه ومن ود امرأه يقدرها , والأمر الأهم  هو استحالة  ملاقاة داريا وهو الشيء الذي ضايقه  جداً . 
ذات ليلة من شهر كانون الأول , كان الاهل يهمون بتناول العشاء عندما سُمع رنين أجراسٍ صغيرة من بعيد. نظر الجالسون بعضهم إلى بعض هل من ضيف في مثل هذا الوقت ثم اندفعوا إلى الشبابيك . كان الثلج يتساقط بقوة وكان يظهر شيئاً فشيء عربة ذات ثلاثة دواب . أسرع نيقولا إلى الباب وعلى درج المدخل راى وجه صديقه كوستيالا وهو يخرج من العربة . جن جنون نيقولا من شدة سعده بلقاء صاحبه ... أخذ يطرح عليه الأسئلة ، فقال كوستيالا : إني خارج إلى بورفيتشى من أجل القيام بتقسيم بعض الأراضي و جئت من هنا كي أسلم عليك . أدخل كوستيالا البهجة و السرور على  الجميع بكلامه  الشيق والأخبار التى يحكيها ، ثم في نهاية الليل قال كوستيالا لنيقولا أن الجماعه قد دخلت إلى رابطةٍ جديدة اهم اسمها (الإتحاد فى سبيل الخير العام ) ، فقال نقولا : هل  آمل أن أكون ما أزال في رابطتكم ؟ فبادر كوستيالا : كن مرتاحا فالجميع يعرفونك هناك حتى الذين لم يروك ,على كل حال فإن لحظة بيان الحقيقه أخذت تدنو وبدأت عوارض الثوره تدنو أكثر فأكثر و بدانا نحس بها ....وفي اليوم التالي اجتمع جميع أفراد العائلة لتوديعه , وانطلقت الدواب مسرعة فوق الثلج . 
كان نيكيتا ما يزال يجتهد و يجتهد ويكتب ويتعلم القراءة وكلما كتب امور جديدة في دفتره يذهب بها إلى سيدته  ليقراها اياها,وهي بدورها كانت تحييه و تشجعه على المثابرة . كان اهتمامها بهذا الصبي يغضب السيد لوسيور , المرشد للسيد ميشيل و المعلم  للأولاد وابن بلدها الفرنسي , والذي كان يأمل بأن تعطيه صوفيا هذا الإهتمام خصوصاً بعد أن صارت كلمتها مسموعة و صار السيد ميشيل لا يرفض لها امرا ، فهو أولى من هذا الصبي الذي لا شأن له . فأخذ يتحين الفرص ليمسك صوفيا  ونيكيتا لخلق الشجارات التي تجعل من سيده ميشيل يحقد عليها ويقلل من شانها عنده ، فوضع في راسها فكرة لاقت القبول عندها وهي أن تطلب من ميشيل أن يترك نيكيتا , وأن يجعله يكمل تعليمه , وعليها أن تبذل قصارى جهدها لإقناع ميشيل بذلك... وبالفعل  استحسنت صوفيا الفكرة صوفيا وشكرته عليها . وعلى الفور خرجت صوفيا لمقابلة حماها في المكتب فوجدته جالساً  مرتاحا , واستقبلها بمودة  مما شجعها على أن تقول له موضوع نيكيتا و تحريره , ولكن ما أن بدأت بالكلام عن ذلك حتى اختلف وجهه وقال لها : لا تحلمي بذلك يا صوفيا . صوفيا : لماذا يا أبي ؟ إن لديك كثيراً من المزارعين وهذا المزارع لن يؤثر على أملاكك . فأجاب ميشيل  باصرار : إنها مسالة مبدأ .   صوفيا : إنه لأمرٌ غريبٌ أن نسمع عن المباديء فى مجال العبودية و الرق. ازدادت نظرات ميشيل غضبا لأنه حالما تهتم كنته جدا بشخص ما ،  يحس على الفور بالغيرة تاكل قلبه ، إلا أنه  رد عليها بلهجة محترمة :إن كنت مع الرق أو ضده فهو قائم وموجود وأنا لا اقدر أن اقف ضد أنظمة مدينتي , وإن أراد الإمبراطور تحرير الموجيك (الفلاحين العبيد ) فسأكون أول من يؤيده ، وتابع كلامه بغضب : إن نيكيتا ولد عبداً و سيبقى عبداً طالما عشت، ويجب أن تعلمي أن المعاملة الخاصة لذلك الفتى من قبلك تجاوزت الخطوط المعروفة، ويجب عليك أن تعلمي أنك بتخصيصه ذلك عن غيره  , بينما يبقى امثاله في بؤسهم , فأنت تضعين اختلافا بينهم تفرضينه أنت بنفسك  ....كان يبتسم ويتكلم معها بتعال و غطرسة , فقررت أن لا تمنحه السعادة بهذا الشعور و خرجت من أمامه , وعند خروجها من المكتب كان لوسور يسير متأبطاً كتاباً  وتعلو وجهه الفرحة الكبيرة , فتابعت طريقها بينما نظرت اليه باحتقار .




في اليوم التالي استدعى ميشيل لوسيو و امره تعليم الفتى نيكيتا ، فصدمه هذا الخبر .
- إنك لست جاداً ياسيدي ! نيكيتا هذا ليس سوى مزارع .
- ميشيل : وهل هذه الصفة تمنعك من تدريسه . 
- لوسيور: لقد امرتني ان أعلم أبناءك وليس مزارعيك ، فلن أعطيه أي درس ! , وليس لك الحق أن تامرني على ذلك , لقد تجاوزت حدودك .
- ميشيل : أنت من تجاوز حدوده فإذا كنت تابى الشغل الذي أعرضه عليك ، فما عليك سوى المغادرة .
- لوسيور : إذن ساغادر , سأرحل يالكم من وحوش جميعكم .....
 فقال ميشيل وهو يكلم صوفيا : اعرف أنه لن ينفذ تهديده ,لقد أقسم اكثر من مرة على أنه سيتركنا على إثر تلقيه مهانة ما ولم يرحل ! , هل تريدين أن تراهني على أن نيقولا وماري سياتيان بعد عشر دقائق فورا لإبلاغي بأن السيد لوسور قد تأثر برجائهما ووافق على ان يظل .
وما أن انقضى قليلٌ من الوقت إلا وماري قد جاءت تنتحب  ...أبي إن لوسور يريد المغادرة أرجوك أبي إفعل شيئاً ! .
 ابتسم  ميشيل وهو يحدق إلى صوفيا وقال لماري إذهبي و قولي له بأنا سوف نتناول الطعام بعد مدة قصيرة , ولا أريده أن يأتي إلى الطاولة وعلى سيمائه أي أثر لما جرى .
فى أحد أيام آب الحار, كان نيقولا يخرج إلى ناديه فىبيسكوف للعب الورق ,وقد بدأ السام يذبحه لكن ما العمل فهو لاخيار له ، فإن الضيق و السام الذي يعانيه في كتشوفيكا امر و اكبر . ترك حصانه فى اسطبل النادي و خرج يتمشى على أرصفة الحوانيت و يرى معروضاتهم التي صار يحفظها عن ظهر قلب ,ولكن فجأه راى حصانين لعربة جميلة مؤلوفين لديه ! ...إنها عربة السيدة داريا , لاشك أنها تشتري بعض الحاجيات ،فصار يقول لنفسه ويحثها هل أبقى و اراها وهي تخرج ؟..لقد مضى سنتان على آخر لقاء بينهما , كان يتحاشى رؤيتها والحقيقه أنه قدر نسيانها بسهولة ، ولكن الآن  لديه رغبة بلقائها !! . خرجت أم صديقه فاسيا ويتبعها مساعدها محملاً بحاجياتها , وتلاقت أعينهما و احس نيقولا بارتباكٍ شديد وهو يسلم عليها .  لم تكن خسرت ميزة الإحمرار وتورد خديها بينما عينيها كانتا تلمعان بلونهما الأزرق , فقال بصوتٍ واط : هل لي شرف اصطحابك يا سيدتي العزيزة اثناء مرحلة الطريق ؟ .
داريا : هل لديك حصان تقدر أن تلحق بي و نرى بعضنا بالطريق؟.
كان نيقولا  يمشي بجانب عربتها على حصانه  ماخوذا بالحديث معها ومستمتعاً بظرفها و رقتها . تطرق بحديثه عن فاسيا فقالت له أنه لم يأت ولا مرة واحدة لزيارتها رغم رجاءها الكبير ، لا شك أن ذكرى شقيقتك هي ما زالت تبعده عن البلدة .
نقولا : إنني اعتذر لذلك .
داريا : لقد اشتريت أرض إيلاغين و ارغب أن أبني عليها منزلا على الطراز الصيني , وسيكون هذا البيت لفاسيا عندما يأتي لقضاء عطلاته , وينبغي علي أن اروح إلى هنالك كي أتابعه ، فهل تريد  أن تاتي معي ؟ .
فصاح نيقولا بأعلى صوته : بكل سرور ...
وصلوا إلى المنزل الصيني الذي كان برأي نيقولا تحفة من تحف الصين وساحراً , و راى داريا وهي تعطي أوامرها الكبيرة لأصحاب الورش والعبيد والعمال  والكل ينحني أمام رقتها ولطفها فازداد إعجاباً وفتوناً بها ، ثم قامت بدعوته لاحتساء الشاي في بيتها فكانت سعادته لا توصف. جلس  يتكلم بالحديقة إليها وإلى بناتها اللاتي كنّ معجبات بشخصه و حديثه ، ثم جاء وقت المغادرة فسلم عليهن مودعاً وقالت له داريا وهي تسلم عليه : بإمكانك المجيء متى شئت ، شكرها وامتطى حصانه وهو يقول لنفسه أنه لن يخبر صوفيا برؤيته هذا فهي في الأصل لا تحب داريا .




كانت قد مضت ساعة ونقيب إشراف بلدة اوبوتشيكا اليكسىبيسكوف لا يزال جالسا في المكتب مع ميشيل.أثارت هذه المقابلة المطولة شك نيقولا وأخذ يسير بالحديقة منتظراً خروج الرجل وفكره مشغولٌ طوال الزمن بما هو الأمر المهم الذي يجعل نقيب الإشراف يظل يتكلم مع ابوه طوال  هذا الوقت , من المحتمل أنه أمر سياسي هام . فإن الوضع بدا فيه  بعض الاضطراب بعد ثورة اليونانين و صاروا يضيقوا الخناق على الأحرار المفكرين, ولا بد أن الحاكم قد اعطى قراراً بحل جميع الجمعيات السرية ......ذهب الضيف من عند ميشيل وولج نيقولا مندفعاً عند ابيه يريد أن يعرف ما دار بينهم من حديث إلا أن ميشيل لم يقل شيئ . وعند تناول الطعام قال ميشيل :لقد زارني اليكسىبيشوف اليوم ، كان عليك أن تاتي لتسلم عليه يا نيقولا .
نيقولا : لم اريد أن أزعجكما يا أبي ! .
ميشيل : لقد كلفه أحدهم بالحديث الي حول فكرة زواجه بماري .
صوفيا : ومن هو هذا الرجل ؟ .
ميشيل : إنه فلاديمير سيدوف . 
ارتعشت ماري و زاغت عيناها . لاحظت عليها صوفيا ذلك التوتر فهي كانت تشعر بأن أخت زوجها تكنّ لهذا المعتوه مشاعر و احاسيس.
فقال ميشيل : لست احمقا كي أزوج ابنتي لرجلٍ كهذا  !!! فحسب ما اعلم فإن ماري هي الفتاة الثالثة في القرية التي طلب يدها أملاً في ان تتعدل أحواله المادية فهو مديون إلى عنقه , ولا يمكن أن ترغبي بالزواج من رجل كهذا يا ماري!!! .
أجابت ماري بصوتٍ ضعيف : كلا  يا أبي لن اتزوج شخصا له مطامع مهينة هكذا .
منذ أن أعاد نيقولا علاقته اللطيفة مع داريا كما كانت أصبح يذهب كثيراً إلى سلافينكا , وكانت كل زيارة تبقي لديه ذكرى أكثر اثارة و عذوبة . وكانت في كل مرة يزداد تنافس الوالدة وبناتها الثلاث في إظهار الإغراء والملاطفات تجاهه ، وبعد عدة زيارات إلى المنزل الصيني مع داريا  بات البيت الصيني المكان الذي يلتقي به نيقولا وداريا في السر . 
لم تحضرماري على الفطور حتى الساعة الثامنه والنصف صباحاً ، ذهبت صوفيا إلى حجرتها كي تطلب منها الإسراع لأن الجميع في الانتظار .   طرقت عليها الباب اكثر من مرة إلا أن ماري لم تجب ,عند ذلك فتحت صوفيا الباب و هنا كانت الصدمة !!!! . لم يكن أحد في الحجرة و الفراش على حاله من البارحة ومعظم الملابس غير موجودة والخزانة مفتوحة والجوارير, ووجدت رسالة علقت بدبوس على الوساده مكتوبة إلى صوفيا .أخذت المغلف وفتحت المكتوب وقرأتها بصدمة : لقد ذهبت للإنضمام إلى الرجل الذي اعشق والذي لا أحد يعترف بصفاته الحسنة , ولا شك أن حياتي ستكون بائسة معه ولكن سوف يكون لها طعم و معنى. حاولي أن تقولي هذا لأبي لأن لديك القدرة على إقناعه . أكن لك الحب والعطف . ماري .
كان على صوفيا ان تفعل شيئا بسرعة وأن تعمل على ارجاع البنت قبل أن يكتشف أحد فرارها ، أقفلت الباب بالمفتاح و دست الرسالة لتخبئها وعندما نزلت إلى قاعة الطعام  قالت ل الجميع أن ماري تشكو من بعض الاوجاع وستبقى بحجرتها كي ترتاح . بعد الإنتهاء من طعام الفطار ذهبت  صوفيا إلى الإسطبل وسألت  الموظفين هناك  عن ماري , فقال لها أحدهم وهو يبكي بأن سيدته عند الساعة الرابعة صباحاً أيقظته ليسرج لها حصانها وقال آخر بأنها قالت له ذات اليوم بمرافقتها إلى اوترادونوي  فقالت له صوفيا : حسناً سوف تصطحبني إلى هناك . 
وصلت صوفيا  إلى منزل فلاديمر والذى بدا بسيطا فى كل شيء من الخارج ومن الداخل . كانت فيه بعض قطع الأثاث البسيطة جداً و رسومات تمثل صور بحر هائج و سفن وكأنها تذكر الزائر بأن صاحب المنزل هو بحار متقاعد .جاء فلادمير وبدا على وجهه مسحة تنم عن قلة الادب وبادر قائلاً : اظن أنك تريدين رؤية ماري  , ستاتي في الحال 
صوفيا : إن ما فعلته معيب وشائن ايها السيد , فأنت استغللت سيطرتك عليها وجعلتها تغادر منزلها وتحدث شجار بينها وبين أهلها وتسيء لسمعتها . 
فلادمير : كان من الممكن أن يكون صراخك هذا حقيقيٌ لو أني أنا الذي خططت لها فرارها لكنها جاءت إليّ بكل إرادتها .
- لا تقل أنها لم تجيء إلى هنا فيما مضى .
- لقد جاءت ثلاث أو أربع مرات ، سوف أتزوجها لإنني أحبها. 
صوفيا : بعد أن تكون قد لففتها بثوب العار ، اترك ماري ترجع معي وسأحاول أن أقنع عمي بزواجكما .



فقال فلادمير بطريقة ساخرة : لن أقع في الفخ يا سيدتي ! فطالما ظلت ماري بقربي سيكون معي ورقة رابحة ضد ميشيل.....  فُتح الباب و جاءت ماري وبدا على وجهها شيء من التجبر والقسوة وقالت بصوتٍ مرتفع : هل بعثك والدي ؟ فردت صوفيا : لا أحد يعلم بموضوع فرارك هذا , وقد جئت كي اعيدك معي قبل أن  يشعر أحد من البيت بشيء .
ماري : لن اتي معك , إن منزلي هو هنا ، ولست بحاجة لرضى أحد على زواجي هذا ! .
عبثا حاولت صوفيا اقناعها بالتراجع عن تصرفها , لكنها كانت مقتنعة ب موقفها الشائن هذا، فاحست صوفيا أنها عاجزة أمام هذا الاصرار فماري  المتكبرة صارت لا يهمها أن تصير عبدة ، فقالت لها صوفيا وداعا يا ماري وسوف اتحدث مع والدك وإني آمل أن يعينه غضبه على التغلب على حزنه .
كان جواب ميشيل بعد أن علم بفرار ماري وبعد أن استشاط غضباً : هكذا إذن ؟ حسناً  فلتتزوجه  , سوف يدفع ذلك الوغد الثمن غالياً . فلن تنال مني (كوبيكاً) واحداً , 
فى يوم عاصف قارس البرودة كان حفل زفاف فلادمير و ماري . رفض ميشيل الدعوة التي  بعثتها له ماري من خلال مكتوبها ومزق الرسالة , أما نيقولا وصوفيا فقد قررا الذهاب وقالا في النهاية لها الحق في اختيار من تريد الزواج به فهذه حياتها. وصلا هم والمدعون بصعوبة كبيرة إلى الكنيسة ,  فقد كانت الزحافات لا ترى الشارع أمامها من شدة البرودة , وكانت صوفيا متوترة جداً على سلامة العروس وهى تشاهد الزحافة التي تقلها تتهاوى يسارا ويمينا وعندما وصلوا إلى الكنيسة شكرت ربها على وصولهم بالسلامة . كانت ماري شاحبة الوجه بفستانها الأبيض البسيط  يبدو عليها البؤس وتثير الحزن , أما فلادمير فقد  كان ينشر ابتساماته الساخرة هنا وهناك . تمت مراسم الزواج وأعلن القس أنهما أصبحا زوج وزوجة مدى العمر ، ثم عادا إلى منزل فلادمير لتوصيل العروسين وتوديعهما والذى لم يكن به أي استعداد لاستقبال الضيوف أو مظاهر الفرح و البهجة  للعرسان . قال نيقولا : حسناً سوف نودعك الآن  يا ماري وعليك أن تلتمسي لنا عذرا ... فالطريق طويل . 
فهمست ماري : اذهبا بسرعة ! وانسيا ما رأيتما هنا . 
فسألتها صوفيا بصدمة : ماذا تعنين بذلك . 
فأجابتها ماري : أنت تفهمينني جيداً ! أنا لم أعد موجودة انسوني ، وكانت تبكي 
فقالت لها صوفيا بعناد: بل سأعود بعد بضعة أيام ،وآمل أن تقولي لي ..أنك سعيدة .
انتهت لعبة الشطرنج بربح صوفيا على حماها ميشيل وانحنى لها مباركاً الربح, فاحست صوفيا أن مزاج حماها قد تحسن كي تحاول أن تستغل الفرصة و تذكره بوجوب الاعتناء بمصير ماري , ولكنه  لا ينفك عند ذكر اسمها أن يجن جنونه و. تتغير ملامحه  
مرت ثلاثة أشهر على نكاح ماري ولم يُسمع عنها خبر, فخططت صوفيا زيارتها للإطمئنان عليها .
انقضت أكثر من نصف ساعة وصوفيا في انتظار ماري بالصالون إلى أن فُتح الباب وولجت ماري فصاحت : آه يا إلهي أنت هنا لم أعلم بانك هنا .
صوفيا : لكني قلت ل الخدم ..
- هؤلاء الخدم فقدن عقلهن ! أنا سعيدة برؤيتك . 
كان شعرها الأشقر مغبرا ووجها بدا أكثر اصفرارا وكانت ترتدي فستاناً قديم أزرق اللون.
سألتها صوفيا : كيف هو فلادمير .
أجابتها ماري : إنه مسافر ......من أجل اشغاله , وهزت بالجرس مرة ثانية ولكن لم يسمع أحد من الخدم لتنفيذ اوامرها . ولاحظت صوفيا أن الخدم لا يلبونها....أسفت لحال أخت زوجها الحزينة التي أهملها زوجها و أنكرها أبوها وتعيش في منزلٍ غريب تسخر منها الخادمات اللواتي حصلن قبلها على المتعة و الحظوة لدى سيدهن . 
كلف ميشيل نيكيتا , بعد أن أثبت اجتهاده بتعلم الحساب بصورة قانونية , بالقيام بأعمال المحاسبة لحسابه الخاص وجعل له حجرة صغيرة ليتابع بها هذا العمل  ويعد الملفات الخاصة . و احست صوفيا بالزهو لهذه الميزة التي حصل عليها الصبي الذي تولت رعايته . 




أرسلت ماري مكتوب  لصوفيا تشرح بها سوء معاملة زوجها لها و سوء حالها حتى أنه يتجرأ ويقوم بتعنيفها ، ولو أنه معه قليل من النقود لما وصلوا لهذه الدرجة من سوء الحال . ذهبت في الحال صوفيا لرؤيتها وأقنعتها بضرورة الذهاب معها لرؤية والدها واسترحامه, وستكون هي ونيقولا بقربها من أجل اقناعه بمساعدتها و تهدئته. جاءت ماري تسترحم والدها وتطلب منه السماح ، فقال لها رافضاً منها الحديث أو أن يعطيها أي مساعدة , : لن تأخذي مني كوبيكا واحداً فهذه قضية مبدأ . وتحت رجاء صوفيا ونيقولا لأجل ماري رضي  ميشيل على أن تاخذ حصتها في بيت سان بطرسبورغ الذي كتبته امها  بإسم ولديها ماري ونيقولا وأعطت منه حصة لزوجها ميشيل قبل وفاتها , ووكل الأمر لنيقولا ليقوم بالمعاملات المناسبة لذلك . 
 كاد نيقولا يطير من الفرح  وهو يستعد للارتحال إلى سان بطرسبورغ  فهو قد سام من كالتشوف ومن داريا أيضاً ،أما ميشيل فقد احس بارتياح أيضاً لأنه سيظل مع كنته لوحدهما . لكن هذا الاحساس لم يدم طويلاً لأن صوفيا قررت مصاحبة زوجها في سفره فكم كانت خيبة أمله حينها . ذهب إلى حجرته مغتاظاً حزيناً , احس بأن دقات قلبه متسارعة وأنه مجهد, طلب الخدم على الفور استدعاء صوفيا و نيقولا , وأمر نيقولا بجلب طبيب الأسرة فوراً . فكر ميشيل لماذا لا يقول انه يتالم....فلا شك أن صوفيا ستبقى  بقربه ولن يتركوه مريضاً هكذا وحيدا . وبالفعل جاء الدكتور وقال إن قلبه ضعيف ويحتاج للاهتمام , ووصف له أعشاباً تفيد صحته ..وقررت صوفيا أن تبقى بقربه في ضعفه هذه واستغنت عن فكرة الارتحال مع زوجها الذي لم يقدر أن يؤجل سفره, حيث كان ميشيل يصر على الإسراع  بمعاملات البيع وإنهاء الموضوع بأسرع ما يمكن . 
وصل نقولا سان بطرسبورغ وبدأ فورأ بالإجراءات والمعاملات اللازمة للبيع , ثم  ذهب عند صاحبه كوستا  الذي أطلعه على العمل والنشاط الثوري الجديد وأنهم يريدون من يتابع الشغل بكل  المناطق المهمة
 جدد رحيل نيقولا صحة ميشيل ، وأخذ يهتم بشكله ويحلق ذقنه يوميا , ويختار بعناية ثيابه وربطة عنقه , وكانت الخادمة تاتي له كل يوم كأس الندى الذي كتبه له الطبيب ، فإنه لا زال يلعب دور المريض رغم عنايته باناقته تلك .
بعد مرور ثمانية أيام على ارتحال نيقولا , لم تبد المرأة الشابة أي ملل أو حزن ، كل ما هناك أنها كانت مضطربة لأنها لم تتلق أي نبا من زوجها . كان ميشيل يتمنى أن يشاهدها تشعر بمزيد من الراحة و السرور في غياب زوجها وكان يحاول ملاقاة شيء جديد و مفاجيء في كل لحظة لإسعادها و افراحها , فكان يحفظ بعض الأخبار والعبارات الغريبة والمثيرة للفضول و يضعها في حديثه على مائدة الاكل ،وكانت صوفيا تبدي الى جانبه كثيراً من العناية و الرقة . و كانت عندما يضع نظارته  تقول له بصوت عال يا إلهي كم عليها من الغبار و تقوم بتنظيفها بطرف منديلها . وكم كان يتلذذ لمشاهدتها تمسك شيئاً يخصه , وكانت تصر عليه كي يذهب ويخلد للقيلولة و الراحة , وبعد الظهر تقرأ له بصوتٍ مرتفع إحدى الروايات الفرنسية . كان ميشيل قد بدأ مأخوذاً و أسيراً بجمال تلك الشابة السمراء ذات الملامح الجذابة والرقيقة و الدقيقة  وبلباقتها وتصرفاتها ، وكلما زاد هيامه بها يرتعش وينسحب مجهدا الى حجرته. لكن كم كانت يغمره السرور وهو يرتعش من التعب العشقي...لقد انغمس في الخطيئة حتى اذنيه بأفكاره تلك ، أما صوفيا فقد  كانت تحس بعمها أنه يحيطها بكمٍّ كبير من المحبة و العطف, وعندما خالجها احساس بأن هذا الإهتمام أصبح زائداً عن حده  وأن هذا الشيء يزداد شيئاً فشيء تتوتر وتطرد هذه الأفكار من عقلها ، فهي كلما نظرت إلى وجهه الكبير وشعره الأشيب و اصابعه ذات العروق البارزة تحس بالطمأنينة وتلوم ذاتها بأنها كيف استطاعت أن تتصور أنه يحبها بصورة غير طبيعية . 
صحي ميشيل على رنين أجراس إحدى العربات وعندما تطلع من الشباك عرف أنها عربة نقيب الإشراف بيسشوروف الكبير .أدخله إلى المكتب ولم يكد يجلس النقيب حتى قال : أحقاً أن نيقولا قد سافر إلى بطرسبورغ ؟ .
فأجابه ميشيل مصدوما : نعم ولماذا ؟ .
النقيب :هل تدري ما جرى هناك ؟, لقد تعرضت البلدة كلها لطوفان وإن الحكومة منعت نشر أي نبا عما حدث ، وهذه ليست أول مرة تجري بها الفيضانات ولكن هذا الطوفان الأكثر دماراً وكارثيٌّ , وإن نصف السكان قد نجوا. 
احس ميشيل بفراغٍ مؤلم في قلبه وألم فاجأه بشكلٍ كبير لدرجة أنه خاف على ذاته قبل أن يفكر في نيقولا ،كان ميشيل يعلم أن بيسشوروف يميل إلى المبالغة في التحدث عن المشاكل ،ولكن من المحتمل أن يكون الطوفان قد أحدث ضحايا عدة ، وفي هذه الظروف فإن سكوت نيقولا طال وقته مما يزيد من المخاوف الجدية و القلق ...ثم قال : أشكرك ياعزيزي بيسشوروف لأنك قلت لي ما حدث ،ولكن إذا رايت كنتي صوفيا فلا تردد على مسامعها ما قلته لي ..أنت تفهمني أليس كذلك ؟ , فصرخ بيسشوروف وهو يشد على يده : إنني أفهمك بالضبط وأؤيدك فيما قررته.
علمت صوفيا بالنبا  من خلال زيارتها لماري فرجعت الى المنزل مذعورة والخوف والدموع تملأ عينيها ، و صرخت : أبي هل علمت الانباء إن سان بطرسبورغ قد غرقت باكملها بمياه الفيضانات .



حاول ميشيل أن ينصدم وكأنه سمع الخبر لتوه ، ثم قال لها  كوني مرتاحة  !!! إن بيتنا هناك ليس قريبا من القناة ولا تصله مياه الفيضانات.  
صوفيا : لكنني سوف اخرج يا أبي للإطمئنان عليه . 
ميشيل : لا تستطيعي فعل ذلك فالطريق تبعد عنا مسافة كبيرة , لا يمكنك الذهاب وحيدة وإنْ كان لا بد ان اخرج معك ......أخذ ميشيل يتخيل كيف أنه سيكون معها وحيدا ويحظى بالقرب منها كل تلك المسافة و المدة , وكم اعجبته الفكرة ..
في اليوم الثاني جاء فيدكا وصرخ من أول الباب : رسالة من سان بطرسبورغ . فركضت صوفيا واستلمتها وما أن بدأت تتلوها حتى ارتاحت ملامحها وانفرجت اساريرها ,إنها من نيقولا يقول لها عن نفسه ويروي لها الكارثة الكبيرة التي حلت بالمدينة والتي أدت بالمواطنين في كل مكان للقيام  ب مساعدة المنكوبين و أعمال الإغاثة ،: وإنه من جهتي فإني قد منحتهم مئتي روبل ، أما قضية بيع البيت فإني سوف اصبر قليلاً حتى تصبح الظروف أكثر مناسبة للبيع , حيث قال لي المحامي أن البيوت المتينة قد زاد سعرها في ظل هذه الاحوال ولذلك سوف أمدد سفري لثلاثة أو اربعة أسابيع . أرى أحياناً اصحابي القدامى هنا كما أني التقيت بصاحبي العزيز فاسيا ..
انتهت صوفيا من قراءة المكتوب ولاحظ ميشيل كم هي منتعشة و سعيدة لأنها اطمئنت على نيقولا .
وجد نيقولا نفسه سعيدا وً وحيداً وكان قد تعرف على الفتاة الحسناء البولونية تمارا ، وأخذ يفكر بجذبها اليه من أجل  التسلية و قضاء الوقت .عدا عن جلساته السياسية مع اصحابه التى كانت تعقد في منزل كوستالا أو بيت فاسيا والتي انتهى الرأي إليها أن المدينة في الوقت الحالي ليست مهيأة لتقبل تحول جذري لا تقدر تحمله , وأن الحقوق السياسية من المستحيل أن تمنح إلا بالتدريج وبجرعاتٍ متتالية لشعبٍ يرزح منذ سنين تحت نير العبودية وفي ظلمات الفقر, ولذلك إذا أسقط القيصر بين ليلة و ضحاها فسيمنى عملنا بالفشل لأن الدهشة ستحدث خللاً في العقول . ولكي نتيح للأمة التعود على الأنظمة المدنية يجب علينا أن نعمل على مراحل عدة حتى لا نقع بالفوضى .... 
تم توقيع عقد المنزل ، وانتهت مهمة نقولا في سان بطرسبورغ و جاء وقت رحيله عنها . ودّع نقولا تمارا التي بكت كثيرا على فراقه, وأقام حفل عشاءٍ في أحد المقاهي بمناسبة وداعه لاصحابه .
ذهب نقولا وصوفيا إلى ماري و اعطاها حقها من بيع بيت امهما ، فأخذت تبكي من شدة سعادتها و تأثرها وقالت هذا المال سوف ينقذنا من الإفلاس والدمار . كانت توجد غصة في حديثها في كل مرة يسألونها عن فلاديمير . لاحظت صوفيا أنها توشح بطنها بوشاحاً رمادياً وأن ملامحها قد تضخمت فسألتها :هل تكتمين عنا خبراً جميلا ؟ فأجابتها بخجل : أجل إنني أنتظر جنينا بعد اربعة اشهر .



انتظرت صوفيا انتهاء ميشيل من تناول غداءه كي تخبره بأنه سوف يصير جَداً عما قريب , إلا أنه بدا مغلق الوجه و التزم الصمت  ، و كان هادئ الأعصاب .
اكملت صوفيا زيارتها إلى البلدان . ولأن التزاوج بين العبيد الأرقاء كان لا يتم إلا برضى مالكهم , فكانت صوفيا هي من تتكلم الى سيدهم ميشيل . والواقع أنه لم يكن يرفض أبداً اظهار رضاه لكي يثبت أنه واسع التفكير ومتحرر.  كان الخطيبان من العبيد يجثوان في المكتب أمام سيدهما لياخذا الموافقة والمباركة منه  للزواج , وكان المنظر لا يروق ل صوفيا وكانت تلومه على بروده في إخضاعهما لذلك . وذات مره ولجت المكتب الصغير الذى يستخدمه نيكيتا وقد رأته متوترا ومرتبكاً ثم نطق لسانه بعد اضطراب وقال : أحقاً أن السيد نيقولا و اصحابه في سان بطربسوغ يجربون طريقة لإتاحة الفرح للشعب ؟ . 
أجابت صوفيا وقد صدمت من كلامه : هناك بالواقع كثيرٌ من البشر يتمنون تحسين أحوال الأرقاء العبيد ، وأنا متاكدة أنه سيجيء يوم تتحررون فيه كلهم . 
نيكيتا : اتعتقدين حقاً بهذا يا سيدتى ؟ فأنا لا اقدر أن أتصور بأنه لن يعود هناك عبيد و اسياد ، فنحن لسنا مثلكم , نحن الموجيك عبدٌ فلاحٌ من عظام عبد فلاح , فمهما تعلمت و ارتديت الملابس الفخمة فسأظل مسكيناً فقيراً ! .
كان ميشيل عند عتبة الباب وكانت ابتسامته كبيرة ولكن كانت نظرته خبيثة, أكيد أنه لم يعجبه ما سمع من حديث . كانت الرعاية التي تعطيها صوفيا لنكيتا لا تعجبه ، ومن يومٍ لآخر أخذ وجود هذا الصبي في المنزل  لا يطاق , وندم ميشيل على أنه لم يحرره و يبعثه للمدينة . في اليوم التالي استدعى صوفيا عنده وأخبرها بطريقة متملقة أنه فكر بمسالة نيكيتا ووضعه وأنه قرر أن يحرره ، أرسلت صوفيا صيحة فرح : هل من الممكن أن يحدث ذلك يا أبي ! . خرجت من المكتب وهي في غاية الفرح لتزف الخبر لنيكيتا الذي اسكتت الدهشة لسانه وشحب وجهه من أثر وقع الصدمة المفرحة والتي بذات الوقت بها شيءٌ من الحزن , فهو سيترك كشتوفكا إلى سان بسطربورغ كما قالت له سيدته ولن يرجع يحظى بعد ذلك بالقرب منها أو باهتمامها والتي تهمه أكثر من أي شيء .
تلقى نيقولا مكتوب من شخصٍ يدعى موبكين ,وهو مرشد قانوني , يريد منه  أن يحضر إلى رؤيته في مكتبه . استقبله موبكين  بمكتبه استقبالا حار وأخذ يتحدث عن مواضيع تافهة , فاختصر نيقولا الحديث قائلاً : ماهو سبب دعوتك لمقابلتي ؟ .
- إني أفضّل وصول زوج اختك فلادمير .
- وماذا يريد مني صهري ؟ .
 فُتح الباب وولج فلادمير وهو بادي التهكم والسخرية ، ثم قال إن عملية بيع البيت ليست صحيحة . 
أجاب نيقولا وهو في قمة الصدمة : ماذا تعني , لقد تمت جميع عمليات البيت بالشكل القانوني .
موبكين  : بالرغم من هذه القانونية العلنية  فإن فلادمير يعتبر ذاته مغبوناً بالقسمة .
فلادمير : كان بإمكانك البيع بسعرٍ اكبر من هذا ،  ولكنت حصلت على سعرٍ اعلى لأن أي مبلغ زياده يختلف عندي, كما وإنك قد تسببت لماري بضرر ببيعتك هذه بهذا الثمن القليل  ، إن وضعي بائسٌ فجميع المال ذهب لسداد ديوننا  ولم يتبق معنا اي مال لولادة ابن أوبنت أختك , وأنا أريد فرق المبلغ لو أنك تمسّكت وبعته بمبلغٍ اعلى ...
فقاطعه نقولا وهو يرتعش من شدة الغضب : لن أفعل ذلك من أجل أي شئيء في العالم .
بدا بريق الشر في عيون فلادمير وقال : إذن فلتتحمل ما قد يحدث لك من مشاكل . 
فاعتقد نقولا أنهما يهددانه  ويعلمان انتمائه إلى منظمة سريةٍ ، حتى وإن يكن فلن يرتدي ثوب العار أمامهم و يستسلم لتهديدهم فهو يفضل ان يموت على ذلك  ومشى نحو الباب ذاهبا دون أن ينظر إليهم . 
عند ساعات الصباح الاولى استلمت صوفيا مكتوبا من ماري ترجوها القدوم فورا , فهي تعاني آلام الولادة وتريدها بجانبها . خرجت صوفيا مع الخادمة فيسلسيا ، وعندما اجتازت مدخل الباب اندفعت نحو ماري التي كانت متعبة و شديدة الحرارة ، فهمست ماري في أذن صوفيا : شكراً  لمجيئك لقد تركني ..إنه لا يحبني ..ولا يعني له الطفل ..مسكينٌ ذلك الطفل سيكون تعيساً مثلي .....
عادت صوفيا إلى المنزل تزف لهم أخباراً سعيدة .. لقد ولدت ماري صبياً .  
تلقى نيقولا دعوةً من صاحبه فاسيا تتضمن عباراتٍ قصيرة وهي : ( لقد تركت سان بطرسبورغ وأتيت لتمضية إجازة لمدة اسبوعين , ومن الضروري جداً أن الاقيك وستجدني كل يوم في النادي في بيسكوف ) . صدمت هذه الدعوة الجافة نقولا و احس أن في الأمر شيئاً غريبا . ذهب نيقولا للقاء صاحبه وهو بغاية الشوق إليه ، ولكن  أصابه الياس عندما  قابله  فاسيا ببرود ووجهه قاسي ، فبادره نقولا بالحديث قائلا : ماذا بك ألست فرحا بلقائي .
- قبل أن أجيبك ، إقرأ ما هو موجود في هذه الورقة .
قرأ بعض الأسطر وانتابه الخوف الشديد (هل تجهل أن أفضل اصحابك هو عشيقٌ لوالدتك . إن نيقولا ميكايلوفيش يرى داريا فيليبوفيا في المنزل الصيني , إنها مستسلمة لهذا الرجل الذي يكاد يكون بعمر ابنها عديم الأخلاق........) . طوى نيقولا الورقة وظل وجهه ساكنا ولكن في داخل نفسه كانت تعصف به الفوضى والكوارث لأنه قد وُشيَ به بصلة كانت عابرة وكان قد انهاها  , فهل ينكر الحقيقة لصاحبه أم يتقبل التوبيخ واللوم بكبرياء . وعلى الفور تذكر زوج اخته وتهديده , لا بد أن هذا الحقير هو من اخبر صديقه بذلك. 
قال نيقولا : إنها رسالة عشوائية ولا توقيع عليها و لا يمكن تصديقها ! وصداقتنا ....
-إسمع , لا تتحدث عن صداقتنا ! قل نعم أم لا ، أعطيني كلمة شرف بأنه لم يحدث شيء بينك وبين والدتي .
 شعر نقولا  أن عزة نفسه و كبريائه ستكون مجروحة لو أنه كذب ذلك  فقال : ليكن ,إني أعترف بما حدث . فاضطربت ملامح فاسيا على الفور وصرخ : أطلب ان يصلح  ذلك الأمر بواسطة السلاح ، هل من الممكن أن تكون خائفا أيضاً ؟ , إن الحياة عندي ليس لها اي اهمية إذا لم أغسل هذه الإهانة بالدم . 
فصاح نيقولا : كلا ! كلا ! لن اقاتلك فأنت  كنت أخي ،لكنه قبل أن يكمل حديثه تلقى صفعة عنيفة على خده شعرعلى أثرها بالعار و الاهانة فقال بصوت متوتر :إذن أنت أردت ذلك يا فاسيا وسأقبل معاركتك . كان صوتهما قد تعالى إلى الحجرات الأخرى في النادي وحضر اصحابهما ،فقال فاسيا : أي يوم تريد؟ . 
- في أقرب يوم . 
- سيكون أعضاء النادي هم الشهود و سوف يقدر بشماكوف تدبير كل ذلك ،ثم غادر الحجرة دون أن يلتفت إليه ، فقال نيقولا :إنني ذاهب إلى منزلي ولن أتزحزح منه إلا للخروج إلى موقع التحدي وأرجو إعلامي عن التفاصيل التي  ستتخذاها . لم يبارز فاسيا من قبل وكذلك نيقولا. 
عند الساعة السابعة ليلا أتى بشماكوف وبدا غاضبا ونظراته تنم عن الياس وقال : لقد تم تنظيم كل شيء ، ستتم المبارزة في اليوم الاتي عند الحادية عشر صباحاً بالقرب من النهر, وستكون الأسلحة في الانتظار ، وسوف يكون هناك طلقتان, لكل واحد فيكم طلقة , كما أننا سنقوم باغلاق  أعينكما بناءاً على ارادة فاسيا الذي أراد أن تكون المهمة بغاية التعقيد و الدقة . 
بعد ذهاب بشماكوف اضطر نيقولا أن يبذل مجهودا كبيراً لإخفاء اضطرابه و قلقه أمام من في المنزل وحتى لا ترى صوفيا ذلك ، فهو لن يكون له سوى فرصة واحدة من اثنتين ليبقى حيا . وعند الليل لم يقدر أن يغلق عينيه وهو يفكر بصوفيا التي اتى بها من باريس وماذا ستعمل بعده, وبوالده ميشيل , لا بد أنه سيبكي عليه كثيراً فهو ابنه الوحيد ، وكذلك أخذ يفكر بقدوته الأعلى السياسي و باصحاب الثورة ... ولكنه إذا كان يمكنه أن يرضى بكل حماسة أن يضحي بذاته في سبيل غايةٍ نبيلة ، فإنه كان يتوجع للمجازفة, دون فائدة , بحياته بسبب امرأة لم يعد يهواها ، بل إنه بالواقع  لم يسبق له أن عشقها أبداً . 
وصل نيقولا إلى مكان التحدي على ضفة النهر وكان الجميع هناك . كان فاسيا واقفاً اصفر الوجه بمعطفه الأسود . كم تخيل نيقولا أن يكون هذا كابوساً وأن يهرع صديقه إليه و يحضنه ويعدل عن التحدي وينتهي الأمر ، ولكنه استفاق من تخيلاته على صوت بشمكوف يقول :هيا سوف نجري القرعة . رمى بشمكوف قطعةً نقدية في الهواء و استقرت على الوجه الأول وهو الذي اختاره نيقولا بالبداية , وعليه  فإنه سيكون  أول من يرمي النار . توتر نيقولا , لقد أصبح الأمر جديا ولا مجال للتراجع !!!! . قدم لكلٍّ منهم مسدساً مليء بالرصاص ,وأخرج بيشمكوف ورقة سوداء من جيبه و اغلق له عينيه . أخذ نقولا  يقول ل نفسه هل يقتل صديقه كي يصبح متاكداً من استمراره على قيد الحياه ،أم يتركه ويعرِّض نفسه للقتل ؟ .صاح بشمكوف: هل  أنت جاهز ؟ فاستطرد نقولا بالجواب : نعم أنا جاهز . 
كان السلاح بيده يبدو ثقيلاً ، وكان من اللازم عليه أن يخمن إلى أين يوجه المسدس ,إلى اليسار أو إلى اليمين قليلاً  ...سمع صوت فاسيا يصيح بشكلٍ هستيري : إيه ماذا تنتظر ؟ هيا أطلق الرصاص .وجَّه نيقولا فوهة سلاحه إلى الأعلى وضغط على الزناد . ثم انتزع العصابة عن عينيه ، كان سعيداً لأنه لم يصيب فاسيا ، فصاح فاسيا بغضب : لا تعتقد أنك تقدر أن تأسرني بحركتك تلك ، ليس بيننا مجال للعفو وأنا أريد أن اخذ حقي! .
قام بشمكوف باغلاق عيني فاسيا  وأعطاه السلاح وأخذ يوجهه نحو الهدف ، كان يحرك السلاح بدقة وحذر ويحاول أن يوجهه الى المكان والإتجاه الصحيح ، ثم وبسرعةٍ كبيرةٍ انطلق طلقٌ ناريٌ وصفرت عند اذنه الشمال , وبعد أن مرت لحظة الصدمة تبين لنيقولا أنه ما يزال هناك وأن قلبه يدق . 




أعاد فاسيا السلاح وهوغاضب ، فصاح بشمكوف  : أيها السيدان لقد عملتما شروط الشرف كما كان الإتفاق , ولن يكون هناك اطلاق ناري  اخر . هز فاسيا رأسه وعيناه تلمعان وتمتم : لكن لا تطلب مني أن اعفو عن هذا الرجل فكل شيء انتهى بيني وبينه ،الى اللقاء .
شعر نيقولا بارتياحٍ كبير  و بسعادةٍ كبيرة من رأسه حتى اسفل قدميه , , ليس فقط لأنه ظل على قيد الحياة ، بل وحسب ظنه أن صوفيا لن تشك بشيء .
قرر نيقولا الذهاب إلى سان بطسبورغ , فقد اصبح يحس بالسام والكآبة في كتشوفيكا ومحتاجٌ لتغيير ظروفه ورؤية أصدقائه , و يعلم ما الجديد الذي آل إليه الحال الفكري لثورتهم . حاول جاهداً أن يصطحب معه صوفيا إلا أن تعلقها بالمزارعين وزيارتها لماري و الطفل, وكذلك اعتنائها بصحة ميشيل لم يجعلاها تستطيع على الإبتعاد عنهم , لكنها حمست زوجها على الذهاب  وحيدا على أن لا يتأخر عليها . ولأن نيقولا كان عازما على الذهاب رضخ لها و سافر وحيدا  إلى سان بطرسبورغ .
كانت صوفيا تستغل الفرص التي يكون فيها فلادمير غائبا وتذهب لرؤية ماري , إلا أنه في هذه المرة عندما خرجت من العربة انصدمت بوجوده وندمت لأنها جاءت وهو موجود . في كل مرة كانت تجيء كانت ترى حال ماري من سيء إلى  أسوء , وفلادميرلا يحس بها ولا بطفله , ولا ينفك يذكر أنه أخطأ بحساباته بهذا الزواج وبأن زواجه من ماري كان متسرعاً. فكانت تنظر الى ماري الحزينة التي لا تملك الرد إلا بالبكاء وأن تغطي وجهها بيديها وتبدأ بالنحيب . وفي هذه الزيارة تمادي فلادمير بالإساءة  إلى زوجته وإهانتها فلم تجد صوفيا  إلا أن تشتم هذا الزوج المستهتر المتهرب من واجباته والمتناسي مسؤولياته وتذكره بها . وعندما سمع فلادمير هذه الشتائم استشاط غضباً وقال لها : إن ما يحدث لنا لا يخصك ولا تأتينا لتشوشي علينا بكلامك  ، فأجابته صوفيا : بلى إنه يخصني شئت أم ابيت فستراني دائماً بجانب ماري  لمعاونتها .
فصرخ فلادمير في وجهها  : ألا تظنين أنه من الأفضل لك أن تتبعي زوجك بدلاً من أن تنصحي الآخرين ، وإني سوف اسدي لك خدمة ,فإن تباهيك بسعادتك الزوجية و كبريائك الأحمق كفرنسية لم يخدع أحد , وكثير من البشر يعلمون أن زوجك كاذب وقد خانك مع كثير من النساء ومنهم داريا والدة فاسيا , ولك أن تتأكدي , و المنزل الصيني يشهد على مكان رؤيتهم والمبارزة التي كانت بين فاسيا و نيقولا
تأكد لصوفيا عدم وفاء زوجها لها . كانت أحياناً تتكلم لميشيل وتلوم نفسها لسلامة نيتها ولعدم يقظتها ، واحياناً أخرى تحس بالإهانة والضياع وأنها تريد الفرار إلى بلدها وتترك كل الأمر ورائها . كان ميشيل يحاول أن يخفف من وجعها تارة ويخاف تارة أخرى من أن تغادر المكان  فتبدأ الدنيا تدور من ناحيته  فقال لها : إن المبرر الحقيقي لعيشتك هو هنا فى وسط هذا البلد الذي تحبين ، وهذا البيت هو بيتك و مغادرة نيقولا شيء جيد فقد أخذ معه كل اكاذيبه و قذارته ، صوفيا !! صوفيا  !! أنت تفهمين مقصدي أليس كذلك؟ أنت لست حاقدة عليَّ بسبب الأذى الذي سببه لك نيقولا وسوف تبقين مهما جرى ؟. 
أعادت صوفيا قراءة بعض العبارات من رسالة نيقولا (أجيبيني أتوسل اليك !لماذا قطعت أخبارك عني؟ إنني قلق جداً عليك؟ إن موت القيصر البارحة ستجبرني على ان اظل هنا لبعض الوقت, فاصحابي يعتمدون عليَّ ولا أستطيع أن اتركهم ..كم هو مدهشٌ أن يحس أحدنا بأنه فعال و نافع !..كنت راجعا من نزهةٍ ليلية وقد تكلمت إلى بعض الجنود القساة الأشداء ,إنهم بسطاء يعرفوننا جيداً ...وبالمناسبة لقد لاقيت نيكيتا , لقد وُفق هذا الشاب هنا في بطسبورغ جدا ، لم يعد فلاحاً وهو يشتغل في مكان لبيع الأقمشة . كان يمكن أن تكون فرحتي تامة لو كنت هنا بقربي ،عليك أن تأتي وتنضمي إليَّ فوالدي أصبحت صحته جيدة وتستطعين تركه ). 



رفعت نظرها عن الرسالة ، أصبحت شكاوي الحب هذه لا تُحدث لديها أي فرق كما لو أن الرسالة مكتوبة لامراة ثانية ...إنه يطلب جواباً على مكتوبه فسأكتب له بألا يحاول أن يلاقيني ثانية وأن عليه أن يستقر في سان بطرسبورغ وأنا ساظل هنا في الريف ، وربما فيما بعد سارجع إلى فرنسا . وعلى أية حال فلن اقول له أي لوم أو عتاب , فهو كائن بسيط مزاحي يتنقل كالفراشة من زهرة إلى ثانية , فهذا هو الرجل الذي تزوجته والذي  أبغي الطلاق منه ، وإنني سوف أعتمد على حماي ميشيل كي يحميني من هجماته الممكنة , فإن ميشيل كثيراً ما اظهر مزيداً من الاعتناء بها والإستقامة . وعلاوة على ذلك فإن حياتها كفتاة انتهت فهي لا تتصور أنه يمكنها أن تفكر بشخص آخر بعد انقضاء عشر اعوام على زواجها .
عند تناول الطعام قال لها ميشيل : هل تلقيت انباءا من سان بطرسبورغ .
- بلى .
- ماذا تنوين أن تعملي .
- أنوي البقاء هنا شريطة ألا يرجع نيقولا إلى هنا . 
أجابها ميشيل بكل ثقة و حزم : كوني مرتاحة .. لن يجتاز عتبة هذا  المنزل بعد الآن . 
أثناء تفقد صوفيا أحوال المزارعين وفي طريق رجوعها , استوقفها أحد فلاحين فلادمير و اعطاها رسالة مكتوبٌ فيها ( عندما ستتلين هذه الأسطر أكون قد مت , وإني آمل , كوني اوقفت حياتي , أن يكون ذلك راحة و طمانينة للجميع . زوجي رجلٌ شرير سافل ولا يهتم سوى برغباته و بأطماعه , أتوسل إليك أن تأتي لتجلبي ( سيرج ) فبعد دقائق لن يبقى له أحد غيرك بالعالم , وأرجوك أن لا تعطيه لأبيه تحت أي حجة أو سببٍ أيّا كان . إعتني بولدي وامنحيه العطف و الحب وآمل أن يحبه نقولا ووالدي أيضاً . ادعي من أجلي . الوداع – ماري...
كان الوصول إلى بيت ماري يستغرق ساعة . صاحت بسائق العربة : هيّا اسرع , بسرعة إلى اتورانودى . كانت تردد في داخلها : هذا أكيد كابوس ،المهم أن أصل قبل انتهاء الامر  ......وأخذ القلق ياكل قلبها  . شعرت بخفقات قلبها تكاد تخرج من مكانها وهي تدخل باب المنزل ، دخلت مسرعة والتقت بالخادمة التي كانت تؤشر ب إشارة الصليب على صدرها . صاحت صوفيا ماذا هناك ، فقالت الخادمة : سيدتنا توفت . خارت قوى صوفيا وأحست كأنها فقدت وعيها ، فأكملت الخادمة : منذ ساعة تقريباً راوها في السقيفة وقد شنقت ذاتها . 
اقتادوها الخدم إلى حجرة النوم , كانت هناك ممددة على الفراش بكامل ملابسها في وضع متصلب وقد غُطي راسها بمنديل . رفعت صوفيا المنديل و بان وجه ماري ، لقد كان راي صوفيا أن هذه الحياة التي أساءت ماري عيشها  والفتاة  التي تزوجت في يوم كانت فيه حالة الجو الثلجية على أشدها في كنيسة ريفية كانت تحمل في داخلها منذ ذلك الحين المرأة المشنوقة تلك والتي تتمدد على هذا السرير.
كان ميشيل في غاية الاضطراب و التوتر ينتظر كنته التي تأخرت عن موعد وصولها بشكل كبير . دخلت ماري وهى تحمل على ذراعيها طفل رضيع اعتقده ميشيل لأحد المزارعين  !! وقبل أنْ يبدأ بتوبيخها ويُظهر بؤسه , وقفت أمامه وقالت : إنه ابن ماري . انكمش ميشيل على ذاته  ثم سألها بلهجة باردة : لماذا جئت به,  إذا كنت تظنين أنك بعملك هذا تقدرين إثارة عطفي ... !
- اوه أبي , إني ارجوك أن تكون شجاعاً كثيرا ، ثم ناولته مكتوب ماري . رفض قراءتها في بداية الأمر ولكنه تحت إاصرار و الحاح صوفيا فتح الورقة وأخذ يتلو .. ثم غمغم :
- إنها لم تفعل ذلك أليس كذلك ؟ . 
- بلى يا أبي , لقد رجعت للتو من اوترادنوى ..لقد توفت ماري .
انتفض وكأنه تلقى ضربة على دماغه ، ورسم إشارة الصليب وأخذ يدعي وعيناه مليئتان بالدموع ، وقد اجتاحه في لحظة واحدة الحزن وتأنيب الضمير، ثم تنهد بعمق وقال بشكلٍ غريب, صوفيا : ولكن ماذا يفعل هذا الولد تحت سقف منزلي؟ .
- لكن يا أبي أنت رايت ما  طلبته ماري في مكتوبها .
- ولماذا عليَّ أن ارضخ لها بعد موتها وهي لم تطعني وهي على حية ، لقد تبرأتُ منها نهائياً فاعيدي هذا الطفل وسيأتي والده ذات يوم و يسترجعه .



عصف الغضب بصوفيا و صرخت : إنه حفيدك ! وإن كان هناك ذنب فهو ذنبك أنت أيضاً , فأنت من قتلت ماري بالتدريج مع مرور الأيام بلا اهتمام لها وبقسوتك و اهانتك لها . فمنذ أن وصلت أنا إلى هنا وأنت مُهملُ ابناءك وأصبح نيقولا عندك لا يحتمل , وماري حقدت عليها لأنها لا تتمع بالمزايا التي كنت تراها لديّ دون أن ترى بأنها تتمتع بمزايا أخرى أكثر مئة مرة مني ومدعاة للاحترام , وعندما ارتكبت خطيئة الزواج تلك طردتها بدلاً من أن تفعل كل ما بوسعك لكي تمنعها من أن تصبح بائسة .
كانت قطرات الغيث تنزلق على زجاج الشباك والريح تعصف بأشجار البيت  تذكّر صوفيا بالليلة الحزينة التي وصل فيها ميشيل إلى سان بطرسبورغ ليرى الابن الذي انجبته وكان قد توفي ، حملت (سيرج ) بين ذراعيها واتجهت نحو الباب ،فسألها ميشيل إلى أين ؟ .
صوفيا :لأضع سيرج في الفراش كي ينام .
لم ينبس ببنت شفة .. وعند عتبة الباب التفت إليه صوفيا فرات رأسه محنيٌ على كتفه و ظهر عليه أنه يبكي ....

                                      


                                                  النهاية




























تفاعل :

تعليقات